إسلام ويب

أخذت صلاة الجماعة حيزاً مهماً في مجال العبادات واشتملت على جملة من الأحكام والفضائل بل تعدى فضلها وسائلها كالوضوء والخروج إلى المسجد وغيرها، ولأن الجماعة لا تكون إلا بإمام فقد ورد في السنة الكثير من الأحكام المتعلقة بالإمام والمؤتم والعلاقة بينهما، وصفات الإمام، وما قد يطرأ على صلاة الإمام من نواقض وأثر ذلك على المؤتم وغيرها من الأحكام المهمة.

باب في فضل صلاة الجماعة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.

أما بعد:

فبأسانيدكم إلى أبي داود رحمنا الله تعالى وإياه، قال: [ باب في فضل صلاة الجماعة.

حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بصير عن أبي بن كعب قال: ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح، فقال: أشاهد فلان، قالوا: لا، قال: أشاهد فلان، قالوا: لا، قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى ).

حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا إسحاق بن يوسف قال: حدثنا سفيان عن أبي سهل -يعني: عثمان بن حكيم- قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة )].

باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران عن عبد الرحمن بن سعد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً ).

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا سليمان التيمي أن أبا عثمان حدثه عن أبي بن كعب قال: ( كان رجل لا أعلم أحداً من الناس ممن يصلي القبلة من أهل المدينة أبعد منزلاً من المسجد من ذلك الرجل، وكان لا تخطئه صلاة في المسجد، فقلت: لو اشتريت حماراً تركبه في الرمضاء والظلمة، فقال: ما أحب أن منزلي إلى جنب المسجد، فنمى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن قوله ذلك، فقال: أردت يا رسول الله! أن يكتب لي إقبالي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي إذا رجعت، فقال: أعطاك الله ذلك كله، أنطاك الله جل وعز ما احتسبت كله أجمع )].

بسم الله الرحمن الرحيم.

وفي ذلك سعة فضل الله عز وجل، وأن الإنسان إذا احتسب شيئاً أعطاه الله عز وجل إياه، ولو جاء الإنسان على دابة، فإن الله عز وجل يكتب أجر خطواته ما احتسب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو توبة قال: حدثنا الهيثم بن حميد عن يحيى بن الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة، وذلك بأن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة، ولا ينهزه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، ويقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه أو يحدث فيه ).

حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا أبو معاوية عن هلال بن ميمون عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الصلاة في جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة، فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة )، قال أبو داود: قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديث: ( صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة )، وساق الحديث ].

حديث الصلاة في الفلاة لا يخلو من علة، لكنه بمجموعه من جيد الأحاديث، وقد جاء من عدة طرق في فضل الصلاة في فلاة، ولكن لا يقصدها الإنسان، والمراد من ذلك أن يؤديها حتى لو كان في بادية، كراعي الغنم، أو الرجل الذي يبدو لمصلحة من المصالح، أو غير ذلك، أو الرجل المسافر الذي يكون في سفر ثم يصليها في فلاة، فيؤتى الأجر ما احتسب.

وأيها أفضل: الإنسان يصلي إذا كان مسافراً في طريق أن يصلي في فلاة، أم ينتظر حتى يأتي إلى جماعة في الطريق؟

نقول: الأفضل يصلي في فلاة، ولكن لا يتقصد ترك الجماعة لأجل الفلاة، وألا يتقصد ترك صلاة الفلاة لأجل الجماعة، بل يصلي على حاله.

باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلام

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلام

حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا أبو عبيدة الحداد قال: حدثنا إسماعيل أبو سليمان الكحال عن عبد الله بن أوس عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة )].

باب ما جاء في الهدي في المشي إلى الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الهدي في المشي إلى الصلاة

حدثنا محمد بن سليمان الأنباري أن عبد الملك بن عمرو حدثهم عن داود بن قيس قال: حدثني سعد بن إسحاق قال: حدثني أبو ثمامة الحناط: ( أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد أدرك أحدهما صاحبه، قال: فوجدني وأنا مشبك بيدي، فنهاني عن ذلك، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة ).

حدثنا محمد بن معاذ بن عباد العنبري قال: حدثنا أبو عوانة عن يعلى بن عطاء عن معبد بن هرمز عن سعيد بن المسيب قال: ( حضر رجلاً من الأنصار الموت، فقال: إني محدثكم حديثاً ما أحدثكموه إلا احتساباً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عز وجل عنه سيئة، فليقرب أحدكم أو ليبعد، فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضاً وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك )].

باب فيمن خرج يريد الصلاة فسبق بها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن خرج يريد الصلاة فسبق بها

حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد- عن محمد- يعني: ابن طحلاء- عن محصن بن علي عن عوف بن الحارث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله جل وعز مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجرهم شيئاً ) ].

والصواب في هذا الحديث هو الوقف، وظاهر قول أبي هريرة عليه رضوان الله أن الإنسان إذا خرج إلى الصلاة فوجد الناس قد صلوا، يعني: أنه عُذر بذهابه وظن أن الوقت لم يذهب، فيؤتى الأجر بإذن الله تعالى، كذلك من أدرك من الإمام لحظة من صلاته ثم دخل معه فيؤتى أجر الجماعة، لكن يفوته من ذلك ما فاته من الصلاة إذا كان مقصراً، فإذا خرج الإنسان قاصداً للصلاة وكان معذوراً ثم وجد الناس قد انصرفوا يؤتى أجر الجماعة بإذن الله.

وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان إذا دخل المسجد ووجد الإمام على حال أن يصنع كما يصنع الإمام، كما جاء في حديث علي بن أبي طالب عليه رضوان الله، وجاء بنحوه من حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى، وجاء في حديث عبد الله بن مسعود وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي بمجموعها تدل على أهمية المبادرة، وأما ما يفعله بعض الناس أنه ينتظر جماعة أخرى والإمام في تشهده الأخير، نقول: هذا لم يكن يعمله السلف، وليس معروفاً لا عند الصحابة ولا عند التابعين، بل يدخل مع الإمام ولو لحظة، وذلك لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، فينبغي للإنسان أن يبادر.

كذلك بعض الناس إذا كان الإمام ساجداً يأتي إلى الصلاة، ويقف حتى يرفع الإمام، وذلك أن هذه السجدة لا تحسب له، وهذا حرمان، فكيف تفوت مثل هذه السجدة، ربما تكون هذه السجدة هي التي تدخلك الجنة، كما قال ابن المبارك، فالعبرة ليست باعتبار الركعة، ولكن بتفويت الطاعة، فينبغي للإنسان أن يبادر.

باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات ).

حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا العوام بن حوشب قال: حدثني حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن ).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير و أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال: قال عبد الله بن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل، فقال ابن له: والله لا نأذن لهن فيتخذنه دغلاً، والله لا نأذن لهن، قال: فسبه وغضب، وقال: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائذنوا لهن وتقول لا نأذن لهن؟ )].

وذلك أن الغيرة على نوعين: غيرة ممنوعة، وغيرة مشروعة، فالممنوعة هي التي تخالف الدليل كمثل هذا الإنسان يظن أن غيرته أولى من النص. يقال: إن النص هو الأولى، وهو الذي يحكم الغيرة، وذلك ما جاء في حديث سعد لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أتعجبون من غيرة سعد! لأنا أغير منه، والله أغير مني )، فبعض الغيرة التي تكون من الرجال ليست صحيحة، بل يحكمها في ذلك الشرع.

وقد جاء في مسند الإمام أحمد عن بعض الصحابة عليهم رضوان الله أنه كان لا يستطيع أن يمنع امرأته من الذهاب إلى المسجد، فكان يترصد لها في صلاة الفجر بالطريق، فلما كان في سكة مظلمة خرج عليها وضربها من خلفها ثم هرب، ثم لم تخرج بعد، وذلك أنه لا يستطيع أن يمنعها، ولكن نقول: إن منع المرأة إذا قصدت المسجد مكروه، وقد يحمل ظاهر النهي للتحريم.

والغيرة الشرعية: هي التي توافق الدليل، أو ما سكت عنها، باعتبار أنها أمر فطري فطر الله عز وجل الناس عليها، والأصل أن الله عز وجل مما فطر الناس عليه أنه حق، وكلما وافقت النزعة النفسية الدليل فهذه النزعة شرعية، ولهذا نقول: إن ما يوجد في الإنسان من وازع شرع ووازع طبع، إذا اجتمع هذان الوازعان فهما آكد الأدلة.

باب التشديد في ذلك

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التشديد في ذلك

حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعه نساء بني إسرائيل ). قال يحيى: فقلت لـعمرة: أمنعه نساء بني إسرائيل؟ قالت: نعم.

حدثنا ابن المثنى أن عمرو بن عاصم حدثهم قال: حدثنا همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ).

حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو تركنا هذا الباب للنساء ). قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات، قال أبو داود: رواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع قال: قال عمر: وهذا أصح].

نساء بني إسرائيل كن يصلين في بيوت الله، ولكن كن يتشرفن إلى الرجال، ويلبسن نعالاً من خشب كما جاء في حديث عائشة، وجاء في حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله، فمنعن من الصلاة، ولهذا إذا كان حال بعض النساء في مثل هذا فللرجل أن يمنع للاشتراك في العلة، فإذا وجدت هذه العلة فإنه يجري عليها الحكم عيناً، لكن لا يلغى الحكم عاماً.

باب السعي إلى الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السعي إلى الصلاة

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عنبسة قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب و أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا )، قال أبو داود: كذا قال الزبيدي و ابن أبي ذئب و إبراهيم بن سعد و معمر و شعيب بن أبي حمزة عن الزهري: ( وما فاتكم فأتموا )، وقال ابن عيينة: عن الزهري وحده: ( فاقضوا )، وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة و جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة: ( فأتموا )، و ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو قتادة و أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كلهم: ( فأتموا ).

حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال: حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم واقضوا ما سبقكم )، قال أبو داود: وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة: ( وليقض )، وكذا قال أبو رافع: عن أبي هريرة و أبو ذر روى عنه: ( فأتموا، واقضوا ). اختلف عنه].

باب في الجمع في المسجد مرتين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجمع في المسجد مرتين

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا وهيب عن سليمان الأسود عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده، فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه )].

وهذا يحمل على العذر، وإلا فالأصل أنها لا تنعقد جماعتان في مسجد واحد، وذلك أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى كانوا إذا فاتتهم الصلاة صلوا فرادى، كما روى ابن أبي شيبة وغيره من حديث الحسن قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاتتهم الصلاة صلوا فرادى، ولا أعلم أحداً من الصحابة عليهم رضوان الله من عقد جماعة ثانية في مسجد واحد إلا ما ظهر من هذا الدليل، وجاء أيضاً فيه أثران: الأثر الأول عن أنس بن مالك، والثاني عن عبد الله بن مسعود عليهما رضوان الله، ولعل ما جاء عنهما في ذلك أنه يحمل على العذر، إذا فاتت الإنسان الصلاة معذوراً فإنه يصلي جماعة إن وجد، أما أن يبيت وجود جماعة ثانية في المساجد الراتبة، فهذا خلاف السنة، أما المساجد غير الراتبة كمساجد الطرقات، وكذلك المساجد الذي تأخذ حكم المساجد غير الراتبة، ولو كانت مساجد راتبة وهي كمساجد الأسواق، وكذلك كالحرمين وغيرها من المساجد التي يعتادها الناس، فلا حرج من عقد جماعة أخرى بعد الجماعة الأولى؛ لأن هذه المساجد تقصد من القريب والبعيد.

باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن صلى في منزلة ثم أدرك الجماعة يصلي معهم

حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه: ( أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام شاب، فلما صلى إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد، فدعا بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا، فقال: لا تفعلوا، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل، فليصل معه فإنها له نافلة ).

حدثنا ابن معاذ قال: حدثني أبي، قال: حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد عن أبيه، قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمنىً) بمعناه.

حدثنا قتيبة قال: حدثنا معن بن عيسى عن سعيد بن السائب عن نوح بن صعصعة عن يزيد بن عامر قال: ( جئت والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فجلست، ولم أدخل معهم في الصلاة، فانصرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى يزيد جالساً، فقال: ألم تسلم يا يزيد! قال: بلى يا رسول الله! قد أسلمت، قال: فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ قال: إني كنت قد صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم، فقال: إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة ).

حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على ابن وهب قال: أخبرني عمرو عن بكير أنه سمع عفيف بن عمرو بن المسيب يقول: حدثني رجل من بني أسد بن خزيمة أنه سأل أبا أيوب الأنصاري، فقال: ( يصلي أحدنا في منزله الصلاة، ثم يأتي المسجد وتقام الصلاة فأصلي معهم فأجد في نفسي من ذلك شيئاً، فقال أبو أيوب: سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ذلك له سهم جمع )].

باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد

حدثنا أبو كامل قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار يعني مولى ميمونة قال: ( أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون، فقلت: ألا تصلي معهم، قال: قد صليت، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ).

باب في جماع الإمامة وفضلها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في جماع الإمامة وفضلها

حدثنا سليمان بن داود المهري قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن حرملة عن أبي علي الهمداني قال: سمعت عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أم الناس فأصاب الوقت فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم )].

باب في كراهية التدافع على الإمامة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية التدافع على الإمامة

حدثنا هارون بن عباد الأزدي قال: حدثنا مروان حدثتني طلحة أم غراب عن عقيلة امرأة من بني فزارة مولاة لهم عن سلامة بنت الحر أخت خرشة بن الحر الفزاري قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إماماً يصلي بهم ) ].

هذا الحديث لا يصح، في إسناده جهالة.

باب من أحق بالإمامة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من أحق بالإمامة

حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني إسماعيل بن رجاء قال: سمعت أوس بن ضمعج يحدث عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة، فإن كانوا في القراءة سواءً فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فليؤمهم أكبرهم سناً، ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه )، قال شعبة: فقلت لـإسماعيل: ما تكرمته؟ قال: فراشه.

حدثنا ابن معاذ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا شعبة بهذا الحديث، قال فيه: ( ولا يؤم الرجل الرجل )، قال أبو داود: وكذا قال يحيى القطان عن شعبة: أقدمهم قراءة.

حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا عبد الله بن نمير عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج الحضرمي قال: سمعت أبا مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، قال: ( فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرة ). ولم يقل: ( فأقدمهم قراءة ).

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا أيوب عن عمرو بن سلمة قال: ( كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا مروا بنا، فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا وكنت غلاماً حافظاً، فحفظت من ذلك قرآناً كثيراً، فانطلق أبي وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه، فعلمهم الصلاة، فقال: يؤمكم أقرؤكم، وكنت أقرأهم لما كنت أحفظ فقدموني، فكنت أؤمهم وعليّ بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت تكشفت عني، فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم، فاشتروا لي قميصاً عمانياً، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين ).

حدثنا النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا عاصم الأحول عن عمرو بن سلمة بهذا الخبر قال: فكنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق، فكنت إذا سجدت خرجت استي.

حدثنا قتيبة قال: حدثنا وكيع عن مسعر بن حبيب الجرمي قال: حدثنا عمرو بن سلمة عن أبيه: ( أنهم وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أرادوا أن ينصرفوا، قالوا: يا رسول الله! من يؤمنا؟ قال: أكثركم جمعاً للقرآن أو أخذاً للقرآن، فلم يكن أحد من القوم جمع ما جمعته، قال: فقدموني وأنا غلام وعلي شملة لي، فما شهدت مجمعاً من جرم إلا كنت إمامهم، وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومي هذا ) قال أبو داود: ورواه يزيد بن هارون عن مسعر بن حبيب الجرمي عن عمرو بن سلمة قال: لما وفد قومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم يقل: عن أبيه.

حدثنا القعنبي قال: حدثنا أنس يعني: ابن عياض، ح وحدثنا الهيثم بن خالد الجهني المعنى، قالا: حدثنا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: ( أنه لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العصبة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآناً )، زاد الهيثم: وفيهم عمر بن الخطاب، و أبو سلمة بن عبد الأسد .

حدثنا مسدد قال: حدثنا إسماعيل، ح وحدثنا مسدد قال: حدثنا مسلمة بن محمد المعنى واحد عن خالد عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أو لصاحب له: ( إذا حضرت الصلاة، فأذنا، ثم أقيما، وليؤمكما أكبركما سنا )، وفي حديث مسلمة قال: وكنا يومئذ متقاربين في العلم، وقال في حديث إسماعيل: قال خالد: قلت لـأبي قلابة: فأين القرآن؟ قال: إنهما كانا متقاربين.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا حسين بن عيسى الحنفي قال: حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال ].

في قوله عليه الصلاة والسلام: ( إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما )، دليل على أن أقل الجماعة اثنين، وهذا ما ذهب إليه البخاري وترجم عليه في كتابه الصحيح، قال: اثنان فما فوقهما جماعة ثم أورد في ذلك حديث أبي قلابة عن مالك بن الحويرث.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم قراؤكم )].

باب إمامة النساء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إمامة النساء

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع بن الجراح قال: حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع قال: حدثتني جدتي و عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم ورقة بنت نوفل: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدراً، قالت: قلت له: يا رسول الله! ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم لعل الله أن يرزقني شهادة، قال: قري في بيتك فإن الله تعالى يرزقك الشهادة، قال: فكانت تسمى الشهيدة، قال: وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذناً، فأذن لها، قال: وكانت قد دبرت غلاماً لها وجارية فقاما إليها بالليل فغماها بقطيفة لها حتى ماتت وذهبا، فأصبح عمر فقام في الناس، فقال: من كان عنده من هذين علم، أو من رآهما فليجئ بهما، فأمر بهما فصلبا، فكانا أول مصلوب بالمدينة ).

حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي قال: حدثنا محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بهذا الحديث، والأول أتم، قال: ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها ) قال عبد الرحمن: فأنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً ].

وهذا الحديث مما تفرد به الوليد بن جميع في روايته، تارة يرويه عن جدته، وتارة يرويه عن عبد الرحمن بن خلاد، وفي النفس من ذكر المؤذن شيء، وإمامة النساء للنساء معلومة، وجاء ذلك عن عائشة، وجاء عن أم سلمة وغيرها من الصحابيات، وجاء عن جماعة من التابعين عليهم رضوان الله، وتقوم وسطهن، وأما أن تؤم المرأة الرجل فلا يثبت ذلك، ولم يقل بهذا أحد من السلف في القرون المفضلة.

وكذلك فيه أنه حتى خروج المرأة إلى الجهاد أنه ضيق بخلاف الرجل، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( قري في بيتك )، يعني: أنه ولو كان في هذه المسألة يكون هذا في أبواب ضيقة عند قلة الرجال، والحاجة إلى النساء في مداواة الجرحى.

والعجب أن شريعة الجهاد هي أظهر الشرائع كرهاً عند المنافقين، ومع ذلك يستدلون بخروج النساء لاختلاطها بالرجال، يشرعون للمرأة الاختلاط أنها تداوي الجرحى، ويكرهون الجرحى، فهم يكرهون شريعة الجهاد في ذاتها، ولا يعلمون منها إلا خروج المرأة إلى الجهاد، حتى تختلط في حال الإقامة، لكن نقول لهم: قولوا بالجهاد أصلاً، ثم لا بأس أن تأتي مثل هذه المسائل تبعاً، ولكن هي الأهواء.

باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون

حدثنا القعنبي قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن غانم عن عبد الرحمن بن زياد عن عمران بن عبد المعافري عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة، من تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً -والدبار: أن يأتيها بعد أن تفوته- ورجل اعتبد محررة )].

باب إمامة الأعمى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إمامة الأعمى

حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري أبو عبد الله قال: حدثنا ابن مهدي قال: حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى )].

باب إمامة الزائر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إمامة الزائر

حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا أبان عن بديل قال: حدثني أبو عطية مولىً منا، قال: ( كان مالك بن حويرث يأتينا إلى مصلانا هذا، فأقيمت الصلاة، فقلنا له: تقدم فصله، فقال لنا: قدموا رجلاً منكم يصلي بكم، وسأحدثكم لم لا أصلي بكم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من زار قوماً فلا يؤمهم، وليؤمهم رجل منهم )].

باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان القوم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان القوم

حدثنا أحمد بن سنان و أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي المعنى، قالا: حدثنا يعلى قال: حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن همام: ( أن حذيفة أم بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى، قد ذكرت حين مددتني ).

حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: أخبرني أبو خالد عن عدي بن ثابت الأنصاري قال: ( حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر بالمدائن فأقيمت الصلاة، فتقدم عمار وقام على دكان يصلي والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة، فأخذ على يديه فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم ). أو نحو ذلك، قال عمار: لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي].

ولكن لا حرج على الإمام أن يرتفع للتعليم، كما صلى النبي عليه الصلاة والسلام على منبره ليراه الناس، فإذا أراد أن يسجد نزل، وهذا من باب التعليم.

باب إمامة من يصلي بقوم وقد صلى تلك الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إمامة من صلى يقوم وقد صلى تلك الصلاة

حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عجلان قال: حدثنا عبيد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله: ( أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم يأتي قومه فيصلي بهم تلك الصلاة ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: ( إن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع فيؤم قومه )].

باب الإمام يصلي من قعود

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام يصلي من قعود

حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصرع، فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، فصلينا وراءه قعوداً، فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون ).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير ووكيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: ( ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً بالمدينة فصرعه على جذم نخلة فانفكت قدمه، فأتيناه نعوده، فوجدناه في مشربة لعائشة يسبح جالساً، قال: فقمنا خلفه فسكت عنا، ثم أتيناه مرة أخرى نعوده، فصلى المكتوبة جالساً، فقمنا خلفه فأشار إلينا، فقعدنا، قال: فلما قضى الصلاة، قال: إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً، وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها ).

حدثنا سليمان بن حرب ومسلم بن إبراهيم المعنى عن وهيب عن مصعب بن محمد عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد -قال مسلم: ولك الحمد- وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين ) ].

وهذا في حكم الصلاة، النبي عليه الصلاة والسلام كره أن يقوم الناس خلفه وهو جالس، فكيف في غير الصلاة؟ فإنه أولى بالكراهة، أن الإنسان يقوم على رأسه أحد أو نحو ذلك، فهذا مما يكره؛ لأنه يغرس في نفس الإنسان أو السيد الكبر والتعظيم الزائد الذي ينهى عنه، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وهو في صلاة، فكيف بغيرها.

وينبغي للإنسان أن يكره ذلك ولو وجد عنده خادم أن يقف على رأسه أن يجلسه، إلا لمصلحة كمصلحة الطعام، والقيام في أمر الناس ونحو ذلك، لا لأجل التعظيم، مع وجوب القيام، وكونه ركناً في الصلاة، جعل النبي عليه الصلاة والسلام المأموم يكون جالساً كحاله، لأن نفي هذا الأمر أعظم، ومفسدته على الإنسان وعلى الناس أظهر، وكذلك يُنهى أن يوطئ عقب الإنسان، يعني: أن يمشي الناس خلفه، ويعتاد هذا، فإن هذا مما يورث في الناس الكبر، وإن لم يورث هذا الأمر في المرة الأولى، الثانية، الثالثة، وهي خيوط تنسج في القلب حتى تتمكن، فيتكبر الإنسان على غيره من حيث لا يشعر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أبو داود: اللهم ربنا لك الحمد أفهمني بعض أصحابنا عن سليمان.

حدثنا محمد بن آدم المصيصي قال: حدثنا أبو خالد عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ). بهذا الخبر، زاد: ( وإذا قرأ فأنصتوا )، قال أبو داود: وهذه الزيادة: (وإذا قرأ فأنصتوا) ليست بمحفوظة الوهم عندنا من أبي خالد.

حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو جالس فصلى وراءه قوم قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً ).

حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن موهب المعنى أن الليث حدثهم عن أبي الزبير عن جابر قال: ( اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يكبر ليسمع الناس تكبيره )، ثم ساق الحديث.

حدثنا عبدة بن عبد الله قال: أخبرنا زيد -يعني: ابن الحباب- عن محمد بن صالح قال: حدثني حصين من ولد سعد بن معاذ عن أسيد بن حضير أنه كان يؤمهم، قال: ( فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فقالوا: يا رسول الله! إن إمامنا مريض، فقال: إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً )، قال أبو داود: هذا الحديث ليس بمتصل].

باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا ثابت عن أنس: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم حرام، فأتوه بسمن وتمر، فقال: ردوا هذا في وعائه وهذا في سقائه فإني صائم، ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعاً، فقامت أم سليم و أم حرام خلفنا ) قال ثابت: ولا أعلمه إلا قال: أقامني عن يمينه على بساط.

حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة عن عبد الله بن المختار عن موسى بن أنس يحدث عن أنس: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه وامرأة منهم، فجعله عن يمينه والمرأة خلف ذلك ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال: ( بت في بيت خالتي ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فأطلق القربة فتوضأ، ثم أوكأ القربة، ثم قام إلى الصلاة، فقمت فتوضأت كما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره، فأخذني بيمينه فأدارني من ورائه فأقامني عن يمينه، فصليت معه ).

حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه القصة، قال: ( فأخذ برأسي أو بذؤابتي فأقامني عن يمينه )].

باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون

حدثنا القعنبي عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك: ( أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه، ثم قال: قوموا فلأصلي لكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتين، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم ).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن فضيل عن هارون بن عنترة عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، قال: ( استأذن علقمة و الأسود على عبد الله، وقد كنا أطلنا القعود على بابه، فخرجت الجارية فاستأذنت لهما فأذن لهما، ثم قام فصلى بيني وبينه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل )].

باب الإمام ينحرف بعد التسليم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام ينحرف بعد التسليم

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال: ( صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا انصرف انحرف ).

حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا مسعر عن ثابت بن عبيد عن عبيد بن البراء عن البراء بن عازب قال: ( كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه، فيقبل علينا بوجهه صلى الله عليه وسلم )].

باب الإمام يتطوع في مكانه

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام يتطوع

حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الملك القرشي قال: حدثنا عطاء الخراساني عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يصل الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول )، قال أبو داود: عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة ].

باب الإمام يحدث بعدما يرفع رأسه من آخر الركعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام يحدث بعدما يرفع رأسه من آخر ركعة

حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زهير قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع وبكر بن سوادة عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قضى الإمام الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم، فقد تمت صلاته، ومن كان خلفه ممن أتم الصلاة ).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ) ].

وهذا الأصل في أنه يحرم على الإنسان ما يحل له قبل تكبيرة الإحرام.

والمراد بقوله: ( تحريمها التكبير )، يعني: يحرم عليه ما حل له قبل ذلك، وهذا الذي يستدل به العلماء على حرمة الحركة، وحرمة الأكل والشرب، وغير ذلك، فإنه أصل في هذا الباب، فإن الإنسان إذا دخل في صلاته حرم عليه ما حل قبل ذلك: ( وتحليلها التسليم )، يعني: يحل له ما كان قد حرم عليه في أثناء صلاته.

باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن ابن عجلان حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تبادروني بركوع، ولا بسجود، فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت، إني قد بدنت ).

حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الله بن يزيد الخطمي يخطب الناس قال: حدثنا البراء وهو غير كذوب: ( أنهم كانوا إذا رفعوا رءوسهم من الركوع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاموا قياماً، فإذا رأوه قد سجد سجدوا ).

حدثنا زهير بن حرب وهارون بن معروف المعنى، قالا: حدثنا سفيان عن أبان بن تغلب قال زهير: حدثنا الكوفيون أبان وغيره عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء قال: ( كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحنو أحد منا ظهره حتى يرى النبي صلى الله عليه وسلم يضع ).

حدثنا الربيع بن نافع قال: حدثنا أبو إسحاق -يعني: الفزاري- عن أبي إسحاق عن محارب بن دثار قال: سمعت عبد الله بن يزيد يقول على المنبر: حدثني البراء: ( أنهم كانوا يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا ركع ركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، لم نزل قياماً، حتى يروه قد وضع جبهته بالأرض، ثم يتبعونه صلى الله عليه وسلم )].

باب التشديد فيمن يرفع قبل الإمام أو يضع قبله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التشديد فيمن برفع قبل الإمام أو يضع قبله

حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أما يخشى -أو ألا يخشى- أحدكم إذا رفع رأسه والإمام ساجد أن يحول الله رأسه رأس حمار -أو صورته صورة حمار- )].

باب فيمن ينصرف قبل الإمام

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن ينصرف قبل الغمام

حدثنا محمد بن العلاء قال: أخبرنا حفص بن بغيل المرهبي قال: حدثنا زائدة عن المختار بن فلفل عن أنس: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حضهم على الصلاة، ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة )].

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كتاب الصلاة [4] للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

https://audio.islamweb.net