إسلام ويب

الإمام ونوابه مسئولون عن رعاياهم، ومن مظاهر المسئولية تولية الكفء، ولا يجوز طلب الإمارة إلا إذا كان لمصلحة الأمة، ولا يحل لمن له مسئولية أن يقبل هدايا الناس لأنها رشوة، ومن باب أولى الاستيلاء على المال العام أو على شيء منه، ولا يحتجب عن حاجة الناس وخلتهم، وأن يتخذ الوسائل المباحة لضبط أمور الدولة وأموالها بما في ذلك توزيع الأرزاق والعطايا.

باب ما يلزم الإمام من حق الرعية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [بسم الله الرحمن الرحيم.

أول كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما يلزم الإمام من حق الرعية

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, فالأمير الذي على الناس راع عليهم وهو مسئول عنهم, والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم, والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم, والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه, فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) ].

كل أحد لديه ولاية مسئول عنها, وأعظم الولايات هي الولاية الكبرى؛ لأنها شاملة للجميع؛ شاملة للأموال وللأفراد, شاملة للأنفس والعقول، وللدين والأعراق وغير ذلك, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما من رجل يلي أمر ثلاثة فما فوق إلا جاء يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه، فكه بره أو أبقاه إثمه ), يعني: الأصل أنه مؤاخذ, فيأتي مقيداً فيفكه عدله؛ لأنه لا يكاد يسلم من مظالم الناس أحد إلا ما رحم الله.

باب ما جاء في طلب الإمارة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في طلب الإمارة

حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا يونس و منصور عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال: ( قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا عبد الرحمن بن سمرة! لا تسأل الإمارة فإنك إذا أعطيتها عن مسألة وكلت فيها إلى نفسك، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ) ].

لا حرج أن يتشوف الإنسان للإمارة لا لحظ نفسه وإنما لإقامة العدل إذا لم يكن في الأمة أحد صالح؛ وذلك كما طلبها يوسف عليه السلام لا لحظ نفسه وإنما لحظ الأمة كما في قوله: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ [يوسف:55], وذلك لما رأى أمر الأمة مهلك, ويسير إلى غير خير, فسألها حتى يقيم أمر الناس, وإلا فالأصل أنها مكروهة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية قال: حدثنا خالد عن إسماعيل بن أبي خالد عن أخيه عن بشر بن قرة الكلبي عن أبي بردة عن أبي موسى قال: ( انطلقت مع رجلين إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشهد أحدهما, ثم قال: جئنا لتستعين بنا على عملك, فقال الآخر مثل قول صاحبه, فقال: إن أخونكم عندنا من طلبه, فاعتذر أبو موسى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لم أعلم لما جاءا له, فلم يستعن بهما على شيء حتى مات ) ].

أخو إسماعيل الذي يروي عنه إسماعيل بن أبي خالد لا يُعرف.

باب في الضرير يولى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في الضرير يولى

حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس بن مالك ( أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين ) ].

ولاية الأعمى هنا ولاية عارضة لا ولاية دائمة, والولاية العارضة للأعمى لا حرج فيها, وأما الولاية الدائمة فتُكره.

باب في اتخاذ الوزير

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في اتخاذ الوزير

حدثنا موسى بن عامر المري قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا زهير بن محمد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق؛ إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه, وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء؛ إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه )].

باب في العرافة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في العرافة

حدثنا عمرو بن عثمان قال: حدثنا محمد بن حرب عن أبي سلمة سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر عن صالح بن يحيى بن المقدام عن جده المقدام بن معدي كرب ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب على منكبه ثم قال له: أفلحت يا قديم إن مت ولم تكن أميراً ولا كاتباً ولا عريفاً ) ].

صالح بن يحيى بن المقدام يقول البخاري: فيه نظر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا غالب القطان عن رجل عن أبيه عن جده ( أنهم كانوا على منهل من المناهل, فلما بلغهم الإسلام جعل صاحب الماء لقومه مائة من الإبل على أن يسلموا, فأسلموا وقسم الإبل بينهم, وبدا له أن يرتجعها منهم, فأرسل ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ائت النبي صلى الله عليه وسلم فقل له: إن أبي يقرئك السلام, وإنه جعل لقومه مائة من الإبل على أن يسلموا, فأسلموا وقسم الإبل بينهم, وبدا له أن يرتجعها منهم؛ أفهو أحق بها أم هم؟ فإن قال لك: نعم أو لا, فقل له: أبي شيخ كبير وهو عريف الماء, وإنه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده, فأتاه فقال: إن أبي يقرئك السلام, فقال: وعليك وعلى أبيك السلام, فقال: أبي جعل لقومه مائة من الإبل على أن يسلموا, فأسلموا وحسن إسلامهم, ثم بدا له أن يرتجعها منهم فهو أحق بها أم هم؟ فقال: إن بدا له أن يسلمها لهم فليسلمها, وإن بدا له أن يرتجعها فهو أحق بها منهم, فإن هم أسلموا فلهم إسلامهم, وإن لم يسلموا قوتلوا على الإسلام, وقال: إن أبي شيخ كبير وهو عريف الماء, وإنه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده, فقال: إن العرافة حق ولا بد للناس من العرفاء, ولكن العرفاء في النار ) ]. الحديث لا يصح؛ للجهالة في إسناده.

باب اتخاذ الكاتب

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: اتخاذ الكاتب

حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا نوح بن قيس عن يزيد بن كعب عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: ( السجل كاتب كان للنبي صلى الله عليه وسلم ) ].

وهذا الحديث تفرد به يزيد بن كعب وهو مجهول, فالحديث منكر.

باب في السعاية على الصدقة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السعاية على الصدقة

حدثنا محمد بن إبراهيم الأسباطي وقال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته ).

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وقال: حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة عن عقبة بن عامر قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة صاحب مكس ).

حدثنا محمد بن عبد الله القطان عن ابن مغراء عن ابن إسحاق قال: الذي يعشر الناس, يعني: صاحب المكس ].

والمكس شبيهة بالأموال التي تؤخذ ضرائب على السلع من غير مؤنة, وشبيهة بالجمارك اليوم, فإذا أخذت بحق؛ كأن يأخذوا المال لحمايتها مثلاً أو لحراستها أو لكونها تكون في مستودعاتهم ونحو ذلك فذلك جائز, أما أن تؤخذ على كل مار ولا يقدم لها شيئاً فهذا هو المكس.

باب في الخليفة يستخلف

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الخليفة يستخلف

حدثنا محمد بن داود بن سفيان و سلمة قالا: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: ( قال عمر: إني إلا أستخلف, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف, وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف, قال: فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبا بكر فعلمت أنه لا يعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً وأنه غير مستخلف )].

باب ما جاء في البيعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في البيعة

حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: ( كنا نبايع النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ويلقنَّا: فيما استطعت ).

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن عروة ( أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء فقالت: ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط إلا أن يأخذ عليها, فإذا أخذ عليها فأعطته قال: اذهبي فقد بايعتك ) ].

هذا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم, وإنما نهي عن المس والخلوة والنظر لأجل ألا يفضي ذلك إلى الوقوع في الفاحشة, مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم من ذلك, ومع ذلك امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن مصافحة النساء؛ لعظم هذا الأمر، ولكونه مشرّعاً عليه الصلاة والسلام.

ولا أعلم أحداً من السلف رخص في مصافحة المرأة بحال، أو فعلها, لا من الصحابة ولا من التابعين, وإنما يروى في هذا عن أبي بكر في المرأة العجوز, ذكره الزيلعي في كتابه نصب الراية, وليس له إسناد, وجاء عن إبراهيم النخعي أيضاً من أهل الكوفة القول بهذا في المرأة كبيرة السن.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال: حدثنا عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام قال: ( وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله, بايعه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو صغير, فمسح رأسه )].

باب في أرزاق العمال

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أرزاق العمال

حدثنا زيد بن أخزم أبو طالب قال: حدثنا أبو عاصم عن عبد الوارث بن سعيد عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول ).

حدثنا أبو الوليد الطيالسي وقال: حدثنا ليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن ابن الساعدي قال: ( استعملني عمر على الصدقة, فلما فرغت أمر لي بعمالة, فقلت: إنما عملت لله, قال: خذ ما أعطيت فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني ).

حدثنا موسى بن مروان الرقي قال: حدثنا المعافى قال: حدثنا الأوزاعي عن الحارث بن يزيد عن جبير بن نفير عن المستورد بن شداد قال: ( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً, فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً, قال: قال أبو بكر: أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق ) ].

وفي هذا حث لأصحاب الولايات أن يكفوا؛ حتى لا تتشوف نفوسهم إلى مثل ما عليه أصحاب الغنى والتجارة وغير ذلك, وكذلك ينبغي ألا يخالطوا الناس في أموالهم فيغبنوهم أسعارهم وسوقهم فتخفض لهم الأسعار فيظلموا, فيعطون كفايتهم من المال والخادم وغير ذلك حتى تُسد الحاجة, فإن أخذوا زيادة عن ذلك فهو غلول, لا يجوز لهم أن يأخذوا غير ذلك من بيت المال.

باب في هدايا العمال

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في هدايا العمال

حدثنا ابن السرح وابن أبي خلف وهذا لفظهم قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن أبي حميد الساعدي ( أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبية -قال ابن السرح: ابن الأتبية- على الصدقة فجاء رجل فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي, فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي, ألا جلس في بيت أمه وأبيه فينظر أيهدى إليه أم لا؟ لا يأتي أحد منكم بشيء من ذلك إلا جاء به يوم القيامة إن كان بعيراً فله رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر, ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه, ثم قال: اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت ) ].

إذا كان الإنسان عاملاً على شيء ثم أعطي وهو في عمله على هذا الشيء فهذا رشوة؛ كهدية الطالب للمعلم, والزائر للموظف وغير ذلك, وأما ما يقصد الإنسان به عادة في بيته أو في عمله أو غيره؛ فهذا جائز لأنه جاء اعتراض, فلو قابله أحد يعرفه وكان يعطيه قبل ذلك, فأهدى له شيئاً لا مناسبة له في عمله, فهذا جائز, وكل ما أخذه الإنسان بسبب عمله الذي يأخذ عليه أجراً فهو كذلك من الغلول الذي يحرم على الإنسان أن يأخذه, وينبغي على أصحاب الولايات أن يمتنعوا عن أخذ الهدايا والهبات التي دفعت إليهم بسبب الولاية التي تولوها.

باب في غلول الصدقة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في غلول الصدقة

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن مطرف عن أبي الجهم عن أبي مسعود الأنصاري قال: ( بعثني النبي صلى الله عليه وسلم ساعياً, ثم قال: انطلق أبا مسعود, لا ألفينك يوم القيامة تجيء على ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته, قال: إذاً: لا أنطلق, قال: إذاً: لا أُكرهك )].

باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية

حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثني ابن أبي مريم أن القاسم بن مخيمرة أخبره أن أبا مريم الأزدي أخبره قال: ( دخلت على معاوية, فقال: ما أنعمنا بك يا فلان, وهي كلمة تقولها العرب, فقلت: حديثاً سمعته أخبرك به؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ولاه الله عز وجل شيئاً من أمر المسلمين, فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره, قال: فجعل رجلاً على حوائج الناس ).

حدثنا سلمة بن شبيب قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أوتيكم من شيء وما أمنعكموه إن أنا إلا خازن أضع حيث أمرت ).

حدثنا النفيلي قال: حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: ( ذكر عمر بن الخطاب يوماً الفيء فقال: ما أنا بأحق بهذا الفيء منكم، وما أحد منا بأحق به من أحد, إلا أنا على منازلنا من كتاب الله عز وجل, وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل وقدمه، والرجل وبلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته )].

باب في قسم الفيء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في قسم الفيء

حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء قال: حدثنا أبي قال: حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم ( أن عبد الله بن عمر دخل على معاوية, فقال: حاجتك يا أبا عبد الرحمن قال: عطاء المحررين, فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما جاءه شيء بدأ بالمحررين ).

حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي وقال: أخبرنا عيسى قال: حدثنا ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس عن عبد الله بن نيار عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بظبية فيها خرز فقسمها للحرة والأمة, قالت عائشة: كان أبي يقسم للحر والعبد ).

حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، ح وحدثنا ابن المصفى قال: حدثنا أبو المغيرة جميعاً عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه الفيء قسمه في يومه، فأعطى الآهل حظين، وأعطى العزب حظاً. زاد ابن المصفى: فدعينا وكنت أدعى قبل عمار, فدعيت فأعطاني حظين وكان لي أهل, ثم دعي بعدي عمار بن ياسر فأعطي حظاً واحداً )].

باب في أرزاق الذرية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أرزاق الذرية

حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان عن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم, من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي ).

حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كلاً فإلينا ).

حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( أنا أولى بكل مؤمن من نفسه, فأيما رجل مات وترك ديناً فإلي، ومن ترك مالاً فلورثته )].

باب متى يفرض للرجل في المقاتلة وينفل من العيال

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: متى يفرض للرجل في المقاتلة وينفل من العيال

حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه, وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه ) ].

وبهذا استدل من قال: بأن هذا هو حد البلوغ؛ وهو سن الخامسة عشرة فهو عنده حد البلوغ من جهة السنين.

باب في كراهية الاقتراض في آخر الزمان

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في كراهية الاقتراض في آخر الزمان

حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: حدثنا سليم بن مطير شيخ من أهل وادي القرى, قال: حدثني أبي مطير: ( أنه خرج حاجاً حتى إذا كانوا بالسويداء إذا أنا برجل قد جاء كأنه يطلب دواء وحضضاً, فقال: أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يعظ الناس ويأمرهم وينهاهم فقال: يا أيها الناس خذوا العطاء ما كان عطاء، فإذا تجاحفت قريش على الملك وكان عن دين أحدكم فدعوه ) ].

وهذا الحديث ضعيف, يقول البخاري: لا يثبت؛ وعلته في ذلك سليم, وهو ضعيف الحديث.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا سليم بن مطير من أهل وادي القرى عن أبيه أنه حدثه قال: سمعت رجلاً يقول: ( سمعت رسول صلى عليه وسلم في حجة الوداع أمر الناس ونهاهم، ثم قال: هل بلغت؟ قالوا: اللهم نعم, ثم قال: إذا تجاحفت قريش على الملك فيما بينها، وعاد العطاء أو كان رشاً فدعوه, فقيل: من هذا؟ قالوا: هذا ذو الزوائد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ].

علة هذا الحديث كعلة سابقه.

باب في تدوين العطاء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في تدوين العطاء

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا إبراهيم يعني: ابن سعد قال: أخبرنا ابن شهاب عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري ( أن جيشاً من الأنصار كانوا بأرض فارس مع أميرهم, وكان عمر يعقب الجيوش في كل عام، فشغل عنهم عمر, فلما مر الأجل قفل أهل ذلك الثغر فاشتد عليهم وتواعدهم وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: يا عمر إنك غفلت وتركت فينا الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من إعقاب بعض الغزية بعضاً ).

حدثنا محمود بن خالد قال: حدثنا محمد بن عائذ قال: حدثنا الوليد عن عيسى بن يونس قال: حدثني فيما حدثه ابن لـعدي بن عدي الكندي ( أن عمر بن عبد العزيز كتب: إن من سأل عن مواضع الفيء فهو ما حكم فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فرآه المؤمنون عدلاً موافقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه، فرض الأعطية للمسلمين، وعقد لأهل الأديان ذمة بما فرض عليهم من الجزية لم يضرب فيها بخمس ولا مغنم ) ].

هذا الحديث معلول أيضاً؛ لأن عمر بن عبد العزيز لم يدرك عمر بن الخطاب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زهير قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن مكحول عن غضيف بن الحارث عن أبي ذر قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به ) ].

باب صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال

حدثنا الحسن بن علي و محمد بن يحيى بن فارس المعنى, قالا: حدثنا بشر بن عمر الزهراني قال: حدثني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: ( أرسل إلي عمر حين تعالى النهار, فجئته فوجدته جالساً على سرير مفضياً إلى رماله, فقال حين دخلت عليه: يا مال إنه قد دف أهل أبيات من قومك، وإني قد أمرت فيهم بشيء فاقسم فيهم, فقلت: لو أمرت غيري بذلك, فقال: خذه, فجاءه يرفأ, فقال: يا أمير المؤمنين, هل لك في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص؟ قال: نعم, فأذن لهم فدخلوا, ثم جاءه يرفأ فقال: يا أمير المؤمنين, هل لك في العباس وعلي؟ قال: نعم, فأذن لهم فدخلوا, فقال العباس: يا أمير المؤمنين, اقض بيني وبين هذا, يعني: علياً, فقال بعضهم: أجل يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرحهما, قال مالك بن أوس: خيل إلي أنهما قدما أولئك النفر لذلك, فقال عمر: اتئدوا, ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض, هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة؟ قالوا: نعم, ثم أقبل على علي والعباس رضي الله عنهما قال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة؟ فقالا: نعم, قال: فإن الله خص رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة لم يخص بها أحداً من الناس، فقال الله تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر:6], فكان الله أفاء على رسوله بني النضير فوالله ما استأثر به عليكم ولا أخذها دونكم, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منها نفقة سنة، أو نفقته ونفقة أهله سنة, ويجعل ما بقي أسوة المال, ثم أقبل على أولئك الرهط قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم, ثم أقبل على العباس وعلي فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم, فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر رضي الله عنه تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك, ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها, فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة, والله يعلم أنه صادق بار راشد تابع للحق فوليها أبو بكر, فلما توفي قلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر فوليتها ما شاء الله أن أليها, فجئت أنت وهذا وأنتما جميع، وأمركما واحد فسألتمانيها فقلت: إن شئتما أن أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يليها فأخذتماها مني على ذلك ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك، والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة, فإن عجزتما عنها فرداها إلي ) ].

وهذا يدل على عظمة هذا الدين وعظمة هذه الرسالة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء إلى هذه الدنيا ليجمع المال وإنما ليبلغ الوحي, فكان إرثه الوحي, فأقرب الناس إليه العلماء, فالعلماء ورثة الأنبياء.

وفي هذا دليل على أن أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هم العلماء وهم الذي يرثونه؛ كما أن أقرب الناس إلى الرجل من يرثه من أبنائه, فكلما كان أقرب إليه نسباً فهو أحظ نصيباً من الميراث, وأكثر الناس علماً وعملاً أقربهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري عن مالك بن أوس بهذه القصة قال: ( وهما يعني: علياً و العباس رضي الله عنهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير ).

قال أبو داود: أراد ألا يوقع عليه اسم قسم.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة وأحمد بن عبدة المعنى أن سفيان بن عيينة أخبرهم عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر قال: ( كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب, كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصاً ينفق على أهل بيته, قال ابن عبدة: ينفق على أهله قوت سنة، فما بقي جعله في الكراع و السلاح وعدة في سبيل الله عز وجل, قال ابن عبدة: في الكراع والسلاح ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: أخبرنا أيوب عن الزهري قال: قال عمر: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6], قال الزهري: قال عمر: هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة قرى عربية؛ فدك وكذا وكذا مما أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الحشر:7], وللفقراء الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم, وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر:9-10], فاستوعبت هذه الآية الناس, فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فيها حق, قال أيوب: أو قال حظ إلا بعض من تملكون من أرقائكم.

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، ح وحدثنا سليمان بن داود المهري قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عبد العزيز بن محمد ح، وحدثنا نصر بن علي قال: أخبرنا صفوان بن عيسى وهذا لفظ حديثه, كلهم عن أسامة بن زيد عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: ( كان فيما احتج به عمر أنه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا: بنو النضير, وخيبر, وفدك, فأما بنو النضير فكانت حبساً لنوائبه, وأما فدك فكانت حبساً لأبناء السبيل, وأما خيبر فجزأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء: جزأين بين المسلمين, وجزءاً نفقة لأهله, فما فضل عن نفقة أهله جعله بين فقراء المهاجرين ).

حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني قال: حدثنا الليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أخبرته: ( أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر, فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة, إنما يأكل آل محمد من هذا المال, وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأبى أبو بكر رضي الله عنه أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ).

حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي قال: حدثنا أبي قال: أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: حدثني عروة بن الزبير ( أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته بهذا الحديث, قال: و فاطمة حينئذ تطلب صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر, قالت عائشة رضي الله عنها: فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة, وإنما يأكل آل محمد في هذا المال, يعني: مال الله, ليس لهم أن يزيدوا على المأكل ) ].

وفي هذا قوة أبي بكر الصديق عليه رضوان الله في امتثال الدليل, ومع حسن قصد فاطمة عليها رضوان الله، والتماسها لعدم وضوح الدليل أو بلوغه إليها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, إلا أنها مع منزلتها وقربها من رسول الله أقام الدليل عليها وأمضاه, مع كونها أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسباً.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب قال: حدثنا يعقوب يعني: ابن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة أن عائشة أخبرته بهذا الحديث قال فيه: ( فأبى أبو بكر رضي الله عنه عليها ذلك وقال: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به, إني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ, فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي و عباس رضي الله عنهم فغلبه علي عليها, وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه, وأمرهما إلى من ولي الأمر, قال: فهما على ذلك إلى اليوم ) ].

هلاك الأمم والملوك والشعوب بمخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم, ولهذا يقول أبو بكر عليه رضوان الله: إني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ, يعني: أزيغ عن طريقه فأهلك, وهذا يدل على أن الاستمساك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم والاعتصام بها، وهذا ثبات.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري في قوله تعالى: ( فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6], قال: صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل فدك وقرى قد سماها لا أحفظها وهو محاصر قوماً آخرين, فأرسلوا إليه بالصلح قال: فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6], يقول: بغير قتال, قال الزهري: وكانت بني النضير للنبي صلى الله عليه وسلم خالصاً لم يفتحوها عنوة, افتتحوها على صلح, فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين لم يعط الأنصار منها شيئاً إلا رجلين كانت بهما حاجة ).

حدثنا عبد الله بن الجراح قال: حدثنا جرير عن المغيرة قال: ( جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان حين استخلف فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له فدك, فكان ينفق منها، ويعود منها على صغير بني هاشم، ويزوج منه أيمهم, وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى, فكانت كذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى لسبيله, فلما أن ولي أبو بكر رضي الله عنه عمل فيها بما عمل النبي صلى الله عليه وسلم في حياته حتى مضى لسبيله, فلما ولي عمر عمل فيها بمثل ما عملا حتى مضى لسبيله، ثم أُقطعها مروان, ثم صارت لـعمر ثم قال عمر: يعني عمر بن عبد العزيز: فرأيت أمراً منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها ليس لي بحق, وإني أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت, يعني: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن الفضيل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال: ( جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم قال: فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله عز وجل إذا أطعم نبياً طعمة فهي للذي يقوم من بعده ).

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تقتسم ورثتي ديناراً، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة )].

وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تقتسم ورثتي ديناراً، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة ), إشارة إلى أن ما كان لدى الحاكم قبل ولايته هو الذي يتركه بعد ولايته, وما عدا ذلك فيبقى للمسلمين؛ لأنه إنما اكتسب هذا الأمر بولايته, ولا يأخذ حكم النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه صدقة, ولكن الكسب الذي يأتيه بعد الولاية وبسببها فهو للمسلمين لا له, وهكذا فعل أبو بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى؛ فقال: انظروا في مالي فما زاد عن أهل بيتي وخادمي فهو للمسلمين, وكذلك أيضاً عمر بن الخطاب عليه رضوان الله.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن مرزوق قال: أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري قال: ( سمعت حديثاً من رجل فأعجبني فقلت: اكتبه لي, فأتى به مكتوباً مزبراً: دخل العباس وعلي على عمر وعنده طلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد وهما يختصمان, فقال عمر لـطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد: ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل مال النبي صدقة إلا ما أطعمه أهله وكساهم، وإنا لا نورث؟ فقالوا: بلى, قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق من ماله على أهله ويتصدق بفضله, ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فوليها أبو بكر سنتين فكان يصنع الذي كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ), ثم ذكر شيئاً من حديث مالك بن أوس بن الحدثان.

حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت: ( إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر الصديق فيسألنه ثمنهن من النبي صلى الله عليه وسلم, فقالت لهن عائشة: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة؟ ).

حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا إبراهيم بن حمزة قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب بإسناده نحوه. ( قلت: ألا تتقين الله؟ ألم تسمعن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث ما تركنا فهو صدقة, وإنما هذا المال لآل محمد لنائبتهم ولضيفهم، فإذا مت فهو إلى ولي الأمر من بعدي؟ ) ].

باب بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى

حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب قال: ( أخبرني جبير بن مطعم أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قسم من الخمس بين بني هاشم وبني المطلب, فقلت: يا رسول الله, قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئاً، وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد, قال جبير: ولم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من ذلك الخمس كما قسم لبني هاشم وبني المطلب, قال: وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يعطي النبي صلى الله عليه وسلم لم يعطيهم, قال: وكان عمر بن الخطاب يعطيهم منه، وعثمان بعده ) .

حدثنا عبيد الله بن عمر قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: أخبرني يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: حدثنا جبير بن مطعم ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئاً كما قسم لبني هاشم وبني المطلب, قال: وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يعطيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان عمر بن الخطاب يعطيهم ومن كان بعده منهم ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا هشيم عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: أخبرني جبير بن مطعم قال: ( لما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب، وترك بني نوفل وبني عبد شمس, فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله, هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام, وإنما نحن وهم شيء واحد وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ).

حدثنا حسين بن علي العجلي قال: حدثنا وكيع عن الحسن بن صالح عن السدي في ذي القربى قال: هم بنو عبد المطلب.

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عنبسة قال: حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني يزيد بن هرمز ( أن نجدة الحروري حين حج في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى ويقول: لمن تراه؟ قال ابن عباس: لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حقنا فرددناه عليه وأبينا أن نقبله ).

حدثنا عباس بن عبد العظيم قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير قال: حدثنا أبو جعفر يعني: الرازي عن مطرف عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ( سمعت علياً يقول: ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس, فوضعته مواضعه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أبي بكر وحياة عمر, فأتي بمال فدعاني فقال: خذه, فقلت: لا أريده, قال: خذه فأنتم أحق به, قلت: قد استغنينا عنه, فجعله في بيت المال ).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن نمير قال: حدثنا هاشم يعني: ابن البريد قال: حدثنا حسين بن ميمون عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ( سمعت علياً يقول: اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله, إن رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس في كتاب الله فأقسمه حياتك كي لا ينازعني أحد بعدك فافعل, قال: ففعل ذلك, قال: فقسمته حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ولاية أبي بكر حتى إذا كانت آخر سنة من سني عمر, فإنه أتاه مال كثير فعزل حقنا ثم أرسل إلي, فقلت: بنا عنه العام غنى, وبالمسلمين إليه حاجة فاردده عليهم, فرده عليهم, ثم لم يدعني إليه أحد بعد عمر, فلقيت العباس بعدما خرجت من عند عمر فقال: يا علي حرمتنا الغداة شيئاً لا يرد علينا أبداً، وكان رجلاً داهياً ) ].

حسين بن ميمون راوي الحديث ضعيف, وقد أعل حديثه البخاري وغيره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: أحسن الله إليكم! [ حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عنبسة قال: حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أخبره ( أن أباه ربيعة بن الحارث وعباس بن عبد المطلب قالا لـعبد المطلب بن ربيعة وللفضل بن عباس: ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولا له: يا رسول الله, وقد بلغنا من السن ما ترى وأحببنا أن نتزوج وأنت يا رسول الله أبر الناس وأوصلهم, وليس عند أبوينا ما يصدقان عنا، فاستعملنا يا رسول الله على الصدقات فلنؤد إليك ما يؤدي العمال, ولنصب ما كان فيها من مرفق, قال: فأتى علي بن أبي طالب ونحن على تلك الحال, فقال لنا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستعمل منكم أحداً على الصدقة, فقال له ربيعة: هذا من أمرك وقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أحسدك عليه, فألقى علي رداءه ثم اضطجع عليه, فقال: أنا أبو حسن القرم ؛ والله لا أريم حتى يرجع إليكما ابناكما بجواب ما بعثتما به إلى النبي صلى الله عليه وسلم, قال عبد المطلب: فانطلقت أنا والفضل حتى نوافق صلاة الظهر قد قامت, فصلينا مع الناس ثم أسرعت أنا والفضل إلى باب حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ عند زينب بنت جحش فقمنا بالباب حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بأذني وأذن الفضل ثم قال: أخرجا ما تصرران, ثم دخل فأذن لي وللفضل, فدخلنا فتواكلنا الكلام قليلاً, ثم كلمته أو كلمه الفضل قد شك في ذلك عبد الله, قال: كلمه بالذي أمرنا به أبوانا, فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ورفع بصره قبل سقف البيت حتى طال علينا أنه لا يرجع إلينا شيئاً، حتى رأينا زينب تلمع من وراء الحجاب بيدها تريد ألا تعجلا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرنا, ثم خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فقال لنا: إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس, وإنها لا تحل لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا لآل محمد, ادعوا لي نوفل بن الحارث, فدعي له نوفل بن الحارث, فقال: يا نوفل, أنكح عبد المطلب, فأنكحني نوفل, ثم قال: ادعوا لي محمية بن جزء وهو: رجل من بني زبيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الأخماس, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـمحمية: أنكح الفضل فأنكحه, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم فأصدق عنهما من الخمس كذا وكذا شيئاً لم يسمه لي عبد الله بن الحارث ) ].

نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كتاب الخراج والإمارة والفيء [1] للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

https://audio.islamweb.net