إسلام ويب

المضارع مطلقاً سواءً كان ثلاثياً, أو رباعياً, أو خماسياً, أو سداسياً، يفتتح بأحد هذه الحروف التي هي النون, والهمزة, والتاء, والياء، وهذه الحروف تسمى: حروف المضارعة، وهي ليست من أصل الكلمة، وإنما تزاد في كل مضارع، وتختلف زيادتها باختلاف فاعل المضارع، فالهمزة إنما يفتتح بها المضارع إذا كان فاعله المتكلم المفرد، والنون للمتكلم إذا كان معه غيره أو كان هو عظيماً، أو كان معظماً نفسه، والتاء للمخاطب، أو الغائبتين، والياء للغائب، وهذه هي معاني هذه الحروف.

تابع أوزان المزيد فيه ومعانيه

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقال ابن مالك رحمه الله:

ترمست كلتبت جلمطت وغلصم ثمم اولمس اهرمعت واعلنكس انتخلا

واعلوط اعثوججت بيطرت سنبل زمــلق اضممن تسلقى واجتنب خللا

كذلك من أوزان المزيد فيه فَعْلَمَ كغلصم، بمعنى: ذبح فوق الغلصمة خلافاً لما تقدم، فقد تقدم أن (غلصم) فعلل، غلصم الشيء: أصاب غلصمته، وأنها على وزن (فعلل)، فتكون من المجرد لا من المزيد فيه، لكن ابن مالك هنا جعلها من المزيد فيه؛ لأنه جعلها من غَلَصَ، وجعل الميم زائدة، وللقاموس والصحاح, فقد جريا على ما ذكرناه من قبل من أنها مجردة لا مزيد فيها على وزن (فعلل)، كذلك (افْعَمَّلَ) كـ(ادْلَمَّسَ) ادْلَمَّسَ الليل بمعنى: اشتد ظلامه، فهي من دمس، وكذلك فَعَّلَ نحو: اهْرَمَّعَتِ الدموع، بمعنى: سالت، وكذلك (افْعَنْلَسَ)؛كـ(اعلنكس) الشعر, بمعنى: تراكم، ويقال: اعْلَنْكَكَ أيضاً، فهذه الأوزان كلها قال فيها: انْتُخِلَ، انتخل هذا؛ أي: انتقي من لغة العرب، وهذا يقتضي أنه لم يُرد الحصر في الأوزان، وإنما أراد أن يختار منها بعض الأمثلة للزيادة المتنوعة, تارةً تكون في الأول، وتارةً تكون في الوسط، وتارةً تكون في الآخر، وتارةً تجمع ذلك، وقصد رحمه الله هنا التنويع بأحرف الزيادة المتنوعة المختلفة.

(واعلوط)، معناه: من أوزان المزيد فيه افْعَوَلَّ؛ كاعلوط، فرسه وغريمه, بمعنى: تعلق به ولَزِمَه.

وكذلك من أوزان المزيد فيه افْعَوْلَلَ؛ كاعثوثجت، اعثوثجت الناقةْ بمعنى: ضخمت وأسرعت، والمشهور بينهم اعثوثجت بتقديم الثاء، فالرواية المشهورة في اللامية اعثوججت، والمشهور في لغة العرب اعثوثجت بثاءين، إما أن تكون بجيمين, وإما أن تكون بثاءين؛ ولذلك قال: المشهور بينهم اعثوثج بتكرير العين؛ أي: عين الكلمة.

وكذلك من أوزان المزيد فيه (فَيْعَلَ) كـ(بيطرت), بمعنى: عالَجْتَ دَوابَّك، فالبيطرة: هي طب الحيوان البهيمي، فأنت مُبَيْطِرٌ هذا الوصف منها، ومنه قول النابغة الذبياني:

شك الفريصةَ بالمدرى فأنفذهاطعن المبيطر إذ يشفي من العضد

(طعن المبيطر)؛ أي: صاحب علاج الحيوانات، وهي من البطر, بمعنى: الشق، وكذلك( فنعل)؛ كـ(سنبل الزرع)؛ بمعنى: أخرج سنابله، والأكثر على أن نونه أصلية, فيكون حينئذ على وزن فعلل، وكذلك من أوزان المزيد فيه فمعل كـ(زملق الفحل) بمعنى: أنزل قبل الإيلاج.

وكذلك من أوزان المزيد فيه تفعْلَى كتسلْقَى، ولهذا قال: ( اضممن لتسلقى )، بمعنى: اضطجع على قفاه، ( واجتنب خللا )؛ أي: اعلم أن هذه الأوزان مما يسهل الغلط فيه؛ فلذلك اجتنب الخلل، اعلم أن الحرف الزائد هو الذي يؤتى بلفظه في الوزن، وأن معرفة الزائد من الأصلي من المواطن التي يسهل الغلط فيها؛ فلذلك قال: ( واجتنب خللا )، قال الحسن: وبقي تفعْلَب كتجلبب، بمعنى: لبس الجلباب، وتَفَوْعَل كتجورب, بمعنى: لبس الجورب، وتفعول؛ كترهوك في مشيته, بمعنى: تموج، وتفيعل؛ كتشيطن بمعنى: تشبه بالشيطان على أن نونه أصلية, قد اختلف فيه هل هو من شاط أو من شطن، ومنه: تدير بمعنى: استقر بالدار، لا تفعل، وتدير ليست من تفعل لشاهد القلب؛ لأنها لو كانت من تفعل لقيل: تدور، وإلا فوزنه تفعلل، (وإلا), معناه: لو كانت النون فيه غير أصلية وكان من شاط فوزنه (تفعلل)، فتكون حينئذ وزناً آخر من أوزان المزيد فيها.

فصل فيما يفتتح به المضارع وحركته وحركة ما قبل آخره

يقول المؤلف رحمه الله: ( فصل فيما يفتتح به المضارع وحركته وحركة ما قبل آخره ).

عقد هذا الفصل لأمور تتعلق بالفعل المضارع بعد أن أكمل الكلام على الفعل الماضي، لكنه في الباب الأخير الذي هو (باب المزيد فيه) لم يتكلم عن المضارع بتاتاً، فأراد أن يذكر لنا هنا ما يشمل تتميم الكلام على مضارع المجرد، والكلام على مضارع المزيد فيه مطلقاً، فأول ما يشترك فيه مضارع المجرد والمزيد فيه, فهو أول ما بدأ به, وهو ما يفتتح به المضارع، وحركته؛ أي: حركة ما قبل آخره، حركة الذي يفتتح به المضارع، وأما قوله: ( وحركة ما قبل آخره )، فهذا من المزيد فيه، فالكلام على مضارع المزيد ومثله الرباعي المجرد؛ لأننا لم نذكر مضارعه, فعلل لم يذكر لنا مضارعه؛ فلذلك بدأ بالحكم الذي يشترك فيه المزيد فيه والمجرد، ثم أردف بما يختص بالمزيد فيه، فقال: ( فصل ).

شرحنا هذه الكلمة أنها مصدر فصل الشيء عن غيره يفصله فصلاً، والمقصود بها هنا: ما يفصل هذا الكلام عن غيره لتميز هذا الكلام عن سابقه، وهي ترجمة من التراجم الفرعية، هي أصغر من الباب ولاحقة له، وبعض المؤلفين يسميها (وصلاً) تفاؤلاً وتيامناً؛ كالأمير رحمه الله, فإنه لا يقول في تراجم كتابه: فصل، وإنما يقول: (وصل)، الأمير أحد علماء المالكية له مختصر في الفقه المالكي معروف اسمه (المجموع في الفقه المالكي)، يقول فيه: (وصل) بدل (فصل).

(فيما يفتتح به المضارع)، معناه: من الحروف, وهي حروف المضارعة، والمضارع معناه: مطلقاً, سواءً كان من ثلاثي, أو رباعي, أو خماسي, أو سداسي، سواءً كان مجرداً, أو مزيداً فيه، (وحركته)؛ أي: حركة ذلك الحرف الذي يفتتح به المضارع، (وحركة ما قبل آخره)، معناه: حركة ما قبل آخر المضارع, والمقصود بذلك غير الثلاثي، فيشمل الرباعي المجرد، والرباعي المزيد فيه، والخماسي, والسداسي, ولا يكونان إلا مزيداً فيه، فقال:

ببعض نأتي المضارع افتتح ولهضم إذا بالرباعي مطلقاً وصلا

(ببعض (نأتي) المضارع افتتح وله ضم إذا بالرباعي مطلقاً وصلا)، يقول: افتتح المضارع ببعض نأتي، (افتتح المضارع)، المضارع مفاعل من فاعل للاشتراك، ومعناه: المشارك للاسم في الضرع؛ لأنه مشتق من الضرع، فكأنه ارتضع مع الاسم من ضرع واحد؛ فلذلك سمي :مضارع الاسم، (افتتح) فعل أمر,وهي بداية الجملة المضارعة, مفعولها: (ببعض نأتي) معناه: ببعض حروف هذه الكلمة وهي: نأتي، والبعض هنا المقصود به أحد هذه الحروف؛ لأن قوله: (ببعض) يشمل: حرفاً, أو حرفين, أو ثلاثةً, أو أربعةً كلها، وليس المقصود ذلك؛ أي: المقصود الواحد، وهذه الحروف هي التي تسمى حروف المضارعة، وهي (نأتي) أي: النون, والهمزة, والتاء, والياء, وجمعت أيضاً بـ(نأيتُ) أو نأيتَ، وكذلك بـ(أنيتَ) أو أنيتِ، لكن جمع ابن مالك أحسن من جمع غيره؛ لأن أنيت بمعنى: تأخرت، ونأيت بمعنى: بعدت، فهو أتى بـ(نأتي) وهي أحسن منهما.

مواضع ضم حروف (نأتي) في المضارع

ببعض نأتي المضارع افتتح ولهضم إذا بالرباعي مطلقاً وصلا

(ببعض (نأتي) المضارع افتتح)، المضارع مطلقاً سواءً كان ثلاثياً, أو رباعياً, أو خماسياً, أو سداسياً، افتتحه بأحد هذه الحروف التي هي النون, والهمزة, والتاء, والياء، وهذه الحروف تسمى: حروف المضارعة، وهي زوائد ليست من أصل الكلمة، وتزاد في كل مضارع، وتختلف زيادتها باختلاف فاعل المضارع، فالهمزة إنما يفتتح بها المضارع إذا كان فاعله المتكلم المفرد، والنون للمتكلم إذا كان معه غيره أو كان هو عظيماً، أو كان معظماً نفسه، والتاء للمخاطب، أو الغائبتين، والياء للغائب، فإذاً هذه هي معاني هذه الحروف، وهذه التي نظمها المختار بن بونة رحمه الله في الجامع, فقال:

بالهمز جاء لمفرد تكلموالنون إن شارك أو قد عظم

والتاء إذا خوطب ما له استندأو نحو هندان وهند قد ورد

والياء لما قد غاب أو ماغبنا ومع هما للاثنتين عنا

(ومع هما)؛ أي: لفظتهما عنا؛ أي: عرض للاثنتين، فيقال: الهندان هما يقومان، فبهذه الحروف يعرف فاعل المضارع، وهي حروف ليست من حروف المعاني؛ أي: الحروف التي لها معنىً مستقل؛ لأن تلك مستقلة عما تدخل عليه، لكنها قد تمازجه نادراً، وحروف المضارعة, هذا الراجح فيها، وقيل: هي مثل حروف الجزم وغيرها، ولكنها مختصة بالدخول على المضارع، ولم تعمل فيه، فدل ذلك على أنها ليست من أحرف المعاني؛ لأن الحرف إذا كان مختصاً بالاسم عمل فيه، وإذا كان مختصاً بالفعل عمل فيه، وهذه الحروف مختصة بالفعل المضارع، والذين يرونها من حروف المعاني يقولون: تحذف في الأمر، فيرون أن الأمر ليس قسماً من الأفعال مستقلاً, وإنما هو مضارع حذف منه حرف المضارعة, فجزم بعد ذلك بلام الأمر، ثم حذفت لام الأمر، فأصل ( قم) (لتقم), فحذف حرف المضارعة, بقي الفعل ليقم, فلم يستسغ هذا، فحذفت اللام, فقيل: قم.

( وله ضم إذا بالرباعي مطلقاً وصلا )، (وله)؛ أي: لذلك البعض في لغة جميع العرب، لزوم الضم إذا وصل بالرباعي مطلقاً, معناه: سواءً كان مجرداً أو مزيداً فيه، فحرف المضارعة مع الرباعي مضموم مطلقاً، فالرباعي المجرد كـ(دحرج), فمضارعها تقول فيه: (أدحرج) و(تدحرج) و(ندحرج) و(يدحرج) بضم الجميع، أو مزيداً فيه كـ(أكرم), فتقول فيه: أنا أكرم، وأنت تكرم، وهو يكرم، ونحن نكرم، فيضم فيه حرف المضارعة مطلقاً، وهذا محل اتفاق بين العرب جميعاً في جميع لغاتهم، وهي قاعدة متفق عليها.

مواضع فتح وكسر حروف (نأتي) في المضارع

وافتحه متصلاً بغيره ولغيــر الياء كسراً أجز في الآت من فعلا

( وافتحه متصلاً بغيره )، يقول: وافتحه؛ أي: افتح ذلك الحرف الذي يفتتح به المضارع لزوماً في لغة الحجازيين حال كونه متصلاً بغيره، معناه: بمضارع غيره؛ أي: غير الرباعي، فإذا اتصل حرف المضارعة بغير الرباعي سواءً كان ثلاثياً كـ(يضرب) و(يفرح) و(يكرم)، أو كان خماسياً كـ(ينطلق)، أو كان سداسياً كـ(يستخرج) فإن الحجازيين يفتحونه، وهذه لغة أهل الحجاز, وهي أفصح لغات العرب؛ لذلك قال: وافتحه؛ أي: افتح بعض حروف (نأتي) إذا افتتحت به مضارعاً من غير الرباعي؛ فلذلك قال: ( متصلاً )؛ أي: مفتتحاً به.

بمضارع غيره؛ أي: غير الرباعي من ثلاثي, وخماسي, وسداسي، وهذه لغة أهل الحجاز، ولا يلزم فتحه في لغة غيره، غير أهل الحجاز, وهم أهل نجد, ومن جاورهم, فإنهم يكسرونه؛ ولذلك قال: ( ولغير الياء كسراً أجز في الآتي من فعلا ): يكسرونه جوازاً لا وجوباً، وهذا الكسر لهم فيه حالتان؛ فلذلك قال: لغير الياء، وهذه الحالة الأولى، وهي مختصة بغير الياء من همزة, ونون, وتاء، الحروف الثلاثة الأخرى، ومحلها إذا كان ذلك البعض في الآتي من فعل، معناه: وأجز فيه مع الفتح عند قيس, وتميم, وربيعة, وأسد,- وهذه قبائل أهل نجد- كسراً، ولهم فيه؛ أي: في ذلك الكسر حالتان: إحداهما: أن يكون لغير الياء، أن يكون الكسر خاصاً بغير الياء من همزة أو تاء أو نون، وهي بقية أحرف المضارعة، ومحل هذه الحالة إذا كان ذلك الحرف في الآتي معناه: في المضارع، الآتي معناه: المصوغ على القياس، ( من فعلا )، وهذا خطأ في الطباعة هنا في هذا الرقم، الآتي من فعل بكسر العين، غير واوي الفاء، بشرط ألا يكون واوي الفاء، وذلك مثل قول الشاعر:

لو قلت ما في قومها لم تيثميفضلها في حسب وميسم

(لو قلت ما في قومها لم تيثم)، هذا مضارع فعل بالكسر؛ لأن أصل الكلمة: أثم يأثم، فأهل الحجاز يقولون: لم تأثم، وأهل نجد يجيزون أن تقول: لم تِئْثم أو تيثم؛ فلذلك روي هذا البيت على لغة أهل نجد.

لو قلت ما في قومها لم تيثم أو لم تأثم بتحقيق الهمزة أو إبدالها، (يفضلها في حسب وميسم)، "في حسب", معناه: في مفاخر الآباء، و"في ميسم" معناه: في حسن الصورة، الميسم :حسن الصورة، وكذلك قرئ قول الله تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [هود:113]، بكسر التاء ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا).

وكذلك أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ [يس:60] بكسر الهمزة أيضاً، وكلتاهما من فعل بالكسر، وحرف المضارعة فيه غير ياء، وهو غير واو الفاء، فركن غير واوي الفاء، وهي على وزن فعل، ومضارعها يركن، وهم إنما يكسرونها مع غير الياء, فيقولون: تركن ونركن وأنا إركن، وكذلك عهد فهي فعل بالكسر غير واوية الفاء، ومضارعها: يعهد، فيكسرون غير الياء من أحرف المضارعة جوازاً فيقولون: أنا إعهد وأنت تعهد ونحن نعهد، ومحل هذا في الآتي على القياس، معناه: الذي هو بالفتح، أما الشاذ؛ كحسب يحسب بالكسر, فهذا يبقونه على أصله، فلا يقولون فيه: أنت تحسب.

على لغة أهل نجد؛ لأنهم لو قالوا: تحسب لاجتمع فيه كسرتان، كلتاهما شاذة في الأصل.

هذه التي حصلت فيها الحكاية بين الشعبي و ليلى الأخيلية ؛ فلذلك قال: بخلاف يحسب بالكسر، فهي غير آتية على القياس، وكذلك بخلاف (يرث) لأمرين: أولاً: أنها واوية الفاء، ثانياً: أن مضارعها بالكسر، وكذلك بخلاف آتي فعَل وآتي فعُل، فلا يدخل في ذلك إلا (أبى) و(مات) وجلا, فهما من محل الثانية سيأتي الكلام فيهما.

أو ما تصدر همز الوصل فيه أو التـ تا زائداً كتزكى وهو قد نقلا

أو كان مما تصدر همز الوصل فيه؛ لذلك قال: ( أو ما تصدر همز الوصل فيه أو التاء زائداً؛ كـ(تزكى) ) معناه: أو كان حرف المضارعة في آتي ما تصدر همز الوصل فيه، معناه: فيما زيد فيه همز الوصل من الأوزان، أولاً, ولا يكون همز الوصل إلا متصدراً، وهذا أيضاً لا يكون إلا خماسياً أو سداسياً؛ لأن الرباعي إذا زيد فيه الهمز في صدره كان همزة قطع كـ(أفعل)، أما الخماسي فيزاد فيه كـ(انطلق) وكذلك السداسي كـ(استخرج)، فلهذا قال: ( أو كان في آت ), أي: مضارع ما تصدر همز الوصل فيه زائداً, ولا يكون إلا خماسياً وسداسياً وقرئ: (إياك نعبد وإياك نِستعين) نستعين فقط لأنها المبدوءة بهمز الوصل وهي سداسية، وكذلك (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) من ابيضَّ واسودَّ وكلاهما مفتتح بهمزة الوصل الزائدة, وهما خماسيان.

وكسرت (نستعين) لأن أستعين من المبدوء بهمز الوصل الزائد، وأصلها: عون, من العون, وهي: استفعل, من العون.

( أو التاء زائداً )، كذلك ما تصدرت فيه تاء الزيادة، فالفعل المفتتح بالتاء الزائدة يكسرون حرف المضارعة فيه جوازاً إذا كان غير ياء، قال: (ولا يكون إلا خماسياً)، ولا يكون؛ أي: الفعل الذي فيه التاء الزائدة مصدراً بها إلا خماسياً؛ كـ(تزكى)، وهذا الذي قاله غير مسلم في الحصر، فقد ذكرنا (ترمس) أن التاء التي فيها زائدة هي( تفعل).

رمس، فهو رباعي زيدت فيه التاء، لكن هذا نادر، لا يوجد منه إلا هذه الكلمة؛ فلذلك ذكر هنا الحصر قال: (ولا يكون إلا خماسياً)، فالسداسي لا يفتتح بالتاء الزائدة، والرباعي كذلك، فلم يبق إلا الخماسي، كـ(تزكى), فتقول فيه: أنا إتزكى، وأنت تِتزكى، ونحن نِتزكى، ويجوز عندهم الفتح كما هو الأصل كما هو لغة أهل الحجاز.

هذه من باب التملح في اللغة، هذه هي الحالة الأولى، وسنلخصها, وهي أن أهل نجد إذا كان الفعل على وزن فعل بالكسر، ومضارعه على القياس، وليس واوي الفاء، وكان مفتتحاً بأحد حروف المضارعة غير الياء, فإنهم يجيزون فيه الكسر مع الفتح، وكذلك إذا كان الفعل خماسياً أو سداسياً مفتتحاً بهمزة الوصل الزائدة فإنهم يجيزون كسر حرف المضارعة فيه غير الياء، وكذلك إذا كان الفعل خماسياً مفتتحاً بالتاء الزائدة, فإنهم يجيزون كسر حرف المضارعة فيه غير الياء أيضاً، فإذاً الحالة الأولى لها ثلاث صور:

الصورة الأولى: من الثلاثي, وهي فعل بالكسر غير واوية الفاء، وغير شاذة المضارع.

والصورة الثانية: ما افتتح بهمزة الوصل من المزيد فيه, سواءً كان خماسياً, أو سداسياً.

الصورة الثالثة: ما افتتح بتاء الزيادة, ولا يكون إلا خماسياً، وهذه ثلاث صور للحالة الأولى، ثم أشار للحالة الثانية, فقال: والحالة الثانية: أن يكون جواز الكسر عاماً، عاماً, معناه: في الياء, وفي غيرها.

في اليا وفي غيرها إن ألحقا بأبيأو ما له الواو فاءٌ نحو قد وجلا

وهي قوله: ( وهو قد نقلا في الياء وفي غيرها إن ألحقا بـ(أبى) أو ما له الواو فاءً نحو قد وجلا )، هذه الحالة يكسرون فيها حرف المضارعة مطلقاً جوازاً، سواءً كان ياءً أو غيرها؛ فلذلك قال: وهو أي: هذا الكسر ( قد نقلا ) معناه: عن أهل نجد، جوازاً في الياء, وفي غيرها من أحرف المضارعة، وحذف همزة الياء للضرورة، وهذا من المتفق عليه، وقصر المد اضطراراً مجمع عليه، والعكس بخلف يقع، في الياء وفي غيرها من أحرف المضارعة من همزة أو تاء أو نون، (إن ألحقا) أي: الياء وغيرها، (بأبى), والمقصود ألحق بهما أبى، لأنهما لا يلحقان بها السابق لا يكون ذنباً، أو الرأس لا يكون ذنباً، وحرف المضارعة هو الرأس؛ فلذلك قال: ( إن ألحقا بأبى )، فيقولون.

فالزائد ملحق على كل حال، لكن الأولى أن يعكس الإسناد، فمثال ذلك في أبى وحدها من فعل، هذا استثناء من فعل فعل واحد، هو الذي يكسر حرف المضارعة معه من كل فعل بالفتح، وهو أبى فيقولون فيه: أنا إيبى وأنت تيبى ونحن نيبى وهو ييبى عن الشر إن شاء الله.

فأهل الحجاز يقولون: أنا آبى، وأنت تابى، ونحن نابى، وهو يابى، بتحقيق الهمزة أو بقلبها.

( أو ما له الواو فاءً نحو قد وجلا )، كذلك ما كان واوي الفاء نحو قد وجلا، فيقولون فيه: يوجل وييجل، فيقولون: أنا إيجل, وأنت تيجل, ونحن نيجل, وهو ييجل، وكذلك إيجع وجع، يوجع في الأصل، أهل الحجاز يقولون: يوجع، وأهل نجد يجيزون ييجع، ومن ذلك قول متمم بن نويرة رضي الله عنه في مرثيته لأخيه مالك:

قعيدك ألا تسمعيني ملامةًولا تنكئي قرح الفؤاد فييجعا

فلو كان حجازياً لقال: فيوجع، وأهل نجد يجيزون ذلك أيضاً، انتهينا إذاً من ذكر ما يفتتح به المضارع، ومن ذكر حركته، ونصل إلى الحكم الأهم في هذا الباب, وهو ما يتعلق بمضارع غير الثلاثي, كيف يصاغ مضارع غير الثلاثي؛ وذلك مرتبط بحركة ما قبل آخره.

قال:

وكسر ما قبل آخر المضارع منذا الباب يلزم إن ماضيه قد حظلا

زيادة التاء أولاً وإن حصلتله فما قبل الآخر افتحن بولا

يقول: ( وكسر ما قبل آخر المضارع يلزم ): المضارع ما قبل آخره لفظاً أو تقديراً، وسواءً كان مثبتاً؛ أي: تثبت عليه الكسرة أو لا تثبت عليه، ( من ذا الباب )؛ أي: باب المزيد فيه، إذ هو المعقود له الباب، ومعه الرباعي المجرد أيضاً؛ لأننا لم نذكر مضارعه، ( إن ماضيه قد حُظِـلاَ زيادة التاء )، معناه: إن كان الماضي منه غير مفتتح بالتاء الزائدة ( قد حُظِـلاَ)، معناه: قد منع زيادة التاء أولاً، وكذا الرباعي المجرد؛ لأننا لم نذكر مضارعه من قبل، فدحرج تقول فيها: يدحرج، فأول المضارع لا تسأل عنه؛ لأنك عرفت أنه أحد حروف المضارعة وعرفت أنه مضموم دائماً، أما ما قبل الآخر فهو الذي تحتاج إلى شكله، فتقول فيه: يدحرج تكسره، وكذلك الرباعي المزيد فيه؛ كأعلم, فتقول فيه: يعلم، وكذلك علم, فتقول فيها: يعلم، وكذلك الخماسي كـ(انطلق) فتقول فيها: ينطلق، وكذلك السداسي كـ(استخرج), فتقول فيها: يستخرج، فتكسر ما قبل آخر المضارع لفظاً كما ذكرنا أو تقديراً كـ(اختار), فتقول فيها: يختار، فتقدر الكسرة على الألف؛ لأنه لا يقبل ظهورها، أصلها (يختير)، نعم، يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص:68].

( من ذا الباب )، المقصود به: باب المزيد فيه، إذ هو المعقود له الباب؛ لأننا لم نخرج منه, وإنما عقدنا فصلاً للمضارع فقط، وجمعنا فيه النظائر؛ كـ(يكرم), وهذا الرباعي المزيد فيه، وينطلق, وهذا الخماسي طبعاً، و(يستخرج) كذلك، و(يختار) فهذه الأفعال الثلاثة ظهر عليها ظهرت الكسرة على ما قبل آخرها، و(يختار ويسبطر), لم تظهر الكسرة لمانع منع ذلك أما "يختار" لأن الألف لا يقبل الكسرة، وأما "يسبطر" فللإدغام؛ لأن الراء تكررت, فأسكنت الراء الأولى لتدغم في الثانية، أصلها "يسبطرر"، لكن نقلت حركتها للطاء التي كانت ساكنةً وسكنت هي وادغمت في الراء التي بعدها، فقيل: يسبطر.

( إن ماضيه قد حُظِـلاَ زيادة التاء ): محل هذا إذا كان المزيد فيه غير مفتتح بالتاء الزائدة، فإن كان مفتتحاً بالتاء الزائدة في الماضي, ومثل ذلك الرباعي المجرد كيدحرج كما ذكرنا, فمفهوم ( إن ماضيه قد حُظِـلاَ زيادة التاء )، هو الذي صرح به بقوله: ( وإن حصلت له فما قبل الآخر افتحن بولا )، وإن حصلت له معناه: كان مفتتحاً بالتاء الزائدة، فما قبل الآخر؛ الحرف الذي قبل آخره افتحن معناه: أبقينه على الفتح أنه كان مفتوحاً في الماضي، فتبقيه كذلك في المضارع، فتتوالى لديك الحركات؛ ولذلك قال: ( بولاء )؛ أي: بولاء الفتحات، فمثلاً (تعلم), فهذا مفتتح بالتاء الزائدة، فتقول فيها: يتعلم، ولا تكسر ما قبل آخره، وكذلك تدحرج، فتقول فيها: يتدحرج، ولا تقول فيها: يتدحرج مثلاً بكسر ما قبل آخره بل تفتحه، وكذلك تغافل فتقول فيها: يتغافل ولا تقول: يتغافِل، فكل مفتتح بالتاء الزائدة فإن ما قبل آخر مضارعه يبقى مفتوحاً كما كان، وبهذا علمت صورة المضارع من كل وزن من الأوزان السابقة؛ لأن الأوزان السابقة المزيد فيه إما أن يكون مفتتحاً بالتاء أو لا، فإن كان غير مفتتح بالتاء فاعلم أن حرف المضارعة فيه إن كان من الرباعي فهو مضموم، وإن كان من غيره فهو مفتوح عند أهل الحجاز، ويجوز فيه الكسر في الحالتين اللتين ذكرنا عند أهل نجد، وما قبل آخره لا يكون إلا مكسوراً، وأما إن كان مفتتحاً بالتاء فحرف المضارعة فيه مثلما ذكرنا، وما قبل آخره يكون مفتوحاً على الأصل، يبقى مفتوحاً على الأصل، وهذا تلخيص مهم لمضارع ما زاد على الثلاثي، فإنه تنتظمه هاتان القاعدتان، قاعدة كسر ما قبل آخره، وقاعدة فتح ما قبل آخره.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح لامية الأفعال [9] للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

https://audio.islamweb.net