إسلام ويب

الحكم على ما روي عن علي رضي الله عنه في الخصال التي تكون سبباً للبلاء في الأمة

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار، أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة، والتي أبدؤها بسؤال طرح في الحلقة الماضية، وقد أرجأت السائل إلى أن أراجع هذا الحديث.

سأل عن الحديث الذي يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء )، يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان يسأل: ما هي هذه الخصال الخمس عشرة؟

فالحديث رواه الإمام الترمذي ، أن علياً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء: إذا كان المغنم دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وأكرم صديقه، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وأكرم الرجل مخافة شره، وكان زعيم القوم أرذلهم، وشربت الخمور، واتخذت القينات والمعازف، ولبس الحرير، ولعن آخر هذه الأمة أولها؛ فليرتقبوا حينئذٍ ريحاً حمراء أو خسفاً أو مسخاً )، وهذا الحديث عند أهل العلم المحققين لا تصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الإمام أبا عيسى الترمذي رحمه الله الذي روى هذا الحدث في جامعه قال: هذا حديث غريب لا نعرفه عن علي بن أبي طالب إلا من هذا الوجه، ولا نعرفه يروى عن يحيى بن سعيد الأنصاري إلا من طريق الفرج بن فضالة ، و الفرج بن فضالة تكلم فيه غير واحد من أهل العلم، وضعفوه من قبل حفظه. هذا كلام الإمام الترمذي رحمه الله.

وكذلك الإمام العراقي والإمام المنذري ضعفا هذا الحديث، وقال الإمام الذهبي : هو حديث منكر، وقال الدارقطني : حديث باطل، وقال ابن الجوزي : مقطوع واه، وكذلك من المعاصرين ضعفه الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في تحقيقه لسنن الترمذي .

خلاصة القول: بأن هذا الحديث غير صحيح.

أما الخصال التي وردت فيه فكلها خصال مذمومة ينبغي للناس أن يجتنبوها.

فقوله: (إذا كان المغنم دولاً) بمعنى: أن الغنيمة يتداولها الأغنياء والشرفاء فيما بينهم، وعامة الناس لا يحصلون منها على شيء، وهذا المعنى هو الذي نفاه ربنا جل جلاله حين شرع تقسيم الفيء فقال: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ [الحشر:7].

وقوله: (والأمانة مغنماً) بمعنى: لو أن الإنسان استودع إنساناً شيئاً فهذا الذي استودع يعتبرها غنيمة، فيخون تلك الأمانة ولا يردها إلى صاحبها، وهذا واقع أيضاً من كثير من الناس.

وقوله: (والزكاة مغرماً) أي: الزكاة التي هي فرض الله عز وجل للفقراء في مال الأغنياء، يبذلها الغني وهو يعدها غرامة، لا يعدها ادخاراً عند الله عز وجل يزكو بها ماله، وتحصل بها البركة، ويطهر الله بها عمله، وإنما يعدها غرامة.

وقوله: (وأطاع الرجل زوجته وعق أمه) بمعنى: أنه إن تعارض أمر الزوجة وأمر الأم فإنه يقدم أمر الزوجة على أمر الأم، ويكون مطيعاً لزوجته متبعاً لها، عاقاً لأمه مباعداً إياها.

وقوله: (وأكرم الرجل صديقه وجفا أباه) أي أن اهتمامه بأصدقائه وأترابه، أما أبوه فلا يجد إلا الشيء اليسير من إقباله، أو من ماله، أو من اهتمامه ونحو ذلك.

وقوله: (وكان زعيم القوم أرذلهم) يعني: تصدر لقيادة الناس الأراذل الذين لا قيمة لهم ولا وزن، لا كفاءة ولا أخلاق، وإنما تصدروا هكذا لقيادة الناس وزعامتهم.

وقوله: (وأكرم الرجل مخافة شره)، بمعنى: أن الإنسان يبذل له الإكرام لا لأنه مستحق له، وإنما لأن لسانه بذيء لا يتقي الله في الناس، فيكرم مخافة شره.

ثم ذكر صلى الله عليه وسلم علامات أخرى كشرب الخمور، وكذلك لبس الحرير للرجال وإلا فهو للنساء حلال.

وكذلك (اتخاذ القينات) أي: الإماء اللاتي يغنين والمعازف.

وقوله: (ولعن آخر هذه الأمة أولها) بمعنى: أن يتصدر في هذه الأمة ويتولى كبر اللعن جماعة يسبون الفضلاء الأتقياء الصالحين الأولياء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم بإحسان، وهذا أيضاً حاصل من قبل بعض الطوائف التي لا ترجو لله وقاراً.

وقوله: (وارتفعت الأصوات في المساجد)، أي: ارتفعت بغير ذكر الله، ارتفعت بالخصومات والبيع والشراء ونحو ذلك.

بعض هذه العلامات وارد في أحاديث صحيحة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن بين يدي الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويفشو الزنا، ويكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء )، وكذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة: كثرة العقوق حين قال: ( أن تلد الأمة ربتها )، في حديث جبريل المعروف.

لكن الحديث بهذه الرواية التي أوردها الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله لا تصح نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرت؛ لأن الذي يرويه عن يحيى بن سعيد هو الفرج بن فضالة ، وقد تكلم فيه غير واحد من أهل العلم وضعفوه من قبل حفظه، وإذا ضعف هذا الحديث الترمذي و العراقي و المنذري و الدارقطني و الذهبي و الألباني فبعد ذلك لم يبق لتصحيحه مجال، والعلم عند الله تعالى.

خوف الموت وعلاج الوسوسة في العبادة

السؤال: عندي وسواس شديد في كافة أنواع العبادة، وخوف شديد من الموت، ماذا أفعل؟

الجواب: أما خوفك من الموت فهي علامة صحة الإيمان إن شاء الله؛ فإن نبينا عليه الصلاة والسلام لما سئل عن أكيس المؤمنين قال: ( أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم لما بعده استعداداً )؛ فالخوف من الموت وتذكره دائماً هذه سمة الطيبين، وأما الوسواس يا أخي! فينبغي لك أن تدافعه بأمور خمسة:

أولاً: الدعاء، تدعو الله أن يصرف عنك همزات الشياطين.

ثانياً: التهليل مائة مرة، ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، من قالها مائة مرة كتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له عدل عشر رقاب، وكان في حرز من الشيطان يومه ذاك حتى يمسي )، تقولها مائة إذا أصبحت ومائة إذا أمسيت.

ثالثاً: الإكثار من قراءة آية الكرسي؛ لأنها أشد شيء على الشيطان.

رابعاً: حضور مجالس العلم؛ لأن عالماً واحداً أشد على الشيطان من ألف عابد.

خامساً: إهماله وتركه.

الأكل من مال من يبيع ما لا يملك

السؤال: صديقي عنده مكتب يبيع فيه بضائع دون أن يمتلكها، هل ماله حرام؟ وإذا أكلت معه أو عزمني لوجبة في منزله هل أكون أكلت حراماً؟

الجواب: أما كونه يبيع ما لا يملك فهذا حرام، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا تبع ما لا تملك )، وقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تبع ما ليس عندك )، وإذا كان كل ماله كذلك فما ينبغي أن يؤكل طعامه، ولا أن تقبل هديته.

غضب الزوج على زوجته لذهابها بالأطفال إلى الطبيب

السؤال: زوجي غضبان مني بسبب ذهابي بالأطفال للدكتور، ماذا أفعل؟

الجواب: والله هذه مسألة ليست محل فتوى، وإنما المطلوب من الوالدين أن يتفقا على الطريقة المثلى والسبيل الأرشد لتربية الأولاد، ما يصطرعان ويختلفان في الدقيق والجليل والصغير والكبير، إذا شرق غربت، وإذا شرقت غرب، لا. وإنما يتفقان ويصطلحان على طريقة لا تؤثر على الأولاد.

الأكل من طعام تارك الصلاة بحجة عدم اقتناعه بها

السؤال: شخص لا يصلي، وغير مقتنع بها ويصنع الطعام؛ فهل نأكل معه؟

الجواب: إذا كان غير مقتنع بالصلاة فليس بمسلم، يعني: فرق بين إنسان لا يصلي، وإذا قيل له: صل، قال: إن شاء الله، وأكثروا من الدعاء لي، وأنا شيطان كبير، ونحو ذلك من الأعذار التي يقولها الناس، فهذا حكم الإسلام في حقه باق.

وبين من إذا قيل له: صل؛ قال: أنا غير مقتنع بالصلاة، أو أن الصلاة لا فائدة منها، أو أنتم تصلون من مائة سنة ماذا صنعتم؟ ونحو ذلك من الكلام، فهذا كفر بالله العظيم، ومثل هذا ينبغي أن يبين له خطورة أمره، وما هو عليه من الشر الوبيل، وإذا أصر على مثل هذه الحال فإنه لا يخالط؛ لأنه سم ناقع.

الأوقات التي ينبغي تحريها لصلاة الاستخارة

السؤال: أود أن أعرف الأوقات التي يستجاب فيها الاستخارة؟

الجواب: يا أخي! أو يا أخيتي! دعاء الاستخارة كسائر الدعاء يستجاب في الأوقات التي هي مظنة الإجابة، كثلث الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات؛ تصلي ركعتين للاستخارة ثم تدعو، وكذلك عند نزول الغيث، وعند التقاء الصفين، وعند خشوع القلب، وعند الاضطرار، وحال الصيام، ويوم الجمعة، ويوم عرفة، ونحو ذلك من الأيام والليالي كليلة القدر التي يستجاب فيها الدعاء، والمعول عليه في هذا كله هو حضور القلب، وإخلاص الدعاء لله عز وجل، وإظهار الفاقة بين يديه جل جلاله.

المتصل: تابعت برنامجاً في قناة الشروق يقول: إن الهبوط لأبينا آدم وأمنا حواء من الجنة لم يكن لأبينا آدم و حواء فقط، وإنما كانوا ثلاثين نفراً؛ فكيف ترد؟

وكذلك قال: الشجرة التي أكلوا منها ليست شجرة يأكلونها، وإنما هو الاتصال بين الرجل وزوجته، وأما قوله: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21] لم يقل لأبينا آدم و حواء إنما قال للثلاثين نفراً، فجماعة أطاعوه وجماعة ما أطاعوه، فالذين أطاعوه أنزلهم الله من الجنة، والذين ما أطاعوا نزلوا في مكة، يعني: أتى بكلام غير مفهوم؟

الشيخ: طيب شكراً.

المتصل: لدي سؤالان:

السؤال الأول: نحن في الجزيرة مزارعون نزرع الخضار، وبما أننا في طريق عام تأتي بهائم وترعى في الخضار، عدة مرات؛ فنأخذها ونتركها في زريبة خاصة بالبهائم التي ترعى في الخضار فهل في هذا شيء؟

السؤال الثاني: في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لن يشاد الدين أحد إلا غلبه )، وبعض الناس يقول: لا يوجد في الدين تشدد، إنما الدين يسر وليس عسراً؛ فهل من يتمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم يعتبر متشدداً، نريد شرح هذا الحديث؟

الشيخ: طيب أبشر إن شاء الله، شكراً لك.

المتصل: لدي ثلاثة أسئلة:

السؤال الأول: القراءات الشاذة لا يجوز أن يصلى بها ولا يتعبد بها، فماذا نستفيد منها إذاً؟

السؤال الثاني: في صلاة الجماعة الصلاة السرية، يقرأ الواحد سورة الفاتحة، هل يجوز لي مثلاً أن أقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى والثانية، أم أكتفي بقراءة الإمام؟

السؤال الثالث: نريد منك أن تحدثنا عن الناس الذين يمرون أمام المصلين ويقطعون الصلاة، يعني: الواحد يقوم يصلي بعد صلاة الفرض صلاة النافلة مثلاً، وبينما هو يقف للصلاة تجد شخصاً يمر من أمامه في الصلاة، وقد يكونون كباراً وأئمة وصغاراً؛ فلو كان المار طفلاً قد نعذره؛ لكنهم أناس كبار؟

الشيخ: نجيبك إن شاء الله.

المتصل: لدي سؤالان:

السؤال الأول: ما معنى قوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]؟

السؤال الثاني: حدثنا عن طاعة الزوجة لزوجها؟

الشيخ: خيراً إن شاء الله.

المتصل: ما حكم التنكيس في الصلاة، سواء في ترتيب السور أم في ترتيب الآيات؟

بعض التفسيرات الغريبة لهبوط آدم وحواء وحقيقة الشجرة التي منعا من أكلها

السؤال: بالنسبة لأخينا التيجاني تكلم عن موضوع طويل تابعه في قناة الشروق، وأنا ما عندي به علم، ما تابعته ولا رأيته ولا سمعت ما قيل فيه؛ لكن أنا أعيد ما ذكرته بأن الإنسان ينبغي أن يعتني بما ينفعه، وأن يسأل عما ينفعه؛ ولذلك ابن عباس رضي الله عنهما بعدما تعلم منه تلميذه عكرمة رحمه الله، قال له ابن عباس : انطلق فأفتِ الناس؛ فمن سألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته، فإنك ترتاح من ثلثي الناس، يعني: لو أن الإنسان تكلم أو أفتى الناس فيما يعنيهم وأعرض عما سوى ذلك فإنه يرتاح من الثلثين.

يا أخي الكريم! قصص القرآن ساقها ربنا جل جلاله للعظة والاعتبار فقال سبحانه: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى [يوسف:111]، والقرآن الكريم يفسر بما تعرفه العرب من لغتها، فمثلاً: قصة آدم وحواء ذكرها الله عز وجل في سورة البقرة، وفي سورة الأعراف، وفي سورة الحجر، وفي سورة طه، وفي سورة ص، وفي مواضع من القرآن الكريم؛ فلا يمكن أن نأتي فنقول بأنه حين هبوط آدم وحواء ما كانا وحدهما؛ بل كان معهما ثلاثون، بل نقول كما قال الله: اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الأحقاف:4] ، وكما قال: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [النمل:64].

وإلا لو أطلق القول لقال من شاء ما شاء، فالله عز وجل قال: اهْبِطَا [طه:123]، الكلام لاثنين، وفي موضع آخر قال: اهْبِطُوا [البقرة:38]، الكلام لآدم و حواء وإبليس.

أما القول بأن الشجرة التي منعا منها هي الاتصال الجنسي، أولاً: ما عرف في كلام العرب بأن الاتصال الجنسي يقال له شجرة، الشجرة في لغة العرب الشجرة المعروفة، الآن لو استوقفت أي طفل يتكلم بلغة العرب فقلت له: ما هي الشجرة؟ سيقول: هي الشجرة، والمعرف لا يعرف.

أما الاتصال فالله عز وجل لما خلق حواء بعدما خلق آدم خلقهما للاتصال، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى [الحجرات:13]، وقال: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ [الأعراف:189]؛ فالزعم بأن الله عز وجل منع آدم من الاتصال بـحواء يبقى مجرد زعم ومجرد كلام، وقائله يطالب بالبرهان، ويطالب بالدليل؛ لأن هذه أمور غيبية، هي من الغيب الماضي، والغيب الماضي لا حضرناه ولا سمعناه، ولا سبيل إلى العلم به إلا عن طريق الوحي المعصوم.

كما أن الغيب المستقبل لا سبيل للعلم به إلا عن طريق الوحي المعصوم؛ ولذلك بدلاً من أن يشتغل الإنسان بمثل هذا عليه أن يشتغل بما ينفعه من أمر دنياه أو آخرته، ولا ينبغي أن ندور حول القصص عن ما هي الشجرة التي منع آدم و حواء من الأكل منها، أهي شجرة الحنطة، أم هي شجرة الزقوم، أم هي شجرة كذا، لأن هذه يسميها علماؤنا مبهمات القرآن، وكل ما أبهم في القرآن فلا فائدة في تعيينه، ولو كان هناك فائدة لفصل القرآن تفصيلاً؛ لكن المقصود الاتعاظ والاعتبار كما بين ربنا الرحمن جل جلاله.

مفهوم التشدد والقول بأن التمسك بالسنة تشدداً

السؤال: أخونا عوض من الجزيرة يسأل: هل المتمسك بالسنة يعتبر متشدداً؟

الجواب: لا والله! بل السنة هي عين اليسر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بعثت بالحنيفية السمحة )، يعني: حنيفية في العقيدة، وسماحة في الشريعة؛ فليس في ديننا عسر قط لا في القرآن ولا في السنة قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ [البقرة:185]، وقال: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [المائدة:6]، وقال: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، وقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقال: لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:233]، وقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا [الطلاق:7]، وقال: لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [الأنعام:152].

وقال صلى الله عليه وسلم: ( يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا )، وقال: ( إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه )، وقال: ( فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالروحة والغدوة وشيء من الدلجة )، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن أحب الدين إلى الله أيسره )، هذه كلها نصوص تدل على اليسر؛ ولذلك يخطئ بعض الناس حين يرون شاباً يتردد على المسجد في الصلوات الخمس يقولون له: يا فلان! لا تتشدد، وكأن الصلوات الخمس في المسجد صارت علامة التشدد، ولربما بعض العجائز الشمطاوات إذا رأين فتاة شابة قد تحفظت في ملبسها، والتزمت شرع الله في هيئتها يقلن لها: يا بنية! ما زلت صغيرة لا تتشددي، وكأن الحجاب تشدد، والحجاب هو فرض الله في القرآن، وقل مثل ذلك في ناس لو رأوا شاباً يصوم الإثنين والخميس أو يصوم الثلاثة البيض فإنهم يقولون له: لا تتشدد ونحو ذلك، فهذا خطأ في فهم التشدد.

التشدد: أن يلزم الإنسان نفسه بما لم يلزمه الله به، التشدد أن يتنطع الإنسان في الدين، وكما ( قال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر، وقال الثالث: أصلي ولا أرقد، وقال الرابع: لا أتزوج النساء)، فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الغلو والتنطع ( هلك المتنطعون ثلاثاً )، وفي القرآن الكريم: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة:77].

فالتشدد أن يعبد الإنسان ربه بما لم يشرعه؛ لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قائماً في الشمس قال: ( ما شأنه؟ قالوا: أبو إسرائيل نذر أن يصوم ولا يتكلم، ولا يستظل، ولا يجلس )، ما تعبدنا الله بأن نقوم في الشمس، ولا تعبدنا الله بأن نكون واقفين، ولا تعبدنا الله بالإمساك عن الكلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مروه فليتكلم وليجلس وليستظل وليتم صومه ).

فالمقصود يا إخوتاه! بأننا ما ينبغي أن نطلق لفظة المتشدد أو المتنطع أو المتطرف أو الغالي إلا على من يستحقها.

اتخاذ صاحب المزرعة زريبة لحبس البهائم التي تأكل زرعه

الشيخ: أما سؤاله عن زريبة البهائم؛ حقيقة أنا ما تبينت، لكن يا أخي! خلاصة القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأن على أهل البهائم حفظها بالليل، وعلى أهل الزرع حفظه بالنهار، وهذا يذكر دائماً في تفسير قول ربنا الرحمن: وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً [الأنبياء:78-79].

الفائدة من القراءات الشاذة مع عدم جواز الصلاة بها

السؤال: أما أختنا أم سليمان من حي الأندلس وقد سألت عن القراءات الشاذة، إذا كان لا يتعبد بتلاوتها ولا يصلى بها فماذا نستفيد منها؟

الجواب: القراءات الشاذة يستفاد منها في التفسير، فمثلاً: قراءة ابن مسعود : (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات)، فقوله: (متتابعات) هذه ليست متواترة؛ لكن يفهم منها أن التتابع في صيام كفارة اليمين أفضل من التفريق.

وكذلك قراءة ابن عباس : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج ) هذه قراءات تفسيرية، يستفاد منها في تفسير القرآن الكريم.

القراءة بعد الفاتحة في الركعة الأولى والثانية من الصلاة السرية

الشيخ: أما في الصلاة السرية إن كنتِ مأمومة في الركعة الأولى والثانية فاقرئي الفاتحة وما تيسر من القرآن، شأنك في ذلك شأن الإمام.

المرور بين يدي المصلي

الشيخ: أما المرور أمام المصلي فإنه من الذنوب العظام؛ لأن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ما عليه من الإثم لكان خيراً له أن يقف أربعين )؛ ولذلك ما ينبغي للإنسان أن يمر بين يدي مصل إلا إذا كان مضطراً، كما لو كان محصوراً، يعني: بعض الناس -عافانا الله وإياكم- قد لا يستطيع أن يمسك البول، ويضطر للخروج مباشرة بعد صلاة الفريضة فمثل هذا مضطر، والأمر إذا ضاق اتسع، والمشقة تجلب التيسير.

تفسير قوله تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)

السؤال: وأما أخونا شوقي من حطاب ولعله هو نائب عبد القادر شلعي ؛ لأنه دائماً من حطاب يتصل عبد القادر؛ لكن اليوم جاءنا شوقي ، يسأل: ما تفسير قول ربنا جل جلاله في آخر سورة الحجر: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]؟

الجواب: هذا أمر من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يداوم على العبادة، ويستمر في الطاعة حتى يأتيه اليقين الذي هو الموت؛ لأن الله عز وجل قال عن أهل جهنم: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:42-47]، أي: الموت.

فنبينا عليه الصلاة والسلام هو أول عامل بهذه الآية؛ ولذلك كان صلوات الله وسلامه عليه صواماً قواماً للقرآن تلاءاً، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، ذكاراً شكاراً مطواعاً مخبتاً منيباً أواهاً صلوات ربي وسلامه عليه، حتى في مرض موته، حتى في الساعات الأخيرة عليه الصلاة والسلام كان يعبد ربه بالسواك، وكان يعبد ربه جل جلاله بالذكر فيقول: ( لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات )، كان يعبد ربه بالدعاء فيقول: ( اللهم هون علي سكرات الموت )، صلوات الله وسلامه عليه، هذا في آخر كلماته عليه الصلاة والسلام، وكان كذلك آمراً بالمعروف حيث قال: ( الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، وأخرجوا المشركين من جزيرة العرب )، وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن، لا يعتقد الإنسان بأن العبادة لها أمد، فالإنسان في الوظيفة إذا بلغ الإنسان ستين أحيل إلى التقاعد، ولربما أتيحت له سنوات خمس أخرى فصارت مجموع خدمته إلى أن يبلغ خمساً وستين، لكن العبادة إلى أن يأتيك الموت ولو عشت مائة وعشرين سنة، تعبد ربك حتى ينزل بك الموت. ونسأل الله أن يجعلنا من أولئك.

طاعة المرأة لزوجها

الشيخ: وأما طاعة الزوجة لزوجها يا شوقي؛ فهي فرض عليها؛ لأن الله عز وجل قال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، وقال: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]؛ لأن الحياة الزوجية شركة بين الرجل والمرأة، وكل شركة لا بد فيها من قائد، والقائد الذي ارتضاه ربنا للحياة الزوجية هو الرجل بسببين اثنين:

الأول: قال تعالى: بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34]، وهذا هو الأمر الجبلي التشريفي، فقد فضل الله الرجال بقوة أجسادهم، وشجاعة قلوبهم، وحضور أذهانهم، وقدرتهم على مواجهة الصعاب، وصبرهم على الأذى، وعدم الانفعال السريع، فهذا هو السبب التشريفي.

الثاني: السبب التكليفي: وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، لما كان الرجل هو المنفق فلا غرو أن يكون هو القوام.

وطاعة الزوجة لزوجها في طاعة الله عز وجل أو في الأمر المباح؛ فما ينبغي لها أن تخرج إلا بإذنه، ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، وما ينبغي لها أن تأذن في بيته لمن يكره، وينبغي لها أن تتحفظ في ماله، فلا تنفق منه إلا بإذنه صراحة أو ضمناً، وكذلك ما تكشف أسراره بل تحفظها، وأن تقدم طاعته على طاعة غيره ولو كان أماً أو أباً، وكذلك من طاعة الزوجة لزوجها أن تجيبه إذا دعاها إلى فراشه ولو على قتب، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.

وبالمقابل أيضاً ينبغي على الزوج أن يتقي الله في زوجه، فيعاشرها بالمعروف، ويحسن إليها، وأن يترفق بها، وأن يلين لها الكلام، وأن ينفق عليها من ماله، وأن يعلم بأن هذا واجب ليس تفضلاً ولا مناً منه؛ بل هو أمر أوجبه الله كما قال: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7]، فإذا أدى كل من الزوجين ما أوجب الله عليه طابت حياتهما واستقر أمرهما، وعاشا في جنة الدنيا قبل جنة الآخرة.

التنكيس بين السور والآيات في الصلاة

السؤال: وأخونا عبد الله من الجرافة سأل عن حكم التنكيس في السورة أو الآيات؟

الجواب: أما تنكيس الآيات فحرام بالإجماع، ومن فعل ذلك مستحلاً متمادياً فإنه يكفر والعياذ بالله، يعني: لو أن إنساناً قلب الفاتحة فقال: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] ثم قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] ، ثم قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، ثم قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، ثم قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ[الفاتحة:2]، هذا لا يجوز باتفاق.

أما التنكيس بين السور بمعنى: أنه لا يتقيد بترتيب المصحف فيقرأ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، ثم يقرأ في الركعة الثانية: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، فهذا مكروه ولكن لا تبطل الصلاة به.

المتصل: لدي ثلاثة أسئلة:

السؤال الأول: كان قد حصل لي في يوم ثمانية عشر من الشهر حادث من حوادث الحركة، وكسرت فيه الرجل اليسرى، ونذرت أنه -إن شاء الله- إذا تم الشفاء سأصوم ثلاثة أشهر؛ فهل أصومها متوالية أم أصومها كل على حدة، أم ماذا أعمل في هذه الحالة؟

السؤال الثاني: أنا كنت أشتغل في سكر كنانة منذ الصغر لمدة ستة عشر عاماً، وكانت الإدارة في تلك الفترة ليست مضبوطة، وكنت أغيب أحياناً في الشهر يوماً أو يومين، وفي آخر الشهر أستلم الراتب كاملاً؛ فما الذي يلزمني؟

السؤال الثالث: عملت ورشة حدادة في السوق، وشاء الله أن أناساً أتوا بحديد من أجل أن أعمل لهم طربيزة، وبعامل الزمن تجمع الحديد بشكل كثير جداً جداً، بعضها استخدم وبعضها انسرق، والآن عندي كمية كثيرة جداً من الحديد، فماذا أعمل بهذا الحديد؟ أين أذهب به؟

الشيخ: طيب أبشر إن شاء الله.

المتصل: لدي ثلاثة أسئلة:

السؤال الأول: أسأل عن حديث أم ورقة ، الذي فيه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لها أن تؤم ) فهل تؤم الرجال والنساء؟

السؤال الثاني: في سورة مريم تكرر قول الله: (يا أبتِ)، في آيات كثيرة، فهل هناك فرق بينها وبين يا أبي؟

السؤال الثالث: قوله تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا [يوسف:24]، هناك كلام كثير في التفسير، فما هو التفسير الصحيح لهذه الآية؟

الشيخ: أجيبك إن شاء الله.

المتصل: لدي سؤالان:

السؤال الأول: الرجل الذي سأل عن الزريبة، هنالك ناس طبعاً بهائمهم تدخل في المزرعة فيأخذها صاحب المزرعة ويدخلها الزريبة، وبعد ذلك يكون عليها رسوم في الزريبة، وكذلك تذهب لجنة إلى المزرعة وتقدر الضرر، ويدفع الرجل مالاً، فالرجل يسأل عن هذا؟

السؤال الثاني: هناك كثير من الشباب -هدانا وهداهم الله- يخوضون في العلماء ويتحدثون عنهم، فنرجو أن توجه لهم نصيحة؟

الشيخ: شكراً، أحسن الله إليك.

التتابع في الصيام المنذور

السؤال: أخونا محمد أحمد من كنانة يذكر بأنه -عافاه الله- أصيب في حادث، ونذر لله إن عافاه أن يصوم ثلاثة أشهر فهل تصام متتابعة؟

الجواب: نقول: طالما أنك ما قيدت -يعني: ما قلت: أصوم ثلاثة أشهر متتابعات فلا حرج عليك أن تصومها متفرقة، ونسأل الله أن يتم عليك العافية، وأن يبدلك خيراً مما ذهب، وأن يجعل ما أصابك كفارة لخطاياك إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

الواجب على الموظف الذي كان يغيب من الوظيفة ويعطى راتبه كاملاً

الشيخ: أما عملك في سكر كنانة ستة عشر عاماً، وكنت أحياناً تغيب بغير إذن، ولم يكن في الإدارة ضبط ولا ربط، كما ذكرت في سؤالك، ثم كان الراتب يأتيك كاملاً غير منقوص، فأقول لك:

أولاً: يلزمك أن تستغفر الله عز وجل مما كان وتتوب إليه.

ثانياً: إن كان عندك سعة فاجتهد في أن تخرج صدقة من مالك على نية التخلص مما دخل عليك من مال لا تستحقه؛ لأن الأجر في مقابل العمل، ومن أخذ الأجر ولم يعمل العمل حاسبه الله بالعمل، ويبدو بأنك كنت مفرطاً في هذه الناحية؛ فاجتهد دائماً أن تتصدق من مالك بنية التخلص مما دخل عليك مما لا حق لك فيه.

تصرف صاحب ورشة الحدادة بالحديد المتجمع مما يريد الناس إصلاحه وتركوه

الشيخ: أما الحديد الذي تجمع عندك أيضاً مما هو للناس فبعه وتصدق به، أو تصدق بعينه، وبذلك تتخلص إن شاء الله.

الفرق بين التعبير بقوله تعالى: (يا أبت) وقول: يا أبي

السؤال: أخونا نصر الدين يسأل عن الفرق بين قول الله عز وجل: (يا أبتِ) وقول: (يأبي)؟

الجواب: هذا قد ورد أربع مرات على لسان الخليل عليه السلام في قول ربنا الرحمن: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً [مريم:41-45].

(ويا أبتِ) تقرأ أيضاً: (يا أبتَ)، وقال أهل التفسير بأن أصلها يا أبي! ولكن جعل مكان الياء تاءً قد تفتح وقد تكسر، وهذه من لغة العرب مثلما تقول العرب: يا أبي! تقول: يا أبتِ! وتقول: يا أبه! بهاء السكت، مثلما تقول: يا أمي! ويا أمياه! ويا أماه! ويا أمتاه! هذا كله مما تقوله العرب.

الخلاصة يا نصر الدين ! أحسن الله إليك أن يا أبتِ هي نفسها يا أبي.

التفسير الراجح للهم في قوله تعالى: (ولقد همت به وهم بها)

السؤال: ما تفسير قوله تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا [يوسف:24]؟

الجواب: الذي يظهر والعلم عند الله تعالى أن الهم هاهنا مراد به الميل القلبي الذي لا يؤاخذ الله به العبد، كالصائم الذي يأتي في شدة الحر في نحر الظهيرة في الساعة الثانية، أو الساعة الثالثة وقد جف ريقه ويبس لسانه، فيجد في يد الأطفال ماءً بارداً وعصيراً طازجاً وطعاماً شهياً؛ فنفسه تميل إلى هذا الطعام وهذا الشراب، ولكن الورع والخوف من الله عز وجل يمنعه؛ لأنه أصلاً ما ترك الطعام والشراب إلا من أجل الله.

وكذلك يوسف عليه السلام كان شاباً فتياً ممتلئاً فحولة ورجولة، وقد وجد أمامه امرأة ذات منصبٍ وجمال وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ[يوسف:23]، فمن ناحية الجبلة الإنسانية والطبيعة البشيرة أنه يميل إليها، لكن عصمه الله بورعه فقال: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف:23].

فهم المرأة هنا عزمها على الفاحشة، وتهيئة الأسباب لها ورغبتها فيها، أما هم يوسف عليه السلام فهو الميل القلبي الذي لا يحاسب الله العبد عليه.

وأما ما يذكر في بعض كتب التفسير بأنها همت به ضماً فهم بها دفعاً وضرباً، أو أقبح من ذلك ما يقوله بعضهم نقلاً عن الإسرائيليات بأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته وحل سراويله، ورأى كفاً بينهما مكتوباً عليها قوله تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ [الانفطار:10-11]، أو قوله سبحانه: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [يونس:61]، أو وجد مكتوباً قول الله: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32]، فهذا كله لا يصح؛ والأنبياء أجل وأعظم من ذلك.

إمامة المرأة في الصلاة

الشيخ: أما حديث أم ورقة رضي الله عنها؛ فقد (أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ مؤذناً وأن تؤم نساء دارها) وهذا الذي عليه جمهور العلماء بأن المرأة يصح لها أن تصلي بالنساء وتقف في وسطهن.

أما المالكية رحمهم الله فلا يرون إمامة النساء حتى للنساء.

نصيحة لمن يطعن في العلماء

الشيخ: أما كلامك عن أن بعض الشباب يتحدثون عن العلماء؛ فهذا من الخذلان نسأل الله العافية والسلامة، ومن المرض أن يطلق الإنسان لسانه في المسلمين سواءً كانوا من العامة أو الخاصة، وربنا جل جلاله قال: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58]، وهؤلاء الشباب كثير منهم لو سئل عن فرائض الوضوء، أو سئل عن النجاسات وكيفية تطهيرها، أو أعطي القرآن من أجل أن يقرأ فيه نظراً -ما أقول: حفظاً- فإنه لا يحسن منه قليلاً ولا كثيراً.

ولذلك أقول: ينبغي للعاقل أن يقبل على ما ينفعه، وأن يكون بصيراً بزمانه، مقبلاً على شأنه، ممسكاً للسانه و(طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس) خاصة أن هذا الكلام يترتب عليه صد عن سبيل الله، فإن بعض الشباب قد يأتي للمسجد وقد هداه الله عز وجل وأقبل على حلق العلم ومجالس الذكر؛ فتجد بعضهم يتطوع يقول له: لا تسمع لفلان فإنه كذا، ولا تقرأ لفلان لأنه كذا، ولا تصل خلف فلان لأنه كذا، ويبدءون يكثرون من الطنين في أذنه بما يترتب عليه في كثير من الأحيان أن هذا الشاب يفر من المسجد، ويرجع إلى سابق عهده حين كان تائهاً ضائعاً، ولا شك أن هذا صد عن سبيل الله.

أقول: إن الدعاة إلى الله والعلماء ليسوا معصومين؛ بل هم بشر يخطئون ويصيبون، وينبغي أن تبذل لهم النصيحة في رفق، وهكذا دأب الصالحين من قديم، ما زالوا ينصح بعضهم بعضاً، ويعين بعضهم بعضاً، ويرفق بعضهم ببعض، ما رأيناهم أبداً يصنعون مثلما يصنع هؤلاء، وإلى الله المشتكى.

المتصل: لدي ثلاثة أسئلة:

السؤال الأول: يا شيخ! صليت العصر في المسجد وخرجت منه، وسمعت واحداً يتكلم في المسجد بموعظة فذهبت إليه لأسمع، ودخلت المسجد، فهل أصلي تحية المسجد أم لا؟

السؤال الثاني: يا شيخ! قال تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]، النعمة هذه ما معناها؟

السؤال الثالث: في سورة يوسف قال تعالى: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يوسف:77]، ما معنى هذه الآية؟

صلاة تحية المسجد بعد العصر

الشيخ: تحية المسجد بعد العصر يا أخانا عوض الكريم ! الأفضل ألا تفعلها؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو في الصحيحين قال: (حدثني رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس )، وهذا هو مذهب المالكية والحنفية رحمة الله على الجميع.

النعمة التي أمر الله بالتحديث بها في قوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث)

الشيخ: أما قول ربنا: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]، أي: حدث بسائر النعم، وقد شرح هذا المعنى نبينا صلى الله عليه وسلم ( لما رأى رجلاً رث الثياب فقال له: ألك مال؟ قال: نعم. قال: من أيه؟ قال: من كله. قال له: فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ).

تفسير قوله تعالى: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ...)

الشيخ: أما قوله تعالى: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يوسف:77]، فقد قال أهل التفسير: بأن عمة يوسف كانت تعبد صنماً، وقد نشأ في بيتها؛ فسرق هذا الصنم يوماً فكسره، يعني: غضباً لله عز وجل، فإخوته اتخذوها دليلاً ضده لما اتهم أخاه بنيامين بالسرقة.

اتخاذ صاحب المزرعة زريبة لحبس البهائم التي رعت في زرعه وأخذ مقابل ما أفسدته

السؤال: أخونا نصر الدين ذكر بأن سؤال أخينا عوض من الجزيرة في شأن زريبة البهائم بأن البهائم التي تأتي فتأكل من زرع غير مالكها، فإنها تسلم لمكان تجمع فيه، ثم بعد ذلك تأتي لجنة أو يأتي جماعة من أهل الخبرة فيقدرون التلف الذي حصل في الزرع من أجل أن يعوض صاحبه، ولا تدفع هذه البهيمة لصاحبها إلا بعدما يدفع غرامة، فما الحكم؟

الجواب: أقول: لا بأس بهذا -إن شاء الله- إن ارتضى الناس ذلك.

القول بعدم جواز خروج المرأة من بيتها للحج إلا حج الفريضة

السؤال: أنا سيدة مقتدرة، أحج كل سنة مع زوجي، ونحن في مركز لتحفيظ القرآن، قال لنا أحد الشيوخ الزائرين للمركز بأنه لا يجوز للمرأة سوى حجة الفريضة، ولا يجوز لها الخروج من بيتها إلا لقبرها، وأنا أحب أن أحج؛ فما رأي الشرع في حجي؟

الجواب: يا أمة الله! حجي، هذا كلام غير صحيح؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قال: ( تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد )، هذا خطاب للرجال والنساء.

وكذلك القول بأن المرأة لا تخرج إلا إلى القبر ليس بصحيح، فإن خير النساء أولئك اللاتي شهدن عصر النبوة وتنزيل القرآن، وقد كن ( يشهدن صلاة الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس )، أي: من الظلام، وكذلك كن يشهدن صلاة الجمعة، وكن يشهدن مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسألنه، وكذلك كان بعضهن يخرج إلى الغزو في صحبة الأزواج، كما في صحيح البخاري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال في بيت أم حرام -نام نومة القيلولة- فاستيقظ وهي تمسح العرق عن وجهه الشريف وتعصره في سك لها، قال: ما تصنعين يا أم حرام ؟ قالـت: أخلط عرقك بطيبنا فيكون أطيب الطيب، فتبسم عليه الصلاة والسلام، قالت: أتضحك من فعلي؟ قال: لا. ولكني أريت أناساً من أمتي يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة غزاة في سبيل الله؛ فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم )، فلو أن المرأة لا تخرج إلا للقبر لقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لا، أنتِ لا يجوز لك أن تخرجي أصلاً، لكنه قال لها: ( أنتِ منهم )، وفعلاً خرجت مع زوجها أبي الوليد عبادة بن الصامت رضي الله عنه، ولما نزلت من السفينة وقصتها دابتها، ودفنت في تلك البلاد البعيدة، وما زال قبرها يعرف بقبر المرأة الصالحة.

وكذلك السيدة عائشة قالت: ( كنا نخرج في الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسقي العطشى، ونداوي الجرحى ونرد القتلى) إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة؛ فلا ينبغي القول أبداً بأن المرأة لا تخرج إلا إلى قبرها؛ بل المرأة تخرج من بيتها للعبادة، وتخرج من بيتها للحاجة؛ لكنها تخرج على الصفة التي يحبها الله، متحفظة متحجبة محتشمة وقورة عليها السكينة.

أسال الله عز وجل أن يحفظنا ونساءنا وبناتنا وأبناءنا وإخواننا وجيراننا والمسلمين، وأن يجعل بلادنا آمنة مطمئنة، سخية رخية وسائر بلاد المسلمين، وأن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمته أن نغتال من تحتنا.

والحمد لله أولاً وآخراً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , ديوان الإفتاء [519] للشيخ : عبد الحي يوسف

https://audio.islamweb.net