إسلام ويب

لا شك أن الفتوى توقيع عن رب العالمين، كما أنها وراثة للنبيين والمرسلين، فمن تصدر للفتوى فلا بد أن تكون له نية حتى يكون لكلامه نور، وأن يكون ذا حلم وصبر ووقار، وألا يفتي إلا بعلم، وأن يصبر حتى يفهم السؤال، كما أن عليه أن يكون قوياً على ما هو فيه، وأن يحيل على من هو أعلم منه، وأن يرجع أيضاً عن الخطأ إذا تبين له. ومن آداب المستفتي: ألا يسأل فيما لا يعنيه وما لا يتعلق به عمل، وأن يسأل من يثق بدينه وعلمه، كما أن عليه أن يعرف شروط الفتوى ويسمعها كاملة، بالإضافة إلى عدم الإلحاح في طلب الفتيا.

بعض شروط المفتي

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد, البشير النذير، والسراج المنير, وعلى آله وصحبه أجمعين.

سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[البقرة:32], اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى, أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

قد سبق شيء من الكلام عن شروط المفتي وآدابه, وعرفنا أن من شروطه: الإسلام, والتكليف, والعدالة, فلا يفتي الناس من ليس بمسلم, ولا من ليس ببالغ ولا عاقل، ولا يفتي الناس فاسق.

ثم لابد أن تكون للمفتي نية, فمن ليست له نية فليس على كلامه نور، لا بد أن ينوي بفتواه تبصير المسلمين, وتعليم الجاهلين, وإرشاد الغافلين, وتذكير الناسين, وقطع الخلاف بين المتشاجرين.. وما إلى ذلك من المقاصد الشرعية العظيمة.

ثم لا بد أن يكون له علم وحلم ووقار, لا بد أن يفتي بعلم, ولا بد أن يحلم عن السائل, ولا بد أن يصبر حتى يفهم السؤال على وجهه, ومن ثم يكون جوابه مسدداً إن شاء الله.

ومن شروط المفتي كذلك: أن تكون له كفاية, وإلا مضغه الناس، يعني: لا ينوي بفتواه أن يتكفف الناس, ولا أن يطلب ما عندهم, ولا أن يتطلع إلى ما بأيديهم, وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى[طه:131].

ومن شروط المفتي كذلك: أن يكون قوياً فيما هو فيه, فالمسألة التي يتناولها والموضوع الذي يطرحه والسؤال الذي يجيب عنه, لا بد أن يكون قوياً فيه وإلا يسعه أن يقول: لا أدري, ويسعه أن يقول كما قالت الملائكة: سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[البقرة:32], ثم لا بد أن يكون للمفتي علم ودراية بحيل الناس وألاعيبهم؛ لئلا تنطلي عليه تلك الحيل، ولئلا تلتبس عليه الألفاظ.

بعض آداب المفتي

ومن آداب المفتي: أن يحيل على من هو أعلم منه, ولا يستنكف من ذلك, ولما سئلت أمنا عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين, قالت: ( سلوا علياً فإنه أعلم بهذا مني, وقد كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

ومن آدابه كذلك: أن يستشير إخوانه, مثلما كان يصنع عمر رضي الله عنه حين يجمع أهل بدر, ولربما جمع الأنصار, ولربما جمع مشيخة قريش من طلقاء الفتح, ويفعل ذلك عند النوازل العظيمة.

ومن آداب المفتي كذلك: أن يفتي بما يراه صواباً, رضي من رضي وغضب من غضب, ولا يبالي ولا تأخذه في الله لومة لائم.

ومن آداب المفتي كذلك: أن يرجع عن الخطأ إذا تبين له, فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.

ومن آدابه كذلك: أن يفتي بما يرى أنه الحق, دون نظر إلى شخص السائل, أضعيف هو أم شريف, غني أم فقير, رئيس أم مرءوس, أمير أم مأمور.. يفتي بما يراه صواباً, والإمام القرافي رحمه الله عد ما يصنعه بعض الناس من أنه إذا كان في المسألة قولان أنه يفتي العامة بالتشديد، ويفتي ولاة الأمور ونحوهم بما فيه رخصة وتخفيف؛ عد هذا تلاعباً بالدين, ودليل الفسق والخيانة, وخلو القلب من مراقبة الله عز وجل، ودليل على طلب الدنيا بالدين.

من آداب المستفتي

إخوتي وأخواتي! إذا كان المفتي يلزمه ذلك كله, فإن المستفتي كذلك له آداب:

عدم السؤال فيما لا يعنيه وما لا يترتب عليه عمل

أول هذه الآداب: ألا يسأل إلا فيما يعنيه, فلا يتعنت في السؤال، ولا يسأل عن قضايا لا يترتب عليها عمل, فإن الله عز وجل قد أدبنا بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ[المائدة:101-102], وقد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله عبد الله بن حذافة رضي الله عنه: ( يا رسول الله! من أبي؟ قال: أبوك حذافة, فقام آخر فقال: يا رسول الله! من أبي؟ فغضب صلوات ربي وسلامه عليه وقال: والذي نفسي بيده لا يسألني أحد عن أبيه إلا أخبرته ), يعني: سواء كان هو الأب المعروف المشهور بين الناس أو كان غيره, ( حتى جثا عمر على ركبتيه وقال: نتوب إلى الله يا رسول الله ).

وكذلك عمر رضي الله عنه ضرب الرجل الذي كان يسأل عن متشابه القرآن, فيدخل مسجداً فيسأل ناساً عن قوله تعالى: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا[الصافات:1], ثم يسألهم عن: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا[الذاريات:1], ثم يسألهم عن: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا[النازعات:1], ثم يسألهم عن: وَالمُرْسَلاتِ عُرْفًا[المرسلات:1], ثم يسألهم عن: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا[العاديات:1], فلما سمع به عمر قال: ( اللهم أمكني منه, فلما جاء إلى عمر وسأله عن قوله تعالى: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا[الذاريات:1], قال: هي الرياح, ووالله الذي لا إله غيره لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها ما قلتها, قال له الرجل: فأخبرني عن قوله تعالى: فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا[الذاريات:2], قال: هي السحب تحمل المطر، ووالله الذي لا إله غيره لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ما قلته ). ولم ينتبه الرجل إلى أن عمر رضي الله عنه مغضب من تلك الأسئلة, فتمادى في أسئلته فأخرج عمر رضي الله عنه درته وضربه حتى أدماه, ثم أخرجه إلى الكوفة, وكتب إلى أبي موسى أن يقوم في الناس خطيباً بأن صبيغاً التميمي طلب العلم فأخطأه, فمر الناس ألا يكلموه ولا يجالسوه, إلى أن كتب إليه أبو موسى بعد حين: بأن صبيغاً قد جاء وزعم أنه قد أحدث توبة, فقال عمر رضي الله عنه: ما أراه إلا قد صدق, فمر الناس فليكلموه وليجالسوه.

فمن الآداب: ألا يسأل الإنسان إلا عن المسألة التي يترتب عليها عمل؛ ولذلك لما سأل بعض الناس الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله عن يأجوج ومأجوج: أمسلمون هم؟ قال له: أحكمت العلم كله وما بقي إلا هذا! ولما سأل بعض الناس عامراً الشعبي رضي الله عنه عن إبليس: أله زوجة؟ قال: نعم, قال: ما الدليل, قال: قوله تعالى: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ[الكهف:50], ولا تكون الذرية إلا من تزاوج, قال له: ما اسمها؟ يعني: ما اسم زوجة إبليس؟ قال له: ذاك عرس ما حضرناه.

فبعض الناس يتعمد أن يطرح أسئلة لا يترتب عليها عمل, كمن يسأل عن لون كلب أصحاب الكهف؟ وعن عصا موسى من أي خشب كانت؟ وعن سفينة نوح على أي جبل استقرت؟ وعن الجزء الذي ضرب به قتيل بني إسرائيل؟ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا[البقرة:73].. ونحو ذلك من الأسئلة.

ولما سأل بعض الناس الإمام أحمد عن ذراري المؤمنين أو ذراري المشركين, قال له أحمد رحمه الله: هذه أسئلة أهل الزندقة, ولما سأله بعض الناس: أنتوضأ بماء الباقلاء؟ قال: لا أحب هذا, قال: أنتوضأ بماء الورد؟ قال: لا أحب هذا, فلما قام، يقول: أخذ أحمد بثوبي وقال: ما تقول إذا خرجت من المسجد؟ قلت: لا أدري, فقال له: اذهب فتعلم هذا, يعني: بدلاً من أن تشتغل بتفريع المسائل وتشتغل بكثرة السؤال، سل عن ما يترتب عليه عمل.

ولما قال له بعض الناس: أيفطر المريض؟ قال: نعم, قال له: أيأكل ويشرب؟ قال: نعم, قال: أيجامع امرأته؟ فأعرض عنه أحمد , وردد السائل قوله فما أجابه, فأحياناً المفتي قد يعرض عن السائل؛ لأنه يراه متنطعاً, ولأنه يراه في سؤاله متشدداً, وقد حكى ربنا جل جلاله عن بني إسرائيل: أن نبيهم موسى عليه السلام لما قال لهم: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً[البقرة:67], قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ[البقرة:68], ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا[البقرة:69], ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا[البقرة:70], فلما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم, و(أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته)، وفي الحديث: (وإن الله تعالى كره لكم القيل والقال, وكثرة السؤال, وإضاعة المال).

أما الإنسان الذي يسأل عن شيء قد اشتبه عليه, ويريد أن يعرف المسألة على وجهها فإنه لا يتناوله الذم, ولا حرج عليه في أن يردد السؤال حتى يتبين له الحق, فهذا هو الأدب الأول الذي يلزم المستفتي: ألا يسأل إلا عن ما ينفعه, وما يترتب عليه عمل.

استفتاء القلب ومراقبة الله عز وجل

الأدب الثاني: أن يستفتي قلبه, وإن أفتاه المفتون, بمعنى: أن يراقب ربه جل جلاله, فلو أنه سأل إنساناً سؤالاً, ثم بعد ذلك يعلم من قرارة نفسه أن هذا الأمر حرام, فإنه لا ينبغي له أن يتذرع بفتوى المفتي من أجل أن يتناول ذلك الحرام, وقد قرر علماؤنا رحمهم الله: أن فتوى المفتي وحكم القاضي لا يحلل الحرام, وأشار إلى هذا المعنى نبينا عليه الصلاة والسلام, لما قال لأصحابه: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض, وإنما أنا بشر، أقضي بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار, إن شاء فليأخذ وإن شاء فليدع), فنبينا صلى الله عليه وسلم -وهو هو- لو أنه قضى لإنسان بشيء ليس من حقه, فإنه عليه الصلاة والسلام يقول: (فإنما أقطع له قطعة من نار), فأحياناً بعض الناس يسأل وهو يعلم بأن هذا المال لا يحل له, أو أن هذه المعاملة محرمة, أو أن هذا الطلاق قد وقع وهو قد نواه, فلو أن المفتي اشتبه عليه الأمر، أو لم يتبين السؤال على وجهه، أو أخطأ في الجواب, فينبغي لهذا الإنسان أن يستفتي قلبه, وأن يراجع نفسه, وأن يراقب ربه؛ لئلا يقع فيما حرم الله, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين, وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس, فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه), أي: سلم دينه من الثلم، وسلم عرضه من الطعن, (ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه, ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه, ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب).

سؤال من يثق في دينه وعلمه

الأدب الثالث: ألا يسأل إلا من يثق في دينه وعلمه, فقد جرت عادتنا معشر بني الإنسان أننا نحتاط لأمر دنيانا, فلو أن الإنسان أصيب بمرض فإنه يسأل عن الطبيب الحاذق الماهر المتخصص في هذا الذي يعاني منه, ولو أن الواحد أصيب بكسر، أو أصيب بداء في بطنه، أو بوجع في رأسه، أو خلل في سمعه أو بصره, فإنه يسأل عن الطبيب المتخصص الحاذق, الذي طارت سمعته في الآفاق وشهد له الناس بالمهارة, ففي أمر الدين لا ينبغي أن يطرح الإنسان سؤاله على كل من هب ودرج, بل لا بد أن يحتاط لدينه, وأن يتخير لاستفتائه من يتوافر فيه شرطان وهما: الدين والعلم, فلا بد أن يتخير، ولا يتنقل بين المفتين من أجل أن ينتقي من الأقوال أشهاها, ومن الفتاوى أطيبها, ومن كلام الناس ما يوافق هواه وما يحقق له مصلحته, ليس هذا صنع المؤمنين المتقين, وقد قال الصحابة رضوان الله عليهم: كنا ندع سبعين باباً من الحلال مخافة أن نقع في باب واحد من الحرام.

فلا بد للإنسان إذا أراد أن يستفتي أن يتخير من يثق في دينه وعلمه فيطرح عليه مسألته ويتقي الله عز وجل في عرضها.

معرفة شروط الفتوى وقيودها وسماعها كاملة

الأدب الرابع: لابد للمستفتي أن يتبين الفتوى بكل قيودها وشروطها, ويتريث حتى يسمع الجواب كاملاً, لا يخطف الكلام خطفاً, كما ذكروا عن بعض الناس بأنه ذهب مع زوجه إلى بعض أهل العلم فقال له: إني طلقت هذه المرأة ثلاثاً، وأريد أن أعرف هل هذه الطلقات كلها واقعة، أم أن سبيلاً قد بقي للرجعة؟ قال له: طلقتها ثلاثاً؟ قال: نعم, فقال المفتي: إنا لله وإنا إليه راجعون, فقال الزوج لامرأته: سمعت! راجعون, هكذا قال المفتي.. هيا, يعني: خطف هذه الكلمة والمفتي يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون, يعني: يتحسر على حاله بأنه قد خرب بيته، وشرد أسرته، وفصم عرى الزوجية, وقد كان له في الأمر سعة, فبعض الناس يخطف كلمة ثم بعد ذلك يبني عليها قصوراً وعلالي, ويقول: هكذا قيل لي وبعد ذلك لن أسأل.

نقول له: يا عبد الله! خذ الكلام كله بسباقه ولحاقه وسياقه، وافهمه على وجهه من أجل أن تستخلص معنى صحيحاً, لكن بعض الناس على مذهب إبليس يقرأ: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ[الماعون:4], ويسكت, مثلما قال الماجن:

دع المساجد للعباد تسكنهاوسر بنا حانة الخمار يسقينا

ما قال ربك ويل للألى سكرواوإنما قال ويل للمصلين

يقول: ربنا قال: وَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ[الماعون:4], فأنا لن أصلي، وإنما أذهب إلى الخمارة فأشرب الخمر.

فالإنسان في استفتائه لا ينبغي أن يكون هذا سبيله, بل يصبر حتى يسمع الجواب ويتبين المراد, ولا بأس أن يراجع المفتي حيناً بعد حين من أجل أن يفهم حقيقة الأمر, هذا هو المطلوب.

عدم الإلحاح في طلب الجواب وإضجار المفتي

خامساً: ينبغي للمستفتي أن لا يضجر المفتي وأن لا يلح عليه في طلب الجواب, يعني: أحياناً بعض الناس قد يسأل سؤالاً، ومن يسأل لا علم له, فيقول له: اصبر حتى أراجع إن شاء الله، أو حتى أسأل من هو أعلم وكذا, فيأتيك بعد ساعات, ويأتيك غداً، ويأتيك بعد غد، وقد تكون المسألة أعمق من ذلك, وقد سبق أن مالك بن أنس رحمه الله لما سئل في ثمان وأربعين مسألة قال في اثنتين وثلاثين: لا أدري، فإذا كان مالك رحمه الله العالم الذي تضرب إليه أكباد الإبل, والذي جمع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقي من أهل العلم والدين من لقي, إذا كان يقول: لا أدري, فما ينبغي أن نستكثر على فقهاء عصرنا وعلماء زماننا أن يقول أحدهم: لا أدري، أو أن يقول للسائل: أمهلني حتى أبحث، أو حتى أسأل، أو حتى أراجع ما دونه أهل العلم في أسفارهم.. ونحو ذلك, فهذا الذي ينبغي أن يكون.

وهناك آداب أخرى إخوتي وأخواتي! يأتي الكلام عنها لاحقاً، أسأل الله أن ينفعني وإياكم.

الأسئلة

المتصل: لدي ثلاثة أسئلة:

السؤال الأول: الصلاة بين الأعمدة في المسجد, هل تقطع الصف؟

السؤال الثاني: متى يحجب أخو الميت من الميراث؟

السؤال الثالث: أراد الإنسان أن يقسم ماله وأعطى ناساً وما أعطى آخرين، هل عليه إثم؟ وهل يجب عليه في الميراث أن يقسم بالتساوي؟

الشيخ: طيب، جزاك الله خيراً.

المتصل: أسأل عن المديح في حلقة علم داخل المسجد، وهذا المديح ليس لمديح النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما بعض المدائح للنبي، وأخرى للشيوخ وللمدن، وهكذا يا شيخنا.

الشيخ: طيب. جزاك الله خيراً.

المتصل: لدي سؤالان:

السؤال الأول: ما تفسير قوله تعالى: فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ[البقرة:194] لأن هذه الآية الناس يتعلقون بها كثيراً.

السؤال الثاني: أحدهم قال: السدل في الصلاة ليس عليه دليل، فما رأيك؟

الشيخ: طيب، إن شاء الله.

المتصل: لدي سؤالان:

السؤال الأول: شقيقي متزوج من امرأة، وهي كانت أصلاً متزوجة من رجل, وحاول أن يطلقها من زوجها ليتزوجها هو, وفعلاً طلقها من زوجها وتزوجها هو, وزوجها قبل شهر توفي، فهل الزوجة حلال لأخي؟

السؤال الثاني: هل المقدر أزلياً يتغير بالدعاء؟

الشيخ: طيب، أحسن الله إليكم, بارك الله فيكم.

المتصل: جزاك الله خيراً، لدي سؤال: أسأل عن مقدمات الجماع قبل طواف الإفاضة؟

الشيخ: طيب.

الصلاة بين الأعمدة وعلة النهي عنها

السؤال: أخونا عبد القادر شلعي من حطاب, سأل عن الصلاة بين الأعمدة؟

الجواب: الصلاة بين الأعمدة مكروهة إذا كان في المسجد سعة, لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( كنا نطرد عنها ), وفي رواية: ( كنا ننهى عنها )، ومعلوم بأن هذه الصيغة لها حكم الرفع, يعني: كنا نطرد, أو كنا ننهى, أي: على أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد قال أهل العلم: بأن هذا النهي محمول على الكراهة وليس على التحريم؛ لأنه ثبت: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة المشرفة صلى بين ساريتين، أو صلى بين السارية والجدار ), فمن أجل هذا صرفوا النهي من التحريم إلى الكراهة.

واختلفوا في العلة فبعضهم قال: لأنها تقطع الصف, وبعضهم قال: لأنها موضع الأحذية والمتاع, وبعضهم قال: لأنها موضع للشياطين.. وغير ذلك, لكن الأقرب والله أعلم أنه لكونها تقطع الصفوف, فإذا كان في المسجد سعة فلا ينبغي للناس أن يصلوا بين السواري (الأعمدة), أما إذا كان هناك ضيق كما هو الحال في يوم الجمعة أو في بعض المساجد الصغيرة أو الضيقة، فلا حرج في الصلاة بين الأعمدة.

الحالة التي يحجب فيها أخو الميت

السؤال: متى يحجب أخو الميت؟

الجواب: يحجب أخو الميت إذا كان والد الميت موجوداً فليس للإخوة شيء, وكذلك يحجب أخو الميت إذا ترك الميت فرعاً ذكراً, يعني: إذا ترك ابناً أو ترك ابن ابن, ففي هذه الحالة ليس للأخ أو للإخوة شيء.

تقسيم التركة على حسب الهوى

الشيخ: ثم سؤاله الثالث: بأن إنساناً قسم ماله فأعطى ناساً وحرم آخرين, بدعوى أن هذا يطيعه وذاك يعصيه؟

نقول: لا يجوز؛ لأن ربنا جل جلاله قسم الميراث في آيات واضحات, وجعل الفروض ستة، فجعل لناس النصف ولناس الربع ولناس الثمن, وجعل لناس الثلثين ولآخرين الثلث, ولفريق آخر السدس, والنبي صلى الله عليه وسلم فصل في ذلك تفصيلاً, وكذلك أصحابه من بعده, وعلماء الإسلام أهل الاجتهاد بينوا تلك القضايا الفرضية بياناً شافياً, فلو أن إنساناً أعرض عن هذا كله وضرب به عرض الحائط, وقسم التركة على هواه, فلا شك أن هذا عاص لله, وقد قال ربنا جل جلاله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا[الأحزاب:36], فالله عز وجل قسم وأنت تقول: لا, أنا أقسم على مزاجي وعلى هواي, وفق ما أراه مناسباً, ولا شك أن هذه مضادة لله عز وجل في حكمه واعتراض على شرعه.

مديح النبي صلى الله عليه وسلم ومديح الشيوخ والمدن داخل المسجد

السؤال: أخونا البراء جلال الدين سأل عن المديح بطار داخل المسجد, ويقوم بعض الناس ويعرضون، وأن هذا المديح ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم, بل قد يمدح أحياناً بعض الشيوخ, وقد تمدح بعض المدن وما إلى ذلك.

الجواب: لا ينبغي أن يكون هذا في المسجد أبداً؛ لأن التشويش في المسجد على العابدين, والذاكرين, والمصلين, والداعين, والمسبحين, لا ينبغي أبداً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام: ( لما كان معتكفاً في المسجد والصحابة بعضهم يقرأ وبعضهم يصلي وقد ارتفعت الأصوات, رفع خباءه صلى الله عليه وسلم وقال: أيها الناس ألا كلكم مناج ربه, فلا يجهرن بعضكم على بعض), حتى لو كان الإنسان يقرأ قرآناً أو كان يسبح لا ينبغي له أن يشوش على الناس, فمن باب أولى قضية المديح هذه ينبغي أن تصرف عن بيوت الله عز وجل, خاصة وأنها ليست مدحاً لمن أجمعت الأمة على جلالته وفضله وعظيم خلقه وخلقه, صلوات ربي وسلامه عليه, وإنما هي مديح للشيوخ, ومدح للمدن, ومثل هذا ينزه عنه بيت الله.

تفسير قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)

السؤال: أما أخونا عوض الكريم عبد الله من الروصيرص, فقد سأل عن قول ربنا جل جلاله: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ[البقرة:194]؟

الجواب: اعلم بأن دين الإسلام دين واقعي, يخاطب النفس الإنسانية بآمالها وآلامها, وجسدها وروحها, وأشواقها وطموحاتها, وربنا جل جلاله يعلم بأن النفس تحب الانتصار للذات, والإنسان يحب الانتصار لنفسه, فقد يتعرض الإنسان لاعتداء ما، فيسيء إليه بعض الناس؛ لذلك أباح الله عز وجل للمعتدى عليه أن ينتصف لنفسه, وأن ينتصر من هذا الذي اعتدى عليه شريطة المماثلة, قال سبحانه: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا[الشورى:40], وقال: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ[النحل:126], وقال: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ[البقرة:194], فمن لطمك جاز لك أن تلطمه, ومن شتمك جاز لك أن تشتمه، شريطة ألا تتعدى, والأفضل والأكرم العفو والصفح, قال الله عز وجل: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ[النحل:126], وقال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ[الشورى:40], والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (ثلاثة أقسم عليهن, وأحدثكم حديثاً فاحفظوه وفيه: ما ظلم عبد مظلمة فعفا إلا زاده الله بها عزاً), فلو أن الإنسان أسيء إليه أو شتم أو ضرب, فعفا عن قدرة، يعني: عفا عن اقتدار, مثل ما قال شوقي رحمه الله في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:

فإذا عفوت فقادراً ومقدراًلا يستهين بعفوك العظماء

فالإنسان إذا عفا عن مقدرة فإن له عند الله أجراً عظيماً وثواباً كبيراً.

قبض اليد في الصلاة

الشيخ: وأما قضية القبض في الصلاة فأقول: يا عوض الكريم! -أحسن الله إليك- الثابت المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام في الصلاة وضع يمناه على يسراه, ولربما قبض بيمناه على يسراه في موضع الرسغ, وأما السدل فهو مذكور عن الإمام مالك في رواية ابن القاسم ؛ لأن الإمام مالكاً رحمه الله ضربه جعفر بن سليمان الذي كان والياً على المدينة من قبل أبي جعفر فخلعت كتف مالك رحمه الله ورضي عنه, فلا تجعلوا من هذه قضية تبدئون فيها وتعيدون, وتوالون وتعادون, وتخاصمون وتصالحون, وإنما من صلى سادلاً فصلاته صحيحة, ومن صلى قابضاً فصلاته صحيحة وله أجر اتباع السنة.

زواج الرجل من امرأة عمل على تطليقها من زوجها ليتزوجها وكيفية التعامل معه

السؤال: أما أخونا عبد الرءوف الطاهر من الأبيض, فقد سأل سؤالاً عجباً عن رجل عمل على تطليق امرأة من زوجها حتى طلقت, ثم بعد ذلك تزوج بها, وعما قليل توفي الزوج الأول الذي طلقها, عبد الرءوف الطاهر يسأل فيقول: هل هذا الزواج صحيح, وهل هذا الرجل أقاطعه وأدابره أم لا؟

الجواب: أقول: يا أخي! أولاً: لا يحل لمسلم أن يعمد إلى إفساد امرأة وتحريضها على أن تطلق من زوجها, فإن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن من خبب امرأة على زوجها), من خبب بمعنى: أفسد, قال: (لعن الله من خبب امرأة على زوجها), وها هنا أخاطب الرجال والنساء جميعاً: ليس كل البيوت تبنى على الحب, فهذه قضية ينبغي أن نعيها تماماً, بعض النساء تريد الطلاق، وحين تسأل: لم؟ تقول: لا أحبه, نقول: لا, أو بعض الناس يطلق زوجته، وحين يسأل: لم؟ يقول: لا أحبها, ليس الأمر هكذا, ولذلك سيدنا عمر رضي الله عنه لما جاءه أحد الناس قال له: أريد أن أطلق, قال: ولم؟ قال: لا أحبها, فضربه عمر رضي عنه بالدرة, وقال: أكل البيوت تبنى على الحب؟! إنما يتعاشر الناس بالإسلام والأحساب. فليست القضية قضية حب في كل بيت, وإنما الناس يستر بعضهم بعضاً, ويعاشر بعضهم بعضاً بالمعروف, ويرضى بما قسم الله له.

المقصود أن هذا الرجل خبب هذه المرأة على زوجها، فدخل تحت اللعنة.

طيب طلقت المرأة, إذا انقضت عدتها وتزوجها هذا المخبب, فمن ناحية الصحة العقد صحيح, وتترتب عليه آثاره من حل الاستمتاع وثبوت النسب.. وما إلى ذلك.

بعد ذلك أنت يا أخي! لا تقاطعه ولا تدابره, وإنما ناصحه وذكره بوجوب التوبة إلى الله عز وجل من هذا العمل وأن يستقبل عهداً جديداً, وألا يرجع إلى مثل فعلته؛ لأن الجزاء من جنس العمل, فقد يسلط الله عليه من يفعل به ذلك، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا[الكهف:49].

تغير القدر بالدعاء

السؤال: المقدر هل يغير بالدعاء؟

الجواب: نعم, النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا بأنه: (لا يرد القدر إلا الدعاء), (وأن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل), (وإن الدعاء ليلقى القضاء فيعتلجان في السماء), معنى ذلك أن الإنسان لا ييأس ويقول: هذا قدر الله يفعل ما يشاء.. لا, هذا قدر والدعاء قدر, هذا الذي أصابك من مرض أو فاقة أو تسلط أعداء أو مصيبة قدر, والدعاء أيضاً من قدر الله عز وجل, ولذلك ندفع قدر الله بقدر الله, والإنسان يتعامل مع القدر بالشرع، وقد أمرك الشرع بالدعاء إذا نزلت بك مصيبة أو حلت بك كارثة, يعني: تصور يا عبد الرءوف ! لو أن نبي الله يونس التقمه الحوت فقال: هذا قدر وسكت، يونس عليه السلام وهو النبي الفقيه ما جلس في بطن الحوت صامتاً, وإنما نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ[الأنبياء:87], قال الله عز وجل: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ[الأنبياء:88].

تأثير مقدمات الجماع قبل طواف الإفاضة على صحة الحج

السؤال: وأما أخونا نصر الدين عبد الله من الخرطوم فقد سأل عن مقدمات الجماع قبل طواف الإفاضة.

الجواب: يا أخي الكريم! التحلل الأكبر لا يحصل إلا بطواف الإفاضة, فمن لم يطف طواف الإفاضة حل له كل شيء إلا الجماع, فلو أنه جامع قبل الطواف فقد فسد حجه, ولزمه أن يتمادى فيه وأن يقضيه من قابل وأن يفدي ببدنة.

وأما مقدمات الجماع فلا يحصل بها إفساد الحج, لكنه يأثم وتلزمه كذلك الفدية, بأن ينسك شاةً، أو يطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام, إما أن يذبح شاةً لفقراء الحرم, وإما أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين صاع من طعام, وإما أن يصوم ثلاثة أيام، وليس شرطاً أن تكون في الحج, وإنما يجوز له أن يصومها إذا رجع إلى أهله.

لدي سؤالان:

السؤال الأول: نحن إخوة توفي والدنا، وأنا كبير الأولاد، ولنا أخوات متزوجات، وعندنا أرض زراعية، لكن الزراعة عندي وإخواني، فهل نبيعها من أجل أن نعطي نصيب البنات، علماً أننا نترزق من هذه الأرض ونعيش عليها؟

السؤال الثاني: في صلاة العشاء، لو أدرك الرجل ركعة، كيف يتم الصلاة هل جهراً أو سراً؟

الشيخ: طيب إن شاء الله, شكراً.

المتصل: أنا في تلفزيون طيبة سمعت لك حديثاً تقول: ( الساعة لا تقوم إلا بعد أن تتحقق خمس عشرة خصلة, منها: أن يبر الرجل زوجته ويعصي والدته) أريد التعرف على باقي الخصال.

الشيخ: طيب، إن شاء الله.

المتصل: الوالدة في السبعينات والتسعينات لم تكن تصوم فترة الإرضاع، ولم تقض الأيام التي أفطرتها، وهي الآن في صحة جيدة فكيف تقضي؟

المتصل: صليت مع إمام في صلاة الصبح فقنت، وذهبت أصلي مع إمام ثان في صلاة الصبح فلم يقنت.

الشيخ: طيب.

بيع الإخوة أرضاً زراعية يقتاتون منها من أجل إعطاء نصيب أخواتهم المتزوجات

السؤال: بالنسبة لأخينا من الجزيرة الذي ذكر بأن والده قد توفي وعنده إخوة، وعنده أخوات متزوجات, وهناك أرض زراعية هم يقتاتون منها, يقول: هل نبيع هذه الأرض من أجل أن نعطيهن حقوقهن؟

الجواب: لا يلزم أن تباع الأرض, ولكن يلزم أن الناتج أو المحصول الذي يخرج منها، أو الأجرة إذا كانت هذه الأرض مؤاجرة بالمال, أن يقسم هذا على ما شرع الله عز وجل, سواء كان محصولاً أو نقوداً، فإنها تقسم على ما شرع ربنا جل جلاله, وأنبه إلى أن كون البنات متزوجات لا يعني هذا حرمانهن من حقوقهن, فإن بعض الناس ربما يعمد إلى حرمان أخواته من نصيبهن من مال الوالد أو الوالدة، بدعوى أن هذا النصيب يذهب إلى رجال أجانب أو رجال غرباء, كما يقول الناس, فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه), ولما قال سبحانه: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ[النساء:11], لم يقيد ذلك بأن تكون البنت متزوجة أو غير متزوجة, فينبغي أن يصل إليها حقها كاملاً غير منقوص، اللهم إلا إذا عفت بطيب نفس فلا حرج على الإخوة حينئذ أن ينتفعوا بهذا المال.

صفة إتمام من أدرك ركعة من العشاء

الشيخ: وأما من أدرك ركعةً من العشاء فإنه يعتبرها الأولى, وبعد سلام الإمام يقوم ويأتي بثانية بالفاتحة وسورة, ثم بعد ذلك يتشهد ثم يقوم فيأتي بركعتين بالفاتحة سراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا).

ذكر بعض الخصال الخمس عشرة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة

الشيخ: وأما أخونا الحبر رحمة الله من الجزيرة, فقد سأل عن الحديث الذي رواه الترمذي في أشراط الساعة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر خمس عشرة خصلة, فمن هذه الخصال: ( أن تكون الأمانة مغنماً, والزكاة مغرماً, وأن يبر الرجل صديقه ويعق أباه, ويكرم زوجته ويعق أمه) إلى غير ذلك من الخصال, ولعلنا إن شاء الله نراجع الحديث وبعد ذلك نأتي بهذه الخصال مكتملة، لكن الآن لا يحضرني كله.

الواجب على من أفطرت قبل عقود من الزمن بسبب العمل والرضاع ولم تقض

السؤال: أما فاطمة من بربر فتقول: الوالدة قبل ثلاثين سنة أو أربعين سنة لما كانت تلد وترضع كانت تفطر.

الجواب: الواجب عليها أن تقضي؛ لأنه تتابع عليها الحمل والرضاع, فالآن تقضي إن شاء الله، وليس عليها سوى القضاء, تقضي في هذه الأيام، أيام الشتاء، فالجو فيها بارد والنهار قصير, والإنسان لا يعاني عطشاً, فينبغي أن تجتهد في أن تصوم الإثنين والخميس والثلاثة البيض ونحو ذلك من الأيام؛ من أجل أن يحصل لها أجر القضاء وأجر اتباع السنة, ولو أنها استطاعت أن تصوم يوماً وتفطر يوماً فذلك أبرأ لذمتها إن شاء الله.

الصلاة خلف من يقنت في الفجر

السؤال: وأما أخونا الطيب من سنار الذي يقول: إنه مرة صلى صلاة الصبح مع إمام فقنت, ومرة صلى مع إمام آخر فلم يقنت.

الجواب: هذا أمر عادي جداً, فإن الناس مختلفون في أمر القنوت من قديم, فالحنفية والحنابلة رحمهم الله لا يقنتون إلا في الوتر, والمالكية والشافعية لا يقنتون إلا في الصبح, وهناك من أهل العلم من يرى أن القنوت لا يكون إلا في النوازل في الركعة الأخيرة، إذا رفع الإمام رأسه من الركوع الأخير في الصلوات الخمس, فهذا هو الخلاف, والناس على مذهب إمامهم, فإذا قنت الإمام نقنت معه, وإذا ما قنت فإننا لا نقنت.

المكياج لغير المتزوجة

السؤال: أسأل عن المكياج للبنت غير المتزوجة؟

الجواب: إذا كانت تتمكيج بين محارمها فلا حرج عليها, وهذه الزينة قد جبل عليها الناس, كل الناس رجالاً ونساءً يحبون الزينة, مع اختلاف زينة الرجال عن زينة النساء, وأما أن تتمكيج وتخرج أمام الأجانب فذلك لا يجوز؛ لأن الله عز وجل قال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى[الأحزاب:33].

دعاء الأم على أبنائها حال غضبها

السؤال: ما حكم دعاء الأم على الأبناء لحظة غضبها؟ وهل يستجاب؟

الجواب: لا ينبغي هذا, فهذا من الاعتداء, والنبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في صحيح مسلم : ( أنه كان في سفر في غزوة بواط, وكان البعير الواحد يعتقبه الأربعة والخمسة والستة من الصحابة, فدارت عقبة رجل من الأنصار على بعيره، فتلدن به بعض التلدن -يعني: البعير تعثر وتأخر- فقال له الصحابي: شأ لعنك الله! -شأ: كلمة زجر للبعير, ثم قال: لعنك الله- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيكم اللاعن بعيره؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: انزل عنه -أي: سيبه- لا يصحبنا شيء ملعون ), وكان هذا من باب التعزير لهذا الرجل؛ لئلا يعتاد لسانه إطلاق اللعنة.

أقصد من هذا الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم ختم الحديث بقول: (لا تدعوا على أنفسكم ولا على أموالكم ولا على أولادكم, لئلا يوافق باب الإجابة فيستجاب لكم).

قول الرجل لمن ظاهره الإسلام: (أنت ليست لديك عقيدة)

السؤال: هل يصح للإنسان أن يقول لأخيه: (أنت ليست لديك عقيدة), وهو مسلم يصوم ويصلي؟

الجواب: لا ينبغي هذا, التنابز بالألقاب والاتهام بعدم الإيمان لا يجوز, لكن لو كان الإنسان مخطئاً, يعني: أحياناً قد تجد إنساناً يصوم ويصلي لكن قد يحلف بغير الله, فيحلف بأبيه أو يحلف بأولاده أو يحلف بالشيخ الفلاني أو بالولي الفلاني, فمثل هذا لا نجابهه بقولنا: أنت ما عندك عقيدة, أو أنت إنسان فاسد، أو أنت إنسان كذا, وإنما: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه, ولا نزع من شيء إلا شانه), نبين له الصواب فنقول له: يا أخي! إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت), وقال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك), والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه ما كان يحلف إلا بالله ونحو ذلك.

كذلك لو رأينا من يدعو غير الله نبين له بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سألت فاسأل الله؛ وإذا استعنت فاستعن بالله).. ونحو ذلك من الكلام الذي نصحح به الخطأ دون أن نواجه الإنسان بما يكره.

انتقام الأهل من فتاة بحجة سحرها لابنتهم

السؤال: امرأة مدمنة مخدرات، انتقم أهلها من بنت جيرانها بحجة أنها سحرتها, ما حكم ذلك؟

الجواب: ما أدري يا أخي! هذه مسألة أشبه بالقضاء منها بالفتوى, وما ينبغي أن يؤخذ الناس بالظن والتهمة, بأن فلانة سحرتها, وأن فلانة هي التي حملتها على إدمان المخدرات, لكن إذا كانت لهم بينة فينبغي التقدم بها للقضاء, أما أن يأخذ كل إنسان حقه بيده؛ فنحن إذاً في غابة, وليس هذا فعل المسلمين.

الواجب على من أفطرت ثلاثة أشهر بسبب المرض والنفاس

السؤال: علي قضاء صيام ثلاثة أشهر, ولم أستطع صيامها من المرض أو النفاس, فما الحكم؟

الجواب: إن شاء الله بعد أن تنتهي من النفاس ومن المرض تصومين, طالما أن المرض مرض طارئ وليس مرضاً مزمناً فإن القضاء لازم في حقك, أما إذا كان المرض مرضاً ملازماً فإنك تنتقلين من القضاء إلى الإطعام فتطعمين عن كل يوم مسكيناً, لكل مسكين سبعمائة وخمسون جراماً من تمر أو قمح.

حسد الرجل أخاه وذهابه إلى الدجال لإيذائه

السؤال: أخي حسدني, ويتكلم فيّ من ورائي, ورأيته يذهب إلى دجال والعياذ بالله ليؤذيني, فما رأي الدين في ذلك؟

الجواب: رأي الدين (لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً), (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره), أما الذهاب إلى الدجال فهذه من الكبائر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد), صلى الله عليه وسلم.

أخذ المرأة من شعر حواجبها الكثيف تزيناً للزوج

السؤال: شعر حواجبي كثيف كثافة شديدة, وأريد أن أتزين لزوجي، فما حكم التخفيف؟

الجواب: إذا كان كثيفاً كثافة شديدة بحيث يشبه حواجب الرجال, فهذا عيب والعيب يصلح, فلا بأس أن تأخذي منه بحيث يبدو كحواجب النساء, أما إذا كان عادياً فلا تأخذي منه شيئاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن النامصة والمتنمصة).

قراءة سورة (يس) على الدجالين لدفع شرهم

السؤال: كلما تشاجرت مع الذين يستعملون الدجل, قرأت عليهم (يس) ليبعد عني شرهم, ما حكم ذلك؟

الجواب: طيب, جيد.

ما يلزم من سافر ونوى الإقامة أسبوعين قصر فيهما الصلاة

السؤال: أنا مسافر ونويت الإقامة أسبوعين, ولكني قصرت الصلاة حتى الآن، وعلمت بوجوب الإتمام فوق أربعة أيام، فماذا أفعل؟

الجواب: لا تفعل شيئاً، يعني: أنت في ما مضى لعلك كنت معولاً على فتوى تقول بجواز القصر بغير حد, أو لعلك ظننت أن مطلق السفر مبيح للقصر دون تقيد بالمدة, فإن شاء الله لا يلزمك أن تعيد, لكن من الآن أتمم.

إن شاء الله نقف عند هذا الحد.

أسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم من العالمين العاملين المخلصين, وأن يتقبل منا أجمعين, والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على النبي الأمين, وآله وصحبه أجمعين, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , ديوان الإفتاء [768] للشيخ : عبد الحي يوسف

https://audio.islamweb.net