اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [15] للشيخ : عبد الحي يوسف
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:
فقد توقف بنا الكلام عند قول الإمام رحمه الله: [له الأسماء الحسنى], وعرفنا أن الأسماء جمع اسم, وأن كلمة الاسم مشتقة من السمة, بمعنى العلامة أو من السمو بمعنى العلو, وأن أسماء الله عز وجل موصوفة بأنها حسنى, وأن الحسنى مؤنث الأحسن, كالكبرى والصغرى مؤنث الأكبر والأصغر, والسؤال هنا: ما وجه وصفها بكونها حسنى؟ أو لماذا وصفت أسماء الله عز وجل بأنها حسنى؟
والجواب على هذا أن نقول: وصفت بالحسنى لعدة اعتبارات:
الاعتبار الأول: أنها دالة على صفات حسنة, صفات الكمال والجلال والجمال, التي ثبتت لربنا جل جلاله, اشتقاقاً من هذه الأسماء.
الاعتبار الثاني: شرف العلم بها؛ لأن شرف العلم تبع لشرف المعلوم.
الاعتبار الثالث: باعتبار أن الله تعالى لا يدعى إلا بها.
الاعتبار الرابع: ما يترتب على العلم بها من الأجر والثواب, قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً, مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة ).
قال الله عز وجل: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ[الأعراف:180], والإلحاد هو الميل, وله عدة صور:
الصورة الأولى: تسمية الله عز وجل بما لا يليق به, يعني: أن ما لم يسم الله به نفسه فلا ينبغي أن تسميه به؛ لأنه لا سبيل إلى العلم بأسماء الله تعالى إلا بالوحي؛ ولذلك قال علماؤنا: الله عز وجل سمى نفسه (العالم), فلا تقل: العارف, وسمى نفسه (القوي) فلا تقل: الجلد, وسمى نفسه (الكريم) فلا تقل: السخي, وسمى نفسه (القادر) فلا تقل: المطيق أو المستطيع، بل سم الله بما سمى به نفسه ولا تتجاوز, ولا تجتهد, ولا تأت بلفظ مكان لفظ, فالله عز وجل سمى نفسه الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن, فالمسلم يسمي الله بما سمى به نفسه, أو بما سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تجاوز, ولا يضع لفظاً مكان لفظ.
الصورة الثانية: تشبيه الله عز وجل بخلقه, والله عز وجل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
الصورة الثالثة: وصف الله عز وجل بما لا يليق به, كقول اليهود: إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ[آل عمران:181], أو كقولهم: يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ[المائدة:64].
الصورة الرابعة: تسمية الأصنام بأسمائه جل جلاله كما فعل المشركون حين سموا اللات والعزى ومناة, اشتقاقاً من الله والعزيز والمنان، هذه كلها من صور الإلحاد.
قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً ), تقدم معنا أنه ليس مراداً به الحصر.
والدليل على أن أسماء الله لا حصر لها:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك, أو علمته أحداً من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك ), معنى ذلك أن أسماء الله لا تنحصر.
وتأويل قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً, مائة إلا واحداً ), هو كقول القائل: إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة, فليس معنى ذلك أنه ليس عنده إلا هذه الألف, أو إن لعمرو ألف كتاب سيوزعها على طلبة العلم, وليس معنى ذلك أنه ما عنده غير الألف؛ لكن هذه الألف سيوزعها وعنده غيرها, فكذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول: من وفق لإحصاء تسعة وتسعين اسماً فإنه من أهل الجنة إن شاء الله, لكن ليس معنى ذلك أنه ليس لله غير هذه التسعة والتسعين.
وأما تأويل قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أحصاها دخل الجنة )، فالإحصاء له ثلاثة معان:
المعنى الأول: الإحصاء بمعنى العد, كما في قول الله عز وجل: وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا[الجن:28], أي: من عدها وحفظها.
المعنى الثاني: معنى الإطاقة, من أحصاها أي: من أطاقها, بمعنى عرف معانيها وعمل بمقتضاها, كما في قول الله عز وجل: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ [المزمل:20], أي: لا تطيقوه, وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( استقيموا ولن تحصوا ), أي: لن تطيقوا جميع أنواع الاستقامة.
المعنى الثالث: أحصاها بمعنى: عقلها؛ وهي من قول العرب: فلان ذو حصاة إذا كان ذا عقل.
اتفق أهل العلم على أنه لم يرد حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عد هذه الأسماء وإحصائها, والحديث الذي يتداوله الناس في رواية الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه في إحصاء هذه التسعة والتسعين, قد اتفق أهل العلم على أنه ليس بصحيح.
وقد اجتهد أهل العلم في إحصاء هذه الأسماء, كالحافظ ابن حجر في (فتح الباري), وفي كتابه (التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير).
وكذلك الشيخ محمد بن صالح العثيمين عنده كتاب اسمه: (القواعد المثلى في أسماء الله الحسنى), وكذلك الشيخ العلامة عبد المحسن العباد في شرحه لمقدمة ابن أبي زيد رحمه الله, وكذلك الشيخ الدكتور عمر الأشقر وغيرهم من أهل العلم عنوا باستنباط هذه الأسماء من الأحاديث.
سأذكر أسماء الله هاهنا مرتبة على حروف المعجم, يعني الألف ثم الهمزة ثم الباء فالتاء فالثاء، وهكذا إلى آخر حروف المعجم, فلو أن الإنسان وفق إلى حفظ هذه التسعة والتسعين فكلها مستنبطة من القرآن ومن صحيح سنة النبي عليه الصلاة والسلام, نسأل الله أن يعيننا على ذلك.
الاسم الأول: (الله) وهذا الاسم أكثر الأسماء وروداً في القرآن الكريم, وهو الاسم العلم الفرد الذي لا يتسمى به غير الله جل جلاله, ودائماً تقرءون في القرآن قول الله تعالى: وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[البقرة:218] وقوله: وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النساء:26] وقوله: وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [آل عمران:4], وتقدم معنا أن كثيراً من أهل العلم قالوا بأن (الله) هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب, وإذا سئل به أعطى؛ لأنه لم يتسم به غيره؛ ولأن الأسماء كلها تضاف إليه, كما في قوله تعالى: وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180].
وتقدم معنا بأن (الله) أصلها (الإله), مثل كلمة الناس أصلها الأناس, لكن حذفت الهمزة تخفيفاً فقيل: الله, وكلمة (الإله) قيل: هي مشتقة من الوله بمعنى التحير؛ لأن الخلق يحتارون في كنه ذاته جل جلاله, وقيل: إنها مشتقة من الآلهة بمعنى العبادة, كما قال قوم فرعون: أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ[الأعراف:127], وفي قراءة ليست متواترة: وَيَذَرَكَ وَإلاِهَتَكَ)), أي وعبادتك.
وكما في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ[الزخرف:84], أي: معبود في السماء ومعبود في الأرض.
الاسم الثاني: (الآخر), قال الله عز وجل: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ [الحديد:3], والحديث في صحيح مسلم كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء, وأنت الآخر فليس بعدك شيء, وأنت الظاهر فليس فوقك شيء, وأنت الباطن فليس دونك شيء, اقض عني الدين وأغنني من الفقر ).
فالله جل جلاله (الآخر) أي: أنه سبحانه وتعالى لا انتهاء له, كل مخلوق في هذه الدنيا له بداية وله نهاية إلا الله جل جلاله, فهو أول بلا ابتداء, وآخر بلا انتهاء, ليس قبله شيء وليس بعده شيء, لم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم, سبحانه وتعالى.
الاسم الثالث: (الأحد) ودليله قول الله عز وجل: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ[الإخلاص:1], والأحد أبلغ من الواحد؛ لأن (الأحد) تستخدم في النفي وتفيد مطلق النفي, فلو قلت: ليس في الدار واحد, احتمل أن يكون في الدار اثنان أو ثلاثة أو عشرة, لكن لو قلت: ليس في الدار أحد, معنى ذلك: بأنه لا يوجد أحد قط.
وأيضاً هو أحد في ذاته, أحد في أسمائه, أحد في صفاته سبحانه وتعالى.
الاسم الرابع: (الأعلى), ودليله قول الله عز وجل: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1], فهو سبحانه ليس فوقه شيء، وله صفة العلو بكل أنواعها: علو الذات كما قال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طه:5], وعلو القدر, فلا أحد أعلى من الله قدراً, وعلو القهر كما قال سبحانه: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18], وكما قال سبحانه: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ[الإنسان:30], وكما قال سبحانه: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ[آل عمران:83].
الاسم الخامس: (الأكرم), والأكرم أفعل تفضيل من الكرم؛ فلا أحد في الوجود أكرم من الله، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ[الانفطار:6-8], فالله عز وجل كريم, وما في الكون كله هو من آثار كرمه سبحانه وتعالى.
ولو تأملت في خلقتك, وكيف أن الله عز وجل أعطاك عينين بهما تبصر, وأذنين بهما تسمع, ويدين بهما تبطش, ورجلين بهما تمشي, وأعطاك القلب الحافظ والعقل المدبر, وأعطاك هذه الأصابع التي بهما تمسك وتقبض, وسواك في أحسن صورة, ثم بعد ذلك أنزل لك من السماء ماء, وأنبت لك من الأرض زرعاً, وسخر لك هذه الأنعام والدواب لمنفعتك, وبعد هذا كله ما طلب منك ثمناً إلا أن تقول كلمة الحمد لله، قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها, أو يشرب الشربة فيحمده عليها ), فلا يطلب منك إلا كلمة الحمد لله, وهذا غاية في الكرم.
فالله عز وجل هو الأكرم قال تعالى: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ[العلق:3], جل جلاله.
الاسم السادس: (الإله), قال الله عز وجل: وَقَالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ [النحل:51], وقال: مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[المؤمنون:91-92], وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ[الأنعام:19], وقال سبحانه: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة:163].
وكلمة (الإله) قلنا: هي فِعال بمعنى مفعول, ككتاب بمعنى مكتوب, ولباس بمعنى ملبوس, فالإله بمعنى المألوه أي: المعبود جل جلاله.
الاسم السابع: (البارئ) من البرء وهو الخلق, وكلمة (البارئ) هو بمعنى كلمة (الخالق)؛ ولذلك الخلق يسمون البرية أو البريئة قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [البينة:7], أو البريئة بمعنى الخليقة, فالله عز وجل بارئ بمعنى أنه برأ أي خلق, ذرأ وبرأ سبحانه وتعالى.
فهو الباري أو البارئ بمعنى الخالق: فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ [البقرة:54], أي: خالقكم جل جلاله.
الاسم الثامن: (الباطن), والباطن بمعنى الخفي جل جلاله, فهو سبحانه لا تدركه الأبصار, ونبي الله الكليم موسى عليه السلام لما قال: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا[الأعراف:143].
وقد سأل أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا رسول الله! هل رأيت ربك؟ قال: نوراً أنى أراه؟! ), وفي رواية صحيحة: (رأيت نوراً).
فالله جل جلاله (باطن) بمعنى أنه لا يرى في هذه الدنيا، أما في القيامة فرؤيته جل جلاله من قبل عباده المؤمنين ثابتة, قال الله عز وجل: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:23]، وكما قال سبحانه: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26], وقد فسر النبي عليه الصلاة والسلام الزيادة برؤية الباري جل جلاله.
واستدل الإمام الشافعي بقول الله سبحانه: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15], قال: لما حجب هؤلاء في السخط, دل على أن أولئك يرونه في الرضا.
فالله عز وجل باطن بمعنى خفي لا يرى سبحانه وتعالى، ففي هذه الدنيا لا يراه أحد.
الاسم التاسع: (البر) جل جلاله, وهو مأخوذ من البر, يبر خلقه, يحسن إليهم, يعطف عليهم, يقربهم, يدنيهم, يستجيب دعاءهم, يحقق رجاءهم, قال سبحانه: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ[الطور:28].
الاسم العاشر: (البصير), وهذا في القرآن كثير, كقول ربنا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11], وكقوله جل جلاله: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[غافر:56], وكقوله جل جلاله: وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:134], وسيأتي معنا الكلام في أن الاسم قد يكون مشتركاً بين الخالق والمخلوق, كما قال الله عز وجل عن نفسه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:134], وقال عن الإنسان: إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:2].
فالله سميع بصير والإنسان سميع بصير, لكن الاشتراك في الاسم لا يدل على الاشتراك في الصفة, فإن سمعك وبصرك أيها الإنسان محدود، أما الله عز وجل فسمعه وبصره بلا حدود, ودليل ذلك بأنه إذا تكلم مجموعة من الناس في وقت واحد يقول أحدنا: لا أسمع ولا أفهم ما يقال، أما الله فلا تختلط عليه الأصوات, ولا تتشابه عليه اللغات, ولا تخفى عليه الدعوات, يجيب المضطر إذا دعاه, من كان هنا ومن كان في الصين, ومن كان في المسجد الحرام, ومن كان في المشرق ومن كان في المغرب, فالله جل جلاله يسمعهم جميعاً، ويعلم ما يريدون جميعاً, ويجيب كل إنسان بما يريد؛ ولذلك قال الله عز وجل كما في الحديث القدسي: ( لو أن أولكم وآخركم, وإنسكم وجنكم, قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته, ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر ).
وكذلك بصره جل جلاله يعلم به ما في السموات وما في الأرض وما تحت الثرى, فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
الاسم الحادي عشر: (التواب) بمعنى أنه يتوب على من تاب, ولو تكرر منه الذنب, ولو عظم منه الجرم، قال تعالى: لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا[التوبة:117-118].
فالله عز وجل تواب بمعنى أنه يوفق العبد للتوبة, ثم إنه يقبل توبة من تاب, وهذا معنى قوله تعالى: ثُمَ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا[التوبة:118], (تاب عليهم) أي: وفقهم للتوبة ليتوبوا, ثم تاب عليهم، أي: قبل توبتهم فهو جل جلاله تواب.
وانظر في نفسك كم مرة أذنبت, وكم مرة أجرمت, والله عز وجل يقبلك حين ترجع إليه, ويتوب عليك, ويصلح حالك, أسأل الله أن يتوب علينا جميعاً.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم, اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى, ونسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين, والحمد لله رب العالمين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [15] للشيخ : عبد الحي يوسف
https://audio.islamweb.net