اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , أسماء الله الحسنى - الجبار للشيخ : عبد الحي يوسف
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد, وعلى جميع المرسلين.
أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
الاسم الثاني عشر من أسماء ربنا الحسنى جل جلاله: (الجبار).
وهذا الاسم المبارك ورد في القرآن وصفاً لربنا جل جلاله مرة واحدة في قوله سبحانه: هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ[الحشر:23].
وورد وصفاً للكافر؛ كما قال الله عز وجل: وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ[إبراهيم:15].
وورد منفياً عن نبي الله يحيى عليه السلام حين قال: وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا[مريم:14].
وكذلك ورد منفياً عن نبي الله عيسى عليه السلام حين قال: وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا[مريم:32].
ومنفياً عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ[ق:45].
وجاء وصفاً للقوم الذين كانوا في الأرض المقدسة التي أمر بنو إسرائيل بدخولها, حين ردوا على نبي الله موسى عليه السلام بقولهم: إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ[المائدة:22].
آثار الإيمان بهذا الاسم كثيرة، منها:
أولاً: أن نعتقد يقيناً أن الله عز وجل هو الجبار الذي له العلو على خلقه, علو الذات, وعلو القدر, وعلو القهر, ذاته علية وقدره عال: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ[الأنعام:18].
ثانياً: أن نؤمن بأن الله عز وجل مشيئته نافذة, يجبر الخلق على ما يريد, كما قال سبحانه: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[النحل:40] .
وقال أيضاً: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[يس:82].
وقال سبحانه: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ[آل عمران:83].
وقال سبحانه: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ[فصلت:11] .
وقال سبحانه: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[الأعراف:54].
وهكذا أجبر خلقه على ما شاء من أمر ونهي, فالأمر أمره, والنهي نهيه, والحلال ما أحل, والحرام ما حرم, ولم يستشر أحداً من خلقه في شيء من ذلك, بل شرع لهم من الدين ما ارتضاه هو جل جلاله: إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ[المائدة:1], فلا معقب لحكمه ولا راد لقضائه.
والجبروت لله وحده, فهي في حق الله صفة مدح, فإذا قلنا: إن الله جبار, فإن هذه صفة مدح في حق الله عز وجل, أما في حق المخلوقين فهي صفة ذم, فالجبار يطلق على المتكبر العاتي المتمرد الذي لا يستحي من الله عز وجل أن يواقع محارمه, ولا يستحي من الناس في أن يبطش بهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يخرج من النار عنق يوم القيامة له لسان وشفتان يقول: وكلت اليوم بثلاثة: بكل جبار عنيد, وبمن جعل مع الله إلهاً آخر, وبالمصورين )، أي: الذين يضاهون خلق الله عز وجل بما صنعوا.
ما الفرق بين كون ربنا جل جلاله جباراً وبين أن نقول: فلان جبار؟
الفرق: أن الله عز وجل قهر كل جبار بجبروته, فجبروته سبحانه وتعالى فوق كل جبار؛ ولذلك أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المتكبرين المتغطرسين الذين كانوا في الدنيا منتفخين قد شمخت أنوفهم: ( يحشرون يوم القيامة كأمثال الذر, يطؤهم الناس بأقدامهم ).
والله جل جلاله من جبروته أنه: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[الأنبياء:23], أما الخلق فهم ناقصون مقهورون مجبورون، تؤذي واحداً منهم البقة, وتأكله دودة, وتشوش عليه ذبابة, وهو أسير جوعه, وصريع شبعه, ومن كان بهذه الصفة كيف يليق به أن يتجبر؟!
من كان بهذه الصفة.. من كانت تؤذيه بقة وتقتله شرقة, أوله نطفة مذرة, وآخره جيفة قذرة, وهو ما بين هذا وذاك يحمل في جوفه العذرة, كيف يتكبر؟! وكيف يتجبر؟!
فهذه الأرض تكون يوم القيامة كلها بيد الله عز وجل؛ كما قال سبحانه: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[الزمر:67].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر؛ نزلاً لأهل الجنة ), يعني مثلما الخباز يقلب الرغيف بين يديه يميناً وشمالاً, ولله المثل الأعلى, فهذه الأرضون على سعتها وضخامتها تكون يوم القيامة في يد الجبار جل جلاله خبزة واحدة يتكفؤها بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته.
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوعه وسجوده: ( سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة). فالجبروت مبالغة من الجبر، كما يقال: الملكوت مبالغة من الملك, والرهبوت مبالغة من الرهبة.
وكذلك دعاؤه عليه الصلاة والسلام بين السجدتين بهذه الكلمات السبع: ( اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني واجبرني وارفعني ).
قال ابن الأثير رحمه الله: (واجبرني). أي: أغنني. من قولهم: جبر الله مصيبته. أي: رد عليه ما ذهب منه وعوضه. وأصله من جبر الكسر, وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظم ربه بهذه الكلمات في ركوعه وسجوده: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة) فهذا واحد من أدعية خمسة تقال في الركوع والسجود.
أما الركوع فتارة كان يقول: (سبحان ربي العظيم) وتارة يقول: (سبحان ربي العظيم وبحمده) وتارة يقول: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي) وتارة يقول: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) وتارة يقول: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة) بالإضافة إلى دعائه الآخر: (اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت, خشع سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين).
وكذلك في سجوده: (سبحان ربي الأعلى)، (سبحان ربي الأعلى وبحمده)، (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي)، (سبوح قدوس رب الملائكة والروح, سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)، وتارة كان يقول: (اللهم لك سجدت, وبك آمنت, ولك أسلمت, سجد وجهي للذي خلقه وصوره, وشق سمعه وبصره بحوله وقوته, فتبارك الله أحسن الخالقين).
أسأل الله أن يزيدنا إيماناً! وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
فما معنى هذا الاسم (الجبار) في حق الله عز وجل؟ وما معناه في حق المخلوقين؟
أما في حق الله عز وجل فإن هذا الاسم المبارك يتناول ثلاثة معان:
المعنى الأول: من الجبر الذي هو ضد الكسر, يجبر الله عباده حين يشفي مريضاً, ويغني فقيراً, وينفس عن مكروب, ويفرج عن مهموم, ويفك عسرة إنسان؛ ولذلك كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجلوس بين السجدتين أنه يدعو بسبع كلمات جمعت خير الدنيا والآخرة، كان يقول: ( اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني واجبرني وارفعني ). فالله عز وجل جبار. أي: يجبر كسر المكسورين.
المعنى الثاني: الجبار بمعنى أنه جبر خلقه على ما يريد جل جلاله؛ لأن هناك أشياء لا يستطيع الخلق منها تفصياً, فالله عز وجل خلقك طويلاً أو قصيراً, أبيض أو أسود, أفطس أو أحدب, واسع العينين أو ضيقهما, فهذا كله صنع الله عز وجل ما استشار فيه أحداً من خلقه.
وهذا هو المعنى المنفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ[ق:45], أي: لا تستطيع أن تجبرهم ولا أن تكرههم على الإيمان, كما في الآية الأخرى قال الله عز وجل: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ[يونس:99-100], فالله عز وجل جبار. أي: جبر خلقه على ما يريد.
المعنى الثالث في حق الله عز وجل: أنه جبار بمعنى شديد, وهذا هو مراد بني إسرائيل حين قالوا: إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ[المائدة:22], (جبارين) أي: عظيمة خلقتهم, طويلة أجسادهم, شديد بأسهم. فهذا هو المعنى الذي أرادوه. ومنه تقول العرب: هذه نخلة جبارة إذا كانت ذاهبة في الطول مبلغاً بعيداً.
إذاً هذه هي الثلاثة المعاني في حق ربنا جل جلاله:
الجبار: بمعنى أنه يجبر كسر المكسورين.
الجبار: بمعنى أن مشيئته نافذة, يجبر خلقه على ما يريد, فلا تنفذ فيه مشيئة أحد, ولا يخرج عن قبضة يده أحد جل جلاله.
ثم المعنى الثالث: الجبار بمعنى القوي الشديد سبحانه وتعالى.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , أسماء الله الحسنى - الجبار للشيخ : عبد الحي يوسف
https://audio.islamweb.net