إسلام ويب

لا يشرع التيمم لخوف فوت جنازة أو فوت وقت فرض، إلا المسافر إذا ضاق الوقت فيجوز له التيمم، ولا يجوز بيع الماء لمن دخل عليه وقت فرض ولم يترك لطهوره شيئاً، ويفسد العقد.

الحالات التي لا يتيمم لها خوفاً من فواتها

التيمم لخوف فوت جنازة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

قال المؤلف رحمه الله: [ولا يتيمم لخوف فوت جنازة ولا وقت فرض].

المؤلف يقول: لا يتيمم الإنسان لخوف فوت جنازة، ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الإنسان لا يشرع له التيمم لما يخاف فوته كالجنازة وصلاة العيد؛ لأن ما يخاف فوته ليس بواجب في حقه وإنما هو مستحباً؛ لأن غالب ما يخاف فوته مما هو غير واجب وجوباً عينياً يكون في حقه مستحباً؛ لأن فرض الكفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإذا قام به من يكفي كان ذلك في حق غيرهم مستحب، فكل ما يخاف فوته عند الحنابلة والجمهور لا يصح التيمم له.

وذهب أبو حنيفة رحمه الله والأوزاعي ورواية عند الحنابلة اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله إلى أن كل ما يخاف فوته كالجنازة وصلاة العيد يشرع له التيمم، واستدلوا بأدلة منها: الدليل الأول: ما روى البخاري في صحيحه و مسلم في صحيحه معلقاً من حديث أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري قال: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام )، وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد وتيمم؛ لأنه كره أن يذكر الله على غير طهر، فتيمم ثم سلم خوفاً من فوت ترك فضيلة رد السلام، فدل ذلك على أن كل ما يخاف فوته ولو كان مستحباً في حقه شرع له التيمم.

الدليل الثاني: ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا فاجأتك جِنازة وأنت على غير وضوء فتيممم )، وهذا الحديث في سنده المغيرة بن زياد يرويه عن عطاء عن ابن عباس ، و المغيرة بن زياد أخطأ في هذا الحديث وهذا مما أنكره الإمام أحمد عليه سواء رواه مرفوعاً أو موقوفاً فلا يصح، وروي مثل ذلك عن ابن عمر كما رواه ابن أبي شيبة ولا يصح، وقالوا: إن الصلاة بالتيمم خير من تفويت الصلاة، وعلى هذا فإذا استيقظ الإنسان في مخيمه وقد بقي على صلاة الفجر قليل، وهو لو قام بطلب الماء لطلع الفجر، فإنه يتيمم ليصلي صلاة الليل كما أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله، ولعل هذا القول فيه قوة، بل قال أبو بكر عبد العزيز و أبو حنيفة: لو انتقض وضوء المصلي في صلاة الجمعة فخرج من المسجد لكي يتوضأ لفاتته صلاة الجمعة، فلذلك يتيمم لأجل إدراك الجمعة، صورة المسألة: شخص صلى مع الإمام ركعة، لما قام الإمام إلى الركعة الثانية وهو يقرأ: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] أحدث، ويغلب على ظنه بل يتيقن أنه لو خرج من المسجد وبحث عن الماء لفاتته الركعة الثانية ولم يدرك مع الإمام إلا التشهد الأخير أو لم يدرك فإنه في هذه الحالة على قول أبي حنيفة و أبي بكر عبد العزيز يتيمم بأن يضرب الجدار إذا كان له غبار أو الرمل ثم يدخل فيصلي معهم الركعة الأخيرة؛ لأن الجمعة تفوت حينئذ، ومثله ما لو خشي خروج الوقت جاز له التيمم كما سوف يأتي بيانه، وهذا القول له حظ من النظر لو تأملته.

التيمم لخوف فوت وقت الفرض وما يستثنى من ذلك

قال المؤلف رحمه الله: (ولا)؛ يعني: ولا يتيمم (وقت فرض)، لا يتيمم وقت الفرض وهو في الحاضرة، بل يجب عليه أن يبحث عن الماء وأن يطلب الماء ولو خرج الوقت، هذا مذهب الحنابلة، ومذهب الجمهور، والأقرب التفصيل فيقال: إن استيقظ المرء قريباً من خروج الوقت ولما يخرج بعد فإنه مأمور أن يتوضأ بالماء ولو خرج الوقت؛ لأن استيقاظه قريباً من خروج الوقت هو وقته كما قال صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، وفي رواية أبي قتادة : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإنه وقتها )، فهذا يدل على أنه إن استيقظ قريباً من الوقت فيجب عليه أن يستخدم الماء ولو خرج الوقت، وهذا قول عامة أهل العلم كما حكاه أبو العباس بن تيمية رحمه الله، لكنه لو استيقظ أول الوقت أو قبل الوقت وبحث عن الماء وهو حاضر وبسبب تطلبه ربما خرج الوقت، فإن الحنابلة يقولون: يصلي بالماء ولو خرج الوقت، وأبو العباس بن تيمية يقول: الصحيح أنه يصلي بالتيمم؛ لأن المحافظة على شرط الوقت أولى من المحافظة على شرط طلب الماء، فمن صلى في الوقت بالتيمم لم يترك الشرط أصلاً؛ إنما ترك البعض، لكنه إذا صلى بعد الوقت فقد أسقط شرط الوقت البتة.

يقول المؤلف: [ إلا إذا وصل مسافر إلى الماء وقد ضاق الوقت ]؛ يعني: إذا جاء مسافر يبحث عن الماء ووصل إلى الماء ولكن الوقت ضيق لو أخذ في طلب الماء وهو يراه لخرج الوقت، فإن الحنابلة يقولون: جاز للمسافر أن يتيمم إذا ضاق الوقت ولو الوقت المختار، فلو أنه جاء إلى الماء أو إلى البئر والشمس قد اصفرت أو قريباً من الاصفرار هذا هو آخر الوقت المختار فإنه يتيمم ويصلي خوفاً من فوات الوقت المختار، هذا مذهب الحنابلة.

قال المؤلف رحمه الله: [إلا إذا وصل مسافر إلى الماء وقد ضاق الوقت أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعده].

إذا انتظر الماء ويعلم أنه لو انتظر حتى يأتي دوره فإنه في هذه الحالة إن خاف خروج الوقت أو خاف خروج الوقت المختار فإنه يصلي بتيمم، ومثل ذلك ما أشار إليه أبو العباس بن تيمية أن المرأة التي تدخل الحمام الذي يكون في البلاد الباردة ومعها أطفالها، فلو أنها انتظرت لكي تغتسل وتغسل أطفالها لخرج الوقت، قال: فالأقرب -والله أعلم- أنها تخرج من الحمام وتتيمم وتصلي بالتيمم، هم يقولون مثل ذلك الذين يركبون الباص من عرفة إلى مزدلفة وربما خشوا فوت الوقت؛ يعني: منتصف الليل، وبعضهم يحتاج إلى ماء، فلو نزل من الباص وتطلب الماء لخرج وقته المختار أو وقت منتصف الليل، فإننا نقول في هذه الحالة يجب عليه أن يصلي بالتيمم ولو كان الماء موجوداً في دورات المياه لكنه يخاف من الانتظار ومجيء نوبته من خروج وقت منتصف الليل، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [أو علمه قريباً وخاف فوت الوقت إن قصده].

علمه قريباً ولكنه لو قصده وانتظر مجيء نوبته أو مجيء وصوله فإنه ربما خاف خروج الوقت المختار أو الوقت.

مسائل متفرقة في التيمم

بيع الماء وهبته بعد دخول وقت الصلاة

قال المؤلف رحمه الله: [ومن باع الماء أو وهبه بعد دخول الوقت ولم يترك ماء يتطهر به حرُم ولم يصح العقد].

يقول المؤلف: إذا كان الإنسان عنده ماء فباع هذا الماء ولم يبق معه ماء لكي يتوضأ به، فهذا له حالات ينظر فيها: الحال الأولى: إن كان باعه لمتضرر أو محتاج كعطش جاز وصح العقد ولو لم يبق معه ما يتطهر به؛ لأن إزالة العطش واجبة، كما لو كان عنده ماء قليل لكي يشربه جاز له أن يتيمم ولو كان عنده ماء للشرب، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على ذلك، فإن كان قد باعه لمن هو محتاج لشرب جاز ولو لم يبق معه ماءً، وعلى هذا فإذا جاز صح التيمم وصح العقد.

الحال الثانية: أن يبيعه لغير محتاج لعطش فهنا يحرم البيع، ولا يصح العقد؛ لأنهم يرون أن النهي يقتضي الفساد، وعلى هذا فيكون المشتري الذي قبض هذا الماء قبضه بعقد فاسد، المقبوض بعقد فاسد يكون أمانة في حق القابض، فلو أن المشتري اشترى ماءً وتوضأ به أثم في البيع ووجب عليه أن يتيمم؛ لأن هذا غايته وهذا واجبه؛ ولهذا فإن مقتضى القواعد الشرعية أنه وإن أثم في هذا البيع لكن التيمم واجب في حقه؛ لحديث أبي هريرة و أبي ذر : ( الصعيد الطيب طهور المؤمن وإن لم يجد الماء ).

قال المؤلف رحمه الله: [ ثم إن تيمم وصلى لم يعد إن عجز عن رده ].

إن تيمم وقد عجز عن رده صح تيممه، والله أعلم.

حكم من تيمم ناسياً قدرته على استعمال الماء أو جاهلاً بمكانه

قال المؤلف رحمه الله: [فإن كان قادراً على الماء لكن نسي قدرته عليه أو جهله بموضع يمكنه استعماله وتيمم وصلى أعاد].

إن تيمم ظاناً أنه عاجز عن استعمال الماء وإذا هو ليس بعاجز، أو تيمم وهو يجد البئر ولكن ليس عنده حبل ونسي أن في رحله حبلاً، فحينئذ لو صلى بتيمم وجب عليه أن يعيد، ولو جهل أن عنده بئراً يمكن أن يأتي بالبئر بطريقة معينة لكنه لم يجتهد، نعم، صلى بتيمم وجب عليه أن يعيد؛ فيكون: سواء جهل أو نسي فإنه يعيد، فلو كان عنده ماء فنسيه فلما صلى تذكر أنه قد وضع ماء في السيارة وجب عليه أن يعيد؛ لأن الطهارة تجب مع العلم ولا تسقط بالجهل ولا النسيان، تأمل! فكما أنه لو صلى بلا طهارة ظاناً أنه طاهر وجب عليه أن يعيد الصلاة، ولو أكل لحماً ظاناً أنه لحم غنم فتبين أنه لحم بعير وجب عليه أن يعيد الصلاة، فكذلك يعيد الصلاة إن تيمم ظاناً أو جاهلاً عدم استعمال الماء أو عدم إمكانيته.

القول الثاني في المسألة: وهو مذهب أبي حنيفة وأحد القولين عن مالك و الشافعي ورواية عند الحنابلة أنه لا يلزمه الإعادة؛ لأنه صلى حينئذ على الوجه الذي يلزمه في ذلك الوقت.

ثانياً: قالوا: إن ثمة فرقاً بين من صلى على غير طهارة أصلاً وبين من انتقل عن الماء إلى التيمم باجتهاد أو نسيان أو جهل؛ لأن الصورة الثانية وهو من جهل أصول الماء فتيمم حصل له الطهارة فلا يعيد، أما من صلى ظاناً طهارته فتبين عدم الطهارة فهذا يجب عليه أن يعيد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، وهذا لم يتوضأ أصلاً، أما من تيمم فقد توضأ وهذا القول أظهر، والله تبارك وتعالى أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ لأن النسيان لا يخرجه عن كونه واجباً، وأما من ضل عن رحله وبه الماء وقد طلبه أو ضل عن موضع بئر كان يعرفها وتيمم وصلى فلا إعادة عليه؛ لأنه حال تيممه لم يكن واجداً للماء ].

هذا الصحيح فيه أنه لا إعادة عليه؛ لأنه داخل في عموم قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً [النساء:43]، ولأنه غير مفرط، وإذا ثبت ذلك في الجاهل والناسي كما في مذهب أبي حنيفة : ( إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، فهذا من باب أولى.

التيمم لرفع أحداث متنوعة توجب الوضوء أو الغسل

قال المؤلف رحمه الله: [وإن نوى بتيممه أحداثاً متنوعة توجب وضوءاً أو غسلاً أجزأه عن الجميع].

صورة المسألة: لو أنه مثلاً احتاج أن يتيمم؛ لأنه قد تبول ولأجل أنه قد خرج الدم منه على مذهب الحنابلة، ولأجل أنه أخرج الريح، فإنه لو نوى التيمم لواحدة منها ارتفع حدثه كاملاً بعد دخول الوقت؛ ولهذا قال: (أحداثاً متنوعة)، كما لو أكل لحم جزور وتغوط وتبول ثم نوى رفع الحدث عن لحم الجزور أجزأ ورفع حدثه عن تبوله وعن تغوطه وغير ذلك، وكذلك الغسل فلو أن حائضاً حاضت وأجنبت فلما ارتفع حيضها فإنها يجب أن تغتسل عن حدثين؛ حدث الجنابة وحدث الطهارة من الحيض، فلو نوت الطهارة من الحيض أجزأها ذلك عن الجميع.

يقول المؤلف: [ الحدثين ]؛ يقصد بذلك الحدث الأصغر والحدث الأكبر، لا بد حال التيمم عند الحنابلة أن ينوي رفع الحدث عن واحد من الأغسال، ويستحب عن الجميع، ويجب عليه أن ينوي رفع الحدث عن واحد من الأحداث الأصغر ويستحب عن الجميع، لكن لو عنده حدث أصغر وحدث أكبر فلا بد حال التيمم من أن ينويهما جميعاً، بخلاف الماء فإن الأصغر يدخل في الأكبر، فلو كان عنده جنابة وقد تبول جاز له أن ينوي بالماء رفع الحدث الأكبر ويرتفع الحدث الأصغر، أما في التيمم فلا بد أن ينوي الحدث الأصغر والحدث الأكبر، هذا مذهب الحنابلة.

والقول الثاني عند الحنابلة: أنه لا يلزمه ذلك؛ بل إن كل ما ثبت في حق المسلم من أحكام في الماء ثبتت كذلك في التيمم؛ لأن التيمم بدل عن الماء، والقاعدة: أن البدل يأخذ حكم المبدل، والله تبارك وتعالى أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ولا يكفي أحدهما عن الآخر أو نوى بتيممه].

هذا رواية عند الحنابلة، والرواية الأخرى الاكتفاء بذلك، وهو مذهب أبي حنيفة و الشافعي واختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله تعالى.

لعلنا نقف عند هذا، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الروض المربع - كتاب الطهارة [24] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

https://audio.islamweb.net