إسلام ويب

ينقسم الغسل من حيث الصفة إلى قسمين: صفة كمال، وصفة إجزاء، فمن صفة الكمال: نقض المرأة شعرها، والدلك، والتيامن، وغسل القدمين بعد التحول من مكان الغسل، وتحريك الخاتم. أما الغسل المجزئ فهو تعميم البدن بالغسل مرة واحدة مع التسمية في أوله.

تابع صفة الغسل الكامل

نقض المرأة شعرها

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

قال المؤلف رحمه الله: [ وباطن شعر، وتنقضه لحيض ونفاس ].

زيادة (نفاس)، لا توجد في بعض النسخ، على كل حال ما ثبت في الحيض ثبت في النفاس، يقول المؤلف: (وباطن شعر) يعني: يجب على الإنسان أن يغسل باطن الشعر، ومن المعلوم أن المرأة في الجنابة لا يجب عليها أن تنقض رأسها خلافاً لـابن عمر حينما خفيت عليه السنة، كما جاء في صحيح مسلم من حديث أم سلمة أنها قالت: ( يا رسول الله! إني امرأة أشد شعر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات )، هذا الحديث يرويه الجماعة عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة أنهم أشاروا إلى الجنابة، وروى مسلم في صحيحه من طريق عبد الرزاق عن الثوري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة أنها قالت: ( أفأنقضه لغسل الجنابة والحيضة؟ )، وبعض العلماء يصحح هذه الرواية، وبعضهم يضعفها، والذي يظهر -والله تبارك وتعالى أعلم- أن هذه اللفظة تفرد بها عبد الرزاق عن الثوري ، وقد رواها الجماعة عن الثوري ، ورواها الجماعة عن سفيان بن عيينة كلاهما عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة لم يذكروا سوى غسل الجنابة، وإن كان الرواية الصحيحة في غسل الجنابة فقط إلا أنه إذا ثبت في الجنابة فكذلك في الحيضة؛ لأنه لا فرق، والحنابلة يخالفون، فيقولون: فتنقضه لحيض، والأقرب أنها لا تنقضه؛ لأنه إذا ثبت في الجنابة، فالحيضة من باب أولى، وليس ثمة فرق بين غسل الجنابة وغسل الحيض إلا في شيء واحد، هو الفرصة الممسكة التي تضعها المرأة بعد غسلها من المحيض، وقد استحبه جماهير أئمة الحديث والفقه خلافاً لـابن قتيبة و الخطابي ، كما أشار إلى ذلك ابن رجب أنه يستحب الطيب لغسل الحائض من الحيض، هذا هو الفرق؛ لإزالة الرائحة الكريهة كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله، إذا ثبت هذا فإن قول المؤلف: (وتنقضه لحيض ونفاس) الأقرب -والله أعلم- أنها لا تنقضه، وقد روى مسلم في صحيحه أن عائشة بلغها أن عبد الله بن عمر في بعض الروايات عبد الله بن عمرو والذي يظهر أنه ابن عمر أن عبد الله بن عمر كان يأمر نساءه أن ينقضن رءوسهن للغسل، فبلغ ذلك عائشة ، فقالت: ( رحم الله أبا عبد الرحمن، ألا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن؟ لقد رأيتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نغتسل، فما أصنع إلا أن أفيض على رأسي ثلاثاً )، و عائشة استدلت بذلك على غسل الجنابة على الجميع؛ ولهذا قالت: ( رحم الله أبا عبد الرحمن ألا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن )، وبعضهم كالحنابلة يقولون: إن غسل الجنابة يكثر، فيخفف فيه، وأما غسل الحيضة فلا يكثر، فتؤمر الحائض بنقص رأسها ما لا تؤمر به في غسل الجنابة، والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أن المقصود هو أن تعمم سائر فروة رأسها، فإذا صنعت ذلك كفاها، والله تبارك وتعالى أعلم.

دلك البدن وتفقد ما قد يغفل الإنسان عنه حال الاغتسال

قال المؤلف رحمه الله: [ ويدلكه أي: يدلك بدنه بيديه ليتيقن وصول الماء إلى مغابنه وجميع بدنه ].

ينبغي للمسلم إذا اغتسل من الجنابة أن يدلك بدنه، الدلك في الوضوء في رواية جابر وهي ضعيفة، وأما في الاغتسال، فإننا قلنا: إنه جاء في بعض الروايات: ( أن تحت كل شعرة جنابة، ألا فأنقوا البشرة واغسلوا الشعر )، وهذا الحديث روي مرفوعاً وموقوفاً، والأقرب أنه موقوف على علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ ولكن المسلم مأمور أن يغسل المغابن، وما كان يخفى من الإنسان، مثل الآباط والأفخاذ لأهل الحوالب ونحو ذلك، ويغسل إليتيه، وكذلك إبطيه، وما كان من عكن في بطنه، وما كان من عكن في ركبته إن كان ثمة عكن، ونحو ذلك مما يظهر، وكذلك السرة يغسل ظاهرها، وكذلك يتفقد أصول الشعر الذي في الفخذ والساق، وكذلك غضاريف الأذنين، وتحت حلقه، وغير ذلك.

قال المؤلف رحمه الله: [ ويتفقد أصول شعره وغضاريف أذنيه، وتحت حلقه، وإبطيه، وعمق سرته، وبين إليتيه، وطي ركبتيه ].

لأن ذلك من جملة سائر البدن الظاهر؛ لقول عائشة : ( ثم يغسل سائر بدنه )، وهذا داخل في العموم، والله تبارك وتعالى أعلم.

التيامن وغسل القدمين في مكان آخر

قال المؤلف رحمه الله: [ ويتيامن؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ( كان يعجبه التيامن في طهوره ) ].

لحديث عائشة كما في الصحيحين.

قال المؤلف رحمه الله: [ ويغسل قدميه ثانياً مكاناً آخر ].

قد مر معنا التفصيل في ذلك، وقلنا: إن الأقرب -والله أعلم- أن غسل الرجلين هنا مرة ثانية إنما كان إذا كان في مستحمه شيء يؤذيه، أما إذا لم يكن، فقد كان عليه الصلاة والسلام يغسل رجليه مع وضوئه أول الأمر.

تحريك الخاتم لمن يلبسه

قال المؤلف رحمه الله: [ ويكفي الظن في الإسباغ، قال بعضهم: ويحرك خاتمه ليتيقن وصول الماء ].

أما تحريك الخاتم، إن كان الخاتم قد أمسك في الأصبع بحيث يغلب على الظن أن ما كان تحته لا يصله الماء، فهنا يكون مأموراً أن يحرك الخاتم؛ لأن العبد مأمور أن يعمم سائر بدنه، وأما إن كان الخاتم ليس ممسكاً بالأصبع، ويغلب على الظن، أو يتيقن أن الماء يدخل من خلله، فإنه لا يؤمر بالتحريك، وهذا مبني على أن الواجب أن يعمم سائر بدنه، وأما أن يكون ثمة حديث مرفوع فلا، نعم جاء في بعض الروايات من طريق معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ حرك خاتمه )؛ ولكن هذا الحديث رواه الدارقطني ، وهو ضعيف حيث أن معمر بن محمد وأباه ضعيفان.

صفة الغسل المجزئ

قال المؤلف رحمه الله: [ والغسل المجزئ أي: الكافي أن ينوي كما تقدم ويسمي، فيقول: باسم الله، ويعم بدنه بالغسل مرة ].

هنا ذكر المؤلف صفة الغسل المجزئ، فقال: و(أن ينوي) هذا ليس فيه إشكال، أما البسملة فمرت معنا أنها ليست بواجبة، هذا هو الذي يظهر والله أعلم، ثم يعم بدنه بالغسل مع المضمضة والاستنشاق كما مر معنا؛ حيث إن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الغسل والوضوء، هذا مذهب الحنابلة، خلافاً للحنفية الذين أوجبوهما في الغسل دون الوضوء، وخلافاً لـمالك و الشافعي اللذين لم يوجباهما لا في غسل ولا في وضوء، أما إن عمم سائر بدنه فإنه يجزئه، وقد نقل أبو عمر بن عبد البر أن ذلك محل إجماع من أهل العلم؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، ولم يذكر المولى جل جلاله وتقدست أسماؤه سوى التطهير العام، وقد روى البخاري و مسلم من حديث عمران بن حصين في الرجل الذي أصابته جنابة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه الماء، ثم قال له: خذ هذا فأفرغه عليك )، والله تبارك وتعالى أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ أي: يغسل ظاهر جميع بدنه، وما في حكمه من غير ضرر كالفم والأنف والبشرة التي تحت الشعر، ولو كثيفة، وباطن الشعر وظاهره مع مسترسله، وما تحت حشفة أقلف إن أمكن شمرها ].

الأقلف وهو الذي لم يقطع حشفة الذكر الزائدة، فإنه يجب عليه أن يشمر ذكره؛ لأنه ربما يكون شيء قد اجتمع في قلفته، فإذا حركها وشمرها يعني: مدها، فإنها ربما يكون تحتها شيء لم يصبه الماء، وهذا في حق الأقلف الذي لم يختتن، وأما إذا انتشر ذكره، فإنه ليس بحاجة إلى مثل ذلك؛ لكن هم يقولون في حالة إذا لم ينتشر ذكره، ولم يختتن، وهذا هو الغسل المجزئ، كما أشار إلى ذلك أبو عمر بن عبد البر ، والله تبارك وتعالى أعلم.

أما قول المؤلف: (وباطن الشعر وظاهره مع مسترسله) الشعر ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: ما يجب غسل ظاهره دون باطنه، وهذا في الوضوء، فإن الإنسان يؤمر أن يغسل ما كان ظاهر الشعر الذي في وجهه، ولا يؤمر أن يغسل ما كان في باطنه في الوضوء؛ لأنه من ضمن الوجه.

القسم الثاني: ما كان مأموراً أن يغسل باطنه وظاهره، وهذا في غسل الجنابة، وبعضهم يزيد في التيمم، فيقول: يجب تطهير ظاهره خفيفاً كان أو كثيفاً إذا كان في التيمم، كما أشار إلى ذلك ابن سعدي رحمه الله، والأقرب أنه في التيمم يمسح الوجه؛ ولكن لا يمسح لحيته به خلافاً للماء، إلا إذا قصد ابن سعدي رحمه الله أنه إذا كان الشعر على لحيته أعلى وجهه، فإنه يمرر أصابعه وكفيه بذلك، إن كان المقصود كذلك فلا حرج، والله أعلم.

مسائل متفرقة في باب الغسل

قال المؤلف رحمه الله: [ ويرتفع حدث قبل زوال حكم خبث ].

مر معنا في الوضوء أنه لا يصح وضوء إلا أن يسبقه استنجاء أو استجمار، والذي يظهر -والله أعلم- التفصيل؛ فإن كان سوف يترتب عليه مس حلقة الدبر، فإنه لا بد فيه من استجمار أو استنجاء، وأما إذا لم يحتج لذلك فلا حرج؛ لأن النجاسة خارجة عن البدن، والحنابلة يفرقون بين إزالة النجاسة لرفع حدث أصغر، وبين إزالة النجاسة لرفع حدث أكبر؛ فإنهم لم يشترطوا ذلك في الحدث الأكبر؛ ولهذا قال: (ويرتفع حدث قبل زوال حكم خبث).

ومر أيضاً أن النجاسة إذا كانت في البدن، ولا يمنع ما كان تحته من وصول الماء، فإن الحنابلة يقولون: لا يجب إزالة النجاسة، والله تبارك وتعالى أعلم.

ما يستحب عند اغتسال الكافر إذا أسلم والحائض إذا طهرت

قال المؤلف رحمه الله: [ ويستحب سدر في غسل كافر أسلم وحائض ].

لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الرزاق ، و أبي داود وغيره من حديث قيس بن عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أمره أن يغتسل بماء وسدر حينما أسلم )، والحنابلة يوجبون الغسل بالماء ويستحبون السدر، وقلنا: إنه لو كان الغسل واجباً لأمر أيضاً بالسدر.

قال المؤلف رحمه الله: [ وأخذها مسكاً تجعله في قطنة أو نحوها وتجعلها في فرجها، فإن لم تجد فطيباً فإن لم تجد فطيناً ].

هذا مذهب الحنابلة، وكذا الشافعية، وقالوا: إن الفرصة الممسكة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة : ( أن أسماء بنت شكل أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! كيف أتطهر من المحيض؟ فقال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر، فتحسن الطهور، ثم تغسل سائر جسدها، ثم تعم سائر بدنها، فتبلغ به شئون رأسها، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها، قالت أسماء : يا رسول الله! كيف أتطهر بها؟ فخجل عليه الصلاة والسلام واستحيا، وقال: سبحان الله! تطهرين بها، وكأنها لم تفهم، فقالت: يا رسول الله! كيف أتطهر بها؟ فقال: سبحان الله! تطهرين بها، قالت عائشة : فأخذتها وكأنها تخفي ذلك، فقالت لها: تتبعي أثر الدم ) يعني: تأخذين الفرصة التي فيها الطيب، وتضعين هذه القطنة في المكان الذي يأتيه الدم من الفرج، و( كان عليه الصلاة والسلام أشد حياءً من العذراء في خدرها )، كما أشار إلى ذلك أبو سعيد الخدري كما في الصحيحين بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

وقد أخطأ الخطابي و ابن قتيبة حينما قالا: إن الفرصة ليست هي الفرصة الممسكة، ولكنها قرضة، والقرضة القطعة من الشيء، والممسكة التي تمسك، وهذا فيه تكلف، والذي عليه جماهير الأئمة من أئمة الفقه والحديث، كما يقول ابن رجب رحمه الله، وهو مذهب الشافعي و أحمد أنه يستحب للحائض حال اغتسالها أن تستخدم الفرصة الممسكة التي فيها الطيب، فإن لم يكن فرصة ممسكة فالطيب، فإن لم يكن فطين؛ لإزالة الرائحة الكريهة، هذا هو الذي يظهر، والله أعلم.

قال النووي رحمه الله: والمختار هو أن الطيب لإزالة الرائحة الكريهة، وليس لأجل علوق الحمل؛ لأن بعضهم يقول: إن الطيب هنا لأجل أن المرأة تحمل سريعاً، وقال النووي : وليس هذا بمراد؛ لأنه لو كان مراداً؛ لأمر المتزوجة بخلاف البكر، والأقرب أن الفرصة الممسكة مأمور بها المتزوجة وغير المتزوجة.

أما مسألة الطين فلم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل جاء في بعض الروايات، وإن كانت منكرة: ( فرصة ممسكة، فإن لم يكن فطيب، وإلا فإن الماء يكفيه )، وإن كان في سندها بعض الضعف؛ لكن الطين لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا تركه أولى، ويوجد الآن المنظفات التي ربما تكون أقوى من الطيب، وأبعد عن الرائحة، أما الطين فإنه ربما يضر المرأة.

مقدار الماء الذي كان يتوضأ ويغتسل به النبي عليه الصلاة والسلام

قال المؤلف رحمه الله: [ ويتوضأ بمد استحباباً ].

المد لقول جابر : ( كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع )، والمد أشار المؤلف بقوله: (والمد رطل وثلث عراقي ورطل وأوقيتان وسبعاً، هذه لا نفهمها، ولكني أقول: إن المد باللتر هو نصف لتر وثلاثة عشر ونصف من الغرامات، يعني: القارورة الصحة هذه نصف لتر، وزد عليها ثلاثة عشر من الغرامات، يعني: شيئاً قليلاً، هذا الذي يتوضأ به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد فهم بعض الفضلاء أن مقدار المد هو مقدار البيالة، وهذا خطأ، فالبيالة هذه التي يعرفها الناس أقل من المد، وربما لم يسبغ الوضوء، بل ربما جعل وضوءه كله مسحاً، والذي يظهر أن المد هو نصف لتر تقريباً.

قال المؤلف رحمه الله: [ والمد رطل وثلث عراقي، ورطل وأوقيتان وسبعاً أوقية مصري، وثلاث أواق وثلاثة أسباع أوقية دمشقية، وأوقيتان وأربعة أسباع أوقية قدسية ].

الشيخ: هل تفهمون منها شيئاً؟ ما نفهم، لكن نفهم من هذا أن المد نصف لتر، واللتر نصف قارورة الصحة المعروفة.

قال المؤلف رحمه الله: [ ويغتسل بصاع وهو أربعة أمداد، وإن زاد جاز ].

أربعة أمداد، يكون المقدار لترين وأربعة وخمسين من الغرامات.

قال المؤلف رحمه الله: [ لكن يكره الإسراف ولو على نهر جار ].

لحديث سعد بن أبي وقاص : ( لا تسرف، ولو كنت على نهر جار ).

حكم الاغتسال عرياناً

قال المؤلف رحمه الله: [ ويحرم أن يغتسل عرياناً بين الناس ].

لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية بن حيدة قال: ( يا رسول الله! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، قال: يا رسول الله! أرأيت إن كنت وحدي؟ قال: فالله أحق أن يستحيا منه )، وأما إذا كان لا يراه أحد، فلا حرج أن يغتسل عرياناً لما ثبت في الصحيحين: ( أن موسى عليه السلام اغتسل عرياناً، وقد كان موسى عليه الصلاة والسلام لا يغتسل مع القوم، فكانوا يقولون: ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر -آدر أي: فيه عيب- وقيل: مجبوب الذكر، فذهب يغتسل فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، فطفق موسى يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر، فرأت بنو إسرائيل ما بـموسى، وقالوا: ما بموسى من عيب )، وهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى ونصرته لأوليائه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمدنا بعونه وتوفيقه ونصره وتأييده.

وكذلك ثبت في صحيح البخاري أن أيوب -عليه السلام- اغتسل عرياناً، وذكر أبو العباس بن تيمية في الاختيارات أن أحمد رحمه الله يكره الاغتسال في مستحمه إذا كان وحده عرياناً، والذي يظهر -والله تبارك وتعالى أعلم- أن الاغتسال عرياناً إذا كان وحده ليس به بأس، وقد أشار أبو العباس بن تيمية أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك كما في الصحيحين في غسله يوم الفتح حينما غطته فاطمة بثوب، وهذا ليس فيه دلالة على جواز الاغتسال عرياناً، والذي يظهر في دلالة الاغتسال عرياناً، ما جاء في حديث ابن حبان ، وأصله في الصحيحين أن مسروقاً سأل عائشة ( أينظر الرجل إلى عورة المرأة، وتنظر المرأة إلى عورة الرجل؟ فضحكت عائشة وقالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، فأقول: دع لي، ويقول: دعي لي )، فهذا يدل على أن عائشة كانت تنظر إلى عورة الرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول عليه الصلاة والسلام كان عرياناً بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، هذا الذي يظهر والله أعلم، وعلى هذا فالأفضل هو الستر؛ ولكن الكراهة حكم شرعي لا تثبت إلا بدليل شرعي.

قال المؤلف رحمه الله: [ وكره خالياً في الماء ].

والأقرب أنه لا يكره؛ ولكن الأفضل تركه.

معنى الإسباغ وحكم الغسل بأقل من صاع

قال المؤلف رحمه الله: [ فإن أسبغ بأقل مما ذكر في الوضوء أو الغسل أجزأه، والإسباغ تعميم العضو بالماء بحيث يجري عليه ولا يكون مسحاً ].

يعني: أنه لو توضأ بأقل من المد تقريباً؛ لكن تم فيه الإسباغ أجزأ، أما أن يتوضأ بأقل من المد من غير إسباغ فلا، والإسباغ هو كما قال المؤلف: (والإسباغ تعميم العضو بالماء بحيث يجري عليه ولا يكون مسحاً).

ومن المعلوم أن الذين يتوضئون بمقدار فنجان الشاي هذا البيالة، ما يكفيهم؛ بل يمسحون مسحاً، وهذا لا يجزئهم، وبعض أصحاب الكشافة، وبعض الشباب الذين يذهبون في المخيمات يظنون أن هذا من حسن الترتيب والتدبير، وليس ذلك بحسن تدبير ولا ترتيب، فإن الماء إذا كان قليلاً فإنه لا يسبغ، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق الذين لم يغسلوا أعقابهم: ( ويل للأعقاب من النار )، كما في حديث عائشة و أبي هريرة ، و عبد الله بن عمرو بن العاص .

حكم من نوى بغسله رفع حدثين وحكم الترتيب والموالاة في الاغتسال

قال المؤلف رحمه الله: [ أو نوى بغسله الحدثين أو الحدث وأطلق أو الصلاة ونحوها مما يحتاج لوضوء وغسل أجزأه عن الحدثين ولم يلزمه ترتيب ولا موالاة ].

إذا نوى بغسل الجنابة الحدثين أجزأ قولاً واحداً، أو نوى أن يقرأ القرآن، أو أن يطوف، أو أن يتسنن، كل ذلك يجزئ؛ لأنه قصد بذلك رفع الحدث الذي تحصل به الصلاة والعبادة، وحين ذلك يجزئه.

يقول المؤلف: (ولم يلزمه ترتيب ولا موالاة).

أما عدم الموالاة فقد نقل بعضهم الإجماع، وخالف في ذلك القرطبي في بداية المجتهد، ورأى أنه يجب الموالاة، والأقرب عدم الوجوب، وفيه حديث العلاء التيمي: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل ثم خرج، فوجد بقعة لم يصبها الماء، فأخذ من بلل لحيته فغسل بها )، وهذا الحديث مرسل، ولكنه مرسل صحيح، وعليه العمل عند أهل العلم، وأحسن شيء في الباب ما رواه ابن المنذر بسند صحيح عن ابن عباس أنه سئل عن رجل اغتسل غسل الجنابة ولم يتوضأ، فقال له ابن عباس : توضأ الآن، وهذا يدل على عدم الموالاة، وكذلك لا يلزمه الترتيب؛ لأنه يكفي أن يعمم سائر بدنه.

نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الروض المربع - كتاب الطهارة [22] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

https://audio.islamweb.net