إسلام ويب

صلاة المسافر ركعتان ما لم يأتم بمقيم، وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عباس.

تقصير الصلاة في السفر

شرح حديث: (صلاة الجمعة ركعتان ... والسفر ركعتان)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا حميد بن مسعدة عن سفيان وهو ابن حبيب عن شعبة عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر قال: (صلاة الجمعة ركعتان، والفطر ركعتان، والنحر ركعتان، والسفر ركعتان، تمام غير قصر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم)].

هذا الحديث من الأحاديث التي أوردها النسائي تحت كتاب تقصير الصلاة في السفر، وقد مر أحاديث عديدة تتعلق بأحكام السفر، وأن صلاة السفر ركعتان، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيما إذا صلى المسافرون وحدهم، أما إذا صلوا وراء إمام مقيم يتم، فإن المسافر عليه أن يصلي صلاة المقيم، ولو لم يدرك من الصلاة إلا آخرها؛ فإنه إذا قام يقضي فلا بد أن يقضي صلاة المقيم وهي أربع، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: جاءت بأن المسافر إذا صلى صلاة وراء مقيم فإنه يتم كصلاة المقيم، وذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سئل: ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، وإذا صلى وراء إمام أتم؟ قال: تلك السنة؛ أي: تلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد مر جملة من الأحاديث في هذه الترجمة، وبقي بعض الأحاديث؛ أولها: حديث عمر رضي الله عنه: [صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة النحر ركعتان، وصلاة السفر ركعتان، تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم]، والحديث قد مر في الجمعة، وفي بيان مقدار صلاة الجمعة، وأنها ركعتان، وهنا أورده من أجل اشتماله على بيان صلاة المسافر، وأنها ركعتان، وقد مر الحديث، وهو من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر رضي الله تعالى عنه، فقال النسائي عقبه هناك: عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عمر، وذكرت في ما مضى: أن الحافظ ابن حجر قال: مختلف في سماعه من عمر، لكن القول بكونه سمع منه هو الصحيح، وقد جاء مصرحاً به -أي: بالسماع- في روايته هذا الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو حديث: صلاة الجمعة ركعتان... إلخ.

وذكره بعض أهل العلم -ومنهم: مسلم في مقدمة صحيحه- أنه سمع من عمر، والحديث أورده من أجل ما جاء في آخره، وصلاة السفر ركعتان تمام من غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله: [على لسان محمد صلى الله عليه وسلم] أي: أن الله تعالى فرض هذه الفرائض، وأنها من الله عز وجل، ولكنها جاءت في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن السنة هي التي تبين القرآن، وتوضحه، وتدل عليه، ويجب التعويل عليها كما يجب التعويل على القرآن، ومن قال: إنه يأخذ بالسنة، ولا يأخذ بالقرآن؛ فإنه كافر بالقرآن، وغير مؤمن بالقرآن؛ لأن القرآن جاء بالأخذ بالسنة في قول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ثم أيضاً ما عرف الناس عدد الركعات في الصلوات إلا عن طريق السنة، وهي مفروضة فرضها الله عز وجل، والمسلمون مجمعون على هذه الأعداد، فمن يقول: إنه يؤخذ بما في القرآن ولا يؤخذ بالسنة فهو كافر بالكتاب والسنة، وكيف يتعبد الله عز وجل من يقول هذا الكلام؟! كيف يصلي لله عز وجل؟! ومن أين في القرآن أن الظهر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن الفجر ركعتين؟ كل هذا لا وجود له إلا في السنة، ولا وجود له في القرآن، فالذي يقول: إنه لا يأخذ إلا بما في القرآن، ولا يأخذ ما في السنة، هو كافر بالكتاب وكافر بالسنة.

تراجم رجال إسناد حديث: (صلاة الجمعة ركعتان ... والسفر ركعتان)

قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].

هو البصري، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن سفيان وهو: ابن حبيب].

ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب، وأصحاب السنن الأربعة، وقوله: (هو ابن حبيب)، هذه الذي قالها من دون تلميذه حميد بن مسعدة؛ لأن حميد بن مسعدة، عندما يذكر شيخه ينسبه كما يُريد فيقول: فلان بن فلان بن فلان الفلاني، أي: إذا شاء يذكر اسم أبيه وجده وجد أبيه، أو يذكر بلده، أو يذكر قبيلته، أو ما إلى ذلك، كل هذا يفعله التلميذ إذا أراد، لكن حميد بن مسعدة ما زاد على قوله: سفيان في روايته عنه، ولكن من دونه وهو: النسائي أو من دون النسائي، هم الذين جاءوا بكلمة (هو ابن حبيب)، ولكنهم أتوا بكلمة (هو) الدالة على أنها ممن دون التلميذ، وليست من التلميذ، وهذا كما أشرت سابقاً من الدقة عند المحدثين في تعبيراتهم، وفي ألفاظهم، وأنهم يلتزمون الألفاظ التي يقولها التلاميذ عن شيوخهم، وإذا أرادوا أن يوضحوا هذا المهمل؛ فإنهم يأتون بكلمة (هو) أو بكلمة (يعني) التي تدل على أن هذا الكلام المضاف الزائد ليس من التلميذ، وإنما هو من غير التلميذ.

[عن شعبة].

هو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، ثقة، إمام، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث من أئمة الجرح والتعديل، وهو لقب رفيع، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن زبيد].

هو اليامي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].

هو ابن أبي ليلى المدني، ثم الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عمر].

هو ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين، والذي طال زمن خلافته، وحصل فيها الخير الكثير، وحصل فيها الفتوحات العظيمة الواسعة، وحصل فيها القضاء على الدولتين العظيمتين في ذلك الزمان؛ دولة فارس والروم، وأنفقت كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله على يدي الفاروق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله)؛ فإن ذلك تحقق في زمان الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومناقبه جمة، وفضائله كثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومن أجلّ فضائله: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما سلكت فجاً يا عمر! إلا وسلك الشيطان فجاً غير فجك)، أي: أن عمر والشيطان لا يلتقيان في طريق واحد، فيهرب الشيطان من الطريق الذي يكون فيه عمر، رضي الله تعالى عن عمر وعن الصحابة أجمعين.

شرح حديث: (فرضت صلاة الحضر أربعاً وصلاة السفر ركعتين ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن وهب حدثنا محمد بن سلمة حدثني أبو عبد الرحيم حدثني زيد عن أيوب وهو: ابن عائذ عن بكير بن الأخنس عن مجاهد أبي الحجاج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرضت صلاة الحضر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم أربعاً، وصلاة السفر ركعتين، وصلاة الخوف ركعة)].

هنا أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وهو قوله: [فرضت صلاة الحضر على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم أربعاً، وصلاة السفر ركعتين، وصلاة الخوف ركعة]. وهو يدل على أمور ثلاثة: على أن صلاة الحضر أربع، وصلاة السفر ركعتان، وصلاة الخوف ركعة، وهي إحدى الصور التي جاءت في صلاة الخوف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنها جاءت على هيئات مختلفة، وأنها تكون ركعتين، وفيها تفاصيل فيما إذا كان العدو في جهة القبلة، أو في غير جهة القبلة، وفي هذا الحديث أنها تكون ركعة، فإذا اشتد الخوف فإنه يمكن أن تُصلى ركعة واحدة، وهذا من تخفيف الله عز وجل، وتيسيره على عباده، ومحل الشاهد من هذا ما يتعلق بالجملة الوسطى وهي: [أن صلاة السفر أنها تكون ركعتين].

تراجم رجال إسناد حديث: (فرضت صلاة الحضر أربعاً وصلاة السفر ركعتين ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن وهب].

هو الحراني، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.

[حدثنا محمد بن سلمة].

هو الحراني، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، ومحمد بن سلمة هذا غير محمد بن سلمة المرادي المصري؛ فإن ذاك في طبقة متأخرة، وهو من طبقة شيوخ النسائي، وأما هذا فهو من طبقة شيوخ شيوخه؛ فإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي مباشرة، فالمراد به المصري المرادي، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي بواسطة كما هنا؛ لأنه يروي عنه بواسطة محمد بن وهب، فالمراد به الحراني الذي هو في طبقة شيوخ شيوخه.

[حدثني أبو عبد الرحيم].

هو خالد بن أبي يزيد الحراني، وهو مشهور بكنيته أبي عبد الرحيم، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.

[حدثني زيد].

هو ابن أبي أنيسة الجزري، وهو ثقة، له أفراد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أيوب وهو ابن عائذ].

ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وكلمة (أيوب وهو ابن عائذ) مثل التي مر قريباً في سفيان هو ابن حبيب، هذه مثل تلك، فـ(أيوب هو ابن عائذ) هي ممن دون تلميذه زيد بن أبي أنيسة.

[عن بكير بن الأخنس].

ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأبو داود ،و النسائي، وابن ماجه.

[عن مجاهد أبي الحجاج].

هو مجاهد بن جبر أبو الحجاج، المكي، ثقة، إمام في التفسير والعلم، وهو الذي أخذ عن ابن عباس في التفسير، وهو إمام مشهور، ومحدث، ومفسر، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن عباس].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن عمه، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم؛ وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وجابر، وأبو سعيد الخدري، وأم المؤمنين عائشة، رضي الله تعالى عن الجميع، فقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:

والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر

وأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبي.

شرح حديث: (إن الله عز وجل فرض الصلاة ... في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن ماهان حدثنا القاسم بن مالك عن أيوب بن عائذ عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن الله عز وجل فرض الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة)].

هنا أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو بمعنى الذي قبله، وقوله: [إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم]، أي: هذا يبين أن ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو من الله، وأنه مبلغ عن الله، والله تعالى هو الذي فرض والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أوحي إليه، ولهذا فإن السنة هي وحيُ من الله، قال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْي يُوحَى [النجم:3-4].

فالوحي وحيان: وحي هو القرآن المتلو المتعبد بتلاوته، والعمل به، ووحي متعبد بالعمل به كالقرآن وهي السنة، كما أنه متعبد بالعمل بالقرآن، فالسنة والقرآن متلازمان تلازم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا يكفي أن الإنسان يؤمن بالقرآن، ولا يؤمن بالسنة؛ فإن الإيمان بهما جميعاً لا بد منه، ومن كذب بالسنة فهو مكذب بالقرآن، ومن أنكر السنة فهو منكر للقرآن، فهما متلازمان تلازم شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولهذا قال في هذا الحديث: [إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام]، وهذا لا وجود له في القرآن، وإنما هو في السنة، والسنة الله عز وجل نزل الوحي بها على رسول الله كما نزل الوحي بالقرآن على رسول الله عليه الصلاة والسلام، إلا أن هذا متعبد بتلاوته، ومتعبد بالعمل به، وأما السنة فإنه متعبد بالعمل بها، كما أنه متعبد بالعمل بالقرآن.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل فرض الصلاة ... في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا يعقوب بن ماهان].

صدوق، أخرج حديثه النسائي.

[حدثنا القاسم بن مالك].

ثقة، صدوق فيه لين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.

[عن أيوب بن عائذ].

قد مر ذكره.

[عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس].

هؤلاء الثلاثة مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

الصلاة بمكة

شرح حديث ابن عباس: (كيف أصلي بمكة إذا لم أصل في جماعة؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة بمكة.

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى في حديثه عن خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة سمعت موسى وهو ابن سلمة، قال: قلت لـابن عباس: (كيف أصلي بمكة إذا لم أصل في جماعة؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)].

المراد من هذه الترجمة: بيان أن المسافر إذا صلى مع الجماعة فإنه يصلي صلاة المقيم، ولكنه إذا صلى وحده فإنه يصلي ركعتين؛ لأنه مسافر، والمسافر يصلي ركعتين، والتبويب للصلاة بمكة، والمقصود منه التنصيص عليها؛ لأنها كانت سبب السؤال، والسؤال كان في مكة، وأنه إذا كان بمكة ماذا يفعل إذا كان مسافراً.

والحكم لا يختص بمكة، الإنسان إذا كان مسافراً في أي بلد من البلدان فله حكم المسافر، بمعنى أنه إذا لم يعزم إقامة تزيد على أربعة أيام فإنه يقصر، فإن حضرت الجماعة يصلي صلاة الجماعة، وعليه أن يحضر الجماعة، ويصلي صلاة الجماعة، ولكنه إذا لم يصل صلاة الجماعة -بأن صلى وحده في البيت أو في المسجد- فإنه يصلي ركعتين؛ صلاة السفر، لكنه إذا أدرك صلاة الجماعة أو صلى مع الجماعة الذين هم مقيمون، فإنه يصلي صلاة مقيم، فليس المقصود من الترجمة التخصيص بمكة، وأن هذا العمل بمكة، وإنما المقصود أنه حصل السؤال عن كونه بمكة، فجاء التبويب هكذا، وإلا فإن الأمر لا يخص مكة، بل يكون في كل بلد يكون الإنسان فيه له حكم المسافر؛ فإنه إن أدرك الجماعة، أو حضر الجماعة المقيمة؛ فإنه يصلي صلاة الإمام المقيم، وإن فاتته الصلاة، أو صلى وحده، أو صلوا جماعة مسافرين، فإنهم يصلون صلاة المسافرين؛ أي: يصلون ركعتين.

ولهذا الذي سأل ابن عباس: [كيف أصلي بمكة إذا لم أصلي في جماعة؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم].

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (كيف أصلي بمكة إذا لم أصل في جماعة؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].

هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

[عن خالد بن الحارث].

هو البصري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا شعبة].

هو ابن الحجاج، وقد مر ذكره قريباً.

[عن قتادة].

هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن موسى وهو ابن سلمة].

هو ابن المحبق البصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.

[ابن عباس].

قد مر ذكره قريباً.

شرح حديث ابن عباس: (... ما ترى أصلي؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد حدثنا قتادة: أن موسى بن سلمة حدثهم: أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما قلت: (تفوتني الصلاة في جماعة وأنا بالبطحاء، ما ترى أن أصلي؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)].

هذه طريق أخرى عن ابن عباس موضحة للطريق السابقة، وإنه قال فيها: [تفوته الصلاة في الجماعة]، أي: أن الأصل أنه يذهب للجماعة، وأنه يصلي صلاة الجماعة، ولكن تفوته الصلاة، فماذا يصنع؟ فأخبر [بأنه يصلي ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم]، أي: أن المسافر يصلي ركعتين إذا صلى وحده، أو صلى مع جماعة مسافرين، ولكنهم إذا أدركوا الجماعة الحاضرة فإنهم يصلون صلاة الإمام المقيم، فيتمون الصلاة أربعاً، ولا يقصرون، فهذه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما جاء ذلك مبيناً عن ابن عباس عندما سئل: (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، وإذا صلى وراء إمام مقيم صلى صلاة المقيم؟ قال: تلك السنة)، أي: تلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (... ما ترى أصلي؟ قال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم) من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].

هو إسماعيل أبو مسعود البصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده، وكنيته أبو مسعود كاسم أبيه، وهذا من أنواع علوم الحديث؛ معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع: ألَّا يظن التصحيف، فيما لو قيل: إسماعيل أبو مسعود بدل إسماعيل بن مسعود، فمن لا يعرف أن كنيته أبو مسعود، يظن أن (ابن) صحفت إلى (أبي) وصارت أبو مسعود بدل ابن مسعود، وهي ليست بدلاً منها ولا تصحيف، وكله صواب؛ هو أبو مسعود وهو ابن مسعود، وحديثه أخرجه النسائي، وحده.

[حدثنا يزيد بن زريع].

هو البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا سعيد].

هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، حافظ ،كثير التدليس، من أثبت الناس عن قتادة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا قتادة، أن موسى بن سلمة، وحدثهم: أنه سأل ابن عباس].

هؤلاء الثلاثة مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

الأسئلة

عقيدة القاضي عياض ونبذة عن كتابه الشفاء

السؤال: فضيلة الشيخ! ما رأيكم حفظكم الله في عقيدة القاضي عياض وكتابه الشفاء؟ وهل تنصح بقراءته جزاك الله خيراً؟

الجواب: القاضي عياض رحمه الله عنده شيء من التأويل، وهذا موجود في المقولات التي تُنقل عنه، في صحيح مسلم ينقلها النووي، وكتابه الشفاء فيه أمور طيبة، ولكن فيه أشياء لا تخلو من نظر، وهو كتاب مفيد، والإنسان يستفيد منه، كما يستفيد من غيره، وكما هو معلوم لو كان أنه لا يقرأ إلا كتاب سليم مائة في المائة، لكانت الكتب التي تُقرأ قليلة جداً، لكن الإنسان يأخذ ما صفا، ويترك ما كدر، يأخذ الطيب، ويترك الردي.

الفرق بين تدليس الشيوخ وتدليس التسوية

السؤال: فضيلة الشيخ! ما الفرق بين تدليس الشيوخ وتدليس التسوية؟

الجواب: تدليس الشيوخ هو: كون الإنسان يذكر شيخه بما لا يعرف به؛ أي: يعمي، فكلامه صحيح، لكنه يذكره بغير ما اشتهر فيه، بحيث يذكر كنيته، ثم يذكره منسوباً إلى جده، أو منسوباً إلى بلده، ولا يذكر الشيء الذي يكون مشهوراً به، هذا يسمى تدليس الشيوخ، فيجعل الطريق صعباً أمام الباحث؛ بحيث قد يظن أنه شخص لا يعرف، فيبحث له عن ترجمة ويقول: لم أجد له ترجمة، بغير السبب الذي جعله فيه تعمية، وفيه خفاء، أنه ذكر بغير ما اشتهر به، فهذا يسمى تدليس الشيوخ، ومضرته أن فيه توعير الطريق أمام معرفته، وفيه قد يكون الشخص المعروف يقال عنه: إنه غير معروف؛ لأنه ذكر بغير ما اشتهر به، وقد يكون له أسباب؛ منها: كون الشخص يريد أن يعمي، لا يحب أن يذكر شيخه بما هو مشهور به؛ لأنه هناك أمر يقتضيه، وقالوا ممن كان معروفاً بهذا الخطيب البغدادي، فكان يحصل منه ذلك، ذكر هذا ابن صلاح في المقدمة.

وأما تدليس التسوية: فهو يتعلق بالإسناد، فيأتي إلى إسناد فيه ثقات في وسطهم ضعفاء، فيحذف الضعفاء، ويصير الإسناد كأنه في ظاهره ثقات، مع أنه قد حذف منه ضعفاء، وهذا من أشهر أنواع التدليس؛ لان هذا ليس عمله يتعلق به هو؛ بل يتعلق بإضافته إلى غيره؛ لأن غيره ذكر شيخه، فهو إذا حذف ذلك الشيخ الضعيف من أثناء الإسناد، معناه أنه ألحق الضرر بغيره من حيث أنه نُسب إليه ما لم يقله؛ لأنه ذكر شيخه، فيحذف شيخه، ويضيف الكلام إلى شيخ شيخه، فهذا هو تدليس التسوية.

معنى حديث: (زر غباً تزدد حباً) ومدى صحته

السؤال: فضيلة الشيخ! ما صحة هذا الحديث: (زر غباً تزدد حباً)، مع شرح الحديث؟

الجواب: ما أتذكر شيئاً عن درجته، لكن معناه: أن الإنسان لا يكثر الزيارة، وإنما يكون يوم بعد يوم، فلا تكون الزيارة متواصلة حتى لا يحصل إثقال.

معنى عبارة: (دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر)

السؤال: فضيلة الشيخ! أرجو توضيح هذه العبارة: (دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر) وهل يكفر من قال هذه العبارة؟

الجواب: هذا العبارة: (دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر) لا أدري معنى (دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر)، ولا أفهم معناها.

ما صحة حديث: (أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام)

السؤال: فضيلة الشيخ! ما صحة الحديث الذي أخرجه الطبراني، والدارقطني عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام، وأكثر ما يكون عشرة أيام، فإذا زاد فهي مستحاضة).

الجواب: لا أعرف عنه شيئاً.

حكم الاستعانة بالجن المسلم

السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم الاستعانة بالجن المسلم بما يقدر عليه من أمور الخير؟

الجواب: ومن أين يعرف أنه مسلم؟! يمكن أن يكون فيهم منافقون كما أن في الإنس منافقين.

ويمكن أنه يكون كاذباً فيما يقول كالإنسي، فالجني كذلك.

حكم التأمين خلف دعاء الإمام في خطبة الجمعة

السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز التأمين خلف دعاء الإمام في خطبة الجمعة؟

الجواب: نعم يجوز، لا مانع منه، إذا دعا الخطيب في الجمعة فإنه يؤمن، وإذا صلى على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يصلي على الرسول صلى الله وسلم؛ لأن هذا لا محذور فيه، ولا مانع؛ لأن هذا فيه إقبال على الخطبة، وأما الأحاديث التي وردت أنك (إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)؛ لأن هذا فيه انشغال عن الخطبة، وأما هذا ففيه إقبال على الخطبة، وهو كون الإنسان يسمع كلامه، وإذا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم صلى عليه، وإذا دعا أمن على دعائه، هذا فيه إقبال على الخطبة، واتجاه للخطبة، وإقبال عليها، وعدم انصراف عنها.

حكم طعام أهل الكتاب والمشركين

السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز أكل الطعام الذي يعطينا إياه الكافر أو المشرك؟

الجواب: المشرك كما هو معلوم لا يؤكل طعامه؛ أي: ذبائحهم حرام، وأما الكتابيون -اليهود والنصارى- فذبائحهم حلال، فيجوز ذلك، وإذا كان هذا مما يترتب عليه مصلحة، وهي استمالته، أو مداراته من أجل أنه يحصل سبيل إلى هدايته، وتقريبه وما إلى ذلك، فهذا شيء طيب.

وغير الذبائح ليس فيها بأس؛ مثل: البر، والرز، والسكر وما إلى ذلك، أو الأواني أو ما إلى ذلك، وإنما المحذور هو الذبائح.

الجمع بين حديث ابن عباس وحديث عائشة في أول ما فرض من الصلاة

السؤال: فضيلة الشيخ! أشكل حديث ابن عباس (في كون الصلاة أول ما فرضت أربع ركعات)، مع أنه قد جاء في حديث عائشة قالت: (أول ما فرضت الصلاة ركعتين)، كيف الجمع بين الحديثين؟

الجواب: ليس فيه ذكر الأولية، وإنما فيه ذكر تفاصيل صلاة الحضر، وصلاة السفر، وصلاة الخوف، وأن هذه أربع والسفر اثنتين والخوف ركعة، فليس فيه ذكر الأولية، وإنما فيه ذكر أن صلاة الحضر كذا، وصلاة السفر كذا، وصلاة الخوف كذا.

حكم صلاة الجماعة على المسافر

السؤال: فضيلة الشيخ! هل صلاة الجماعة واجبة على المسافر؟

الجواب: نعم، تجب صلاة الجماعة على المسافرين، ومن المعلوم أن الله تعالى أوجب صلاة الجماعة حتى في الخوف، وفي الشدة، فهي واجبة على المسافرين، كما أنها واجبة على المقيمين، ومعنى ذلك: أن المسافرين يصلوا جماعة، وليس كل واحد يصلي وحده، إذا كانوا مسافرين جماعة يصلون جماعة، لكن ليس معنى ذلك أنهم لو مروا في الطريق، وشافوا مسجداً من المساجد، والصلاة حاضرة، فإنه يتعين عليهم أن ينزلوا ويصلوا، لا، ما يتعين عليهم، لكن إذا كانوا في بلد ويسمعوا الآذان، فعليهم أن يذهبوا.

الأفضل للمسافر أن يصلي صلاة الجماعة في المسجد أو في البيت

السؤال: فضيلة الشيخ! رجل جاء إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ينوي الإقامة لمدة يومين، فأيهما الأفضل؟ أن يصلي في المسجد النبوي مع الجماعة؟ أو أن يصلي جماعة في محل سكنه؟

الجواب: لا، يصلي جماعة في المساجد، حتى في غير المسجد النبوي، إذا كان حوله مسجد قريب، ويسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؛ فإنه يجيب ويصلي صلاة الجماعة.

مدى ورود حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام في شربه من زمزم قائماً

السؤال: هل ورد حديث في الشرب من زمزم قائماً؟

الجواب: نعم. ورد، الرسول صلى الله عليه وسلم شرب وهو قائم، عليه الصلاة والسلام، لكن لا يعني ذلك أن ماء زمزم لا يشرب إلا عن قيام، وإنما يعني شربه قائماً. فهو يدل على جواز الشرب قائماً في بعض الأحيان، وأنه جائز وإن كان الأولى هو الشرب عن قعود، وعن جلوس.

بيان مدة القصر في السفر

السؤال: فضيلة الشيخ! هل هناك مدة للقصر في الصلاة في حال السفر إلى أي بلد؟ إذا كان يعلم مدة الإقامة أو لا يدري؟

الجواب: نعم. إذا كان يعلم مدة الإقامة ولا تزيد على أربعة أيام، فهو يتم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام الإقامة المحققة التي أقامها في مكة هي أربعة أيام، أي في حجة الوداع، لما وصل في اليوم الرابع، وخرج من مكة إلى منى يوم الثامن، فهو جلس إقامة عند دخوله المدة التي هو باقيها في مكة معروف أنها أربعة أيام؛ لأن الحج يبدأ يوم ثمانية، فهذه الإقامة المحققة عند الدخول، وعُلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيبقاها، ويغادر بعدها في اليوم الثامن إلى منى، فإذا كان الإنسان عنده نية عند وصوله أي بلد من البلدان أن يبقى فيه أكثر من أربعة أيام، فحكمه حكم المقيمين، وإن كان عند دخوله البلد ينوي إقامة أربعة أيام فأقل؛ فإن هذا له أحكام المسافرين؛ فإذا كان دخل البلد يريد حاجة، ولا يعلم متى ستنقضي، كل يوم يقول: تخلص بكره، وكل يوم تخلص بكره؛ فإنه يقصر ولو طال الأمد، ما دام أنه لم يعزم أو يجمع على إقامة تزيد على أربعة أيام.

حكم تكرار العمرة

السؤال: فضيلة الشيخ! أنا زائر جئت لأداء العمرة، واعتمرت والحمد لله، لكني أريد أن آتي بعمرة ثانية، فهل هذا يجوز شرعاً؟

الجواب: إذا كان اعتمر، وجاء للمدينة وأراد يذهب لمكة مرة ثانية، هذا شيء طيب ما فيه بأس، بل هذه العمرة مستحبة، فكون الإنسان يأتي إلى مكة من خارج المواقيت، ويكرر العمرة فهذا سائغ جائز، لكن العمرة المشروعة هي التي يأتي بها الإنسان من خارج المواقيت؛ إنسان جاء من بلده واعتمر، ثم جاء المدينة، وسيرجع إلى مكة مرة أخرى، يعتمر، فهذا شيء طيب، وإذا ما أراد أن يعتمر وهو يريد أن يذهب إلى مكة، فله أن يذهب إلى مكة بدون إحرام، لكن إذا كان يريد عمرة، فلا بأس لكن لا يتجاوز ميقات المدينة بدون إحرام.

رأي الشيخ العباد في كتاب تفسير بحر المحيط

السؤال: فضيلة الشيخ! ما رأيكم في تفسير بحر المحيط؟

الجواب: تفسير بحر المحيط -تفسير أبي حيان- ليس تفسيراً سليماً، ولكنه تفسير واسع ومفيد، لكن الإنسان كما هو معلوم الفائدة الكبيرة هي في الكتب التي فيها السلامة، مثل تفسير ابن جرير، وتفسير ابن كثير، وغيرها التي هي على طريقة السلف، وعلى منهج السلف، هي الأولى بأن يعتنى بها، وأن يحرص عليها، وأن يشغل الوقت فيها؛ لأنها على منهج السلف، وعلى طريقة السلف، بخلاف الكتب الأخرى، يمكن الإنسان يستفيد منها في آيات، لكن كونه يشغل نفسه فيها، هذا ما هو جيد، الاشتغال بما هو سليم ومفيد هو أولى.

مداخلة: فضيلة الشيخ! هل تكون صلاة الخوف ركعة في جميع الصلوات؟

الشيخ: الله تعالى أعلم.

معنى قوله: (وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر)

السؤال: ما معنى قوله: (وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر)؟

الجواب: تمام غير قصر، معناه: أنها تامة وغير مقصورة، ركعتان وهذا مثلما جاء عن ابن عباس: (فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر وزيدت في صلاة الحضر).



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب تقصير الصلاة في السفر - باب الصلاة بمكة للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net