إسلام ويب

دلت الأحاديث الواردة في شأن البسملة أنها آية من سورة الفاتحة، ولا حرج في الإسرار بها أو الجهر، لورود ذلك كله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الإسرار بها أولى لثبوت الأدلة على ذلك في الصحيحين.

البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة

شرح حديث أنس في البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة.

أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يستفتحون القراءة بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] )].

يقول النسائي رحمه الله: باب البداءة بالفاتحة قبل السورة. لما فرغ النسائي رحمه الله من ذكر التكبير، وأنه تفتتح به الصلاة، وذكر ما يكون بين القراءة والتكبير، وهو أدعية الاستفتاح التي جاءت من طرق مختلفة، وبألفاظ وبصيغ متعددة، انتقل بعد ذلك إلى القراءة، إلى قراءة القرآن في الصلاة، فبدأ بهذه الترجمة وهي البداءة بقراءة الفاتحة قبل السورة، المصلي يقرأ ما تيسر من القرآن، ولكن الإتيان بسورة الفاتحة هذا أمر مطلوب ومتعين ولابد منه، ويقرأ بعدها ما تيسر من القرآن، وقراءة الفاتحة مقدمة على قراءة غيرها.

وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يستفتحون القراءة بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2])، يستفتحون القراءة، يعني: أول شيء يقرأونه الفاتحة، وليس المقصود الاقتصار على: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]؛ لأن المقصود من هذه الجملة أنهم يبدءون بالفاتحة، وكلمة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، يراد بها الفاتحة، ولا يراد بها هذه الجملة التي هي أنه يقتصر عليها، وإنما يريدون بذلك أنهم يقرءون الفاتحة، وعبر عن ذلك بهذه الجملة منها، وهي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]. فذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر، وعمر الخليفتين الراشدين رضي الله عنهما وأرضاهما: أنهم كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين.

والنسائي جعل الترجمة البداءة بقراءة الفاتحة قبل السورة. قوله: قراءة الفاتحة.. ثم أورد الحديث تحتها ليبين أن المقصود من الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، هو السورة كلها من أولها إلى آخرها، ولا يعني ذلك أن الفاتحة ليست من السورة، وأن البسملة ليست جزءاً من السورة، وإنما أراد بذلك الذي اشتهرت به هذه السورة وهي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، بخلاف (بسم الله الرحمن الرحيم) فإنها موجودة في أول كل سورة من القرآن، لكن الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، موجودة في أول سورة الفاتحة، فلهذا يقال لها أحياناً: الحمد، يقال: من الحمد إلى الناس، فالحمد يعني الفاتحة التي أولها: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، والمقصود من ذلك أنها أول شيء بعد البسملة؛ لأن البسملة موجودة في أول كل سورة، والعلماء قد اختلفوا هل هي جزء من كل سورة في أولها، أم أنها تذكر تبركاً وتيمناً بذكر اسم الله عز وجل قبل قراءة السورة؟ ولكن كون الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم جعلوا البسملة في أول كل سورة في المصحف ما عدا أول سورة براءة، هذا يدل على أن البسملة من القرآن؛ لأنهم لا يجعلون مع القرآن شيئاً ليس من القرآن، فإثباتهم إياها داخل المصحف، وهم لا يثبتون بداخله إلا ما كان قرآناً، يدل على أن البسملة من السورة.

لكن قوله: [(يستفتحون القراءة بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2])]، لا يعني أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، وإنما يعني أنهم يبدءون بسورة الفاتحة، وسورة الفاتحة منها: بسم الله الرحمن الرحيم، بل إنها معدودة في آياتها، ولها رقم من أرقام تلك السورة التي هي بسم الله الرحمن الرحيم، هي الآية الأولى، والآية الثانية: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، فهي قد جُعلت أول آية من سورة الفاتحة.

تراجم رجال إسناد حديث أنس في البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة

قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].

وهو ابن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان بلدة أو قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وليس في رجال الكتب الستة من يسمى قتيبة سواه، فهو من الأسماء المفردة التي لم تتكرر التسمية بها، أو لم تتعدد التسمية بها.

[حدثنا أبو عوانة].

هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو عوانة، واسمه الوضاح، وأبو عوانة هذا متقدم من طبقة شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهناك شخص آخر مشهور بهذه الكنية وهو أبو عوانة صاحب المستخرج على صحيح مسلم، ويقال لكتابه: صحيح أبي عوانة، ويقال له: مستخرج أبي عوانة، ويقال له: مسند أبي عوانة، وهذا الذي معنا متقدم، وأما ذاك فهو متأخر، استخرج على مسلم، حيث يأتي بأحاديث مسلم بأسانيد يلتقي فيها مع مسلم في شيخه أو من فوق شيخه، ولا يمر على مسلم ؛ لأن هذا هو شأن المستخرج أن يروي أحاديث الكتاب بأسانيد لا يمر بها على صاحب الكتاب، وإنما يلتقي معه في شيخه أو شيخ شيخه أو من فوق ذلك، فهذا هو المستخرج.

وأبو عوانة المتأخر هو صاحب هذا الكتاب، وأما أبو عوانة المتقدم فهو الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي.

[عن قتادة].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن أنس].

هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، خدمه عشر سنين منذ أن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إلى أن توفاه الله، وعاش عمراً طويلاً حتى أدركه صغار التابعين، ورووا عنه، وهو مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:

والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر

وأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبي

وهذا الإسناد رباعي، من الأسانيد الرباعية التي هي أعلى الأسانيد عند النسائي، ليس عند النسائي أعلى من الرباعيات، وكما ذكرت مراراً أن أصحاب الكتب الستة ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، وثلاثة منهم أعلى ما عندهم الرباعيات، فالذين عندهم الثلاثيات: البخاري، عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية بإسناد واحد، والثلاثة الباقون وهم مسلم، وأبو داود، والنسائي ليس عندهم شيء من الثلاثيات، بل أعلى ما عندهم الرباعيات، يكون بين الرسول صلى الله عليه وسلم، وبينهم أربعة أشخاص، وهذا الحديث من هذا القبيل؛ لأنه من رواية قتيبة عن أبي عوانة عن قتادة عن أنس، فهؤلاء أربعة هم رجال الإسناد بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً هؤلاء الأربعة حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أنس في البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري حدثنا سفيان عن أيوب عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فافتتحوا بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2])].

ثم أورد النسائي حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وهو أنه قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر، فكانوا يستفتحون القراءة بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2])، الحمد على الحكاية، الحمدُ إذا جاءت مرفوعة فالمقصود بها على الحكاية، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، هذا هو أول الفاتحة، فيأتي الحرف الجر، ويأتي.. ويبقى اللفظ على ما هو عليه على الحكاية، يعني: حكاية اللفظ كما جاء، مثلما يقال: سورة المؤمنون، لأنها: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]، وسورة المنافقون: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ [المنافقون:1]، يعني: على الحكاية، وإلا بالنسبة للإضافة ... سورة المنافقين أو سورة المؤمنين، لكن إذا جاءت سورة المؤمنون فهي على الحكاية، وكذلك هنا الحمد، إذا جاءت الدال مرفوعة فهو على الحكاية، حكاية اللفظ أو حكاية صيغة الآية، حيث جاءت وهي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].

وهو مثل الذي قبله، وهو رواية، يعني: هو الحديث الذي قبله إلا أنه من طريق أخرى.

تراجم رجال إسناد حديث أنس في البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد].

وهو: عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن مسور بن مخرمة الزهري، وهو صدوق خرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة.

[حدثنا سفيان].

سفيان، وهو ابن عيينة، وسفيان بن عيينة ثقة حجة إمام، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن أيوب].

وهو ابن أبي تميمية كيسان السختياني، وهو ثقة، ثبت، حجة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن قتادة عن أنس].

قتادة عن أنس، قد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.

هذا إسناد خماسي، عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري يروي عن سفيان بن عيينة، وسفيان بن عيينة يروي عن أيوب السختياني، وأيوب السختياني يروي عن قتادة، وقتادة يروي عن أنس فهو خماسي، يعني: أنزل من الإسناد الذي قبله؛ لأن فيه زيادة رجل، والإسناد الذي قبله أربعة، وهذا خمسة.

قراءة بسم الله الرحمن الرحيم

شرح حديث أنس في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم أول السورة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قراءة بسم الله الرحمن الرحيم.

أخبرنا علي بن حجر حدثنا علي بن مسهر عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (بينما ذات يوم بين أظهرنا -يريد النبي صلى الله عليه وسلم- إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا له: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت علي آنفا سورة: بسم الله الرحمن الرحيم، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]، ثم قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة آنيته أكثر من عدد الكواكب، ترده علي أمتي فيختلج العبد منهم فأقول: يا رب، إنه من أمتي، فيقول لي: إنك لا تدري ما أحدث بعدك)].

ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، يعني: مع السورة، وأنها جزء منها، وقد أورد النسائي في ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة)، يعني: النوم القليل، وكان يوحى إليه عليه الصلاة والسلام، فلما تنبه تبسم، فسألوه عن تبسمه، (فقالوا: ما أضحكك يا رسول الله)؟ ما الذي أضحكك؟ (فقال: أنزل علي آنفاً سورة: بسم الله الرحمن الرحيم، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]، فهو قال: (سورة)، ثم قال: (بسم الله الرحمن الرحيم)، فجعل البسملة من السورة، وهذا يدلنا على أنها من السورة؛ لأنه قال: سورة بسم الله الرحمن الرحيم، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، يعني: هذا هو الذي قرأه وأنزل عليه، وكان من جملة ذلك: بسم الله الرحمن الرحيم، فقرأها كما قرأ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، وما بعدها.

إذاً: هذا يدل على أن البسملة تقرأ كما يُقرأ الذي بعدها، كما تقرأ السورة بأكملها تقرأ البسملة في أولها، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث في هذه الترجمة.

ثم إنه قال: (أتدرون ما الكوثر)؟ يعني: هذا الذي جاء في هذه الآية، أوفي هذه السورة: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، قال: (أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: نهر وعدنيه ربي في الجنة.. نهر)؟

(نهر وعدنيه ربي في الجنة، آنيته أكثر من عدد الكواكب)، وفي هذا أن السنة تبين القرآن وتوضحه وتدل عليه؛ لأن الكوثر جاء ذكره في هذه السورة في القرآن، والسنة بينت المراد به، وأنه نهر في الجنة، وعده الله عز وجل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، آنيته عدد الكواكب لكثرتها، ثم قال: ترد..؟

(ترده علي أمتي فيختلج العبد منهم فأقول: إنه من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدث بعدك)، أي: العبد، ثم ما جاء في الحديث: (نهر وعدنيه ربي في الجنة ترده أمتي فيختلج منه العبد)، المعلوم أن من يدخل الجنة فإنه يشرب ويتمتع بما فيها، ويتنعم بما فيها، ولا يذاد عنه أحد، ولا يمنع أحد من التنعم بالجنة، ويقال: (إنك لا تدري ما أحدث بعدك)، يعني: معنى هذا حرمان، ومن المعلوم أن هناك حوض تواترت به الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو قبل الجنة وقبل دخول الجنة، واختلف في مكانه، هل هو قبل الصراط أو بعد الصراط؟ والمشهور أنه قبل الصراط، والناس يخرجون من قبورهم عطاشاً، فيردون هذا الحوض، فيذاد عنه من يذاد، ويمنع من الشرب بسبب الإحداث الذي حصل منه في الدنيا كما جاء ذلك مبيناً في الحديث، فيقال: (إنك لا تدري ما أحدث بعدك).

وهذا الذي يحصل فيه المنع والاختلاج هو الحوض، وأما من دخل الجنة ووصل إلى الجنة، فإنه يتنعم بما فيها، ولكن المقصود بالمنع بسبب الإحداث، هو: الذي يكون قبل ذلك في عرصات القيامة قبل دخول الجنة، والحوض يصب ماؤه.. يأتي من الكوثر كما جاء ذلك مبيناً في بعض الأحاديث: (أنه يمده أو يمد بماء من الكوثر)، يعني: يصب في ذلك الحوض، فهذا هو الذي يحصل فيه الذيادة أو يذاد عنه، وإنما قيل: ترده، يعني: ترد ماءه، وماؤه يأتي إلى الحوض، فهذا هو وجه أو توضيح معنى هذا الحديث، ودفع ما قد يتوهم من الإشكال، وهو أنه كيف من يدخل الجنة والنهر في الجنة، وأن من دخله يذاد عنه؟ من دخل الجنة أو بعض من دخل الجنة يذادون عن الشرب بسبب الإحداث؟! المقصود به أن ذلك في الحوض الذي في عرصات القيامة، والذي يكون قبل دخول الجنة، ويمد من ذلك النهر الذي في الجنة، فهذا الذي يذاد عنه هو ماء ذلك الكوثر، لكنه يذاد عنه وهو ليس في الجنة، وإنما يذاد عن مائه الذي صب في الحوض، يذاد عن الحوض كما جاء ذلك واضحاً في الأحاديث الكثيرة: أنه ترد أمته على الحوض، وأنه يذاد أناس عنه، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، وفي بعض الروايات: أنه يعرفهم أنهم غر محجلين من أثر الوضوء، يعني: علامة أمته أنهم (غر محجلون من أثر الوضوء)، وهذا هو معنى الحديث.

وفي هذا الحديث دلالة على إكرام الله عز وجل لرسوله بأن أعطاه ذلك النهر العظيم الذي في الجنة، وامتن عليه به، وأخبر عن هذه المنة بقوله: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3].

تراجم رجال إسناد حديث أنس في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: [أخبرنا علي بن حجر].

وهو ابن إياس السعدي المروزي، ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .

قوله: [حدثنا علي بن مسهر] وهو ثقة، له غرائب بعدما أضر، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن المختار بن فلفل].

خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

[عن أنس].

أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكره قريباً.

وهذا الإسناد رجاله أربعة، علي بن حجر، وعلي بن مسهر، والمختار بن فلفل، وأنس بن مالك، هؤلاء أربعة، فهو إسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي.

شرح حديث نعيم المجمر في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب حدثنا الليث حدثنا خالد عن أبي هلال عن نعيم المجمر قال: (صليت وراء أبي هريرة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقال: آمين، فقال الناس: آمين، ويقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال: الله أكبر، وإذا سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم)].

أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنه صلى، وكان مما فعله في صلاته أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ الفاتحة، ولما فرغ قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يشعر بأنه مرفوع، لأن قوله: إني أشبهكم صلاة برسول الله عليه الصلاة والسلام، يفيد بأنه مرفوع، والمقصود من ذلك هذه الأفعال التي فعلها.. ماذا قال في الأول؟ قال: صليت؟

عن نعيم المجمر قال: (صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن..).

(فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم)، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة، وهي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، (فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بفاتحة الكتاب، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]).

قال: [حتى إذا بلغ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقال: آمين، فقال الناس: آمين].

ثم لما بلغ: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقال: آمين، هو، فقال الناس: آمين). وهو يفيد بأن الإمام يؤمن عند قراءة الفاتحة، إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، وقد مر ذلك في أحاديث عديدة أن الإمام يؤمن عندما ينتهي من قراءة الفاتحة، وكذلك المأمومون يؤمنون.

(ويقول كلما سجد: الله أكبر)، يعني: عند كل سجود يقول: الله أكبر.

(وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال: الله أكبر)، والحديث جاء أنه يكبر عند كل خفض ورفع يقول: الله أكبر، إلا عند القيام من الركوع فيقول: سمع الله لمن حمده، وإلا فجميع التنقلات في الصلاة من خفض ورفع، كل ذلك يكون عند الانتقال الله أكبر، عند الانتقال من فعل إلى فعل يقول: الله أكبر، إلا عند القيام من الركوع فإنه يقول: سمع الله لمن حمده ولا يقول: الله أكبر.

[وإذا سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم].

عندما يسلم قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يفيد بأنه مرفوع، وأنه مسند إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا العمل الذي عمله أبو هريرة، وبعض العلماء يقول.. الذين لا يقولون بالجهر بالبسملة يقولون: إن قوله: أشبهكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلزم منه أن يكون جميع ما ورد في هذا الفعل، أو في هذه الصلاة، أنه يكون فيه موافقاً لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد جاء أحاديث تدل على أنه لا يجهر أو أنه لا يأتي أو لا يسمعهم بسم الله الرحمن الرحيم في الصلوات الجهرية، وإنما يبدأ بالحمد لله رب العالمين، لا يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، لا قبل الفاتحة ولا بعدها، يعني: في السور التي يقرؤها بعد الفاتحة، وأولها بسم الله الرحمن الرحيم، فإنه لا يجهر بها.

ومن العلماء من تكلم في إسناد هذا الحديث، والشيخ الألباني ذكره ضمن الضعيفة وقال: إنه ضعيف الإسناد.

تراجم رجال إسناد حديث نعيم المجمر في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم].

هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.

[عن شعيب].

وهو ابن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، نبيل، فقيه، قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: ثقة، نبيل، فقيه، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.

[حدثنا الليث]

هو الليث بن سعد، عن والده الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، مشهور بالحديث، والفقه، وهو فقيه مصر، ومحدثها في زمانه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا خالد].

وهو خالد بن يزيد الجمحي المصري هو أبو عبد الرحيم المكي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي هلال].

هنا أبو هلال لم أجد في آخر التقريب في الكنى من يكنى بأبي هلال، لكن المزي في تحفة الأشراف عندما ذكر هذا الحديث وهو من أفراد النسائي، مما انفرد به النسائي قال: رواه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب بن الليث عن أبيه عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال، فـسعيد بن أبي هلال هو مصري أيضاً، وهو صدوق خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، فجاء عند بعض العلماء: أنه اختلط.

[عن نعيم المجمر].

وهو نعيم بن عبد الله المجمر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي هريرة].

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، ولا أدري وجه ضعف إسناده عند الشيخ ناصر إلا أن يكون ذلك يتعلق بـسعيد بن أبي هلال، هذا الذي هو قال عنه بعض العلماء: أنه اختلط، ومن المعلوم أن المختلط روايته ما كان مسموعاً منه قبل الاختلاط هذا لا يؤثر، وما كان مسموعاً منه بعد الاختلاط هذا هو الذي يؤثر على الإسناد، فلا أدري وجه تضعيف الشيخ ناصر له إلا أن يكون هذا.

الأسئلة

حكم حداد المرأة على زوجها الذي لم يدخل بها

السؤال: رجل عقد على امرأة، وتوفي الرجل قبل أن يدخل بها، فهل يجب عليها الحداد، مع العلم أن المرأة طالبة، فإذا كان عليها حداد هل تترك الدراسة وتحد على زوجها، ولو ترتب على ذلك فصلها من الدراسة؟

الجواب: أما قضية الإحداد أربعة أشهر وعشر، وقد جاء في الحديث أن المرأة إذا توفي عنها زوجها قبل أن يدخل بها فعليها العدة ولها الميراث؛ لأنها تعتبر زوجة، وأيضاً تعتد وتحد وقت العدة التي هي أربعة أشهر وعشر، هذه العدة كما هو معلوم في حال الوفاة، أما المطلقة قبل الدخول بها فإنه لا عدة عليها، أما قضية أن كونها طالبة، وكونها تذهب للدراسة، لا أستطيع أن أقول فيها شيء، والله تعالى أعلم.

دجل القرامطة في تفسير بعض الآيات من سورتي الكوثر والرحمن

السؤال: ما مدى صحة تفسير من فسر الكوثر بـفاطمة وعلي وذريتهما؟

الجواب: هذا من جملة تفسيرات القرامطة الذين يفسرون القرآن بمثل هذا الكلام، مثلما ذكر عن الباطنية أنهم يفسرون قوله عز وجل: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ [الرحمن:19] .. يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22]، قال: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ [الرحمن:19]، علي وفاطمة، يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22] الحسن والحسين، هذا تلاعب بكتاب الله، فكذلك تفسير الكوثر، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنه نهر وعدنيه ربي) إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1].

وجه كون البسملة معدودة ضمن آيات الفاتحة دون غيرها

السؤال: لماذا كانت البسملة معدودة في آيات سورة الفاتحة وغير معدودة في السور الأخرى؟

الجواب: ما ندري عن وجه يعني كونها معدودة في الفاتحة دون غيرها، لا أدري وجه ذلك.

حكم طاعة المرأة زوجها في شيء ترى خلافه

السؤال: يا شيخ، أثابكم الله، أنا طالب علم، وزوجتي طالبة علم، وهناك بعض المسائل مختلف فيها بين العلماء بين الإباحة والكراهة، والأحوط والأورع لطالب العلم وطالبة العلم أن يتركا الشبهات، فإذا اختلفت أنا وزوجتي أنا أرى الكراهة وهي ترى الإباحة في مسألة معينة، فهل عليها أن تطيعني في ذلك؟ وهل تأثم إذا لم تطعنِ في ذلك؟

الجواب: أولاً: التمثيل، ما عرفنا مثالاً حتى نستطيع أن نتبين الأمر في المسألة المختلف فيها، لكن الطريقة المثلى في مثل هذا إذا اختلفوا يرجعون إلى من يكون عنده علم ليبين لهم.

وصل الصفوف في صلاة الجنازة

السؤال: هل يجب وصل الصفوف في صلاة الجنازة؟

الجواب: نعم، الصفوف توصل في صلاة الجنازة وفي غيرها، إلا أن صلاة الجنازة كما هو معلوم قد تكون صف واحد، يعني: ما فيه إلا صفاً واحداً يكون ثلاثة صفوف، وأما الوصل فتوصل ما تكون متقطعة، الناس يصلون الصفوف.

قول المأمومين آمين بعد قول الإمام آمين

السؤال: هل يدل حديث أبي هريرة رضي الله عنه على أن المأمومين يقولون: آمين بعد قول الإمام: آمين؟

الجواب: نعم، هو وغيره، جاءت أحاديث كثيرة غير حديث أبي هريرة يدل على هذا، لكن غيره من الأحاديث كذلك يدل عليه، يعني جاء: (وإذا أمن فأمنوا)، (إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين)، أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحة في هذا، وقد مر بنا جملة منها.

صلاة المسافر بعد المقيم

السؤال: أنا مسافر، لو أدركت الصلاة والناس في الركعة الثالثة من صلاة الظهر، فصليت معهم ركعتين ثم سلمت وذلك؛ لأن الله شرع للمسافر ركعتين؟

الجواب: الواجب على الإنسان المسافر إذا صلى مع إمام مقيم أن يصلي بصلاة الإمام المقيم، وأنه يصلي أربعاً، ولا يجوز له أن يصلي ركعتين فقط؛ لأنه جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل فقيل له: (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين وإذا صلى مع إمام مقيم صلى أربعاً؟! فقال: تلك السنة)، يعني: هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، أو المسافرون إذا صلوا مع بعض صلوا ركعتين، وإذا صلوا وراء إمام مقيم فإنهم يتمون، بل لو أدرك آخر الصلاة فإنه إذا قام يقضي مقدار الصلاة الذي صلاها ذلك الإمام المتم وهي أربع ركعات، لو دخل معه قبل السلام في التشهد، ثم قام يقضي، فإنه يصلي أربعاً، هذه هي السنة كما جاء عن ابن عباس، (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، وإذا صلى مع إمام مقيم صلى أربعاً؟ فقال: تلك السنة). يعني: هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، الصحابي إذا قال: السنة، يعني سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.

ومن المعلوم أن الإنسان المسافر إذا صلى خلف مقيم قد يكون أدرك الصلاة كلها، وقد يكون أدرك بعضها، فمعناه صلاته صلاة المقيم، فإنه يفعل كما يفعل المقيم، ليس معناه إذا جاء وهو في آخر الصلاة معه يصلي ركعتين، أو إذا جاء وهو يصلي باقي عليه ثلاث يصلي ركعتين ويجلس، لا، وإنما يصلي بصلاته ويقضي ما فاته.

مدى دلالة حديث أبي هريرة الأخير على الجهر بالبسملة

السؤال: هل يمكن أن يقال في حديث أبي هريرة الأخير: إن السنة جاءت بالجهر بالبسملة والإسرار جمعاً بين الأدلة خاصة إذا صح الحديث؟

الجواب: نعم، إذا صح الحديث يمكن أن يقال: إنه يجهر بها في بعض الأحيان.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الافتتاح - باب البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة - باب قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net