إسلام ويب

بيّن الشرع الحكيم وقت صلاة العشاء وأنها في وقت متأخر من الليل، ثم بعد ذلك خفف على هذه الأمة ورفع عنها المشقة.

آخر وقت العشاء

شرح حديث عائشة في آخر وقت العشاء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [آخر وقت العشاء.

أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا ابن حمير حدثنا ابن أبي عبلة عن الزهري وأخبرني عمرو بن عثمان حدثني أبي عن شعيب عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: (أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعتمة، فناداه عمر رضي الله عنه: نام النساء والصبيان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما ينتظرها غيركم، ولم يكن يصلى يومئذ إلا بالمدينة، ثم قال: صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل)، واللفظ لـابن حمير].

هنا أورد النسائي رحمه الله: باب: آخر وقت العشاء.

هذه الترجمة هي كالتراجم السابقة بالنسبة لأوقات الصلوات، يذكر النسائي أول الوقت وآخره، وكذلك ما يتعلق بالتعجيل، وما يتعلق بالتأخير إذا كان هناك تأخير، كما في صلاة العشاء التي سبق أن مر الباب الذي فيه استحباب تأخيرها، حيث لا يكون هناك مشقة، وهنا قال: (باب: آخر وقت العشاء)؛ لأنه يترجم لأول الوقت ولآخر الوقت، وقد أورد النسائي رحمه الله تحت هذه الترجمة عدة أحاديث.

أولها: حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أعتم ليلة بالعتمة -والعتمة هي العشاء-).

قوله: (أعتم ليلة) يعني: أخرها عن أول وقتها إلى آخر وقتها، أو إلى قريب من آخر وقتها، حيث جاء في هذا الحديث أنه أخرها إلى ثلث الليل، يعني: بعد أن مضى ثلث الليل صلاها رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولما أعتم بالصلاة؛ أي: أخرها، ونام النساء والصبيان نادى عمر رسول الله عليه الصلاة والسلام وطلب منه أن يصلي، وأخبره بأن النساء والصبيان ناموا، فالرسول عليه الصلاة والسلام خرج إليهم وصلى بهم، فقال: (ما ينتظرها غيركم) أي: هذا شرف لكم؛ يعني: كونكم أنتم الذين تنتظرون الصلاة، ولازلتم في صلاة ما انتظرتم الصلاة، ففي ذلك فضل، وفي ذلك زيادة أجر؛ لأن المصلي إذا جاء إلى المسجد وجلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما انتظر الصلاة، ففي ذلك فضل له، وفي ذلك أجر عظيم له، وفيه زيادة في الأجر، حيث أن كل وقت يمضي عليه وهو ينتظر الصلاة فهو في صلاة، أي: أنه مأجور كما أنه يكون مأجوراً إذا كان في الصلاة.

وقوله: (نام النساء والصبيان) يحتمل أن يكون المراد أنهم كانوا موجودين في المسجد، ويحتمل أن يكونوا في البيوت، ومن المعلوم: أنه قد جاء في بعض الأحاديث: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدخل في الصلاة يريد أن يطول بها، ثم يسمع بكاء الصبي الذي حضر مع أمه إلى المسجد، فيخفف الصلاة شفقة على أمه )؛ حتى لا تنشغل به، وحتى لا يحصل لها تشويش في صلاتها بسبب بكاء طفلها، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يدخل في الصلاة يريد التطويل، ثم يسمع بكاء الصبي فيخفف خوفاً على أمه، وشفقة على أمه عليه الصلاة والسلام، فيحتمل أن يكون النساء والصبيان جاءوا إلى المسجد، ويحتمل أن يكونوا في البيوت والنساء ينتظرن أزواجهن، والصبيان ينتظرون آباءهم، ويحتمل أن يكون الجميع مقصوداً؛ بحيث يكون من كان في المسجد من النساء والصبيان حصل لهم النوم، ومن كان في البيوت أيضاً من النساء والصبيان يكون حصل لهم النوم؛ لأنه مضى وقت طويل من الليل.

وقوله: (نام النساء والصبيان) يعني: يريد من الرسول صلى الله عليه وسلم أن تحصل منه الصلاة؛ لأنه قد حصل النوم للنساء والصبيان، بل قد جاء في بعض الأحاديث: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخر الصلاة قال -في الحديث- نمنا ثم قمنا، ثم نمنا ثم قمنا )؛ يعني: أنه يحصل حتى من الكبار، فيحصل لهم النوم وهم ينتظرون الصلاة.

وقوله: (صلوها فيما أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل).

هنا أرشد عليه الصلاة والسلام إلى وقتها، فقال: (صلوها فيما أن يغيب الشفق)؛ الذي هو بداية وقت صلاة العشاء، ثم قال: (إلى ثلث الليل)، وقد جاء في أحاديث أخرى صحيحة أن وقت صلاة العشاء يمتد إلى نصف الليل، فتكون النهاية هي نصف الليل، أي: نهاية الوقت الاختياري، أما الوقت الاضطراري فإنه يستمر بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في آخر وقت العشاء

قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].

هو الحمصي، وهو صدوق، وخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

[حدثنا ابن حمير].

هو محمد ، وهو أيضاً صدوق، خرج له البخاري في صحيحه، وأبو داود في كتاب المراسيل، والنسائي .

[ابن أبي عبلة].

هو شمر بن يقظان بن أبي عبلة الشامي، وهو ثقة، وخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[عن الزهري].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو مشهور بنسبته إلى جده زهرة بن كلاب أخو قصي بن كلاب، يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب، فـقصي وزهرة أخوان، فهو ينسب إلى جده زهرة بن كلاب فيقال له: الزهري، ويقال له: ابن شهاب نسبة إلى جده شهاب، وهو مشهور بهاتين النسبتين؛ إلى جده زهرة، وإلى جده كلاب، وهو إمام، محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[أخبرني عمرو بن عثمان].

عمرو بن عثمان هذه طريق أخرى، وإسناد آخر، فـعمرو بن عثمان هو شيخه في الإسناد الأول.

[حدثني أبي]

هو عثمان بن سعيد بن كثير، وهو ثقة، عابد، وخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه؛ يعني: مثل ابنه، فالذين رووا عنه هم الذين رووا عن ابنه عمرو بن عثمان.

[عن شعيب].

هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، ثبت، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن الزهري].

وهنا يلتقي الإسنادان؛ يعني: بـالزهري.

[عن عروة].

هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والفقهاء السبعة في المدينة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير هذا، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أو سالم بن عبد الله بن عمر، السابع فيه ثلاثة أقوال، والستة الأولون متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وإنما الخلاف في السابع، وعروة بن الزبير الذي معنا هو أحد هؤلاء الفقهاء السبعة.

وقد ذكر ابن القيم في كتابه: (إعلام الموقعين) -في أوله- العلماء المعروفين بالفقه، والذين يرجع إليهم بالفتوى في البلاد المختلفة في عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولما جاء عند ذكر المدينة وجاء إلى عصر التابعين ذكر أن من الفقهاء فيها في عصر التابعين هؤلاء الفقهاء السبعة الذين اشتهروا بهذا الوصف، ويأتي ذكرهم بهذا الوصف في بعض المسائل، فيقال: هذه مسألة قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، الأئمة الأربعة يعني: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والفقهاء السبعة الذين هم هؤلاء، وقد ذكر ابن القيم بيتين من الشعر، اشتمل البيت الثاني على هؤلاء السبعة، حيث قال:

إذا قيل من في العلم سبعة أبحرروايتهم ليست عن العلم خارجة

فقل هم عبيد الله عروة قاسمسعيد أبو بكر سليمان خارجة

فذكر أسماءهم في البيت الثاني، وعد السابع: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهذا -كما ذكرت- أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، فمن العلماء من جعل السابع: أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ومنهم من جعل السابع: أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، ومنهم من جعل السابع: سالم بن عبد الله بن عمر، وقد ذكر ذلك العلماء في المصطلح، يعني: هؤلاء الفقهاء نصوا عليهم في المصطلح، وقد ذكرهم ابن الصلاح في مقدمته، وذكر الفقهاء السبعة والمختلف فيهم، وكذلك ذكرهم غيره، وهم قد اشتهروا بهذا الوصف الذي هو الفقهاء السبعة.

قوله: [عن عائشة].

يروي خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هي المرأة الوحيدة من الصحابيات التي روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدوها ضمن السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته حيث قال:

والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر

وأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبي

فزوجة النبي عليه الصلاة والسلام المقصود بها: عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وسبعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ستة من الرجال وواحدة من النساء، زادت أحاديثهم على ألف حديث.

شرح حديث: (أعتم رسول الله ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل... وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج قال ابن جريج ح وأخبرني يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني المغيرة بن حكيم عن أم كلثوم بنت أبي بكر : أنها أخبرته عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى، وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)].

ثم أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتم بالعشاء حتى ذهب عامة الليل )، أي: ذهب معظمه، ويحتمل أن يكون المقصود منه النصف فما دون، ويحتمل أن يكون فيه زيادة، لكن الأحاديث المختلفة جاءت بالتحديد بالنصف، ومنها ما كان فيه التحديد بالثلث، وحديث عائشة رضي الله عنها جاء في بعض الروايات، وهي الروايات المتقدمة أنه إلى ثلث الليل، وهنا قال: (عامة الليل)، فيكون الحد الذي ثبت بالنص هو النصف، فيحمل أن يكون عامته، يعني: الكثير منه، ويحتمل أن يكون فيه زيادة، لكن الحديث روي بألفاظ مختلفة، وفي بعض الألفاظ التنصيص على الزمن وأنه الثلث، وهي الرواية السابقة التي قبل هذه.

إذاً: فالحديث دال على ما ترجم له من تأخير صلاة العشاء، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخرها، وكان يستحب تأخيرها، لولا ما يخشاه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه من المشقة على أمته.

تراجم رجال إسناد حديث: (أعتم رسول الله ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل... وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)

قوله: [أخبرني إبراهيم بن الحسن].

هو أبو الحسن المصيصي، وهو ثقة، وخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في التفسير، وهكذا هو موجود في النسخة المصرية، لكن الموجود في تهذيب الكمال هو ذكر أبي داود، والنسائي فقط، وصاحب تهذيب الكمال ينص على من خرج لهم بالأسماء، ولم يذكر فيه ابن ماجه في التفسير، فلا أدري هل هذه الزيادة التي هي ابن ماجه في التفسير خطأ؟ وأن الواقع هو ما جاء في تهذيب الكمال؟ أو أن ذلك صحيح، وأنه مما أضافه ابن حجر على ما في تهذيب الكمال؟ فلا ندري ما هي الحقيقة، ولكن الأمر في ذلك سهل، فـابن ماجه في السنن لم يرو له، وإنما الشأن هل روى له في كتاب التفسير أو لم يرو له؟ أما في السنن فإنه -ابن ماجه- لم يخرج له شيئاً، الذي هو إبراهيم بن الحسن المصيصي أبو الحسن، وكنيته توافق اسمه أبيه، وهذا من أنواع علوم الحديث الذي سبق أن نبهت فيها على أن معرفة ذلك له فائدة، وهي دفع توهم التصحيف فيما إذا ذكر بنسبه فيقال: ابن، أو ذكر في كنيته فيقال: أب؛ لأنه صواب، سواء قيل: إبراهيم أبو الحسن، أو قيل: إبراهيم بن الحسن، الكنية توافق اسم الأب، فهذا نوع من أنواع علوم الحديث، فائدة معرفته دفع توهم التصحيف؛ لأن أبو مصحف عن ابن، أو ابن مصحف عن أب.

[حدثنا حجاج].

هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، ثبت، وخرج له أصحاب الكتب الستة.

[قال ابن جريج].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ح وأخبرني يوسف بن سعيد].

يوسف بن سعيد، وهو أيضاً مصيصي، وهو ثقة، حافظ، وخرج حديثه النسائي وحده.

[حدثنا حجاج].

وهو الذي في الطريق الأولى: حجاج بن محمد المصيصي .

[أخبرني المغيرة بن حكيم].

هو المغيرة بن حكيم الصنعاني، وهو ثقة، وخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، والترمذي، والنسائي.

[عن أم كلثوم بنت أبي بكر].

هي أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وقيل عنها: أنها توفي أبوها وهي حمل، يعني: وهي في بطن أمها، وهي ثقة، وخرج حديثها البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وابن ماجه، والنسائي .

[عن عائشة].

هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها في الإسناد الذي قبل هذا.

شرح حديث ابن عمر في آخر وقت العشاء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا جرير عن منصور عن الحكم عن نافع عن ابن عمر أنه قال: (مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشاء الآخرة، فخرج علينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فقال حين خرج: إنكم تنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم، ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة، ثم أمر المؤذن فأقام، ثم صلى)].

ثم أورد النسائي رحمه الله حديث: عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو بمعنى حديث عائشة المتقدم: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء ليلة حتى ذهب ثلث الليل أو بعده، ثم خرج إليهم وقال: ما ينتظرها أحد سواكم، وأمر المؤذن فأقام، ثم صلى بالناس ) فهو دال على تأخير صلاة العشاء، ولكن آخر الوقت المختار ليس هو الثلث، بل هو إلى النصف.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في آخر وقت العشاء

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].

هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه ، وهو ثقة، ثبت، فقيه، محدث، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من القلائل الذين وصفوا بهذا الوصف، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.

[أنبأنا جرير].

هو ابن عبد الحميد الضبي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن منصور].

هو ابن المعتمر، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن الحكم].

هو ابن عتيبة، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.

[عن نافع] .

هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن عمر].

ابن عمر هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

إذاً: فهؤلاء الذين هم رواة هذا الإسناد كلهم خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ النسائي: إسحاق بن راهويه، فإنه لم يخرج له ابن ماجه، وأما الباقون فكلهم خرج له في الكتب الستة.

شرح حديث أبي سعيد في آخر وقت العشاء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن موسى حدثنا عبد الوارث حدثنا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب، ثم لم يخرج إلينا حتى ذهب شطر الليل، فخرج فصلى بهم، ثم قال: إن الناس قد صلوا وناموا، وأنتم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة، ولولا ضعف الضعيف، وسقم السقيم، لأمرت بهذه الصلاة أن تؤخر إلى شطر الليل)].

هنا أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو بمعنى ما تقدم من الأحاديث، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تأخر وخرج إليهم وقال: (ولولا ضعف الضعيف، وسقم السقيم، لأمرت بهذه الصلاة أن تؤخر إلى شطر الليل)؛ يعني: إلى نصفه، فهو بمعنى الأحاديث المتقدمة، وهو دال على ما ترجم له النسائي .

تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في آخر وقت العشاء

قوله: [أخبرنا عمران بن موسى].

هو الفزاري البصري، وهو صدوق، وخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له أبو داود، والبخاري، ومسلم.

[حدثنا عبد الوارث].

هو ابن سعيد، وهو ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا داود].

هو داود بن أبي هند، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن أبي نضرة].

هو المنذر بن مالك، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن أبي سعيد الخدري].

هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين مر ذكرهم عند ذكر عائشة، وعند ذكر ابن عمر.

شرح حديث أنس في آخر وقت العشاء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل ح وأنبأنا محمد بن المثنى حدثنا خالد حدثنا حميد قال: (سئل أنس: هل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً؟ قال: نعم، أخر ليلة صلاة العشاء الآخرة إلى قريب من شطر الليل، فلما أن صلى أقبل النبي صلى الله عليه وسلم علينا بوجهه، ثم قال: إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها، قال أنس: كأني أنظر إلى وبيص خاتمه. في حديث علي: إلى شطر الليل )].

ثم أورد النسائي حديث: أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه سئل: ( هل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً؟ فقال: نعم )، وأورد الحالة التي شاهد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وقد لبس الخاتم، فقال: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالناس صلاة العشاء الآخرة، إلى قريب من شطر الليل، ثم خرج وصلى بهم، ولما انصرف إلى الناس بعد الصلاة قال أنس : كأني أنظر إلى وبيص خاتمه)، يعني: بعدما صلوا العشاء، وانصرف إلى الناس بوجهه، كان يرى خاتمه بيده صلى الله عليه وسلم، ويقول: (كأني أنظر إلى وبيص خاتمه)، والوبيص هو البريق واللمعان، وقوله: (وبيصه) يعني: بريقه ولمعانه، فأجاب بقوله: (نعم)، وذكر الهيئة التي شاهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد لبس الخاتم، حيث كان شاهده بعد فراغه من صلاة العشاء التي أخر تلك الصلاة، وبعد انصرافه رأى خاتمه بيده وله وبيص، أي: بريق ولمعان.

قوله -في حديث علي- : (إلى شطر الليل)، والحديث الذي قبله قال: (إلى قريب من شطر الليل).

هذه رواية الشيخ الثاني، وهو: محمد بن المثنى؛ يعني: هذا اللفظ الذي هو: (إلى قريب من شطر الليل)، فهذا لفظ محمد بن المثنى، شيخه الثاني، وأما شيخه الأول علي بن حجر فلفظه: (إلى نصف الليل) أي: قريب من نصف الليل، يعني: فاللفظان مختلفان: لفظ علي : (شطر الليل)، ولفظ محمد بن المثنى : (قريب من نصف الليل).

تراجم رجال إسناد حديث أنس في آخر وقت العشاء

قوله: [أخبرنا علي بن حجر].

هو السعدي المروزي، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي .

[حدثنا إسماعيل].

هو إسماعيل بن جعفر، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ح، وأنبأنا محمد بن المثنى].

وهو الملقب بـالزمن، وكنيته أبو موسى، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

وسبق أن ذكرت أن ثلاثة من المحدثين وهم: محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي هؤلاء شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وكان وفاة الثلاثة جميعاً في سنة واحدة، وهي سنة (252هـ)؛ أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.

[حدثنا خالد].

هو خالد بن الحارث، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا حميد].

هو ابن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أنس بن مالك]

أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة الذين عمروا، وحصل النفع بعلمهم، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن أنس وعن الصحابة أجمعين.

الأسئلة

حكم تأخير التسبيح الذي بعد الفريضة إلى ما بعد النافلة

السؤال: هل يصح للإنسان أن يؤخر التسبيح الذي يقال بعد الفريضة إلى بعد السنة الراتبة؟

الجواب: لا؛ لأن التسبيح هو تابع للصلاة، ويؤتى به دبر الصلاة، وليس للإنسان أن يؤخره إلى ما بعد النافلة، وإنما يأتي به في موطنه، ثم يأتي بالنافلة، لكن إذا كان هناك مثلاً صلاة تفوت، مثل صلاة الجنازة، ولم يفعل ذلك، فإنه يصلي على الجنازة، ثم يأتي بالتسبيح، أما كونه يقوم يتنفل، ثم يأتي بالتسبيح، فهذا إتيان به في غير موطنه، وعلى الإنسان أن يأتي به في موضعه، وهو بعد الصلاة؛ لأن هذه أذكار بعد السلام -بعد الفراغ من الصلاة- وقبل أن يأتي الإنسان بالنوافل.

الفرق بين العقيدة والمنهج

السؤال: فضيلة الشيخ! هناك كلام يدور حول العقيدة والمنهج، فيقال: فلان معتقده صحيح، ومنهجه فيه انحراف، فهل هذا التقسيم صحيح؟ فإذا كان هناك فرق بين المعتقد والمنهج، فأرجو أن تبينوا لنا معنى منهج أهل السنة والجماعة، وفي أي شيء يتعلق؟

الجواب: المنهج كلمة عامة؛ تأتي ويراد بها العقيدة، أو الطريقة في العقيدة، أو المسلك في العقيدة، وتأتي ويراد بها ما هو أعم من ذلك، مثل الطريقة في عمل من الأعمال، مثل الدعوة، أو الطريقة في الدعوة هذا يقال له: منهج، فالمنهج أعم من العقيدة؛ لأن العقيدة يقال لها: منهج ومسلك، ويكون منهج أيضاً في غير العقيدة، فكلمة منهج أعم وأوسع من كلمة العقيدة.

الكلام في نعيم بن حماد المروزي

السؤال: ما حكم أهل الجرح والتعديل في الإمام الحافظ: أبي عبد الله نعيم بن حماد المروزي؟ وما رأيكم في كتاب الفتن الذي ألفه من ناحية الرجال؟

الجواب: كما هو معلوم فإن كتابه مبني على الأسانيد، ومادام أن الأسانيد موجودة فيحكم على الأحاديث باعتبار الأسانيد، و-كما هو معلوم- هو كغيره من الكتب التي تجمع الصحيح والضعيف، وأما نعيم بن حماد فهو من العلماء، وهو شيخ للبخاري .

أي: أخرج له البخاري، ومسلم في مقدمة الصحيح، فالرمز ميم قاف، المراد به: مسلم في مقدمة صحيحه، ورمز البخاري خاء ميم قاف.

اقتناء كتاب حلية طالب العلم

السؤال: بالنسبة لكتاب الشيخ بكر أبو زيد حلية طالب العلم، هل تنصحون به أم لا؟

الجواب: كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر أبو زيد هو كتاب مفيد، وكتابات الشيخ بكر أبو زيد مفيدة، وله عناية بالاطلاع على كلام العلماء والرجوع إلى المصادر، ومن المعلوم أن هذا من أهم ما يحتاج إليه طالب العلم؛ لأن الناس بحاجة إلى كلام العلماء، وطالب العلم إذا عني بكلام العلماء خدم طلبة العلم بأن جمع لهم المتناثر، وقرب لهم البعيد، وجعل كلام أهل العلم بين أيديهم، فجمع كلام أهل العلم في المسائل، أو في موضوعات معينة، وحصرها وجمع شتاتها، فهذا من أحوج ما يكون إليه، وهو خير من كلام الإنسان نفسه، فعندما يتكلم الإنسان بكلام من نفسه ينشئ خير منه وأفضل منه إذا عني بكلام العلماء وبين كلام العلماء، فالشيخ بكر أبو زيد عنده عناية في الاطلاع على كلام أهل العلم وعلى جمع شتاته، ووضعه في مكان واحد، فهو كتاب مفيد وكتاباته مفيدة، وطالب العلم عليه أن يحرص على أن يكون قدوة طيبة، وأن يكون مجداً في الطلب، وأن يكون مخلصاً في القصد، وأن يكون حافظاً للوقت، وأن يعنى بكثرة القراءة والمراجعة، وأن يحرص على معرفة كلام أهل العلم المعتبرين المعتد بهم، فهذه من جملة الآداب التي يتأدب بها، وعلى طالب العلم أن يحرص على أن يكون متأدباً بها.

السؤال: هل حلف الفضول منسوخ أم لا؟

الجواب: لا أدري، وليس عندي علم في هذا.

ما يترتب على من لم يبيت النية في الصيام

السؤال: شخص لم يبيت النية في الليل بالصيام، هل يقضي هذا اليوم؟

الجواب: ما هو الصيام، إذا كان نفلاً فلا يشترط تبييت النية، وإنما تبييت النية يكون بالفرض، سواء كان أداء أو قضاء، أداءً كأن يكون في أيام رمضان، أو قضاء إذا أراد أن يقضي أيام رمضان، فهذا لا بد من تبييت النية، ولا يكفي أن يصبح ولم يكن بيت النية، ولم يكن أكل شيئاً، فيقول: نويت الصيام، ويستمر ويقول: أنا صمت، فإن الفرض لا بد من تبييت النية؛ بحيث يكون من أول وقت الصيام إلى آخره، ولا يكون هناك جزء من اليوم ما حصلت فيه النية.

إذاً: فلابد من التبييت النية في الفرض قضاء وأداء، فإذا كان هذا قضاء لفرض ولم يبيت النية، وإنما طرأ عليه الصيام من أثناء النهار فلا يجزئه ذلك، بل عليه أن يقضي ذلك.

حكم لبس العمامة

السؤال: ما الحكم في الأشياء التي يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم من قبيل العادة كلبس العمامة؟

الجواب: لبس العمامة من هيئات لبسه عليه الصلاة والسلام، وكونه يكون عليه عمامة وهو يصلي هذا من الهيئة الكاملة، والإنسان عليه أن يكون على هيئة كاملة، لكنه لو صلى وليس على رأسه شيء فإن صلاته صحيحة وليس في ذلك شيء؛ لأنه ليس لازماً أن يكون الإنسان مغطياً رأسه، لكن الهيئة التي يكون عليها الإنسان ويعتبرها حالة كمال في غير الصلاة عليه أن يعنى بذلك في الصلاة من باب أولى.

الكتب التي يبدأ بها طالب علم الحديث

السؤال: ما هي أفضل الكتب التي ينبغي على طالب الحديث أن يقرأها؟ وبم تنصحه؟

الجواب: كتب الحديث كثيرة، مثل: الصحيحين، والسنن الأربعة، وكذلك المسانيد، والمصنفات، والمعاجم، فكل كتب الحديث على طالب العلم أن يحرص على اقتنائها، مادام أنها بالأسانيد وكلها فيها الأسانيد، الإنسان يحرص على اقتناء الكتب، وأهم ما يبدأ به هذه الكتب الستة، التي هي الصحيحان والسنن الأربعة.

حكم من نسي التشهد الأول

السؤال: شخص ما نسي التشهد الأول، ثم عند قربه من القيام ذكر فجلس فما الحكم؟

الجواب: إذا كان لم ينتصب قائماً ولم يدخل في الركعة التي بعدها، فإنه يجلس ويأتي به، أما إذا كان قام وانتصب قائماً ودخل في الركعة، فإنه يستمر في صلاته، ويجبر ذلك بسجود قبل السلام، كما جاء في حديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنه: حيث صلى ركعتين ثم قام، وقبل أن يسلم سجد سجدتين للسهو قبل السلام.

ما يلزم من أتم صيامه بعد قطع النية

السؤال: إذا بيت النية، ثم نوى قطعها في قضاء واجب، ثم أتم صيامه، فهل عليه شيء؟

الجواب: نوى قطعها متى؟ يعني: قبل الصيام أو بعد الدخول في الصيام؟ إذا كان بيت النية، ثم بيت قطعها؛ أي: كان يريد أن يصوم وبعد ذلك عزم على ألا يصوم، فكونه بيت أولاً في أول الليل قال: أنه سيصوم، ثم بعد ذلك طرأ عليه ألا يصوم، ثم نام واستيقظ بعدما طلع الفجر، فلا يقال: إنه بيت النية، لأنه قد نسخ التبييت؛ يعني: بالعزم على عدم الصيام، فلا يقال: إنه بيت النية، وإنما الذي يبيت النية هو الذي ينام ويستيقظ وقد دخل الوقت، فهذا هو الذي يواصل؛ لأنه مبيت للنية، أما من بيتها، ثم فسخها وألغاها ونام، فإنه نام غير مبيت للنية.

حكم قطع الصيام الواجب

السؤال: هل يأثم من أفطر وكان صائماً في واجب؟

الجواب: لا شك أن من دخل في واجب ثم قطعه، فإن قطعه لا يجوز، وإنما الذي يمكن قطعه هو النفل، والأولى ألا يقطع إلا بأمر يقتضي ذلك، أما بالنسبة للفرض فالإنسان إذا دخله لا يقطعه.

الفرق بين المحكم والمتشابه

السؤال: ما هو المحكم والمتشابه؟

الجواب: المحكم: هو الواضح البين الذي يتضح معناه ولا يخفى.

وأما المتشابه: فهو الذي لا يعلمه كثير من الناس، وإنما يعلمه من عنده فهم وعنده علم، ويكون من المتشابه أيضاً من لا يعلم ما لا يعلمه الناس، مثل الحروف المقطعة في أوائل السور، فإن هذه لا أحد يعلم معناها والمراد بها، إنما الله تعالى أعلم بمراده بها، لكن المتشابه يعلمه، أو يمكن أن يعلمه بعض أهل العلم، ولهذا جاء في القرآن: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران:7]، و(الراسخون في العلم) هذه يحتمل أن تكون معطوفة على لفظ الجلالة، وعلى هذا يكون من العلماء من يعلم المتشابه، ويحتمل أن تكون مقطوعة وأن تكون استئنافاً، وأنها ليست معطوفة على لفظ الجلالة، ويكون معناها أنهم لا يعلمون المتشابه، وإنما يقولون: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، ويؤمنون به، وإن لم يعرفوا معناه، أو يعرفوا حقيقته التي هو عليها، فالمتشابه منه ما يعلمه بعض أهل العلم، ومنه ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، وأما المحكم فهو الذي يعلمه الكثير من الناس.

حكم تلقين الميت عند الدفن

السؤال: ما حكم تلقين الميت بعد موته ودفنه فوق القبر؟

الجواب: ما ثبت في ذلك شيء، وإنما ورد فيه أحاديث ضعيفة، والتلقين إنما يكون قبل الموت؛ حيث هناك فائدة، كما جاء في الحديث: (لقنوا مواتكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة)، هذا هو الذي ينفعه التلقين؛ لأنه حتى يخرج من الدنيا بها، ولهذا قال: ( لقنوا مواتكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله ).

أما من مات وانتهى فإنه أقدم على ما قدم، والختام قد انتهى بالموت، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالخواتيم)، وهذا الحديث قال: (فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله)، آخر كلامه من الدنيا، وإذا مات قد انتهى من الدنيا، فتلقينه بعد الموت لا يصح، ولم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام التلقين بعد الموت، بل الثابت هو التلقين قبل الموت؛ لأن فيه فائدة؛ لأنه يخرج من الدنيا بكلمة الإخلاص، وهي التوحيد، يكون آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله.

حكم زيارة بعض المشاهد في مكة والمدينة

السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز للحاج أو المعتمر أن يزور بعض المشاهد في مكة والمدينة بقصد الرؤية فقط، لا بقصد العبادة؟ وهل تكون من البدعة أم لا؟ جزاكم الله خيراً.

الجواب: قضية كونه يذهب إلى قباء فهذه من الأمور التي تقصد تعبداً، لكن كونه يذهب إلى أحد، ويرى أحداً فلا بأس بذلك، لكن لا يكون قصده أنه يفعل أمراً مشروعاً، وإنما قصده يطلع على شيء لا يتيسر له أن يطلع عليه إلا في مثل هذه السفرة، لكن كونه يأتي أو يذهب إلى أماكن ما جاء نص، ويعتبر نفسه يتقرب إلى الله عز وجل طبعاً هذا من البدع.

وإذا كان للمشاهدة والاطلاع، وليس المقصود من ذلك أن التعبد، فهذا لا بأس به.

الصلاة خلف قبر النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال: أحياناً نصلي في المسجد النبوي في مكان متجه إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فما حكم ذلك؟

الجواب: لا يجوز للإنسان أن يقصد الاتجاه إلى القبر الشريف في الصلاة؛ بأن يأتي ويبحث عن مكان وراء القبر فيصلي فيه مثلما هو موجود في دكة، الذي يقال لها: دكة الأغوات، يأتي أناس ويتركون الصفوف الأولى ويجلسون عليها ويصلون خلف القبر، فهؤلاء متعمدون مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)، فالإنسان الذي يترك الصف الأول ويترك الصفوف ويختار مكاناً يستقبل فيه القبر؛ لأن القبر أمامه، هذا عاص للرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تصلوا إلى القبور)، وقد جاء في صحيح البخاري : ( أنه كان دخل وصلى وهو في مكان من الأمكنة وكان أمامه قبر، فصاح به -لا أدري أهو عمر أو غيره- القبر القبر ). يعني: معناه القبر أمامك لا تصلي إليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصلوا إلى القبور)، وقوله: (القبر القبر)، يعني: معناه تنفير وتحذير.

أما إذا كان الإنسان في مكان بعيد، ولا يدري هل هو وراء القبر أو ليس بوراء القبر فهذا معذور، وإنما المحذور هو أن الإنسان يبحث عن المكان الذي يكون فيه وراء القبر ويختاره للصلاة فيه، فهذا فيه تعمد معصية الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تصلوا إلى القبور).

التفقه في الأحكام الشرعية ودعوة الناس إلى ذلك

السؤال: يا شيخ! بعض الشباب لا يهتموا بالعلم الواجب كأحكام الوضوء والصلاة والطهارة، وغير ذلك، وإذا دعوناهم إلى العلم يقول البعض: إنه ينفرهم؟

الجواب: ماذا عندهم من الدين إذا ما عرفوا أحكام الوضوء، وما عرفوا طريقة الوضوء؟! الوضوء شرط من شروط الصلاة قال عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، فمعرفة الوضوء مثل معرفة الصلاة؛ يعني: هذا شرط وهذا مشروط، وتعلم العلم ومعرفة أحكام الدين، فهذا هو المطلوب؛ حتى يعبد الإنسان ربه على بصيرة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، وكيف يكون التنفير بالدعوة إلى معرفة الأحكام الشرعية وإلى تعلم العلم، حتى يكون الإنسان يعبد الله على بصيرة، ومن المعلوم أن العبادة المقبولة عند الله لها شرطان أساسيان لا بد منهما: أن يكون العمل لله خالصاً، وأن يكون لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مطابقاً وموافقاً، ولا يكون مطابقاً وموافقاً إلا إذا عرف الأحكام الشرعية وعمل بها، فعند ذلك يكون مطابقاً وموافقاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب المواقيت - باب آخر وقت العشاء للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net