إسلام ويب

يستحب للجنب الوضوء قبل اغتساله للجنابة، ويجب عليه إيصال الماء إلى كل شعره وبشره، فإذا لم يتيسر ذلك إلا بتخليل شعره وجب.

ذكر وضوء الجنب قبل الغسل

شرح حديث عائشة في وضوء الجنب قبل الغسل

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر وضوء الجنب قبل الغسل

أخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف، ثم يفيض الماء على جسده كله)].

هنا أورد النسائي رحمه الله باب: ذكر وضوء الجنب قبل أن يغتسل.

المراد من هذه الترجمة: هو أن الجنب يشرع له أن يتوضأ قبل اغتساله، فيكون اغتساله مشتملاً على الوضوء، بحيث يبدأ به ثم يأتي الاغتسال بعد ذلك، وهذا هو نفس الغسل الكامل الذي يكون مشتملاً على وضوء أولاً ثم على غسل بعده، وقد جاء في بعض الأحاديث أن غسل الرجلين يكون بعد الفراغ من الغسل، وهذا الحديث الذي أورده النسائي عن عائشة الذي تصف فيه غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أنه كان يتوضأ وضوءه للصلاة قبل أن يغتسل، أي: يفهم منه أنه يتوضأ الوضوء الكامل قبل الاغتسال، ومن ذلك غسل الرجلين، فيحتمل أنه يفعل ذلك أحياناً بحيث أنه يتوضأ قبل أن يغتسل، ويحتمل أنه كان يؤخر غسل الرجلين إلى نهاية الأمر، وكما قلت: هذا هو الغسل الكامل الذي يكون مسبوقاً بالوضوء.

والغسل المجزئ هو: الغسل الذي يستوعب فيه الجسد الماء غسلاً، وإذا نوى الإنسان رفع الحدث الأكبر والأصغر، فإنهما يرتفعان، ولا يلزم الوضوء في حق المغتسل، وهذا إنما يكون في غسل الجنابة.

أما الأغسال الأخرى: كغسل الجمعة، والغسل للتبرد؛ فإنه لا يكفي عن الوضوء؛ لأنه ليس فيه رفع حدث، وإنما عليه أن يتوضأ وضوءاً مستقلاً، إما قبل ذلك الاغتسال للتبرد أو بعده، ولكنه إذا توضأ فإنه لا يلمس فرجه بعد ذلك؛ لأن لمس الفرج بعد الوضوء ينقض الوضوء، وجمهور العلماء ذهبوا إلى أن الاغتسال المجزئ يكفي عن الوضوء، وأنه لا يلزم معه وضوء إذا نوى رفع الحدث الأكبر والأصغر، وذهب الظاهرية أو بعض الظاهرية إلى أنه لا بد من الوضوء مع غسل الجنابة، وأنه لا يكفي الاغتسال عن الوضوء، ولا يرتفع الحدث الأصغر بفعل الحدث الأكبر عند القائل بهذا.

قوله: (يتوضأ وضوءه للصلاة).

أي: يتوضأ قبل أن يغتسل وضوءه للصلاة، هذا هو المقصود من إيراد الحديث، وهو دال على ما ترجم له المصنف؛ لأنه صريح في ذلك، وكما قلت: يحتمل أن يكون المراد بالوضوء الوضوء الكامل، ويحتمل أن يكون وضوءاً يبقى منه غسل الرجلين، ويكون ذلك بعد الفراغ من الغسل، فما جاء على هذا المنوال، وما جاء على غيره يحمل على أنه يفعله أحياناً هكذا وأحياناً هكذا.

وفيه أيضاً: غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء، وهو ما دلت عليه التراجم السابقة، وهذه الترجمة أيضاً مشتملة على ذلك، ثم أيضاً فيه تخليل الشعر، وترويته حتى يدخل الماء إلى أصوله، ثم الصب على الرأس ثلاث غرف، ثم يفيض الماء على سائر جسده الذي يحصل معه استيعاب الجسد في الغسل.

وأريد أن أذكر شيئاً متعلقاً بالأسانيد المتقدمة وهو: ذكر عطاء بن السائب في أربعة طرق من طرق حديث عائشة في بيان ذكر شيء من جزئيات الاغتسال، أو الأمور التي تفعل في حال الاغتسال، ففي ترجمة عطاء بن السائب: أنه صدوق اختلط، أو أنه ثقة اختلط، فالاختلاط هو: أن يتغير الشخص، إما لكبره، أو لأمر طرأ عليه حصل بسببه اختلاطه، فهذا حكم حديثه أن يميز بين ما سمع منه قبل الاختلاط، وما سمع منه بعد الاختلاط، فما كان مسموعاً منه بعد الاختلاط فلا يعتد به، وما كان مسموعاً منه قبل الاختلاط، فإنه يحتج به ويعتد به، وإذا كان مجهولاً هل سمع قبل الاختلاط؟ أو سمع بعد الاختلاط؟ فإنه أيضاً لا يعتد به؛ لأنه محتمل أن يكون سمع بعد الاختلاط، فالسماع بعد الاختلاط تضعف معه الرواية، ولا تقبل معه الرواية، فيكون معرفة ما كان قبل الاختلاط، وما كان بعده يكون بمعرفة التلاميذ الذين رووا عنه؛ لأن من التلاميذ من روايته قبل الاختلاط، ومنهم من روايته بعد الاختلاط، ومنهم من روايته مجهولة هل هي قبل الاختلاط أو بعد الاختلاط؟ فمن عرف أنه روى عنه قبل الاختلاط، فروايته عنه صحيحة، ولا يضر اختلاطه، والأسانيد التي مضت فيها شعبة بن الحجاج يروي عن عطاء بن السائب، وزائدة بن قدامة الثقفي، وهما ممن رويا عنه قبل أن يختلط.

إذاً: فلا يؤثر اختلاطه على رواية هذه الأحاديث التي فيها شعبة، وزائدة بن قدامة؛ لأن هذين رويا عنه قبل الاختلاط، فإذاً: الحديث لا غبار عليه ولا إشكال فيه؛ لأن السماع قبل الاختلاط.

وهذه الأحاديث التي أوردها النسائي عن هذا المختلط هي عن شيوخ سمعوا منه قبل الاختلاط، وهم: شعبة، وزائدة بن قدامة، أما عمر بن عبيد بن أبي أمية، فهذا لا أعرف هل سمع منه قبل الاختلاط أو بعده؟ لكن شعبة وزائدة سمعا منه قبل الاختلاط، فإذاً: تلك الأحاديث التي جاءت من طريقهم ثابتة ولا إشكال فيها.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في وضوء الجنب قبل الغسل

قوله: [أخبرنا قتيبة].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، أحد الثقات، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن مالك].

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، العلم، المشهور، صاحب المذهب المعروف، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن هشام بن عروة].

هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبيه].

هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو أحد الفقهاء السبعة، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن عائشة].

هي عائشة أم المؤمنين، وهي خالة عروة، وقد مر ذكرها كثيراً، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

إذاً: فرجال الإسناد أو رواة الإسناد كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، وهم من أهل الثقة والعدالة، وأما الصحابة كما عرفنا فلا يحتاج إلى أن يذكر عن الواحد منهم أو وصفه بأنه ثقة؛ لأن وصف الصحبة لا يعدله شيء، ولا يحتاج إلى أن يضاف إليه شيء للتوثيق؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم، وتعديل رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تخليل الجنب رأسه

شرح حديث عائشة في تخليل النبي رأسه في غسل الجنابة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تخليل الجنب رأسه

أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا هشام بن عروة حدثني أبي حدثتني عائشة رضي الله عنها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة: (أنه كان يغسل يديه ويتوضأ، ويخلل رأسه حتى يصل إلى شعره، ثم يفرغ على سائر جسده)].

ذكر النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب تخليل الجنب شعر رأسه عند الاغتسال، وأورد فيه حديث عائشة من طريق أخرى، وفيه: ( إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يغسل يديه ويتوضأ، ويخلل رأسه حتى يصل إلى شعره ) لأن المقصود من التخليل أن يصل الماء إلى أصول شعره، وقد عرفنا فيما مضى أن المرأة الجنب لا تنقض شعرها عند الاغتسال من الجنابة، وأنها تصب عليه الماء حتى تطمئن إلى أنه وصل إلى أصوله، ولا يحتاج إلى تخليل أو إلى نقضه وإيصال الماء إلى أصوله، وإنما يكفي أن تصب الماء حتى تطمئن إلى أنه قد روي بالماء ووصل إلى أصوله، وعلى هذا فالتخليل لا يكون لازماً، وإنما يكون المهم أن يصل الماء إلى أصول الشعر، والحديث الذي معنا جاء فيه ذكر التخليل، وأنه كان يخلل شعره بأصابعه كي يصل الماء إلى شعره؛ أي: إلى أصول شعره، وإلى داخل الشعر.

فالحديث فيه ذكر غسل اليدين أولاً، ثم ذكر الوضوء ثانياً، ثم ذكر التخليل، ثم الإفاضة على سائر الجسد، وهو مشتمل على ما اشتمل عليه الذي قبله، إلا أن الذي قبله فيه: ( يصب على رأسه ثلاث غرف، ثم يفيض الماء على سائر جسده ).

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في تخليل النبي رأسه في غسل الجنابة

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].

هو عمرو بن علي بن بحر بن كنيز الفلاس، المحدث، الناقد، المعروف بكثرة كلامه في الرجال والجرح والتعديل، وهو ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا يحيى].

هو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، المشهور، الثقة، الثبت، الإمام في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

قوله: [حدثنا هشام بن عروة].

يعني: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وهنا يتفق مع الإسناد الذي قبله بهذا.

شرح حديث: (إن رسول الله كان يشرب رأسه ثم يحثي عليه ثلاثاً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب رأسه، ثم يحثي عليه ثلاثاً)].

ثم ذكر النسائي أيضاً حديث عائشة الذي فيه: (أنه كان يشرب رأسه) يعني: بالماء، والمقصود من ذلك: التخليل؛ لأنه هنا أورده في تخليل الشعر، ثم يحثو عليه ثلاثاً؛ يعني: ثلاث غرف، وكما دل عليه الحديث الذي مر من قبل أنه كان يحثو عليه ثلاث غرف، ثم يفيض الماء على سائر جسده، ففيه ما ترجم له، وهو أنه يرويه بالماء حتى يصل إلى أصول شعره.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان يشرب رأسه ثم يحثي عليه ثلاثاً)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله].

هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، وهو ثقة، وخرج له النسائي، وابن ماجه .

[حدثنا سفيان].

وسفيان هنا غير منسوب، وهو سفيان بن عيينة؛ لأن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري روى عن سفيان بن عيينة، وقد ذكر في ترجمته أنه روى عن ابن عيينة.

[عن هشام بن عروة].

وهنا يتحد مع الإسناد السابق.

ذكر ما يكفي الجنب من إفاضة الماء على رأسه

شرح حديث: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر ما يكفي الجنب من إفاضة الماء على رأسه

أخبرنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم رضي الله عنهما قال: ( تماروا في الغسل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعض القوم: إني لأغسل كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف )].

هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب ما يكفي للجنب عند غسل رأسه من الماء.

فأورد فيه حديث جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه: ( أنهم تماروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغسل، فقال بعضهم: أنا أفعل كذا وكذا، فقال: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف )؛ يعني: أنه يصب عليه ثلاث مرات، ويكفيه ذلك في الاغتسال، أي: فيما يتعلق بغسل الرأس، ففيه الشاهد لما ترجم له، وكذلك ما يكفي الرأس؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف).

تراجم رجال إسناد حديث: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف)

قوله: [أخبرنا قتيبة].

وقد مر ذكره قريباً.

[حدثنا أبو الأحوص].

هو سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة متقن، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي إسحاق].

هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة أيضاً، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن صرد].

هو سليمان بن صرد، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يروي عن صحابي وهو جبير بن مطعم رضي الله عنه، فالحديث من رواية صحابي عن صحابي.

[عن جبير بن مطعم].

هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي، ويلتقي مع الرسول صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف، وأولاد عبد مناف أربعة وهم: هاشم، والمطلب، ونوفل، وعبد شمس، وقد ورد عن جبير هذا في الصحيحين أنه جاء هو وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالا: ( يا رسول الله! إننا وبنو المطلب؛ يعني: في النسب سواء، وإنك أعطيتهم من الخمس ولم تعطنا، فقال: إنا وبنو المطلب شيء واحد ) يعني بني هاشم وبني المطلب، وهذا هو الدليل الذي استدل به من قال: إن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة أنهم بنو هاشم وبنو المطلب.

والمطعم بن عدي الذي هو: أبو جبير هو الذي أجار النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: منع أذى قريش له، وهو الذي مدحه الشاعر بقوله:

ولو أن مجداً أخلد الدهر واحداًمن الناس أبقى مجده الدهر مطعم

لأنه أجار النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي النحو يستشهدون بهذا البيت على عود الضمير إلى ما بعده.

والمطعم بن عدي هو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر قال في الأسرى: (لو أن المطعم بن عدي حيٌ، وطلب مني هؤلاء النتنة لأعطيتهم إياه، أو لوهبتهم له). فهو الذي أجار النبي صلى الله عليه وسلم ومنع وصول الأذى إليه من كفار قريش.

إذاً: فالحديث فيه صحابيان وهما: سليمان بن صرد، وجبير بن مطعم وهو من رواية صحابي عن صحابي، وفيه اثنان مشهوران بكنيتهما، وهما: أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني المشهور بـالسبيعي، وأبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي.

ذكر العمل في الغسل من الحيض

شرح حديث عائشة في أعمال الغسل من الحيض

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر العمل في الغسل من الحيض:

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان عن منصور وهو ابن صفية عن أمه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأخبرها كيف تغتسل، ثم قال: خذي كرسفة من مسك فتطهري بها، قالت: وكيف أتطهر بها؟ فاستتر كذا، ثم قال: سبحان الله! تطهري بها، قالت عائشة رضي الله عنها: فجذبت المرأة، وقلت: تتبعين بها أثر الدم)].

هنا أورد النسائي رحمه الله: باب ذكر العمل في الغسل من الحيض.

أي: ذكر شيء مع الغسل؛ لأن فيه ذكر الغسل، أي: تنظيف وتطهير لمكان الحيض، فأورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله! كيف أعمل بالاغتسال من الحيض؟ فقال معلماً لها كيف تغتسل، ثم قال: (خذي كرسفة مسك، فتطهري بها، قالت: وكيف أتطهر بها؟ فاستتر كذا)؛ يعني: سكت أو طأطأ، لأن هذا شيء يستحيا منه، وأن يتكلم معه في حق النساء، وهو ذكر الفرج، وأنها تعمل بفرجها كذا، فقال: (سبحان الله! تطهري بها) سبحان الله: تعجب، (تطهري بها) ففهمت عائشة أنه لا يريد أن يتكلم بشيء وراء هذا اللفظ الذي كنى به عن ذكر الفرج، وباستعمالها في الفرج (فجذبتها إليها وقالت: تتبعي بها أثر الدم) الذي هو الفرج.

فالحديث دال على الاغتسال، ودال على هذا العمل مع الاغتسال الذي هو أنها تأخذ كرسفة، وهي قطعة من صوف أو قطن أو جلد فيه صوف، فتتبع بها أثر الدم، قيل: من مسك والمراد من ذلك قطعة من الجلد، وقيل: إن المقصود من ذلك أنها قطعة فيها مسك وهو الطيب؛ حتى تكون الرائحة الكريهة التي كانت من آثار الحيض يأتي ما يعقبها وهو الرائحة الطيبة، وفسر المسك بأنه طيب، وفسر بأن المراد به الجلد.

وعائشة رضي الله عنها وأرضاها لما استحيا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يواجهها بشيء، فعند ذلك فهمت عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها ما يريده الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ألا يتكلم معها بشيء أكثر من هذا، ووضحت لها وقالت: تتبعي به أثر الدم؛ يعني: الفرج، وفيه استعمال (سبحان الله) عند التعجب؛ لأنه لما قال: (تطهري بها) قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: (تطهري بها) لأن هذا شيء يفهم، فتعجب، وقال: (سبحان الله!) لكونها تراجعه في ذلك الأمر، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها تولت المهمة ووضحت ما يريده الرسول صلى الله عليه وسلم.

قالوا: وفي هذا دليل على أن المحدث أو العالم إذا ذكر شيئاً، وفيه من هو بحضرته وأراد أن يوضح كلامه، أو يبين كلامه إذا كان يرضى بذلك أنه لا بأس به؛ لأن عائشة رضي الله عنها وأرضاها تولت بيان مراد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوضيح مراده، وقد أقرها رسول الله عليه الصلاة والسلام على ذلك.

وذكر هذا الحديث وهذه الترجمة في هذا الموضع ليس بواضح؛ لأن الأحاديث كلها قبله وبعده تتعلق بالاغتسال من الجنابة، فذكر الحيض أو الاغتسال من الحيض في هذا الموضع كان حقه أن يتأخر، كما سيأتي بعدما يفرغ من الغسل من الجنابة، ويأتي بأحاديث الغسل من الحيض، فكان يناسب أن تكون هذه الترجمة المشتملة على هذا الحديث ليست في وسط الأحاديث والأبواب المتعلقة بالاغتسال من الجنابة؛ لأن محلها الاغتسال من الحيض.

وإن كان المصنف قد سبق أن مر به ذكر ترجمتين تتعلق بالحيض فيما مضى، فيما يتعلق بنقض الشعر عند الاغتسال للإحرام، وقبله عدم نقض الشعر عند الاغتسال من الجنابة، لكن هذه الترجمة أقحمها في وسط الأبواب المتعلقة بغسل الجنابة، وكان محلها أن تأتي مع الأبواب المتعلقة بالاغتسال من الحيض؛ لأنها متعلقة بالحيض، ولا تعلق لها بالاغتسال من الجنابة.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في أعمال الغسل من الجنابة

قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن].

هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن مسور بن مخرمة، قال عنه الحافظ في التقريب: إنه صدوق، وخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[حدثنا سفيان].

هو ابن عيينة، وقد جاء منسوباً في صحيح البخاري في نفس إسناد هذا الحديث؛ لأن هناك من نسبه، وقال: ابن عيينة، فإذاً: هذا المهمل قد جاء مبيناً في صحيح البخاري وأنه سفيان بن عيينة، وليس سفيان الثوري.

[عن منصور وهو: ابن صفية].

هو منصور بن عبد الرحمن الحجبي العبدري من بني عبد الدار، ومن أهل حجابة البيت، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

[عن أمه].

هي صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية من بني عبد الدار، وهم أهل حجابة الكعبة وسدانة الكعبة، والذين فيهم السدانة والحجابة، واختلف في صحبتها، فمن العلماء من قال: إنها صحابية، وإنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: إنها غير صحابية.

وتروي عن عائشة، وعلى هذا فهي رواية صحابية عن صحابية، على القول بأنها صحابية.

[عن عائشة].

وعائشة تقدم ذكرها كثيراً.

الأسئلة

مدى إجزاء الغسل من الجنابة عن الوضوء

السؤال: رجل اغتسل لرفع الحدث الأكبر، وغسل مذاكره، ثم غسل رأسه، ثم أفاض على سائر جسده، ولم يتوضأ قبل الاغتسال، فهل غسله صحيح؟

الجواب: نعم صحيح، قلنا: إن الغسل المجزئ هو أن يفيض الإنسان الماء على سائر جسده، ولو لم يتوضأ، فهذا هو الغسل المجزئ، ويكفي عن الوضوء إذا نوى رفع الحدث الأكبر والأصغر.

الأصل في الخلوة بالمرأة الأجنبية

السؤال: ما قولكم فيمن يقول: إن الأصل في الخلوة بالمرأة الجواز؟

الجواب: كما هو معلوم الحديث جاء بالتحريم وبالمنع، وأنه (لا يخلو رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)؛ فيعني: الأصل كما هو معلوم هو عدم التكليف، لكن جاء التكليف بالمنع، فماذا يستفيد من قال هذا القول بأن الأصل هو الجواز؟! قد جاءت التكاليف بالمنع، إذاً: العبرة بالمنع لو لم يكن هناك نص، وهنا ورد نص ومن المعلوم أن النص إذا جاء فإنه لا ينظر إلى أصول ولا إلى غيرها، وإنما ينظر إلى النص الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفترة المعينة، يعني: قبل أن يأتي النص.

إذاً الأصل هو خلو الذمة من التكاليف، لكن لما جاء التكليف بالمنع والتحريم، مثل حديث (وأنه لا يخلو رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، دل على المنع، ولو قيل: إن الأصل هو هذا، فلا ينفع هذا القائل ذلك القول؛ لأنه قد نقل عن الأصل لو كان ذلك هو الأصل.

ثم أيضاً الأصل في الشريعة هو الابتعاد عن كل شيء يؤدي إلى الفاحشة، ويؤدي إلى المضرة، فالأصل هو الابتعاد ودفع الضرر، ومن المعلوم أن الضرر يحصل باختلاط الرجل بالمرأة وخلوه بها، فإن قواعد الشريعة وعمومها تقتضي المنع من ذلك؛ لأن هذا من الضرر المحقق والضرر الواضح، لكن ما يحتاج إلى ذكر أصل موافق للحديث، أو أصل على خلاف ما جاء في الحديث؛ لأن الحديث جاء صريحاً واضحاً في تحريم ذلك، وأن من فعله فإنه يكون الشيطان ثالثهما، ولا شك أن ذلك سبب لفاحشة عظيمة ولجرم عظيم وهو الزنا، ومن المعلوم أن سد الذرائع أصل من أصول الشريعة، وخلو الرجل بالمرأة هو ذريعة إلى ذلك الأمر المحرم، لكن أنا كما قلت: ما نحتاج إلى هذا كله؛ لأن عندنا نصاً صريحاً في الموضوع.

الفرق بين سبحان الله ويا سبحان الله

السؤال: الرسول صلى الله عليه وسلم قال هنا: سبحان الله! بمعنى التعجب، ولكن بعض الناس يقول: يا سبحان الله! فما الفرق بينهما؟

الجواب: سبحان الله يؤتى به على سبيل التعجب، وهو ذكر لله سبحانه وتعالى، ويكون المقصود منه ذكر الله عز وجل بتقديسه وتنزيهه، وأيضاً التعجب.

أما كلمة (يا سبحان الله) فما أدري هل جاءت في شيء من النصوص ذكر يا معها؟ ليس نداءً لو جاء، لكن هو معروف على ألسنة الناس، فهل له أصل؟ وهل جاء في نص؟ لا أدري.

مدى جواز دفن الطفل مع المرأة أو الرجل عند الموت معاً

السؤال: يفعل بعض الناس في هذه الأيام أنه لو توفي رجل مع الطفل، أو امرأة مع الطفل، يدفن الطفل مع الرجل أو المرأة، فهل جاء في الشرع؟

الجواب: أبداً، ما جاء شيء في دفن الموتى في قبر واحد إلا عند الحاجة؛ يعني: كون القتلى كثيرين ويشق أن يحفر لهم قبور، فيدفن كل اثنين مع بعض، مثل ما حصل في القتلى وفي الشهداء، أنهم يدفنون ويقدم أكثرهم حفظاً للقرآن، والأصل أن كل ميت يدفن على حدة، لكن هؤلاء الذين يفعلون هذا يعتقدون شيئاً ليس له أساس، قالوا: إنه يشفع له أو أنه ينفعه أو أنه يؤنسه، وهذا كله كلام ساقط ما له قيمة، لا يؤنس الإنسان في قبره إلا العمل الصالح، ولا ينفعه في قبره إلا العمل الصالح، لو كان بجواره من هو أصلح الناس ومن هو خير الناس، فما ينفع من يكون في جواره إذا كان مستحقاً للعذاب! لأن نعيم من ينعم لا يصل إلى من يستحق العذاب، ولو كان ملاصقاً له، فهذا يصل إليه النعيم وهذا يصل إليه العذاب، ولا يصل إلى هذا نعيم هذا ولا إلى هذا عذاب هذا.

فهذا اعتقاد ليس له أساس، بل هو جهل من فاعله؛ لأن الإيناس وكون الإنسان بجواره رجل صالح أو طفل أو ما إلى ذلك لا ينفعه إذا كان مستحقاً للعذاب؛ لأن عذاب القبر يصل إلى من يستحقه، ولو اتصل بمن هو صالح ومن هو من أهل النعيم.

ومن المعلوم أن الله عز وجل أرانا في الدنيا نماذج وشواهد لهذا توضحه وتدل عليه، وذلك فيما يجري في المنام؛ لأن أحوال الروح وما يجري لها في المنام، مثلاً ينام الشخصان في مكان واحد، بل ينام الرجل وأهله تحت لحاف واحد، ثم أحدهما رأى في منامه ما سره، ورأى أنه يأكل مآكل طيبة، ثم يقوم وفم لعابه يسيل، والثاني رأى الوحوش تلاحقه، والحيات تلسعه، ثم يقوم وريقه ناشف، فهذا شيء موجود في الدنيا، فهذا في نعيم ما درى عن هذا، وهذا في عذاب ما درى عن هذا، هذا شيء في الدنيا مشاهد ومعايش بالنسبة للنائمين، الذين يحصل لهم في نومهم رؤى فيها راحة أو رؤى فيها مضرة، فما يحصل في الآخرة من وجود هذا بجوار هذا، لا يصل إلى هذا نعيم هذا، على كل نحن نقول: نفعل ما نستطيع، (اتقوا الله ما استطعتم).

كيفية غسل الرجلين في وضوء الجنابة

السؤال: كيف كان وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قبل اغتساله؟ وهل فيه غسل الرجلين كما هو ظاهر الحديث، أم كان يؤخرهما كما جاءت الروايات؟

الجواب: الحديث يدل على أنه يغتسل الغسل الكامل، أو يفهم منه أنه يغتسل الغسل الكامل، وأما وضوءه للصلاة، فقد جاءت بعض الأحاديث أنه يؤخر غسل الرجلين، فيحتمل أن يكون فعل ذلك أحياناً، وأن يكون فعل ذلك أحياناً.

الفرق بين جهالة العين وجهالة الحال

السؤال: ما الفرق بين جهالة العين وجهالة الحال، مع ذكر بعض المراجع؟

الجواب: معلوم أن جهالة الحال هي: أن يروي عنه اثنان ولم يوثق، فهو مجهول، ولكن جهالة العين هي: قلة الرواية عنه مع عدم معرفته، وهذا مع معرفة حاله.

أما ذكر المراجع فهي مراجع المصطلح؛ لأن الجهالة نوع من أنواع علوم الحديث، فالإنسان يرجع إليها، ويرجع إلى ذلك المبحث في الكتب المختلفة في المصطلح المختصرة والمطولة؛ لأنها تتكلم عن الجهالة بنوعيها العين والحال، وأنا ما أعرف مؤلفاً خاصاً بالجهالة حتى أدل عليه، ولكن أدل على كتب المصطلح.

حكم غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء بعد النوم

السؤال: هل غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء واجب بعد النوم؟

الجواب: جمهور العلماء على أنه مستحب، ومنهم من قال بوجوبه، منهم الإمام أحمد.

كيفية إتمام صلاة الجنازة للمسبوق

السؤال: إذا أدرك المصلي التكبيرة الثانية أو الثالثة من صلاة الجنازة فماذا يفعل بعد تسليم الإمام؟

الجواب: يفعل كما قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)؛ يعني: صلاة الجنازة مثل الصلوات الأخرى، والإنسان يدخل في أثنائها وما أدركه يفعله، وما لم يدركه يأت به، لكن يأتي به بدون إطالة بعد سلام الإمام؛ لأن بعد سلام الإمام تحمل الجنازة ولا تبقى في مكانها، فهو يأتي بالتكبيرات، وإذا دعا معها دعاء قصيراً بينها؛ لأن الأصل في صلاة الجنازة هو الدعاء للميت، وذكر الحمد لله والصلاة على الرسول بين يدي الدعاء تمهيد؛ لأن من أسباب قبول الدعاء أن يسبق بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، فهذا من أسباب قبول الدعاء، ولهذا جاء في الحديث الذي دعا فقال عليه السلام: (عجل هذا)؛ لأنه لم يحمد الله، ولم يصل على رسوله، فذكر مشروعية قراءة الفاتحة، وهي حمد لله وثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك الدعاء فهذا هو تمهيد، وهي من أسباب قبول الدعاء، فالمهم هو الدعاء، فإذا أمكن الإنسان أن يقرأ الفاتحة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو، فإنه يفعل ذلك، أما إذا كان الوقت لا يتسع، فإنه لا يشتغل بالفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يذهب المقصود الذي هو الدعاء، فإنه لا يأتي إلا بالدعاء رأساً؛ لأن هذا هو المقصود من صلاة الجنازة، وهي داخلة في عموم قوله: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، يكبر الإنسان بعد سلام الإمام ما بقي عليه من التكبيرات، ثم يسلم.

حكم من أحدث أثناء الغسل بعد الوضوء

السؤال: هل يجزئ الغسل عن الوضوء؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الحكم إذا أحدث أثناء الغسل؟

الجواب: إن الغسل المجزئ الذي لا وضوء معه يكفي عن الوضوء إذا أُريد به رفع الحدثين، وإذا أحدث في أثناء الغسل كما هو معلوم يعتبر عليه أنه يعيد الاغتسال، ولا يرتفع إلا مع وجود الوضوء، أو مع وجود الغسل المجزئ، فإذا كان أحدث في أثنائه فلا يقال: إنه يكفيه عن الوضوء، وأنه قد حصل منه رفع الحدث الذي هو الأصغر.

مدى جواز قول الشعر وإنشاده

السؤال: كتبت بعض أبيات الرجز، فقيل لي: إن الأولى ترك الشعر، فحلفت ألا أقول الشعر مرة أخرى ثلاث مرات، وأنا عندي ميول لقول الرجز، فماذا أفعل؟

الجواب: الشعر جائز، إنشاده وقوله، وإنشاده إذا كان سليماً ليس فيه محظور، ولا بأس به، لكن لا ينبغي للإنسان أن يعنى به، وأن يشتغل به، أي: يكون شغله الشاغل بل ينبغي له أن يعنى بما هو أهم، وبما فائدته محققة، وبما يكون الإنسان إذا فعله على خير، كالاعتناء بالقرآن، والاعتناء بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والشعر في حد ذاته إنشاده سائغ إذا كان سليماً، لكن لا ينبغي أن يشتغل به عما هو أهم منه، وإذا حصل ذكره أو الاشتغال به في بعض الأحيان، فإنه يكون في جمع بين المصالح وابتعاد عن المحذور، وقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه -يعني: حتى يمتلئ- خير من أن يمتلئ شعراً).

فهذا فيه بيان أن الاشتغال بالشعر وإضاعة الوقت فيه أن فيه مضرة، وأن الاشتغال بما هو أهم منه هو الذي ينبغي، وهذا إذا كان سليماً، أما إذا كان سيئاً فبيت واحد منه يعتبر سيئاً ما يحتاج إلى أنه يمتلئ جوفه، أو أنه يفيد الكثرة، وإنما هذا فيما إذا كان سليماً، أما إذا كان سيئاً وكان قبيحاً، فالبيت الواحد منه يكفي السوء، ويكفي الذنب، لكن هذا الذي جاء في الحديث هو الشعر السليم، وذلك لما فيه من الاشتغال عما هو أهم منه.

الجمع بين حث الشرع بالتداوي وفضل من لم يسترقِ

السؤال: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لم ينزل داءً إلا أنزل معه شفاء)، إلى أن قال: (فيا عباد الله تداووا)، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في صفات السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون)، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ندب إلى ترك التداوي، وفي الحديث الأول ندب إليه، فكيف نجمع بين هذين الحديثين؟

الجواب: ليس في حديث السبعين ألفاً ندب إلى ترك التداوي، وإنما تنبيه إلى بعض الأمور التي تركها فيه فائدة، وليس فيه منع التداوي مطلقاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم تداوى، لكن الاكتواء والاسترقاء هذا ما فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد أباح الكي، والكي كما هو معلوم هو عذاب، والإنسان يفعله من أجل أن يحصل خير، فقد يفعله ولا يحصل فائدة من وراءه، وإنما يحصل ذلك العذاب الذي هو العذاب بالنار بكونه يكتوي، فالفائدة فيه غير محققة، ثم أيضاً فيه أذى، وأذى حاصل، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن من صفات السبعين ألفاً أنهم ما كانوا يكتوون، ولا يتطيرون، ولا يسترقون.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - (باب ذكر وضوء الجنب قبل الغسل) إلى (باب ذكر العمل في الغسل من الحيض) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net