إسلام ويب

أرسل الله عز وجل الرسل وأنزل الكتب من أجل كلمة التوحيد؛ لا إله إلا الله، والتي معناها: لا معبود بحق إلا الله، فهي إثبات ونفي، ومن ناقضها بفعل أو قول فهو كافر. ولهذه الكلمة شروط منها: الإخلاص والانقياد والصدق والعمل واليقين والمحبة والقبول.

معنى لا إله إلا الله

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

عباد الله! كلمة التوحيد والإخلاص هي العروة الوثقى؛ هي كلمة لا إله إلا الله، من تمسك بها أفلح وأنجح في الدنيا والآخرة.

إن هذه الكلمة الطيبة هي الركن الأول من أركان الإسلام، وعلى هذا الركن تبنى بقية الأعمال، ففي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)، رواه البخاري ومسلم.

إن كلمة التوحيد هي التي بعث الله بها رسله إلى الناس جميعاً، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].

إن كلمة التوحيد تتضمن نفياً وإثباتاً، وتبرءاً وولاء، فقوله: (لا إله) تنفي كل معبود بحق سوى الله، وقوله: (إلا الله) تثبت العبادة لله وحده دون كل من سواه، قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]، وقال سبحانه عن إبراهيم الخليل أنه قال لقومه: إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ [الزخرف:26]، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزخرف:27].

هذا منهاج كل رسول يبعثه الله إلى قومه؛ ليدعوهم إلى إفراد الله بالعبادة، لا معبود بحق إلا الله، هذه هي كلمة التوحيد، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256].

أمور تناقض كلمة لا إله إلا الله

لقد جاء القرآن من أوله إلى آخره يبين معنى هذه الكلمة العظيمة، وذلك بنفي الشرك وتوابعه، وتقرير التوحيد وشرائعه، ومن قال هذه الكلمة العظيمة بلسانه وعمل بخلافها من الشرك والمحاداة فليس بمسلم، ولو قالها مراراً، كحال عباد القبور الذين ينطقون بهذه الكلمة ولا يفقهون معناها، ولا يكون لها أثر في تعديل سلوكهم وتصحيح أعمالهم.

إن التلفظ بكلمة التوحيد دون العمل بها لا يجدي على صاحبها شيئاً، ولو كررها ألف مرة، حتى يعمل بها، فلا يكفي أن يؤمن المسلم بالله رباً وخالقاً ورازقاً، كما لا تكفي عبادته حتى ينفي الشرك ويتبرأ من المشركين، قال سبحانه: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:40].

ومن اعتقد أنه مخير في أن يحكم بشرع الله أو بغيره، أو اعتقد أن حكم الله لا يصلح تطبيقه على الناس في هذا الزمن فقد انتقض توحيده، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44].

ومن اعتقد أن هناك ملة غير ملة الإسلام، أو صحح مذهباً من مذاهب أهل الكفر فقد انتقض توحيده واعتقاده بهذه الكلمة العظيمة.

شروط كلمة لا إله إلا الله

إن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) لها شروط يجب أن تتوفر في المسلم حتى يكون مؤمناً مستقيماً، فمن شروطها:

العلم بمعناها، والعلم بالمراد منها نفياً وإثباتاً؛ العلم المنافي للجهل، قال الله عز وجل: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19]، ومعنى هذه الكلمة لا معبود ولا مألوه بحق إلا الله، فلا بد من العلم بذلك.

أيضاً من شروطها: اليقين، لا بد من اليقين المنافي للشك؛ ومعنى ذلك أن يكون قائلها بعد علمه بمعناها مستيقناً بمدلول هذه الكلمة دون أدنى ارتياب، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15].

ومن شروطها: القبول المقتضي للعمل.

ومن شروطها: الانقياد لما دلت عليه؛ الانقياد المنافي للترك، قال الله عز وجل: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر:54]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)، وقال سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].

ومن شروطها: الصدق بمعناها؛ الصدق المنافي للكذب، وهو أن يقولها بحيث يواطئ قلبه لسانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار)، رواه البخاري.

قال ابن القيم رحمه الله: والتصديق بلا إله إلا الله يقتضي الإذعان والإقرار بحقوقها التي هي شرائع الإسلام.

وقال ابن رجب رحمه الله: من قال: (لا إله إلا الله) بلسانه ثم أطاع الشيطان وهواه في معصية الله فقد كذب فعله قوله.

ومن شروطها: الإخلاص، وهو تصفية العمل الصالح من جميع شوائب الشرك؛ وذلك بأن يقولها مخلصاً لا يريد بذلك رياءً ولا سمعة، قال الله عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5].

ومن شروطها: المحبة لهذه الكلمة الطيبة، والمحبة لما اقتضته ودلت عليه، والمحبة لأهلها العالمين بها الملتزمين بشروطها، وبغض ما ناقض ذلك، قال الله عز وجل:وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة:165]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).

عباد الله! ومن تمام محبة الله محبة ما يحبه، وكراهة ما يكره، فمن أحب شيئاً مما يكره الله، أو كره شيئاً مما يحبه الله لم يكمل توحيده وصدقه في قول: لا إله إلا الله.

قال الحسن رحمه الله: اعلم أنك لن تحب الله حتى تحب طاعته، ومن أحب الله لم يكن عنده شيء آثر من رضاه، ومن أحب الدنيا لم يكن شيء عنده آثر من هوى نفسه، ولا تتم محبة الله إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم.

اللهم اجعلنا من أهل لا إله إلا الله الموقنين المصدقين المحبين لها ولأهلها يا ذا الجلال والإكرام.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

معنى شهادة أن محمداً رسول الله

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى أصحابه الذين بشرهم بأن لهم فضلاً كبيراً، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

عباد الله! اعلموا أن معنى شهادة أن محمداً رسول الله هو الإيمان بأن الله تعالى أرسله إلى الثقلين كافة، وأن نصدقه بما أخبر، وأن نطيعه بما أمر، وأن نترك ما نهى عنه وزجر، وألا نعبد الله إلا بما شرع، فكل طريق مسدود إلا ما سلكه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده.

لقد جعلت شهادة أن محمداً رسول الله مع شهادة أن لا إله إلا الله ركناً واحداً، مع أن المشهود به متعدد؛ ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله تعالى، فالشهادة له بالعبودية والرسالة من تمام شهادة أن لا إله إلا الله.

الآثار المترتبة على الإيمان بكلمة التوحيد والعمل بها

إن الإيمان بكلمة التوحيد والعمل بما تقتضيه له آثار واضحة في حياة المسلم، من ذلك: أنه ينشئ في نفس المؤمن الموحد عزة النفس؛ لأنه يعلم أنه لا نافع ولا ضار إلا الله، وهو المحيي المميت، وهو صاحب الخلق والأمر والتدبير والملك، ومن ثم يذهب من القلب كل خوف إلا منه سبحانه.

ومن ذلك: أنه ينشئ في المؤمن تواضعاً من غير ذل، وترفعاً من غير كبر، فلا ينفخ الشيطان أوداجه بالغرور؛ لأنه يعلم ويستيقن أن الله تعالى الذي وهبه كل ما عنده قادر على سلبه إياه إذا شاء.

ومن ذلك: أن المؤمن والمؤمنة يعلم علم اليقين أنه لا سبيل إلى النجاة والفلاح إلا بتزكية النفس بالعمل الصالح، أما المشركون والكفار فإنهم يقضون حياتهم على أمانٍ كاذبة، متبعين في ذلك أهواءهم وشهواتهم.

ومن ذلك: أن العامل بهذه الكلمة الطيبة لا يتسرب إليه اليأس ولا يقعد به القنوط؛ لأنه يؤمن أن الله تعالى له خزائن السموات والأرض، ومن ثم فهو على طمأنينة وسكينة وأمل، حتى ولو طرد وأهين وضاقت عليه سبل العيش لعلمه أن عين الله تعالى لا تغفل عنه، ولا تسلمه إلى نفسه، وهو يبذل جهده متوكلاً على الله، بخلاف الكفار الذين يعتمدون على قواهم المحدودة، فسرعان ما يدب إليهم اليأس، ويساورهم القنوط عند الشدائد، مما يفضي بهم إلى الانتحار عياذاً بالله من ذلك.

إن الإيمان بكلمة التوحيد يربي المؤمن على قوة عظيمة من العزم والإقدام، والصبر والثبات والتوكل على الله عز وجل حينما يطلع بمعالي الأمور ابتغاء مرضات الله.

إن الإيمان بلا إله إلا الله يرفع قدر المؤمن، وينشئ فيه الترفع والقناعة والاستغناء، ويطهر قلبه من أوساخ الطمع والشره، والدناءة واللؤم وغيرها من الصفات القبيحة.

إن الإيمان بلا إله إلا الله يجعل المؤمن والمؤمنة وقافين عند حدود لله لا يرتكبون ما حرم الله لا جهراً ولا سراً.

إن الإيمان بلا إله إلا الله يحمل على المسارعة في الخيرات، والمسابقة إلى مغفرة الله وجنته.

إن الإيمان بلا إله إلا الله يحمل المسلم على أن يقوم بحقوق الله عز وجل وحقوق المخلوقين.

إن من آثار الإيمان بلا إله إلا الله فتح البركات من السماء والأرض، ومدافعة الله عن المؤمنين ونصرته لهم، فآمنوا أيها المسلمون! بهذه الكلمة العظيمة، واتقوا الله واستقيموا على الطريقة، واستمسكوا بالعروة الوثقى لعل الله أن يسقينا ماءً غدقاً، وأن يدفع عنا شر الأشرار، وكيد الفجار والمنافقين، وأن يكفينا ما أهمنا من أمر ديننا ودنيانا.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المصلحين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين, اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، واقض الدين عن المدينين، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم اجعل ما أصابهم كفارة لسيئاتهم، ورفعة لدرجاتهم، اللهم اغفر لموتى المسلمين وخص منهم الآباء والأمهات والإخوة والأخوات، اللهم اغفر لهم ورحمهم، وعافهم واعف عنهم، اللهم أكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الإيمان بلا إله إلا الله للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net