إسلام ويب

من محظورات الإحرام الطيب، سواء كان في بدن أو ثوب أو طعام أو فراش، وكذلك يخطر على المحرم قتل الصيد الوحشي المباح، ومن المحظورات أيضاً عقد النكاح، والمباشرة بشهوة فيما دون الفرج، أو الوطء في الفرج.

المحظور الخامس: استعمال الطيب وصوره

قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب محظورات الإحرام: [ الخامس: الطيب في بدنه وثيابه ].

تقدم لنا شيءٌ من محظورات الإحرام، وتكلمنا على حلق الشعر وهل هو خاص بالرأس أو أنه شامل لسائر أجزاء البدن؟ وتكلمنا أيضاً متى تجب الفدية، وكذلك أيضاً تكلمنا عن تقليم الأظفار، وهل هو من المحظورات أو ليس من المحظورات، وتكلمنا أيضاً عن لبس المخيط وما هو ضابطه والصور الداخلة تحته، وكذلك أيضاً تكلمنا عن تغطية الرأس.

ثم شرع المؤلف رحمه الله في المحظور الخامس قال: (الطيب في بدنه وثيابه).

الطيب هذا من محظورات الإحرام، وقد دل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس المحرم ثوباً مصبوغاً بزعفرانٍ أو ورس )، وأيضاً حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته راحلته: ( اغسلوه بماءٍ وسدر ولا تقربوه طيباً ) وهذا رواه مسلم في صحيحه.

والأئمة الأربعة كلهم متفقون على أن الطيب من محظورات الإحرام وإن كانوا يختلفون في بعض تفاصيله.

وضابط الطيب -الذي هو من محظورات الإحرام- عند جمهور أهل العلم رحمهم الله قالوا: كل ما يتخذ منه الطيب إذا ظهر منه قصد الريح.

واعلم أن التطيب للمحرم تحته صور:

الصورة الأولى: قال المؤلف رحمه الله: (في بدنه وثيابه).

هذه الصورة الأولى، فهذا من محظورات الإحرام وتقدم لنا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس المحرم ثوباً مصبوغاً بزعفران أو ورس )، وكذلك أيضاً تقدم لنا حديث ابن عباس في الذي وقصته راحلته فقال عليه الصلاة والسلام: ( اغسلوه ولا تقربوه طيباً ولا تغطوا وجهه ) .

ولا شك أن قوله: (ولا تقربوه طيباً) أن هذا يشمل حتى البدن، يعني: ثياب الميت وبدنه كله داخل تحت قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ولا تقربوه طيباً ). فهذه الصورة الأولى: استعمال الطيب في البدن وفي الثياب.

الصورة الثانية: استعمال الطيب في الطعام، فهذا أيضاً من محظورات الإحرام إلا إذا طبخ بحيث ذهب ريحه وطعمه فإنه لا شيء فيه؛ لأنه لا يعد طيباً، فنقول: الصورة الثانية كما لو وضع زعفراناً في مشروبه أو مأكوله ونحو ذلك، فنقول بأن هذا من محظورات الإحرام إلا إذا طبخ فلم يبق شيء من طعمه ولا من ريحه فإن هذا لا بأس به.

الصورة الثالثة: إذا استعمله في فراشه الذي يجلس عليه أو ينام عليه فهذا أيضاً داخل عند أهل العلم رحمهم الله، وقد نص عليه طوائف من أهل العلم على أنه داخل في محظورات الإحرام.

الصورة الرابعة: أن يتقصد شم الطيب، فهذا أيضاً من محظورات الإحرام؛ لأن المقصود من الطيب رائحته لا عينه، فإذا شمه فقد حصل المقصود وهذا المذهب، وعند أكثر أهل العلم رحمهم الله أنه لا يحرم بل يُكره، لكن الشافعية قالوا: إن تبخر فعليه الفدية.

الصورة الخامسة: أن يشمه لا لقصد التلذذ برائحته وإنما شمه لقصد آخر، كما لو أراد استعلام جودته يعني: يريد أن يشتريه فأراد أن يستعلم جودته هل هو جيد أو ليس جيداً، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، وابن القيم رحمه الله يذهب إلى أنه ليس فيه شيء؛ لأنه ما قصد الرائحة والتلذذ بالرائحة وإنما قصد أن يستعمله.

الصورة الأخيرة: إذا شمه بغير قصد، مثلاً مر مع دكان عطار ونحو ذلك فشم الطيب بغير قصد منه فهذا لا شيء عليه.

المحظور السادس: قتل الصيد

ثم قال المؤلف رحمه الله: [السادس: قتل الصيد، وهو ما كان وحشياً مباحاً].

قتل الصيد دل عليه القرآن والسنة والإجماع:

أما القرآن فقول الله عز وجل: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:1] وأيضاً قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] .

وأما من السنة فحديث جابر رضي الله تعالى عنه، وكذلك أيضاً حديث أبي قتادة وحديث الصعب بن جثامة لما أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً فرده النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ( إنا لا نرده عليك إلا أنا حرم ) وأيضاً حديث أبي قتادة لما صاد الحمار الوحشي وهو غير محرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وكانوا محرمين: ( هل منكم أحد أمر أو أشار إليه بشيء؟ قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقي من لحمها ) وهذا رواه البخاري ومسلم .

والإجماع منعقد على ذلك.

شروط الصيد المحرَّم قتله

واشترط المؤلف رحمه الله فقال: (وهو ما كان وحشياً مباحاً):

الشرط الأول: أن يكون وحشياً، يعني: أن يكون برياً أصلاً، يعني: أصله وحشي حتى ولو تأهل، فإنه لا يجوز للمحرم أن يقتله، وذلك، مثل: الغزال والظباء وحمار الوحش ونحو ذلك، فهذه الأشياء أصلها وحشية، فإذا قتلها المحرم فعليه الفدية ولا يجوز ذلك حتى ولو تأهلت، يعني: حتى ولو كان عندنا غزال وأصبحت أهلية واستأنست فإنه لا يجوز أن يقتلها.

وقوله رحمه الله: (وحشياً) هذا يخرج الأهلي كما سيأتي، مثل: الإبل والبقر والغنم ونحو ذلك، فمثل هذه الأشياء لا تحرم على المحرم -كما سيأتي في كلام المؤلف رحمه الله- أما المحرم فكما تقدم فلا يجوز له قتل الوحشي حتى ولو تأهل، وضربنا مثالاً فقلنا: كالغزال وكحمار الوحش وكالحمام أيضاً وكالبط؛ لأن هذه الأشياء أصلها وحشي، فهي متوحشة حتى ولو تأهلت، فإن التحريم لا يزال باقياً. وهذا الشرط الأول.

الشرط الثاني: قوله رحمه الله: (مباحاً)، وعلى هذا إذا قتل حيواناً غير مباح فإنه لا شيء في ذلك، فلو قتل المحرم أسداً أو قتل نمراً أو قتل ذئباً ونحو ذلك فإن هذا لا شيء فيه.

أقسام الحيوانات بالنسبة لإباحة القتل وعدم إباحته

واعلم أن الحيوانات بالنسبة للقتل وغير القتل يعني: ما يباح قتله وما لا يباح قتله، نقول بأنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما يشرع قتله -أي: ما أمر الشارع بقتله- وهو كل مؤذٍ، فهذا يستحب لك أن تقتله، ومن ذلك ما جاء في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( خمس فواسقٍ يقتلن في الحل والحرم: الفأرة، والحدأة، والحية، والكلب العقور، والغراب الأبقع ) وفي بعض الروايات: العقرب. فهذه أمر الشارع بقتلها فيشرع أن تقتلها؛ بل هو سنة، ومثل ذلك أيضاً: الوزغ، أمر الشارع بقتله، ومثل ذلك أيضاً: الكلب الأسود -الذي سواده خالص- فهذا أمر الشارع بقتله، فالكلاب ثلاثة: كلب عقور هذا سن قتله، والكلب الأسود أيضاً رخص الشارع في قتله، وما عدا هذين الكلبين يدخل في القسم الثالث -الذي سيأتينا- وهو ما سكت عنه.

إذاً القسم الأول: ما أمر الشارع بقتله وهو ما كان مؤذياً، فهذا نقول: السنة أن يقتل وذكرنا لذلك أمثلة.

القسم الثاني: ما نهى الشارع عن قتله، وهذا كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد ) أخرجه أبو داود . فنقول بأنه لا يجوز قتل هذه الأشياء اللهم إلا إذا كانت مؤذية، يعني: إذا أصبحت تؤذي فإنها تنتقل إلى القسم الأول.

القسم الثالث: ما سكت الشارع عنه، مثل: البعوض، فإن كان البعوض مؤذياً دخل في القسم الأول، لكن مثل الخنفساء أو الجعل أو الفراشة، والقسم الثالث من أقسام الكلاب وهو ما ليس أسود وليس عقوراً، فهذه الأشياء التي لا تؤذي سكت عنها الشارع، فهي ليست مؤذية، أما إذا كانت مؤذية فتنتقل إلى القسم الأول ولم ينه الشارع عن قتلها، فالتي سكت الشارع عنها هل تقتل أو لا تقتل؟

هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله: فمن العلماء من رخص في قتلها، ومنهم من نهى عن قتلها، والأحوط ترك قتلها؛ لأنها لم تخلق إلا لحكمة إلا إذا آذت فإنها تنتقل إلى القسم الأول.

حكم الصيد الذي قتله المحرم

بالنسبة لقتل الصيد ذكرنا الدليل عليه، وقتل الصيد تحته مسائل:

المسألة الأولى: حكم الصيد الذي قتله المحرم، نقول: حكم الصيد الذي قتله المحرم أنه ميتة لا يجوز أن يؤكل، ودليل ذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] فسماه الله عز وجل قتلاً ولم يسمه تذكيةً، فدل ذلك على أنه يكون ميتة، والقتل لا تحل به البهيمة، فالبهيمة المأكولة لا تحل إلا بتذكيتها.

أكل المحرم من صيد قتله غيره

المسألة الثانية: هل يباح للمحرم أكل الصيد أو لا يباح له أكل الصيد؟ يعني المسألة الثانية: حكم أكل الصيد للمحرم فنقول: إن كان هذا الصيد قتله محرم فحكم هذا أنه ميتة للمحرم وغير المحرم، لكن إن كان قتله حلال، فهل للمحرم أن يأكل منه أو ليس له أن يأكل منه؟ نقول: إن كان المحرم له أثرٌ في صيده، يعني: أشار أو أعان أو ناول سلاحاً ونحو ذلك فإنه لا يجوز له أن يأكل منه.

إذاً: الصيد الذي قتله حلال مباح؛ لكن هل للمحرم أن يأكل منه؟ نقول: إن كان للمحرم أثر في صيده بحيث أعان بدلالة أو بمناولة سلاح أو بإشارة ونحو ذلك فلا يجوز له أن يأكل منه، ودليل ذلك ما تقدم من حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هل منكم أحد أمر أو أشار إليه بشيء؟ قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقي من لحمه ) متفق عليه.

فإن لم يكن للمحرم أثر في صيده فهل له أن يأكل منه أو ليس له أن يأكل منه؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، والصواب في هذه المسألة ما تجتمع فيها الأدلة: أنه إن صيد من أجل المحرم فليس له أن يأكل منه، وإن لم يصد من أجله فله أن يأكل منه.

والدليل على ذلك حديث الصعب بن جثامة أنه أهدى للنبي عليه الصلاة والسلام حماراً وحشياً فرده النبي عليه الصلاة والسلام، فلما رأى ما في وجهه قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنا لم نرده عليك إلا أنَّا حرم ) هذا حمله العلماء رحمهم الله على أن الصعب صاده للنبي عليه الصلاة والسلام، وإن كان لم يصد من أجله فكما تقدم في حديث أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كلوا ما بقي من لحمها ) .

وفي حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصد لكم ) وهذا أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وفيه ضعف، لكن له شاهد من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وبهذا تجتمع الأدلة.

وهذا القول الذي عليه أكثر أهل العلم التفصيل، وهذا هو أحسن الأقوال خلافاً لمن منع من ذلك ومن أجاز؛ فمنع من ذلك بعض السلف مثل الثوري رحمه الله، فقال: لا يجوز أن يأكل المحرم من الصيد مطلقاً، ومن أجاز ذلك كالحنفية قالوا: يجوز أن يأكل من الصيد مطلقاً، والصحيح في ذلك الذي عليه أكثر أهل العلم التفصيل في هذه المسألة.

ضمان المحرم للصيد الذي أعان على قتله

المسألة الثالثة: إذا دل المحرم غيره على الصيد، وتقدم لنا أنه إذا دل المحرم هل له أن يأكل منه أو ليس له أن يأكل؟ ليس له أن يأكل، وإن كان دل محرماً فهذا ميتة -حرام على المحرم وغيره- وإن كان دل حلالاً فهو حلال لكن ليس له أن يأكل، لكن هنا المسألة بالنسبة للضمان إذا دل المحرم عليه.

المحرم عليه إذا باشر قتله فعليه الضمان هذه مسألة، والثانية: إذا لم يباشر قتله، وإنما دل غيره كأن أعان على قتله بدلالة ونحو ذلك، فهل عليه ضمان أو ليس عليه ضمان؟ نقول: إذا دل غيره لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يدل محرماً أو يعين محرماً بدلالة أو مناولة سلاح أو غير ذلك، فالمحرم هو الذي قتل، فعلى من الضمان: هل الضمان على المباشر، أو الضمان على المباشر والمتسبب؟ عندنا الآن محرم دل محرماً على القتل فقام المحرم بالقتل، فعندنا إنسان تسبب وإنسان باشر، فهذه موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، والصحيح في هذه المسألة: أن الضمان على المباشر، وأما المتسبب فإنه يأثم، وهذا قول الإمام مالك رحمه الله والشافعي، والمذهب: أن الضمان عليهما جميعاً، وعند أبي حنيفة على كل منهم جزاء كامل.

والصحيح ما ذهب إليه مالك والشافعي ؛ لأن القاعدة في التضمين: أن الضمان يكون على المباشر إذا أمكن تضمينه، فإن لم يمكن تضمينه فنرجع إلى المتسبب.

الأمر الثاني: أن يدل المحرم حلالاً على قتله، فالمحرم يأثم وهذا الصيد حلال؛ لأن الذي قتله حلال، وليس له أن يأكل منه، والضمان على من؟ هذا موضع خلاف، والصحيح في هذه المسألة أن الضمان على المحرم الذي دل الحلال. والحلال هل يمكن تضمينه أو لا يمكن تضمينه؟ نقول: لا يمكن تضمينه؛ لأنه يباح له الصيد، فنقول: الضمان هنا على المحرم؛ لأن الحلال لا يمكن تضمينه، والقاعدة أنه يضمن المباشر، فإذا لم نتمكن من تضمين المباشر فإننا نرجع إلى تضمين المتسبب، وهنا لا يمكن تضمين المباشر. وهذا قال به الحنفية والحنابلة رحمهم الله.

وعند مالك والشافعي أنه لا شيء على المحرم لأنه لم يقتله، والصحيح ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة أنه يلزم المتسبب؛ لأن المباشر لا يمكن تضمينه في هذه الحال.

أكل المحرم من الأهلي وصيد البحر

قال رحمه الله: [وأما الأهلي فلا يحرم].

نحن اشترطنا للصيد أن يكون برياً، وعلى هذا فالأهلي، مثل: الدجاج والإبل والبقر والغنم، ليست محرمة؛ لأنها ليست بصيد، والنبي عليه الصلاة والسلام كان ينحر البدن في إحرامه، فهذه الأشياء ليست صيداً، والله عز وجل إنما نهى عن الصيد، فنقول بأنها حلال، وعلى هذا لو ذكى المحرم دجاجةً نقول بأنها حلال، ولو ذكى شاةً نقول بأنها حلال، لكن لو ذكى غزالةً أو لو أمسك غزالة وكبر عليها وذكاها، فنقول بأنها ميتة.

قال رحمه الله: [وأما صيد البحر فمباح] فلو أن إنساناً أحرم ثم ذهب إلى جدة وأتى سيف البحر وجعل يصيد السمك، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به؛ لقول الله عز وجل: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً [المائدة:96]. فالمحرم هو صيد البر، أما صيد البحر فإن هذا جائز ولا بأس به.

وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن صيد البحر مباح حتى ولو كان بمكة، يعني: لو كان هناك بركة فيها سمك في مكة وصاد فإن ذلك مباح، وهذا خلاف المذهب، فالمذهب أن صيد البحر فيه تفصيل؛ بالنسبة للمحرم مباح، وبالنسبة إذا كان داخل مكة -داخل الحرم- فإنه لا يجوز.

المحظور السابع: عقد النكاح ومقدماته

قال رحمه الله: [ السابع: عقد النكاح حرام ولا فدية فيه ].

هذا المحظور السابع من المحظورات وهو عقد النكاح، فعقد النكاح هذا محرم ولا يجوز، وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله، واستدلوا على ذلك بحديث عثمان رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ينكح المحرم ولا ينكح ) وهذا أخرجه مسلم في صحيحه، وأيضاً ورد أن أبا غطفان المري أن أباه طريفاً تزوج امرأةً وهو محرم فرد عمر رضي الله تعالى عنه نكاحه، وهذا أخرجه الدارقطني والبيهقي.

المهم عند جمهور أهل العلم أن المحرم لا يصح نكاحه ويحرم. وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني: رأي الحنفية رحمهم الله قالوا بأنه يجوز عقد النكاح للمحرم، واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس في الصحيحين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم ).

وهذا أجاب عنه العلماء رحمهم الله بأجوبة:

الجواب الأول: أن ميمونة ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهما حلالان بسرف كما في سنن أبي داود والترمذي .

الجواب الثاني: أن أبا رافع السفير بين ميمونة والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر بأن النبي عليه الصلاة والسلام تزوجها وهو حلال.

الجواب الثالث: أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ذكر أنه لم يعلم بزواج النبي صلى الله عليه وسلم من ميمونة إلا بعد أن أحرم عليه الصلاة والسلام، فظن أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوجها وهو محرم.

والصحيح ما عليه جماهير أهل العلم رحمهم الله.

وعندنا ثلاثة: الزوج والزوجة والولي، فإذا كان واحد منهما محرماً فإن العقد لا يصح، فلو كان الزوج محرماً والزوجة والولي حلالان فلا يصح، ولو كانت الزوجة محرمة والآخران حلالان نقول بأنه لا يصح.

المهم سواء كان الزوج أو الزوجة أو الولي أحدهما محرماً فإن العقد لا يصح حتى لو وكل، يعني: لو كان الزوج محرماً ووكل شخص يقبل عنه -وهو حلال- نقول: لا يصح؛ لأن النائب يقوم مقام من أنابه، والفرع له حكم الأصل، ولو وكلت المرأة أو وكل الولي نقول بأنه لا يصح.

وقوله رحمه الله: (ولا فدية فيه) هذا سيأتينا إن شاء الله.

أيضاً لم يتكلم المؤلف رحمه الله عن خطبة النكاح، يعني: كون الإنسان يخطب وهو محرم، نقول بأن هذا محرم ولا يجوز وهو الصحيح، وقال بعض أهل العلم بكراهتها، لكن الصحيح أن ذلك محرم؛ لأن الخطبة وسيلة إلى المحرم وما كان وسيلةً إلى محرم فإنه محرم.

المحظور الثامن: المباشرة بشهوة فيما دون الفرج

قال رحمه الله: [الثامن: المباشرة بشهوة فيما دون الفرج].

يعني: كون الإنسان يباشر أهله لشهوة، يعني: يمس زوجته لشهوة ونحو ذلك، فنقول: هذا من محظورات الإحرام، ودليل ذلك قول الله عز وجل: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، والرفث كما ذكر ابن جرير الطبري رحمه الله أنه يشمل الجماع ومقدماته، وعلى هذا لا يجوز للمحرم أن يباشر أهله؛ لأن المباشرة وسيلة إلى الجماع والجماع محرم، وما كان وسيلةً إلى المحرم فهو محرم.

قال المؤلف رحمه الله: [فإن أنزل بها فعليه بدنة، وإلا ففيها شاة].

يعني: لو باشر زوجته حتى أنزل -خرج منه المني- فيقول المؤلف رحمه الله: عليه بدنة، وإن لم ينزل فعليه شاة، والمراد بالشاة إذا قالوا: شاة، أي: كما في فدية الأذى، يعني: أنه مخير بين أن يطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يذبح شاة، والشاة المراد بها كما سبق لنا: جذع ضأن، أو ثني معز، أو سبع بدنة أو بقرة.

فنقول: إذا باشر وأنزل فعليه بدنة، وإن لم ينزل فعليه شاة، والصحيح أن البدنة لا تلزم، فنقول: الصحيح أن فيه فدية أذى أنزل أو لم ينزل، وهذا سيأتينا إن شاء الله في باب الفدية.

المحظور التاسع: الوطء في الفرج

قال رحمه الله: [التاسع: الوطء في الفرج].

الجماع في الفرج محرم على المحرم ولا يجوز، وهو من محظورات الإحرام، ودليله -كما تقدم- قول الله عز وجل: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ [البقرة:197]، فهذا نهي، والنهي يقتضي التحريم: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، والرفث كما أسلفنا أنه يشمل الجماع ومقدماته، وما المراد بالجماع؟ المراد بالجماع هو تغييب الحشفة، أي: رأس الذكر.

قال المؤلف رحمه الله: [فإن كان قبل التحلل الأول فسد الحج، ووجب المضي في فاسده، والحج من قابل وعليه بدنة].

اعلم أنه إذا جامع فهذا لا يخلو من ثلاثة أقسام:

الوطء قبل الوقوف بعرفة

القسم الأول: أن يجامع قبل الوقوف بعرفة، فهذا باتفاق الأئمة أنه يفسد حجه مع التحريم، وسيأتي أيضاً الأحكام الباقية، لكن المهم أنه إذا كان قبل الوقوف بعرفة فحجه فاسد مع التحريم، ويمضي في هذا النسك الفاسد وعليه بدنة ويقضي الحج من قابل وعليه التوبة، فهذه ستة أمور: التحريم، والفساد، ويمضي فيه، وعليه بدنة، ويحج من قابل، والتوبة.

الوطء بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأول

القسم الثاني: أن يكون قبل التحلل الأول وبعد الوقوف بعرفة، فهذا أيضاً عند الجمهور أنه يفسد حجه، وعند الحنفية لا يرون فساد الحج، والصحيح في ذلك ما عليه جماهير أهل العلم رحمهم الله لورود الآثار عن الصحابة، والصحابة لم يستفصلوا هل كان قبل الوقوف بعرفة أو بعد الوقوف بعرفة، وذلك يوجب عموم الحكم. وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني: رأي الحنفية فقالوا بأنه إذا كان بعد الوقوف بعرفة لا يفسد حجه لحديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الحج عرفة ). والصحيح ما ذهب إليه الجمهور كما تقدم.

وعلى هذا تلزمه خمسة أمور:

الأمر الأول: أنه يفسد حجه.

والأمر الثاني: يمضي في هذا الحج الفاسد أي: لا يخرج منه.

الأمر الثالث: تجب عليه البدنة.

الأمر الرابع: يقضي هذا الحج الفاسد.

الأمر الخامس: التوبة.

ونقول بأن هذا وارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم: ابن عباس وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، ويدل لذلك ما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى أن رجلاً جاء ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فسأله عن محرم واقع امرأته؟ فقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: بطل حجك، فقال الرجل: ما أصنع؟ قال: اخرج مع الناس واصنع ما يصنعون - يعني: تمضي في هذا الحج الفاسد - فإن أدركت قابلاً فحج -هذا القضاء- وأهد الهدي والتوبة، وذهب هذا الرجل وسأل عبد الله بن عمرو فأفتاه بمثل ما أفتى ابن عمر ، وسأل ابن عباس فأفتاه مثل ما أفتاه عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عن الجميع.

فنقول: إذا جامع وجبت عليه هذه الأمور الخمسة.

الوطء بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني

قال رحمه الله: (وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة ويحرم من التنعيم ليطوف محرماً).

هذا القسم الثالث، نحن قلنا: الجماع ينقسم إلى ثلاثة: قبل الوقوف بعرفة.. بعد الوقوف وقبل التحلل الأول.. بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني، يعني: حتى الآن ما تحلل التحلل الثاني، لكن تحلل التحلل الأول فأصبح كل شيء يباح له إلا النساء، وبقي عليه التحلل الثاني -لو تحلل التحلل الثاني أبيح له كل شيء- فماذا عليه؟

فقال رحمه الله: (وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة).

فنقول: لا يفسد حجه، ويمضي مع الناس ولا يجب عليه القضاء، فما يلزمه إلا شيئان:

الشيء الأول: فيه شاة، وما المراد بالشاة؟ نقول: فدية الأذى، يعني: إذا كان بعد التحلل الأول فهو مخير بين أن يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين، أو يذبح شاة -جذع ضأن، أو ثني معز، أو سبع بدنة أو بقرة- وهذا الشيء الأول.

الشيء الثاني: قال رحمه الله: (ويحرم من التنعيم ليطوف محرماً) أي: يطوف طواف الإفاضة، ثم نقول له: اذهب واخرج للحل، فقوله: (التنعيم)، المقصود بذلك الحل، وليس أن يأتي عين التنعيم، فنقول: اخرج إلى التنعيم وأحرم لكي تطوف طواف الإفاضة، تجدد الإحرام لطواف الإفاضة، والتوبة.

والصحيح في هذا أن كونه يخرج إلى الحل ويحرم لكي يطوف للإفاضة أنه لا دليل عليه وأنه لا يلزمه ولا يجب عليه، يعني: لا يجب عليه أن يخرج إلى الحل -التنعيم أو غيره- ويحرم منه، وعلى هذا نقول: الصحيح أنه يلزمه شيئان: الشيء الأول فدية الأذى، والشيء الثاني: التوبة.

الوطء في العمرة وما يجب فيه

قال رحمه الله: (وإن وطئ في العمرة أفسدها ولا يفسد نسكه بغيره).

إذا وطئ في العمرة يقول المؤلف رحمه الله: أفسدها، وإذا جامع في العمرة ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يجامع قبل الطواف، يعني: بعد أن أحرم وقبل أن يشرع في العمرة جامع، فنقول:

أولاً: تفسد عمرته.

ثانياً: يمضي في هذه العمرة الفاسدة.

ثالثاً: يقضي هذه العمرة.

رابعاً: التوبة.

خامساً: فدية الأذى.

فإذا جامع قبل الطواف تلزمه خمسة أمور: فساد العمرة، والمضي في هذه العمرة الفاسدة، وقضاؤها، وفدية الأذى، والتوبة.

القسم الثاني: أن يجامع بعد الطواف وقبل السعي، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم، والصحيح في ذلك أنه تجب عليه الخمسة الماضية.

القسم الثالث: أن يجامع بعد السعي وقبل الحلق فهذا نقول: لا يجب عليه إلا ثلاثة أشياء: الشيء الأول: التوبة، والشيء الثاني: يفعل الواجب -الحلق- والشيء الثالث: فدية الأذى، فالصحيح أنه يجب عليه التوبة، وفدية الأذى، ويكمل الحلق.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح عمدة الفقه - كتاب المناسك [5] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net