إسلام ويب

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان الكهان واعتماد كلامهم، وبين أن ما يكون من كلامهم حق فهو مما استرقه الشيطان من السماء الدنيا، ثم يلقيه إلى من تحته حتى تصل إلى الكاهن، ولكنه يزيد معها مائة كذبة، ولهذا يحرم الذهاب إليهم وتصديق ضلالهم، وقد يؤدي ذلك

النهي عن إتيان الكهان والخط في الأرض

قال مسلم رحمه الله في صحيحه: [حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى ، قال: أخبرني ابن وهب ، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن معاوية بن الحكم السلمي ، قال: قلت: يا رسول الله! أموراً كنا نصنعها في الجاهلية: كنا نأتي الكهان].

الكهان: جمع كاهن، وهو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، [قال: (فلا تأتوا الكهان)، قال: قلت: كنا نتطير].

التطير كما تقدم لنا هو التشاؤم، وأما في الاصطلاح فهو التشاؤم بمرئي أو معلوم أو مسموع، [قال: (ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم)].

في هذا الحديث تحريم إتيان الكهان، وإتيان الكهان وسؤالهم ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: أن يأتيهم ويسألهم ويصدقهم في الغيب المطلق، فهذا كفر وردة، لأن الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله، كما قال سبحانه وتعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65].

القسم الثاني: أن يأتيهم ويسألهم ويصدقهم في الغيب النسبي، مع اعتقاد أن الشياطين لا تخبرهم، وأنهم يستقلون بذلك، فهذا أيضاً ردة وكفر.

والغيب النسبي مثل معرفة مكان الضالة، معرفة مكان السحر، مكان الضائع، المسروق، أن يأتيهم ويسألهم ويصدقهم في الغيب النسبي، مع اعتقاد أن الشياطين لا تخبرهم، فنقول: بأن هذا كفر مخرج من الملة.

القسم الثالث: أن يأتيهم ويسألهم ويصدقهم في الغيب النسبي، مع اعتقاد أن الشياطين تخبرهم، فنقول: بأن هذا فسق وليس كفراً، وهذا فيه عقوبتان: أنه كفر أصغر، يعني: ليس كفراً أكبر، كفراً أصغر، والعقوبة الثانية: لا تقبل له الصلاة أربعين يوماً.

القسم الرابع: أن يأتيهم مجرد إتيان، هذا أيضاً لا يجوز، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فلا تأتهم)، لما في ذلك من تكثير سوادهم .

القسم الخامس: أن يأتيهم لكي ينكر عليهم، فنقول: هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنبي صلى الله عليه وسلم أتى ابن صياد وهو دجال وكاهن من الدجاجلة، فأنكر عليه عليه الصلاة والسلام.

وفي هذا أيضاً حرص معاوية بن الحكم على تعلم دينه.

وفيه ما عليه من الجاهلية من الضلال والفساد، وهكذا كلما ابتعد الإنسان عن نور النبوة وقع في الدجل والخرافة والضلال.

وفيه أيضاً النهي عن التطير، وقد سبق أن ذكرنا أن التطير هذا أيضاً من الخرافة؛ لأنه اعتماد على لا سبب، والكهانة أيضاً من الخرافة، لأنها الاعتماد على شيء لا سبب له، وسبق أن ذكرنا التطير ينقسم إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: أن يعتقد أن المتطير به يضر وينفع من دون الله عز وجل، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة.

القسم الثاني: أن يعتقد أنه مجرد سبب، وأن الضر والنفع بيد الله عز وجل، فهذا نقول بأنه شرك أصغر.

والقسم الثالث: أن يعتقد أنه مجرد سبب، ويترك العمل، فهذا شرك أصغر، يعني: سمع هذه الكلمة ورجع، رأى هذا المنظر ورجع.

القسم الثالث: أن يقدم وفي قلبه شيء، فهذا نقص في التوحيد.

القسم الرابع: أن يقدم وقلبه سليم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (شيء يجده أحدكم في نفسه)، بعض أهل العلم قال عند هذه الكلمة، يعني: القسم الثالث: أن يجد في نفسه حرج، قال بعض أهل العلم: إن هذا لا يضر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجده أحدكم في نفسه)، فأقر بذلك.

وبعض أهل العلماء قال: هذا يضر، وهذا نقص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقله على سبيل الإقرار، يعني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه)، هل قاله النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإقرار فلا يضر، أو نقول: قاله على سبيل الإنكار فيضر؟ وعلى كل حال التوحيد هو القسم الرابع، وهو أن يمضي وقلبه سليم، أما إذا صده ذلك ورجع، فنقول بأنه شرك أصغر.

قال رحمه الله: [وحدثني محمد بن رافع قال: حدثنا حجين يعني ابن المثنى قال: حدثني الليث عن عقيل وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا شبابة بن سوار ، قال: حدثنا ابن أبي ذئب ، قال: حدثني محمد بن رافع ، قال: أخبرنا إسحاق بن عيسى ، قال: أخبرني مالك كلهم عن الزهري بهذا الإسناد، مثل معنى حديث يونس ، غير أن مالكاً في حديثه ذكر الطير، وليس فيه ذكر الكهان.

وحدثنا محمد بن الصباح وأبو بكر بن أبي شيبة ، قالا: حدثنا إسماعيل وهو ابن علية ، عن حجاج الصواف ، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: أخبرنا عيسى بن يونس ، قال: حدثنا الأوزاعي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن عطاء بن يسار ، عن معاوية بن الحكم السلمي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث الزهري ، عن أبي سلمة ، عن معاوية، وزاد في حديث يحيى بن أبي كثير ، قال: قلت: ( ومنا رجال يخطون، قال: كان نبي من الأنبياء يخط فما وافق خطه فذاك )].

الخط في الأرض خطان:

الخط الأول: محذور وممنوع، وهو الذي يقصد منه الضرب والرجم بالغيب، والاستدلال به عن المغيبات ونحو ذلك، فهذا ضرب من الكهانة، فهو خط مذموم، وهو ما كان في الجاهلية، وهو الخطوط التي يقصد منها الرجم بالغيب، ومعرفة الغيب، فهذا ضرب من الكهانة.

القسم الثاني: خط جائز، وهي الخطوط التي لا يقصد بها محذوراً شرعياً، وعلى هذا يحمل خط هذا النبي عليه السلام، كالخطوط التي يتوصل بها إلى معرفة الجهات ونحو ذلك، المهم يقصد منها ويترتب عليه مصلحة دينية أو دنيوية، فهذه لا بأس بها.

وفي هذا أن الخطوط تنقسم إلى هذين القسمين، وأن الخطوط المحذورة هي التي يترتب عليها محذور شرعي، كأن تكون ضرباً من الكهانة، وسبيلاً إلى ادعاء معرفة المغيبات ونحو ذلك، فنقول: إن هذا محذور شرعي لا يجوز، وهو داخل في الكهانة وما عليه الجاهلية.

وأما القسم الثاني التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو خط النبي، وهو أن الخط ليس كل خط محرماً، وإنما الخط الذي يترتب عليه مصلحة دينية أو دنيوية، كمعرفة الجهات، أو الخط في الأرض مثلاً للصلاة ونحو ذلك، أو تعلق كتاباً وغير ذلك، نقول بأن هذا جائز ولا بأس به.

حديث الكهان الذي قد يكون حقاً

قال: [وحدثنا عبد بن حميد ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن يحيى بن عروة بن الزبير ، عن أبيه ، عن عائشة قالت :(قلت: يا رسول الله! إن الكهان كانوا يحدثوننا بالشيء فنجده حقاً؟ قال: تلك الكلمة الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه ويزيد فيها مائة كذبة)].

في هذا أن حديث الكهان منه ما هو حق ومنه ما هو باطل، الحق من حديثهم ما يأخذه مسترق السمع من السماء من أقدار الله الكونية، يعني: الله سبحانه وتعالى أقدر هؤلاء الجن على استراق الوحي فيما يتعلق بأقدار الله الكونية، ما سيحدث في هذا الكون من مطر أو نحو ذلك، الله عز وجل يوحي به إلى ملائكته فيستمعها الجن؛ لأن الله سبحانه وتعالى أقدرهم على الرقي والصعود إلى قريب من السماء، فيأخذها مسترق السمع ويعطيها لمن بعده، ربما خطفه الشهاب فلم يتمكن.

والشهب هذه النيازك تخرج من الكواكب، هذه الكواكب أفلاك عظيمة، فهذه الكلمة التي يخطفها هذا الجني هذه حق، فهو يخبر أن فلاناً سيموت بعد يوم أو يومين، هذا حق، لكن سيزيد معها هذا الكاهن مائة كذبة من الباطل، فتبين أن ما يخبر به الكاهن منه ما هو حق، وأكثره باطل، الحق الذي في كلامه هو ما يخطفه هذا الجني من وحي الله سبحانه وتعالى لملائكته، وما عدا ذلك فهو كذب.

وفيه أيضاً ما عليه هؤلاء الكهان من الدجل ومن الكذب، فإنهم يكذبون معها مائة كذبة أو يزيدون.

قال رحمه الله: [وحدثني سلمة بن شبيب ، قال: حدثني الحسن بن أعين ، قال: حدثنا معقل ، قال: حدثنا معقل وهو ابن عبيد الله ، عن الزهري ، قال: أخبرني يحيى بن عروة أنه سمع عروة يقول: قالت عائشة : (سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليسوا بشيء، قالوا: يا رسول الله!)]، ومعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليسوا بشيء)، أن خبرهم كذب، وإلا فإن الكهان كما تقدم يحرم الذهاب إليهم، وأن الذهاب إليهم منه ما هو شرك أكبر ومنه ما هو شرك أصغر.

فقوله صلى الله عليه وسلم: (ليسوا بشيء)، بمعنى فيما يتعلق بحديثهم، هذا لا يعول عليه؛ لأنه كذب، وإنما يصدقون في هذه الكلمة التي يخطفها مسترق السمع.

قال: [(ليسوا بشيء، قالوا: يا رسول الله! إنهم يحدثون أحياناً بالشيء يكون حقاً؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الجن يخطفها الجني، فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة)].

قوله: (قر الدجاجة)، القر: هو ترديد الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمها، وقر الدجاجة: هو صوتها إذا قطعته، فالجني يقذف الكلمة إلى وليه الكاهن فتسمعها الشياطين، كما تؤذن الدجاجة صواحبها فتتجاوب.

قوله: (فيخلطون معها أكثر من مائة كذبة)، هذا الحديث فيه أن خبر الكهان كذب، وأنه لا يعول عليه، وإنما يصدقون في تلك الكلمة التي يخطفها الجني، وفيه أيضاً أنهم يكذبون ويزيدون.

وفيه أيضاً حسن التعليم من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو التشبيه وضرب المثال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة)، في هذا تشبيه وتمثيل، وهو أسلوب من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم.

سبب الرمي بالشهب

قال: [وحدثني أبو الطاهر ، قال: أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال: أخبرني محمد بن عمرو ، عن ابن جريج ، عن ابن شهاب بهذا الإسناد نحو رواية معقل ، عن الزهري .

وحدثنا حسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد ، قال الحسن : حدثنا يعقوب ، وقال عبد : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، قال: حدثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، قال: حدثني علي بن حسين : أن عبد الله بن عباس قال: أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار: ( أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، رمي بنجم فاستنار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم، ومات رجل عظيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال، قال: فيستخبر بعض أهل السماء بعضاً حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا، فتخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم ويرمون به، فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون)].

في هذا الحديث كما تقدم فيه أيضاً حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم، فإن من أساليب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ضرب السؤال للمتعلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رمي بهذا النجم فاستنار، قال: (ماذا كنتم تقولون إذا رمي بمثل هذا)؟

وفيه أن المراد بالنجم هذه هي عبارة عن شهب من النجوم، وإلا فإن النجم هو كوكب عظيم، لكن هذه الشهب والنيازك تخرج من هذه النجوم لضرب مثل هؤلاء الجن، وهؤلاء الجن كانوا يسترقون السمع قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعوا من الاستراق؛ لئلا يختلط الوحي بكذب الكهان والدجاجلة، ثم بعد ذلك أذن لهم في الاستراق بعد انقطاع الوحي.

وفيه قول: (الله ورسوله أعلم). وهذا لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون ذلك في الأمور الشرعية الدينية، تقول: الله ورسوله أعلم. هل في هذه المعاملة ربا أو ليس فيه ربا؟ تقول: الله ورسوله أعلم. الله يعلم والرسول يعلم، الرسول صلى الله عليه وسلم مشرع يعلم ما يتعلق بالربا والحلال والحرام، هل هذه المعاملة حرام؟ هل هذه الصلاة صحيحة؟ هل هذه المعاملة حلال؟ تقول: الله ورسوله أعلم.

القسم الثاني: أن يكون ذلك في الأمور الكونية القدرية، فهذه لا يقال: الله ورسوله أعلم. يعني: هل مات فلان؟ ما تقول: الله ورسوله أعلم، تقول: الله أعلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عز وجل عليه، فما يتعلق بالأمور الشرعية الدينية تقول: الله ورسوله أعلم، أما فيما يتعلق في الأمور القدرية الكونية فإنك تقول: الله أعلم.

وفي هذا ماذا يقال؟ قال: كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم.. إلخ، وفيه أن الرمي بهذه الشهب لا يكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم بولاية رجل ولا موت رجل.

وفيه سبب بيان الرمي بهذه الشهب، وأن الله سبحانه وتعالى إذا قضى بالوحي من الأمور الكونية القدرية، أما الأمور الشرعية الدينية فهذه منع منها مسترق السمع، وإنما المقصود بذلك الأمور الكونية القدرية، فإذا أوحى الله عز وجل لملائكته تسامع به أهل السموات فسمع هذا الجني، إذ إن الله عز وجل أقدرهم، ثم بعد ذلك يعطيه إلى من بعده إلى أن يلقيه الجني في أذن وليه، يعني يتراكبون فيسمعها أعلاهم ويلقيها لمن بعده، ومن بعده يلقيها لمن بعده، إلى أن يلقيها في أذن وليه.

وفيه أيضاً عظم هؤلاء الملائكة، وأنهم يسبحون الله عز وجل.

وفيه إثبات حملة العرش، وفيه إثبات العرش، وفيه تسبيح ملائكة العرش، وفيه تسبيح أهل السماء الذين يلونهم، وفيه أن السماء متعددة.

قوله: (فيقول الذين يلون حملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم بماذا قال، قال: فيستخبر بعض أهل السموات بعضاً حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا)، يعني: إذا أوحى الله عز وجل بهذا الوحي يسبح أهل السموات، ثم بعد ذلك يسألون عما قضى الله عز وجل به.

وفيه ما عليه هؤلاء الملائكة من تعظيم الله عز وجل وعبادته، حيث إنهم أولاً يسبحون الله، وهذا من تمام خوفهم منه سبحانه وتعالى، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف، فهم يسبحون الله عز وجل أولاً، ثم بعد أن ينزهوا الله سبحانه وتعالى عما لا يليق به من صفات النقص، أو من نقص في كماله، أو من مشابهة المخلوقين، يسألون عما قضى الله عز وجل، فأهل السماء الذين يلون حملة العرش يسألون حملة العرش عما قضى الله عز وجل به، ثم هؤلاء يخبرون من يلونهم من أهل السموات حتى يتسامعوا به.

قال: [(حتى يبلغ الخبر هذه السماء فتخطف الجن السمع فيقذفونه إلى أوليائهم ويرمون به، فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون)]، يعني: يخلطون ويزيدون، يكذبون ويخلطون ويقرفون، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون، يعني: يخلطون كما تقدم أنه يكذب معها مائة كذبة.

قال: [وحدثنا زهير بن حرب ، قال: حدثنا الوليد بن مسلم ، قال: حدثنا أبو عمرو الأوزاعي ، ح، وحدثنا أبو الطاهر وحرملة ، قالا: أخبرنا ابن وهب ، قال: أخبرنا يونس ، ح، وحدثنا سلمة بن شبيب ، قال: حدثنا الحسن بن الأعين ، قال: حدثنا معقل يعني ابن عبيد الله ، كلهم عن الزهري بهذا الإسناد، غير أن يونس قال: عن عبد الله بن عباس ، قال: أخبرني رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار، وفي حديث الأوزاعي : (ولكن يقرفون فيه ويزيدون)، في حديث يونس : (ولكنهم يرقون فيه ويزيدون)، وزاد في حديث يونس: وقال الله: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ [سبأ:23]، وفي حديث معقل كما قال الأوزاعي : ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون.

وحدثنا محمد بن المثنى العنزي ، قال: حدثنا يحيى يعني: ابن سعيد ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن صفية ، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماُ)].

العراف: الذي يدعي معرفة المسروق والضالة ونحو ذلك بمقدمات يصنعها.

وقيل بأن العراف هو الكاهن، هذا من باب المترادف.

وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن تقبل له صلاة أربعين يوماً)، معنى: أنه لا تقبل منه صلاة أربعين يوماً، يعني: أنه لا يثاب عليها، فيجب عليه أن يصلي لكنه لا يثاب على هذه الصلاة، يعني: ليس له أجر، هؤلاء الذين يأتون الكهان والعرافين والسحرة، ليس لهم أجر عند الله عز وجل، وصلاتهم مبرئة للذمة ومسقطة للطلب، لكنهم لا يؤجرون عليها، وتقدم لنا أن من أتى هؤلاء العرافين والكهان وسألهم عن الغيب النسبي، وهو يعتقد أن الشياطين تخبرهم، أن فيه عقوبتين:

العقوبة الأولى: شرك، أو نقول: كفر أصغر، والعقوبة الثانية: لم تقبل له صلاة أربعين يوماً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح صحيح مسلم - كتاب الطب والرقى [8] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net