إسلام ويب

الصناديق الاستثمارية هي وعاء للاستثمار له ذمة مالية مستقلة يهدف إلى تجميع الأموال واستثمارها في مجالات متعددة، وتدير هذه الصناديق شركات استثمار، وتختلف الزكاة في هذه الصناديق بحسب العلاقة القائمة بين رب المال والقائمين على هذه الصناديق الاستثمارية إن كانت

زكاة الصناديق الاستثمارية

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وبعد:

في الدرس السابق تعرضنا لما يتعلق بزكاة الأسهم والسندات، وتكلمنا عن زكاة السندات، وأن السندات في حقيقتها عبارة عن قروض بفوائد، وتكلمنا عن المسائل التي تبنى عليها هذه المسألة، وهي فيما يتعلق بزكاة الدين بأقسامه الثلاثة، وتلخص لنا أن هذه السندات هي قروض على مليء، فتجب فيها الزكاة إلا ما يتعلق بفوائدها المحرمة فإن الزكاة لا تشرع فيها.

وأيضاً تكلمنا عن زكاة الأسهم، وتبين لنا أن زكاة الأسهم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكون المساهم هو المزكي، واشترى هذه الأسهم ليفيد من ريعها، ويجني من أرباحها، فهذا بحسب نشاط الشركة، إن كانت الشركة تجارية فإنه يخرج ربع العشر للأسهم أو ربع عشر قيمة الأسهم الحقيقية، وإن كانت الشركة صناعية، فإنه يخرج ربع العشر من الأرباح، وإن كانت زراعية فإنه يزكي زكاة الزروع.

والقسم الثاني: أن يكون المساهم اقتنى هذه الأسهم للاستثمار، للبيع والشراء.. إلخ، فهذه يجب عليه أن يخرج ربع عشر قيمة الأسهم السوقية.

والقسم الثالث: أن يكون المزكي هي الشركة، فإن الشركة تجعل أموال المساهمين كمال الشخص الواحد، ثم بعد ذلك تزكي حسب نشاطها، إن كانت تجارية وإن كانت زراعية وإن كانت صناعية كما تقدم.

درس اليوم سنتعرض لزكاة الصناديق الاستثمارية، وهذه المسألة لها ارتباط بالمسألة السابقة وهي زكاة الأسهم، ثم بعد ذلك سنتعرض لزكاة المصانع وما يلحق بها من مسائل، ثم بعد ذلك سنتعرض لزكاة الحيوانات المتخذة للاتجار بنتاجها كالألبان والبيض، وما يشتق عن الألبان من زبد أو جبن أو نحو ذلك كما هو معروف.

عندنا المسألة الأولى في درس هذا اليوم وهي ما يتعلق بزكاة صناديق الاستثمار، وعندنا مسألتان في هذه المسألة، المسألة الأولى: المراد بصناديق الاستثمار، والمسألة الثانية: كيفية زكاة هذه الصناديق.

المراد بصناديق الاستثمار

صناديق الاستثمار هي وعاء للاستثمار، له ذمة مالية مستقلة يهدف إلى تجميع الأموال واستثمارها في مجالات متعددة، وتدير هذه الصناديق شركة استثمار، وهناك تعاريف أخرى لكن نقتصر على هذا التعريف.

أقسم زكاة الصناديق الاستثمارية

المسألة الثانية: زكاة الصناديق الاستثمارية، نقول: هذه الصناديق لا تخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون استثمارها في نشاط معين، مثل: النشاط الصناعي أو الزراعي، فزكاة هذا النشاط يتقسم إلى الآتي:

القسم الأول: أن يكون استثمارها في نشاط معين كالنشاط الزراعي أو الصناعي، فحكم زكاة هذا النشاط كما تقدم لنا، فإذا كان نشاطها صناعياً فإن الزكاة على صافي الأرباح، ربع العشر، وإن كان نشاطها زراعياً فزكاتها زكاة الزروع، العشر أو نصف العشر.

القسم الثاني: أن يكون استثمارها في النشاط التجاري بتقليب المال بالبيع والشراء، وهذا هو الغالب اليوم على الصناديق الاستثمارية، يعني: الصناديق الاستثمارية والتي توجد في المصارف الغالب على نشاطها هو النشاط التجاري بالبيع والشراء وتقليب الأموال.

وهذا القسم تحته أمران:

الأمر الأول: أن يكون الاتفاق بين رب المال والقائمين على هذه الصناديق الاستثمارية هي المضاربة بهذا المال، يعني: رب المال يودع هذا المال بهذه الصناديق الاستثمارية على أن يعملوا ولهم جزء من الربح، فهذه شركة مضاربة.

وحينئذٍ نقول: بالنسبة لرب المال يزكي زكاة عروض تجارة، فينظر إذا حال الحول إلى قيمة أسهمه السوقية، ويخرج ربع العشر، وإذا أعطي شيئاً من الأرباح فإنه يخرج زكاتها مباشرة: ربع العشر.

لكن بالنسبة للقائمين على هذه الصناديق الاستثمارية، فإنه ينبني على خلاف أهل العلم رحمهم الله، المضارب من أعطي المال هل يجب عليه أن يزكي على الربح أم لا؟ رب المال: يجب عليه أن يزكي عن قيمة الأسهم، وعن ربحها.

لكن بالنسبة للمضارب، وهو هذه الشركة القائمة على هذه الصناديق الاستثمارية، هل يجب عليها أن تزكي أو لا يجب عليها أن تزكي؟

فقال بعض العلماء: إذا اشتغلت ثم ربحت فهي الآن ملكت فيجب عليها إذا حال الحول من حين الربح أن تزكي.

والرأي الثاني المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنه لا يجب عليها الزكاة حتى تقبض الربح، يعني: القائمون على هذه الصناديق لا تجب عليهم الزكاة حتى يقبضوا ويحول الحول على هذا الربح الذي قبضوه، هذا الأمر الأول، وهي ما إذا كانت العلاقة بين رب المال والقائمين على هذه الصناديق هي المضاربة.

الأمر الثاني: أن تكون العلاقة بين رب المال والقائمين على هذه الصناديق هي الوكالة، بمعنى: أن يوكلهم في العمل بأمواله، فنقول: أما بالنسبة لرب المال فيزكي زكاة عروض تجارة، فينظر إلى قيمة الأسهم السوقية ويخرج ربع العشر، وإذا قبض شيئاً من الربح أخرج ربع عشره، لأن الربح هذا حوله حول الأصل، فحكم هذا الأمر بالنسبة لرب المال هو حكم الأمر السابق.

أما بالنسبة للقائمين على هذه الصناديق، فما يأخذونه هو أجرة على عملهم.

والصحيح من أقوال أهل العلم أن الأجرة لا تجب فيها الزكاة حتى يحول عليها الحول من حين العقد، فإذا حال الحول على هذه الأجرة من حين العقد فتجب فيها الزكاة.

زكاة المصانع

عندنا المسألة الثانية: وهي ما يتعلق بزكاة المصانع، وزكاة المصانع فيها خمس مسائل:

الفقهاء في الزمن السابق تحدثوا عن زكاة المستغلات، والمراد بالمستغلات هي كل أصل ثابت يدر دخلاً تتجدد منفعته.

وفي زماننا هذا خاض الفقهاء في الهيئات والمؤتمرات الفقهية في الحديث عن زكاة المستغلات وخصوصاً فيما يتعلق بالمصانع، لأن المصانع نشأت حديثاً وتطورت سريعاً، وهي من أكبر قنوات الاستثمار في العصر الحاضر لضخامة رؤوس أموالها وكثرة إنتاجها.. إلخ.

وهنا سنتكلم عن المسائل الآتية:

المسألة الأولى: زكاة غلة المصانع، وعن أعيان المستغلات، فهل تجب الزكاة في أعيان مستغلات المصانع؟ وهل تجب الزكاة في غلة هذه المصانع؟

والمسألة الثانية: زكاة السلع التي صنعت.

والمسألة الثالثة: زكاة المواد الخام التي لم تصنع بعد.

والمسألة الرابعة: زكاة المواد المساعدة في التصنيع.

فهذه تكلم عليها العلماء رحمهم الله في وقتنا الحاضر لما ذكرنا من أن المصانع الآن أصبحت من أكبر القنوات لاستثمار المال لضخامة رؤوس أموالها، وكثرة إنتاجها، وما تدره أيضاً من أرباح كثيرة. ‏

زكاة غلة المصانع

المسألة الأولى: زكاة أعيان المستغلات، وغلة هذه المصانع، ويقصد بأعيان المستغلات ما تحتويه هذه المصانع من آلات ومكائن.. إلخ، وغلة هذه الأعيان، ما تنتجه هذه المصانع، فعندنا المسألة الأولى: حكم زكاة أعيان هذه المستغلات، وأيضاً حكم زكاة غلة هذه المصانع وما تنتجه هذه المصانع.

هذه اختلف فيها العلماء رحمهم الله تعالى على أقوال ونقتصر على قولين.

القول الأول: أن الزكاة لا تجب في أعيان المستغلات، يعني: ما يوجد بهذه المصانع الضخمة من آلات ومكائن ومعدات يحتاج إليها في التصنيع فهذه لا تجب الزكاة فيها، وإنما تجب الزكاة في الغلة التي ينتجها المصنع بعد أن يمضي حول على إنتاجها، هذا هو الرأي الأول وهو رأي مجمع الفقه الإسلامي.

الرأي الثاني يقابل هذا الرأي: أنه تجب الزكاة في أعيان هذه المستغلات، وكذلك تجب الزكاة في غلتها.

ولكل منهم دليل: أما أهل الرأي الأول الذين قالوا: بأن الأعيان لا تجب فيها الزكاة، فاستدلوا على ذلك بأن قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة)، فالأشياء التي يقتنيها المسلم لا لقصد البيع والشراء وإنما للقنية، مثل الفرس يختص به، والرقيق للخدمة والسيارة والبيت وغير ذلك، قالوا: هذه لا زكاة فيها، ومثل هذه الأشياء أيضاً المعدات والآلات إلخ قالوا: هذه لا زكاة فيها؛ لأنه لا يراد بها البيع والشراء، وإنما تراد هذه الأشياء لما يترتب عليها من إنتاج ونحو ذلك، للإفادة منها في تصنيع هذه المواد، فهذه مثل البيت الذي يسكنه الإنسان، والسيارة التي يركبها، والإناء الذي يستفيد منه في الطبخ والأكل والشرب، ومثله أيضاً هذه الآلات… إلخ.

وأما الغلة فإنه تجب الزكاة فيها؛ لأن حقيقة هذه الغلة أنها عروض تجارة، وهي مال لأنها لا تراد لذاتها وإنما تراد للبيع، فهذه الأشياء تشترى ثم بعد ذلك تصنع، ثم بعد ذلك تدفع بيعاً للمستهلك، فهي مال، والله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]، ويقول سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103].

الرأي الثاني: قالوا: أنه تجب الزكاة في الأعيان وفي الغلات، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ [التوبة:103]، وهذه من الأموال.

والجواب عن هذا سهل فنقول: صحيح أنها مال، لكن دل الدليل على أن هذا المال خارج من وجوب الزكاة، كالسيارة التي يملكها الإنسان، والبيت الذي يملكه ويختص به للسكنى، هذه لا زكاة فيها.

فالصواب أن الزكاة إنما تجب في الغلات دون أعيانها.

وعلى هذا نخلص من هذه المسألة ونقول: ما يتعلق بزكاة المصانع بأعيانها وغلاتها تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أعيان الغلات من آلات ونحوها، فهذه لا تجب فيها الزكاة.

القسم الثاني: ما يتعلق بالغلات التي تنتجها هذه الآلات، فنقول: هذه تجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول من حين إنتاجها؛ لأنها مال واحد يتقلب، والربح فيه تابع لأصله في حوله ونصابه.

ويتبين بهذا أن هذه الأموال التي تصنع ثم تدفع للبيع فنقول: تزكي هذه السلع التي بيعت إذا حال عليها الحول من حين الإنتاج، فينظر إلى صافي أرباح هذه المصانع من حين الإنتاج إذا حال عليها الحول ويخرج ربع العشر، زكاة التجارة.

زكاة السلع المصنعة

المسألة الثانية: زكاة السلع المصنعة، فيما تقدم تبين لنا أن الزكاة تجب في أثمان هذه الغلات إذا بيعت وحال عليها الحول من بداية الإنتاج، فإنه يجب الزكاة في هذه الأرباح، وقدر الزكاة قدر زكاة التجارة؛ لأن هذه الأشياء لا تراد لذاتها، وإنما تراد للبيع، ففيها ربع العشر.

فإذا كان هناك سلع أنتجت ولم تبع، كأن تكون في المستودعات حتى الآن، فهل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة هذا الموضع فيه خلاف بين المتأخرين، فالرأي الأول: أنه تجب فيها الزكاة، وهذا ما عليه الأكثر، أن هذه السلع التي صنعت وإن لم تبع فإنه تجب فيها الزكاة؛ لأنها عروض تجارة تراد للبيع الآن، فإذا بقيت حولاً من حين إنتاجها فإنه يجب أن يخرج فيها ربع العشر.

وذهب بعض المتأخرين إلى أنه لا تجب الزكاة في مثل هذه البضائع التي لم تبع.

والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الأكثر، وأنه تجب فيها الزكاة إذا صنعت وحال عليها الحول من إنتاجها، فتقدر كم قيمتها ويخرج ربع العشر.

زكاة المواد الخام

المسألة الثالثة: زكاة المواد الخام، ويقصد بالمواد الخام المواد الأولية التي تتركب منها السلع المصنعة، مثل الحديد للسيارات، والقطن والصوف للمنسوجات.. إلخ، فهل تجب الزكاة في هذه المواد؟ لو اشترينا حديد لكي نصنع الآلات أو اشترينا خشباً لكي نعمل دواليب، أو اشترينا ألمنيوم لكي نعمل أبواباً ونوافذ.. إلخ؟ فهل تجب الزكاة في هذه المواد الخام التي اشتريت الآن أو لا تجب فيها الزكاة؟

الرأي الأول: أنه تجب فيها الزكاة، وهذا قول أكثر المعاصرين، وبه أفتت الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة في الكويت.

والرأي الثاني: أنه لا تجب الزكاة فيها.

ولكل منهما دليل: أما الذين قالوا: إنه تجب الزكاة فقالوا: إن هذه المواد الخام لا تقصد لذاتها، وإنما الأعمال بالنيات، وهي لا يقصد ذاتها، إنما يقصد أن تصنع وتباع، فهي داخلة في عروض التجارة، فتجب فيها الزكاة، وحولها حول أصلها؛ لأن عروض التجارة مبني على التقليب والاستبدال، فإذا كان عنده أموال، وهذه الأموال ابتدأ عليها الحول واشترى مواد خام كي يصنعها، فإن هذه المواد الخام حولها حول الأصل، يبني على حول الأموال السابقة؛ لأن هذه الأموال لا تراد لعينها وإنما تراد لقيمتها.

القول الثاني: لا تجب في هذه المواد الزكاة؛ لأنها لا تراد للبيع، وإنما تراد للتصنيع، وهذا غير مسلم، والصواب أن هذه الأموال هي مرادة للبيع، فالمصنع إنما اقتنى هذه الأشياء لكي يصنعها على شكل آخر، ثم بعد ذلك يبيعها على المستهلك.

زكاة المواد المساعدة في التصنيع

المسألة الرابعة: وهي زكاة المواد المساعدة في التصنيع، ويراد بالمواد المساعدة في التصنيع المواد التي لا تدخل في تركيب المصنوعات ولكن يحتاج إليها في التصنيع، كمواد التشغيل والصيانة، مثل الوقود والزيوت ونحو ذلك، فإذا اقتنيت كميات كبيرة من الزيت أو البنزين أو الغاز أو نحو ذلك من الأشياء التي لا تدخل في مواد التصنيع، لا يتركب منها السلعة المصنعة، لكن يحتاج إليها في تشغيل الآلات، فهل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة؟

نقول: مثل هذه الأشياء لا تجب فيها الزكاة، فهي كالأصول الثابتة كما تقدم لنا، وهذا قول أكثر المتأخرين.

فنقول: مثل هذه الأشياء التي يحتاج إليها للتشغيل والصيانة ونحو ذلك، هذه لو حال عليها الحول وهي عند الإنسان فإنه لا يجب عليه أن يخرج الزكاة.

كذلك أيضاً ما تحتاج إليه هذه المصنوعات من العلب والكراتين ونحو ذلك إلخ، نقول: هذه داخلة في السلع التي تصنع فتجب فيها الزكاة، يعني: أوعية هذه المنتوجات من الكراتين والمواد البلاستيك والعلب التي توضع فيه هذه الأشياء، هذه تجب فيها الزكاة.

حفر الآبار للفقراء من الزكاة

المسألة الخامسة: حفر الآبار للفقراء من الزكاة، وهذا يوجد اليوم عند كثير من الجمعيات الخيرية، وخصوصاً الجمعيات التي تعمل خارج البلاد، ويحتاج المسلمون في تلك البلاد إلى حفر آبار، فهل لهذه الجمعيات الخيرية أن تقوم بحفر آبار من الزكاة أو لا؟

هذه المسألة تنبني على شرط ذكره العلماء رحمهم الله فقالوا: يشترط في الزكاة تمليك الفقير للزكاة، ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام: (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)، أخذت من الأغنياء وترد على الفقراء، وعلى هذا لو أن الغني صنع طعاماً وقال للفقراء: كلوا، هل يجزئه ذلك عن الزكاة أو لا يجزئه؟ قالوا: لا يجزئه ذلك؛ لأن هذا ليس فيه تمليك لهم.

ومسألة حفر الآبار من الزكاة تنبني على هذه المسألة، وتنبني على مسألة أخرى وهي أن الزكاة لها مصارف محددة في الشرع بينها الله عز وجل في كتابه، فإذا حفرنا بئراً مثلاً بعشرة آلاف ريال من الزكاة، هل هذا البئر له مالك معين أو ليس له مالك معين؟ نقول: ليس له مالك معين، فيتخل عندنا هذا الشرط؛ لأن الزكاة لابد أن يكون لها مالك، وأن تملك الفقير، وهنا لم يملك الفقير، فهذا البئر لا يختص به زيد ولا عمرو.. إلخ.

المسألة الثانية: الزكاة لها مصارف محددة، ومثل هذه الآبار لا تكون خاصة بالفقراء، فيشرب منها الغني، والفقير، ويستفيد منها الغني والفقير، والغني ليس من أهل الزكاة.

ومن هذا يتبين أن حفر الآبار من الزكوات غير جائز لأمرين:

الأمر الأول: أنه لابد من تمليك الفقير لهذا المال، والآن هذا البئر ليس ملكاً لأحد، وإنما هو لعموم المسلمين.

الأمر الثاني: أن الزكاة لها مصارف محددة شرعاً، ومثل هذا البئر قد يفيد منه حتى الأغنياء، فيظهر لنا أن الزكاة لا تصح فيما يتعلق بحفر الآبار، واستثنى بعض المتأخرين إذا لم يمكن حفر الآبار إلا بمال الزكاة، وهذا يكون داخل تحت قاعدة الضرورات تبيح المحظورات.

أحكام تتعلق بصرف الزكاة للفقير

شراء بيت للفقير من الزكاة

المسألة السادسة: شراء بيت للفقير من مال الزكاة، هل يجوز أن نشتري للفقير بيتاً من مال الزكاة؟

هذه المسألة تنبني على ما هو مقدار ما يعطاه الفقير من الزكاة؟ فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن مقدار ما يعطاه الفقير من الزكاة هو كفاية العام له ولمن يموله من النفقات الشرعية والحوائج الأصلية، نعطيه النفقات الشرعية الطعام والشراب وأجرة السكن، والحوائج الأصلية التي يحتاجها من الآلات، يحتاج إلى شراء آلة تبريد، آلة تغسيل، آلة طبخ.. إلخ، كذلك أيضاً يحتاج إلى فرش، يحتاج إلى أواني، يحتاج إلى أغطية.. إلخ، هذه حوائج أصلية نعطيه منها. قالوا: الفقير يعطى كفاية عام.

الرأي الثاني: رأي الشافعي رحمه الله، وهو أوسع المذاهب في هذه المسألة، قال: الفقير يعطى كفاية العمر.

أما الرأي الثالث فهو أضيق المذاهب، وهو رأي أبي حنيفة رحمه الله: وهو أن الفقير يعطى أقل من النصاب وهو أقل من مائتي درهم.

ويظهر من حيث الدليل أن أرجح الأقوال في هذه المسألة أن الفقير يعطى من الزكاة كفاية عام، لأن الزكاة تجب كل عام وحينئذ تعطيه من الزكاة كفاية عام كاملة أو تتمتها، فقد يكون عنده مرتب ألف ريال، وهو يحتاج وعائلته من النفقات والحوائج الأصلية إلى عشرين ألفاً، فيحتاج زيادة إلى ثمانية آلاف، فنعطيه التمام، أو ليس عنده عمل فنعطيه التمام عشرين ألفاً.

فالصواب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله من أن الفقير يعطى من الزكاة كفاية عام من النفقات الشرعية والحوائج الأصلية، واستثنى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجمع من الحنابلة ما يتعلق بآلة المهنة، قالوا: لا بأس بأن نعطي الفقير من الأموال ما يستطيع به أن يشتري آلة مهنة، مثلاً يشتري مكائن بحيث يعمل ويكتفي بنفسه بمقدار ما ينفق على نفسه وعلى من يمونه من عائلته، أو نعطيه مثلاً رأس مال تجارة، كأن نعطيه عشرة آلاف ريال ليضارب بها أو يفتح محلاً بحيث يكتفي بنفسه، وقدر ما يعطى مما يشتري به الآلة، وما يكون به رأس مال تجارة بقدر ما ينفق عليه هو ومن يعوله لا زيادة على ذلك، فقالوا: هذه تستثنى.

ومن عرض هذا الخلاف يتبين لنا حكم شراء البيت من أموال الزكاة: هل نشتري للفقير بيتاً من الزكاة أو لا نشتري؟ وذكرنا أن الراجح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله ويتبين أنه لا يجوز أن يشترى للفقير بيتاً من الزكاة؛ لأن الفقير نستطيع أن نعطيه كفايته بأن نعطيه مقدار الأجرة، قد يكون البيت يساوي مائة ألف أو مائتي ألف، فنعطيه ما يستأجر مثله، مثلاً بعشرة آلاف ريال نعطيه عشرة آلاف ريال، ولا نعطيه مائة ألف أو مائتي ألف ليشتري بذلك منزلاً.

لكن هناك قول آخر ذهب إليه بعض المتأخرين وهو أنه لا بأس أن الفقير يشتري المنزل، وحينئذ يكون من أصناف الغارمين، فنقول: إذا اشترى وكان من أصناف الغارمين حينئذ نعطيه من الزكاة؛ لأنه غارم بنفسه في أمر يتعلق بحاجته، فإذا اشترى وأصبح من الغارمين ولزمه مائة ألف أو مائتا ألف نعطيه حينئذ من الزكاة لكي يسدد غرمه.

شراء السيارة للفقير من الزكاة

ومثل ذلك أيضاً شراء السيارة من الزكاة، هل للفقير أن يشتري سيارة من الزكاة أو لا؟ إذا كانت السيارة هذه سيعمل عليها في التحميل والتنزيل، وينفق على أهله، فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله استثنى هذه المسألة.

أما إذا كانت هذه السيارة سيركبها، هو ليس موظفاً الآن لكن لا يستطيع أن يشتري سيارة، فهنا لا يجوز أن نعطيه من الزكاة ما يشتري به سيارة؛ لأن بإمكانه أن يأخذ من الزكاة ما يستأجر به، لكن كما أسلفنا أنه لو أن هذا الفقير اشترى سيارة بشرط أن تكون السيارة لمثله، ولحقه غرم، فحينئذ نعطيه من الزكاة لكونه أصبح من الغارمين.

شراء المواد الدراسية للفقير من الزكاة

كذلك من المسائل التي تتعلق بهذا: مسألة شراء المواد الدراسية، هل يشترى للفقير المواد الدراسية أو هل نعطيه من الزكاة ما يشتري بها مواد دراسية وتكاليف الدراسة نقول: هذا جائز، ولا بأس أن نعطي الفقير زكاة، ويقوم بشراء التكاليف الدراسية؛ لأن هذا داخل في الحوائج الأصلية، وكما أسلفنا أنه يعطى من الزكاة ما يحتاج إليه لمدة عام من النفقات الشرعية، وكذلك أيضاً الحوائج الأصلية نقول: لا بأس أن يعطى ما يشتري به هذه النفقات.

وقد نص العلماء رحمهم الله على أن طالب العلم إذا تفرغ لطلب العلم وترك العمل فإنه يعطى من الزكاة، وكذلك نصوا على أنه يعطى من الزكاة ما يشتري به كتباً يحتاج إليها في طلبه للعلم.

علاج الفقراء من الزكاة

مسألة أخرى هي: صرف الزكاة في علاج الفقراء، هل هذا جائز أو ليس جائزاً؟

من المعلوم اليوم أن من ترقى الطب وجود المصحات الكثيرة، وخصوصاً المصحات التجارية، وهذه المصحات قد تطلب أموالاً لا يستطيعها الفقراء إلخ، فجمع من المتأخرين جوز صرف الزكاة لعلاج الفقراء بشروط:

الشرط الأول: ألا يتوفر علاجه مجاناً.

الشرط الثاني: أن يكون العلاج مما تمس الحاجة إليه، أما الأمور التي لا تمس الحاجة إليها كأمور التجميل أو الأمور الكمالية، فهذا ليس له ذلك.

الشرط الثالث: أن يراعي في مقدار تكاليف العلاج عدم الإسراف بحيث يبحث عن أقل المصحات تكلفة، فإذا توفرت مثل هذه الشروط فإن هذا جائز ولا بأس به.

إعطاء الموظفين العاملين على الزكاة من الزكاة

ومن مسائل النوازل المهمة وهي ما يتعلق بالعاملين على الزكاة، العاملون على الزكاة صنف من أصناف الزكاة، واليوم توجد كثير من الجمعيات الخيرية تحتوي كثيراً من الموظفين، وقد تحتوي أيضاً موظفات يحتاج إليهن فيما يتعلق بجلب الزكاة، فهل يجوز لهذه الجمعيات الخيرية أن تعطي هؤلاء الموظفين الذين تحت إدارتها من الزكاة بأن تصرف لهم رواتب من الزكاة، أو أن تعطيهم نسباً عند جلبهم هذه الزكاة؟

أولاً: ما المراد بالعاملين على الزكاة؟

اتفق الفقهاء على أن المراد بالعاملين على الزكاة هم السعاة الذين ينصبهم الإمام لجمع الزكاة من أهلها، فنأخذ من هذا أنه يشترط في العامل أن يكون ممن نصبه الإمام، وعلى هذا لا يدخل في العاملين من يوليه أحد من الناس، فلو أن شخصاً أعطاك عشرة آلاف ريال على أن تقوم بتوزيعها، أو أنت ذهبت إلى التاجر وأخذت منه -مثلاً- عشرة آلاف ريال، وقمت بتوزيعها فهل يجوز لك أن تأخذ شيئاً من هذه الزكاة مقابل أنك جبيتها وفرقتها وبحثت عن مستحقين؟

نقول: ليس لك ذلك، لأنه يشترط في العامل أن يكون ممن نصبه الإمام الأعظم، وعينته الدولة، وحينئذ ما يوليه أفراد الناس وآحادهم ليس داخلاً في العاملين على الصدقة.

العاملون على الصدقة اختلف في تفسيره بعد الاتفاق على أنه لابد أن يكون من قبل الإمام، بين موسع وهم جمهور أهل العلم، وبين مضيق وهم الحنفية، فالحنفية يضيقون العامل، وأما الجمهور فإنهم يوسعون العامل، وكما ذكر ابن قدامة رحمه الله تعالى قال: هم السعاة الذين يبعثهم الإمام لأخذها من أربابها، ويشمل السعاة لأخذها من أربابها وجمعها وحفظها ونقلها، ومن يعينهم ممن يسوقها إذا كانت ماشية ويرعاها ويحملها، وكذلك أيضاً الحاجب والكاتب والكياس والوزان والعداد، وكل من يحتاج إليه فيها.

ابن قدامة رحمه الله لما فسر العاملين قال: يشمل السعاة، والجُماع الذين يقومون بالجمع، والحفاظ، والذين ينقلون ومن يسوقها ويرعاها ويحملها، والحساب والكتاب والكيالون والوزانون والعدادون، وكل من يحتاج إليه فيها، وهذا رأي الجمهور في الجملة، وإن كانت المالكية والشافعية يقولون: إن الحارس ليس داخلاً، والراعي ليس داخلاً، والخازن ليس داخلاً، الحارس والراعي والخازن يخرجونه، لكن على كلام ابن قدامة رحمه الله فإنهم داخلون؛ لأنه قال: وكل من يحتاج إليه فيها.

أما الحنفية فهم يضيقون، ويقولون: هم السعاة.

لما فهمنا المراد بالعاملين، وأنه يشترط أن ينصبهم الإمام، اختلف المتأخرون في هؤلاء الموظفين الذين تحت إدارة هذه الجمعيات الخيرية: هل لهم أن يأخذوا من الزكاة أو ليس لهم أن يأخذوا منها؟

والخلاصة في ذلك نقول: إن هذا ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: العاملون الذين وظفتهم الدولة وصرفت لهم رواتب، فهؤلاء لا يجوز لهم أن يأخذوا من الزكاة، مثل ما يوجد الآن في مصلحة الزكاة والدخل الذين يكونون موظفين تبع الدولة، والدولة تصرف لهم رواتب إلخ، نقول: يكتفون بما تعطيه الدولة لهم.

القسم الثاني: العاملون في الجمعيات الخيرية والدولة لا تصرف لهم رواتب، وهذا كما يوجد الآن في الجمعيات الخيرية، فهذه الجمعيات هي التي تقوم بفرض الرواتب لهم، فإن كانت بإذن الدولة فهي نائبة مناب الإمام، وكما أن الإمام له أن يبعث العامل فكذلك أيضاً هذه الجمعيات، فنقول: إذا كانت هذه الجمعيات قد أذنت فيها الدولة فيجوز صرف الزكاة لهم كرواتب، لأن هذه الجمعية لما أذن فيها الإمام أصبحت نائبة مناب الإمام.

القسم الثالث: الجمعيات التي لم تأذن فيها الدولة، وإنما اجتهاد من جمع من الناس فأنشئوا هذه الجمعية، وقاموا بجمع الأموال، فنقول: هؤلاء لا يجوز للعاملين تحت إدارتها أن يأخذوا من الزكاة، وإنما لا بأس أن يعطوا من الصدقات.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

تقديم اليمين

السؤال: بعض الناس إذا كان شخصان يريدان الدخول إلى مكان ما فإن أحدهم يقدم صاحبه الذي عن يمينه؟

الجواب: الصحيح أنه يقدم الأفضل.

ضابط كون العملة شرعية

السؤال: هل هناك ضوابط شرعية يجب أن تنضبط بها الدول عند إصدار العملات لكي تكون شرعية؟

الجواب: لا، العملات ما دام أن الدولة تعترف بها وتقوم بحمايتها فالناس الآن يثقون فيها، فالتعامل بها الآن تعامل شرعي.

مصادر فقه النوازل

السؤال: ما أفضل المصادر في فقه النوازل؟

الجواب: أفضل المصادر: هناك مجلة مجمع الفقه الإسلامي فيها كثير من البحوث والقرارات، وفيها أيضاً قرارات مجمع الفقه الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، وأيضاً مجلة البحوث المعاصرة وأيضاً الآن كثير من المجلات الشرعية تعنى بهذه النوازل فما تصدره الهيئات والمؤتمرات من بحوث وقرارات، هذه من أهم المصادر، كذلك أيضاً المجلات وما تصدره المجامع.

زكاة الكراتين على من تجب

السؤال: بالنسبة للكراتين: هل الزكاة تجب على صانع الكرتون أم المشتري؟

الجواب: لا. المصنع يجب عليه أن يزكي، والمشتري إذا اشترى أصبحت عروض تجارة بالنسبة له.

الزكاة على سيارات المصنع وسيارات نقل البضائع

السؤال: هل يزكي على سيارات المصنع وسيارات نقل البضائع؟

الجواب: أعيان المستغلات لا يزكي عليها، فالآلات والمكائن وآلات النقل هذه كلها لا زكاة فيها.

نصيحة في طلب العلم

السؤال: يقول: نريد وصية في العلم؟

الجواب: أولاً: لاشك أن العلم نعمة من الله عز وجل يهبها من يشاء من عباده، فإذا وفق الإنسان في هذه الحياة الفانية فهذا من نعمة الله عز وجل به، وإرادة الله عز وجل له الخير، لكن الذي أنصح به أن طالب العلم عليه أن يكون مرتباً، وأن يتدرج في طلب العلم، وأن يعنى بالأصول والقواعد، وأن تكون طريقته مؤصلة، وهذا بأن يعنى بالمتون التي تعتبر زبداً للعلم، مثلاً: كتاب التوحيد والعقيدة الواسطية ولمعة الاعتقاد والأصول الثلاثة يضبطها، وفي الفقه زاد المستقنع وليس بضرورة حتى لو درس متناً من متون الشافعية أو متناً من متون الحنفية أو المالكية، لأن مثل هذه المتون هي عبارة عن وسائل وليست مقاصد لكي يفهم مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم.

في التفسير أيضاً تفسير ابن كثير أو مختصر من مختصراته، وهكذا في بقية الفنون.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , المسائل المعاصرة في الزكاة [4] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net