اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب [9] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
الجواب: لا شك أن خير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأن كل بدعة جاءت بعده في دين الله تعالى فإنها ضلالة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في قولته العامة الشاملة: ( كل بدعة ضلالة ) وهذه البدع التي أحدثت عند موت الميت من هذه المآتم التي يجتمع الناس لها ويحدثون ما يحدثون من الأطعمة وكذلك من القراءات كلها بدع يجب النهي عنها والتحذير منها.
والذي ينبغي للمصاب أن يقول ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ) فإنه إذا قال ذلك فإنه يأجره الله تعالى في مصيبته ويخلف له خيراً منها، وكما جرى ذلك في عدة أمور من أظهرها وأبرزها ما جرى لأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها حين مات زوجها أبو سلمة وكانت تحبه حباً شديداً، وكانت قد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما من مسلم يصاب بمصيبة فيقول: اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها ) فكانت عند مصيبتها بـ أبي سلمة قالت ذلك إيماناً بقول النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها تقول في نفسها: من خير من أبي سلمة ؟ فلما اعتدت خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فكان النبي صلى الله عليه وسلم خيراً لها من أبي سلمة فرضي الله عنها.
هذا الذي يؤمر به الإنسان. أما عمل الختمة فإن هذا ينبني على مسألة اختلف فيها أهل العلم، وهي: إهداء القرب إلى الأموات، فإن أهل العلم اتفقوا على جواز إهداء قرب معينة واختلفوا فيما سواها، ومما اختلفوا فيه إهداء قراءة القرآن إلى الأموات: هل تصل إليهم أو لا تصل إليهم؟ ولكن ما يفعله هؤلاء من إحضار القراء بالأجرة فهذه لا تصل إليهم قطعاً، وذلك لأن هذا الرجل الذي يقرأ إنما يقرأ لينال أجراً من الدنيا، فعمله ليس خالصاً لله، والعبادة إذا لم تكن خالصة لله فإنها لا تكون مقبولة، وإذا لم تكن مقبولة فإنه لا ينتفع بها الميت.
وعلى هذا فإذا استأجروا من يقرأ ختمةً لهذا الميت فإن الأجرة باطلة ولا تصح، وثواب العمل لا يصل إلى الميت إن قلنا: فيه ثواب، مع أننا لا نقول: إن فيه ثواباً؛ لأنه ليس عملاً خالصاً لله عز وجل، وقد قال الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16] وعلى هذا فلا يجوز استئجار رجل ليقرأ الختمة لروح الميت؛ لأن هذه الإجارة باطلة، والثواب إن قدر لا يصل إلى الميت؛ لفقدان العقد، وإذا لم يقدر فيه ثواب وهو الذي يتنزل على الأدلة الشرعية فإنه يكون حينئذٍ خسارة مادية على أهل الميت بدون فائدة للميت.
الجواب: هذه المسألة واردة في الحقيقة، ولهذا المشهور من مذهب الحنابلة أن الاستئجار للحج لا يصح، وأن الأجرة تقع باطلة، ويكون ثواب الحج للحاج لا للمحجوج عنه، ونحن نقول كذلك: إذا كان هذا الذي حج قصده المال فإن الإجارة لا تصح، ويكون العقد باطلاً، ولا ثواب للمحجوج عنه فيها، أما إذا كان الرجل الذي حج قصده بذلك مصلحة أخيه وقضاء حاجته أو قصده مع ذلك أن يصل إلى المشاعر المقدسة ويعمل فيها خيراً، فهذا قصد طيب ولا حرج فيه، فنحن نقول: إذا استؤجر إنسان ليحج عن شخص فإن كان هذا المستأجر قصده المال فإنه كما قال شيخ الإسلام : ليس له في الآخرة من خلاق، ليس له نصيب من ثواب الآخرة، ولا يصح حجه عن هذا الرجل، لأنه عقد باطل، وأما إذا كان قصده بذلك قضاء حاجة أخيه أو المصلحة للوصول إلى هذه المشاعر وفعل ما يفعل فيها من فعل الخير فلا حرج عليه في ذلك.
الجواب: هذا من البدع التي أحدثها الجهّال في دين الله، فالسلف الصالح ما كانوا يفعلون ذلك أبداً، ما كان الواحد منهم إذا سافر إلى المدينة يقول له صاحبه: اقرأ لنا الفاتحة لروح النبي صلى الله عليه وسلم أو سلم لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ما أشبه ذلك، وإنما هذا من البدع التي أحدثها بعض الجاهلين، وإهداء ثواب القرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من البدع أيضاً حتى ولو كان على غير هذه الصورة، حتى لو صلى الإنسان ركعتين أو تصدق بدرهمين وأراد أن يكون ثواب ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه من البدع أيضاً؛ لأن السلف الصالح لم يكونوا يفعلونه، وهو من قصور النظر، فإن هذا الذي أهدى ثواب هذا العمل الصالح إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس معنى إهدائه حرمان العامل من ثواب هذا العمل، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم له أجر ما عملت سواء أهديت له أم لا، فإنه عليه الصلاة والسلام هو الذي دل أمته على الخير، وهو الذي له أجر الفاعلين، فإن ( من دل على الخير كان له من الأجر مثل ما لفاعله )، وعلى هذا فالنبي عليه الصلاة والسلام غير محتاج إلى أن يهدى إليه شيء من أعمالنا، كل عمل صالح نتقرب به إلى الله فللنبي صلى الله عليه وسلم مثل أجورنا، وعلى هذا فلا حاجة للإهداء، ويكون معنى الإهداء على هذه الحال أن العامل حرم نفسه من ثواب هذا العمل فقط.
الجواب: هذه من الخطأ والجهل والبدعة؛ لأن السلام عمل بدني لا تصح فيه الاستنابة، والأعمال البدنية لا تصح فيها الاستنابة، ولهذا لو قال شخص لآخر: صل عني ركعتين ما نفع، وهكذا أيضاً لو قال: سلم لي على النبي عليه الصلاة والسلام، ومن عجبٍ أن يعدل هذا الرجل عن نقل الملائكة الذين ينقلون سلام الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أحفظ وأثبت من بني آدم ثم نحملها هذا الرجل الذي ربما يموت قبل أن يصل وربما ينسى وربما يحدث له علل وموانع تمنع من تنفيذ هذه الوصية.
وعلى كل حال فهذا من البدع التي يجب التحذير منها.
الجواب: هذا لا شك أنه من البدع، وهو شبيه بما تصنعه النساء في الجاهلية، فإن المرأة كانت ترمي بالبعرة على رأس الحول، ولا يجوز للمرأة أن تفعل مثل هذا الفعل، وإذا انتهت عدة الوفاة سواء كان بالأشهر الأربعة وعشرة أيام أو كان بوضع الحمل إن كانت حاملاً، فإن معنى ذلك أن حكم الإحداد انتهى فقط، وليس معنى ذلك أنها مأمورة بأن تخرج أو تفعل مثل ما ذكر هذا السائل، أو أن تتصدق بطعام تحمله معها إذا خرجت أول مرة وتعطيه أول من تصادفه، كل هذه من الأمور التي ليست من الشرع، وإنما معنى ذلك أنها إذا انتهت العدة جاز لها ما كانت ممنوعة منه قبل انتهاء العدة، فيجوز لها أن تخلع ثيابها وتلبس الثياب التي تشاؤها وتتطيب وتلبس الحلي وتفعل ما كانت ممنوعة منه في حال الإحداد.
وقولنا: (تفعل) ليس معناه أن نطلب منها أن تفعل ذلك، ولكن معناه: أننا نبيح لها أن تفعل ذلك.
الجواب: إذا كان الإنسان يعتقد أن صلاته جالساً أفضل من صلاته قائماً في النفل أو مساوياً له فهذا خطأ؛ لأنه خلاف ما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن ( صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم )، وأما إذا كانوا يفعلون ذلك للرخصة مع اعتقاد أن أجرهم أنقص وأنه على النصف فهذا لا حرج فيه، لأن القيام في النفل ليس بركن وإنما هو سنة وفضيلة.
ولكن يبقى النظر: هل إذا كانوا يفعلون ذلك في الرواتب هل يحصل لهم أجر الرواتب؟
الجواب: لا، لا يحصل لهم أجر الرواتب، وإنما يحصل لهم نصف أجر الرواتب إذا كانوا غير معذورين، أما كون هذا هو المقرر في مذهبهم فلا علم لي في ذلك، وعلى كل حال حتى وإن قرر ذلك في المذهب فإن ما خالف الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه غير مقبول ولو قرره من قرره من الناس.
الجواب: حكم من توفي وهو مضرب عن الطعام أنه قاتل نفسه وفاعل ما نهي عنه، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29] ومن المعلوم أن من امتنع عن الطعام والشراب فإنه لا بد أن يموت، وعلى هذا فيكون قاتلاً لنفسه، ولا يحل لإنسان أن يضرب عن الطعام أو الشراب لمدة يموت فيها، أما إذا أضرب عن ذلك لمدة لا يموت فيها وكان هذا هو السبب الوحيد لخلاص نفسه من الظلم أو لاسترداد حقه فإنه لا بأس به، إذا كان في بلد يكون هذا العمل سبباً للتخلص من الظلم أو لحصول حقه فإنه لا بأس به، أما أن يصل إلى حد الموت فهذا لا يجوز بكل حال.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب [9] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين
https://audio.islamweb.net