إسلام ويب

ما تركت الشريعة شيئاً ولو كان في أعين بعض الناس حقيراً إلا بينته، وهذا من كمالها وصلاحيتها لكل زمان ومكان، ومن ذلك: أحكام الغسل للحائض والجنب، مستحباته وواجباته، وذكر موجبات الوضوء دون الغسل. أما التيمم فهو من خصائص هذه الأمة المحمدية، وما هذا إلا دليل واضح على شمولية هذه الشريعة الغراء.

ما جاء في التيمن في الطهور

[ باب التيمن في الطهور

أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن شعبة عن الأشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في طهوره وتنعله وترجله، وقال بواسط: في شأنه كله) ].

هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، بلفظ: (يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله) وفيه: أنه يشرع للإنسان أن يبدأ باليمين في الوضوء، وفي الغسل أيضاً يبدأ بالشق الأيمن.

ما جاء في ترك مسح الرأس في الوضوء من الجنابة

[ باب ترك مسح الرأس في الوضوء من الجنابة

أخبرنا عمران بن يزيد بن خالد حدثنا إسماعيل بن عبد الله وهو ابن سماعة أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة ، وعن عمرو بن سعد عن نافع عن ابن عمر : (أن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغسل من الجنابة، واتسقت الأحاديث على هذا، يبدأ فيفرغ على يده اليمنى مرتين أو ثلاثاً، ثم يدخل يده اليمنى في الإناء فيصب بها على فرجه، ويده اليسرى على فرجه، فيغسل ما هنالك حتى ينقيه، ثم يضع يده اليسرى على التراب إن شاء، ثم يصب على يده اليسرى حتى ينقيها، ثم يغسل يديه ثلاثاً ويستنشق ويمضمض، ويغسل وجهه وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، حتى إذا بلغ رأسه لم يمسح، وأفرغ عليه الماء) فهكذا كان غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر ].

هذه الحالة الثالثة: وهي أنه يتوضأ ويترك مسح الرأس، ولهذا قال: (حتى إذا بلغ الرأس لم يمسح وأفرغ عليه الماء). يعني: إذا صب عليه الماء على الرأس كفى عن المسح، وظاهره: أنه لما توضأ صب الماء ولم يمسح، ويكون هذا داخلاً الترتيب، فهو غسل وجهه وغسل ذراعيه، ثم صب الماء على رأسه ثم غسل رجليه، إلا أنه بدل المسح للرأس صب عليه الماء.

ما جاء في استبراء البشرة في الغسل من الجنابة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب استبراء البشرة في الغسل من الجنابة

أخبرنا علي بن حجر حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم يخلل رأسه بأصابعه، حتى إذا خيل إليه أنه قد استبرأ البشرة غرف على رأسه ثلاثاً، ثم غسل سائر جسده) ].

هذا فيه استبراء البشرة في الغسل من الجنابة، يعني: أن يوصل البلل إلى جميعها.

فينبغي للإنسان أن يعمم سائر الجسد في الغسل من الجنابة، ولهذا عليه أن يخلل الشعر حتى يصل الماء إلى البشرة، بخلاف الوضوء فإنه لا يجب غسل باطن اللحية الكثيفة، وإنما يغسل ظاهر الشعر، لكن في الغسل من الجنابة يوصل الماء إلى البشرة، ولهذا قال: (حتى إذا خيل إليه أنه قد استبرأ البشرة غرف على رأسه ثلاثاً، ثم غسل سائر جسده).

شرح حديث: (كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا الضحاك بن مخلد عن حنظلة بن أبي سفيان عن القاسم عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب، فأخذ بكفه بدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه) ].

الحلاب: إناء تحلب فيه الناقة أو غيرها؛ يعني: وضع فيه الماءالذي يغتسل فيه، كما قال السيوطي وغيره: المراد بالحلاب: إناء يحلب فيه، وهو بالحاء المهملة، يعني: يوضع فيه الماء الذي يغتسل منه.

قال السيوطي : اشتبه هذا على البخاري رحمه الله فظنه نوعاً من الطيب، فترجم: باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل.

يعني: تأوله البخاري بتطييب البدن، واستظهر الحافظ أن معنى قوله: (بدأ بالحلاب) أي: بإناء الماء الذي للغسل، واستدعى به لأجل الغسل.

أو بدأ بالطيب عند إرادة الغسل، إشارة إلى حديث عائشة (أنها كانت تطيب النبي صلى الله عليه وسلم عند الإحرام).

فالمقصود: أن هذه اللفظة (الحلاب) البخاري رحمه الله في ترجمته قال: إنه يبدأ بالطيب، وبعضهم فسره بالجلاب، وأكثرهم قالوا: بالحلاب، وإنما المراد: أنه إناء يحلب فيه، فهو وضع فيه الماء واغتسل منه.

ما جاء فيما يكفي الجنب من إفاضة الماء على رأسه

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ما يكفي الجنب من إفاضة الماء على رأسه:

أخبرنا عبيد الله بن سعيد عن يحيى عن شعبة قال: حدثنا أبو إسحاق ح وأخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت سليمان بن صرد يحدث عن جبير بن مطعم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده الغسل، فقال: أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثاً) لفظ سويد .

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد عن شعبة عن مخول عن أبي جعفر عن جابر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل أفرغ على رأسه ثلاثاً) ].

يعني: السنة أن المغتسل يفرغ على رأسه ثلاثاً وهذا هو الأفضل، وإن عمم جسده مرة واحدة كفى إذا بلل وأوصل الماء إلى البشرة، لكن الأفضل أن يفرغ على رأسه ثلاثاً كما في الحديث.

ومخول هو ثقة.

ما جاء في العمل في الغسل من الحيض

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب العمل في الغسل من الحيض.

أخبرنا الحسن بن محمد حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة : (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله! كيف أغتسل عند الطهور؟ قال: خذي فرصة ممسكة فتوضئي بها، قالت: كيف أتوضأ بها؟ قال: توضئي بها، قالت: كيف أتوضأ بها؟ قالت: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح وأعرض عنها، ففطنت عائشة لما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فأخذتها وجبذتها إلي فأخبرتها بما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].

وجاء في الصحيح أنها قالت: (فجذبتها فقلت لها: تتبعي أثر الدم).

والفرصة: قطعة من قماش أو قطن أو من صوف، (ممسكة) يعني: مطلية بالمسك، تتبع بها أثر الدم؛ لإزالة الرائحة.

وهذه المرأة لم تعرف مراد النبي صلى الله عليه وسلم فجذبتها عائشة وأخبرتها.

وهذا فيه: كيفية الغسل من الحيض، وأنها تأخذ فرصة ممسكة تتوضأ بها، وهذا مستحب.

ما جاء في الغسل مرة واحدة

[باب الغسل مرة واحدة

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا جرير عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة، فغسل فرجه ودلك يده بالأرض أو الحائط، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفاض على رأسه وسائر جسده) ].

فيه: أن الغسل مرة واحدة يكفي، فإذا عمم جسده مرة واحدة كفى، وكونه يتوضأ قبل الغسل هذا هو السنة، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ أولاً ثم يغسل سائر جسده.

ما جاء في اغتسال النفساء عند الإحرام

[باب اغتسال النفساء عند الإحرام

أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى ويعقوب بن إبراهيم واللفظ له، قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا جعفر بن محمد حدثني أبي، قال: (أتينا جابر بن عبد الله فسألناه عن حجة الوداع، فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لخمس بقين من ذي القعدة، وخرجنا معه حتى إذا أتى ذا الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ فقال: اغتسلي ثم استثفري ثم أهلِّي) ].

هذا فيه بيان: أن النفساء تغتسل للإحرام، وفيه دليل: على أنها تغتسل للإحرام للنظافة، كما تغتسل الحائض, فالحائض والنفساء تغتسلان من باب النظافة، وغيرهما كذلك يغتسل وهو سنة.

وفيه: أن النفساء تستثفر يعني: تتحفظ بثوب وتغتسل وتحج، وكذلك الحائض، وهذا غسل الإحرام, وغسل الإحرام سنة ليس بواجب، حتى على النفساء والحائض.

ما جاء في ترك الوضوء بعد الغسل

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء بعد الغسل:

أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا أبي، حدثنا حسن عن أبي إسحاق ح وأخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل) ].

يعني: كان يكتفي بوضوئه قبل الغسل، فإذا توضأ المرء قبل الغسل وأكمل فلا يتوضأ، لكن لو خرج منه ريح أو مس فرجه في أثناء الغسل وجب عليه الوضوء.

ما جاء في الطواف على النساء في غسل واحد

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الطواف على النساء في غسل واحد

أخبرنا حميد بن مسعدة عن بشر -وهو ابن المفضل - حدثنا شعبة عن إبراهيم بن محمد عن أبيه، قال: قالت عائشة : (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه، ثم يصبح محرماً ينضخ طيباً) ].

هذا يدل على أنه لا بأس بطواف الرجل على نسائه بغسل واحد، لكن يتوضأ بعد كل واحدة، يعني: بين كل جماع وجماع.

ما جاء في التيمم بالصعيد

[باب التيمم بالصعيد

أخبرنا الحسن بن إسماعيل بن سليمان حدثنا هشيم أنبأنا سيار عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأينما أدرك الرجل من أمتي الصلاة يصلي، وأعطيت الشفاعة ولم يعط نبي قبلي، وبعثت إلى الناس كافة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة) ].

هذه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وليس المراد بها الحصر، قوله: (نصرت بالرعب مسيرة شهر) هذا له ولأتباعه عليه الصلاة والسلام العاملين بسنته، فإن الله تعالى ينصرهم بالرعب، يرعب عدوهم مسيرة شهر.

قوله: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) أي: من خصائص هذه الأمة، وكان من قبلنا يصلون في أماكن العبادة فقط.

قوله: (وأعطيت الشفاعة) وهي الشفاعة العظمى لنبينا عليه الصلاة والسلام.

قوله: (وبعثت إلى الناس كافة) هذه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وجاء في الحديث الآخر: (أعطيت ستاً) .زيادة.

كذلك أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم له خصائص كثيرة جمعها بعضهم حتى أوصلها إلى السبعين, كما ذكر السيوطي فقد جمع رسالة في هذا, وهذا لا يفيد الحصر، وذكر أن هناك خصائص أخرى، وأن الحافظ عدّها فبلغت اثنتي عشرة خصلة، وبعضهم أوصلها إلى ستين خصلة.

والتيمم يكون بالصعيد، قال: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأينما أدرك الرجل من أمتي الصلاة يصلي) يعني: أنه إذا عدم الماء يتيمم بالصعيد وهو التراب.

وقوله في السند: يزيد الفقير ليس المراد أنه فقير، وإنما كان يشكو فقار ظهره.

ما جاء في التيمم لمن يجد الماء بعد الصلاة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب التيمم لمن يجد الماء بعد الصلاة

أخبرنا مسلم بن عمرو بن مسلم حدثني ابن نافع عن الليث بن سعد عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد : (أن رجلين تيمما وصليا ثم وجدا ماء في الوقت، فتوضأ أحدهما وعاد لصلاته ما كان في الوقت ولم يعد الآخر، فسألا النبي صلى الله عليه وسلم فقال للذي لم يعد: أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك، وقال للآخر: أما أنت فلك مثل سهم جمع)].

يعني: أنه جمع فيها أجر الصلاتين, وكان له الأجر مرتان: أجر صلاته، وأجر اجتهاده، والأول أصاب السنة، والذي أصاب السنة أفضل؛ لأن الذي أصاب السنة أجره غير محدد، أما هذا فله الأجر مرتان.

قال السيوطي رحمه الله: (مثل سهم جمع) قال في النهاية: أي له سهم من الخير جمع فيه حظان، والجيم مفتوحة، وقيل: أراد بالجمع الجيش، أي: سهم الجيش من الغنيمة.

وقال غيره: سئل ابن وهب ما هو تفسير جمع؟

قال: يعني: أن له أجر الصلاة مرتين، ولم يرد جمع الناس بالمزدلفة، ويؤيد هذا التفسير ما روي عن المنذر بن الزبير أنه قال في قصة له: إن لـفاطمة ابنتي بغلتي الشهباء وعشرة آلاف درهم، ولابني محمد سهم جمع، فقال: نصيب رجلين.

والمقصود: أن من أصاب السنة فهو الأفضل، وهذا له أجران على اجتهاده: أجر على الصلاة، وأجر لاجتهاده.

[ أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن ليث بن سعد قال: حدثني عميرة وغيره عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار : (أن رجلين) وساق الحديث.

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى أخبرنا خالد حدثني شعبة أن مخارقاً أخبرهم عن طارق : (أن رجلاً أجنب فلم يصل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: أصبت، فأجنب رجل آخر فتيمم وصلى فأتاه، فقال نحواً مما قال للآخر) يعني: أصبت ].

قوله: (فلم يصل) هذا مجمل تفسره الأحاديث الأخرى، والمراد: أنه لم يصل انتظاراً للماء، وهذا الحديث بعضهم يفصله في الحاشية، ولا يجعله في الصلب.

ما جاء في الوضوء من المذي

[باب الوضوء من المذي

أخبرنا علي بن ميمون حدثنا مخلد بن يزيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: (تذاكر علي والمقداد وعمار ، فقال علي : إني امرؤ مذاء وإني أستحي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني، فيسأله أحدكما، فذكر لي أن أحدهما ونسيته سأله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك المذي، إذا وجده أحدكم فليغسل ذلك منه، وليتوضأ وضوءه للصلاة، أو كوضوء الصلاة)

الاختلاف على الأعمش في حديث علي في المذي

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ الاختلاف على سليمان .

أخبرنا محمد بن حاتم حدثنا عبيدة حدثنا سليمان الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن علي رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاء، فأمرت رجلاً فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فيه الوضوء) ].

قوله: (مذاء) صيغة مبالغة، يعني: كثير المذي، وهذا سبق أن المؤلف رحمه الله ترجمه والأحاديث كررها.

وفيه دليل: على أن المذي نجس، وهو يوجب الوضوء لا الغسل، بخلاف البول فإنه يغسل طرف الذكر، ولكن نجاسته مخففة يكفي فيه النضح كما جاء في الأحاديث الأخرى، ويغسل الذكر والأنثيين، يعني: الخصيتين، قال في حديث: (يغسل الذكر والأنثيين).

قال: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة أخبرني سليمان الأعمش قال: سمعت منذراً عن محمد بن علي عن علي رضي الله عنه قال: (استحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي من أجل فاطمة ، فأمرت المقداد فسأله، فقال: فيه الوضوء) ].

الاختلاف على بكير في حديث علي في المذي

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ الاختلاف على بكير .

أخبرنا أحمد بن عيسى عن ابن وهب وذكر كلمة معناها أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس قال: قال علي رضي الله عنه: (أرسلت المقداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن المذي، فقال: توضأ وانضح فرجك) قال أبو عبد الرحمن : مخرمة لم يسمع من أبيه شيئاً ].

يعني: سنده منقطع، لكن الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما.

قال: [ أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن ليث بن سعد عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار قال: (أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المقداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الرجل يجد المذي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يغسل ذكره ثم ليتوضأ).

أخبرنا عتبة بن عبد الله قال: قرئ على مالك وأنا أسمع: عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من المرأة فخرج منه المذي، فإن عندي ابنته وأنا أستحي أن أسأله، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة) ].

يعني: ينبغي أن يغسل فرجه.

ما جاء في الأمر بالوضوء من النوم

[ باب الأمر بالوضوء من النوم

أخبرنا عمران بن يزيد حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا الأوزاعي حدثنا محمد بن مسلم الزهري حدثني سعيد بن المسيب حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم من الليل فلا يُدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) ].

وجاء في الحديث الآخر الجزم بأنها ثلاث كما في لفظ: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)، وهذا الأمر متأكد، والقول بالوجوب قول قوي، وقال الجمهور بالاستحباب، وقال قوم: إنه للوجوب، يعني: يجب على الإنسان إذا استيقظ من نومه أن يغسل يديه ثلاثاً، أما غسل اليدين قبل الوضوء فمستحب.

شرح حديث: (صليت مع رسول الله ذات ليلة فقمت عن يساره ...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة حدثنا داود عن عمرو عن كريب عن ابن عباس قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه فصلى، ثم اضطجع ورقد، فجاءه المؤذن فصلى ولم يتوضأ) مختصر ].

فيه: أن نوم النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقض الوضوء؛ لأن قلبه لا ينام وإن نامت عيناه، بخلاف غيره من الناس فإن نومه ينقض الوضوء، وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أنه تنام عيناه ولا ينام قلبه، ولهذا نام وقام فصلى ولم يتوضأ.

وفيه: أن الإنسان إذا كان يصلي منفرداً ثم جاء آخر وصف عن يمينه فإنه ينوي الإمامة، وتحصل له بذلك فضيلة الجماعة، كما في هذا الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فجاء ابن عباس فصف عن يساره، فأداره عن يمينه، وقد خص بعض العلماء هذا في صلاة النافلة كالحنابلة وغيرهم، قالوا: هذا مخصص في النافلة، أما الفريضة فلا، والصواب أنه يجوز في الفريضة والنافلة؛ لأن الفريضة والنافلة سواء، إلا أن يأتي بمخصص.

شرح حديث: (إذا نعس أحدكم في صلاته فلينصرف وليرقد)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نعس أحدكم في صلاته فلينصرف وليرقد) ].

والطفاوي هذا صدوق يهم، فيكون حديثه حسناً، وقد يكون الحديث صحيحاً؛ لأن الوهم يسير، وهذا ثابت في الصحيح: (إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد، لعله إذا صلى وهو ينعس يذهب فيستغفر فيسب نفسه) يعني: بسبب غلبة النعاس، يريد أن يدعو لنفسه فيدعو على نفسه بسبب النعاس.

وهذا في صلاة الليل إذا نعس فلينصرف وليرقد، أما صلاة الفريضة فيجب عليه أن يعالج نفسه حتى يذهب النوم بأن يغسل وجهه، كذلك ينام مبكراً ولا ينصرف عن صلاة الفريضة وينام؛ لأنه إذا انصرف عن صلاة الفريضة أدى هذا إلى تضييع الوقت، ولأن صلاة الفريضة وقتها ليس طويلاً بخلاف صلاة النافلة صلاة الليل، فإذا نعس فليرقد.

إذاً: ففي الفريضة يعالج نفسه ويؤدي الفريضة، ويجاهد نفسه، ويعمل الأسباب التي لا تؤدي إلى النعاس، من النوم المبكر، وغير ذلك.

ما جاء في الوضوء من مس الذكر

[ باب الوضوء من مس الذكر

أخبرنا قتيبة عن سفيان عن عبد الله -يعني: ابن أبي بكر -قال على أثره: قال أبو عبد الرحمن : ولم أتقنه عن عروة عن بسرة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مس فرجه فليتوضأ).

أخبرنا عمران بن موسى حدثنا محمد بن سواء عن شعبة عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ).

أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم أنه قال: (الوضوء من مس الذكر) فقال مروان : أخبرتنيه بسرة بنت صفوان ، فأرسل عروة قالت: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتوضأ منه فقال: من مس الذكر).

أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ).

قال أبو عبد الرحمن : هشام بن عروة لم يسمع من أبيه هذا الحديث. والله سبحانه وتعالى أعلم ].

هذا الحديث ثابت، وفيه وجوب الوضوء من مس الذكر، قال البخاري : حديث بسرة أصح شيء في هذا الباب.

وأما حديث طلقاً بن علي (إنما هو بضعة منك) يحتمل أن يكون هذا أولاً، قال بعض أهل العلم: إنه منسوخ؛ لأن طلق بن علي لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مس الذكر، جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يبني مسجده في أول الهجرة كان قديماً، وحديث بسرة متأخر فيكون ناسخاً له، فقال بعض من أهل العلم: إن حديث بسرة أصح من حديث طلق وهو أرجح، ولهذا قال البخاري : وهو أصح شيء في هذا الباب، وهو أصح من حديث طلق .

ثم إن حديث طلق مبقٍ على الأصل، وحديث بسرة ناقل، والشريعة ناقلة وليست مبقية، فالعمل على حديث بسرة ، فالصواب أن الوضوء من مسه، ولهذا بوب المؤلف وقال: باب الوضوء من مس الذكر.

يعني: إذا مس بدون حائل، ولهذا قال في صحيح البخاري : (إذا أفضى) والإفضاء هو: المس سواء ببطن الكف أو ظهره، والكف حدها الرسغ، إذا مس الذكر ببطن كفه أو ظهره فإنه يتوضأ، أما إذا مسها بذراعه أو برجله فلا، وإنما هذا خاص بالكف.

وكذلك إذا مسه من وراء حائل كأن يكون عليه قفازان فلا ينقض الوضوء، إنما هذا إذا مس اللحم اللحم باطن الكف أو ظهر الكف، وهذا هو الصواب.

وذهب جمع من أهل العلم: أن مس الذكر لا ينقض الوضوء وأخذوا بحديث طلق ، وقال آخرون من أهل العلم: إنما هذا إذا مسه بشهوة فإنه ينقض الوضوء، وإذا لم يمسه بشهوة فلا ينقض الوضوء.

والصواب من الأقوال: أنه ينقض الوضوء مطلقاً إذا مسه ببطن الكف أو ظهره بدون حائل، أما إذا مسه بذراعه أو برجله فلا.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [22] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

https://audio.islamweb.net