إسلام ويب

جاء الإسلام بجمع الكلمة على إمام، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن أقوام يأتون بعده، يخرجون على إمام المسلمين بالسيف، ووصفهم بالاجتهاد في العبادة، والفساد في العقيدة، حيث يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان، ويكثرون من الصلاة والصيام، وقراءة القرآن، وأن فيهم رجلاً مثدون اليد هو علامة عليهم. وقد توعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب وذمهم، وأمر بقتالهم، وذكر الفضل العظيم في ذلك، مما جعل علياً رضي الله عنه يقدم قتالهم على قتال أهل الشام.

قتال الخوارج

شرح حديث أن من علامة الخوارج مودن اليد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قتال الخوارج.

حدثنا محمد بن عبيد ومحمد بن عيسى المعنى، قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن محمد عن عبيدة : أن علياً ذكر أهل النهروان فقال (فيهم رجل مودن اليد أو مخدج اليد أو مثدون اليد، لولا أن تبطروا لنبأتكم ما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم قال: قلت: أنت سمعت هذا منه؟ قال: إي ورب الكعبة!)].

أورد أبو داود باباً في قتال الخوارج، وكان الباب الماضي في قتل الخوارج، والقتل كما هو معلوم يكون بدون قتال، وأما القتال فإنه على الذين برزوا وسلوا السيوف وأرادوا المقاتلة.

فالقتال يكون من الجانبين، والقتل يكون من جانب واحد عندما يقتضي الأمر ذلك، ولا يندفع الشر إلا به.

وهنا أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث في قتال الخوارج أولها حديث علي رضي الله عنه أنه ذكر أهل النهروان فقال: (فيهم رجل مودن اليد أو مخدج اليد أو مثدون اليد) ].

والنهروان: هو محل الموقعة التي حصلت بينه وبين الخوارج، والتي قتل فيها الكثير منهم.

والمودن اليد: قصيرها، أي: أن يده قصيرة، وفي طرفها قطعة من اللحم لها حلمة كلحمة ثدي المرأة، فهذه صفة لرجل منهم.

قوله: [ (لولا أن تبطروا لنبأتكم ما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم)].

أي: أنه خاف عليهم البطر، وهو أن يحصل منهم تجاوز للحد في قتالهم من أجل أن يستأصلوهم ولا يبقوا على أحد منهم؛ لأنه ورد وعد عظيم في قتالهم، ولكن إذا حصل منهم أن تركوا وكفوا واستسلموا فإنه يمسك عنهم، فلعلهم أن يرجعوا.

قوله: [ (قلت: أنت سمعت هذا منه؟ قال: إي ورب الكعبة)].

أراد عبيدة السلماني أن يتحقق من علي أنه سمع هذا منه، فأقسم علي رضي الله عنه برب الكعبة على أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث أن من علامة الخوارج مودن اليد

قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ].

محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ ومحمد بن عيسى ].

محمد بن عيسى الطباع ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا حماد ].

وهو حماد بن زيد ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أيوب ].

أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد ].

محمد بن سيرين ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيدة ].

عبيدة بن عمرو السلماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن علياً ].

علي رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أبي سعيد في قتال الخوارج

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبيه عن ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال: (بعث علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها، فقسمها بين أربعة: بين الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي ، وبين عيينة بن بدر الفزاري ، وبين زيد الخيل الطائي ، ثم أحد بني نبهان، وبين علقمة بن علاثة العامري ، ثم أحد بني كلاب، قال: فغضبت قريش والأنصار وقالت: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا؟! فقال: إنما أتألفهم.

قال: فأقبل رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كث اللحية، محلوق، قال: اتق الله يا محمد! فقال: من يطيع الله إذا عصيته؟ أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني؟

قال: فسأل رجل قتله أحسبه خالد بن الوليد ، قال: فمنعه، قال: فلما ولى قال: إن من ضئضىء هذا أو في عقب هذا قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم قتلتهم قتل عاد) ].

أورد بعد ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (بعث علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها).

يعني: في ترابها ما نقيت ولا صفيت.

قوله: [ (فقسمها بين أربعة) ] يعني ممن أسلموا حديثاً يريد أن يتألفهم على الإسلام، ويريد أن يثبت الإيمان في قلوبهم وأن يقوى إيمانهم؛ حتى يسلم بإسلامهم الفئام الكثيرة من الناس الذين يتبعونهم على ما هم عليه من الحق أو الباطل.

فيريد أن يحسن إسلامهم، حتى يسلم أولئك الذين يتبعونهم في الشر، فيكونون تابعين في الخير، فحصل في نفوس القرشيين والأنصار من ذلك شيء وقالوا: يعطي هؤلاء ويدعنا، فبين صلى الله عليه وسلم السبب الذي أعطاهم من أجله؛ وهو أنه يتألفهم على الإسلام حتى يتبعهم الفئام الكثيرة من الناس.

وهذا من حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية الناس، وعلى خروجهم من الظلمات إلى النور؛ فإنه أعطى هؤلاء المتبوعين من أجل أن يحسن إسلامهم، ومن أجل أن يتبعهم أتباعهم في الخير كما كانوا يتبعونهم من قبل بالشر.

ثم أنه جاء رجل غائر العينين، ناتئ الوجنتين، كث اللحية، محلوق الرأس، وقال: اتق الله يا محمد! فرد عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: (من يطيع الله إذا عصيته؟!) أي: إذا لم أتقه أنا فمن يطيعه؟! ومعلوم أن الناس الذين يطيعون الله إنما حصلت لهم هذه الفائدة من اتباعهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرهم على منهاجه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وقوله: [ (أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني؟!) ].

يعني: يأمنني الله بأن بعثني إليهم، وجعلني أدعوهم إلى الهدى، وإلى الخروج من الظلمات إلى النور، ولا تأمنوني أنتم فيما يكون بين يدي أقسمه على حسب المصلحة، وعلى حسب الفائدة التي ترجع للإسلام والمسلمين؟!

قوله: [ (محلوق) ]

ومن أوصاف الخوارج أنهم يتميزون بحلق الرءوس، ومعلوم أن حلق الرءوس يمكن أن يكون من غيرهم، ولا يلزم أن يكون كل من حلق رأسه خارجياً، ولكن هذا شأنهم وهذه طريقتهم، أنهم يلتزمون التحليق، ولكن الحلق يمكن أن يحصل من غيرهم ولا يقال الفاعل ذلك: إنه خارجي؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل عليه؛ وهو أنه رأى صبياً قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فقال: (احلقه كله أو دعه كله)، فيدل هذا على جواز الحلق، وعلى أنه سائغ.

قوله: [ (قال: فسأل رجل قتله، أحسبه خالد بن الوليد) ].

أي: سأل خالد قتل هذا الرجل الذي قال هذا الكلام للرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه صلى الله عليه وسلم منعه من ذلك.

قوله: [ (فلما ولى قال: إن من ضئضىء هذا أو في عقب هذا قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم) ].

أي: إن من نسله قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ومعناه أن عندهم عبادة، وعندهم قراءة للقرآن، ولكنه لا يجاوز تراقيهم؛ لما ابتلوا به من الانحراف عن الجادة والخروج عن المنهج القويم والصراط المستقيم، والمراد بذلك: الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

قوله: [ (يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان)].

أي: هذا شأنهم، قد خرجوا على الإمام وقاتلوه؛ لأنه رأى التحكيم، وقالوا: لا حكم إلا لله، وهي كما قال علي : كلمة حق أريد بها باطل! فيكون شأنهم أنهم يتجهون بالقتل إلى أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان.

قوله: [ (فإن أنا أدركتهم قتلتهم قتل عاد)].

ومعلوم أن الله أهلك عاداً بالريح، والمقصود من ذلك أن يستأصلهم ويقضي عليهم إذا أدركهم، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه تقتلهم أولى الطائفتين بالحق، وقد قتلهم علي رضي الله عنه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في قتال الخوارج

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].

محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا سفيان ].

سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن أبي نعم ].

وهو عبد الرحمن بن أبي نعم ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سعيد الخدري ].

سعد بن مالك بن سنان الخدري ، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث أنس وأبي سعيد في قتال الخوارج

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا الوليد ومبشر -يعني ابن إسماعيل الحلبي - بإسناده عن أبي عمرو قال: -يعني الوليد - حدثنا أبو عمرو قال: حدثني قتادة عن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية لا يرجعون حتى يرتد على فوقة، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله تعالى منهم. قالوا: يا رسول الله! ما سيماهم؟ قال: التحليق)].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، وهو يتعلق بالخوارج وقتالهم.

قوله: [ (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة) ].

وهذا الافتراق والاختلاف قد حصل بين أهل العراق وأهل الشام، فأهل العراق مع علي رضي الله عنه وهو خليفة المسلمين، وأهل الشام مع معاوية رضي الله عنه الذي أراد أن يقتص من قتلة عثمان أولاً، وكان علي رضي الله عنه رأى أن المصلحة، أن يتم اتفاق الكلمة أولاً، ثم بعد ذلك يتصرف بالتصرف المطلوب أو الذي ينبغي، وكل وقف عند رأيه، وحصلت الفرقة واستمر الأمر على ذلك حتى حصل الاتفاق بجمع الكلمة على يد الحسن بن علي رضي الله عنه، الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنه سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين).

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق).

قوله: [ (قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل) ].

أي: يحسنون القول ويسيئون الفعل، فالقول مثل القراءة، ولكن يسيئون الفعل، بكونهم خرجوا على الإمام ونابذوا المسلمين وتصدوا لهم وقاتلوهم.

قوله: [ (يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية لا يرجعون حتى يرتد على فوقة)].

الفوق بضم الفاء موضع الوتر من السهم.

وهذا تعليق بالمحال فإن ارتداد السهم على الفوق محال، ورجوعهم إلى الدين أيضاً محال.

وهذه إشارة إلى شدة تمسكهم بالباطل وإصرارهم عليه، وتمكنه من نفوسهم حيث يعتقدون أنهم على حق وهم على باطل كما قال تعالى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8].

قوله: [ (هم شر الخلق والخليقة)].

ومعلوم أن الكفار الذين يقاتلون المسلمين قد وصفهم الله بقوله: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال:22].

ولاشك أنهم شر الخليقة باتفاق المسلمين وأنه لا نصيب لهم في الإسلام؛ أما الخوارج فأمرهم مشكوك فيه، ولكن هذا كله يدل على خبثهم وعلى منتهى قبحهم، وعلى حصول الضرر الكبير منهم للمسلمين؛ وذلك أنهم يشغلون الناس عن قتال الكفار وعن الجهاد في سبيل الله، مثلما حصل بالنسبة لـأبي بكر رضي الله عنه حين شغله قتال مانعي الزكاة عن الفتوحات، فلما قضى عليهم، اتجه إلى تجهيز الجيوش للفرس وللروم.

قوله: [ (طوبى لمن قتلهم وقتلوه)].

يعني: هذا يدل على فضل قتالهم وعلى فضل من قتلوه.

قوله: [ (يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء)].

كانوا يقولون: لا حكم إلا لله، وقوله: [ (يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء) ] يوضح الجملة التي سبق أن مرت: (يحسنون القيل ويسيئون الفعل)، لأنه قال هنا: (يدعون إلى كتاب الله)، وهذا من أحسن القول، ولكن حقيقتهم أنهم (ليسوا منه في شيء)، يعني: أنهم من حيث التطبيق ومن حيث التنفيذ ليسوا منه في شيء.

فهم يسيئون العمل، وذلك بالخروج على الأئمة وافتتانهم بآرائهم الفاسدة، وأفكارهم المنحرفة الشاذة.

قوله: [ (من قاتلهم كان أولى بالله منهم)].

وهذا من جنس الأمثلة التي مر ذكرها قريباً، أي أنهم يظنون أنهم على حق، ومن قاتلهم فهو أولى بالله منهم.

قوله: [ (قالوا: يا رسول الله! ما سيماهم؟ قال: التحليق)].

يعني: علامتهم حلق الرءوس، أي: التزام ذلك، وكونهم يعرفون بذلك.

لكن كما عرفنا أنه ليس معناه أن من حلق رأسه فهو منهم، بل قد يكون من غيرهم، وذلك سائغ شرعاً.

تراجم رجال إسناد حديث أنس وأبي سعيد في قتال الخوارج

قوله: [ حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي ].

نصر بن عاصم الأنطاكي لين الحديث أخرج له أبو داود .

[ حدثنا الوليد ].

هو الوليد بن مسلم ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ومبشر - يعني ابن إسماعيل - ].

مبشر بن إسماعيل ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي عمرو ].

أبو عمرو الأوزاعي وهو: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني قتادة ].

قتادة بن دعامة السدوسي ، مر ذكره.

[ عن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك ].

أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، مر ذكره.

و أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث أنس في ذكر التسبيد من سيما الخوارج

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه قال: (سيماهم التحليق والتسبيد، فإذا رأيتموهم فأنيموهم).

قال أبو داود : التسبيد: استئصال الشعر ].

هذا الحديث الذي أورده أبو داود رحمه الله يتعلق بالحديث الذي قبله، وقد أحال في هذه الرواية على ما مضى وقال: [ نحوه ] أي: نحو الحديث المتقدم فيما يتعلق بالمتن، وأشار إلى أنه يوجد هنا اختلاف عما تقدم، وذلك في قوله: (سيماهم التحليق والتسبيد) فقوله: (سيماهم التحليق)، مر فيما مضى، يعني: أن هذه علامتهم التي يعرفون ويتميزون بها، وأنهم يحلقون رءوسهم ويستأصلون حلقها.

وقد مر أن هذه العلامة لا تعني أنه لا يجوز حلق الرأس، بل يجوز حلقه ويجوز تركه، وقد دل على ذلك الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه لما رأى صبياً قد حلق بعض رأسه وترك بعضه قال: احلقوه كله أو دعوه كله).

والتسبيد: هو استئصال الشعر.

وقوله: [ (فإذا لقيتموهم فأنيموهم) ].

الإنامة المقصود بها: القتل؛ لأن الإنسان إذا قتل فإنه يقع على الأرض كالنائم، وذلك ليسلم الناس من شرهم، ومعلوم أن النوم هو أخو الموت، وقد جاء في الحديث: (النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون)، وقد جاء في القرآن: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42]، يعني: والتي لم تمت يتوفاها في منامها.

قال أبو داود : [ التسبيد: استئصال الشعر ].

أي: هذا هو تفسير التسبيد الذي جاء معطوفاً على التحليق.

تراجم رجال إسناد حديث أنس في ذكر التسبيد من سيما الخوارج

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].

الحسن بن علي الحلواني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .

[ حدثنا عبد الرزاق ].

عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا معمر ].

معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قتادة ].

قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ].

أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث علي في فضل قتال الخوارج

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة قال: قال علي رضي الله عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإنما الحرب خدعة. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)].

أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.

قوله: [ قال علي رضي الله عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه ].

يعني: أنه يتحرز في حديثه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحتاط ويتوقى أن يزل بذكر شيء لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يحافظ على نصه ويأتي به كما تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

معنى الخدعة في الحرب

قوله: [ فإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإنما الحرب خدعة ].

(خدعة) فيها عدة لغات: فهي بفتح الخاء وإسكان الدال، ويقال: بضم الخاء وفتح الدال. وفيها غير ذلك.

والمعنى: أن الإنسان قد يوري في أمور تحتاج الحرب فيها إلى تورية، بأن يظهر للأعداء أشياء غير مطابقة للواقع من ناحية ما عند الناس من القوة، سواء كانت حسية أو معنوية، ولكنه يأتي بكلام لا يكون واضحاً جلياً في أنه مخالف للواقع وغير مطابق له.

ومعلوم أن التورية يكون الإنسان فيها صادقاً؛ لأنه يقول كلاماً يريد به شيئاً وغيره يفهم غير ذلك.

وهذا مما يحصل في الحرب من إظهار القوة وإن كان هناك شيء من الضعف، مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء، حين جلس الكفار في الجهة التي هي خلف الحجر ينظرون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يطوفون، فكان بعضهم يقول لبعض: يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب، يعني: أنهم هزال ضعاف، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن يرملوا في الأشواط الثلاثة الأول، حتى إذا كانوا بين الركن والحجر الأسود لم يرملوا، بل يمشون ليحصل لهم شيء من الراحة بعد هذا الرمل، والمقصود من ذلك إظهار قوتهم لأعدائهم الذين قالوا تلك المقالة، حتى عاد بعضهم يحدث بعضاً ويقول: هذا الكلام الذي قلتموه غير صحيح، وذلك بعدما رأوهم يرملون.

وكان هذا أول مشروعية الرمل، ثم إنه بعد ذلك شرع للناس حتى يتذكروا أن المسلمين كان فيهم ضعف ثم إن الله تعالى أعز الإسلام وأهله؛ ولهذا رمل الرسول صلى الله عليه وسلم لما حج حجة الوداع من الحجر إلى الحجر، في الأشواط الثلاثة.

فمعنى كون الحرب خدعة: أن الإنسان يأتي بكلام أو بفعل يفهم منه الأعداء خلاف ما يحبونه وما يريدونه من ضعف المسلمين ومن عدم قوتهم.

والتورية أيضاً تجوز في غير الحرب، وذلك في الأمور التي يُحَتاجُ فيها إلى التورية.

الخوارج حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام

قوله: [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام) ].

ما تقدم عنه رضي الله عنه كان تمهيداً لبيان حرصه على رواية ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرصه على أدائه كما سمعه، وأن سقوطه من السماء أهون عليه من أن يكذب على رسول صلى الله عليه وسلم، بل هو يتحرز ويتحرى ويحتاط، ويأتي بالكلام الذي يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحسن وجه، وعلى أتم وجه، احتراماً لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرصاً على أدائه كما سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فبين بعد ذلك هذا الكلام الذي سمعه في الخوارج.

وحدثاء الأسنان هم صغار الأعمار، أي أنهم شبان، ووصفهم بأنهم حدثاء الأسنان معناه أنهم ما تقدمت بهم السن حتى يجربوا الأمور كما جربها وعرفها من تقدم به العمر، فإن الشباب يحصل في بعضهم شيء من التسرع أو الإقدام على أشياء تكون عاقبتها غير محمودة؛ وذلك لأنه ما حصل عندهم الثبات في الرأي، والثبات في الحق.

ووصفهم أيضاً بأنهم سفهاء الأحلام، وذلك مأخوذ من السفه، والأحلام هي العقول، قال تعالى: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الطور:32].

قوله: [ (يقولون من قول خير البرية)].

هذا يوضح معنى ما سبق فيما تقدم من الأحاديث: (يحسنون القيل ويسيئون الفعل)، فهم يتكلمون كلاماً حسناً أو كلاماً جميلاً, وهو أن عندهم اشتغالاً بالقرآن، وعناية بالقرآن، ولكن حصل لهم الانحراف عن فهم القرآن، فصاروا بلاء على أهل الإسلام وحرباً لأهل الإسلام؛ ولهذا حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منهم وبين فضل قتالهم، وأن قتلهم فيه أجر عظيم وثواب جزيل من الله سبحانه وتعالى.

وخير البرية هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم يقولون من قوله، وكذلك يقرءون القرآن، ويشتغلون بقراءته.

وقوله: [ (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) ].

قد مر معناه.

قوله: [ (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)].

الخطاب هنا للصحابة ومن يأتي بعدهم، وهذا فيه بيان فضيلة قتلهم، وأن من قتلهم يؤجر على ذلك لأنه ساعد في القضاء على فتنة قامت على الإسلام والمسلمين.

تراجم رجال إسناد حديث علي في فضل قتال الخوارج

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].

محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا سفيان ].

سفيان بن سعيد الثوري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الأعمش ].

سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن خيثمة ].

خيثمة بن عبد الرحمن ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سويد بن غفلة ].

وهو مخضرم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و سويد بن غفلة كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: إنه قدم إلى المدينة في اليوم الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يصدق عليه أن يقال: كاد أن يكون صحابياً، فليس ما بينه وبين الصحبة إلا شيئاً يسيراً؛ لأنه قدم المدينة والناس ينفضون أيديهم بعد دفن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان معمراً، وقد ذكر في ترجمته أنه كان يصلي بالناس التراويح في رمضان وعمره مائة وعشرون سنة، وذكر مثل هذا في ترجمة المعرور بن سويد ، قالوا: إنه بلغ مائة وعشرين سنة، وكان أسود شعر الرأس واللحية، وهما -أي: سويد بن غفلة والمعرور بن سويد - قد أدركا الجاهلية والإسلام ولم يلقيا النبي عليه الصلاة والسلام.

وقريب منها ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة في تعريف الصحابي أنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على الإسلام.

قال: وهل يلحق به من رآه بعد أن توفي وقبل أن يدفن، كما ذُكِر أن أبا ذؤيب الهذلي الشاعر حصل له ذلك؟ قال: هذا محل خلاف، وإن صح- يعني هذا الخبر- فالأوجه أنه لا يعتبر صحابياً؛ لأنه إنما يعتبر صحابياً من رآه في حياته عليه الصلاة والسلام.

[ قال علي ].

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة.

فإن قيل: هل يجوز قتل الخوارج بدون إذن الإمام؟

فالجواب: لا يجوز القتل بدون إذن الإمام؛ لأن القتل يسبب القتل، ولكن القتل بطريقة مشروعة هو المشروع، أما القتل باغتيالات وبأمور فيها تعد وتجاوز، هذا يؤدي إلى اختلاط الأمور، وليس كل إنسان يفهم الخارجي ويميزه عن غيره، فقد يتهم شخص شخصاً أو جماعة ويزعم أنهم خوارج، فلذلك إنما يكون الأمر بالقتل من الإمام حيث يرى المصلحة في القتل والقتال.

شرح حديث زيد بن وهب في قتال الخوارج

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل قال: أخبرني زيد بن وهب الجهني أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي عليه السلام الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي عليه السلام: أيها الناس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئاً، ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئاً، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئاً، يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم، وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.

لو يعلم الجيش يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم، لنكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلاً له عضد وليست له ذراع، على عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض)!

أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام، وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذارريكم وأموالكم؟ والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس، فسيروا على اسم الله.

قال سلمة بن كهيل : فنزلني زيد بن وهب منزلاً منزلاً حتى مر بنا على قنطرة، قال: فلما التقينا، وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي فقال لهم: ألقوا الرماح وسلوا السيوف من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء.

قال: فوحشوا برماحهم، واستلوا السيوف، وشجرهم الناس برماحهم، قال: وقتلوا بعضهم على بعضهم، قال: وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان، فقال علي عليه السلام: التمسوا فيهم المخدج ، فلم يجدوا.

قال فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناساً قد قتل بعضهم على بعض، فقال: أخرجوهم. فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر وقال: صدق الله وبلغ رسوله.

فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين! والله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو! حتى استحلفه ثلاثاً وهو يحلف ].

اجتهاد الخوارج في العبادة وانحرافهم عن الجادة

أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه، وهو يتعلق بقتال الخوراج أيضاً، وفيه أن زيد بن وهب الجهني كان في الجيش الذين كانوا مع علي رضي الله عنه الذين ساروا إلى الخوارج، وقد كان يحدث بذلك سلمة بن كهيل ، فذكر أن علياً رضي الله عنه خطب الناس وقال: أيها الناس! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن، ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئاً).

وهذا من جنس ما جاء في بعض الروايات: (تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وقراءتكم عند قراءتهم)، ومعناه أن هذا الذي يعمله المسلمون الذين هم على السنة، وعلى طريقة صحيحة من العبادة قليل إذا قورن بما عند الخوارج من اجتهاد في العبادة، ولذلك يحقر الناس صلاتهم إلى صلاة الخوارج، وصيامهم إلى صيامهم، وأعمالهم إلى أعمالهم، ومعناه: أنهم مجتهدون في العبادة، ولكنهم منحرفون عن الجادة، بعقائدهم الفاسدة، وبشبههم الباطلة، وفهمهم للقرآن على غير حقيقته، وخروجهم على جماعة المسلمين وقتالهم، وكونهم يحسنون القول ويسيئون الفعل، ولذلك خطب علي رضي الله عنه وأرضاه بالناس وبين لهم أحوال هؤلاء وقال: إنه يرجو أن يكون هؤلاء هم الذين أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يكون هو الذي وفق لقتالهم.

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه هو الذي وفق لقتالهم، حيث قال: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق) وقد قاتلهم علي رضي الله عنه وأرضاه، وهذا الحديث فيه بيان قتلهم وانتصاره عليهم، فقد قتل الكثيرين منهم حتى صاروا أكواماً بعضهم فوق بعض، ولم يُصَب من المسلمين إلا رجلان.

قوله: [ (يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم، وهو عليهم) ].

أي: أنهم يفهمونه على غير وجهه، فهم كما قال الله عز وجل: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8]، فهم يظنون أنهم على شيء وهم بخلاف ما ظنوا؛ يظنون أنهم على حق وهم على باطل؛ للشبه التي عرضت لهم، وللباطل الذي أشربته قلوبهم.

قوله: (لا تجاوز صلاتهم تراقيهم) ] تقدم في الأحاديث السابقة: (لا تجاوز قراءتهم) وتقدم: (لا يجاوز إيمانهم) وذكر هنا الصلاة، والصلاة من الإيمان، والمراد أنهم يعملون أعمال الجوارح ولكن الاعتقاد فاسد؛ وهذا يوضح معنى قول الله عز وجل في سورة الغاشية: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً [الغاشية:2-4]؛ لأنهم أهل عبادة، وأهل نصب، وأهل تعب، ولكنهم والعياذ بالله ليسوا على هدى، وإنما هم على ضلالة، ولذلك جاء في الحديث أنهم كلاب النار.

عظيم الأجر لمن قاتل الخوارج

قوله: [ لو يعلم الجيش يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل ].

أي: لنكلوا عن الأعمال الأخرى، وصار اشتغالهم بهم، وفي بعض النسخ: (لاتكلوا على العمل) أي لاتكلوا على هذا العمل، وهو قتال الخوارج؛ لأنهم حصلوا الأجر العظيم بذلك فيتكلون عليه، وهذا مثلما جاء في بعض الأحاديث من التحذير من إخبار الناس ببعض الأمور التي قد تجعلهم يتركون العمل، ومن ذلك ما جاء في حديث معاذ الذي ذكر فيه حق الله على العباد، وحق العباد على الله، قال: أفلا أبشر الناس؟ قال: (لا تبشرهم فيتكلوا).

وهذا فيه بيان أن على الإنسان ألا يغتر بكونه عمل شيئاً مما يتعلق بالوعد، ويغفل جانب الوعيد، وإنما عليه أن يُعمل أحاديث الوعد وأحاديث الوعيد، فيكون خائفاً راجياً؛ لأن بعض الناس يتجه إلى أحاديث الوعد -كما فعلت المرجئة- ويهمل جانب الوعيد، وبعض الناس يتجه إلى أحاديث الوعيد -كما فعلت المعتزلة والخوارج- ويهمل جانب الوعد، والواجب هو الاعتدال والتوسط، فأهل السنة والجماعة يأخذون بأحاديث الوعد والوعيد، فيعملون بجميع النصوص.

صفة الرجل الذي هو علامة على الخوارج

قوله: [ وآية ذلك أن فيهم رجلاً له عضد وليست له ذراع، على عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض ].

يعني: علامة هؤلاء الخوارج الذين يقاتلون ويقتلون أن فيهم رجلاً له عضد وليست له ذراع، أي أن ذراعه غير موجودة، ولكن له عضد في رأس عضده لحمة كحلمة ثدي المرأة، وعليه شعرات بيض.

فلما وقع قتالهم وقتلهم علي رضي الله عنه أمر أن يبحث عن هذا الشخص الذي هو علامة على الخوارج، وأنهم هم الذين عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فبحثوا عنه فلم يجدوا، فقام بنفسه وصار يبحث حتى وجد كوماً من القتلى بعضهم فوق بعض، فأمر بأن يزاح بعضهم عن بعض حتى وجدوه أسفلهم مما يلي الأرض، فكبر عند ذلك فرحاً وسروراً.

وهذا يدل على مشروعية التكبير في حال الفرح لا التصفيق مثلما يفعله بعض الناس، فالتكبير هو الذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلما فعل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن قال: (أني أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة. فكبروا! قال: نصف أهل الجنة. فكبروا!) أي قالوا: الله أكبر، فرحاً وسروراً.

ولما أشيع أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، وكان عمر في مزرعة له، جاء وبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى وجده في مكان مرتفع معتزلاً نساءه، فدخل عليه وسأله: (أطلقت نساءك يا رسول الله؟! فقال: لا، فكبر عمر) أي قال: الله أكبر؛ فرحاً وسروراً؛ لأن هذه الإشاعة التي أشيعت غير صحيحة.

وهنا كبَّر علي رضي الله عنه ثم قال: (صدق الله وبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم) وهذا يدلنا على أن ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو من عند الله، وأن السنة من عند الله، وليست من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه وحي غير متعبد بتلاوته كالقرآن، وإلا فإن القرآن من الله، وهو كلامه، والسنة هي من الله عز وجل معنى، واللفظ هو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو مبلغ عن الله سبحانه وتعالى، كما قال: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].

فقول علي رضي الله عنه: (صدق الله وبلغ رسوله)؛ لأن ما ذكره عن الرجل المخدج ليس موجوداً في القرآن، وإنما جاء في السنة، أي فالرسول صلى الله عليه وسلم بلغ ما أوحى إليه من عند الله عز وجل.

ومما يوضح ذلك أيضاً الحديث الذي جاء فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر للشهيد كل شيء) ثم إنه قال: (إلا الدين سارني به جبريل آنفاً) يعني أن هذا الاستثناء جاء به جبريل وساره به، معنى ذلك أنه من عند الله وليس من عنده عليه الصلاة والسلام.

تقديم علي قتال الخوارج على قتال معاوية وأهل الشام

قوله: [ أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام، وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذارريكم وأموالكم؟ ].

يريد من ذلك أن هؤلاء هم الذين يقاتلون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيهم ما قال، وأيضاً: لو ذهب الناس إلى الشام لقتال معاوية وتركوا هؤلاء لخلفهم هؤلاء في ذارريهم وفي أهليهم ولأفسدوا.

قوله: [ والله! إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم ].

يعني الذي قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال، فهو يرجو أن يكونوا هم هؤلاء الذي هو بصدد قتالهم.

قوله: [ فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس ].

أي: من إساءة العمل أنهم يسفكون الدم الحرم، ويغيرون في سرح الناس، والسرح هي البهائم التي تذهب في الصباح مع الرعاة، يعني: أنهم يغيرون على الإبل أو الغنم التي تسرح فيأخذونها.

قوله: [ فسيروا على اسم الله ].

يعني على بركة الله، مستعينين بالله ومتوكلين عليه، وهذا يدل على ابتداء الأعمال بذكر الله، وأن العامل يستحضر الله عز وجل ويذكر ربه سبحانه وتعالى؛ ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أوصاه بتقوى الله وقال: (اغزوا باسم الله، قاتلوا من كفر بالله) كما في الحديث الطويل الذي رواه مسلم عن بريدة بن حصيب .

وصف المعركة التي وقعت بين علي والخوارج

قوله: [ قال سلمة بن كهيل : فنزلني زيد بن وهب منزلاً منزلاً ].

يعني: بعدما ذكر كلام علي رضي الله عنه وخطبته وما حصل منه، قص عليه القصة من حين خرجوا إلى أن وصلوا إلى الخوارج وقاتلوهم.

قوله: [ حتى مر بنا على قنطرة ].

يعني: وهم في طريقهم إلى الخوارج.

قوله: [ قال: فلما التقينا، وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي ].

يعني: فلما التقى علي رضي الله عنه بجيشه مع الخوارج، وكان أميرهم عبد الله بن وهب الراسبي.

قوله: [ قال لهم: ألقوا الرماح، وسلوا السيوف من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء، قال: فوحشوا رماحهم ].

هذه وصية من رئيس الخوارج لأصحابه بأن يلقوا الرماح -أي: يرموها- ويسلوا السيوف لقتال المسلمين؛ لأنه يخاف أن يكون هناك تفاهم من غير قتال كما وقع يوم حروراء، فهو يريد من أصحابه أن يسلوا السيوف حتى تكون في متناول أيديهم ولا يشتغلوا بالرماح، وإنما يمشون بالسيوف حتى يصلوا إلى المسلمين.

فألقوا رماحهم، وسلوا سيوفهم أخذاً بوصيته، فرماهم أصحاب علي رضي الله عنهم وأرضاهم بالرماح قبل أن يصلوا إليهم، ثم التحموا معهم وقتلوا منهم المقتلة العظيمة، ولم يصب من المسلمين إلا اثنان كما ذكر في هذا الحديث.

ومعنى: (وحشوا برماحهم) أي: أنهم تركوها وأخذوا السيوف، فاستعمل المسلمون الرماح، فأصابوهم قبل أن يصلوا إليهم، ولما وصلوا إليهم التحموا معهم واستأصلوهم، ولذلك قال: (وشجرهم الناس برماحهم).

أي: أصابهم الناس برماحهم.

قوله: [ وقتلوا بعضهم على بعضهم ].

أي: حتى ركب بعضهم فوق بعض لكثرة القتلى، فصاروا أكواماً.

قوله: [ قال: وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان ].

أي: من أصحاب علي رضي الله عنه.

قوله: [ فقال علي رضي الله عنه: التمسوا فيهم المخدج ].

أي: لما انتهى الأمر ووضعت الحرب أوزارها، وانتصر علي رضي الله عنه ومن معه عليهم، أمر بأن يبحث عن هذا المخدج الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب العضد الذي ليس له ذراع، وفيه تلك اللحمة التي في طرفها حلمة كلحمة ثدي المرأة، وعليها شعيرات بيض.

فالتمسوه فلم يجدوه، فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناساً قد قتل بعضهم على بعض فقال: أخرجوهم. فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر، وقال: صدق الله وبلغ رسوله.

قوله: [ فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين! والله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو! حتى استحلفه ثلاثاً، وهو يحلف ].

وعبيدة السلماني من أصحابه، وهو من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم فاستحلف علياً قال: والله الذي لا إله إلا هو إنك سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حتى كرر ذلك ثلاثاً، يريد من ذلك أن يسمع الناس بهذا الخبر، وأن عملهم هذا على صواب، وأنهم الجيش الذين ورد الوعد له بالأجر العظيم من الله، وأن هذا الشخص الذي رأوه بالكيفية التي وصفها علي قبل أن يروه، قد وجد طبقاً لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالمقصود من استحلاف عبيدة علياً وتكرار ذلك ثلاثاً أن يسمع الناس، وحتى يتحقق الأمر لكثير من الناس بهذا التكرار.

تراجم رجال إسناد حديث زيد بن وهب في قتال الخوارج

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق ].

الحسن بن علي وعبد الرزاق مر ذكرهما.

[ عن عبد الملك بن أبي سليمان ].

صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن سلمة بن كهيل ].

وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني زيد بن وهب الجهني ].

وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ فقال علي عليه السلام ].

علي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.

شرح حديث أبي الوضيء في قتال الخوارج

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن جميل بن مرة قال: حدثنا أبو الوضيء قال: قال علي عليه السلام: اطلبوا المخدج -فذكر الحديث- فاستخرجوه من تحت القتلى في طين.

قال أبو الوضيء : فكأني أنظر إليه حبشي عليه قريطق، له إحدى يدين مثل ثدي المرأة، عليها شعيرات مثل شعيرات التي تكون على ذنب اليربوع ].

أورد الحديث من طريق أخرى، وفيه أن علياً طلب المخدج فوجدوه تحت القتلى في طين، ومعناه أن الأرض فيها رطوبة، وأن هذا في الأسفل، وغيره فوقه.

قوله: [ قال أبو الوضيء : فكأني أنظر إليه حبشي ].

أي أنه كان معهم.

قوله: [ عليه قريطق ].

القريطق هو القباء، وهو نوع من اللباس.

قوله: [ له إحدى يدين مثل ثدي المرأة، عليها شعيرات مثل شعيرات التي تكون على ذنب اليربوع ].

في الطريق الأول قال: (عليه شعيرات بيض) وهنا قال: (شعيرات مثل الشعيرات التي تكون على ذنب اليربوع) يعني أنها طويلة، مثل التي تكون في ذنب اليربوع، وهو من دواب البر، وهو قصير اليدين طويل الرجلين، يشبه الفأر ولكنه صيد وحلال، وأيضاً: طريقته في حفر الجحر تختلف عن غيره من الحيوانات؛ ولهذا يقولون في تعريف النفاق إنه مأخوذ من نافقاء اليربوع؛ لأنه يكون في جحر له بابان، باب واضح، وباب خفي تكون عليه قشرة من تراب، وإذا جاءه عدو من جهة الباب المفتوح خرج من الباب الثاني، بأن ينفض التراب الذي في الجهة الثانية ويهرب. فالذين يصيدونه يعرفون طريقة جحره؛ ولهذا يبحثون عن النافقاء أولاً، ثم يأتونه من الجحر، ويدخلون عليه شيئاً يحركه، فإذا خرج أمسكوا به.

تراجم رجال إسناد حديث أبي الوضيء في قتال الخوارج

قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ].

محمد بن عبيد بن حساب ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا حماد بن زيد ].

حماد بن زيد بن درهم البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جميل بن مرة ].

وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي وابن ماجة .

[ حدثنا أبو الوضيء ].

وهو عباد بن أسيد ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي وابن ماجة.

[ قال علي عليه السلام ].

علي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.

شرح أثر أبي مريم في صفات الرجل المخدج

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا بشر بن خالد حدثنا شبابة بن سوار عن نعيم بن حكيم عن أبي مريم قال: إن كان ذلك المخدج لمعنا يومئذ في المسجد نجالسه بالليل والنهار، وكان فقيراً، ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي رضي الله عنه مع الناس، وقد كسوته برنساً لي.

قال أبو مريم : وكان المخدج يسمى نافعاً ذا الثدية ، وكان في يده مثل ثدي المرأة، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي، عليه شعيرات مثل سبالة السنور.

قال أبو داود : وهو عند الناس اسمه حرقوس ].

أورد أبو داود هذا الأثر عن أبي مريم وهو قيس المدائني الثقفي ، وهذا الأثر يبين فيه أنه رأى ذلك الشخص وأنه كان يعرفه، وأنه كان يجلس معهم في المسجد، وأنه كان فقيراً يحضر طعام علي رضي الله عنه فيأكل مع الناس، وأنه كساه برنساً، ثم وصف يده وذراعه، وأن فيه اللحمة التي عليها شعيرات مثل سبال السنور: أي: القط، وهي شعرات طويلة تكون في وجهه.

وهذا أثر يقال له مقطوع؛ لأنه ينتهي إلى أبي مريم ، والمقطوع: هو ما انتهى متنه إلى من دون الصحابي؛ لأن المتن إذا انتهى إلى الصحابي فهو موقوف، وإذا انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع، وإذا انتهى إلى من دون الصحابي فهو مقطوع، وهذا وصف للمتن، وهو غير المنقطع؛ لأن المنقطع من صفات الإسناد، وأما المقطوع فهو من صفات المتن.

تراجم رجال إسناد أثر أبي مريم في صفات الرجل المخدج

قوله: [ حدثنا بشر بن خالد ].

وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا شبابة بن سوار ].

وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نعيم بن حكيم ].

وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في رفع اليدين وأبو داود والنسائي في خصائص علي .

[ عن أبي مريم ].

وهو قيس المدائني الثقفي ، وهو مجهول، أخرج له البخاري في رفع اليدين وأبو داود والنسائي في الخصائص.

وهذا الأثر ضعيف، من جهة أن الشخص الذي ينتهي إليه الإسناد مجهول.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [542] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net