إسلام ويب

لقد رفع الله عز وجل شأن بعض الأماكن وشرفها ومنها مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، وذكر منها مسجد المدينة النبوية، وكذلك حرم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة كما حرم إبراهيم مكة، فلا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا يحمل فيها السلاح لقتال.

حكم إتيان المدينة وشد الرحال إليها

شرح حديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إتيان المدينة.

حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) ].

قوله: [ باب في إتيان المدينة ] أي: السفر إلى المدينة وشد الرحل لزيارة هذا المسجد الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم، وزيارة المدينة لا تلازم بينها وبين الحج؛ فإنه يمكن أن يأتي الإنسان للحج ويرجع إلى بلاده، ويمكن أن يأتي من بلاده للمدينة ويرجع إلى بلاده، ويمكن أن يأتي للحج ويزور المدينة، كل ذلك ممكن، فليس هناك ترابط وتلازم بين الحج وزيارة المدينة.

أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه في بيان المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: [ (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) ] وهي المساجد التي بناها أنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأسست على التقوى من أول يوم.

وحديث أبي هريرة يدل على أن السفر إلى بقعة من البقاع من أجل التقرب إلى الله عز وجل إنما يكون لهذه المساجد الثلاثة:

المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى.

وقد قال بعض أهل العلم: إن الاستثناء ليس مقصوراً على السفر لمسجد من المساجد، وإنما المقصود البقع والأراضي، فلا تشد الرحال إلا إلى هذه المساجد الثلاثة، فلا يذهب الإنسان إلى بقعة ولو لم يكن فيها مسجد ليتقرب إلى الله عز وجل في تلك البقعة، وهذا غير سائغ، وقد استدل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بعموم هذا الحديث على عدم السفر لأي بقعة من البقاع من أجل التقرب إلى الله عز وجل فيها، ففي رواية لهذا الحديث عند النسائي أن أبا هريرة رضي الله عنه ذهب إلى الطور، ولما رجع لقيه بصرة بن أبي بصرة رضي الله عنه فقال له: من أين جئت؟ قال: جئت من الطور، قال: لو علمت لم تسافر، قال: ولم؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)، فدل هذا على أن المقصود بذلك عموم البقع، وليس المقصود به خصوص المساجد، فالمستثنى ثلاثة مساجد من عموم البقع وعموم الأراضي؛ لأن هذا الحديث استدل به بصرة بن أبي بصرة رضي الله عنه على أبي هريرة فيما يتعلق بالذهاب إلى الطور، وقال: لو علمت قبل أن تذهب لم تذهب.

والحديث أورده النسائي من حديث أبي هريرة عن بصرة بن أبي بصرة رضي الله عنه، وذلك في حديث طويل بسند صحيح عند النسائي برقم (1429).

وهذه المساجد الثلاثة هي مساجد الأنبياء المتميزة على غيرها، وهي التي يسافر من أجلها، أما غيرها فإنه لا يسافر من أجله، ولا تشد الرحال من أجله، ولم يأت شيء يدل على خلاف ما دل عليه هذا الحديث، وهو قصر السفر للقربة على هذه المساجد الثلاثة التي هي مساجد الأنبياء.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ...)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا سفيان ].

هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن المسيب ].

سعيد بن المسيب وهو ثقة من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.

ما جاء في تحريم المدينة

شرح حديث علي: (المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في تحريم المدينة.

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: (ما كتبنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور، فمن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف ومن والى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف) ].

أورد أبو داود رحمه الله [ باب: تحريم المدينة ] المدينة حرام كما أن مكة حرام، ولا يوجد في الأرض أماكن محرمة توصف بهذا الوصف لا يصاد صيدها ولا يقطع شجرها إلا مكة والمدينة، وإبراهيم حرم مكة والنبي صلى الله عليه وسلم حرم المدينة، والمقصود من ذلك إظهار الحرمة، فإن إبراهيم أظهر حرمة مكة والتحريم إنما هو من الله، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أظهر حرمة المدينة والتحريم إنما هو من الله، وإضافة التحريم إلى إبراهيم لمكة؛ لأنه هو الذي أظهر حرمتها، وإضافة التحريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة؛ لأنه هو الذي أظهر حرمتها، والله هو الذي أوحى إليه بحرمتها.

إذاً: مكة والمدينة هما الحرمان، وليس هناك أماكن أخرى محرمة، وما شاع على ألسنة بعض الناس من قولهم عن المسجد الأقصى: ثالث الحرمين لا يصح، وهذا إطلاق غير صحيح؛ لأن الحرمين ليس لهما ثالث، ومكة حرم والمدينة حرم، ومن جملة مكة المسجد الحرام، ومن جملة المدينة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً: ليس هناك أماكن أخرى يقال لها: حرم إلا مكة والمدينة، فإنهما حرام وهما حرم، وقول بعض الناس: ثالث الحرمين لا يصلح ولا يستقيم، وإنما يقال: ثالث المساجد المقدسة، أي: المساجد المقدسة الثلاثة التي هي مساجد الأنبياء هو ثالثها، أما كونه ثالث الحرمين فهذا لا يستقيم؛ لأنه ليس هناك حرم ثالث، وإنما الحرم حرمان هما مكة والمدينة.

والمدينة لا يقطع منها الشجر ولا يصاد الصيد، ومن دخلها يكون آمناً؛ لأنه في حرم.

أورد أبو داود حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: [ (ما كتبنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا القرآن وإلا ما في هذه الصحيفة) ] والصحيفة من جملة ما فيها: [ (المدينة حرام من عائر إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف ومن والى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف) ].

هذا من الأدلة على جواز كتابة العلم، وأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يكتبون العلم، ومن الأدلة الدالة على ذلك كون علي رضي الله عنه كان عنده كتاب اشتمل على عدة مسائل من الحديث ومن العلم، ومما اشتملت عليه هذه الصحيفة ما جاء في هذا الحديث.

والمقصود منه أن المدينة حرام من عائر إلى ثور.

(عائر) هو عير، وهو ثور جبلان في المدينة، عير في جنوبها وثور جبل صغير شمال جبل أحد، هذا حد المدينة من جهة الجنوب والشمال، من الجنوب عير ومن الشمال ثور.

وكونها حرماً أو حراماً أي: لا يقطع شجرها ولا يصاد صيدها، ولهذا جاءت الأحاديث في النهي عن ذلك، ومنها ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (لو رأيت الظباء ترتع في المدينة ما ذعرتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها) فلا يزعج الصيد ولا ينفر، ومن باب أولى لا يقتل، وكذلك لا يقطع الشجر الذي ينبته الله، أما الشجر الذي ينبته الناس ويزرعه الناس فإنهم يحصدون زروعهم ويقطعون نباتهم الذي ينبتونه ويحتاجون إليه.

قوله: [ (فمن أحدث فيها حدثاً) ] يعني: من أتى بأمر محدث لم يكن من الدين، ولذلك جاء في الحديث: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).

قوله: [ (أو آوى محدثاً) ] يعني: من آوى مَنْ أتى ببدع وأحدث في دين الله ما ليس منه، فإن المحدث والمؤوي له عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

قوله: [ (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) ] هذا دعاء، وفيه بيان خطورة هذا الأمر، وأنه أمر فضيع وأمر خطير وعظيم.

قوله: [ (وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم) ] يعني: أنه إذا حصل الأمان من أحد من المؤمنين لشخص من الكفار، فإنه يعطى الأمان، ولو كان ذلك الذي أعطاه من أدنى الناس كالعبد، وكذلك النساء أيضاً لهن أن يؤمنَّ، كما في قصة علي بن أبي طالب مع أم هانئ في عام فتح مكة وفيها: (أن أم هاني جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنني أمنت فلاناً وإن علياً قال: إنه لا يتركه، فالنبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم قال: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ).

قوله: [ (فمن أخفر مسلماً) ] يعني: نقض عهده، أو حصل منه نقض العهد وعدم تمكينه من الشيء الذي التزم به.

قوله: [ (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف) ] العدل قيل: هو الفريضة، والصرف: هو النافلة.

قوله: [ (ومن تولى قوماً بغير إذن مواليه) ] أي: إذا ادعى العبد أنه مولى لغير من أعتقه فإنه متوعد بهذا الوعيد الشديد؛ لأن الولاء إنما يكون لمن أعتق ولا يكون لغير المعتق، والولاء لا يتصرف فيه ببيع أو هبة أو ما إلى ذلك؛ لأنه شيء ثابت وشيء لازم.

قوله: [ (بغير إذن مواليه) ] هذا ليس له مفهوم؛ لأن لا يصير مولى بالإذن؛ لأن الولاء لا يورث ولا يوهب ولا يباع، وليس لهم أن يأذنوا بأن الولاء يكون لفلان أو أن الولاء ليس لهم، بل هذا شيء لهم وهو كالنسب لا يباع ولا يوهب، وهو شيء ثابت ومستقر لمن وجدت منه نعمة العتق.

إذاً: فالموالاة ثابتة بين العتيق والمعتق، بين المنعم والمنعم عليه، المنعم الذي هو المعتق، والمنعم عليه الذي هو العتيق، فهذا شيء ثابت ومستقر مثل ثبوت النسب واستقرار النسب، ولهذا جاء في الحديث: (الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يورث).

تراجم رجال إسناد حديث علي: (المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور...)

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].

هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا سفيان ].

هو سفيان بن سعيد الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إبراهيم التيمي ].

هو إبراهيم بن يزيد التيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

هو يزيد بن شريك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن علي ].

هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وهو رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الصمد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أبي حسان عن علي رضي الله عنه في هذه القصة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره) ].

أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى وفيه من الزيادة قوله: [ (لا يختلى خلاها) ] يعني: لا يقطع حشيشها.

قوله: [ (ولا ينفر صيدها) ] يعني: لا يزعج أو يشار إليه بأن يهرب، هذا منهي عنه، وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (لو رأيت الظباء ترتع في المدينة ما ذعرتها؛ لأن النبي صلى الله وسلم حرم ما بين لابتيها) يعني: أنه لا يتعرض لها بإيذاء ولا بتنفير، أقل شيء التنفير فكيف بما وراءه؟! كل ذلك ممنوع.

قوله: [ (ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها) ] هذه الجملة تدل على أن المدينة مثل مكة فيما يتعلق باللقطة، وأنها لا تحل لمن يأخذها إلا أن ينشدها، بخلاف اللقطة في الأماكن الأخرى فإن صاحبها يعرفها حولاً كاملاً وبعد ذلك يتمولها ويتملكها، ولو جاء صاحبها فيما بعد ووصفها وصفاً يطابق وصفها، فإنه يعطيه إياها.

وأما بالنسبة للقطة الحرمين مكة والمدينة فإنها تعرف دائماً، قيل: ولعل السر في ذلك أن مكة والمدينة يتردد عليها الناس في مختلف الأوقات، وقد تكون اللقطة لشخص جاء حاجاً أو زائراً وفقدت منه، وقد يأتي بعد سنتين أو ثلاث أو أربع فيحصل عليها، بخلاف الأماكن الأخرى فإنه لا يحصل عليها.

قوله: [ (ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال) ].

لأن حمل السلاح للقتال بحيث لا يكون له مسوغ لا يجوز في أي مكان، وفي المدينة وفي مكة من باب أولى، ولكن إذا احتيج إلى حمل السلاح لأمر يقتضي ذلك فلا بأس بذلك.

قوله: [ (ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره) ].

يعني: كونه يأخذ شيئاً لعلف البعير لا بأس، فيأخذ من ورقه ما يعلف به بعيره، وأما كونه يقطع الشجر ويقطع أصوله فهذا لا يجوز؛ لأن قطع الشجر فيه قضاء على منافعه وعلى فوائده، أما كونه يأخذ ما يعلف به بعيره من ورق الشجر الذي ينبت والذي يظهر مكانه فهذا هو الذي جاء به الإذن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها...)

قوله: [ حدثنا ابن المثنى ].

هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى ، الملقب الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد الصمد ].

هو عبد الصمد بن عبد الوارث وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا همام ].

هو همام بن يحيى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ حدثنا قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ عن أبي حسان ].

هو أبو حسان الأعرج مسلم بن عبد الله صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن علي ].

هو أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه وقد مر ذكره.

وأبو حسان هو مسلم بن عبد الله مات سنة مائة وثلاثين، وعلي رضي الله عنه قتل سنة أربعين، وبين وفاتيهما تسعون سنة، فلا أدري هل أبو حسان هذا زاد عمره على مائة سنة، وإذا كان في هذا الحدود فسماعه من علي واضح، وأما إذا كان غير ذلك ففيه شيء، لكن لم أقف على تاريخ مدة عمره وتاريخ ولادته ومقدار حياته، وأما وفاته فذكروا أنها سنة مائة وثلاثين، وعلي رضي الله عنه قتل سنة أربعين، فبين وفاتيهما تسعون سنة، فإذا كان عمره مائة أو قريباً من المائة أو فوق المائة فالرواية ممكنة والإدراك ممكن، ولكن العلماء ذكروا هذا الحديث وصححوه، ومعنى هذا أنه كان معمراً والله أعلم.

شرح حديث: (حمى رسول الله كل ناحية من المدينة بريداً بريداً...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أن زيد بن الحباب حدثهم حدثنا سليمان بن كنانة مولى عثمان بن عفان أخبرنا عبد الله بن أبي سفيان عن عدي بن زيد رضي الله عنه قال: (حمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ناحية من المدينة بريداً بريداً، لا يخبط شجره ولا يعضد إلا ما يساق به الجمل) ].

أورد أبو داود حديث عدي بن زيد رضي الله عنه قال: [ (حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريداً بريداً، لا يخبط شجره ولا يعضد، إلا ما يساق به الجمل) ].

يعني: لا يقطع شجر المدينة إلا ما يعلف به الجمل، ويحتمل أن يكون المعنى من قوله: [ (إلا ما يساق به الجمل) ] أي: العصا التي يساق بها الجمل؛ لأن الجمال وغيرها تساق بالعصي، كما جاء في القرآن: وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي [طه:18] أي: بالعصا.

والمقصود بالحمى هذا غير الحرم؛ لأن الحمى أوسع من الحرم، والمقصود به أن الشجر يترك لإبل الصدقة وللخيل، هذا هو المقصود منه، وقد جاء في أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حول المدينة اثني عشر ميلاً حمى، والبريد هو اثنا عشر ميلاً؛ لأن البريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، فيكون المجموع اثني عشر ميلاً.

إذاً: الحمى خارج الحرم، أما ما كان داخل الحرم فحدوده من عير إلى ثور فهذا هو الحرم الذي جاء فيه التحريم، وأما الحمى فإنه زائد، والمقصود منه تخصيص هذه الأماكن لإبل الصدقة، والحمى كان في ذلك الوقت أما الآن ما فيه إلا الحرم؛ لأنه لا يوجد إبل صدقة ولا خيل، والصيد في الحمى لا بأس به؛ لأنه خارج الحرم؛ ولأن المقصود من تركه هو من أجل إبل الصدقة ومن أجل الخيل لترعى حول المدينة.

تراجم رجال إسناد حديث: (حمى رسول الله كل ناحية من المدينة بريداً بريداً...)

قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ].

محمد بن العلاء أبو كريب الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن زيد بن الحباب ].

زيد بن الحباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا سليمان بن كنانة مولى عثمان بن عفان ].

سليمان بن كنانة مولى عثمان بن عفان وهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود .

[ أخبرنا عبد الله بن أبي سفيان ].

عبد الله بن أبي سفيان وهو مقبول، أخرج له أبو داود .

[ عن عدي بن زيد ].

عدي بن زيد رضي الله عنه، أخرج له أبو داود .

وهذا الحديث ضعفه الألباني ، لكن معناه جاء في الأحاديث الصحيحة التي أشرت إليها، وهو أنه جعل حول المدينة اثني عشر ميلاً، والبريد هو اثنا عشر ميلاً، وهو مطابق لها ومماثل لها.

شرح حديث: ( إن رسول الله حرم هذا الحرم وقال من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه ثيابه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو سلمة حدثنا جرير -يعني: ابن حازم - حدثني يعلى بن حكيم عن سليمان بن أبي عبد الله قال: (رأيت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أخذ رجلاً يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلبه ثيابه، فجاء مواليه فكلموه فيه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم هذا الحرم وقال: من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه ثيابه، فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه) ].

أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه رأى غلاماً يصيد في الحرم فأخذ ثيابه، فجاء إليه أهله يطلبون منه أن يرد إليهم ثيابه، فقال: [ (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم -يعني: المدينة- وقال: ) ؟ (من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه ثيابه، فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه) ] يعني: أعطيكم ثمنه، أما الشيء الذي رخص له في أخذه فإنه يبقى له، وهذا يدلنا على أن الصيد وكذلك قطع الشجر لا يجوز في المدينة، وأن الجزاء هو السلب؛ لأنه لم يأت شيء يدل على أن المدينة صيدها يقوم، وأنه يكون ذا قيمة بالمماثلة أو بغير ذلك كما جاء بالنسبة لمكة، ولكن بالنسبة للمدينة يكون الجزاء هو السلب، وهذا هو الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم سواءً فيما يتعلق بالصيد أو فيما يتعلق بقطع الشجر.

وهذا الحكم مستمر، ويمكن أن يعمل به الآن، لكن إذا كان يترتب على ذلك مفسدة وضرر فلا يقدم الإنسان عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: ( إن رسول الله حرم هذا الحرم وقال من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه ثيابه...)

قوله: [ حدثنا أبو سلمة ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا جرير يعني: ابن حازم ].

جرير بن حازم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني يعلى بن حكيم ].

يعلى بن حكيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن سليمان بن أبي عبد الله ].

سليمان بن أبي عبد الله هو مقبول، أخرج له أبو داود .

[ رأيت سعد بن أبي وقاص ].

سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاديثه أخرجها أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (نهى رسول الله أن يقطع من شجر المدينة...) وترجمة رجال الإسناد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن مولى لـسعد : (أن سعداً رضي الله عنه وجد عبيداً من عبيد المدينة يقطعون من شجر المدينة، فأخذ متاعهم وقال -يعني: لمواليهم-: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى أن يقطع من شجر المدينة شيء، وقال: من قطع منه شيئاً فلمن أخذه سلبُه) ] .

أورد أبو داود حديث سعد رضي الله عنه، وفيه: أن غلماناً كانوا يقطعون الشجر في المدينة فأخذ متاعهم، ولما جاء أولياؤهم يطالبون بها قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من قطع شيئاً فلمن أخذه سلبه) ] يعني: من وجد أحداً يفعل هذا الفعل فله سلبه ، والسلب هو أخذ ثيابه كما سبق أن مر في الحديث السابق قبل هذا.

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة .

[ حدثنا يزيد بن هارون ].

يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا ابن أبي ذئب ].

هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن صالح مولى التوأمة ] .

صالح مولى التوأمة صدوق اختلط، أخرج أحاديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن مولى لـسعد ].

مولى لـسعد ، لم يذكر؛ لكن على كل جاء حديث في صحيح مسلم من طريق ابنه عامر بن سعد، وهو يدل على ما دل عليه هذا الحديث.

[ أن سعداً ].

سعد رضي الله عنه مر ذكره.

شرح حديث: (لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله ولكن يهش هشاً رفيقاً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان حدثنا محمد بن خالد أخبرني خارجة بن الحارث الجهني أخبرني أبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن يهش هشاً رفيقاً) ].

أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: [ (لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يهش هشاً رفيقاً) ] هذا مثل الحديث الذي تقدم في الحمى وهو (لا يخبط شجره ولا يعضد إلا ما يساق به الجمل).

قوله: (يعضد) يعني: يقطع.

وقوله: (يخبط) يعني: كونه يضرب حتى يتساقط الورق.

قوله: (ولكن يهش هشاً رفيقاً) يعني: يهش الشجر هشاً رفيقاً بحيث يتساقط الورق ولا ينقطع أغصان الشجر بسبب الخبط القوي؛ لأنه قد ينقطع الغصن بسبب الضرب الشديد، لكن إذا هش هشاً خفيفاً رفيقاً حصل المقصود الذي هو سقوط الورق، حتى تعلفه الإبل.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله ولكن يهش هشاً رفيقاً)

قوله: [ حدثنا محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان ].

محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان أخرج له أبو داود .

[ حدثنا محمد بن خالد ].

محمد بن خالد مستور، بمعنى مجهول الحال، أخرج له أبو داود .

[ أخبرني خارجة بن الحارث الجهني ].

خارجة بن الحارث الجهني وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود .

[ أخبرني أبي ].

هو الحارث الجهني مقبول، أخرج له أبو داود .

[ عن جابر بن عبد الله ].

هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (أن رسول الله كان يأتي قباء ماشياً وراكباً ويصلي ركعتين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة عن ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي قباء ماشياً وراكباً -زاد ابن نمير-: ويصلي ركعتين) ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء ماشياً وراكباً) ] يعني: كان أحياناً يأتي قباء راكباً وأحياناً ماشياً.

قوله: (ويصلي ركعتين) هذا يدل على فضل مسجد قباء، وفضل الصلاة فيه، وأن زيارته لمن كان في المدينة ثابت من فعله صلى الله وسلم، وهذا هو فعله عليه الصلاة والسلام، وأيضاً ثابت من قوله عليه الصلاة والسلام حيث قال: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاةً كان كأجر عمرة) فهذا يدل على فضل قباء وفضل الصلاة فيه من قوله صلى الله عليه وسلم.

والحديث الذي معنا يدل على ثبوت ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام.

وجاء في بعض الأحاديث: (أنه كان يأتي قباء كل سبت).

قوله: زاد ابن نمير : (ويصلي ركعتين) ].

يعني: جاء من طريق ابن نمير أنه كان يصلي فيه ركعتين، والحديث ثابت في الصحيحين أنه كان يزور قباء ماشياً وراكباً ويصلي فيه ركعتين.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يأتي قباء ماشياً وراكباً ويصلي ركعتين)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد مر ذكره .

[ حدثنا يحيى ].

هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة عن ابن نمير ].

ابن نمير هو عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيد الله ].

هو عبيد الله بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ما جاء في زيارة القبور

شرح حديث: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب زيارة القبور.

حدثنا محمد بن عوف حدثنا المقرئ حدثنا حيوة عن أبي صخر حميد بن زياد عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام).

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب زيارة القبور ] وهذه الترجمة لا توجد في كثير من نسخ أبي داود، وزيارة القبور تتعلق بكتاب الجنائز، وكتاب الجنائز كتاب مستقل سيأتي بعد عدة كتب، وإنما الموجود في أكثر النسخ ترجمة تحريم المدينة إلى آخر هذا الباب، وإنما المقصود من ذلك ذكر جملة من الأحاديث التي تتعلق بحرم المدينة.

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) ] وهذا الحديث يدل على أن سلام المسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل إليه، ولكن ليس فيه دليل على أنه يسمع سلام المسلم، وإنما فيه دليل على أن الله يرد عليه روحه حتى يرد السلام، والسلام إنما يصل إليه عن طريق الملائكة الذين يبلغون الرسول صلى الله عليه وسلم السلام من قريب ومن بعيد، كما في الحديث: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام) ولهذا جاء عن علي بن الحسين رحمه الله: (أنه رأى رجلاً يأتي إلى فرجة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ألا أحدثك بحديث سمعته عن أبي عن جدي؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ثم قال: ما أنت ومن بالأندلس إلا سواء.

قوله: (تبلغني حيثما كنتم) يعني: بواسطة الملائكة.

فالحديث ليس فيه نص على أن هذا خاص فيمن يسلم عليه عند قبره صلى الله عليه وسلم وأنه يسمعه، وإنما هو عام، والرسول صلى الله عليه وسلم يبلغه السلام بواسطة الملائكة سواء عن قرب أم بعد، سواء كان في مسجده وعند قبره أو في أي مكان من الأرض، وهذا يدخل فيه السلام والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله عليه روحي حتى أرد عليه السلام)

قوله: [ حدثنا محمد بن عوف ].

محمد بن عوف ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي .

[ حدثنا المقرئ ].

هو عبد الله بن يزيد المقرئ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حيوة ].

هو حيوة بن شريح المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي صخر حميد بن زياد ].

أبو صخر حميد بن زياد صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي ، والنسائي في مسند علي وابن ماجة.

[ عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ].

يزيد بن عبد الله بن قسيط وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ عن أبي هريرة ].

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح قرأت على عبد الله بن نافع أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) ] يحتمل معنيين وكل منهما صحيح:

يعني: لا يدفنون الموتى فيها؛ لأن الدفن في البيت من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (الأنبياء يدفنون حيث يموتون) فدفن في بيته صلى الله عليه وسلم، والناس ليس لهم أن يدفنوا في بيوتهم وإنما يدفنون في المقابر.

المعنى الثاني: أي: لا تجعلوها شبيهة بالمقابر التي هي ليست أماكن للصلاة، حيث تخلو من الصلاة ومن قراءة القرآن، والتعبد إلى الله عز وجل فيها، بل عليكم أن تأتوا بهذه العبادات فيها، وألا تجعلوها شبيهة بالمقابر التي ليست أماكن للصلاة.

قوله: [ (ولا تتخذوا قبري عيداً) ] يعني: بتكرار الترداد عليه، ولهذا جاء بعده قوله: [ (وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ] يعني: ليس الأمر مقصوراً على كونكم تأتون عند قبري، بل صلوا علي من أي مكان كنتم فيه؛ فإن صلاتكم تبلغني بواسطة الملائكة، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام).

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ قرأت على عبد الله بن نافع ].

عبد الله بن نافع ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.

[ أخبرني ابن أبي ذئب ].

ابن أبي ذئب مر ذكره.

[ عن سعيد المقبري ].

هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة مر ذكره.

شرح حديث: (خرجنا مع رسول الله يريد قبور الشهداء...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حامد بن يحيى حدثنا محمد بن معن المدني أخبرني داود بن خالد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن ربيعة -يعني: ابن الهدير - قال: ما سمعت طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً قط غير حديث واحد، قال: قلت: وما هو؟ قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد قبور الشهداء، حتى إذا أشرفنا على حرة واقم، فلما تدلينا منها وإذا قبور بمحنية، قال: قلنا: يا رسول الله! أقبور إخواننا هذه؟ قال: قبور أصحابنا، فلما جئنا قبور الشهداء قال: هذه قبور إخواننا) ].

أورد أبو داود حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه ذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبور شهداء أحد، وهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ومن معه الذين قتلوا في سبيل الله وهم يجاهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ودفنوا هناك، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم.

قوله: [ (فلما تدلينا وإذا قبور بمحنية) ].

محنية، يعني: في منعطف الوادي.

قوله: [ (قال: قلنا: أقبور إخواننا هذه؟ قال: قبور أصحابنا) ] يعني: هؤلاء ليسوا هم الشهداء، ولكنهم غيرهم.

قوله: [ (فلما جئنا قبور الشهداء قال: هذه قبور إخواننا) ] أي: الشهداء الذين استشهدوا في سبيل الله، وهم عمه حمزة رضي الله عنه ومن معه من الصحابة الذين قتلوا في سبيل الله وهم يجاهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا الحديث يدل على قصد زيارة الشهداء والذهاب إليهم والدعاء لهم.

تراجم رجال إسناد حديث: (خرجنا مع رسول الله يريد قبور الشهداء...)

قوله: [ حدثنا حامد بن يحيى ].

حامد بن يحيى ثقة، أخرج له أبو داود .

[ حدثنا محمد بن معن المدني ].

محمد بن معن المدني وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ أخبرني داود بن خالد ].

داود بن خالد وهو صدوق، أخرج له أبو داود .

[ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ].

ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ربيعة يعني: ابن الهدير ].

ربيعة بن الهدير قيل: له رؤية، يعني: أنه صحابي، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وحديثه أخرجه البخاري وأبو داود .

[ قال: ما سمعت طلحة بن عبيد الله ].

طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أن رسول الله أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها، فكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك) ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها، فكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك) ].

المقصود من ذلك أنه عند رجوعه من مكة كان ينزل بالبطحاء ويبيت بها ويصلي الفجر ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل المدينة ضحى، ولا يدخلها ليلاً ولا يطرق أهله ليلاً، وإنما يبيت في البطحاء، وهو الذي يقال له: المعرس، وسبق أن مر بنا حديث يتعلق بهذا في باب دخول مكة، وهو ليس له دخل بدخول مكة وإنما يتعلق بالمعرس, وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة عند خروجه حيث يحرم، وبعد ذلك يأتي وينزل بالمعرس، والحديث عن عبد الله بن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس).

يعني: إذا خرج من المدينة إلى مكة كان يخرج من طريق الشجرة، يعني: من مسجد الشجرة، وإذا دخل، يعني: عندما يرجع إليها كان يدخل من طريق المعرس، وهو مكان في الوادي، قيل: إنه قريب من ذي الحليفة الذي هو الميقات.

والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء ليلاً لا يدخل المدينة ليلاً وإنما يبيت ويصلي الفجر في البطحاء، وفي الضحى يدخل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها)

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وأحاديثه أخرجها أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع عن عبد الله بن عمر ].

نافع وابن عمر قد مر ذكرهما.

شرح أثر مالك: (لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس إذا قفل راجعاً إلى المدينة...) وترجمة رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي قال: قال مالك : لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس إذا قفل راجعاً إلى المدينة، حتى يصلي فيها ما بدا له؛ لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرس به ].

أورد المصنف رحمه الله أثراً عن مالك رحمة الله عليه أنه لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس؛ لأنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي إليه ويصلي به، ومعلوم كما مر في الحديث أنه كان لا يطرق أهله ليلاً بل كان يبيت ويصلي الفجر بالمعرس، وبعد ذلك يدخل إلى المدينة صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ حدثنا القعنبي قال: قال مالك ].

مر ذكرهما.

شرح أثر : (المعرس على ستة أميال من المدينة) وترجمة رجال إسناده

[ قال: أبو داود سمعت محمد بن إسحاق المدني قال: المعرس على ستة أميال من المدينة ].

يعني: هذا أثر فيه بيان المعرس ومقدار المسافة بينه وبين المدينة وأنه على ستة أميال منها.

ومحمد بن إسحاق المدني هذا هو المسيبي شيخ أبي داود وهو صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود.

والمشهور بهذا الاسم هو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي الذي يأتي ذكره كثيراً، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن ، ولكن المقصود بهذا المسيبي وهو شيخ أبي داود.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [234] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net