إسلام ويب

الحلق والتقصير من الأمور الواجبة في الحج والعمرة، والحلق والتقصير يكونان للرجال، والحلق في حقهم أفضل، وأما النساء فليس في حقهن سوى التقصير ولا يجوز لهن الحلق، ويكون الحلق بعد النحر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف، وإن قُدِّم أو أُخر شيء من ذلك فلا حرج كما جاء في الأحاديث، والعمرة واجبة في العمر مرة، ويجوز للحائض التي لم تتمكن من الطواف أن تنقض عمرتها وتدخلها في الحج بحيث تصبح قارنة بعد أن كانت متمتعة.

ما جاء في الحلق والتقصير، وحكمهما في الحج والعمرة

شرح حديث: (اللهم ارحم المحلقين...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الحلق والتقصير.

حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اللهم ارحم المحلقين! قالوا: يا رسول الله والمقصرين، قال: اللهم ارحم المحلقين! قالوا: يا رسول الله! والمقصرين، قال: والمقصرين) ].

قال أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب: الحلق والتقصير، والحلق والتقصير من الأمور الواجبة في الحج والعمرة، فالمعتمر عندما يدخل مكة فإنه يطوف ويسعى ثم يحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل من التقصير، وكذلك الحاج عندما يأتي من مزدلفة ويرمي الجمرة فإنه يحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل من التقصير.

وإذا كانت العمرة قريبة من الحج بحيث لا يكون هناك مدة ينبت فيها الشعر فإن المناسب أن يقصر الإنسان حتى يحلق يوم العيد، وذلك كأن يأتي في وقت متأخر، فعندما ينتهي من العمرة من كان متمتعاً يقصر من شعر رأسه كله، وإذا جاء اليوم العاشر فإنه يحلق رأسه كله، وأما بالنسبة للنساء فإن الواجب في حقهن التقصير فقط.

أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (اللهم ارحم المحلقين، قالوا: يا رسول الله! والمقصرين، قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: يا رسول الله! والمقصرين، قال: والمقصرين) ].

فهذا الدعاء بالرحمة وتكراره من النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين يدل على أن الحلق أفضل من التقصير، ويدل على أن أي واحد منهما يحصل به أداء الواجب، ولكن الحلق أفضل وأعظم أجراً من التقصير؛ وذلك أن الإنسان عندما يكون محباً للشعر فقد يقدم على التقصير ويحتفظ بالشعر، ولكنه إذا أزاله كله بالحلق تقرباً إلى الله، فإنه يكون أكمل وأفضل.

قوله صلى الله عليه وسلم: [ (اللهم ارحم المحلقين) ] يدل على جواز الدعاء بالرحمة للأحياء، فهي ليست مقصورة على الأموات، بل تكون للأحياء والأموات، وقد شاع عند الناس أن الترحم إنما يكون للأموات، فإذا سمع شخصاً يقول: فلان رحمه الله، فإنه يظن أنه قد مات، فهذا الحديث يدل على الدعاء بالرحمة للأحياء وللأموات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (اللهم ارحم الملحقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله!) ] وهذا يسمى عطف التلقين، فهم يطلبون منه أن يضيف المقصرين ويلحقهم بالمحلقين، فكرر عليه الصلاة والسلام الدعاء للمحلقين، ثم قال: [ (والمقصرين) ]، فدل على أن الحلق أفضل من التقصير.

وقد بينت الأحوال التي يكون فيها الحلق والتقصير، فالحلق أفضل في العمرة إذا كانت بعيدة عن الحج، وفي الحج يوم العيد، وأما إذا كان الحج قريباً فإن التقصير أولى وأنسب من أجل أن يحصل الحلق يوم العيد، وأما النساء فليس في حقهن إلا التقصير من شعورهن.

وقد سبق أن مر بنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة هو وأصحابه طافوا وسعوا وقصروا؛ وذلك لأن الحج قريب، فلم يبق عليه إلا خمسة أيام، فقد دخل عليه الصلاة والسلام مكة في اليوم الرابع، والحلق يكون في اليوم العاشر فقصر وقصروا.

إذاً: فالحلق يكون أفضل من التقصير إذا كان في عمرة بعيدة من الحج، أو كان في الحج في يوم العيد، وكذلك كون الحاج يزيل شعره كله تقرباً إلى الله عز وجل فإنه أكمل وأفضل، بخلاف الذي يقصر فإنه أبقى لنفسه شيئاً من الشعر؛ فهو يحبذه ويعجبه ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم ارحم المحلقين...)

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عمر ].

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه من الرباعيات.

شرح حديث (أن رسول الله حلق رأسه في حجة الوداع)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب -يعني: الإسكندراني - عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلق رأسه في حجة الوداع) ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر : [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع) ] يعني: يوم العيد بعد أن رمى ونحر حلق، وقد فعل عليه الصلاة والسلام الأكمل والأفضل، وقد سبق الحديث أنه دعا للمحلقين ثلاث مرات، والمقصرين مرة واحدة.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله حلق رأسه في حجة الوداع)

قوله: [ حدثنا قتيبة ].

هو قتيبة بن سعيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا يعقوب -يعني: الإسكندراني - ].

هو يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني القاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن موسى بن عقبة ].

هو موسى بن عقبة المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع عن ابن عمر ].

نافع وابن عمر قد مر ذكرهما.

شرح حديث: (أن رسول الله رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزله بمنى فدعا بذبح فذبح ثم دعا بالحلاق ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص عن هشام عن ابن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزله بمنى فدعا بذبح فذبح، ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن فحلقه، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق رأسه الأيسر فحلقه، ثم قال: هاهنا أبو طلحة ؟ فدفعه إلى أبي طلحة رضي الله عنه) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر، ثم رجع إلى منزله بمنى ودعا بذبح فذبح، ودعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق رأسه الأيسر، ثم قال: هاهنا أبو طلحة ؟ فدفعه إلى أبي طلحة) ].

وهذا يدلنا على ما ترجم له المصنف من الحلق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد حلق في حجته، ويدل على أنه رمى ثم نحر ثم حلق.

قوله: [ (بذبح) ] سبق أن مر أنه نحر بيده صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وستين بدنة، ووكل علياً بنحر الباقي وهو تمام المائة.

والحديث يدل على تبرك الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بشعر النبي صلى الله عليه وسلم وبعرقه وبفضل وضوئه وغير ذلك مما مسه جسده صلى الله عليه وسلم، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم فلا يفعل ذلك مع غيره من الناس؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لم يفعلوا هذا مع الخلفاء الراشدين، ولا مع كبار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وهم خير وأفضل الناس، وعلى هذا فما يقوله بعض العلماء: من أن التبرك بآثار الصالحين جائز، يعتبر غلطاً؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لم يفعلوا هذا مع خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وهم أولى الناس بأن يتبرك بهم لو كان التبرك سائغاً، وأما أن يتعدى ذلك إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذلك ليس بصحيح، وقد نقل الشاطبي اتفاق الصحابة على ذلك، وأنهم لم يحصل منهم ذلك مع أحد إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً فهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولا يتعداه إلى غيره.

قوله: [ (ثم قال: هاهنا أبو طلحة؟ فدفعه إلى أبي طلحة) ]، يعني: أنه أعطاه قسماً كبيراً من شعره من أجل أن يتولى توزيعه وقسمته.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزلة بمنى فدعا بذبح فذبح ثم دعا بالحلاق...)

قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ].

هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حفص ].

هو حفص بن غياث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام ].

هو هشام بن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن سيرين ].

هو محمد بن سيرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن مالك ].

أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (أن رسول الله رمى جمرة العقبة يوم النحر...) من طريق أخرى وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد بن هشام أبو نعيم الحلبي وعمرو بن عثمان المعنى، قالا: حدثنا سفيان عن هشام بن حسان بإسناده بهذا قال فيه: (قال للحالق: ابدأ بشقي الأيمن فاحلقه). ].

وهذا مثل الذي قبله، إلا أنه قال للحالق: [(ابدأ بشقي الأيمن)]، وهناك بدأ بالشق الأيمن ثم بالأيسر، وهذا يدل على البدء بالشق الأيمن عند الحلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الشق الأيسر.

قوله: [ حدثنا عبيد بن هشام أبو نعيم الحلبي ].

عبيد بن هشام أبو نعيم الحلبي صدوق، أخرج له أبو داود .

[ وعمرو بن عثمان ].

هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا سفيان ].

هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن حسان ].

هشام بن حسان قد مر ذكره.

شرح حديث: (... فسأله رجل فقال: إني حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يُسأل يوم منى فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: إني حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج، قال: إني أمسيت ولم أرم، قال: ارم ولا حرج) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم منى فيقول: لا حرج) ] أي: أنه كان يسأل عن التقديم والتأخير، فكان يقول: [ (لا حرج) ]، وقد رتب النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال في يوم النحر على النحو التالي: رمي، ثم نحر، ثم حلق، ثم طواف، فبعض الناس قدم وأخر، فجاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ترتيبهم ليس كترتيب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كلما سئل قال: [ (لا حرج) ] فجاءه رجل وقال: [ (حلقت قبل أن أنحر) ]، والنبي صلى الله عليه وسلم نحر ثم حلق، فقال: [ (اذبح ولا حرج) ] أي: لا حرج عليك في تقديم وتأخير النحر لا حرج عليك، وهذا يدل على أن الترتيب ليس بلازم وليس بواجب، وأنه يجوز التقديم والتأخير، ولكن الإتيان بها وترتيبها كما رتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل، لكن لو قدم بعضها على بعض وخالف هذا الترتيب فإنه سائغ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم أو أخر إلا قال: [ (لا حرج) ].

قوله: [ (قال: إنس أمسيت ولم أرم) ] يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى ضحى، فهذا جاء المساء وهو لم يرم في الصباح، فقال: [ (ارم ولا حرج) ] فدل هذا على أن النهار كله وقت للرمي يوم العيد، وأنه يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبها، وأن من رخص له في الانصراف من مزدلفة آخر الليل، فإن له أن يرمي كما فعل ذلك بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم سلمة رضي الله عنها، وكذلك أيضاً أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما.

لم يتمكن من الرمي في النهار له أن يرمي في الليل الذي بعده، وليس ذلك مقصوراً على نصف الليل، بل إلى الفجر، ولكنه عن شيء سابق، ليس عن شيء قادم، لا يقدم مثلاً رمي يوم الثاني عشر ليلة إحدى عشرة، ولكنه يمكن أن يرمي عن يوم العيد في الليل، ويمكن أن يرمي عن يوم الحادي عشر ليلة اثني عشرة، إذا لم يتمكن من الرمي قبل الغروب.

تراجم رجال إسناد حديث: (... فسأله رجل فقال: إني حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج...)

قوله: [ حدثنا نصر بن علي ].

هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا يزيد بن زريع ].

يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا خالد ].

هو خالد بن مهران، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عكرمة ].

هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الحسن العتكي حدثنا محمد بن بكر حدثنا ابن جريج قال: بلغني عن صفية بنت شيبة بن عثمان رضي الله عنها قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان رضي الله عنها أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) ] يعني: أن النساء يقصرن من شعورهن ولا يحلقنها، فالحلق والتقصير للرجال، والحلق أفضل كما عرفنا، وأما النساء فإن الواجب في حقهن هو التقصير فقط، ولا يحلقن رءوسهن؛ لأن النساء بحاجة إلى شعر الرأس للتجمل به، وهن يختلفن عن الرجال.

تراجم رجال إسناد حديث (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير)

قوله: [ حدثنا محمد بن حسن العتكي ].

محمد بن الحسن العتكي صدوق يغرب، أخرج له أبو داود .

[ حدثنا محمد بن بكر ].

محمد بن بكر صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا ابن جريج ].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: بلغني عن صفية بنت شيبة بن عثمان ].

صفية بنت شيبة صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.

[ عن أم عثمان بنت أبي سفيان ].

أم عثمان بنت أبي سفيان صحابية أخرج لها أبو داود .

[ أن ابن عباس ].

ابن عباس مر ذكره.

وهنا يقول ابن جريج: [ بلغني ] ففيه انقطاع إذاً، وستأتي له طريق أخرى يتقوى بها فيكون الحديث حجة.

شرح حديث: (ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو يعقوب البغدادي ثقة، حدثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة عن صفية بنت شيبة رضي الله عنها قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان رضي الله عنها أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير) ].

قوله: [ (ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير) ] وهو مثل الذي قبله، ولكن ينبغي أن يعلم أن النساء لهن أن يقصرن عن أنفسهن بأنفسهن، ولا يلزم أن يقصر للمحرم غيره أو يحلقه غيره، فالمرأة تقصر عن نفسها، والرجل يقصر عن نفسه، ويحلق عن نفسه إذا تمكن من ذلك، فهذا ليس فيه ارتكاب محظور وإنما هو فعل نسك من الناسك وبعض الناس قد يتساءل كثيراً هل يحلق المحرم لنفسه أو يقصر لنفسه، وهل المرأة تقصر لنفسها؟ والجواب: أنها يجوز لها أن تقصر لنفسها، والرجل يقصر ويحلق لنفسه، فهذا الفعل ليس فيه ارتكاب محظور، وإنما هو فعل النسك الذي يكون به التحلل، فهو سائغ وجائز ولا بأس به.

ذكر الشيخ الألباني رحمه الله في (السلسلة الصحيحة) في الجزء الثاني رقم (157) أن ابن جريج صرح بالتحديث في رواية المخلص في جزء المنتقى من (الجزء الرابع)، وقد توبع على ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث: (ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير) من طريق ثانية

قوله: [ حدثنا أبو يعقوب البغدادي ثقة ].

هو إسحاق بن أبي إسرائيل صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا هشام بن يوسف ].

هشام بن يوسف ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة ].

ابن جريج مر ذكره، وعبد الحميد بن جبير بن شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان أن ابن عباس ].

مر ذكرهم.

وهذا الحديث يفسر الحديث السابق، والواسطة التي بلغت عن صفية هو عبد الحميد بن جبير بن شيبة ، والحديثان يشد بعضهما بعضاً.

حكم العمرة

شرح حديث: (اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: العمرة.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا مخلد بن يزيد ويحيى بن زكريا عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (اعتمر رسول الله صلى الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يحج) ].

قوله: [ باب: العمرة ]، العمرة واجبة كالحج، والمسلم عليه في عمره حجة واحدة وعمرة واحدة، سواء أتى بالعمرة وحدها والحج وحده، أو أتى بالعمرة مع الحج، وسواء كان تمتعاً أو قراناً، فالعمرة والحج لا زمان للمسلم في عمره مرة واحدة، وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج ثلاث عمر وهي: عمرة الحديبية، وعمرة القضية، وعمرة الجعرانة، هذه الثلاث كانت قبل حجته، فعمرة الحديبية في السنة السادسة، والقضاء أو القضية في السنة السابعة، والجعرانة في السنة الثامنة، فحجته صلى الله عليه وسلم كانت في السنة العاشرة، وقد قرن فيها بين الحج والعمرة، فكانت عمره صلى الله عليه وسلم أربعاً، ثلاث مستقلات وواحدة مقرونة مع حجته صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالإنسان له أن يحج قبل أن يعتمر، وله أن يعتمر قبل أن يحج، وله أن يأتي بهما جميعاً بالقران.

تراجم رجال إسناد حديث: (اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في (عمل اليوم والليلة) وابن ماجة .

[ حدثنا مخلد بن يزيد ].

مخلد بن يزيد صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ ويحيى بن زكريا ].

هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد ].

ابن جريج مر ذكره، وعكرمة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن ابن عمر ].

ابن عمر مر ذكره.

شرح حديث (والله ما أعمر رسول الله عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن ابن أبي زائدة حدثنا ابن جريج ومحمد بن إسحاق عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (والله! ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك؛ فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون: إذا عفا الوبر وبرأ الدبر ودخل صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر، فكانوا يحرِّمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة والمحرم) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما أعمر عائشة بعد الحج ليقطع بذلك أمر أهل الشرك الذين كانوا لا يأتون بالعمرة في أشهر الحج ولا في الأشهر الحرم، وإنما يأتون بها بعدما ينتهي المحرّم وهو آخر الأشهر الحرم، وذلك إذا دخل صفر، فعند ذلك يأتون بالعمرة، لكن كما هو معلوم أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها ما أعمرها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بعد إلحاحها وطلبها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعمرها ابتداء ليقطع دابر أهل الجاهلية، فالرسول صلى الله عليه وسلم نفسه إنما فعل عمره كلها في ذي القعدة، وفي ذلك إبطالاً لأمر الجاهلية الذين يقولون: إن العمرة لا تكون في أشهر الحج ولا في الأشهر الحرم، وإنما كانوا يؤخرون العمرة إلى أن تنتهي الأشهر الحرم، فكانت عمره كلها في ذي القعدة، وذو القعدة من أشهر الحج ومن الأشهر الحرم، وكذلك أمهات المؤمنين كن متمتعات وعمرتهن كانت في ذي الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً: فإعمار النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة بعد الحج كان بعد إلحاح منها، ولا شك أن أمر الجاهلية هو عدم الإتيان بالعمرة في الأشهر الحرم، ولكن قد جاء ما يدل على ذلك غير هذا الحديث، ومن ذلك أن أمهات المؤمنين اللاتي دخلن في اليوم الرابع عمرهن في شهر ذي الحجة، وقد طفن وسعين وقصرن وتحللن.

إذاً: فلا شك أن هذه العمرة وغيرها مما وقع في أشهر الحج في ذي العقدة وذي الحجة أن في ذلك مخالفة للمشركين، وقد خالفهم النبي صلى الله عليه وسلم وأتى بالعمر كلها قبل حجه في السنة السادسة والسابعة والثامنة في ذي القعدة.

قوله: [ (كانوا يقولون: إذا عفا الوبر) ] يعني: كثر الوبر على ظهور الإبل.

قوله: [ (وبرئ الدبر) ] الدبر هو الذي يكون في ظهر الإبل من الجروح بسبب الركاب وكثرة السير عليها، فإنهم لا يقاتلون في الأشهر الحرم، بل يتركون الإبل تستريح حتى يبرأ الدبر، وكذلك لا يعتمرون عليها في الأشهر الحرم.

قوله: [ (ودخل صفر) ] ذهب بالأشهر الحرم.

تراجم رجال إسناد حديث: (والله ما أعمر رسول الله عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك...)

قوله: [ حدثنا هناد بن السري ].

هناد بن السري ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد)، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن ابن أبي زائدة حدثنا ابن جريج ].

ابن أبي زائدة وابن جريج قد مر ذكرهما.

[ ومحمد بن إسحاق ].

هو محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عبد الله بن طاوس ].

عبد الله بن طاوس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

أبوه هو طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

ابن عباس قد مر ذكره.

شرح حديث أم معقل: (... إني امرأة قد كبرت وسقمت فهل من عمل يجزئ عني من حجتي؟)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن إبراهيم المهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: أخبرني رسول مروان الذي أرسل إلى أم معقل رضي الله عنها قالت: (كان أبو معقل رضي الله عنه حاجاً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قدم قالت أم معقل : قد علمت أن علي حجة، فانطلقا يمشيان حتى دخلا عليه، فقالت: يا رسول الله! إن علي حجة وإن لـأبي معقل بكراً، قال أبو معقل : صدقت، جعلته في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعطها فلتحج عليه فإنه في سبيل الله، فأعطاها البكر، فقالت: يا رسول الله! إني امرأة قد كبرت وسقمت فهل من عمل يجزئ عني من حجتي؟ قال: عمرة في رمضان تجزئ حجة) ].

أورد أبو داود حديث أم معقل رضي الله عنها، أن أبا معقل حج مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه بعدما جاء من الحج قالت أم معقل : إن عليها حجة وأنها لم تحج، وأن أبا معقل عنده بكر -والبكر هو الفتى من الإبل- فقال: إني قد حبسته في سبيل الله، فقال: أعطها إياه لتحج عليه؛ فإن الحج في سبيل الله، ثم قالت: إنني قد كبرت وضعفت فهل هناك شيء يجزئ عن حجتي؟ فقال: عمرة في رمضان تعدل حجة.

والحديث يدل على فضل العمرة في رمضان، ولكنه لا يدل على أن العمرة تغني عن الحج وتجزئ عنه؛ لأن العمرة واجبة والحج واجب، ولا يغني أحدهما عن الآخر، والإنسان مطالب بأن يعتمر ومطالب بأن يحج، ولكن الحديث يدل على فضل العمرة في رمضان، وأنها تعدل حجة، أي: من ناحية الأجر والثواب، فأجرها عظيم وثوابها عظيم عند الله سبحانه وتعالى.

وهل ذلك خاص بها أو عام لها ولغيرها؟ الذي يبدو أنه عام وليس خاصاً، فالعمرة في رمضان تعدل حجة من حيث الأجر والثواب، وهذا من جنس ما جاء في الحديث: (أن الإنسان إذا جلس في مصلاه فجعل يذكر الله، ثم صلى ركعتين، فهي تعدل حجة وعمرة تامة تامة تامة) يعني: في الأجر والثواب.

ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه صلاة كانت تعدل عمرة)، وهذا يدل على عظم هذا العمل، ففيه ذلك الثواب العظيم من الله عز وجل، وأما كون العمرة تغني عن الحج فلا.

تراجم رجال إسناد حديث أم معقل: (... إني امرأة قد كبرت وسقمت فهل من عمل يجزئ عني من حجتي؟)

قوله: [ حدثنا أبو كامل ].

هو الفضيل بن حسين الجحدري، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا أبو عوانة ].

هو وضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إبراهيم بن مهاجر ].

إبراهيم بن مهاجر صدوق لين الحفظ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي بكر بن عبد الرحمن ].

هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني رسول مروان ].

رسول مروان مجهول ومبهم، ولكن الحديث له طرق كما سيأتي ذكر بعضها، وهو صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[ أرسل إلى أم معقل ].

أم معقل صحابية، أخرج حديثها أبو داود والترمذي والنسائي .

شرح حديث أم معقل من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا أحمد بن خالد الوهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن عيسى بن معقل بن أم معقل الأسدي أسد خزيمة، حدثني يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما عن جدته أم معقل رضي الله عنها قالت: (لما حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل، فجعله أبو معقل رضي الله عنه في سبيل الله، وأصابنا مرض وهلك أبو معقل ، وخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما فرغ من حجه جئته فقال: يا أم معقل ! ما منعك أن تخرجي معنا؟ قالت: لقد تهيأنا فهلك أبو معقل ، وكان لنا جمل وهو الذي نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله، قال: فهلا خرجت عليه فإن الحج في سبيل الله، فأما إذا فاتتك هذه الحجة معنا فاعتمري في رمضان فإنها كحجة، فكانت تقول: الحج حجة، والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أدري ألي خاصة) ].

أورد أبو داود حديث أم معقل رضي الله عنها أنهم كانوا تهيئوا للحج فأصابهم مرض وتوفي أبو معقل ، وأنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحج فقال لها: [ (يا أم معقل ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: إنه حصل كذا وكذا، فقال: فاعتمري في رمضان فإنها كحجة) ].

وهذا مثل الذي قبله، إلا أن فيه أن أبا معقل قد توفي، وفي الحديث الأول أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يوفق بينهما بأنه حج مات بعد الحج، وأنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرته بالسبب الذي منعها من الحج فقال مواسياً لها: [ (فاعتمري في رمضان فإنها كحجة) ] يعني: في الأجر، وأما حجة الإسلام فإنها لازمة؛ لأنه كما قالت: [(الحج حجة والعمرة عمرة) ]، أي: أنه لا يغني الحج عن العمرة، ولا العمرة عن الحج.

قولها: [ (ما أدري إلي خاصة) ] والمقصود من ذلك أن هذا الذي فاتها من الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنها إذا اعتمرت في رمضان فإنها تحصل فيه على أجر تلك الحجة، ولكن حجة الإسلام لازمة عليها وباقية في ذمتها، وعليها أن تحج بعد ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث أم معقل من طريق أخرى

[ حدثنا محمد بن عوف الطائي ].

محمد بن عوف الطائي ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي في مسند علي .

[ حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ].

أحمد بن خالد الوهبي صدوق، أخرج له البخاري في (جزء القراءة)، وأصحاب السنن.

[ حدثنا محمد بن إسحاق عن عيسى بن معقل بن أم معقل الأسدي ].

محمد بن إسحاق مر ذكره، وعيسى بن معقل بن أم معقل الأسدي مقبول، أخرج له أبو داود .

[ حدثنا يوسف بن عبد الله بن سلام ].

يوسف بن عبد الله بن سلام صحابي أخرج له البخاري في (الأدب المفرد)، وأصحاب السنن.

[ عن جدته أم معقل ].

أم معقل قد مر ذكرها.

قوله: [ قوله عن جدته ].

هي جدة عيسى بن معقل .

وفيه أن سبب تأخرها عن الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه مات الزوج وأوصى بالجمل في سبيل الله، والتوفيق بينهما يكون بأنهما جاءا يمشيان بعد الحج، لكن فيه اختلاف من ناحية أنه كان معها كما في الرواية الأولى، وهنا جاءت وحدها كما في هذه الرواية التي معنا، وأخبرت بأنه قد هلك، فالذي يبدو والله أعلم أن هذه الرواية التي فيها: أنها جاءت وقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (فاعتمري في رمضان فإنها كحجة) أنها أولى، فهي متصلة وفيها مبهم، وهذه فيها عيسى بن معقل وهو مقبول، لكن كل هذه الروايات يشهد بعضها لبعض.

وهذا الحديث في قصة أم معقل أخرجه النسائي في الحج، باب: العمرة في رمضان مختصراً، وابن ماجة .

شرح حديث أم معقل من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عامر الأحول عن بكر بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحج فقالت امرأة لزوجها: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جملك، فقال: ما عندي ما أحجك عليه، قالت: أحجني على جملك فلان، قال: ذاك حبيس في سبيل الله عز وجل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله، وإنها سألتني الحج معك، قالت: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: ما عندي ما أحجك عليه، فقالت: أحجني على جملك فلان، فقلت: ذاك حبيس في سبيل الله، فقال: أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله، قال: وإنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقرئها السلام ورحمة الله وبركاته، وأخبرها أنها تعدل حجة معي يعني عمرة في رمضان) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو يتعلق بهذه القصة، وحكايتها وطريقتها هي نفس طريقة قصة أم معقل وأبي معقل ، وهي دالة على ما دلت عليه.

تراجم رجال إسناد حديث أم معقل من طريق ثالثة

قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ].

هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

و عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عامر الأحول ].

عامر الأحول صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في (جزء القراءة)، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن بكر بن عبد الله ].

هو بكر بن عبد الله المزني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

ابن عباس قد مر ذكره.

وهذا الحديث أخرج النسائي نحوه مختصراً من رواية أبي معقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه ابن ماجة مختصراً كذلك بلفظ: (عمرة في رمضان تعدل حجة) عن أبي معقل .

شرح حديث: (أن رسول الله اعتمر عمرتين: عمرة في ذي القعدة، وعمرة في شوال)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر عمرتين: عمرة في ذي القعدة، وعمرة في شوال) ].

أورد أبو داود حديث عائشة : [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين: عمرة في ذي القعدة، وعمرة في شوال) ]، والرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم اعتمر أربع عمر، فلعلها تقصد بذلك العمر التي أتى بها مستقلة تامة، وذلك إنما هو في عمرة القضية وفي عمرة الجعرانة، وأما عمرة الحديبية فإنه صُدَّ عنها ولم يدخل مكة، وأما العمرة التي مع الحج فهي مقرونة مع الحج، وأما العمرتان المستقلتان التامتان فهما: عمرة القضية، وعمرة الجعرانة، فالقضية في السنة السابعة، والجعرانة في السنة الثامنة.

قوله: [ (وعمرة في شوال) ] قال بعض أهل العلم: إن هذا يحمل على أنه حصل البدء في شوال، ولكن التنفيذ كان في ذي القعدة، وبذلك تتفق النصوص على أن عُمُرَ النبي صلى الله عليه وسلم كانت كلها في ذي القعدة، أي: في نهايتها، وكانت العمرة التي مع الحجة في شهر ذي الحجة، والإحرام للحج والعمرة إنما كان في شهر ذي العقدة، وقيل: إن عمره كلها كانت في شهر ذي القعدة، باعتبار أن عمرته التي مع حجته كانت بدايتها في ذي القعدة، والإتيان بها وتنفيذها كان في ذي الحجة؛ لأنها مقرونة مع الحج.

إذاً: فيحمل قولها: [ (وعمرة في شوال) ] على أن العمرة بدئ بها في شوال وأتما في ذي القعدة، ومن العلماء من يقول: إن هذا وهم، وأن عمر النبي صلى الله عليه وسلم كلها كانت في ذي القعدة، وليس منها شيء في شوال، ولا في غيره من الشهور.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله اعتمر عمرتين عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال)

قوله: [ حدثنا عبد الأعلى بن حماد ].

عبد الأعلى بن حماد لا بأس به بمعنى صدوق، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا داود بن عبد الرحمن ].

داود بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن عروة ]

هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، وهو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (لقد علم ابن عمر أن رسول الله قد اعتمر ثلاثاً سوى التي قرنها بحجة الوداع)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن مجاهد قال: (سئل ابن عمر رضي الله عنهما : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: مرتين، فقالت عائشة رضي الله عنها: لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد اعتمر ثلاثاً سوى التي قرنها بحجة الوداع) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثاً سوى عمرته التي قرنها بحجة الوداع، وابن عمر قال: اثنتين، ولعله يقصد بالاثنتين المستقلتين، وهما: عمرة القضية، وعمرة الجعرانة، وأما الباقيات: فالأولى صُدّ عنها هي عمرة الحديبية، والثانية هي العمرة التي قرنها مع الحج.

والحديث ضعفه الألباني ولا أدري ما وجه التضعيف، فالحديث مطابق للأحاديث الأخرى من جهة أن عُمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أربع، وأن واحدة منهن مع حجته، والإسناد ليس فيه شيء، وحتى لو كان فيه كلام فالأحاديث الأخرى تشهد له وتدل عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (لقد علم ابن عمر أن رسول الله قد اعتمر ثلاثاً سوى التي قرنها بحجة الوداع)

قوله: [ حدثنا النفيلي ].

هو عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا زهير ]

هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبو إسحاق ].

هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مجاهد ]

هو مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ سئل ابن عمر فقالت عائشة ].

ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قد مر ذكرهما.

شرح حديث: (اعتمر رسول الله أربع عمر...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي وقتيبة قالا: حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربع عمر: عمرة الحديبية، والثانية حين تواطئوا على عمرة من قابل، والثالثة من الجعرانة، والرابعة التي قرن مع حجته) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس وفيه بيان عمر النبي صلى الله عليه وسلم وأنها أربع: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، والعمرة المقرونة مع حجته.

تراجم رجال إسناد حديث: (اعتمر رسول الله أربع عمر...)

قوله: [ حدثنا النفيلي وقتيبة ].

مر ذكرهما .

[ حدثنا داود بن عبد الرحمن، عن عمرو بن دينار ].

داود بن عبد الرحمن مر ذكره، وعمرو بن دينار ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عكرمة عن ابن عباس ].

قد مر ذكرهما.

شرح حديث (أن رسول الله اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته)

[ حدثنا أبو الوليد الطيالسي وهدبة بن خالد قالا: حدثنا همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته) ].

أورد أبو داود حديث أنس [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، كلهن في ذي القعدة إلا العمرة التي مع حجته) ] وهذا مثل ما تقدم إلا أن قوله: [ (إلا التي مع حجته) ] لا ينافي ما تقدم؛ لأن العمرة التي مع الحجة حصل الإحرام لها في ذي القعدة، ولكن أداؤها كان في ذي الحجة، فالقول بأنها عمرة في ذي القعدة، لا ينافي ما جاء هنا من استثناء، فالبداية في ذي القعدة بلا شك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة في آخر ذي القعدة، وأحرم بالحج والعمرة من الميقات قارناً، ولكن التنفيذ وهو الطواف والسعي للحج والعمرة إنما كان في شهر ذي الحجة، فلا تنافي بين ما تقدم وبين هذا؛ لأن المعتبر البداية بالنسبة للإحرام، وأما التنفيذ فكان في ذي الحجة.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته)

قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].

هو هشام بن عبد الملك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وهدبة بن خالد ].

هدبة بن خالد ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود .

وهدبة بن خالد هذا هو الذي يقال له: هداب ، وكثيراً ما يأتي في صحيح مسلم هداب، وقيل: إن هدبة اسمه، وهداباً لقبه، والبخاري لا يذكره إلا بـهدبة ، وأما مسلم فيذكره كثيراً بـهداب، وأحدهما اسم والثاني لقب، واللقب يؤخذ من الاسم أحياناً، فلعل: هداب مأخوذ من هدبة .

[ حدثنا همام ].

هو همام بن يحيى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قتادة ]

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ]

أنس قد مر ذكره.

بيان ما أتقنه المصنف من هدبة في تفصيل عمر النبي صلى الله عليه وسلم

[ قال أبو داود : أتقنت من هاهنا من هدبة ، وسمعته من أبي الوليد ولم أضبطه: (عمرة زمن الحديبية، أو من الحديبية، وعمرة القضاء في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته) ].

قال: أبو داود أتقنت من هاهنا عن هدبة ولم أتقنه من أبي الوليد ، ثم ذكر ذلك التفصيل الذي أتقنه، حيث قال: (عمرة زمن الحديبية)وذلك عندما صده المشركون عنها، فتحلل صلى الله عليه وسلم بحلق رأسه ونحر هديه.

قوله: [ (وعمرة من الجعرانة) ] وهي في السنة الثامنة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته صلى الله عليه وسلم.

حكم نقض العمرة للحائض ورفض أعمالها

شرح حديث: (أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: المُهلَّة بالعمرة تحيض فيدركها الحج فتنقض عمرتها وتهل بالحج هل تقضي عمرتها؟

حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا داود بن عبد الرحمن حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيها رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وآله وسلم قال لـعبد الرحمن : يا عبد الرحمن! أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم، فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم، فإنها عمرة متقبلة) ].

قوله: [ باب: المُهلَّة بالعمرة تحيض فيدركها الحج فتنقض عمرتها -وفي بعضها: فترفض عمرتها- وتهل بالحج هل تقضي عمرتها؟ ]

سبق أن مر بنا الكلام في هذه المسألة، وأن عائشة رضي الله عنها لم ترفض العمرة بمعنى أنها ترفض نيتها وترفض إحرامها بها، وإنما رفضت أعمالها ككونها تطوف وتسعى؛ لأنها لم تتمكن من الطواف بسبب الحيض، فأمرها بأن ترفض أعمال العمرة وأن تدخل الحج على العمرة، وبهذا صارت قارنة، وقال لها صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لما أرادت أن تعتمر: (يكفيك طوافك وسعيك عن حجك وعمرتك)؛ وذلك لأن القارن يكفيه طواف واحد عن حجه وعمرته، وسعي واحد عن حجه وعمرته، وقد كانت عائشة رضي الله عنها من القارنين ولم تكن من المتمتعين؛ لأنها لم يتم لها ما أرادت بسبب الحيض، وأما أمهات المؤمنين فتم لهن ما أردن؛ لأنه لم يأتهن الحيض، فأتممن عمرتهن ثم أحرمن بالحج، وأرادت رضي الله عنها وأرضاها أن يكون عندها طواف وسعي مستقل كما حصل لأمهات المؤمنين، وكما أرادت في أول الأمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يكفيك طوافك وسعيك عن حجك وعمرتك)، ولما ألحت عليه أمر أخاها بأن يذهب بها إلى التنعيم وأن تحرم من هناك، وهو لم يأذن لها إلا بعد إلحاحها عليه، فهي عمرة ثانية، وليست بديلة عن العمرة السابقة؛ لأن العمرة السابقة موجودة مقرونة مع الحج، كما قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العمرة والحج، وقد قرنت عائشة بين العمرة والحج، حيث أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة، وهذه ليست عوضاً عنها، بل هي عمرة ثانية، ولهذا استدل بهذا أهل العلم على أنه يجوز الإتيان بعمرتين في السنة أو في الشهر، لأن عائشة رضي الله عنها حصل لها العمرة المقرونة مع الحج، وحصلت لها هذه العمرة التي بعد ذلك.

قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـعبد الرحمن : يا عبد الرحمن أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم ، فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم؛ فإنها عمرة متقبلة) ].

الأكمة هي مكان في التنعيم.

قوله: [ (فلتحرم فإنها عمرة متقبلة) ].

يعني: أنها عمرة صحيحة مقبولة عند الله عز وجل، لكن لا يعني هذا أن الناس يترددون بين الكعبة والتنعيم، فإن هذا لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وإنما جاء في قصة عائشة بعد إلحاح، وبعد ظرف خاص حصل لها، وعمر النبي صلى الله عليه وسلم كلها وهو داخل إلى مكة، ولم يخرج من مكة من أجل أن يأتي بعمرة.

تراجم رجال إسناد حديث: (أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم...)

قوله: [ حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا داود بن عبد الرحمن حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم ].

عبد الله بن عثمان بن خثيم هو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن يوسف بن ماهك ]

يوسف بن ماهك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ]

حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ثقة، أخرج لها مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن أبيها ].

هو عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (دخل النبي الجعرانة فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله ثم أحرم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم حدثني أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد ، عن محرش الكعبي رضي الله عنه قال: (دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجعرانة فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله ثم أحرم، ثم استوى على راحلته فاستقبل بطن سرف حتى لقي طريق المدينة، فأصبح بمكة كبائتٍ) ].

أورد أبو داود حديث محرش الكعبي رضي الله عنه، وهو يتعلق بعمرة الجعرانة، والحديث فيه تقديم وتأخير، والصحيح فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء الجعرانة وأحرم منها، ودخل مكة وطاف وسعى، ثم رجع إليها وصار فيها كبائت، ولهذا خفيت هذه العمرة؛ لأنها حصلت في الليل، فقد كان في الجعرانة في الليل، ثم ذهب إلى مكة ورجع فأصبح فيها كبائت، أي: بالجعرانة وليس بمكة، وبعدما أصبح اتجه إلى المدينة حتى التقى بطريق المدينة بمكان يقال له: سرف، وذهب إلى المدينة صلى الله عليه وسلم، فاللفظ هذا فيه إيهام، والصواب كما جاء في بعض الروايات أنه أحرم من الجعرانة في أول الليل، ثم ذهب واعتمر، ثم رجع فأصبح فيها كبائت، وبعد زوال الشمس من الغد ذهب إلى المدينة فالتقى بالطريق بسرف.

قوله: (جاء إلى المسجد) هذا منكر، يقول الألباني : غير ثابت، يعني: ذكر المسجد والصلاة فيه، وإنما فيه أنه أحرم منها ورجع إليها، ثم سافر إلى المدينة.

قوله: [ (فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله ثم أحرم) ] كأنه مسجد في الجعرانة، وليس المقصود الكعبة.

قوله: [ (ثم استوى على راحلته) ] يعني: حين ذهب إلى سرف، وهذا كان في الضحى بعد الزوال من الغد.

وهذه الرواية أخرجها الترمذي والنسائي .

تراجم رجال إسناد حديث: (دخل النبي الجعرانة فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله، ثم أحرم...)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

مر ذكره.

[ حدثنا سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم ].

سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم هو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثني أبي مزاحم ].

مزاحم مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد ].

عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن محرش الكعبي ]

محرش الكعبي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي .

مدة المقام في عمرة القضاء

شرح حديث: (أن رسول الله أقام في عمرة القضاء ثلاثاً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المقام في العمرة.

حدثنا داود بن رشيد حدثنا يحيى بن زكريا حدثنا محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقام في عمرة القضاء ثلاثاً) ].

أورد أبو داود [ باب المقام في العمرة ]، والمقصود بذلك عمرة القضاء، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقام في عمرة القضاء بمكة ثلاثة أيام، وذلك للاتفاق الذي كان بينه وبين كفار قريش، وأنه يبقى ثلاثة أيام.

وهذا بيان لما قد حصل، وللإنسان أن يقيم ما تيسر له دون تحديد بثلاث أو بأقل أو أكثر، وهذا التحديد ورد بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأما المهاجرون فإنهم لا يبقون أكثر من ثلاثة أيام، حتى يرجعوا إلى دارهم.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أقام في عمرة القضاء ثلاثاً)

قوله: [ حدثنا داود بن رشيد ].

داود بن رشيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا يحيى بن زكريا حدثنا محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح ].

أبان بن صالح ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.

[ وعن ابن أبي نجيح ]

هو عبد الله بن أبي نجيح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مجاهد ].

هو مجاهد بن جبر وقد مر ذكره.

[ عن ابن عباس ]

ابن عباس مر ذكره.

الأسئلة

صفة التقصير الشرعي عند التحلل من الإحرام

السؤال: هل يكفي في صفة التقصير الأخذ بالمقص من جهة اليمين والشمال والخلف؟

الجواب: لا بد من تقصير الرأس كله ولا يكفي تقصير بعضه، كما أنه لا يكفي حلق بعضه، فيحلق كله أو يقصر كله، سواء كان ذلك بالمقص أو بالمكائن الكهربائية التي تأخذ الأطراف وتترك الأصول.

صفة تقصير شعر المرأة عند التحلل من الإحرام

السؤال: كيف تقصر المرأة المحرمة؟

الجواب: تأخذ من أطراف ضفائرها مقدار الأنملة.

حكم إدخال (الدش) إلى البيوت

السؤال: هل يجوز إدخال (الدش) إلى البيت من أجل مشاهدة قناة اقرأ التي تنقل دروساً علمية، وكذلك لرؤية صلاة الجمعة بمكة وبالمدينة، وكذلك لرؤية الأخبار المتعلقة بالمسلمين؟

الجواب: لا يجوز إدخال (الدشوش) في البيت مطلقاً؛ وذلك لما فيها من الشر الكثير، والواجب هو الحذر منها والابتعاد عنها؛ لأن أوساخ وقاذورات العالم كلها تأتي عن طريق هذه (الدشوش).

حكم التبرك بمكان سجود النبي صلى الله عليه وسلم في المحراب

السؤال: هل يجوز التبرك بموضع سجوده صلى الله عليه وسلم في المحراب؟ وهل ذلك هو مكان سجوده حقاً؟

الجواب: لا ندري هل هذا مكان سجوده، أو لا، فالله أعلم بذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن له محراب، وإنما كان يصلي بين منبره وبيته، ويمين الصف من وراء المنبر من جهة الغرب، ولا نعلم مكاناً معيناً صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى الإنسان أن يصلي في أي مكان من المسجد، وإذا تيسر له أن يصلي في الروضة من دون أن يؤذي أحداً من الناس ويتنفل بها فإن ذلك حسن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة).

حكم التمسح بالمنبر والمحراب في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال: ما حكم ما يفعله بعض الزوار من مسح المنبر والمحراب في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: هذا كله من الأمور المنكرة، وعلى الإنسان عندما يأتي إلى هذا المسجد ألا يشغل نفسه بالتمسح والمسح، وإنما يصلي ويقرأ القرآن ويذكر الله عز وجل، فهذا هو الأمر المشروع، وأما كون الإنسان يمسح الجدران ويقبل الشبابيك وما إلى ذلك، فإن هذا من الأمور المحدثة والمنكرة، وقد عرفنا فيما مضى أن الله عز وجل لم يشرع للناس أن يقبلوا حجارة ولا جدراناً، وإنما شرع لهم أن يقبلوا الحجر الأسود فقط، ولو لم يقبله النبي صلى الله عليه وسلم ما قبله الناس، كما قال عمر : (أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) ثم إن محبة النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن تكون في قلب كل مسلم، أعظم من محبته لنفسه وأبيه وأمه وأولاده، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، ويقول الله عز وجل مبيناً علامة المحبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، فعلامة المحبة هي الاتباع وليس الابتداع، وبعض أهل العلم يسمي هذه الآية: آية الامتحان؛ لأن من ادعى محبة الله ورسوله فعليه أن يقيم البينة، والبينة هي الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذه هي علامات المحبة الصادقة، وأما التمسح بالجدران والشبابيك فليس من علامات المحبة، بل هو خلاف السنة وخلاف ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، وسلف هذه الأمة، فهو من محدثات الأمور، فمحبة النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن تكون في قلب كل مسلم فوق محبة كل محبوب من الخلق؛ وذلك أن النعمة التي ساقها الله للناس على يديه هي أعظم نعمة على المسلم، وهي نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم، ونعمة الخروج من الظلمات إلى النور، فهذا هو السبب في كون محبته يجب أن تفوق محبة كل محبوب من الخلق عليه الصلاة والسلام.

إذاً: فمحبته عليه الصلاة والسلام لا تكون بالتمسح بالجدران والشبابيك، وإنما تكون باتباعه والسير على منهاجه، والله تعالى يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].

بيان ما يقال عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم

السؤال: هل هناك أوراد شرعية تقال عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: ليس هناك شيء، وإذا جاء الإنسان إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فعليه أن يسلم عليه ويدعو له، ولا يدعوه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الدعاء عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله، يقول عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال عليه الصلاة والسلام: (الدعاء هو العبادة)، وقد سبق أن مر بنا الحديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاء غير الله شرك بالله، وصرف لحق الله إلى غير الله.

حكم لبس الجوارب المقطوعة دون الكعبين للمحرم للحاجة، وكذلك غير المقطوعة

السؤال: أنا مريض بمرض في قدميّ، ولا أستطيع الطواف والسعي حافي القدمين، وأريد أن ألبس جوربين دون الكعبين، بحيث لا يغطيان الكعبين؛ لتخفيف الآلام، فهل يجوز لي ذلك؟

الجواب: إذا كانت الجوارب دون الكعبين فلا بأس بها، مثل الخفاف التي تكون مقطوعة دون الكعبين، ولو أراد أن يبقي الجوارب دون قطع فلا بأس بذلك ما دام أنه بحاجة إليها، لكن عليه أن يطعم ستة مساكين أو يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيام، وأما إن قطع الجوارب وكانت دون الكعبين فإنه ليس عليه شيء.

حكم التضحية عن النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال: ما توجيهكم لرجل يريد الحج وهو يريد أن يضحي عن النبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: إذا أراد الإنسان أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيء عن طريقه فما عليه إلا أن يعمل صالحاً لنفسه، فإن الله يعطي نبيه مثل ما أعطاه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي دل الناس على الخير، ومن دل على هدى كان له مثل أجر فاعله، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثم من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً).

إذاً: فإذا أردت أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيء بسببك، فما عليك إلا أن تعمل لنفسك عملاً صالحاً، كالصلاة والصيام والزكاة والحج وكل عمل تتقرب به إلى الله عز وجل، والله تعالى سيثيب نبيه مثل ما أثابك، ولهذا فالنبي عليه الصلاة والسلام له من الأجر مثل أجور أمته من حين بعثه الله إلى قيام الساعة؛ لأنه هو الذي دل الناس على هذا الحق والهدى، كما في الحديث: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)، فلا تشغل نفسك بأن تضحي للنبي صلى الله عليه وسلم، بل ضح عن نفسك والله تعالى سيثيبك على فعلك، ويثيب نبيه مثل ما أثابك.

حكم السؤال بوجه الرسول صلى الله عليه وسلم والتوسل به

السؤال: هل يجوز أن يسأل الإنسان بوجه الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب: لا، لا يسأل بوجه الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يقول: أسألك بوجه الرسول، أو أتوسل إليك بالرسول، فكل هذا لا يجوز وهو من الأمور المنكرة.

حكم الحلق للعمرة قبل الحج بثلاثة أسابيع مع إرادة الحج ذلك العام

السؤال: أريد أن أقوم بعمرة ولم يبق إلا أيام على الحج فهل الأفضل لي الآن التقصير أو الحلق؟

الجواب: بقي على الحج تقريباً خمسة وعشرون يوماً، فيمكن أن يخرج الشعر وينبت، وبالتالي يمكن أن يحلق الشعر يوم العيد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [230] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net