إسلام ويب

لصلاة الجمعة شأن عظيم، ولذا حفت بجملة من الأحكام الشرعية التي تميزها عن غيرها وترفع من شأنها، ومن تلك الأحكام منع تخطي الرقاب فيها إلا لإمام أو لواجد فرجة لم يسدها غيره، وكذلك أمر الناعس فيها بأن يتحول عن مكانه حتى ينشط ويستمع الذكر، ومن جملة أحكامها المهمة أنها خصصت بقراءة سورة معينة تذكر الناس ببعض أمور دينهم ومعادهم.

تخطي رقاب الناس يوم الجمعة

شرح حديث (اجلس فقد آذيت)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة.

حدثنا هارون بن معروف حدثنا بشر بن السري حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية أنه قال: كنا مع عبد الله بن بسر رضي الله عنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فجاء رجل يتخطى رقاب الناس فقال عبد الله بن بسر : (جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس فقد آذيت) ].

أورد أبو داود [ باب: تخطي رقاب الناس يوم الجمعة ]، ولا يجوز لإنسان أن يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة وكذلك في غير الجمعة، وعلى الإنسان أن يأتي مبكراً ويجلس في الأماكن المتقدمة دون أن يتخطى رقاب الناس، لا أن يأتي متأخراً ثم يتخطى رقاب الناس من أجل أن يجلس في مكان متقدم، ولتتم الصفوف الأول فالأول، ولا ينشأ الصف الثاني إلا إذا امتلأ الصف الأول، ولا ينشأ الصف الثالث إلا إذا امتلأ الصف الثاني، ولا ينشأ الصف الرابع إلا إذا امتلأ الصف الثالث وهكذا، وبذلك يكون كل من جاء يجلس حيث ينتهي به المجلس، أو يقف حيث ينتهي به الموقف، ولكن إذا كان إماماً، وكان مجيئه من الخلف فإن له أن يتخطى رقاب الناس؛ لأنه لا سبيل له إلى وصوله إلى المنبر إلا من هذا الطريق، وهذا إذا كان لا يوجد هناك باب عند المنبر أو في الصف الأول، وإنما الباب في آخر المسجد، وكذلك من رأى فرجة لا يصل إليها إلا بتخطي الرقاب فله أن يذهب إليها؛ لأنه كان على الذين وراء هذه الفرجة أن يسدوها، وأن لا يحوجوا غيرهم إلى أن يتخطى رقابهم من أجل أن يصل إلى هذه الفرجة، أما أن لا يكون هناك فرج، فيأتي الإنسان من أجل أن يدخل نفسه بين الناس، ويضيق عليهم، ويزاحمهم في صلاتهم عندما يصفون؛ فإن هذا لا يسوغ ولا يجوز، فلا يجوز للإنسان إذا دخل والإمام يخطب -وكذلك في أي وقت من الأوقات- أن يتخطى رقاب الناس إلا إذا كان إماماً وليس له طريق إلا بأن يقطع الصفوف، وكذلك من رأى فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي؛ لأن الذين تركوا الأماكن المتقدمة هم المقصرون، وكان عليهم أن يتقدموا ويسدوا تلك الفرج.

وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتخطى رقاب الناس والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال له: [ (اجلس فقد آذيت) ] والمقصود من ذلك أن يجلس ولا يتخطى، وقد عرفنا أنه لا بد من أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس، فلعله صلى ركعتين عندما دخل المسجد ثم أراد أن يتقدم من أجل أن يحصل مكاناً متقدماً، فأمره أن يجلس دون أن يصلي؛ لأن تحية المسجد وجدت منه من قبل، أما إذا كان دخل المسجد ولم يصل وإنما جاء يتخطى فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين.

وفي هذا الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا التخطي أذى، وأن الإنسان يكون بذلك قد آذى الذين تخطى رقابهم أو ضيق عليهم، فيجب على الإنسان أن يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويقف حيث ينتهي به الموقف، وليس له أن يتخطى الرقاب، ولا أن يخترق صفاً إلى صف آخر إلا إذا كان إماماً لا يصل إلى مكانه إلا بهذه الطريق أو رأى فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي فإن له ذلك.

وفيه أن الخطيب له أن يكلم غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهذا الرجل: [ (اجلس فقد آذيت) ] فهذا فيه دليل على أن الخطيب له أن يكلم غيره في خطبته، وكذلك غيره له أن يكلمه، مثلما حصل في قصة سليك الغطفاني المتقدمة.

والتخطي منهي عنه في يوم الجمعة وغير الجمعة، ولكنه يتأكد النهي عنه في الجمعة.

والظاهر أن هذا الرجل كان قد صلى، ويحتمل أن يكون ذلك حصل قبل أن يبين النبي صلى الله عليه وسلم للناس أن من دخل المسجد يوم الجمعة فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، كما تقدم في قوله: (إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فلا يجلس حتى يصلي ركعتين يتجوز فيهما).

تراجم رجال إسناد حديث (اجلس فقد آذيت)

قوله: [ حدثنا هارون بن معروف ].

هارون بن معروف ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود .

[ حدثنا بشر بن السري ].

بشر بن السري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا معاوية بن صالح .].

هو معاوية بن صالح بن حدير، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي الزاهرية ].

هو حدير بن كريب، وهو صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن عبد الله بن بسر ].

عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

الرجل ينعس والإمام يخطب

شرح حديث (إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الرجل ينعس والإمام يخطب.

حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة [ الرجل ينعس والإمام يخطب ] يعني: ماذا يصنع؟

والجواب أنه يتحول من مكانه إلى مكان آخر، وذلك لينتقل من هذا المكان الذي حصلت له فيه الغفلة إلى مكان آخر لعل الغفلة تذهب فيه عنه، ويمكن أن تكون هذه الحركة سبباً في ذهاب النوم.

وأورد الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره) ] وهذا لفظ عام، وليس فيه ذكر وقت الخطبة، وهو عام في كونه في المسجد، سواءٌ أكان في جمعة أم في غير جمعة، وسواءٌ أكان في الخطبة أم في غير الخطبة، ولكنه جاء عند الترمذي هذا القيد: (والإمام يخطب).

تراجم رجال إسناد حديث (إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول ...)

قوله: [ حدثنا هناد بن السري ] .

هو هناد بن السري أبو السري، ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن عبدة ].

هو عبدة بن سليمان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن إسحاق ].

محمد بن إسحاق صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

هو الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، ستة رجال وامرأة واحدة.

حال حديث (إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول ...)

هذا الحديث فيه عنعنة ابن إسحاق، وقد خرجه الترمذي وقال: (حسن صحيح)، وصححه بعض أهل العلم واحتجوا به.

حكم التسوك حال الخطبة والوقوف لأجل إزالة النوم

من نعس أثناء الخطبة ليس له أن يتسوك، والذي ورد أنه يتحول إلى مكان آخر، وله أن يبحث عن مكان قريب إذا كان المسجد مزدحماً، وإذا ما وجد مكاناً فله أن يظل واقفاً في نفس مكانه ليذهب النعاس؛ لأن الحركة قد تذهب عنه النوم، أما كونه يتسوك فإن هذا عمل ينشغل به عن سماع الخطبة، وقد يكون من جنس مس الحصى.

الإمام يتكلم بعدما ينزل من المنبر

شرح حديث (رأيت رسول الله ينزل من المنبر ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الإمام يتكلم بعدما ينزل من المنبر.

حدثنا مسلم بن إبراهيم عن جرير -هو ابن حازم لا أدري كيف قاله مسلم أو لا- عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل من المنبر فيعرض له الرجل في الحاجة فيقوم معه حتى يقضي حاجته ثم يقوم فيصلي).

قال أبو داود : الحديث ليس بمعروف عن ثابت ، هو مما تفرد به جرير بن حازم ].

أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب: الإمام يتكلم بعد ما ينزل من المنبر ]، يعني أن له أن يتكلم، وإذا كان له أن يتكلم وهو يخطب فمن باب أولى أن يتكلم بعد ما ينزل؛ لأنه إذا ساغ له أن يتكلم وهو يخطب وأن يقطع خطبته وأن يتكلم فكونه يتكلم بعدما ينزل من الخطبة من المنبر جائز من باب أولى، وهذا هو الحكم الذي يفهم من الحديث الذي أورده أبو داود رحمه الله، وهو حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه وهم من جهة جرير بن حازم أحد رواته، لكن المعنى ثابت، وهو أنه يصح للخطيب أن يتكلم مع غيره بعدما ينزل من الخطبة من المنبر، وهذا لا إشكال فيه.

يقول أنس رضي الله عنه : [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل من المنبر فيعرض له الرجل في الحاجة فيقوم معه حتى يقضي حاجته ثم يقوم فيصلي) ]، فهذا الحديث قيل: إنه وهم من جرير بن حازم ، ولا يعرف إلا من طريقه، وجرير بن حازم يهم، ولعله التبس عليه بالحديث الذي فيه: (أقيمت صلاة العشاء، فجاء رجل وكلم الرسول حتى نعس الناس)، وهذا الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعله التبس عليه ذلك، وحصل له وهم، فالحديث ضعيف، لكن الحكم المستنبط منه صحيح.

تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله ينزل من المنبر ...)

قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].

هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جرير ].

هو جرير بن حازم ، وهو ثقة له أوهام إذا حدث من حفظه، روى له أصحاب الكتب الستة.

قوله: [ لا أدري كيف قاله مسلم أو لا ].

قال في عون المعبود: لعل التقدير: لا أدري كيف الأمر: أقاله مسلم أو لم يقله؟ وقال: إن المقصود بقوله: (أقاله) هو ابن حازم ، ولكن المعروف والمشهور أن مثل هذه العبارة لا يقولها التلميذ كما سبق أن عرفنا مراراً وتكراراً أن عبارة (هو ابن فلان) أو (يعني فلان بن فلان) إذا جاءت في أثناء الأسانيد فإنه لا يقولها التلميذ، وإنما يقولها من دون التلميذ؛ لأن التلميذ له أن يذكر شيخه ويطيل في نسبه ويذكر صفاته، وله أن يختصر نسبه ويقتصر على اسم الواحد ويذكره مهملاً، ومعنى هذه العبارة أن أبا داود شك هل شيخه مسلم بن إبراهيم اقتصر على اسم شيخه جرير بن حازم ولم ينسبه إلى أبيه، وإنما قال: عن جرير، أو أنه قال: عن جرير بن حازم .

قوله: [ قال أبو داود : ليس بمعروف عن ثابت ، وهو مما تفرد به جرير بن حازم ].

يعني: هذا الحديث تفرد به جرير بن حازم عن ثابت ، فيكون وهماً، ولكن الحكم الشرعي ثابت، سواء صح الحديث أو لم يصح، والحديث فيه وهم ولا يصح، ولكن الذي دل عليه الحديث لا إشكال فيه من جهة أن الإمام له إذا نزل من المنبر له أن يخاطب غيره، وكذلك المأمومون لهم أن يخاطب بعضهم بعضاً بعد أن ينزل الخطيب؛ لأن المنع من الكلام هو ما دام الإمام يخطب، وأما بين الخطبتين وكذلك بعد نزول الخطيب وكذلك عند مجيئه أولاً وجلوسه على المنبر فلا مانع من الكلام، ولكن الممنوع هو حال الخطبة؛ لأن الكلام فيه انشغال عنها.

قوله: [ عن ثابت ]

هو ابن أسلم البناني ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن مالك ].

هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

من أدرك من الجمعة ركعة

شرح حديث (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من أدرك من الجمعة ركعة.

حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ].

أورد أبو داود رحمه الله [ باب من أدرك من الجمعة ركعة ] يعني: هل يكون مدركاً للجمعة؟

والجواب: نعم يكون مدركاً لها، ويضيف إليها أخرى وبذلك يكون مدركاً للجمعة، وكذلك الإنسان إذا أدرك ركعة من أي صلاة فإنه يكون مدركاً للصلاة، فإذا أدرك ركعة من الصلاة فإنه يكون مدركاً لشيء يعتد به، وإذا قام فإنه يقضي، فإذا جاء الإنسان في الظهر وأدرك الركعة الأخيرة من صلاة الظهر، فعندما يقوم ليقضي يكون عليه ثلاث ركعات، بخلاف ما لو فاته الركوع من الركعة الرابعة فإنه يقوم فيقضي أربع ركعات كاملة، فالمعنى: من أدرك شيئاً من الصلاة يعتد به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جئتم والإمام ساجد فاسجدوا معه ولا تعدوها شيئاً) يعني أنهم يسجدون ويحصلون أجر الجماعة وفضل الجماعة لكن لا يعدوا هذا السجود شيئاً؛ لأنه لا تعد الركعة إلا بإدراك ركوعها.

وهذا الحديث يدلنا على أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها، وهو بهذا اللفظ عام يشمل الجمعة وغير الجمعة، وقد جاء في بعض الروايات التنصيص على الجمعة، وأن من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى، ومن فاته الركوع من الركعة الثانية من صلاة الجمعة فإنه يدخل مع الإمام ولكنه يقضيها أربعاً، وهذا إذا صليت الجمعة بعد الزوال، لكن لو أن الجمعة صليت قبل الزوال، والإنسان لم يدرك الركوع من الركعة الثانية، ودخل مع الإمام فإنه يصليها نافلة، ولا يصلي الظهر إلا بعد دخول وقتها بعد الزوال، وقد سبق أن الأولى أن الجمعة لا تكون إلا بعد الزوال، ويجوز أن تكون قبل الزوال.

تراجم رجال إسناد حديث (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سلمة ].

هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، وهو ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

مر ذكره.

ما يقرأ به في الجمعة

شرح حديث قراءته صلى الله عليه وسلم في العيدين والجمعة بسورتي الأعلى والغاشية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقرأ به في الجمعة.

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] قال: وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأ بهما) ].

أورد أبو داود رحمه الله [ باب ما يقرأ به في الجمعة ]، يعني: ما الذي يقرأ به من السور في صلاة الجمعة؟

وأورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، وأولها حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]؛ وذلك لما فيهما من ذكر البعث، وذكر الدار الآخرة، ويوم الجمعة هو اليوم الذي تقوم فيه الساعة، فناسب أن يذكر فيه بالموت والبعث والدار الآخرة؛ ليكون الاستعداد والتهيؤ للقاء الله.

قال: [ وربما اجتمعا في يوم واحد ] يعني: العيد ويوم جمعة، فيقرأ في العيد في أول النهار بسورتي (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)، ثم يصلي الجمعة ويقرأ فيهما بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ).

تراجم رجال إسناد حديث قراءته صلى الله عليه وسلم في العيدين والجمعة بسورتي الأعلى والغاشية

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ] .

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبو عوانة ].

هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو مشهور بكنيته أبي عوانة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ].

إبراهيم بن محمد بن المنتشر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

هو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حبيب بن سالم ].

حبيب بن سالم لا بأس به، أخرج له مسلم وأصحاب السنن، وكلمة (لا بأس) به هي بمعنى (صدوق) عند الحافظ ابن حجر .

[ عن النعمان بن بشير ].

هو النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما الصحابي المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار الصحابة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام توفي وعمره ثمان سنوات، وكان يحدث أحياناً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ويقول: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا) ومن ذلك الحديث المشهور المتفق على صحته الذي أخرجه البخاري ومسلم : (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعرفهن كثير من الناس)، فهذا الحديث العظيم هو مما رواه النعمان بن بشير وقال فيه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولهذا فإن العلماء يقولون: الصغير يتحمل في حال صغره ويؤدي في حال كبره، كما حصل من النعمان ، فإنه تحمل في حال صغره وأدى في حال كبره، ومثله الكافر إذا أسلم، فيجوز أن يتحمل في حال كفره ويؤدي في حال إسلامه.

شرح حديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة بسورتي الجمعة والغاشية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة (أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير رضي الله عنهما: ماذا يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة؟ فقال كان يقرأ بـهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]) ].

أورد أبو داود حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة وبـ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) يعني: يجمع بين هاتين السورتين، وقراءة سورة الجمعة في صلاة الجمعة حكمته وفائدته أن فيها ذكر الجمعة، وصلاة الجمعة، والأمر بالسعي إلى الجمعة، وترك البيع والشراء، والانشغال بذكر الله، وابتغاء فضله بعد صلاة الجمعة، ففيها شيء من أحكام الجمعة، فإذا قرأ بسورة الجمعة في صلاة الجمعة فذلك مناسب.

تراجم رجال إسناد حديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة بسورتي الجمعة والغاشية

قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ضمرة بن سعيد المازني ].

ضمرة بن سعيد المازني ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ].

هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن النعمان بن بشير ].

مر ذكره.

شرح حديث القراءة يوم الجمعة بسورتي الجمعة والمنافقون

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي حدثنا سليمان -يعني ابن بلال - عن جعفر عن أبيه عن ابن أبي رافع أنه قال: (صلى بنا أبو هريرة يوم الجمعة فقرأ بسورة الجمعة وفي الركعة الآخرة: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ [المنافقون:1] قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف، فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان علي رضي الله عنه يقرأ بهما بالكوفة، قال أبو هريرة : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة) ].

أورد أبو داود حديث أبو هريرة رضي الله عنه: أنه قرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقون، فقال له ابن أبي رافع : [ إنك قرأت بسورتين كان علي رضي الله عنه يقرأ بهما في الكوفة ]، فقال: [ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة ] فهذا الرجل سمع أبا هريرة يقرأ بسورتين وكان قد سمع علياً يقرأ بالسورتين، فـأبو هريرة بين له العمدة التي اعتمد عليها في ذلك، وهي كونه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما.

والحكمة من القراءة بسورة الجمعة يوم الجمعة أنها مشتملة على أحكام الجمعة، وأما سورة المنافقون فإن المنافقين كانوا يأتون للجمعة، فيسمعون هذه السورة من الإمام وفيها بيان حالهم وفضحهم وخزيهم، ولعل ذلك يكون رادعاً لهم وموقظاً لهم ومنبهاً لهم.

تراجم رجال إسناد حديث القراءة يوم الجمعة بسورتي الجمعة والمنافقون

قوله: [ حدثنا القعنبي حدثنا سليمان -يعني ابن بلال- ].

سليمان بن بلال ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، و(يعني) قالها أبو داود أو من دون أبو داود ، وليس القعنبي ، فـ(يعني) فعل مضارع فاعله ضمير مستتر يرجع إلى أبي داود أو من دون أبي داود .

[ عن جعفر ].

هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين المشهور بـالصادق ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبيه ].

هو محمد بن علي بن الحسين الملقب بـالباقر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن أبي رافع ].

هو عبيد الله بن أبي رافع ، وأبوه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

تقدم ذكره.

إجلال أهل السنة لآل البيت

الإمامان جعفر بن محمد ومحمد بن علي من أئمة أهل السنة، وهما من أهل البيت الذين يجلهم ويوقرهم ويحبهم أهل السنة، وأهل السنة يحبون أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لمن كان منهم تقياً صالحاً، فكون الرجل تقياً صالحاً ويكون من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من أسباب زيادة محبته؛ لأن المؤمن التقي إذا كان من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم فهو يحب لتقواه ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي طليعة وفي مقدمة أهل السنة وأهل الحق والهدى أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما، فإنهما كانا يجلان أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر البخاري في صحيحه عن أبي بكر أثرين: أحدهما أنه قال: (والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي) يعني: كوني أصل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أصل قرابتي، فهذا يدلنا على عظم منزلة أهل البيت وقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصديق ، وهو خير هذه الأمة وأفضل هذه الأمة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والأثر الثاني ذكره البخاري عنه في صحيحه أنه قال: (ارقبوا محمداً في أهل بيته) يعني أنهم يقدرون أهل بيته، ويعرفون منزلة أهل بيته؛ لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فروي عنه أثران أيضاً: أحدهما أنه قال للعباس لما أسلم: إن إسلامك لما أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامك.

والأثر الثاني: ما جاء في صحيح البخاري أن الناس لما أصابهم الجدب والقحط وخرجوا يستسقون، طلب عمر رضي الله عنه من العباس أن يدعو للمسلمين أن يغيثهم الله عز وجل، واختار العباس لأنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال عمر : (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا) يعني: نطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لنا فيدعو لنا فتسقينا، (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، قم -يا عباس- فادع الله)، وعمر أفضل من العباس ولكنه اختار العباس من أجل قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا)، وما قال: نتوسل إليك بـالعباس ، فما ذكره باسمه، ولكن ذكر صلته بالرسول صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، فقال: (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا -يعني: بدعائه- فاسقنا، قم -يا عباس- فادع الله).

فهذا فيه بيان منزلة أهل البيت عند الخليفتين الراشدين الأولين: أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما، وقد ذكر هذه الآثار ابن كثير رحمة الله عليه في تفسير سورة الشورى عند قول الله عز وجل: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23].

شرح حديث (كان يقرأ في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد عن يحيى بن سعيد عن شعبة عن معبد بن خالد عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)) ].

سبق تحت هذه الترجمة -وهي: [ ما يقرأ به في الجمعة ]- عدة أحاديث، فيها بيان ما يقرأ به في صلاة الجمعة، وسبق أن مر أنه يقرأ في صلاة الجمعة بـ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)، وكذلك بالجمعة والمنافقون، وكذلك بالجمعة والغاشية.

أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الجمعة بـ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ))، وهذا من جملة الأدلة الدالة على أن صلاة الجمعة يقرأ فيها بـ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ).

تراجم رجال إسناد حديث (كان يقرأ في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى ...)

قوله: [ مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن يحيى بن سعيد ].

هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن معبد بن خالد ].

معبد بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زيد بن عقبة ].

زيد بن عقبة ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن سمرة بن جندب ].

هو سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [140] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net