إسلام ويب

وردت جملة من الأحاديث تدل على قطع مرور المرأة والحمار والكلب صلاة المرء، كما أن هناك أحاديث أخرى تفيد أنه لا يقطع الصلاة شيء، وللعلماء في ذلك كلام وخلاف ينبغي معرفته.

من قال الحمار لا يقطع الصلاة

شرح حديث (أقبلت راكباً على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله يصلي بالناس بمنى ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال الحمار لا يقطع الصلاة

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (جئت على حمار).

ح: وحدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وآله سلم يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت فأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك أحد)].

قوله: [باب من قال الحمار لا يقطع الصلاة].

ذكر فيما مضى الأحاديث التي فيها أن المرأة والحمار والكلب الأسود يقطعون الصلاة، ثم ذكر بعد ذلك [باب من قال المرأة لا تقطع الصلاة] وهنا ذكر [باب من قال إن الحمار لا يقطع الصلاة].

وأورد حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: [أقبلت راكباً على أتان] والأتان أنثى الحمار، والحمار يقال للذكر والأنثى، والأتان اسم لأنثى الحمار، فجاء وهو راكب على الأتان حتى كان بين يدي بعض الصف، فنزل ودخل في الصف وترك الأتان ترتع، أي: أطلقها وتركها ترعى، وكان ذلك بمنى في حجة الوداع، قال: [وقد ناهزت الاحتلام] يعني: قد قاربت البلوغ.

والحديث ليس واضح الدلالة على أن الأتان مرت بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما فيه أنها مرت بين يدي بعض الصف، ومن المعلوم أن سترة الإمام سترة للمأمومين، فمرور نحو هذه بين المأمومين لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر المرور بين الإمام وسترته وبين المنفرد وسترته، فهذا هو الذي يكون فيه التأثير.

وأما بالنسبة للصف وكونه يمر بين يدي الصف أو بعض الصف -سواءٌ أكان المار حماراً أم غيره- فإن ذلك لا يؤثر شيئاً؛ لأن العبرة بالإمام، والإمام لم يثبت في هذا الحديث أنه مر بين يديه شيء، لا حمار ولا غيره.

فهذا الحديث -في الحقيقة- يصلح لأن يكون تحت الترجمة السابقة، وهي أن سترة الإمام سترة للمأمومين.

تراجم رجال إسناد حديث (أقبلت راكباً على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله يصلي بالناس بمنى...)

قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا سفيان بن عيينة ].

هو سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيد الله بن عبد الله ].

هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ح: وحدثنا القعنبي ].

قوله: (ح) هو للتحول من إسناد إلى إسناد.

والقعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقية، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ].

هؤلاء قد مر ذكرهم.

التعليق على قول مالك: (وأنا أرى ذلك واسعاً إذا قامت الصلاة)

[قال أبو داود : وهذا لفظ القعنبي وهو أتم، قال مالك : وأنا أرى ذلك واسعاً إذا قامت الصلاة]

قوله: [ قال أبو داود : وهذا لفظ القعنبي وهو أتم قال ].

يعني أن هذا السياق الذي ساقه أبو داود هو بلفظ القعنبي ، وهو شيخه في الإسناد الثاني.

وقوله: [ قال مالك : وأنا أرى ذلك واسعاً إذا قامت الصلاة ].

مقصود مالك رحمه الله تعالى غير ظاهر؛ إذ إن المراد في الحديث هو إذا قامت الصلاة، وإذا كان الناس يصلون، وأما إذا لم يدخلوا في الصلاة فليس هناك إمام ولا مأموم ولا سترة.

ثم إن كان مراده الدخول بين يدي الصف فهذا هو مقتضى الحديث، وأما إذا كان يقصد أن حصول ذلك واسع بين يدي الإمام فهذا فيه إشكال.

شرح حديث ابن عباس (جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب على حمار ورسول الله يصلي ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن منصور عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن أبي الصهباء أنه قال: تذاكرنا ما يقطع الصلاة عند ابن عباس رضي الله عنهما فقال: (جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب على حمار ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فنزل ونزلت، وتركنا الحمار أمام الصف فما بالاه، وجاءت جاريتان من بني عبد المطلب فدخلتا بين الصف فما بالى ذلك) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس ، وهو مثل الذي قبله، ففيه دلالة على أن سترة الإمام سترة للمأمومين، وأنه لا يؤثر المرور بين يدي الصف، سواء أكان من حمار أم من جارية أم من غيرهما، وإنما المحذور هو المرور بين يدي الإمام وسترته.

والحديث فيه أن ابن عباس رضي الله عنه جاء هو وغلام من بني عبد المطلب على حمار فنزل وترك الحمار بين يدي الصف، يعني الصف الذي وراء الرسول صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ (فما بالاه)] يعني: ما اكترث لذلك.

ولاشك في أن ذلك لا يؤثر لكونه بين يدي الصف؛ لأن سترة الإمام سترة للمأمومين، وإنما الذي يؤثر المرور بين الإمام وسترته، أو المرور بين المنفرد وسترته، أما المأمومون فإن سترة الإمام سترة لهم.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس (جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب على حمار ورسول الله يصلي ...)

قوله: [حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا أبو عوانة ].

هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن منصور ].

هو منصور بن المعتمر الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحكم ].

هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى بن الجزار ].

يحيى بن الجزار صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي الصهباء ].

هو صهيب ، وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن ابن عباس ].

قد مر ذكره.

طريق ثانية لحديث (جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب على حمار ورسول الله يصلي ...) وتراجم رجال إسنادها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة وداود بن مخراق الفريابي قالا: حدثنا جرير عن منصور بهذا الحديث بإسناده، قال: (فجاءت جاريتان من بني عبد المطلب اقتتلتا فأخذهما) قال عثمان : (ففرع بينهما) وقال داود : (فنزع إحداهما عن الأخرى فما بالى ذلك) ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أن الجاريتين من بني عبد المطلب اقتتلتا، أي: اختلفتا وتنازعتا وتضاربتا، فنزع إحداهما عن الأخرى وفرق بينهما وما بالى ذلك، أي: ولم يؤثر ذلك على صلاته ولم يكترث به. وهذا إنما يتعلق بمرور المرأة، ولا تعلق له بمرور الحمار، وقد سبق في الباب الذي قبل هذا أن عائشة كانت رجلاها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فإذا أراد أن يسجد غمزها فكفت رجليها.

قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة مر ذكره.

[ وداود بن مخراق الفريابي ].

داود بن مخراق صدوق، أخرج له أبو داود وحده.

[ حدثنا جرير ].

هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن منصور ].

منصور مر ذكره.

من قال الكلب لا يقطع الصلاة

شرح حديث (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال الكلب لا يقطع الصلاة.

حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حدثني أبي عن جدي عن يحيى بن أيوب عن محمد بن عمر بن علي عن عباس بن عبيد الله بن عباس عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا ومعه عباس ، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه، فما بالى ذلك) ].

أورد أبو داود [باب من قال: الكلب لا يقطع الصلاة] وأورد حديث الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي، وكان هناك حمارة وكلبة تعبثان، أي: حصل منهما عبث بين يديه، فما بالى بذلك، أي أن ذلك لم يؤثر، وهذا فيه ذكر الحمار والكلب، لكن الحديث ليس بصحيح، بل هو ضعيف.

تراجم رجال إسناد حديث (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا ...)

قوله: [حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ].

عبد الملك بن شعيب بن الليث ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[حدثني أبي]

أبوه هو شعيب بن الليث ، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن جدي ].

هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى بن أيوب ].

يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن عمر بن علي ].

محمد بن عمر بن علي صدوق، أخرج له أصحاب السنن .

[ عن عباس بن عبيد الله بن عباس ].

عباس بن عبيد الله بن عباس مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي .

[ عن الفضل بن عباس ].

الفضل بن عباس هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

من قال لا يقطع الصلاة شيء

شرح حديث ( لا يقطع الصلاة شيء ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: من قال لا يقطع الصلاة شيء.

حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا أبو أسامة عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقطع الصلاة شيء، وادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب من قال لا يقطع الصلاة شيء] يعني: مطلقاً، فأي مار بين يدي المصلي لا يقطع صلاته، وأورد حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(لا يقطع الصلاة شيء، وادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان)].

يعني: الذي يحاول المرور ادرءوه وحاولوا منعه من المرور، وإذا لم ينفع فيه الدرء فإنه شيطان، كما مر في بعض الأحاديث: (فليقاتله فإنه شيطان) وفي بعضها أنه قال: (معه قرين) أي: القرين من الجن. كما جاء في الحديث: (ما منكم من أحد إلا وله قرين من الجن وقرين من الملائكة).

تراجم رجال إسناد حديث (لا يقطع الصلاة شيء ...)

قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]

هو محمد بن العلاء بن كريب ، أبو كريب البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا أبو أسامة ].

هو حماد بن أسامة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مجالد ].

هو مجالد بن سعيد ، ليس بالقوي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي الوداك ].

هو جبر بن نوف ، وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي سعيد ].

هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والحديث ضعفه الألباني ، وصنيع أبي داود في آخر الحديث يشعر أنه ثابت عنده؛ فإنَّه قال: (إذا تنازع الخبران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده) وقد حكى الترمذي وغيره أن أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الصلاة لا يقطعها شيء.

شرح حديث (... ادرءوا ما استطعتم فإنه شيطان)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا مجالد حدثنا أبو الوداك قال: مر شاب من قريش بين يدي أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو يصلي فدفعه، ثم عاد فدفعه -ثلاث مرات-، فلما انصرف قال: إن الصلاة لا يقطعها شيء، ولكن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادرءوا ما استطعتم فإنه شيطان).

قال أبو داود : إذا تنازع الخبران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده ].

أورد أبو داود حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنه مر بين يديه شاب وهو يصلي فدفعه، فأراد أن يمرَّ فدفعه، وقال أبو سعيد رضي الله عنه: [إن الصلاة لا يقطعها شيء، ولكن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ادرءوا ما استطعتم فإنه شيطان )] يعني: ادرءوا من يحاول أن يمر بين يدي المصلي -سواءٌ أكان إماماً أم منفرداً- فإنه شيطان، وقال أبو سعيد : إنه لا يقطع الصلاة شيء.

ثم إن أبا داود -رحمه الله- أتى بجملة من الكلام فيما يتعلق بشأن تعارض الأحاديث في قطع الصلاة، فقد جاءت أخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الصلاة يقطعها المرأة والحمار والكلب الأسود، وجاءت أحاديث بأنه لا يقطعها شيء، فقال: [إذا تنازع الخبران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني اختلفا وتعارضا- نظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده]. وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرهم على أن الصلاة لا يقطعها شيء، كما حكى ذلك الترمذي وغيره.

تراجم رجال إسناد حديث (... ادرءوا ما استطعتم فإنه شيطان)

قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد ].

عبد الواحد بن زياد ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا مجالد حدثنا أبو الوداك قال: مر شاب من قريش بين يدي أبي سعيد الخدري ].

قد مر ذكر الثلاثة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [094] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net