إسلام ويب

الإسلام دين الرحمة والإحسان، وقد أمر بالإحسان في كل شيء حتى في القتل والذبح، وذلك بعدم تعذيب القتيل أو الذبيح، بل يتم القتل والذبح بأسهل الطرق التي تزهق بها النفس، فتحد الشفرة وتراح الذبيحة. وقد أمر الإسلام بتقوى الله تعالى في كل شيء، وإذا عمل الإنسان سيئة فليبادر إلى عمل حسنة حتى تمحوها، ويعامل الناس بالأخلاق الحسنة الطيبة.

شرح حديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)

عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)، رواه مسلم .

وجوب الإحسان عند القتل والذبح ومعناه

هذا الحديث فيه أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإحسان يكون في كل شيء، وأنه ليس خاصاً ببعض الأمور أو الأحوال وإنما هو عام، فهو يشمل أولاً إحسان العبد عمله لله عز وجل؛ فلا بد أن يكون فيه محسناً، ويكون الإحسان أيضاً في من يستحق القتل؛ وذلك بأن يقتل القتلة التي فيها خروج روح المقتول بسهولة من غير تعذيب أو تمثيل، وسواء كان ذلك في قتال الكفار، أو قتل القاتل قصاصاً، أو حداً، فإنه يراعى في ذلك أن يكون القتل على وجه يريح المقتول، دون أن يناله شيء من الإيذاء قبل قتله، إما بالتمثيل أو عدم قتله القتلة المريحة له، بأن يكون هناك تعذيب له في قتله.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) يفيد العموم، وأن الإحسان عام وليس خاصاً في شيء دون شيء، و(كتب) هنا بمعنى: شرع وأوجب؛ لأن الكتابة تنقسم إلى: كونية قدرية، ودينية شرعية، وهي هنا من قبيل الكتابة الدينية الشرعية، مثل قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178]، وقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [البقرة:180]، وقوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، فهذا كله من قبيل الكتابة الشرعية وليس من قبيل الكتابة الكونية القدرية.

ومعنى ذلك أن الواجب عند القتل سواء كان قصاصاً أو حداً أن يقتل القتلة التي فيها سهولة خروج الروح، وسهولة قتله بدون أن يناله شيء من الضرر أو الإيذاء أو التمثيل الذي قد يكون عند القتل.

ولما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)، مثل بمثال يتعلق بالقتل والذبح، وأن ذلك كله يجب أن يكون على وجه فيه راحة للمقتول أو للذبيحة من الحيوان، فهو توضيح لتلك القاعدة العامة بمثال من أمثلتها، كما تقدم في حديث: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، أنه مثل لذلك بالهجرة فقال: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).

وهنا لما ذكر هذه القاعدة العامة، وهي أن الإحسان يكون في كل شيء، وليس خاصاً بشيء دون شيء، بين أن مما يدخل في ذلك إزهاق الروح، سواء كان قتلاً لإنسان أو ذبحاً لحيوان فإنه يجب فيه الإحسان، ويكون ذلك على وجه الإحسان للمقتول وللذبيحة، ولهذا جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في وصيته للغزاة في سبيل الله عز وجل كما في حديث بريدة بن الحصيب في صحيح مسلم (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: اغزوا باسم الله قاتلوا من كفر بالله، ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليداً ولا وليدة)، فقوله: (ولا تمثلوا)، يعني: أنه لا يحصل منهم القتل الذي فيه إيذاء وتشويه للإنسان، وإنما إذا قتل فإنه لا يمثل به.

معنى الإحسان في القصاص والحدود

من قتل قصاصاً فإنه يقتل بالطريقة التي قتل بها فإذا كان قد مثل بالمقتول أو قتله رضاً بالحجارة، فإنه يقتل بالطريقة التي قتل بها، وهذا هو القصاص، وكونه يقتل بالطريقة التي قتل بها مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهودي الذي رض رأس جارية بين حجرين، فأمر بأن يرض رأسه بين حجرين، فقتل بنفس القتلة التي قتل بها، وكذلك العرنيون الذين قتلوا الراعي ومثلوا به أمر بأن يفعل بهم كما فعلوا بالراعي، ومثل بهم كما مثلوا به.

إذاً: الواجب أن يقتل الإنسان في القصاص بالطريقة المريحة كأن يقتل بالسيف، إلا إذا كان قد قتل بطريقة فيها تمثيل أو إيذاء للمقتول فإنه يقتل كما قتل، وهذا هو القصاص؛ لأن القصاص يعني أنه يقتص منه كما فعل، لكنه إذا قتل حرقاً بالنار، فقد جاء في الحديث: (لا يعذب بالنار إلا رب النار)، فلا يحرق بالنار، وإنما إذا حصل منه القتل بطريقة فيها شدة وفيها سوء، فإنه يعامل بتلك المعاملة التي عامل بها غيره.

وكذلك إذا كان القتل حداً فإنه يقتل بسهولة وتزهق روحه بأقرب طريق يكون فيها خروج روحه بدون تعذيب وبدون تمثيل، وقد جاء في القرآن -وهو من المنسوخ تلاوته الباقي حكمه- وكذلك في السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الزاني المحصن حده الرجم، والرجم كما هو معلوم فيه إزهاق للنفس بشدة، فقيل: يحتمل أن يكون هذا مستثنى من عموم قوله: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة)، أو يقال: إن الإحسان يكون بموافقة الشرع فيما جاء به، والشرع قد جاء بالقتل بهذه الطريقة فيكون ذلك إحساناً؛ لأن الإحسان هو موافقة الشرع فيما جاء به، ويكون ذلك داخلاً تحت هذا العموم، أو يقال: إنه مستثنى من هذا العموم الذي هو إحسان القتلة؛ لأنه جاء بطريقة خاصة في القتل، وهي أنه يرمى بالحجارة حتى يموت، وقد قيل: إن الحكمة في رميه بالحجارة أنه كما حصلت اللذة لجميع الجسد عند فعل هذا الأمر المنكر المحرم، فإن العقوبة تكون لجميع الجسد بأن يرمى بالحجارة حتى يموت وتخرج روحه.

إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى حد الشفرة وإراحة الذبيحة

لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قتل الإنسان ثم ذبح الحيوان حيث قال: (فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)، بين عليه الصلاة والسلام بعد ذلك ما ينبغي ويجب أن يتخذ عند ذبح الحيوان، حتى تزهق روحه بسهولة، وذلك بأن يتفقد الإنسان الآلة التي يكون الذبح بها، وأن تكون حادة، وأن يتحقق من كونها تذبح بسهولة، فلا تكون كالة فيتعذب الحيوان عند ذبحه بها، بل يتفقد الإنسان تلك الآلة التي يكون بها الذبح وهي الشفرة أو السكين أو المدية، فيتحقق من كونها تقتل بسهولة، وأنه يحصل بها المطلوب بسهولة، لا أن تكون كالة يتعذب الحيوان بالذبح بها، ولا تخرج روحه بسهولة، فالمطلوب هو التفقد لتلك الآلة، وكون الإنسان يحدها بأن يجريها على الحديدة التي تجعلها حادة، وتجعلها تمضي عند الذبح بسهولة ويسر، بحيث لا يتعذب الحيوان عند الذبح.

كلام ابن رجب رحمه الله في شرحه لهذا الحديث

لـابن رجب رحمه الله كلام نفيس في شرحه لهذا الحديث، يقول رحمه الله: وهذا الحديث يدل على وجوب الإحسان في كل شيء من الأعمال، لكن إحسان كل شيء بحسبه، فالإحسان في الإتيان بالواجبات الظاهرة والباطنة الإتيان بها على وجه كمال واجباتها، فهذا القدر من الإحسان فيها واجب.

وأما الإحسان فيها باستكمال مستحباتها فليس بواجب، والإحسان في ترك المحرمات الانتهاء عنها، وترك ظاهرها وباطنها، كما قال تعالى: وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [الأنعام:120]، فهذا القدر من الإحسان فيها واجب، وأما الإحسان في الصبر على المقدورات فأن يأتي بالصبر عليها على وجه من غير تسخط ولا جزع، والإحسان الواجب في معاملة الخلق ومعاشرتهم: القيام بما أوجب الله من حقوق ذلك كله، والإحسان الواجب في ولاية الخلق وسياستهم القيام بواجبات الولاية كلها، والقدر الزائد على الواجب في ذلك كله إحسان ليس بواجب، والإحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب إزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها وأرجاها من غير زيادة في التعذيب فإنه إيلام لا حاجة إليه، وهذا النوع هو الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ولعله ذكره على سبيل المثال، أو لحاجته إلى بيانه في تلك الحال فقال: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)، والقتلة والذبحة بالكسر أي: الهيئة، والمعنى: أحسنوا هيئة الذبح وهيئة القتل، وهذا يدل على وجوب الإسراع في إزهاق النفوس التي يباح إزهاقها على أسهل الوجوه.

وقد حكى ابن حزم الإجماع على وجوب الإحسان في الذبيحة، وأسهل وجوه قتل الآدمي ضربه بالسيف على العنق، قال الله تعالى في حق الكفار: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ [محمد:4]، وقال تعالى: (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ [الأنفال:12] ، وقد قيل: إنه عين الموضع الذي يكون الضرب فيه أسهل على المقتول وهو فوق العظام دون الدماغ، ووصى دريد بن الصمة قاتله أن يقتله كذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية تغزو في سبيل الله قال لهم: (لا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً)، وخرج أبو داود وابن ماجة من حديث ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أخف الناس قتلة أهل الإيمان).

قال المعلق: حديث حسن رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد من حديث ابن مسعود ، وابن أبي شيبة وابن الجارود وابن أبي عاصم في السنة والبيهقي والطحاوي في شرح معاني الآثار وابن حبان ، ثم شرح قوله: (أخف الناس قتلة أهل الإيمان)، قال المناوي : هم أرحم الناس بخلق الله، وأشدهم بعداً عن التمثيل والتشويه بالمقتول وإطالة تعذيبه، وهذا من إجلالهم لخالقهم، وامتثال لما صدر عن صدر النبوة من قوله: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) بخلاف أهل الكفر وبعض أهل الفسوق ممن لم تذق قلوبهم حلاوة الإيمان، واكتفوا بمسماه بلقلقة اللسان، وأشربوا القسوة حتى أبعدوا عن الرحمن، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي: (ومن لا يرحم لا يرحم).

وفي طبعة أخرى قال المعلق: أخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجة وهو حديث ضعيف، وفي إسناده اختلاف. راجع العلل للدارقطني ، والسلسلة الضعيفة (1232) وسؤالات البردعي لـأبي زرعة ، وكتاب النافلة.

وعلى كل: المعنى صحيح، فأهل الإيمان هم أخف الناس قتلة؛ لأنهم متقيدون بأحكام الإسلام، لكن بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا يتوقف على صحته وثبوته، وأما من حيث المعنى فهو مستقيم.

الأسئلة

التوبة وتكفير الكبائر

السؤال: هل الاستغفار يكفر الكبائر؟

الجواب: يكفرها مع التوبة، أما بدون توبة والإصرار عليها، ويقول بلسانه: أستغفر الله، ولم يكن ذلك وصل إلى قلبه، وإنما جرى على لسانه فلا، فمع التوبة يكفرها، وإذا استغفر تائباً منيباً إلى الله عز وجل نادماً فالتوبة تجب ما قبلها، وأما كونه يجري على لسانه الاستغفار دون أن يكون تائباً، بل هو يفكر في الكبائر ونفسه متعلقة بها ولم يتب منها، فلا يكفرها قوله: أستغفر الله.

حكم التمثيل بالكفار إذا مثلوا بالمسلمين

السؤال: هل يجوز التمثيل بالكفار إذا كانوا هم فعلوا ذلك بالمسلمين عقاباً بالمثل؟

الجواب: كما هو معلوم أنه فيما بين المسلمين تجوز المقاصة بهذه الطريقة، أي: أن يقتل الإنسان كما قتل، فكون الكفار يعاملون معاملة حصلت منهم للمسلمين هذا أمر مطلوب، ولكن هذا إنما يكون إذا كان الأمر واضحاً، أي: إذا كان هذا الذي سيمثل به هو الذي مثل.

الفرق بين القتل حداً وتعزيراً

السؤال: ما الفرق بين القتل حداً والقتل تعزيراً؟

الجواب: القتل حداً: أن يكون القتل مبنياً على نص فيه أن هذا الفعل حكمه القتل، وذلك مثل الرجم فإنه حد بنص، وأما القتل تعزيراً: فهو كون الحاكم يرى أن المصلحة في قتل إنسان تعزيراً، كما جاء في حديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة، فإذا رؤي قتله تعزيراً فإن ذلك سائغ؛ لأنه جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حكم فصل الرأس عن الجسم عند ذبح البهيمة

السؤال: أحياناً عند ذبح الذبائح ينفصل الرأس عن الجسم مباشرة بسبب كون السكين حادة، فما الحكم في ذلك، لأن هناك من يقول: إن هذه الحالة تكون الذبيحة فيها حراماً؟

الجواب: قولهم: إنها بهذا تكون حراماً، ليس بصحيح، ولكن كون الإنسان يقطع الأوداج ويقطع العروق التي فيها الدم، ثم يلقيها حتى تموت وحتى تسكن حركتها ثم بعد ذلك يقطع أوصالها، هذا هو الأولى، وأما كونه قطع رأسها وكانت السكين حادة فانفصل الرأس فلا يقال: إنها لا تحل.

الفرق بين القتل والذبح

السؤال: ما الفرق بين القتل والذبح؟

الجواب: القتل هو قتل الإنسان، والذبح هو ذبح الحيوان؛ لأن قوله: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)، الذبح يكون في حيوان بين يدي الإنسان، وأما القتل فإنه يكون أيضاً للحيوان إذا كان صيداً بأن يرسل عليه السهم أو البندقية فيقتله، هذا يقال له: قتلاً وليس ذبحاً، وأما الذبح فهو كون الحيوان بين يديه يضجعه، ويوجهه إلى القبلة، ويمسك رأسه، ويضع رجله على صفحة عنقه، ويذبحه بحيث يقطع أوداجه .. إلخ، هذا هو الذبح، وأما قتل الإنسان فيقال له قتلاً، وكذلك قتل الصيد يقال له قتلاً، وكذلك الذي يند من الحيوان ولا يتمكن الناس من إمساكه فإنه يرمى ويقتل بتلك الطريقة؛ لأنه لم يتمكن من ذبحه بالطريقة المشروعة بحقه، ولهذا فرق بينهما فقال: (إذا قتلتم) أي: الإنسان (وإذا ذبحتم) أي: الحيوان، لكن من الحيوان ما يقتل كالصيد الذي يرمى ونحوه.

حكم من ذبح ونسي التسمية

السؤال: ما الحكم إذا نسي قول باسم الله عند الذبح والصيد؟

الجواب: لو نسي التسمية حلت الذبيحة، وهناك خلاف لكن الصحيح أنها تحل.

قتل القاتل بمثل ما قتل به

السؤال: قول الله عز وجل: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا [الإسراء:33]، هل تدل الآية على أن ولي المقتول هو الذي يقرر الطريقة التي يقتص بها من القاتل؟

الجواب: معلوم أن ولي الدم هو الذي يطالب بالقتل، ويتفق أولياء الدم على طلب القتل، ولو سمح واحد منهم وعفا عن القتل وتحول إلى الدية فإنه لا يقتل قصاصاً، وإذا كان القتل حصل بطريقة فيها تمثيل فإن الحكم الشرعي أنه يقتل بهذه الطريقة، سواء طلب ولي الدم أو لم يطلب، ما دام أن القتل حصل بهذه الطريقة فإنه يعامل بهذه المعاملة.

القصاص بالسيف

السؤال: نرى جميع حالات القصاص في هذه الأيام بالسيف وليس بالمثل، فهل القتل بالسيف يكون أهون وأسرع؟

الجواب: لا شك أنه أهون وأسرع، وغالباً أن القاتل إنما يقتل بالرمي ونحوه، لكنه إذا كان بأمر فيه تمثيل أو فيه إيذاء فإن الحكم الشرعي أنه يقتل بهذه الطريقة، لكنها ليست بلازمة، فلو رئي أنه يقتل بطريقة أخرى فيها سهولة فإن ذلك يصح، لكن كونه يعامل بمثل تلك المعاملة، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم باليهودي الذي رض رأس جارية بين حجرين، فأمر برض رأسه بين حجرين، وكذلك قصة العرنيين الذين مثلوا ومثل بهم.

القتل بالرصاص ليس تعذيباً بالنار

السؤال: هل القتل بالبندقية النارية يدخل في التعذيب بالنار؟

الجواب: إذا كان رماه في رأسه وأدى إلى إزهاق روحه في الحال فلا يقال: إنه من التعذيب بالنار، التعذيب بالنار يكون بأن يحرق، وأما كونه يرمى بشيء خرق رأسه ومات بسبب ذلك بسهولة، فهذا لا يقال: إنه تعذيب بالنار.

حكم ذبح الأعسر بيده الشمال

السؤال: أنا رجل أعسر -أي: أيسر- فهل لي أن أذبح أم الأولى أن يذبح غيري باليمين؟

الجواب: الأولى أن يذبح غيرك باليمين، وإن احتجت إلى ذلك وأنت تستطيع أن تذبح باليمين فلك ذلك، لكن ما دام أنه يوجد غيرك فالأولى أن يذبح شخص باليمين، وإن احتجت إلى أن تذبح فلك ذلك.

جواز القتل بالسيف وبالرمي

السؤال: متى يكون القتل بالسيف؟ ومتى يكون القتل بالرمي؟

الجواب: القتل بالسيف والقتل بالرمي كله فيه إزهاق للروح بسهولة، فأي واحد منهما حصل فإنه يحصل به المقصود.

ذبح خالد القسري للجعد بن درهم

السؤال: هل ما قام به خالد القسري من ذبحه للجعد بن ردهم موافق للشرع وكان فيه مصيباً؟

الجواب: هذا محمود في الشرع، كونه قتل مبتدعاً ينكر ما جاء في القرآن، ويقول: إن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، فإن هذا تخلص من شخص التخلص منه فيه الخير الكثير والمصلحة العظيمة للناس، ولهذا مدحوه وأثنوا عليه بهذا العمل، وابن القيم ذكر ذلك في نونيته وقال: إن هذا من أحسن القربات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل.

وبعض المغفلين في هذا الزمان يتباكى على قتل مثل هذا، ويقول: إن قتله كان سياسياً من أجل السياسة وليس من أجل البدعة؛ لأنه لا يريد أن يقتل أحداً من أجل البدعة، ولهذا يجعل ذلك سياسة.

حكم ذبح الشاة المصدومة إذا كان فيها حياة

السؤال: شاة صدمت بالسيارة وكادت أن تموت، فهل نتركها حتى تموت أو نتداركها بالذبح؟

الجواب: إذا كان الضرر لاحقاً بها، ولا يرجى أن تعيش، فكونها تذبح ولا تكون ميتة لا شك أن هذا أولى إذا كانت الإصابة بالغة، وأنها لو لم تذبح لماتت، وهذا مثلما جاء في القرآن عندما ذكر الله تعالى المحرمات فقال: وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3] أي: إلا ما أدركتموه وفيه حياة فذبحتموه فإنه يكون حلالاً، وإن خرجت روحه بتلك الضربة أو الصدمة أو السقطة إذا تردى من مكان عالٍ ولم يذبح فإنه يكون ميتة، لكن إن ذبحت في تلك الحال فإنها تكون حلالاً مباحة.

حكم توجيه الذبيحة إلى القبلة

السؤال: ذكر بعض العلماء أن توجيه الذبيحة إلى القبلة ليس من السنة فما رأيكم؟

الجواب: لا نعلم شيئاً يمنع من هذا.

حكم القتل بإعطاء القاتل حقنة حتى يموت

السؤال: ما حكم القتل بإعطاء القاتل حقنة حتى يموت؟

الجواب: إذا كانت هذه الحقنة لا تلحق به ضرراً، فهو من جنس القتل بالسيف؛ لأن هذا شيء جديد وطارئ.

توجيه تعذيب علي رضي الله عنه من غلوا فيه بالنار

السؤال: إذا كان لا يجوز التعذيب بالنار فلماذا عذب علي رضي الله عنه من غلو فيه بالنار؟

الجواب: لعله لم يبلغه ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك من المنع.

حكم معاملة الناس بالأخلاق الحسنة

السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (وخالق الناس بخلق حسن) هل هو على سبيل الاستحباب أو الوجوب؟

الجواب: لا شك أنه مطلوب من الإنسان أن يعامل الناس معاملة طيبة، ولكنه إذا كان يريد أن يعامله الناس بهذه المعاملة وهو يعاملهم بخلافها فإن الحديث الذي سبق أن مر بنا يدل على نفي الإيمان عنه، وهو نفي الكمال الواجب، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

درجة لفظ: (إن الله محسن فأحسنوا)

السؤال: حديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) جاء في بعض الطرق بلفظ: (إن الله محسن فأحسنوا)، فهل هذا ثابت؟ وهل فيه إثبات أن المحسن اسم لله عز وجل؟

الجواب: نعم جاء بلفظ: (إن الله محسن فأحسنوا)، وجاء أيضاً حديث بهذا عن أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما.

من الإحسان عدم حد السكين أمام الذبيحة وعدم ذبح أختها أمامها

السؤال: ذكر الإمام النووي في شرحه للأربعين: أن من الإحسان إلى الذبيحة ألا يحد السكين أمامها، ولا يذبح واحدة أمام الأخرى، فما صحة ذلك؟ وما الحكمة؟

الجواب: هذا صحيح؛ لأن هذا من تعذيبها، وفيه إيذاء لها، وكونها تذبح الثانية أمامها فإنها تتعذب بذلك وتتأذى به.

شرط تكفير الصغائر بالحسنات

السؤال: قوله في الحديث: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر)، هل معناه ما دام أنه قد اجتنب الكبائر، أو إلا الكبائر؟

الجواب: تكفير الصغائر مقيد باجتناب الكبائر، فإذا كان الإنسان مقترفاً للكبائر فلا يقال: إن الصغائر كفرت ما دام مصراً على الكبائر، ولكنها تكفر باجتناب الكبائر.

كيفية التعاون على اجتناب المعاصي

السؤال: قلتم: إن التقوى إذا قرنت بالبر تكون بمعنى اجتناب النواهي كما في قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، فكيف يكون التعاون على اجتناب النواهي أو المعاصي؟

الجواب: الإنسان يبتعد عن المعاصي بنفسه، وكذلك يرشد غيره إلى ذلك ويوصيه ويحذره، ويأمر وينهى غيره عن المنكر، وبذلك يكون التعاون على اجتناب المعاصي.

الحكم على حديث: (ما أصر من استغفر ..)

السؤال: حديث: (ما أصر من استغفر وإن عاد إلى الذنب في اليوم سبعين مرة) هل هو صحيح؟

الجواب: لعله مر بنا في سنن أبي داود ، وأظنه ليس بصحيح.

معنى أثر: (لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار)

السؤال: قال أهل العلم: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار، ما ضابط الإصرار على الصغائر؟

الجواب: هذا الأثر جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار).

وأحسن ما قيل في تعريف الكبيرة: أنها ما كان عليه حد في الدنيا، أو توعد عليه بلعنة أو غضب أو نار أو إحباط عمل أو ما إلى ذلك، وما لم يكن كذلك فهو من الصغائر، هذا هو أحسن ما قيل في التفريق بين الصغائر والكبائر.

أما معنى هذه الجملة: (لا كبيرة مع الاستغفار)، يعني: كون الإنسان يندم على الكبيرة ويتألم من حصولها، ويكون خائفاً وجلاً مشفقاً على نفسه من تبعتها، هذا يجعلها تتضاءل وتتلاشى حتى لا تكون كبيرة، وعلى العكس من ذلك الصغيرة التي يقترن معها من قلة الحياء من الله وقلة المبالاة، وأن الإنسان لا يبالي بها، فإنها تضخم وتكبر حتى تلتحق بالكبائر، وهذا هو معنى قوله ابن عباس رضي الله عنه: (لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار).

والإصرار: هو المداومة عليها، وكون الإنسان لا يستحي من الله عز وجل، وهو متعلق بها ومداوم عليها، وهذا يلحقها بالكبائر، فالكبيرة تتضاءل وتصغر مع الاستغفار، والصغيرة تضخم وتعظم مع قلة الحياء، وقلة المبالاة، وعدم الخوف من الله عز وجل.

الصغائر تكفر بفعل الحسنات

السؤال: هل يدل حديث: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) على أن الحسنات تمحو الصغائر وإن لم يتب منها صاحبها؟

الجواب: نعم، السيئات تمحى وإن لم يحصل منها توبة؛ لأن التي لابد لها من توبة هي الكبائر، والتوبة -كما هو معلوم- تجب كل شيء، وإذا جبت الكبائر فالصغائر من باب أولى.

حكم من سن سنة سيئة ثم تاب منها

السؤال: لو أن إنساناً سن سنة سيئة وعمل بها أناس من بعده، ثم تاب منها واستمر أولئك الناس على تلك السنة السيئة، فهل يكتب إثمها عليه؟

الجواب: الذي يظهر أنه إذا أتى بشيء منكر أو بضلالة ثم تاب منها؛ فإنه لا يكتب عليه عمل من عمل بها من بعده، ولكن عليه أن يوضح الحق، فكما حصل منه بيان الباطل الذي وفق للتوبة والسلامة منه فعليه أن يبين الحق ويوضحه، وأن يبين أنه رجع عن ذلك الباطل إلى ما هو حق، ولا يلحقه بعد ذلك ضرر.

حصول المقصود بالقصاص بالحقنة القاتلة

السؤال: إذا قلنا بجواز قتل القاتل بالحقنة، فكيف تتحقق مصلحة الارتداع والانزجار لغيره من الناس؛ إذ لم يروا شدة القتل بالسيف؟

الجواب: إذا كان سيقتل أمام الناس، فمعلوم أنه إذا حصل ذلك، وأخبروا بأنه حصل له القتل، فإنه يكون قد حصل المقصود، والناس إذا عرفوا أن الإنسان قتل وخرجت روحه، سواء كان بهذه الطريقة أو بتلك، المهم أنه مات، لكن قد يكون في هذه الطريقة تدليس على الناس، بأن يعملوا له حقنة تخديرية ثم يفيق بعد ذلك، فإذا كان في المسألة تغرير بالناس أو تلبيس عليهم، فإنه لا يحصل المقصود، لكن إذا كان المقصود قد تحقق بهذا الأمر، وأنه قد مات وذهبوا به إلى المقبرة ودفنوه، فإن ذلك يكون كافياً، والناس ينزجرون إذا سمعوا أن فلاناً مات، وأنه قضي عليه بأي طريقة.

حكم قتل نساء الكفار إذا كانوا يقتلون نساء المسلمين

السؤال: هل يجوز قتل نساء الكفار لأنهم يقتلون نساء المسلمين؟

الجواب: لا يجوز، إذا كان قد حصل من الكفار أنهم تجاوزوا الحدود وقتلوا صبيان ونساء المسلمين، فالمسلمون ممنوعون من قتل النساء والصبيان، إلا إذا كن النساء مقاتلات ومشاركات في الحرب فيقتلن إذا قاتلن.

حكم الاستمناء

السؤال: هل الاستمناء من الكبائر أو الصغائر؟

الجواب: لا شك أنه عدوان وإتيان بشيء خارج عما هو مشروع، والله تعالى يقول: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7]، فهو مستحق للوم وفيه عدوان، ولا أعرف نصوصاً أخرى تتعلق به، لكن هذه الآية واضحة في أنه من العدوان، وهو ليس بالأمر الهين؛ بل هو أمر خطير، والواجب على كل إنسان أن يحذره وأن يبتعد عنه.

حكم مصافحة النساء الأجنبيات

السؤال: هل مصافحة النساء الأجنبيات من الكبائر أو الصغائر، وكذلك القبلة؟

الشيخ: ورد في الحديث التعذيب بالنار لمن يفعل هذا، وأنه لو غرز في رأسه مخيط من نار خير له من أن يمس امرأة لا تحل له، وهذا يدل على أن أمره خطير؛ لأن هذا العمل أشد من أن يغرز في رأسه مخيط من نار، وهذا يدل على أنه من الكبائر.

أما القبلة فقد جاء في حديث الرجل الذي قبل امرأة أجنبية فأنزل الله: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، ولا شك أن القبلة أشد من المصافحة، وأنه يستحق العقوبة بأكثر من هذا.

حكم شرب الدخان

السؤال: هل شرب الدخان من الكبائر أم من الصغائر؟

الشيخ: لا شك أن النصوص جاءت بعمومها لتدل على تحريم شرب الدخان، وأنه أمر خطير، وكما هو معلوم أنه من الأشياء التي جدت وليس فيها نص خاص، وإنما النصوص العامة مثل كون الإنسان لا يقتل نفسه، وكونه من جملة الخبائث التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونه فيه إضاعة للمال، وإيذاء للناس برائحته الكريهة، فالواجب هو الحذر والابتعاد منه، سواء وصل إلى حد الكبيرة أو لم يصل.

معنى حديث: (من قال أستغفر الله غفر له ..)

السؤال: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له ما تقدم من ذنبه ولو فر من الزحف)، مع أحاديث أخرى تدل على أن الأذكار أو بعض الأفعال يكون بها الغفران ومحو الخطايا؟

الجواب: هذا يكون مع التوبة، وأما إذا كان بدون توبة فإنه لا يفيد شيئاً ولا يجدي شيئاً، ولكن من قالها تائباً وحصل منه هذا الكلام مع التوبة فلا شك أنه يغفر له.

من شرب الخمر ثم تاب فهل يحرم منها في الجنة

السؤال: هل شارب الخمر والمسكر في الدنيا يحرمه الله منها في الآخرة حتى ولو بعد التوبة؟

الجواب: ورد في الحديث أنه (من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة) لكن هل يعني ذلك المنع المؤبد والمطلق، أم أنه يعني المقيد في وقت من الأوقات؟ وقد ورد في بعض الأحاديث أن الجنة لا يدخلها من كان كذا، مثل: (لا يدخل الجنة قتات)، ومعلوم أنه يدخلها إذا لم يكن مشركاً بالله.

حكم قطع رأس الطير باليد من دون ذبح

السؤال: هل من الإحسان ما يحصل عند صيد الحمام بنزع رأسها كاملاً لأنه أسهل وأسرع وقتاً؟

الجواب: هذا ليس ذبحاً، كونه يمسك الرأس في يد، والجسم في يد ثم يفصل هذا عن هذا، فإن هذا ليس بذبح، إنما الذبح أن يأتي بالآلة الحادة التي يجريها على الحلق حتى يخرج الدم بهذه الطريقة.

الفرق بين التوبة والاستغفار

السؤال: ما الفرق بين الاستغفار والتوبة؟

الجواب: التوبة: أن يقلع عن الذنب ويندم عليه ويحرص على أن لا يعود، وأما الاستغفار فكونه يقول: أستغفر الله عز وجل، فإذا قال: أستغفر الله، وقد تاب من ذنبه وندم عليه، فإنه يكون بذلك حصل له مقصوده من السلامة من الذنوب والخروج من تبعتها.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الأربعين النووية [20] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net