إسلام ويب

في هذا اللقاء تفسير ما تبقى من سورة الانشقاق، حيث تحدثت الآيات عن الإنسان وكفره بالله عز وجل، كما تحدثت الآيات عن خلق الإنسان وبيان الشيء الذي خلق منه وكيف أن الله تعالى أماته ثم أكرمه بالدفن في الأرض؛ لأن الإنسان أفضل مخلوق على وجه الأرض، فلذلك أكرمه بأن دفنه فيها، واستمر الشيخ في تفسيره للآيات حتى آخر السورة، ثم أجاب على الأسئلة.

تفسير آيات من سورة عبس

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعــد:

فهذا هو اللقاء الثاني من شهر رجب عام (1413هـ) وهو يوم الخميس الذي اعتدنا اللقاء فيه بالإخوان، وكان من عادتنا أن نقدم بين يدي الأسئلة تفسيراً موجزاً ابتدأنا فيه من سورة النبأ، واخترنا هذا الجزء من القرآن الكريم؛ لأنه يتكرر كثيراً على العامة في الصلوات، وكان منتهى ما تكلمنا عليه قوله تعالى: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس:15-16].

تفسير قوله تعالى: (قتل الإنسان ما أكفره)

ثم قال جل وعلا: قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ [عبس:17] (قتل) تأتي في القرآن كثيراً، فمن العلماء من يقول: إن معناها (لعن)، والذي يظهر أن معناها: أُهلك؛ لأن القتل يكون به الهلاك وهو أسلوبٌ تستعمله العرب في تقبيح ما كان عليه صاحبه، فيقولون -مثلاً-: قُتل فلان ما أسوأ خُلقه، قُتل فلان ما أخبثه، وما أشبه ذلك.

وقوله تعالى: قُتِلَ الإِنْسَانُ [عبس:17] قال بعض العلماء: المراد بالإنسان هنا الكافر خاصة وليس كل إنسان؛ لقوله فيما بعد: مَا أَكْفَرَهُ [عبس:17] ويحتمل أن يكون المراد بالإنسان الجنس؛ لأن أكثر بني آدم كفار كما ثبت في الحديث الصحيح: (أن الله يقول: يا آدم -يقول ذلك يوم القيامة- فيقول: لبيك وسعديك، فيقول له الله عز وجل: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، فيقول: يا ربِّ! وما بعث النار، فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كلهم في النار وواحد من الألف في الجنة) فيكون المراد بالإنسان هنا الجنس ويخرج المؤمن من ذلك لما دلت عليه النصوص الأخرى.

وقوله: مَا أَكْفَرَهُ [عبس:17] قال بعض العلماء: إن (ما) هنا استفهام، أي: أي شيء أكفره؟ ما الذي حمله على الكفر؟

وقال بعض العلماء: إن هذا من باب التعجب يعني: ما أعظم كفره! وإنما كان كفره -أي: كفر الإنسان- عظيماً؛ لأن الله أعطاه عقلاً، وأرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وأمده بكل ما يحتاج معه إلى التصديق، ومع ذلك كفر فيكون كفره عظيماً.

والفرق بين القولين: أنه على القول الأول تكون (ما) استفهامية أي: ما الذي أكفره؟

وعلى القول الثاني: تكون تعجبية، يعني: عجباً له، كيف كفر مع أن كل شيء متوفر لديه في بيان الحق والهدى؟!

والكفر هنا يشمل كل أنواع الكفر، ومنه: إنكار البعث، فإن كثيراً من الكفار كذبوا بالبعث، وقالوا: لا يمكن أن يبعث الناس بعد أن صارت عظامهم رميماً، كما قال تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78].

تفسير قوله تعالى: (من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره)

قال تعالى: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [عبس:18] استفهام تقرير لما يأتي بعده في قوله: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ [عبس:19] أي: أنت أيها الإنسان! كيف تكفر بالبعث؟ من أي شيء خلقت؟! ألم تخلق من العدم؟ لم تكن شيئاً مذكوراً من قبل فوجدت وصرت إنساناً، فكيف تكفر بالبعث؟ ولهذا قال: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ [عبس:19] والنطفة هي في الأصل: الماء القليل، والمراد به هنا ماء الرجل الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب، يلقيه الرجل في رحم المرأة فتحمل مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ [عبس:19] أي: جعله مقدراً أطواراً، نطفة، ثم علقة، ثم مضغة كما جاء في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق، فقال: (إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).

فهو مقدر في بطن أمه، من الذي يقدره هذا التقدير؟ من الذي يوصل إليه ما ينمو به من الدم الذي يتصل به بواسطة السرة إلا الله عز وجل؟ ولهذا قال: فَقَدَّرَهُ [عبس:19].

تفسير قوله تعالى: (ثم السبيل يسره)

قال تعالى: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ [عبس:20] (السبيل) هنا بمعنى الطريق، أي: يسر له الطريق ليخرج من بطن أمه إلى عالم المشاهدة، ويسر له -أيضاً- بعد ذلك ما ذكره تعالى في قوله: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10] يسر له ثديي أمه يتغذى بهما، ويسر له بعد ذلك ما فتح له من خزائن الرزق، ويسر له فوق هذا كله ما هو أهم وهو طريق الهدى والفلاح، وذلك بما أرسل إليه من الرسالات وأنزل عليه من الكتب.

تفسير قوله تعالى: (ثم أماته فأقبره)

ثم قال تعالى: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عبس:21] والموت مفارقة الروح للبدن، (وأقبره) أي: جعله في قبره، أي: مدفوناً ستراً عليه وإكراماً واحتراماً؛ لأن البشر لو كانوا إذا ماتوا كسائر الميتات، جثثاً ترمى في الزبائل لكان في ذلك إهانة عظيمة للميت ولأهل الميت، لكن من نعمة الله سبحانه وتعالى أن شرع لعباده هذا الدفن، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: فَأَقْبَرَهُ [عبس:21] قال: [أكرمه بدفنه].

تفسير قوله تعالى: (ثم إذا شاء أنشره، كلا لما يقض ما أمره..)

قال تعالى: ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ [عبس:22] إذا شاء الله عز وجل (أنشره) أي: بعثه يوم النشور ليجازيه على عمله، فهو لا يعجزه عز وجل أن ينشره ولكن لم يأتِ أمر الله بعد، ولهذا قال: كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ [عبس:23] (لما) بمعنى: (لم) ولكنها تفارقها في بعض الأشياء، والمعنى: أن الله تعالى لم يقض ما أمر به كوناً وقدراً، أي: أن الأمر لم يتم لإنشار هذا الميت، بل له موعدٌ منتظر، وفي هذا ردٌ على المكذبين بالبعث الذين يقولون: لو كان البعث حقاً لوجدنا آباءنا الآن، وهذا القول منهم تحدٍّ مكذوب؛ لأن الرسل لم تقل لهم: إنكم تبعثون الآن، ولكنهم قالوا لهم: إنكم تبعثون جميعاً بعد أن تموتوا جميعاً.

تفسير قوله تعالى: (فلينظر الإنسان إلى طعامه...)

ثم قال عز وجل مذكراً الإنسان بما أنعم عليه: فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً [عبس:24-25] أي: فلينظر إلى طعامه من أين جاء؟ ومن جاء به؟ وهل أحد خلقه غير الله؟

وينبغي للإنسان أن يتذكر عند هذه الآية قول الله تبارك وتعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ [الواقعة:63-67] من الذي زرع هذا الزرع حتى استوى؟ ويسر الحصول عليه حتى كان طعاماً لنا؟ هو الله عز وجل، ولهذا قال: (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً) بعد أن نخرجه نحطمه حتى لا تنتفعوا به: أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ [الواقعة:68-70] وهنا يقول: فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ [عبس:24] من أين جاءه، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً [عبس:25] أي: من السحاب ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً [عبس:26] بعد نزول المطر عليها تتشقق بالنبات: فَأَنْبَتْنَا فِيهَا [عبس:27] أي: في الأرض حَبَّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً [عبس:27-31] أنبتنا فيها حباً كالبر والأرز والذرة والشعير وغير ذلك من الحبوب الكثيرة (وَعِنَباً) معروف، (وَقَضْباً) قيل: إنه القتّ وهو معروف، (وَزَيْتُوناً) معروف (وَنَخْلاً) كذلك.

(وَحَدَائِقَ غُلْباً) الحدائق جمعها حديقة، و(الغلب) كثيرة الأشجار، و(فاكهةً) أي: ما يتفكه به الإنسان من أنواع الفواكه، (وَأَبّاً) الأب نبات معروف عند العرب ترعاه الإبل مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ [عبس:32] أي: أننا فعلنا ذلك متعة لكم يقوم بها عودكم وتتمتعوا بها أيضاً بالتفكه بهذه النعم.

تفسير قوله تعالى: (فإذا جاءت الصاخة ...)

ثم لما ذكر الإنسان بحاله منذ خُلق من نطفة حتى بقي في الدنيا وعاش ذكر حاله الأخيرة في قوله: فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ [عبس:33] أي: الصيحة العظيمة التي تصخ الآذان، وهذا هو يوم القيامة يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:34-36] (من أخيه) شقيقه أو لأبيه أو لأمه (وأمه وأبيه) الأم والأب المباشر والأجداد -أيضاً- والجدات، يفر هؤلاء كلهم (وصاحبته) أي: زوجته (وبنيه) وهم أقرب الناس إليه وأحب الناس إليه يفر من من هؤلاء كلهم.

قال أهل العلم: يفر منهم لئلا يطالبوه بما فرط به في حقهم من أدب وغيره؛ لأن كل شخص في ذلك اليوم لا يحب أبداً أن يقوم له أحدٌ يطالبه بشيء: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37] كل إنسان مشتغلٌ بنفسه لا ينظر إلى غيره، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، قالت عائشة: واسوأتاه يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: الأمر أعظم من أن ينظر بعضهم إلى بعض).

تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذٍ مسفرة)

ثم قسم الله الناس في ذلك اليوم قسمين فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ [عبس:38-39] (مسفرة) من الإسفار وهو الوضوح؛ لأنها وجوه المؤمنين تسفر عما في قلوبهم من السرور والانشراح (ضَاحِكَةٌ) أي: متبسمة، وهذا من كمال سرورهم (مُسْتَبْشِرَةٌ) أي: قد بشرت بالخير؛ لأنها تتلقاهم الملائكة بالبشرى يقولون: سلام عليكم وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ [عبس:40] أي: يوم القيامة عَلَيْهَا غَبَرَةٌ [عبس:40] أي: شيء كالغبار؛ لأنها ذميمة قبيحة تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ [عبس:41] أي: ظلمة أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس:42] الذين جمعوا بين الكفر والفجور.

نسأل الله العافية، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن تكون وجوههم مسفرة ضاحكة مستبشرة.

هذا الكلام الذي نتكلم به عن هذه الآيات لا نريد به البسط، ولكن نريد به التوضيح المقرب للمعنى لكثرة قراءتها في الصلوات والاستماع إليها خلف الأئمة، ونسأل الله أن يجعل فيه فتحاً مبيناً لنا ولكم، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الأسئلة

حكم اختلاف نية المأموم عن نية الإمام في الصلاة

السؤال: ما رأي فضيلتكم عند إقامة الصلاة للمسافرين إذا أدوا فريضة المغرب وأرادوا أن يؤدوا فريضة العشاء وإذا بجماعة أخرى دخلت المسجد لأداء الفريضة، هل يصلون المغرب بنية العشاء أم يقيمون جماعة منفصلة؟

الشيخ: أولاً: الجمع الذي ذكرت أن المسافرين يصلون الراتبة والمسافر ليس عليه راتبة، ولا ينبغي أن يصلي الراتبة.

السائل: يريدن أن يصلوا المغرب وجاءوا وقت العشاء لأنهم نووا جمع تأخير.

الشيخ: المهم أنه ما فيه راتبة.

السائل: نعم.

الجواب: هؤلاء الجماعة جمعوا جمع تأخير، ثم لما صلوا المغرب حضرت جماعة تريد صلاة المغرب: الذي ينبغي أن الجماعة التي حضرت هم الذين يصلون وراء الجماعة الأولى، فتقيم الأولى صلاة العشاء وتدخل معهم الجماعة الثانية بنية المغرب، فإذا سلمت الجماعة الأولى من صلاة العشاء -وهي ركعتان- قام هؤلاء فأتموا صلاة المغرب، هذا أولى؛ لأن هؤلاء أسبق من المتأخرين؛ ولأن هؤلاء إذا كان إمامهم هو الذي يصلي بهم جميعاً لم تختل صلاة المغرب بالنسبة للآخرين، لكن لو أن المتأخرين هم الذين صلوا بهؤلاء جماعة اختلت صلاة العشاء في حقهم، فالأولى أن يكون الإمام من الجماعة الأولى الذين يريدون أن يصلوا صلاة المغرب.

السائل: لو أدوا المغرب والعشاء جماعة وهناك جماعة يصلون العشاء في نفس الوقت هل يجوز أم لا؟

الشيخ: إمامة الجماعتان في مسجد واحد في آن وا حد هذا خلاف السنة، وخلاف الاجتماع، بل عده بعض العلماء من البدع، فالذي ينبغي أن يجتمعوا جماعة واحدة، والأولى أن تكون الجماعة مؤتمة بإمام الجماعة الأولى.

السائل: لو دخلوا والإمام يصلي المغرب وهم مسافرون وقد أدوا صلاة المغرب ويريدون أن يصلوا العشاء هل يأتون بأربع لأنهم يريدون أن يقصروا.

الشيخ: الجماعة الذين دخلوا معهم وهم يصلون المغرب؟

السائل: صلوا المغرب وتبقى لهم صلاة العشاء.

الشيخ: الجماعة الثانية باقي لها العشاء فقط؟

السائل: نعم.

الشيخ: دخلوا بنية صلاة العشاء مع هؤلاء الذين يصلون المغرب.

السائل: نعم.

الشيخ: الإمام نيتة المغرب، وهؤلاء نيتهم العشاء، وأدركوا مع الإمام صلاة المغرب أليس كذلك؟

السائل: نعم.

الشيخ: إذا صلوا مع الإمام صلاة المغرب ثلاثاً وسلم قاموا فأتوا ركعة واحدة فصارت صلاة العشاء متممة.

السائل: هل يسلمون على ركعتين لأنهم مسافرون؟

الشيخ: لا. ما ينفع أن يسلموا، لكن إن شاءوا جلسوا إذا قام، وإن شاءوا أتموا معه، فإذا سلم أتوا بركعة.

معنى حديث: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ...)

السؤال: أرجو توضيح حديث الرجل الذي كان يعمل بعمل أهل الجنة ثم ختم له بعمل أهل النار؛ لأن بعض الإخوة كان من أهل الالتزام والاستقامة ثم قبل وفاته بشهر تقريباً انتكس ثم مات؟

الجواب: الحديث هو حديث ابن مسعود : (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) حديث صحيح.

ولكنه قد ورد تقييده بالنسبة لمن يعمل بعمل أهل الجنة فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، ورد تقييده بأنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وذلك فيما رواه البخاري في قصة الرجل الذي كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لا يدع شاذة ولا فاذة للعدو إلا قضى عليها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن هذا من أهل النار، فعظم ذلك على الصحابة وكبر عليهم، كيف يكون هذا المجاهد البطل من أهل النار؟! فقال أحد الصحابة: والله لألزمنه -أي: ألازمه حتى أنظر ماذا تكون العاقبة- فيقول: فتابعته حتى أصابه سهم من العدو فجزع، فأخذ بسيفه وجعله على صدره واتكأ عليه حتى خرج من ظهره فمات، فجاء الرجل الذي كان ملازماً له إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: ولم؟ قال: إن الرجل الذي قلت: إنه من أهل النار فعل كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) فهذا الحديث يقيد حديث ابن مسعود يعني: أنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، إلى أن يقرب أجله ثم يعمل بعمل أهل النار، ولهذا ينبغي للإنسان دائماً أن يسأل الله تعالى الثبات وحسن الخاتمة، وألا يغتر بعمله الذي هو عليه الآن؛ لأن هذا العمل قد يختلف عند الوفاة، فالأمر شديد عظيم. نسأل الله عز وجل أن يحسن لنا ولكم الخاتمة.

السائل: هل يجب الحذر من النفاق والرياء؛ لأنه يدخل في هذا؟

الشيخ: نعم. المنافق يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدوا للناس وهو من أهل النار، وكذلك المرائي، ولذلك يجب الحذر من النفاق والرياء بحيث يراجع الإنسان قلبه دائماً ويتجنب آيات المنافق التي حدثنا بها النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) يتجنب هذا كله.

حكم دخول المأموم الذي لم يصل المغرب مع الإمام في صلاة العشاء

السائل: بعض الأحيان في صلاة المسافر مع المقيم من حيث الترتيب مثل أن يدخل المسافر مع المقيم صلاة العشاء وهو لم يصل المغرب، هل يقدم العشاء على المغرب إذا دخل مع الإمام؟ ما هو الحكم؟

الشيخ: الحكم ليس كما قلت، إذا جاء الإنسان والإمام في صلاة العشاء، وهو لم يصل صلاة المغرب، ودخل مع الإمام بنية المغرب فليستمر مع الإمام.

السائل: يعني بصلاة العشاء؟

الشيخ: الإمام يصلي العشاء والمأموم يصلي معه، يستمر معه، فإذا أتم المأموم ثلاثاً جلس وقرأ التشهد وسلم ودخل مع الإمام فيما بقي للإمام من صلاة العشاء، هذا إذا دخل مع الإمام من أول الصلاة.

أما إذا دخل مع الإمام من الركعة الثانية فلا إشكال، إذا دخل مع الإمام في الركعة الثانية ونوى المغرب فليستمر مع الإمام ويسلم معه ولا إشكال هنا.

وبقي مسألة التشهد وليس فيها إشكال، التشهد يفوت حتى في صلاة الظهر، لو دخلت مع الإمام في صلاة الظهر في الركعة الثانية فإنه سوف تتشهد في ركعتك الأولى وتترك التشهد في ركعتك الثانية، يعني الإمام سوف يقوم إلى الرابعة.

السائل: بعض الناس يفتي أنه يدخل مع الإمام بأن يصلي العشاء ثم يصلي المغرب؟

الشيخ: نعم. بعض العلماء يرى هذا أنك تدخل مع الإمام بنية الإمام، أي: بنية العشاء، وإذا انتهيت تصلي المغرب.

السائل: والراجح يا شيخ؟

الشيخ: الراجح الأول من أجل الترتيب.

حكم كشف الزوجة لوجهها أمام زوج أم زوجها

السؤال: رجل تزوج بامرأة، فهل يحق للمرأة أن تكشف لزوج أمه؟

الجواب: إذا تزوج الرجل بامرأة صار جميع أصوله محرماً لها، فزوج أمه إذا كانت المرأة التي تزوجها، إذا كان جده من جهة أمه فإنها تكشف وجهها له، أما إذا كان زوج أمه والبنت من غير هذه المرأة، فإنها لا تكشف له، لأنه ليس محرماً لها.

حكم إتيان الإمام براتبه الفجر مع تأخره عن الناس

السؤال: فضيلة الشيخ! إمام أتى إلى المسجد متأخراً في صلاة الفجر، والجماعة ينتظرون الصلاة، هل من الأفضل أن يأمر بإقامة الصلاة أو يصلي ركعتين الراتبة ثم يقيم الصلاة؟

الجواب: إذا كان يشق على المأمومين لو صلى ركعتين، فالأفضل أن يصلي بالناس ثم يصلي الركعتين بعد ذلك، وإذا كان لا يشق -كما هو الغالب- فإنه يصلي ركعتين أولاً لأنهم إذا رأوه قد حضر سهل عليهم الأمر.

الآيات الأولى من سورة الغاشية وحديث: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة...)

السؤال: فضيلة الشيخ! يقول الله تبارك وتعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً [الغاشية:1-4] كيف تعمل هذه الوجوه وتنصب ثم في الآخرة تصلى ناراً حامية، وهل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) موافق لهذه الآية؟

الجواب: هذه الوجوه خشوعها وعملها ليس في الدنيا، هذا يوم القيامة؛ لأن الله قال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ [الغاشية:2] أي: يومئذ تأتي غاشية خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ [الغاشية:2-3] وكذلك قوله: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [الشورى:45] فهذا يكون يوم القيامة وليس في الدنيا، وعاملة عملاً لا تعرف ما هو العمل الذي تكلف به يوم القيامة، وناصبة من النصب الذي هو التعب.

حكم الحلف بالطلاق

السؤال: رجل تزوج امرأة وفي ساعة غضب بينه وبين أمه، والأم دائماً في شجار مع زوجته، فأقسم بالطلاق ألا تبقى زوجته في هذا البيت في هذا اليوم، فهل تحسب طلقة؟

الجواب: لا. هذا ليس بطلاق، هذا يمين؛ لأن مراده بقوله: عليَّ الطلاق توكيد منه بعدم المبيت.

السائل: حلف ثم باتت في البيت.

الشيخ: إذ حلف فعليه كفارة يمين بإطعام عشرة مساكين، وليس عليه طلاق.

السائل: لا تحسب طلقة؟

الشيخ: لا تحسب طلقة؛ لأن هذا يمين، نعم لو قال: أنا أردت الطلاق وما قصدي بذلك التأكيد قلنا: تطلق. لكنه أراد التأكيد.

حكم تعليق التمائم

السؤال: قرأت في كتاب التوحيد في باب ما جاء في الرقى والتمائم إذا كان المعلق من القرآن رخص فيه بعض السلف وبعضهم لم يرخص، ويجعله من المنهي عنه، منهم: ابن مسعود رضي الله عنه، وعن إبراهيم قال: [كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن] ولكن هذا قول إبراهيم وقول ابن مسعود رضي الله عنه وهو بسندٍ ضعيف أو صحيح.

سؤالي: أولاً: في أي كتاب وجدت أقوال السلف الذين لم يرخصوا.

ثانياً: وما حكمهما عندهم: هل هو شرك أو بدعةٌ أو مكروه كما في مسند أبي الجعد عن إبراهيم قال: [كانوا يطلبون الشيء ولا يحرمونه].

ثالثاً: وما علة النهي، هل أنهم يدخلون به الخلاء أم عندكم علةٌ أخرى، كما قال ابن مسعود وإبراهيم في مصنف ابن أبي شيبة؟

الجواب: التمائم هي ما يعلق على الإنسان المريض ليشفى من المرض أو يعلق على الإنسان الصحيح ليتقى به العين، وإن كان مريض يعلقها لكي يشفى ويزول المرض، أو صحيح ليس بمريض لكن يعلقها لئلا تصيبه العين (الحسد)، هذه التمائم لا تخرج عن حالات ثلاث:

الحالة الأولى: أن يكتب فيها شرك وطلاسم، فهذه حرام بالاتفاق؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً) فكيف بالتمائم؟ التمائم أشد.

الحالة الثانية: ألا نعرف ما المكتوب فيها، فهذه أيضاً حرام؛ وذلك لأنه قد يكتب فيها شيء من الشرك من دعاء الجن أو الشياطين أو غير ذلك فتكون حراماً.

الحالة الثالثة: أن نعلم أن المكتوب فيها من القرآن أو من الأدعية النبوية، فهذه فيها خلاف بين السلف والخلف، فمنهم من أجازها مستدلاً بعموم قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82] فيقول: (ما هو شفاء) مطلق للمبين، فكل شيءٍ من القرآن يستشفي به الإنسان ويشفى فهو حق وأجاز ذلك، ومنهم من منعها وقال: إنها مكروهة كراهة تحريم أو كراهة تنزيه؛ لعموم النهي عن التمائم (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) فتكون ممنوعة، فمنهم من قال: إنها كراهة تنزيه، ومنهم من قال: إنها كراهة تحريم، ولا شك أننا إذا جعلناها قسماً من الشرك فإنها تكون محرمة؛ لأن الشرك محرم صغيره وكبيره، ووجه ذلك: أن الإنسان إذا علقها تعلق قلبه بها ونسي القراءة المشروعة والتعوذات المشروعة، بل وربما يتعلق قلبه بها تعلقاً تاماً ينسى بها الخالق، ولهذا جاء النهي عنها.

وأما الكراهة في قول النخعي: كانوا يكرهون، فالكراهة في العرف السابق في سلف هذه الأمة للتحريم إلا إذا صرحوا بأنها كراهه تنزيه.

أما الكراهة عند المتأخرين بعد أن كتبوا في أصول الفقه وألفوا وفرعوا وأكثروا، فإن الكراهة عندهم للتنزيه وليست للتحريم.

والذي أرى في التمائم المكتوبة من القرآن أن تجنبها أولى ولكنها ليست حراماً.

السائل: ولكن أريد أقوال السلف الذين لم يرخصوا في أي كتاب؟

الشيخ: الذين لم يرخصوا بذلك؟

السائل: نعم.

الشيخ: هذا أثر ابن مسعود.

السائل: هل هو بإسناد ضعيف؟

الشيخ: إسناده ضعيف، لكن متنه قوي من حيث عموم (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) .

السائل: أي أنه فقط أصل ظاهر؟

الشيخ: الأصل أن المتن هذا يقوى بالأحاديث، ويجب أن تعلم أنه قد يكون السند صحيحاً والمتن ضعيفاً، وقد يكون المتن قوياً والسند صحيحاً، ومن ثم اشترط العلماء -علماء مصطلح الحديث- لصحة الحديث ألا يكون الحديث معللاً ولا شاذاً، فإن كان معللاً بعلة قادحة أو شاذاً فإنه مردود ولو كان سنده صحيحاً، واعتبروا الشواهد فيما إذا كان السند ضعيفاً أو المتن، وأنه إذا جاءت شواهد تؤيد هذا الشيء فإنه يكون صحيحاً ولو كان سنده ضعيفاً.

السائل: ولكن لما قال: إن بعضهم لم يرخص، أين البعض؟ هل البعض ابن مسعود رضي الله عنه أم غيره؟

الشيخ: ابن مسعود أو غيره، والذي نقل هذا -أن بعضهم لم يرخص- هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وهو ثقة، وعلينا نحن الآن إذا قال بعضهم: علينا أن نبحث وأن ننظر في كتب الآثار كـالمصنف لـعبد الرزاق وابن أبي شيبه وغيرهما.

السائل: قرأت في مصنف ابن أبي شيبة فما وجدت غير قول ابن مسعود رضي الله عنه فقط...

الشيخ: لكن هناك مصنفات أخرى غير مصنف ابن أبي شيبة، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ثقة.

توضيح حديث: (ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة ...)

السؤال: في الحديث: (ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة) هل هم دائمون في النار أو أنهم من فرق الضلالة من المسلمين؟

الجواب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) لا يعني أنها كلها مخلدة في النار؛ بل تبتدع بدعة توجب التخليد في النار أو بدعة يستحق بها العبد أن يدخل بها النار ولكنه لا يخلد فيها، فكون حاله حسب البدعة التي ارتكبها وخالف فيها ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

السائل: وواحدة في الجنة، أي: لا يدخل رجل من الفرقة الناجية النار؟

الجواب: قد يدخل في النار وإن دخل لم يخلد فيها.

السائل: كيف نفهم هذا؟

الشيخ: نقول -مثلاً- الناس أربعة أقسام:

أولاً: مبتدع خالص ليس عنده سنة إطلاقاً، فهذا مخلد في النار ولا إشكال فيه.

ثانيا: مبتدع مختلط، فهذا يستحق أن يدخل النار ولكنه لا يخلد فيها.

ثالثاً: سني خالص، فهذا يدخل الجنة ولا يستحق أن يدخل النار وإن دخلها بمعاص أخرى لم يخلد فيها.

رابعاً: سني مختلط وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً [التوبة:102] فهذا يستحق أن يدخل النار ولكنه لا يخلد.

حكم الصلاة في الدوائر الحكومية وفي جماعات متفرقة

السؤال: في أحد الدوائر الحكومية أو في مكانٍ ما يوجد مكان للصلاة يصلي فيها أغلبهم ولكن توجد بعض الفئات يصلون منفردين جماعات؟

الجواب: أولاً: نسأل هذه الدوائر الحكومية: هل يمكن أن تخرجوا إلى المساجد القريبة حولهم أم لا؟

إذا كان يمكن أن تخرج إلى المساجد القريبة حولهم دون أن يعطلوا العمل فإنه يجب عليهم أن يصلوا في المسجد؛ لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجماعة يجب أن تكون في المساجد، وإن كان بعض العلماء يقول: الواجب الجماعة سواء كان في المسجد أو في البيت أو في المكتب، وإذا كان لا يمكن أن يخرجوا إلى المسجد لبعدها أو يخشى أنهم إذا خرجوا إلى المسجد تفرقوا أو تلاعبوا كما يوجد من بعضهم إذا خرج ذهب إلى بيته ولم يرجع، أو إذا خرجوا تعطل العمل لكون العمل كثيفاً يختل إذا خرجوا إلى المسجد؛ فإنهم يصلون في الدائرة في هذه الحال؛ لأن المحافظة على الوظيفة واجب لا يجوز الإخلال به، وإذا قلنا: إنهم يصلون في الدائرة فالواجب أن يجتمعوا جميعاً على إمام واحد إذا أمكن، فإن لم يمكن صلى كل دور في دوره، يجتمع أهل الدور الواحد في مكان واحد ويصلون.

السائل: يوجد مكان متسع مخصص يصلون فيه؟

الشيخ: نعم مكان واسع يصلون فيه.

السائل: لكن بعض الأفراد خمسة أو ستة يصلون لمفردهم؟

الشيخ: هذا لا يجوز ويجب أن يصلوا جميعاً.

السائل: بعضهم يشتكي ويتعلل برائحة الشراب فبعض الطلاب رائحة شرابه مؤذية؟

الشيخ: كل هذا تحجر وتعلل غير صحيح، الشُراب حتى لو كان على الإنسان شُراب ولو لم يخلعها، ولو كان شرابه حين دخل غير نظيفة فإنها لا تصل إلى حد أن ينفر الناس منه؛ لأن القدم في الغالب لا يكون فيها عرق مؤذٍ، لكن هؤلاء يتحججون بكل شيء، فيقال: إذا كان عندك طالب رائحة جواربه مؤذية فاذهب إلى الجهة الأخرى.

السائل: سألني بعضهم فأفتيته بأنه يجوز أن يصلوا منفردين؟

الشيخ: لا نفتي أنه يجوز أن تتعدد الجماعات في آن واحد.

السؤال: هل يوجد تحديد للمسافة من بيته إلى المسجد؟

الجواب: المسافة ليس فيها تحديد شرعي وإنما يحدد ذلك العرف.

حكم جمع الصلاة بنية السفر قبل بدء السفر

السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم جمع الصلاة بنية السفر قبل الخروج من البنيان؟

الجواب: الجمع بين الصلاتين للمسافر سنة إذا كان يسير في البر، وجائز إذا كان نازلاً في البر، أما قبل أن يسافر من بلده فإنه لا يحل له أن يجمع؛ لأن سبب جمعه هو السفر ولم يبدأ به الآن، فلا يجوز أن يجمع إلا إذا خرج من البلد، كما أنه لا يجوز أن يقصر، فلو قال: إني عازم على السفر أصلي الرباعية ركعتين وأخرج؟ قلنا: لا يجوز.

حكم صلاة الإمام الذي تذكر أنه على غير وضوء وحكم صلاة المأمومين

السؤال: نحن شباب من رفحة جئنا لزيارة بعض المشايخ، ونخبركم أن أهل رفحة يسلمون عليكم وعلى جميع الشباب، ونخبركم أن الدعوة ماضية، ويقولون: نحن نحبك في الله ونتقرب بحبك إلى الله، والسؤال يا شيخ! إذا أم إنسان جماعة وتذكر وهو في الصلاة أنه على غير وضوء ولم ينتقض وضوءه في الصلاة فهل تبطل صلاته لوحده أم الجماعة؟

الجواب: نحن أولاً نود أن تقرئ إخواننا في رفحة السلام، ونخبرهم بأننا نسأل الله لهم الثبات على ما بشرتنا به من الاستقامة والدعوة، وأوصيهم أولاً بتقوى الله عز وجل، وبإخلاص النية، وبالتأني والصبر، وألا يملوا من القيام بالعمل الصالح، وألا يسأموا من الدعوة إلى الله ولو نالهم ما ينالهم من الأذى، ولكن ليكن هذا بالرفق، وانشراح الصدر، وانبساط الوجه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الله يعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف) وهذا شيء أخبر به المعصوم عليه الصلاة والسلام وصدقه الواقع، فكثيرٌ من الشباب الذين مَنَّ الله عليهم بالهداية والاستقامة يريدون من الناس أن يستقيموا بين عشية وضحاها! فتجد صدورهم تضيق إذا رأوا من الناس عدم القبول، وربما يغضبون على من دعوهم وربما يشتمونهم أو يصفونهم بالضلال أو ما أشبه ذلك، وكل هذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وتعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في مكة ثلاث عشرة سنة ينزل عليه الوحي ولم يجد الاستجابة التامة، بل اضطر إلى أن يخرج من مكة مهاجراً إلى المدينة، فعليهم بتقوى الله عز وجل والتأني في الأمور، والصبر، وانتظار الفرج، واحتساب الأجر من الله عز وجل، وأن يكثروا من الاستغفار والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة حتى تتم لهم الأمور، وليسألوا الله دائماً الثبات فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، إن شاء أزاغ القلب، وإن شاء ثبته، نسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

وليحرصوا على تلقي العلم من أهل العلم، وألا يقرءوا كل كتاب وقع في أيديهم؛ لأننا نشاهد في الوقت الحاضر كثرة المؤلفات من قوم لم يعرفوا بالعلم، وهذا خطر عظيم، والإنسان لا ينبغي له أن يكون إمعة يتبع كل ناعق، بل لا يعتمدون إلا على كتب عرف أهلها بالعلم والنصح والصلاح.

وأما سؤالك عن الإمام الذي تذكر وهو في أثناء الصلاة أنه ليس على وضوء فإننا نقول: إنه يجب عليه أن ينصرف من صلاته، ولا يحل له أن يستمر فيعبد الله بغير ما شرع ويتقرب إلى الله تعالى بما يسخط الله، فإن الله لا يرضى من العبد أن يصلي على غير وضوء، بل على غير طهارة، عليه أن ينصرف ثم يقول لأحد الجماعة الذين خلفه: يا فلان! أتم بهم الصلاة، فإن انصرف دون أن يستنيب من يكمل الصلاة فللمأمومين الخيار بين أمرين: إما أن يتموا فرادى، وإما أن يقدموا واحداً منهم يصلي بهم.

أما المأموم فصلاته صحيحة وليس فيها بأس، ولا فرق بين أن يتذكر إمامه أنه ليس على وضوء أو أن يحدث له الحدث في أثناء الصلاة، فلا فرق بين هذا وهذا، فالمأموم معذور على كل حال؛ لأن المأموم لا يدري بحدث إمامه ولو علم أن إمامه محدث ما صلى وراءه.

توضيح حديث: (لا يحل شرطان في بيع)

السؤال: أقرأ في كتاب البيوع من كتب الحنابلة مثل منار السبيل أو غيره حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل شرطان في بيع) مع أن الفقهاء يجيزون شراء الشيء وحمله وتنزيله. كيف توجه هذا الحديث؟

الجواب: توجيه الحديث أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم يفسر بعضه بعضاً ولا تناقض فيه، فالشرطان في بيع أن يقول البائع للشخص: بعت عليك هذه السلعة بعشرة مؤجلة بشرط أن تبيعها عليَّ بثمانية نقداً.

فتنطبق المسألة على مسألة العينة، ومسألة العينة هي: أن يبيع الإنسان الشيء بثمن مؤجل ثم يشتريه ممن باعه عليه بأقل من ذلك نقداً، مثل أن يقول: بعتك هذه السيارة بخمسين ألفاً إلى سنة ثم يشتريها منه بأربعين ألفاً نقداً، هذه مسألة العينة وهي حرام، سواء اتفقا عليها قبل أم لم يتفقا عليها، ويفسر هذا الحديث: (لا يحل سلف في بيع، ولا شرطان في بيع) على أن المراد بالشرطين بيع العينة.

وأما ما ذهب إليه الفقهاء رحمهم الله، من أنه إذا جمع بين شرطين فإن العقد لا يصح، مثل: أن يشترط على رجل حمل البضاعة وتنزيلها فإن هذا القول ضعيف، والصحيح أن الشروط إذا جمعت ألف شرط وهي معلومة يمكن الحصول عليها فإنها جائزة؛ لعموم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] والأمر بالوفاء بالعقد يشمل الوفاء بأصل العقد وبما شرط فيه؛ لأن الشروط في العقد من أوصاف العقد فهي داخلة فيه، ولقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً [الإسراء:34] ولما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) وهذا الحديث وإن كان في سنده كلام كثير، لكن يؤيده حديث عائشة الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) فمفهومه: كل شرط لا يخالف كتاب الله فهو حق.

فوائد الزواج من غير الأقارب

السؤال: فضيلة الشيخ! في كتاب النكاح من كتب الحنابلة رحمهم الله، يقولون: الأفضل في الزواج ألا تكون المرأة من أقاربه، هل ثبت من السنة ما يؤيد ذلك أو خلاف ذلك؟

الجواب: هذا ذهب إليه بعض العلماء لفائدتين:

الفائدة الأولى: أنه أنجب للولد، بمعنى أنه يجذبه عرق أمه إذا كانت من قبيلة وعرق أبيه إذا كان من قبيلة، فيجتمع في هذا الطفل أخلاق هؤلاء وهؤلاء.

الفائدة الثانية: أنه أسلم من القطيعة؛ لأنه قد يحدث بينه وبين زوجته خلاف يؤدي إلى تقاطع الأرحام ليس بين الزوج والزوجة فقط بل بين الأقارب كلهم من هؤلاء وهؤلاء، ولكن عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) يشمل القريبة والبعيدة، ولا يخفى علينا أن علي بن أبي طالب تزوج بـفاطمة رضي الله عنها وهي بنت ابن عمه، فالصواب أنه لا يلتفت للقرابة والبعد، لكن يلتفت إلى ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين تربت يداك).

توضيح مخالفة شيخ الإسلام الأئمة الأربعة في بعض المسائل

السؤال: بالنسبة للمسائل التي خالف فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الأئمة الأربعة ألا يوجد كتاب مؤلف فيها؟

الجواب: نعم. يوجد، جمعها بعض العلماء تزيد على عشرين مسألة، ولكنه رحمه الله لم يخالفهم بمعنى أنه خرج على أقوالهم كلها، ولكن خرج عن المشهور من أقوالهم، فتجده إذا اختار قولاً من الأقوال لا بد أن يكون له أصل ولاسيما عند الإمام أحمد رحمه الله، ولكن يكون هذا القول الذي ذهب إليه غير مشهور فيظن الظان أنه خالف الأئمة الأربعة.

الأفضل في مسألة تغيير لون اللحية البيضاء

السؤال: فضيلة الشيخ! إذا كان شعر اللحية أبيض، ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على تغيير لونه بالحناء أو بغيره، فسؤالي هو: أيهما أفضل: تغييره أو إبقاؤه على ما هو عليه؟

الجواب: الأفضل تغييره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، قال: (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد).

حكم صحبة من لا يصلي والجلوس معه

السؤال: إذا كان هناك شخصان أحدهما لا يصلي والآخر لا يشهد صلاة الجماعة ويدعي الصلاة في المنزل، فهل يجوز لي التعامل معهما من كلام وأكل وشرب وضحك إلى آخره؟

الجواب: أما الذي لا يصلي أبداً فهذا كافر مرتد أخبث من اليهود والنصارى؛ لأن اليهودي والنصراني يقر على دينه، وهذا لا يقر على دينه.

وأما الذي لا يصلي مع الجماعة فهو فاسق، ولكنه ليس بكافر، وهؤلاء الكفار أو الفساق لا يجوز للإنسان أن يوادهم بمعنى أن يطلب مودتهم أو محبتهم، ولكن له أن يتكلم معهم ويضحك إليهم بقصد التأليف إذا كان يرجو من ذلك أن يهتدوا، وكما نعلم جميعاً أن التأليف له أهمية، ولهذا يعطى الكافر من الزكاة -التي هي ركن من أركان الإسلام- للتأليف، فينظر الإنسان إذا كان هذا الرجل العاصي بترك الجماعة أو الذي لا يصلي أبداً إذا كان يرجو منه أن يستقيم إذا ضحك إليه وجلس معه وأكل معه فليفعل، وإن كان لا يرجو ذلك فلا يفعل لكنه لا يمنع من نصحه.

حكم التكلم بأشياء لا تبنى على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

السؤال: فضيلة الشيخ! سمعت من بعض الدعاة أكثر من مرة يقول: إن الناس قد ضعف عندهم التوكل، ذلك أني إذا سألت شخصاً أراد السفر عند من تنزل عندما تصل المكان الذي تريد؟ يقول: عند قريبي، فتقول: وإذا لم تجد قريباً؟ يقول: معي مال أنزل في فندق أو في شقة، فتقول: فإن لم يكن معك مال؟ يقول: الله يسهل الأمر، فهنا جعل الله في المرتبة الثالثة فهو ضعف في التوكل، وهذا يا فضيلة الشيخ! موجود بكثرة، وأمثال هذا الكلام متداول عندهم كثيراً وهم الذين قد سألت عنهم في الجلسة الماضية؟

الجواب: أقول: إن من الآفات أن يتكلم الإنسان بأشياء لا تبنى على كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيتصور الحق باطلاً أو الباطل حقاً، ومن المعلوم أن الإنسان إذا أضاف الشيء إلى سببه المعلوم فهو جائز، فإذا قيل للمسافر: كيف تسافر؟ إلى من تذهب؟ قال: أذهب إلى قريبـي، فإذا لم أجده فمعي دراهم أنزل بها في فندق، فإذا لم يكن عندي قريب ولا معي دراهم فسييسر الله الأمر، فليس في هذا شيء من ضعف التوكل؛ لأنه اعتمد على أسباب ظاهرة معلومة، فإذا فقدت هذه الأسباب فقد علق الرجاء بالله، حتى في اعتماده على الأسباب المعلومة فهو في قرارة نفسه يعلم أن الله هو الذي ييسرها له، وهو الذي سهلها عليه، ولولا تسهيل الله تعالى ما تيسرت.

ولا يعني ذلك أنه جعل الله في المرتبة الثالثة بل بين الأسباب المعلومة المحسوسة، فإذا تعذرت عليه فالله ييسر الأمر، وليس في هذا شيء أبداً من نقص التوكل أو ضعف التوكل.

سقوط صلاة الراتبة عن المسافر

السؤال: إذا صلى المسافر الجمعة، هل تسقط عنه الراتبة أو يصليها؟

الجواب: المسافر إذا كان في بلد تقام فيه الجمعة فإنه يجب عليه أن يصلي الجمعة؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] والمسافر يدخل في العموم لأنه من المؤمنين، لا يقول: أنا مسافر سأقصر، الجمعة أوجب عليك فإذا صلى الجمعة فإنها ليس لها راتبة قبلها كما هو معروف، ولكن لها راتبة بعدها فهل يصلي الراتبة أم لا؟ الظاهر أنه لا يصلي الراتبة ولكن يصليها نفلاً مطلقاً، وإنما قلنا: الظاهر ألا يصلي؛ لأنه ليس العلة من ترك الراتبة أن تكون الصلاة مقصورة، بدليل أن المغرب للمسافر ليست مقصورة ومع ذلك لا يصلي لها الراتبة، فنقول: ليست للجمعة راتبة في حقك، ولكن إن صليت تطوعاً مطلقاً بغير قصد الراتبة فلا بأس.

السائل: هل يجوز أن يجمع إليها العصر؟

الشيخ: الجمعة لا يجمع إليها العصر؛ لأن الجمعة صلاة مستقلة لا يجمع إليها ما بعدها ولا تجمع هي أيضاً إلى ما بعدها فتؤخر، فإن السنة الواردة في الجمع بين الظهر والعصر فقط، لا بين الجمعة والعصر، والجمعة كما نعلم تخالف الظهر في مسائل كثيرة.

معنى: (ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه)

السؤال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأمانة في الحديث: (نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال) والإشكال قوله: (ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه) ما السبب في قبض الأمانة؟

الجواب: المراد -والله أعلم- بهذا الحديث أن الإنسان ينام وقلبه على الأمانة، ثم يستيقظ وقد نزعت الأمانة من قلبه؛ لأنه نام على الأمانة التي ليس عنده فيها قوة فتنزع من قلبه، أو يقال: نام نومة فنزعت الأمانة من قلبه، أي: ولو بعد النوم، وهذا كالحديث الآخر: (يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً).

ولا يلزم من هذا أن تنـزع الأمانة من قلبه وهو نائم بل ينام النومة ثم يستيقظ فتنزع الأمانة من قلبه.

ضابط العذر بالجهل في الأحكام الشرعية

السؤال: فضيلة الشيخ! كثيراً ما نسمع أن هذا الإنسان يعذر بالجهل، فلو كان هناك عذر بالجهل فما ضابط هذا الجهل في الأحكام الشرعية؟

الجواب: الجهل -بارك الله فيك- هو: عدم العلم، ولكن أحياناً يعذر الإنسان بالجهل فيما سبق دون ما حضر، مثال ذلك: ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة : (أن رجلاً جاء فصلى صلاة لا اطمئنان فيها، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ارجع فصل فإنك لم تصل، كرر ذلك ثلاثاً، فقال له: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني) فعلمه ولكنه لم يأمره بقضاء ما مضى لأنه كان جاهلاً، إنما أمره أن يعيد الصلاة الحاضرة.

فإذا كان الإنسان لا يصلي -مثلاً- فيما سبق بناءً على أنه لم تجب عليه الصلاة وهو في محل ناءٍ ليس عنده من يسأله من أهل العلم، فإننا لا نأمره بقضاء ما فاته؛ لأنه معذور، أما إذا كان في بلدٍ فيه العلماء، ولكنه فرط فهذا لا يعذر بالجهل، ويقع هذا كثيراً في المرأة التي تحيض وهي صغيرة، فتظن أنها لم تبلغ بناءً على أن البلوغ لا يكون إلا بتمام خمس عشرة سنة، فتجدها تدع الصيام بناءً على أنها لم تبلغ، ثم تأتي بعد ذلك تسأل تقول: إنها بلغت؛ لأنها حاضت -مثلاً- وبقيت سنتين أو ثلاثاً لم تصم رمضان فهل تقضي؟

ننظر إذا كانت في بلد فيه علماء ويمكنها أن تسأل أهل العلم فهي مفرطة نلزمها بالقضاء، وإذا كانت في مكان بعيد عن العلماء كأهل البادية فإننا لا نلزمها بالقضاء؛ لأنها جاهلة ومعذورة ليس عندها من تسأل، وليس العلم الشرعي متداولاً في البادية.

فكل شيء يكون الإنسان فيه معذوراً فإنه معفو عنه؛ لأن الله تعالى قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15] وقال: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص:59].

حكم أخذ الأجرة على الدعوة إلى الله

السؤال: فضيلة الشيخ! الإنسان يريد الدعوة إلى الله والعمل الصالح ولكن يرى أن نشاطاته وأعماله الشخصية تأخذ وقته، فهل يأخذ الأجرة على هذه الأعمال بالنية الصالحة؟

الجواب: أولاً: إذا نوى الإنسان النية الطيبة فإن الله ييسر له العمل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).

ثانياً: ينبغي للإنسان أن يرتب وقته، فإن لنفسه عليه حقاً، ولأهله عليه حقاً، ولضيفه عليه حقاً، فيرتب الوقت الذي يتمكن به من أداء الحقوق إلى أهلها، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أفضل القيام قيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه).

وهو إذا عمل هذا العمل مع إخلاص النية يسر الله له ذلك، لكن كونه يحب أن يكون إماماً في العلم والدعوة إلى الله والعمل الصالح بدون أن يتحرك هذا لا يمكن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني).

الحث على الابتعاد عن مواقع الريب

السؤال: هناك شاب ملتزم ويلاعب الصغار من الحارة والشباب، فينصحه الإخوان بأن هذا لا يليق بك؛ لأنك إنسان متمسك، ويقولون: إنهم عصاة؛ لأنهم يتلفظون بألفاظ قبيحة وربما يصل بعضهم إلى ترك الصلاة لكن ليس بالكلية، فلا أدري هل يجوز له ملاعبتهم أم لا؟

الجواب: أولاً: يجب على الإنسان أن يبتعد عن مواقع الريب، وكون هذا الرجل يعاشر الصبيان والغلمان يبقى محل تهمة عند الناس، فيجب عليه البعد عن هذا، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال عن نفسه وكانت معه زوجته: صفية بنت حيي، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان معتكفاً فجاءته زوجته صفية وتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لتذهب إلى مكانها، فقام عليه الصلاة والسلام يمشي معها فمر رجلان من الأنصار فأسرعا المشي لما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم ومعه امرأته خجلاً وحياءً، فقال صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله! -يعني: نحن لا نظن شيئاً- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو قال: شيئاً) مع أن المسألة أبعد مما بين السماء والأرض في أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم محلاً لما لا يليق به صلى الله عليه وسلم فكيف بغيره.

فنصيحتي لهذا الأخ الملتزم أن يبتعد عن مواطن الريب ليسلم عرضه ويسلم دينه، ثم إني -أيضاً- لا آمن عليه أن يلقي الشيطان في قلبه ما يلقي من الشر مع كثرة مخالطته هؤلاء الصبيان ومعاشرتهم.

نعم، لو فرضنا مرةً من المرات -مثلاً- مزح مع أحد منهم فهذا لا بأس به مع سلامة القلب، فإن الرسول عليه الصالة والسلام كان يلاطف الصبيان ويمزح معهم، وقصته مع الصبي الذي كان عنده طائر صغير يسمى النغير، وهذا الطائر كان مع هذا الصبي يفرح به ويلعب به، فمات هذا الطائر فحزن عليه الصبي، فكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لهذا الصبي: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟).

أما معاشرتهم أي: معاشرة الصبيان والغلمان فإني أشير عليه أن يدعها ليسلم عرضه ويسلم دينه، حتى من باب الدعوة لا يعاشرهم، لكن يأتي إليهم ويدعوهم ويكون معه أناس آخرون بحيث لا ينفرد بهم.

حكم طمس الصور المهانة

السؤال: هناك حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أحد الصحابة وقال له: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته ولا صورة إلا طمستها) فهل هناك حديث ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان في عهده صور مهانة، وهل الأفضل طمسها أو تركها مهانة؟

الجواب: أما الذي أوصاه الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أوصاه ألا يدع صورة إلا طمسها، وفي لفظ (تمثالاً إلا طمسه ولا قبراً مشرفاً إلا سواه، فالمشروع طمس الصور ولاسيما الصور التي تعظم، كصور الزعماء والعلماء والأمراء وما أشبه ذلك، ولهذا قال: (ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) لأن القبر المشرف قد يكون معظماً تعظيماً يؤدي إلى الشرك وكذلك هذه الصور.

وأما الصور المهانة فإن جمهور العلماء أجازوها واستدلوا بحديث الوسادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على عائشة وعندها قرام سترت به بيتها أنكر ذلك فشقته وجعلته وسادتين يرتفق بهما، قال العلماء: فهذا دليل على أنه إذا كانت مهانة فإنه لا بأس بها؛ لأن الذي يحذر من الصور إنما هو التعظيم، فإذا أهينت زال المحذور وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء.

وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز إبقاء الصورة ولو كانت مهانة، وإنه لا يجوز أن يفترش الإنسان ما فيه الصورة ولا أن يتكئ على ما فيه صورة، وهذا بلا شك أحوط وأسلم.

السائل: والمجلة المصورة؟

الشيخ: المجلة نوعان: مجلة تصوير وهذه لا تجوز، ومجلة علم ولكن فيها صورة أحياناً فهذه تجوز؛ لأن الصورة غير مقصودة.

السائل: وملابس الأطفال؟

الشيخ: ملابس الأطفال المصورة لا يجوز لولي الطفل أن يلبسه إياها.

حكم زيادة لفظة وبركاته في التسليم من الصلاة

السؤال: ما حكم الزيادة في التسليم من الصلاة وبركاته؟

الجواب: لا بأس بها أحياناً.

حكم الصور في الملابس الملبوسة

السؤال: ما حكم الصور في الملابس الملبوسة؟

الجواب: لبس ما فيه صورة لا يجوز.

السائل: الصور في ماركات الشركات مثل صورة الجمل وغيره؟

الشيخ: لبُس ما فيه صورة لا يجوز.

السائل: لا يوجد ملابس إلا وفيها صور؟

الشيخ: ابحث عن غيرها.

حكم إقرار المنكر من أجل الدعوة

السؤال: تكلمت بارك الله فيك عن الدعوة وما الدعوة، وبعض الدعاة يذهب إلى شخص يدخن ويعطونه في بعض الأحيان نقوداً من أجل أن يشتري بها دخاناً، ويقول: إن ذلك في سبيل الدعوة؛ فهل هذا صحيح، ويقعد معه وعنده التلفاز ويقول: لا تنفر هذا من أجل الدعوة، فهل هذا صحيح أم لا؟

الجواب: هذا غير صحيح، الإقرار على المنكر منكر، وكونه يعطيه دراهم يشتري بها دخاناً ليتألفه هذا غير صحيح، تأليفه أن ينصحه ويبين له مضار المعصية سواء كانت دخاناً أو غير دخان، ويحذره منها ويعطيه -مثلاً- أشرطة موجهة أو رسائل أو كتيبات، هذا هو التأليف، أما أن يباشر المعصية هو نفسه ويشتري له الدخان أو يعطيه الدراهم ليشتري الدخان هذا غير صحيح.

السائل: هل يأثم أم لا؟

الجواب: نعم. يأثم الذي يحضر المنكر، إلا من حضر لإزالته، مثل من جلس عند قوم عندهم تلفزيون يعرض أشياء محرمة فجلس ولم يبادرهم مباشرة بالإنكار، جلس وجعلهم يطمئنون إليه، ثم قال: إن هذا حرام ولا يجوز، ونصحهم، إن أعرضوا عنه وأغلقوا التلفاز فهذا هو المطلوب، وإن أصروا يخرج، فإن بقي بعد ذلك فهو آثم.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ...)

السؤال: ما المراد بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة:105]؟

الجواب: المراد بها أن الله حث الإنسان على أن ينجي نفسه، وإذا أنجى نفسه بقيامه بما أوجبه الله عليه فإنه لا يضره ضلال من ضل، ولا يعني هذا أن الآية تسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أبا بكر رضي الله عنه قام في الناس، وقال: (إنكم تقرءون هذه الآية وتنزلونها على غير ما أراد الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] وإني سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه) ولهذا جاءت الآية الكريمة مؤيدة لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] ومن الهداية أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

حكم تنفيذ الوصية بالدفن في مكان معين

السؤال: فضيلة الشيخ! هناك امرأة أوصت أن تدفن ببقعة معينة وما تمت الوصية، ويسأل ولدها ويقول: إنها تعرض له في المنام كثيراً وتعرض لوالده والآن لهم سنة من دفنها، فيسأل: هل يعتبر هذا عصياناً، ثم هل يجوز نبش القبر وإرجاعها إلى المكان الذي أوصت أن تدفن فيه؟

الجواب: لا يلزم تنفيذ الوصية إذا أوصى الميت ألا يدفن إلا في مكان معين، بل يدفن مع المسلمين؛ إذ أن الأرض كلها سواء، وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا مات منهم ميت في أي مكان دفنوه، فهذه الوصية لا يلزم تنفيذها، وكونها تعرض له في المنام لأنه كان يفكر فيها، ومعلوم أن الإنسان إذا فكر في الشيء قد يراه في المنام.

ولهذا عند الناس يقولون: حلوم أهل نجد حديث قلوبهم.

السائل: ألا يدخل هذا تحت إنفاذ الوصية؟

الشيخ: هذا لا يجب تنفيذه أبداً؛ لأنه ليس فيه مقصود شرعي.

حكم صلاة سنتي الظهر بعد العصر لمن جمع الصلاة

السؤال: فضيلة الشيخ! إذا حصل جمع تقديم في المطر هل يصلي سنتي الظهر بعد العصر والعصر لم يحن بعد؟

الجواب: نعم. إذا جمع بين الظهر والعصر جمع تقديم أو جمع تأخير وكان غير مسافر فإنه يصلي راتبة الظهر بعد العصر؛ لأن لها سبباً، وفعل ذوات الأسباب في وقت النهي لا بأس به؛ لأن ذوات الأسباب ليس في فعلها نهي.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , لقاء الباب المفتوح [19] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net