إسلام ويب

شرح زاد المستقنع مقدمة كتاب الطلاق [4]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الطلاق حكم شرعي، ولهذا كانت له ألفاظ مخصوصة اعتنى العلماء ببيانها، وفصلوا فيما يترتب على التلفظ بها من جهة النية وعدمها، ومن الذي يلزمه الطلاق بتلفظه به ومن الذي لا يلزمه.

    1.   

    أحكام الطلاق من حيث لفظ المطلق

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد..

    فيقول المصنف رحمه الله: [وصريحه].

    ذكرنا أن الطلاق له أقسام من حيث حكم الشرع: طلاق سنة وطلاق بدعة، ومن حيث لفظ المطلق: لفظ صريح ولفظ غير صريح، فالآن يشرع المصنف رحمه الله في الجملة الثانية وهي: بيان أحكام الطلاق من حيث لفظ المطلق، ولتوضيح المسائل المتعلقة بهذه الجملة ينبغي أن ننبه على مسألةٍ مهمة، وهي: أن ما يصدر من المكلف يقسمه العلماء إلى قسمين: ظاهر وباطن، فعندنا ظاهر الإنسان وعندنا باطنه، والظاهر يشمل شيئين: القول والفعل، فالفعل كاليد تأخذ أو تضرب، سلباً وإيجاباً، أو الرجل تمشي وتُرفع وتُوضع، هذه أفعال، فعندنا في الظاهر القول والفعل، وفي الباطن النية فقط، فالذي يطلِّق لا بد أن يبحث العلماء فيه اللفظ؛ لأن الطلاق راجع إلى الألفاظ، فكأن باب الطلاق من حيث الأصل مركب على ظاهر المكلف، ومن حيث الاعتداد وعدمه فإن هناك مسائل أجمع عليها العلماء يعتد فيها بالنية، ففي الطلاق ظاهر وباطن، ولذلك يقسم العلماء الطلاق إلى ثلاثة أنواع: طلاق الديانة وطلاق الحكم، وطلاق جامع بين الديانة والحكم.

    طلاق الديانة: كرجل تلفظ بكلمة تحتمل الطلاق وغير الطلاق، فسُئِل فقال للناس: ما قصدت الطلاق، وهو في باطنه قد قصد الطلاق، فبينه وبين الله المرأة عليه حرام، ولو كانت الطلقة الأخيرة فإنه يعيش معها بالزنا -والعياذ بالله- وهذا ديانة فيما بينه وبين الله، وكرجل قال لامرأته: هي طالق، وكانت الطلقة الأخيرة، ولم يخبر أحداً حتى امرأته، فالمرأة فيما بينه وبين الله طالق، فلو عاشرها وهي لا تعلم بتطليقه؛ فإنها طالقة ديانة فيما بينه وبين الله، وإن لم يصدر حكمٌ بطلاقها في الظاهر.

    أما بالنسبة للفظ المكلف: فتارةً يقول لها: أنت طالق أو طلقتك أو سرحتك أو فارقتك أو أنت خلية، برية، بتة، بتلة، الحرج، أو الحقي بأهلك، أو اغربي عن وجهي، أو اخرجي من بيتي، أو لست لي بامرأة، أو لستِ بامرأتي، كل هذه ألفاظ فيها احتمال أن يقصد الطلاق واحتمال أن لا يقصد الطلاق، وأيضاً هذه الألفاظ إذا تلفظ بها وثبت عند القاضي أنه تلفظ بها؛ فإن القاضي قد يحكم بظاهر بعضها، ويقول: حكمت بأن زوجتك طالق.

    أما إن كان في الحقيقة لم يقصد الطلاق كرجل أراد أن يقول لامرأته: طلبتك، فقال: طلقتك، والله يعلم أنه لم ينو الطلاق وأنه قصد طلبتك، وكرجل اشتدت الخصومة بينه وبين امرأته فغضبت المرأة وغضب الرجل، فجرت العادة أن الرجل يطلب من خصمه ومن أساء إليه أن يسامحه، فأراد أن يقول لها: طلبتك أن تعفي عنها، فقال: طلقتك. ففي هذه الصورة: بساط المجلس بساط غضب، وصعبٌ أن يقول عند القاضي: لم أقصد الطلاق؛ لأن الخصومة قرينة تدل على أنه يريد الطلاق، فجاء بصريح الطلاق، في موقفٍ لا يحتمل غير الخصومة، فصعب أن يقول: ما نويت، فبينه وبين الله لا تزال امرأته زوجة له، مع حكم القضاء أنها طلقة، لكن القضاء لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً؛ لكن في الظاهر يحكم، مثل الشاهد إذا شهد أنه رأى الزاني -والعياذ بالله- وليس هناك معه شاهدٌ آخر، فشهد شهادة الحق أنه رأى فلاناً يزني ولم يكتمل النصاب، فإنه يجلد حد القذف، والله يقول: فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور:13]، أي: في حكمه سبحانه أنهم كاذبون، لكن من ناحية الديانة ومن ناحية الحكم فهو صادق، والرجل مقذوف، لكن يجب عليه الحد.

    الشاهد: أن هناك في الطلاق ما هو ديانة وهناك ما هو حكم، والعلماء في كتاب الطلاق تجدهم يقولون: تطلق ديانةً وتطلق حكماً، وتارةً يقولون: ينفعه ديانةً ولا ينفعه قضاءً، فإذا قالوا: قضاءً وحكماً، فالمراد الظاهر، والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم تختصمون إليّ، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فإنما أقضي بينكم على نحوٍ مما أسمع).

    فأخذ العلماء من هذا أصلاً: أن الحكم في القضاء على ما يسمع، أما الحقيقة فأمرها إلى الله، فإن خالف الحكم الحقيقة تنتقل الخصومة من خصومة الدنيا إلى خصومة الآخرة.

    أحوال الطلاق من جهة اجتماع اللفظ والنية واختلافهما

    من طلق فلا يخلو من ثلاثة أحوال:

    الحالة الأولى: أن تجتمع نيته ولفظه على الطلاق.

    الحالة الثانية: أن يطلق بالنية ولا يتلفظ.

    الحالة الثالثة: أن يطلق باللفظ دون النية.

    والقسمة العقلية في الأصل تكون أربعاً، لكن في العمل ثلاثاً، فإن يطلق في النية وحدها، أي: أن ينوي في قلبه ويعزم على أنه يريد أن يطلق زوجته؛ فهذا طلاقٌ بالنية، وإما أن يتلفظ بلفظ الطلاق وليس في النية أن يطلق، فهذا طلاق اللفظ، وإما أن يجمع بين ظاهره وباطنه، فيطلق بنيته وقوله، والرابع الذي ألغيناه: ألا يطلق لا باللفظ ولا بالنية، فهذا ليس بطلاق؛ فإنه وإن كان التقسيم العقلي يحتمله، لكنه ليس له تأثير في الحكم.

    فأما إن طلق بنيته فمثاله: رجلٌ آذته زوجته أو سمع منها أمراً أزعجه، فنوى في قرارة قلبه، وأقدم بكل ارتياث وبكل طمأنينة على أن يطلق، ولم يبق إلا أن يتلفظ، ولكن ما حدث منه اللفظ، فوصل إلى درجة عزم فيها تماماً على الطلاق، وقد تقع هذه الصورة في حال الخصومة بين الزوجين، فتقول الزوجة لزوجها: انتظر حتى يأتي والدي ويتفاهم معك، فعزم في قرارة قلبه على طلاقها عند مجيء والدها، فلما حضر والدها وواجهه؛ استحيا أو ذكره بالله، أو جاء مع والدها رجل فذكره بالله، فانصرفت نيته من الطلاق إلى عدم الطلاق، فهذا عزم في نيته ولم يتلفظ بلسانه، فوجد فيه طلاق الباطن دون طلاق الظاهر.

    ومن أمثلة ذلك: أن تعزم المرأة أن تشتكي بزوجها في القضاء، فعزم على طلاقها إذا حضرا عند القاضي، فلما حضرا عند القاضي صرف الله قلبه، والله يقلب القلوب ويحول بين المرء وقلبه، فرأى أن المصلحة تقتضي ألا يطلق، ورأى أنه قد أعطى الأمر أكثر مما يستحق، وأن جلوسه بين يدي القاضي من أجل الإنصاف، أو وجد كلاماً صرفه، أو وجد قاضياً موفقاً، ذكره بالله ووعظه، فجمع الشمل وألف بين القلوب، فانصرفت نيته عن الطلاق، فالسؤال: إذا نوى الرجل أن يطلق زوجته ولم يتلفظ فهل نؤاخذه بهذه النية أو لا؟

    حكم نية الطلاق دون التلفظ به

    القول الأول: أن نية الطلاق ليست بطلاق، وأن الرجل لو عقد في نيته وعزم عزيمةً صادقة على الطلاق ولم يتلفظ؛ فلا طلاق، وهذا مذهب جمهور العلماء رحمهم الله ومنهم الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية وأهل الحديث، وطائفة من أصحاب الإمام مالك رحمةُ الله عليه.

    القول الثاني يقول: من عزم الطلاق وقويت عزيمته واطمأن قلبه على أن يطلق امرأته، فهي طالق بتلك العزيمة، وهذا القول قال به أئمة من السلف كالإمام محمد بن سيرين رحمه الله، ولما سُئِل عن فتواه في ذلك قال: قد علم الله أنه يريد طلاق زوجته، فجعل الإرادة والقصد كاللفظ، وقال: أليس الله قد علم واطلع، وما دام أنه عزم فيستوي أن يظهره أو أن يكنه، فالله عز وجل علم منه أنه يطلق فهو مطلق، وكونه يتلفظ أو لا يتلفظ هذا لا يؤثر، وهذا رواية عن الإمام مالك رحمه الله، وبعض العلماء يقول: مذهب مالك في المشهور عدم التطليق بالنية، وهذا أقوى الأقوال، وبعضهم يقول: مشهور مذهب مالك اعتبار النية، وإن كان الأقوى الأول، إذا ثبت هذا فالسؤال: ما هو الدليل على عدم وقوع الطلاق بالنية أو على وقوعه؟

    الجمهور الذين يقولون: من نوى لا نطلق زوجته، استدلوا بدليلين:

    أولهما: أن الله سبحانه وتعالى نص على التطليق فقال سبحانه: فَإِنْ طَلَّقَهَا [البقرة:230]، ونحن لا نطلع على النيات، وحكم الشرع في الأصل قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس، وأن أَكِلَ سرائرهم إلى الله)، فأصبح الأمر في مرده من حيث الأصل إلى الظاهر لا إلى الباطن في حكم الله عز وجل، وعليه قالوا: إن الله تعالى قال: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [البقرة:231]، وهذا لا يكون إلا بأمرٍ بيّن وهو لفظ المكلف، فمن حيث الأصل الطلاق يحتاج إلى إظهار، والنية ليس فيها ما يظهر بل ما تستكن، وهذا الدليل من أضعف الأدلة التي استدلوا بها.

    ثانيهما: أقوى دليل لهم حديث أبي هريرة الثابت الصحيح: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تعمل)، ولذلك أئمة الحديث رحمةُ الله عليهم ذكروا هذا الحديث في باب الاستشهاد على أن من طلق بنيته لا يقع طلاقه، فقوله: (إن الله تجاوز لأمتي)، فالمجاوزة تدل على عدم المؤاخذة، وقوله: (ما لم تتكلم أو تعمل)، دل على أنه لا يؤاخذ على النية ما دام أنه لم يتلفظ، وهذا الحديث هو حجة الباب وفيصل المسألة، والعمل على هذا الحديث.

    دليل القول الثاني: حديث عمر بن الخطاب في الصحيحين: (إنما الأعمال بالنيات)، قالوا: دل الحديث على أن العبرة بالنية، وهذا قد نوى وعزم فتطلق عليه امرأته، وقاسوا هذا على أمور الاعتقاد، وقالوا: إنه لو كان معتقداً للكفر لكفر، فيحكم بالطلاق بالنية كما يحكم بالردة بتغير القلب، أي وجود عمل القلب، قالوا: لجامع كون كل منهما مؤاخذاً به، فالطلاق مؤاخذ به، والردة مؤاخذ بها.

    والصحيح ما ذهب إليه الجمهور لقوة حجة السنة على مذهبهم: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تعمل)، وأما استدلالهم بحديث: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)، فالرد عليه من عدة وجوه، وأنسب هذه الوجوه وأقواها: أن حديث: (إنما الأعمال بالنيات) عام، وحديث: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها) خاص.

    ثم أيضاً هناك وجهٌ ثانٍ: أن تقول: (إنما الأعمال بالنيات)، من حيث الأصل يعني: هو في السلب والإيجاب، الإحسان والإساءة، فمن نوى الخير اعتبرت نيته للخير، ومن نوى الشر اعتبرت نيته للشر، وأما في الطلاق وفي المؤاخذة فيأتي حديث: (إن الله تجاوز لأمتي)، فاستثنيت المؤاخذات وحدها؛ لأنه لا يؤاخذ إلا إذا وجد اللفظ، فدل على أنه لا يدخل في عموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه لوجود ما يخصصه.

    وبعبارة مختصرة تقول: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدّثت به نفسها)، دال دلالة واضحة على أن من حدّث نفسه بشيء لا يؤاخذ به كما لو حدّث نفسه أن يقتل أو يسرق أو يفعل أمراً حراماً؛ فإن الله لا يؤاخذه ما لم يتكلم أو يعمل، وعلى هذا فالصحيح: أن من عقد نيته في قلبه على أن يطلق زوجته أنها لا تطلق ما لم يتلفظ.

    أقسام اللفظ المعتبر في الطلاق

    عرفنا أن الطلاق يحتاج إلى لفظ وأن العمل في الطلاق على اللفظ، فحينئذٍ يرد الإشكال: هل كل لفظٍ نحكم بكونه طلاقاً أم أن هناك ألفاظاً إذا وجدت حكمنا فيها بالطلاق وهناك ألفاظاً بعكس ذلك؟

    أصل اللفظ: الطرح، ولَفَظَ الطعام إذا طرحه، ولا تصف الشخص بكونه متلفظاً إلا إذا خرجت الحروف سواءً سراً أو جهراً، أي: تحرك بها اللسان ونطقت بها الشفة سراً أو جهراً، وفي مسألة طلاق الموسوس يأتي الموسوس ويقول: طلقت زوجتي ويقول: في قلبي أحس أني طلقتها وأحس أن اللسان تحرك بذلك، فينبغي أن يتنبه إذا كان الرجل مطمئناً لزوجته؛ لأن الوسواس فيه شيء قهري -نسأل الله السلامة والعافية- فالشيطان إذا أراد أن يستخف بإنسان في أمر؛ حدثه به؛ لأنه عدو ويريد أن يحزن المؤمن، ومن هذا أن الموسوس يريد زوجته ويأتيه الشيطان يحدثه بالطلاق، فمثل هذا إذا تحرك لسانه ونبتت شفته في الوسواس القهري فإنه لا يؤثر ما لم توجد دلائل قوية على أنه فعلاً يريد الطلاق، فالمقصود: أن اللفظ لا بد فيه من صوت مشتمل على بعض الحروف الهجائية.

    واللفظ تعريفه عند العلماء: هو الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية كالقول، سواءً أفاد أو لم يفد، إذاً لا بد أن تكون هذه الحروف قد ظهرت من لسانه ونبتت بها شفتاه، فإذا حصل ذلك فقد وقع اللفظ إذا تلفظ، وبالطلاق فلفظ الطلاق ينقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: اللفظ الصريح.

    والقسم الثاني: اللفظ غير الصريح، وبعضهم يسميه: الكناية. فعندنا صريح الطلاق وعندنا كناية الطلاق؛ فأما صريح الطلاق فهو الذي لا يحتمل معنىً غير الطلاق، واللفظ الصريح حكمه: أننا نطلِّق به على الظاهر بينه وبين الله عز وجل، كرجل أراد أن يقول لزوجته: طلبتك فقال: طلقتك، ففي الظاهر لا يملك الفقيه إلا أن يفتي بالطلاق سواءً كان مفتياً أو قاضياً.

    أقوال العلماء في ألفاظ الطلاق الصريح

    بعد أن عرفنا حكم الصريح من حيث الأصل، يأتي السؤال: ما هي ألفاظ الطلاق الصريحة؟

    للعلماء قولان:

    القول الأول: قال بعض العلماء: صريح الطلاق هو مادة طلق وما اشتق منها على التفصيل الذي سنذكره إن شاء الله، فصريح الطلاق ثلاثة: الطلاق، الفراق، السراح، فإن قال لزوجته: طلقتك أو فارقتك أو سرحتك؛ فهذه كلها ألفاظ صريحة، نطلِّق بها المرأة على الظاهر، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة في المشهور، ومذهب طائفة من أهل الظاهر، ويقولون: ليس هناك طلاق إلا بهذه الثلاثة الألفاظ وغيرها ليس بطلاق، واستشكل على قولهم حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دلّ على اعتبار الكناية في قوله لابنة الجون : (إلحقي بأهلك)، فهل اعتده طلاقٌ أو لم يعتده طلاق؟!

    فالظاهرية عندهم ألفاظ الطلاق ثلاثة ألفاظ: الطلاق، السراح، الفراق؛ لكن الفرق بين الظاهرية وبين الحنابلة والشافعية: الظاهرية قالوا: لا طلاق بغير هذه الألفاظ، فلو قال لرجل لامرأته: أنت بتلة، أو أنت الحرج أو أنت خلية أو أنت برية أو الحقي بأهلك أو لست لي بامرأة، أو اعتدي، أو استبرئي رحمك إلى غير ذلك فليس بطلاق.

    وأما القول الثاني في المسألة فقالوا: صريح الطلاق لفظٌ واحد، وهو الطلاق وما اشتق من مادة طلَّق على تفصيلٍ سيأتي، وهذا مذهب الحنفية والمالكية من حيث الجملة -رحمةُ الله على الجميع- وقال به بعض أصحاب الإمام أحمد رحمةُ الله على الجميع.

    ودليل الذين قالوا: إن حيث لفظ الطلاق ثلاثٌ: (الطلاق والفراق والسراح) أن القرآن نص عليها، فقال تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ... [البقرة:229]، فَإِنْ طَلَّقَهَا [البقرة:230]، وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [البقرة:231]، هذه كلها صريحة على أن لفظ الطلاق هو الذي يحصل به الفراق، فمادة طَلَّقَ محل إجماع، ومحل الخلاف في لفظي السراح والفراق: هل هما من صريح الطلاق أو من الكنايات المحتملة؟ فقالوا: إن الله تعالى عبر بالسراح عن الطلاق، فقال: فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] وأيضاً في الفراق: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130]، وقال سبحانه وتعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق:2]، وقال: فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28]، أي: أطلقكن، فلفظ السراح من ألفاظ الطلاق الصريحة بلفظ القرآن، ولفظ الفراق ولفظ الطلاق أيضاً بدلالة القرآن، قالوا: فجاء في القرآن ثلاثة ألفاظ: الطلاق والفراق والسراح، فكل من تلفظ بهذه الثلاث نؤاخذه، قصد أو ما قصد، ونعتبرها من الصريح، وهذا المذهب هو أولى المذاهب بالصواب إن شاء الله تعالى؛ فإن الأدلة دالة على أن هذه الثلاثة الألفاظ تستعمل، ويستدل بها على حل العصمة ورفع قيد النكاح.

    وأما بالنسبة لقول من قال: يحصر لفظ الطلاق في (طلق) وما اشتق منها، فدليله واضح: أنه يحتج بالآيات التي وردت في الطلاق، ولكن نقول: كما أن ألفاظ آيات الطلاق دلّت على الطلاق؛ ينبغي أن تكون ألفاظ السراح والفراق والطلاق دالةً على الطلاق أيضاً.

    قال رحمه الله: [وصريحه لفظ الطلاق].

    كما ذكرنا: طلقتك، أنتِ مطلقتي، أنت طالق، وما اشتق منه، فهذا كله باسم الفاعل أو باسم المفعول، أنت طالقٌ، أنت مطلقةٌ مني، أو طلقتك، هذا كله يدل على الفراق صراحةً، ويؤاخذ به بإجماع العلماء رحمهم الله، لكن لو جاء بالصريح في مكانٍ محتمل أو سبق لسان كما سيأتي إن شاء الله، فإن هذا له حكم خاص، لكن من حيث الأصل فإن القاعدة أن باب الطلاق يقوم على لفظٍ صريح، وهذا اللفظ الصريح مادة (طلق) وما اشتق منها بإجماع العلماء.

    قال رحمه الله: [وما تصرف منه غير أمر ومضارع]

    قوله: (غير أمرٍ) كقوله: طلقي نفسك، فإن أمرها أن تطلق نفسها، فلا يقع الطلاق بتوكيله لها أو بتفويض الطلاق لها إلا إذا طلقت نفسها؛ لأنه وجه الطلاق بصيغة الأمر (طلقي نفسك) فهذا أشبه بأنه فوض إليها أن تطلق نفسها، أو جعل الطلاق إليها، كما لو قال: أمرك بيدك، فلا يقع الطلاق بمجرد قوله: طلقي، أما تعليق الطلاق بالمستقبل كما في الأفعال المضارعة سواء أدخل عليها الأدوات أو الحروف التي تدل على المستقبل أَوْلاً، فإنه لا يقع الطلاق في وقته، إلا إذا كان معلقاً على المستقبل، ويقع بوقوع ما علق عليه، لكن من حيث الأصل: لو قال لها: سوف أطلقك أو تطلقين، فهذا وعد بالطلاق، وهذا كله لا يقع به الطلاق، فالمضارع والمضاف إلى المستقبل لا يقع به الطلاق إلا إذا كان مقيداً بشرط، وستأتي مسألة تعليق الطلاق وإضافة الطلاق إلى المستقبل، لكنه من حيث الأصل لا يوجب وقوع الطلاق في حينه.

    قال رحمه الله: [ومطلقة اسم فاعل]

    هذا تابع للذي قبله من المستثنيات، كما لو قال بلفظ الأمر: طلقي، والمضارع: سوف أطلقك، فهذا وعد وله أن يخلفه، فلو جاء رجل وسألك: قلت لامرأتي: سأطلقك أو سوف أطلقك، فهذا وعد، إن أراد أن يمضي وعده أمضاه، وإذا رأى أن المصلحة ألا يطلقها فلم يطلقها فلا طلاق، هذا في المضارع، أما أنت مطلقة، فإنها مشتقة من مادة الطلاق، لكن لا توجب الطلاق، لكن لو قال لها: أنت مطلقةٌ مني، وقع الطلاق، وفرقٌ بين قوله: أنت مطلقة، اسم فاعل، وبين قوله: أنت مطلقةٌ مني، فحينئذٍ قد أوقع الطلاق.

    قوله: [فيقع به].

    أي: بالصريح، ففائدة الصريح أنه يحكم قضاءً بوقوعه وإن لم ينوه، فالفرق بين الصريح والكناية: أن الصريح لا يحتاج إلى نية، يعني: يطلق القاضي على الظاهر، ما لم يكن هناك بساط المجلس وأمور مستثناة -سنشير إليها- تدل على أنه لم يرد الطلاق.

    وهناك فرق بين الكناية الظاهرة والكناية الخفية، لكن باب الكناية من حيث الأصل يقوم على النية، ولكن الكناية الظاهرة كقوله: أنت بتة، أنت بتلة، أنت خلية، أنت الحرج، فهذه استثنيت في مذهب طائفة من العلماء، لوجود قضاء من الصحابة رضوان الله عليهم فيها، فاعتبروها من الكنايات الظاهرة، وسنتكلم عليها في الكنايات الظاهرة والخفية، لكن الكناية من حيث الأصل يرجع فيها إلى النية، وأما الصريح فإننا نطلق به على ظاهر النص.

    وقوله: (ومطلقة اسم فاعل فيقع به).

    أي: يقع الطلاق بما تقدم من مادة (طلق) غير ما استثني من المضارع، ومن الأمر، ومن اسم الفاعل، ولفظ الطلاق الصريح سواءً نواه أو لم ينوه فإن الطلاق يقع به، أي: في حكم القضاء، لكن في حكم الديانة يكون ذلك بينه وبين الله، فإن قال: أنت طالق، وقصد: من حبله، أو من وثاقه، فإنه يقع قضاءً ولا يقع ديانةً.

    أقوال العلماء في الفرق ما بين طلاق الهازل وطلاق من سبقه لسانه

    قال رحمه الله: [وإن لم ينوه جاد أو هازل].

    قال المصنف رحمه الله: من تلفظ بلفظ الطلاق، فإنه ينقسم إلى أقسام:

    القسم الأول: من تلفظ بالطلاق مع النية، فهذا جاد، يعني: يريد أن يطلق المرأة فعلاً، وجمع بين الظاهر والباطن، فهذا طلق جاداً.

    القسم الثاني: من طلق باللفظ دون النية، وهذا له صور:

    الصورة الأولى: أن يقصد اللفظ دون نية الطلاق، فهذا يسمى بالهازل، يعني: تلفظ بلفظ الطلاق قاصداً له، مستشعراً أنه لفظ الطلاق، لكن نيته لا تريد الطلاق، فمن تلفظ بالطلاق قاصداً اللفظ غير ناوٍ له، يسمى بالهازل، فتجده يمزح مع امرأته ويظن أن هذا ينفعه، فيقول لها: أنت طالق، فيكون جاء بمادة (طلق) عالماً أنها تفيد الطلاق من حيث الأصل، لكنه لا يريد أثرها ولا يريد أنها طالق، فيقولون: قصد اللفظ ولم ينوه.

    ومن هنا: يفرق بين الهازل ومسبوق اللسان بالطلاق: أن الهازل قصد اللفظ، ومسبوق اللسان لم يقصد اللفظ، فمسبوق اللسان أرحم ممن يهزل؛ لأن مسبوق اللسان لم ينو بقلبه ولم يقصد أن يتلفظ بلسانه، فالفرق بين الهازل وبين مسبوق اللسان من جهة قصد اللفظ، فلو أراد رجلٌ أن يقول لامرأته: طلبتك، فقال: طلقتك، فهو لم ينو بقلبه ولم يقصد بلفظه، لكن إذا مزح معها وظن أن أمور الطلاق فيها مزاح، فقال لها: طلقتك، فكلمة الطلاق مقصودة، ومادة (طلق) مقصودة، فاللفظ مقصود، فالشريعة والعلماء يفرقون بين من يقصد اللفظ وبين من لم يقصد.

    وبعض العلماء يرى بالنسبة لمسبوق اللسان أنه إن وجدت قرائن قوية على أنه لا يريد الطلاق أن طلاقه لا يقع، كرجل جلس مع امرأته وهو في غاية الانبساط والسرور، وهناك اثنان يشهدان على أنه كان مع زوجته على أحسن ما يكون، ثم طلعت على السلم، فأراد أن يقول لها: أنت طالعة، فسبق لسانه وقال: أنت طالقة، فبساط المجلس يدل على أنه لا يريد الطلاق، ومثل هذا ينفعه، فلو قال للقاضي وثبت بشهادة البينة أو بحلف اليمين على أنه ما قصد؛ فلا تطلق عليه امرأته لا قضاءً ولا ديانةً.

    فلما قال بعض العلماء بهذا القول استشكل عليهم الهازل، فالهازل لم يقصد الطلاق، ومسبوق اللسان لم يقصد الطلاق، والشرع يقول: ما دام وجدت كلمة الطلاق فيؤاخذ بها، فردوا عليهم بأن الهازل قصد اللفظ، ومسبوق اللسان لم يقصد اللفظ، فالفرق بينهما واضح.

    وبناءً على ذلك: قال رحمه الله: (جاداً)، يعني: تطلق المرأة إن تلفظ بالطلاق وهو جادٌ، أو تلفظ به هازلاً، والهزل: المزح والمرح، فالطلاق جده جد وهزله جد، والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق والعتاق) ، وفي رواية: (والنذر)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يعظ الناس ويبين لهم الأحكام: ( أربع جائزات إذا تكلم بهن: النكاح والطلاق، والعتاق والنذر).

    فإذا جاء رجل وقال لك: زوجتك ابنتي، وهو يمزح معك، فقلت: قبلت، فحينئذٍ يلزم، وأيضاً لو قال رجل لزوجته: طلقتك، وهو يمزح معها فإنه يلزم بذلك، ولو قال لعبده: أنت حر، على سبيل المزاح، فإنه يعتق عليه، ولو لم يقصد عتقه، وهكذا لو نذرت، والأصل في السنة الثلاث التي سبق التنبيه إليها.

    وعلى هذا قال العلماء: إن الهازل تطلق عليه امرأته، وهذا بإجماع العلماء؛ لثبوت السنة بذلك.

    وقال بعض العلماء: هنا إشكال، كيف نطلق عليه والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)، فهو لم ينوِ الطلاق، فكيف نؤاخذه بالطلاق، قالوا: هذا من باب حكم الوضع وليس من باب حكم التكليف، وحكم الوضع: ما جعله ونصبه الشرع من أسباب وعلامات وموانع تدل على الصحة وتدل على الفساد، فكأن الشرع يقول: من تلفظ بلفظ الطلاق، فإننا نؤاخذه به قصد أو لم يقصد، نوى أو لم ينو، فكأنه إذا وجد لفظ الطلاق وجد الطلاق، بغض النظر عن القصد والنية وجدت أو لم توجد.

    1.   

    صور من صريح الطلاق لا يقع بها الطلاق

    ذكرنا مسألة صريح الطلاق، وهو اللفظ الذي لا يحتمل معنىً غيره، وذكرنا خلاف العلماء رحمهم الله في اللفظ الصريح، ورجحنا أن هناك ثلاثة ألفاظ: الطلاق، والفراق، والسراح، وأنه إذا تلفظ بها حكم بالطلاق، سواءً نوى أو لم ينوِ؛ ولكن هنا مسألة وهي: أن يأتي اللفظ الصريح ويتكلم به الزوج، ويُصرف عن الطلاق ولا نحكم به، وهذا أشبه ما يكون بالاستثناء، فالعلماء رحمهم الله وضعوا لنا قاعدة في ألفاظ الطلاق: أن أقواها الصريح، وأن من تلفظ باللفظ الصريح، فإنه تَطْلُقُ عليه زوجته. يبقى السؤال: هل لهذه القاعدة مستثنيات؟

    حكم من قال لزوجته: طالق، وقصد من وثاق أو نحو ذلك

    قال رحمه الله: [ فإن نوى بطالق من وثاق].

    وهذا على صورتين: الصورة الأولى: أن يقول للمرأة ذلك، وتصدقه. فيقول: قلت لك: طالق، وقصدتُ مِن وثاق؛ كأن تكون كفيفة البصر، وكان قد قيدها، فقالت له: هل أطلقتني أو لا؟ فقال لها: أنت طالق، وقصد من وثاق، فإن صدقته أو قامت القرائن على صدقه، فحينئذ لا إشكال، بحيث إنه لا يرتفع الأمر لا إلى القاضي ولا إلى أي مسلم.

    فهذا بينه وبين امرأته إذا قال لها: أنت طالق، وقصد من وثاق، وصدقت، فلا تطلق عليه ولا يقع الطلاق؛ لأنه لم يقع لفظ الطلاق الذي هو طلاق. يعني: هو لم يقصد لفظ طلاق، وليس كالهازل الذي يقصد لفظ الطلاق وإن لم ينوِ الطلاق. فهذا الشخص جاء بمادة طلق لا لحل العصمة، وإنما جاء بها لأمر آخر، ومادة (طلق) تستعمل في حل العصمة، وتستعمل في غير حل العصمة.

    الحالة الثانية: أن تقوم القرائن على أنه أراد حل العصمة، مثل أن يقول لها في حال الخصومة: أنت طالق، أو يقول لها في حال الغضب: أنت طالق، وحينئذ إذا وقع شجار بينه وبين زوجته. فقال لها: أنت طالق، ثم ادعى أنه أراد: طالق من وثاق، فالتلاعب موجود، أو يكون الشخص معروفاً بالكذب والخداع واللعب، فإذا غضب من امرأته، أو حصل بينه وبين امرأته شيء، فقال لامرأته: أنت طالق، فقالت له: أنا طالق؟! قال: قصدت من وثاق، فحينئذ ينظر إلى هدي الشرع.

    وهدي الشرع أن هذا اللفظ -لفظ الطلاق- لفظ خطير لا يحتمل اللعب، ولا يمكن أن يفتح الباب لمن يتلاعب به، بدليل أن الهازل لما مزح مع زوجته أُلزم بطلاقها مع أنه لم يقصد الطلاق، فمقصود الشرع أن هذا اللفظ لفظ خطير موجب لحكمه، فإذا كان الشخص معروفاً بالكذب والخداع واللعب، وقال: قصدت من وثاق، ولم نلزمه الطلاق فمعنى ذلك أننا نفتح الباب للمتلاعبين، فتطلق عليه زوجته حكماً، أي: في الظاهر، وإذا رفع إلى القضاء في هذه الحال، وقال له القاضي: قلت: طالق؟ قال: قلت: طالق، وقصدت من وثاق، فالقاضي يأخذ بظاهر كلامه؛ لأنه إنما أمر أن يأخذ بظواهر الناس وأن يكل سرائرهم إلى الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الحكم في القضاء للظاهر، ولذلك قال: (إنما أقضي على نحو مما أسمع) فهدي الشرع يدل على أن الحكم للظاهر، وقد سبق وأن ذكرنا هذه المسألة في الألفاظ: أنه يلتفت إلى الظاهر، والباطن علمه عند الله، خاصة إذا كان صريحاً، والباطن له تأثير في مسائل الكنايات كما سيأتي في الألفاظ المحتملة.

    حكم من طلق ونوى به نكاحاً سابقاً منه أو من غيره

    قال رحمه الله: [أو في نكاح سابق منه أو من غيره].

    رجل طلق امرأته الطلقة الأولى، ثم ارتجعها، ثم قال لها يوماً من الأيام: أنت طالق، أي: أنك وقع عليك الطلاق مني سابقاً. فقصد بكلمة (أنت طالق) أنه قد وقع منه طلاق سابق، أو كأنه كان يريد أن يقول: أنت كنت يوماً من الأيام محلاً للطلاق، فطلقتك أو طلقك غيري. فهو يصفها بهذا، أو يكون معها أثناء الكلام، فيقول لها: أنت مطلقة، أي: سبق وأن طُلِقت، فحينئذ الشبهة قائمة، لكن حكم القضاء ينفذ الطلاق.

    حكم من سبقه لسانه في الطلاق

    قال رحمه الله: [أو أراد طاهراً فغلط].

    هذا يسمى: مسبوق اللسان، وهو أن يتلفظ بلفظ الطلاق وقَصْده غير لفظ الطلاق. فالفرق بين مسبوق اللسان والهازل: أن الهازل يقصد لفظ الطلاق، ويعلم أثر لفظ الطلاق، فيقول لامرأته: أنت طالق، ولكنه لا يريد الطلاق، ولا يريد إيقاعه حقيقة. فحينئذ قصد اللفظ، ولم يقصد الإيقاع، هذا بالنسبة للهازل. ومسبوق اللسان لم يقصد اللفظ ولم يقصد الوقوع، فيختلف فيه الأمران، كرجل أراد أن يقول لامرأته: أنت طاهر، فقال لها: أنت طالق، كأن تسأله المرأة: هل أنا نجسة أو طاهرة؟ فقال لها: أنت طالق، يريد أن يقول: أنت طاهر. فسبق لسانه فتكلم بالطلاق وهو لا يقصده ولم ينوه به، فحينئذ يحكم بكونه مسبوق اللسان. ومثلاً سألته: أنا طالعة أو نازلة؟ فأراد أن يقول: أنت طالعة، فقال: أنت طالقة، أو أراد أن يقول: طلبتك، فقال: طلقتك. فهذه كلمات متقاربة من بعضها. فإذا المرأة صدقته أو صدقه أولياؤها، وقامت البينة على صدقه، وانتهى الموضوع فيما بينهم، واقتنع بعضهم بكلام بعض فلا بأس، وهذا بينه وبين الله ينفعه، ولكن في القضاء والفتوى إذا استفتى فإنه ينظر إلى الظاهر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس).

    قال رحمه الله: (لم يقبل حكماً) ومعنى هذا: أنه يقبل ديانة، وعندنا -كما ذكرنا- الطلاق الحكمي والطلاق ديانةً. فديانةً: بينه وبين الله، وحكماً: في القضاء وعلى ظاهر حاله.

    1.   

    صور من صريح الطلاق غير المباشر

    ذكرنا مسألة صريح الطلاق، وهو اللفظ الذي لا يحتمل معنىً غيره، وذكرنا خلاف العلماء رحمهم الله في اللفظ الصريح، ورجحنا أن هناك ثلاثة ألفاظ: الطلاق، والفراق، والسراح، وأنه إذا تلفظ بها حكم بالطلاق، سواءً نوى أو لم ينوِ؛ ولكن هنا مسألة وهي: أن يأتي اللفظ الصريح ويتكلم به الزوج، ويُصرف عن الطلاق ولا نحكم به، وهذا أشبه ما يكون بالاستثناء، فالعلماء رحمهم الله وضعوا لنا قاعدة في ألفاظ الطلاق: أن أقواها الصريح، وأن من تلفظ باللفظ الصريح، فإنه تَطْلُقُ عليه زوجته. يبقى السؤال: هل لهذه القاعدة مستثنيات؟

    إذا سئل الرجل: هل طلقت زوجتك؟

    قال رحمه الله: [ولو سئل: أطلقت امرأتك؟ فقال: (نعم) وقع].

    هذا من ترتيب العلماء رحمهم الله، فاللفظ الصريح يأتي مباشرة: أنت طالق، أو طلقتك أو مطلقة... إلخ. ويأتي في بعض الأحيان سبق لسان، فصار عندنا الصريح الذي قصد به ونوى ووقع واعتد به ، وعندنا الصريح الذي يكون فيه سبق اللسان، وعندنا حالة ثالثة، وهي: أن يأتي غيره بالصريح فيجيبه موافقاً له، وهذا من ترتيب الأفكار كما ذكرنا. وصورة المسألة، أن يكون سأله رجل، قال: أطلقت امرأتك؟ (أطلقت) الهمزة: للاستفهام، قال: نعم. أو سأله: هل طلقت امرأتك؟ قال: نعم، فإنه لو لم يكن طلقها من قبل، تطلق عليه. وهذا الجواب قوله: نعم، أي: هي طالق، أو طلقتها.

    والقاعدة عند العلماء تقول: (جواب الصريح صريح) ويقولون: هي فرع من القاعدة: (السؤال معاد في الجواب). فالقاعدة الأولى التي هي الأم، تقول: (السؤال معاد في الجواب) ثم تبني عليها قاعدة: (جواب الصريح صريح)، فعندنا قاعدتان، فقاعدة: (السؤال معاد في الجواب)، هي التي بني عليها التطليق، وينظر في هذا الجواب، إن كان عن سؤال صريح فهو طلاق صريح، وإن كان عن سؤال كناية فهو لفظ كناية، فلما سأله قال له: أطلقت امرأتك؟ قال: نعم، قلنا: السؤال معاد في الجواب، وأصل التقدير: نعم طلقت امرأتي، أو نعم امرأتي طالق. هذا أصل التقدير.

    فهذا معنى قولهم: (السؤال معاد في الجواب) ويدل على ذلك السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قالت له أم سليم : (يا رسول الله! هل على المرأة من غسل؟ قال: نعم، إذا رأت الماء) أي: نعم تغتسل إذا رأت الماء، هذا أصل التقدير، فمن سأله: أطلقت امرأتك؟ وقال: نعم، فقد أجاب (والسؤال معاد في الجواب)، فكأنه قال: نعم طلقت امرأتي. هذه القاعدة الأولى.

    والقاعدة الثانية: لما سأله: أطلقت؟ لفظ (أطلقت) صريح، والجواب وقع بنعم، فجواب الصريح صريح، إذاً نعده من الطلاق الصريح، ويكون من اللفظ الصريح، فاستوى في الصريح أن يكون ابتداء من المكلف نفسه، أو يكون جواباً على سؤال، وعلى هذه القاعدة (السؤال يكون معاداً في الجواب) فرعوا مسائل كثيرة، منها: لو أن القاضي سأل الخصم وقال له: هل لفلان عندك عشرة آلاف؟ قال: نعم، حكم عليه بإقراره، ويجب عليه أو تثبت في ذمته العشرة آلاف. فقولنا: (السؤال معاد في الجواب) يستلزم أن نحكم بكونه قد طلق امرأته إذا أجاب بنعم، ولو سأله: أطلقت امرأتك؟ فقال: لا، لم يقع الطلاق؛ لأنه لم يجبه. فحينئذ كأنه قال: لا، لم أطلقها.

    وهنا ينبغي أن يتنبه إلى أن هناك حالتين، والمصنف هنا أطلق، وقال: تطلق عليه، لكن في الحقيقة حتى يكون الأمر أوضح: إذا سأل سائل، وقال: أطلقت امرأتك؟ وقال: نعم، لم يخل من حالتين: إما أن يقول: نعم، جاداً في الطلاق، فلا إشكال. وإما أن يقول مازحاً هازلاً، فالطلاق الأول من باب الجد، والطلاق الثاني من باب الهزل، فإن الهازل يمضي عليه الطلاق في السؤال، وفي صريح اللفظ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل طلاق الهازل كطلاق الجاد، ولم يفرق بين كونه معاداً في جوابه، أو كونه ملفوظاً ابتداءً.

    إذا سئل الرجل: ألك امرأة؟ فأجاب بالنفي

    قال رحمه الله: [أو: ألك امرأة؟ فقال: لا، وأراد الكذب، فلا].

    يعني: إذا قال له شخص: ألك امرأة؟ فجوابه: إن قال: نعم، لا يوجد إشكال، وله امرأة، وانتهى الإشكال، لكن المشكلة، إذا قال: لا. وعنده امرأة. فإنه إذا قال: لا في جوابه كأنه يقول: لم تعد لي امرأة، وهذا أصل الإشكال. فكأنه حل عصمة المرأة، وكأنه أخرج المرأة من عصمته. فهذا الاحتمال الأول. وحينئذ على هذا الاحتمال يكون طلاقاً. لأن معنى ذلك: لا لم تعد لي امرأة، فكأنه حل عصمة امرأته.

    الاحتمال الثاني: أنه لما قال له: هل لك امرأة؟ أو ألك امرأة؟ أو ألك زوجة؟ أو هل لك زوجة؟ قال: لا. يقصد زوجة كاملة، وزوجة فاضلة، وزوجة لها الصفات التي تستحق هذا الوصف الذي يراه كاملاً أو الذي يراه عظيماً، فقال: لا، أي: ليس عندي امرأة بتلك الصفات، أو تستحق أن توصف أنها امرأة. يقول هذا الكلام لكون بينه وبينها شيء، أو يكون فيها صفات تقتضي نقصها عن درجة الكمال.

    فإذاً: تردد اللفظ بين احتمالين، أو ترددت الكلمة بين احتمالين: فجملة يكون المراد بها الطلاق، فيما لو قيل له: هل لك امرأة؟ قال: لا. وقصد حل العصمة، وجملة يكون فيها المراد أنها ليست كاملة. فالأولى تقتضي التطليق، والثانية لا تقتضي التطليق. فتردد الجواب، وهذا الجواب ليس بصريح. بخلاف الأول فهو صريح: أطلقت امرأتك؟ قال: نعم. لكن هنا السؤال صريح أو الجواب صريح؟!! ألك امرأة؟ يعني: ألك امرأة من حيث هي أو ألك امرأة كاملة. فلما تردد بين الطلاق وغيره صار كناية. فانتقل حكم قوله: (ألك امرأة) إلى الكنايات، وتردد بين الطلاق وغيره، فنرجع إلى النية كالحال في طلاق الكناية، فنقول: إن نوى الطلاق بقوله: لا، طلقت، وإن لم ينوِ الطلاق، لم تطلق عليه امرأته. ويكون قوله: لا، أي: ليس لي امرأة كاملة الأوصاف.

    1.   

    حكم التصحيف في لفظة (طالق) أو الطلاق بغير اللغة العربية

    هناك مسائل يمكن أن تلحق بهذا الفصل، المسألة الأولى: أن يتلفظ باللفظ الصريح لكن مع التصحيف أو العجمة فيحرف لفظ الصريح، أو يصحف منه حرفاً أو حرفين، مثال ذلك: أن يصحف الحرف الأول من طالق، فينطق الطاء تاء، ويقول: (تالق)، أو يصحف الحرف الأخير، ويبدله غيناً ويقول: (طالغ)، أو كاف ويقول: (طالك). وبعض الناس يكون لسانه قد درج على هذا، فإذا قال: أنت طالق، يصحف فيقول: تالق أو طالغ أو طالك. وكل ذلك يوجب الطلاق، فيستوي أن يقع الصريح مصحفاً أو يقع على الأصل، ما لم يكن المصحف له معنى آخر، وقصد ذلك المعنى الآخر فلا إشكال؛ لأنه يخرج عن الصريح بالتصحيف.

    المسألة الثانية: بالنسبة للفظ الطلاق بغير العربية، كأن يكون لفظاً أعجمياً، فالألفاظ بحسب كل لسان، وكل قوم على حسب اللفظ الذي تدل عليه لغتهم بحل العصمة، فقالوا في الفارسية: (بهشم)، أو في التركية: (ستامبوس)، كل ذلك ذكر العلماء أنه يستوي فيه اللفظ العربي وغير العربي، ما دام أنه يفيد حل العصمة. فإذاً لا يختص اللفظ الصريح بالنسبة للفظ الطلاق باللغة العربية فقط، بل ممكن أن ينتقل إلى لغة غير العربية ما دام أنهم قد تعارفوا على ذلك، وأصبح من لغتهم.

    1.   

    الأسئلة

    الفرق بين الحائض والنفساء في العدة

    السؤال: هل حكم الحائض كالنفساء؟

    الجواب: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

    فالمرأة النفساء ليست كالحائض من كل وجه، أما من حيث العلة في إطالة العدة عليها، فإن النفساء تختلف عن المرأة الحائض من جهة أن أمرها قد استبان، فليس هناك حمل، وليست بمحل يشك أن تكون حاملاً، إلا أن بعض العلماء قال: إن النفساء تأخذ حكم الحائض فتطول عليها العدة، فتنتظر إلى طهرها من نفاسها، وبعد طهرها من نفاسها تستقبل عدةً جديدة، وعلى هذا يقولون: تكون في حكم المرأة الحائض من جهة إطالة العدة، وكلا القولين له وجهه، والله تعالى أعلم.

    الجمع بين قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً...) الآية وبين ما جاء تحريمه بالسنة

    السؤال: ما معنى قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ [الأنعام:145]، وهل هي دليل على إخراج غير الأصناف المذكورة في الآية؟

    الجواب: قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام:145]، هذه الآية الكريمة أصل عند العلماء رحمهم الله في إباحة ما لم يرد النص بتحريمه، ولكن قد تأتي نصوص أخر وتزيد على هذه الآية؛ لأن الله تعالى يقول: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ [الأنعام:145]، فإذا نظرت وجدت أن الميتة أو لحم الخنزير أو المذبوح لغير الله ثلاثة أصناف، مع أن السنة زادت محرمات أخر، فمثلاً: لحم الحمر الأهلية، فإنها ليست مذكورة في الآية الكريمة، وقد دلت السنة على أنها رجس، ولا يجوز أكل لحوم الحمر الأهلية، وكذلك أيضاً: كل ذي نابٍ من السباع، فإن السنة قد دلت على حرمة أكله، فهو ليس بميتة من حيث الأصل وليس بلحم خنزير، وليس داخلاً في الفسق الذي أهل به لغير الله، ولو أخذت بظاهر هذه الآية لأحللت أكل لحم الأسد والنمر، لكن لما جاءت السنة بتحريم كل ذي ناب من السباع، فإنك تقول بتحريمه، فالمقصود: أن الحصر في بعض الآيات، قد يراد به أصول المحرمات كأن تقول مثلاً: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً نبه على أصول المحرم من جهة التذكية، وهو الذي حل أكله في الأصل ولكن حرم لعارضٍ وهو عدم وجود الذكاة، مثلاً إذا جئت تنظر إلى بهيمة الأنعام وقد ماتت حتف نفسها بدون ذكاة تقول: إن هذه الآية أصل في تحريم هذا النوع، فكل ما لم يذكَ ذكاةً شرعية فهو مندرجٌ تحت: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ، إلا ما استثناه الشرع من ميتة البحر لقوله عليه الصلاة والسلام: (الطهور ماؤه، الحل ميتته).

    كذلك أيضاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ تستطيع أن تقول: لحم الخنزير أصل في تحريم كل مستخبث، فهو جاء بلحم الخنزير نصاً ونبه على مثله معنىً، وهذا من دقة القرآن؛ أن نصوص الكتاب في بعض الآيات تأتي بأصول المحرمات، فعندما تلتفت إلى لفظ الآية تظن أن السنة زادت أشياء، لكن لو التفت إلى المعنى لاستبعدت ذلك الأمر، وهذا الذي جعل جماهير العلماء يعتبرون القياس فيقولون: لحم الحمر الأهلية كلحم الخنزير، بدليل قوله تعالى: فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145]، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحمر الأهلية: (إنها رجس)، وكأن الأصل لم يختلف، فتجعل الآية أصلاً من جهة اللفظ ومن جهة المعنى، فتقول: أصول المحرمات لا تخرج عن كون الشيء مستخبثاً لذاته مثل الخنزير، أو يكون طيباً في أصله ولكن فقدت فيه الذكاة كالميتة، أو يكون مستخبثاً للمعنى؛ أي: فيه شرك؛ لأن الشرك مستخبث من جهة المعاني والاعتقاد، فيحرم الذي فيه شرك أو كان فسقاً أهل لغير الله به، فجاءت الآية بمجموع المحرمات، فقل أن تجد طعاماً محرماً يخرج عن هذه الثلاث، ولذلك حرمنا ذبائح المجوس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المجوس: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب، غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم)، أين تضع ذبائح المجوس؟

    تضعها تحت قوله: أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام:145]؛ لأن الأصل فيهم أنهم يهلون لغير الله عز وجل، وتحرم ذبائح الوثنيين والمشركين لنفس الآية: أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام:145]، وتحرم ما كان أصله حلالاً ولكنه لم يذك بالذكاة الشرعية؛ لأن حله موقوف على التذكية، فتقول: هو داخل تحت الميتة، فكل ما لزمت فيه الذكاة ولم تعمل فيه الذكاة فهو ميتة إلا ما خصه الدليل كصيد البحر. وقول النبي صلى الله عليه وسلم في صيد الكلب: (إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه؛ فكل - وقال بعد- فإن أكل فلا تأكل -أي: إذا أكل الكلب من الفريسة فلا تأكل- فإني أخاف أن يكون إنما أمسك لنفسه).

    فالكلب يذكي، وذكاته أن يمسك الفريسة لك، فلو نهش الفريسة وقتلها بنهشه، حل أكلها؛ لأن هذا النهش مثل السلاح الذي يطلق ويقتل الفريسة، فكما أنك ترسل السلاح الجامد ترسل الحيوان، لكن لو فرضنا أنه أرسله على الفريسة وسمى، فاستوفى الشروط فالله يقول: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ [المائدة:4]، أي لكم، فإذا أمسك وأكل؛ جاءت الشبهة: هل أمسك لنا، فيكون تحت آية الحل، أو أمسك لنفسه؛ فهو قد صاد لنفسه ولم يصد لنا، فحينئذٍ تقول: حرم أكله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن أكل -يعني الكلب- فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك لنفسه).

    هفل هذا محرم زائد عما في القرآن؟ تقول: أدرجه تحت الميتة؛ لأن الأصل أن هذا الممسوك ميتة، والذكاة تعمل في الحيوان إذا كانت على الوجه المعتبر، فلما كانت ذكاة الكلب على غير الوجه المعتبر؛ ألحقت بالميتات، وأصبحت مندرجة تحت هذا الأصل، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755912471