إسلام ويب

شرح زاد المستقنع كتاب الجهاد [2]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الجهاد عمل جماعي تقوم به جماعة المسلمين، ومثل هذه الأعمال الجماعية لابد فيها من وجود مرجعية تنظم هذا العمل وترتبه حتى لا يحصل الخلل والاضطراب، ولهذا كان من الواجب طاعة الإمام والصبر معه، وكان من واجبه إزالة جميع أسباب الخلل والاضطراب في هذا العمل العظيم.

    1.   

    آداب المسير إلى الجهاد

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ويتفقد الإمامُ جيشَه عند المسير]

    شرع المصنف رحمه الله في بيان جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بآداب المسير للجهاد في سبيل الله عز وجل.

    تفقد الإمام لجيشه

    فقال رحمه الله: (ويتفقد الإمام) أي: يتفقد الجيش عند الغزو، وهذا التفقد المراد به النظر في مصلحتهم، فما كان من نقص كمله، وما كان من خلل سده، فإن الله سبحانه وتعالى أمر عباده المؤمنين أن يعدوا العدة للجهاد في سبيل الله عز وجل، فقال: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] فأمر سبحانه وتعالى بالإعداد، ومِن الإعداد: تفقد الجيش قبل الغزو في سبيل الله عز وجل.

    وكانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فكان يتفقد أصحابه قبل الخروج.

    وكانت هذه سنة للخلفاء الراشدين من بعده، حتى إن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه لما بعث جيش أسامة رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج أبو بكر يشيع أسامة وهو على فرسه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّره على ذلك الجيش، فقال أسامة: (يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم اركب، فقال: إني أريد أن أغبر قدمي في سبيل الله عز وجل)، فكانت سنة لمن بَعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتفقد المجاهدين في سبيل الله، وهذا التفقد -كما ذكرنا- تشحذ به الهمم لطاعة الله ومرضاته، فيوصي الإمام بالوصايا الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، حتى يخرج المجاهدون وهم على بصيرة من طاعة الله عز وجل ومرضاته، وما ينبغي أن يُتَّقى من سخطه وغضبه.

    وكان عليه الصلاة والسلام يوصي أمير الجيش في خاصته بتقوى الله عز وجل، التي هي جماع كل خير، وأساس كل فلاح وصلاح في الدنيا والآخرة، ويأمر أفراد الجيش أن يغزوا باسم الله ليقاتلوا مَن عادى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكانت هذه الوصايا تقوي من همم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشحذ عزائمهم على الخير.

    فيتفقد الإمام الجيش قبل المسير، فإذا رأى أخطاءً أو رأى نقصاً فإنه يقوم بسد ذلك النقص، وتصويب ذلك الخطأ، ومن هذا أنه إذا رأى مَن لا يصلح للخروج منعه، كصغار السن الذين لا حاجة إلى خروجهم، ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعرض الصحابة يوم الخندق، ويوم أحد، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وعن أبيه: (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني) فقوله: (عرضت) يدل على أن المجاهدين يُعرَضون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رأى من لا يصلح للغزو؛ لضعفٍ، أو لصغر سنٍّ، أو جنونٍ، أو نحو ذلك من الآفات والموانع، فإنه يمنعه، ويجب على ذلك الرجل أن يمتنع طاعةً لله وطاعةً لرسوله صلى الله عليه وسلم وطاعةً لأولي الأمر، فإنه لا صلاح للأمور إلا بذلك؛ لأنه إذا كُسِر أمام العدو قوَّى من عزمهم على المسلمين، فيمنع أمثال هؤلاء الضعاف، وإذا وجد إنساناً ضعيفاً في زاده، أو غير مستعد، أمره بأخذ العدة، وأوصاه كذلك بما فيه الخير له في دينه ودنياه وآخرته.

    منع المخذلين والمرجفين من الخروج إلى الجهاد

    قال رحمه الله: [ويَمْنَع المخذِّل والمرجف]

    [ويمنع المخذِّل] التخذيل: من أعظم الآفات في الجهاد في سبيل الله عز وجل، والتخذيل هو شأن أهل النفاق -نسأل الله السلامة والعافية- فتجدهم يُضْعِفون عزائم المسلمين لجهاد أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيهوِّنون الأمر، ويجعلونه أمراً يسيراً لا يحتاج إلى قوة وإعداد، فأمثال هؤلاء يُمْنَعون؛ لأن المصلحة في عدم خروجهم، والمفسدة في خروجهم، والشرع جاء بجلب المصالح ودرء المفاسد، قال تعالى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ [التوبة:47] والإيضاع: ضرب من السير، وهذا يدل على أنهم يريدون الشر والبلاء بالمسلمين، فمن عرف أنه يخذل عن الجهاد في سبيل الله، فهذا مريض القلب ضعيف الإيمان، لم يتشرب الإيمان في قلبه، فمثل هذا لا مصلحة في خروجه، وقد منع الله رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يأذن لأمثال هؤلاء، قُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوَّاً [التوبة:83].

    وأما النوع الثاني فهم المرجفون: وهم الذين إذا سمعوا الأخبار أرجفوا بها، فإذا سمعوا قوة العدو، أخذوا ينشرون بين المسلمين تلك الأخبار، فيجعلون المسلمين في قلق وخوف وفزع، فيفقدون الإعداد المعنوي؛ لأن الجهاد في سبيل الله عز وجل -كما ذكر العلماء- يحتاج إلى نوعين من الإعداد:

    النوع الأول: الإعداد الروحي.

    والنوع الثاني: الإعداد الحسي.

    فأما الإعداد الروحي فهو: قوة الإيمان، وقوة الشكيمة والعزيمة، وحب الشهادة في سبيل الله عز وجل، وجعل الآخرة أحب إليه من الدنيا، ولذلك كان أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم يخرجون وقلوبُهم متلهفة للشهادة، وكان يقول قائلهم: (إنها لحياةٌ طويلةٌ إن عشتُ حتى آكل هذه التمرات)، فيرمي بها حتى يقتل في سبيل الله عز وجل، فإذا خرج الإنسان بهذه الروح المعنوية، فإنه تقوى عزيمته للجهاد في سبيل الله، ويقوى كَلَبه على أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم، وحق لمثله أن يشهد ساحة الوغى، فللوغى رجاله، وللقتال في سبيل الله أهله، وليس كل إنسان يستطيع أن يصبر ويصابر ويرابط على طاعة الله ومرضاته في مثل هذه المواقف العظيمة، ولذلك وصف الله يوم الخندق فقال: وإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب:10-11].

    فلا بد من الإعداد المعنوي، والإعداد المعنوي -كما قلنا- يحتاج إلى شيء من العلم والبصيرة بما أعد الله من الثواب، وحسن العاقبة والمآب إذا فاز الإنسان بالشهادة في سبيل الله عز وجل، وقد سطر التاريخ الإسلامي للسلف الصالح لهذه الأمة مواقف عظيمة تدل على كمال إعدادهم روحياً، وبذلك كسروا أعداء الله وانتصروا عليهم بقوة النفس وقوة الإيمان بالله عز وجل، وكان الرجل إذا رجع من الغزو ولم يقتل بكى، فكان يُفْجَع بعدم القتل أكثر من فجيعته بأن يُقْتَل أو يؤذَى في سبيل الله عز وجل.

    فالإعداد المعنوي هو الذي أشار الله إليه بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [الأنفال:45]، فأمر الله بالثبات، ولا يمكن للمسلمين أن يجاهدوا في سبيل الله عز وجل وقلوبهم خاوية، ونفوسهم ضعيفة، فهذا الإعداد المعنوي يفسده المخذِّل والمرجف، فكل منهما يحطم معنوية المجاهد، ويخذِّله عن لقاء العدو، ولذلك ذكر العلماء رحمهم الله أنه يجب على الأئمة ونحوهم إذا أرادوا الغزو في سبيل الله عز وجل أن يمنعوا هذين الصنفين من الناس، فلا خير في خروجهم، ولا مصلحة في شهودهم للغزو في سبيل الله عز وجل.

    وأما الإعداد الحسي فهذا ما يتعلق بأخذ القوة من الرمي ومعرفة أساليب القتال والجهاد في سبيل الله عز وجل.

    فلا بد من الأمرين، وقد أشار القرآن إلى أساس الإعداد المعنوي فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ [الأنفال:45]، وقال سبحانه أيضاً: وحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:84]، فالتحريض إعداد معنوي؛ ويفسده ما يشتت القلوب، وهو النزاع والخلاف في الرأي، فهذا يفسد الإعداد المعنوي؛ لأن اتحاد وجهة الناس واتحاد هدفهم ومقصودهم يقوي شكيمتهم على الأعداء، وتكسر به شوكة الأعداء أيضاً، ولذلك قال الله عز وجل: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46]، فقوله سبحانه: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا [الأنفال:46] يدل على أن الأصل أن يكون الناس على وجهة واحدة، فإذا جاء المخذِّل والمرجف فإنهم يجعلون الناس أشتاتاً، فقسم منهم يقول: العدو أقوى منا، ولا نستطيع قتاله، وقسم منهم يقول: العدو ضعيف، ونحن بإذن الله غالبون، و: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:249] كما قص الله علينا ذلك في كتابه.

    فهؤلاء المرجفون يفسدون ولا يصلحون للجهاد في سبيل الله، فيُمنَعون، والمصلحة في عدم شهودهم للغزو، ولذلك قال المصنف: (ويمنَع المخذِّل والمرجف)، وكلا الوصفين -التخذيل والإرجاف- لا خير فيه حتى في حال السِّلم، لما يُحدِث من الفتنة، وشتات القلوب، وتفريق الصفوف.

    وهذا الإرجاف غالباً ما يكون في المصالح العامة للمسلمين، وقد يقع في النيل من أئمة المسلمين وولاتهم والطعن فيهم، وكذلك الطعن فيمن يلي أمرهم، وتتبع العثرات والعورات، كل ذلك بقصد تشتيت شمل المسلمين وزعزعة الثقة بينهم، وقد يفعل البعض ذلك عن جهل وعدم قصد؛ ولكنه يفضي إلى ما لا تحمد عقباه.

    ولذلك لا خير في المرجف والمخذِّل، وإنما على المسلم أن يتوكل على الله، وأن يحسن الظن بعباد الله، وأن تقوى عزيمته على الخير، ولذلك كان سفيان الثوري رحمه الله يقول: (إذا سمعتم بالعائبة أو الفضيحة التي تكون فلا تنشروها؛ فإنها ثلمة في الإسلام)، فنشر مثل هذه الأمور يجعل الناس في شيء من الشتات والضيعة.

    ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف أمام الأحزاب، وهم فوق العشرة آلاف -على خلاف بين أهل السيَر في عددهم يوم الخندق- وكانت غزوة الأحزاب من أشد الغزوات على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، فلما رأى عليه الصلاة والسلام، ورأى المسلمون ما عليه أعداء الله من العدد والعدة، واجتماع كلمتهم على رمي الإسلام بقوس واحدة، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني قريظة قد خانوا العهد ونكثوه، فازداد البلاء على المسلمين، حيث إنهم لم يصابوا بمواجهة العدو بقوة فقط، بل إنهم أيضاً يُطعنون من الخلف من يهود بني قريظة، عَظُم الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل نعيم بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، لكي يتتبع الخبر، فكان من وصيته له، أنه أمره إذا وجد الخبر صحيحاً ألاَّ يصرِّح بما أقدم عليه يهود بني قريظة من نكث العهد، فقال له: (إن كان القوم كما زعموا، فالحن لي لحناً، ولا تفت في عَضُدنا)، فقوله: (فالحن لي لحناً) أي: قل لي كلاماً أفهم منه أنهم قد غدروا ونكثوا، (ولا تفت في عضدنا).

    فإذا كان الإنسان في جماعة المسلمين في سلم أو حرب فعليه أن يتقي الله عز وجل فيهم، فبعضُ الأمورِ نشرُها والإرجافُ بها وحملُها والتحدثُ بها يُحدِث شتات الشمل، وفرقة الصفوف، وهذا من أعظم ما يكسبه أعداء الإسلام من المسلمين.

    وكان علماء الإسلام يوصون الناس بعدم تفرق كلمتهم فيما بينهم، خوفاً من طمع العدو فيهم، فكلما كان المجاهدون في سبيل الله على قلب واحد، وعلى رأي واحد، كلما استقامت الأمور، وهذا هو هدي السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم ورحمهم أجمعين من الصحابة ومن تَبِعهم، فإن عمر رضي الله عنه لما اختلف مع أبي بكر في قتال مانعي الزكاة وكان عنده نص وعند أبي بكر نص، فما كان منه إلا أن سمع وأطاع لـأبي بكر ، فجعل الله الخير في رأي أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، مع أن لـعمر رضي الله عنه وأرضاه دليله وحجته، ولكن استقامة الكلمة واتحاد الصفوف في وجه أعداء الله أمرٌ مطلوب.

    والإرجاف كما يكون بالأقوال يكون بالأفعال.

    فإرجاف الأقوال: كنقل الأخبار، وأعظمَ ما يكون الإرجاف -كما ذكر العلماء وهو أشد ما يكون ذنباً على الإنسان- أن لا يكون على بينة من نقلها فينقلها، دون تَرَوٍّ فيها ولا تثبُّت.

    وإرجاف الفعل: كالاضطراب والخوف والقلق وظهور علامات الفزع، فهذا من إرجاف الفعل.

    ولذا يُمنَع هذا الصنف من الناس لمصلحة الجهاد في سبيل الله عز وجل.

    1.   

    النفل أحكامه وأنواعه

    قال رحمه الله: [وله أن ينفِّل في بدايته الربع بعد الخمس]

    (وله) أي: للإمام.

    (أن ينفِّل) شرع رحمه الله بهذه الجملة في بيان الأحكام المتعلقة بالغنيمة.

    فإن الجهاد في سبيل الله عز وجل وعد الله أهله بإحدى الحسنيين:

    - إما الشهادة في سبيل الله عز وجل.

    - وإما الغنيمة ونيل ما نالوا من أجر الدنيا.

    وقد ثبت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: (ما مِن سرية تغزوا في سبيل الله ويغنموا، إلا كان هذا فيه نقص لأجرهم) أي: أن أجر الدنيا يُنقِص عظيم ثواب الآخرة؛ لأن الأعظم والأكمل لهم ثواباً أن يُقتَلوا ويستشهدوا في سبيل الله عز وجل، فإذا خرج المجاهدون وأصابوا العدو فإنه يَرِد السؤال عن حكم الغنائم التي تُكْتَسب من الجهاد في سبيل الله عز وجل.

    وهذا من ترتيب الأفكار، فبعد أن بيَّن رحمه الله على مَن يجب الجهاد، وما الذي ينبغي من الإعداد المعنوي للجهاد في سبيل الله عز وجل، كأن سائلاً سأل: لو وقع الجهاد في سبيل الله وغنم المسلمون فماذا يُفعَل بما غنموه؟

    أقسام الغنائم

    والجواب أن الغنائم تنقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: المنقولات.

    والقسم الثاني: العقارات.

    فما يناله المسلمون من الأعداء:

    - إما أن يكون أرضاً ودوراً ونحوها، فهذه تسمى: العقارات.

    - وإما أن يكون من الأموال كالذهب، والفضة، والدواب، والسلاح، والكراع، ونحو ذلك، فهذا يسمى بالمنقول.

    فأما العقارات كالأراضي والدور، والمزارع، وغيرها، -كما لو دخلوا بلاد العدو وغنموها، وفتحوها- فلها حكم بينته السنة، وكان له هدي عليه الصلاة والسلام في ذلك، وكذلك عن الخلفاء الراشدين مِن بعده.

    وأما النوع الثاني: وهو المنقولات من الذهب، والفضة، والسلاح، والكراع، والدواب ونحوها مما يُغْنَم، فشرع المصنف رحمه الله في بيانه.

    أقسام التنفيل

    فيُعطى الإمامُ أو القائد أو مَن له النظر في مصلحة الغنائم، والمنهج المعتبر في تقسيمها أنها تكون على أحوال:

    - قسم منها يكون سَلَباً، ويُستَحق لمن قتل قتيلاً ومعه بينة على ذلك.

    - وقسم منها يكون رضخاً وعطاءً، ويعطيه القائد على حسب المصلحة التي يقصدها من وراء العطاء.

    - وقسم منها يستحق بالشرط، كأن يشترط القائد ويقول: مَن فعل كذا وكذا فأعطيه كذا وكذا مَن فتح الباب، ومَن كسر كذا أو مَن أحدث الثغرة الفلانية، فإن له كذا وكذا، فهذا يسمى الاستحقاق بالشرط.

    وبطبيعة الحال أنه إذا غزا المجاهدون في سبيل الله، فالأحوال تختلف:

    فتارة يغزو الجيش بكامله، ويدخل بلاد العدو، أو يواجه العدو بقوته الكاملة، فحينئذ يواجه المسلمون الأعداء بيدٍ واحدة، وتكون الغنيمة لا نَفَلَ فيها للسرايا، أي: ليست هناك سرايا تُبعَث، وإنما يقابل الجيشُ الأعداء مرةً واحدةً.

    وتارة يبعث الإمامُ بعوثاً ويرسل سرايا، أو يرسل العيون لأخذ الأخبار، ثم يرسل بعدها السرايا، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يبعث السرايا للجهاد في سبيل الله عز وجل.

    كيفية تنفيل السرايا

    والسرايا تنقسم إلى قسمين:

    السرية القبلية: أي: ما يكون قبل القتال، والجهاد، وقبل إتيان العدو، وهذا النوع من السرايا يمهد الطريق للجيش، ويستطلع حال الأعداء، ويستكشف أمرهم.

    السرية البعدية: وهي التي تكون بعد خروج الجيش، وانتهاء المعركة.

    فما كان مِن السرايا قَبْلُ فهذا بلاؤه أعظم، والضرر الذي يتعرض له والخطر أشد؛ لأنه يذهب في قوة العدو، فحينئذ قد يواجه جيش العدو، ولذلك يكون حظه من النَّفَل أكثر من حظ الذي يُبعَث بعد خروج المسلمين أو رجوعهم.

    أما السرية البَعْدية فهي التي يبعثها الإمام للاطمئنان من أن العدو قد كُسِرت شوكته، وأنه ليس له ظهير، وأنه قد انقطع أمرُه بانتهاء القتال؛ لأنه لا يأمن في بعض الأحيان أن يكون هناك كمين، يفاجئ المسلمين من حيث لا يشعرون.

    فلذلك فُرِّق بين السرية القَبْلية والسرية البَعْدية، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاًّ من الأمرين، فكان يبعث السرايا القَبْلية ويبعث السرايا البَعْدية، ولذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في حديث حبيب بن مسلمة : (أنه كان ينفِّل الربع والثلث) فيعطي ربع الغنيمة أو ثلثها للسرية القَبْلية، لعظيم بلائها كما ذكرنا، والعلماء رحمهم الله يقولون: إعطاء الثلث والربع يرجع إلى نظر الإمام واجتهاده وعلى حسب بلاء السرية، فإذا -بفضل الله عز وجل ثم بهذه السرية- فعلت فعلاً تمكن به المسلمون من كسر العدو ربما زادهم، حتى أوصلهم إلى الثلث، وإذا كانت مهمة السرية يسيرة، فله أن يعطيهم الربع، وهذا أمر يرجع إلى اجتهاد الإمام.

    وقد جاء في حديث حبيب بن مسلمة رضي الله عنه ومعاذ بن جبل رضي الله عنه عند أحمد وأبي داود في السنن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نفَّل الثلث والخمس، فكان إذا أرسل السرية قَبْلُ نفَّلها الثلث -يعني: قبل القتال- وإذا أرسل بَعْدُ نفَّلها الخمس) وهذا كله -كما ذكرنا- راجع إلى نظر الإمام ومعرفته بعظيم بلاء هذه السرايا.

    تنفيل القاتل سلب قتيله

    وقوله: (أن ينفِّل) النَّفَل في اللغة: الزيادة، فإذا زاد الشيء على الأصل فإنه يقال: هذا نافلة، أي: شيء زائد، ومنه سميت نافلة الصلوات؛ لأنها زائدة على الفريضة التي أوجب الله، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سأله الأعرابي: (هل عليَّ غيرها -أي: غير الخمس- قال: لا. إلا أن تطَّوَّع) أي: تتنفل، ولذلك يسمى الحفيد بالنافلة، كما قال سبحانه وتعالى: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً [الأنبياء:72] فالنافلة تقال لولد الولد؛ والأصل أن الوَلَدَ للإنسان، وأما وَلَدُ وَلَدِه فزيادة.

    فالنَّفَل هو: زيادة على حظ الإنسان في الغنيمة، فإذا غزا المجاهدون في سبيل الله عز وجل، فلهم سهم من الغنيمة، وهذا القسم قد بينته السنة: للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، والأصل في الغنائم أن الإمام يفعل بها ما يلي:

    إذا انتهت المعركة واستقر الأمر، يقوم الإمام بأخذ الأسلاب، وإعطائها لأصحابها. وهذا النوع الأول مما يؤخذ من الغنيمة، وهو وأول ما يُفْعَل فيها، أي: أن يعطي سَلَب المقتول لقاتله، ومسألة سَلَب المقتول صورتها أو حقيقتها: أن كل مَن قتل رجلاً بعينه فإنه يستحق سَلَبه، والسَّلَب: هو ما هو عليه من سلاح -سلاحه الشخصي- وكذلك ثيابه ودابته، وكل ما عليه، فهذا الشيء يستحقه، وله أخذه، والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (مَن قتل قتيلاً فله سَلَبُه)؛ لكن بعض العلماء -رحمهم الله- يقولون: سَلَب المقتول يُستَحق إذا أعطاه الإمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل الغزوة: (مَن قتل قتيلاً فله سَلَبُه) فإن لم يقل ذلك فإنه لا يستحقه، وبعضهم يقول: يُستَحق السَّلَب مطلقاً؛ لكن يُفَرَّق بين الجيش الذي له عطاء -وهو الذي يُسمَّى بالراتب- والجيش الذي لا عطاء له، فالجيش الذي له عطاء قالوا: لا سَلَب له، وليس له شيء لا من السلب ولا من الغنيمة؛ لأن عطاءه يرجع للإمام، وأما الجيش الذي لا عطاء له، وهم المتطوعون، فهؤلاء هم الذين فيهم الخلاف بين العلماء رحمهم الله، وللعلماء فيهم الوجهان اللذان ذكرناهما.

    فإذا قتل قتيلاً وله عليه علامة أي: بينة، فإن من حقه أن يأخذ سلبه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفَّل السَّلَب.

    إخراج كلفة النقل من الغنيمة

    أما النوع الثاني من النَّفَل: فيكون لنوع خاص فبعد أن ينتهي الإمام من إعطاء السَّلَب للقاتل، يقوم بعد ذلك بسحب أموال الغنائم من أرض المعركة، فيأمر الحمَّالين ونحوهم أن يقوموا بجمع الغنائم وحيازتها وحفظها ورعايتها، فإذا قام بذلك يقوم قبل قسمتها وقبل الرضخ منها بإعطاء أجرة أو تكاليف هذه الحيازة، وهذا نص عليه العلماء وذكروه: أنها لا تقسم الغنائم حتى يؤخذ منها كُلفَةُ حيازتها.

    تنفيل أهل البلاء في القتال

    بعد حيازة الغنيمة يقوم الإمام بالنظر فيمن له بلاء أثناء المعركة، وهم الأقوام الذي أبلوا إما بالشرط، وإما بدون شرط.

    فالنوع الأول: الذين أبلوا بشرط: كأن يقول الإمام -كما مَثَّل العلماء في القديم- فيما لو أن العدو تحصَّن من وراء كثبان رمل، أو من وراء سور فقال: مَن نَقَب هذا السور أو فَجَّر هذا السور فله كذا وكذا، فهذا يسمى العطاء المستحق بالشرط، فحينئذ يعطي مَن وعده عطاءً معيناً ذلك العطاء الذي وعده، سواءً تعين ذلك العطاء أو كان العطاء مبهماً بالنسبة، كأن يقول: لك الربع، لك الثمن، ... إلخ، ومِن هذا: إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم سواري كسرى لـأبي معبد رضي الله عنه وأرضاه.

    فإذا أبلى إنسان معين فمن حق القائد أو الولي أن يخصه بعطاء معين، وهذا هو النوع الثالث من النَّفَل.

    فأصبح عندنا ثلاثة أشياء:

    - أولاً: سَلَب المقتول وهو لقاتله.

    - ثانياً: مَن كان مستحقاً بالشرط، وهو الذي اشترط له الإمام فعلاً فقام به.

    - والثالث: مَن له بلاء أثناء المعركة، كإنسان أثناء المعركة فَعَل فعلاً دمر به العدو، أو كسر به شوكته، أو فتح به ثغرة كانت سبباً في نصر المسلمين، فهذا يُعْظِم له الجزاء ويخصه بعطية معينة.

    الأدلة على تقسيم الأنفال وكيفية توزيعها

    وهذه الثلاثة لها أصول:

    فالنوع الأول الأصل فيه: قوله عليه الصلاة والسلام: (مَن قتل قتيلاً فله سَلَبُه).

    وأما النوع الثاني -وهو الاستحقاق لعظيم البلاء- فالأصل فيه: حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وأرضاه -وكان من أرمى الصحابة- فإنه في يوم ذي قَرَد -كما ثبت في الصحيحين- أبلى بلاءً عظيماً، فنفَّله النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أيضاً في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أبلى بلاءً حسناً في جهاده، فنفَّله أبو بكر رضي الله عنه أمةً من الإماء، وأعطاه إياها لعظيم بلائه، فهذا يُستحق بدون شرط.

    فهذه ثلاثة أنواع.

    النوع الرابع مما يؤخذ من الغنيمة أو يقوم الإمام بأخذه: كلفة وأجرة حمل الغنيمة، وهذا ذكرناه في الأول.

    بعد هذا يقوم بقسم الغنائم بالصورة التي سيذكرها المصنف رحمه الله: (للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم).

    وأما مكان قسمة الغنائم للعلماء فيها قولان:

    - بعض العلماء يقول: تقسم في أرض المعركة، ولا بأس أن تقسم في أرض العدو.

    - وقال بعض العلماء: إنما تقسم بعد الحيازة -أي: بعد أخذها- ولا تقسم في دار الحرب، والسبب في هذا هو خشية أن يهجم الأعداء على المسلمين، وكأنهم يرون أنها لا تُستَحق ولا تُملَك إلا بعد رجوعهم إلى ديار المسلمين.

    والصحيح مذهب الجمهور: أنه يجوز للإمام أن يقسم الغنيمة في أرض المعركة، ولا بأس أن يقسمها حتى في أرض العدو؛ لأن النصوص دالة على ذلك، كما ثبت من هدية صلى الله عليه وسلم.

    قول: (وله أن ينفِّل في بدايته الربع بعد الخمس، وفي الرجعة الثلث بعده)

    كان الحكم بالنسبة لأهل الكتاب ومَن قبلنا أنهم لا يأخذون الغنيمة، وإنما كانوا يجمعون غنائم الحرب، ثم يرسل الله عليها ناراً من السماء، فإن كانت مقبولة حُرِقت، وإن كانت غير مقبولة لا تُحرق، وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه قال: (غزا نبي من أنبياء الله... وفيه: ثم جمعوا الغنيمة فأتت النار ولم تحرقها فقال: فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعه من كل قبيلة رجل، فلصقت يد أحدهم بيده، فقال: فيكم الغلول، ليبايعني من كل بطن منكم رجل، فلصقت يده بيد رجلين منهما، فأمر بهما فأحرق رحلهما)، فصارت سنة في إحراق الرحل، وقالوا: إن الغلول لما وقع، كان من العقوبة لهم حرق الغنيمة.

    والثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله خص هذه الأمة بالغنائم، فقال صلى الله عليه وسلم: (وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي)، وهذا من رحمة الله بهذه الأمة، ومن تيسيره لها، ومن عظيم فضله وإحسانه إليها، فإن الله سبحانه اختصها بالخصائص التي منها: وضع الآصار عنهم.

    فالغنائم كانت لا تقسم، وإنما كانت تحرق، كما كان في بني إسرائيل وغيرهم من أهل الكتاب ممن مضوا.

    1.   

    لزوم طاعة ولي الأمر

    قال رحمه الله: [ويلزم الجيش طاعته والصبر معه]

    أي: يلزمهم أن يطيعوا إمامهم، والسمع والطاعة لولاة الأمور أصل وقاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة، فلا بد للمسلم أن يكون مع جماعة المسلمين وإمامهم، وألا يشذ عنهم، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وعظ الصحابة وذكرهم بالله عز وجل قال: (عليكم بالسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشي) فأمرهم وألزمهم بالسمع والطاعة؛ لأن الله أوجب ذلك على عباده المؤمنين، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] يقول العلماء: إن الله ناداهم باسم الإيمان؛ لأن الذي يطيع الله ورسوله إنما هم المؤمنون، والذين يستجيبون لأمر الله ورسوله إنما هم المؤمنون السعداء الموفقون، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] فقرن سبحانه وتعالى طاعته بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل طاعة ولاة الأمر تابعة لطاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام.

    وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني -وفي رواية-: من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني).

    والسبب في ذلك: أن مصالح المسلمين تفتقر لمن يقوم بالنظر فيها، وهذا هو الذي جعل الحكمة في الشرع أن يكون لهم من ينظر في مصالحهم، فيرعى تلك المصالح، ويدرأ عنهم المفاسد، فإذا اجتمعت الكلمة عليه، فإنه يجب على المسلم أن يسمع ويطيع لولي أمره، في غزوٍ أو غير غزو؛ لأن الله أوجب عليه ذلك، وفرضه عليه، وإنما تكون السمع والطاعة في المعروف أي: فيما وأمر الله به أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك لا سمع ولا طاعة إذا أُمِر عبدٌ بمعصية الله عز وجل.

    فنبه المصنف رحمه الله على لزوم طاعة أمير الجيش، فإنه لا يستقيم أمر الجهاد في سبيل الله إلا بطاعته، فإذا أصبح الجند يتفرقون عنه، وكل له رأيه، وكل له قوله، فإن أمرهم إلى ضياع وإلى خذلان، ولذلك نص العلماء رحمهم الله على أن السنة قضت بلزوم الجماعة خوفاً من المفاسد والشرور، فقد يرى بعض الناس رأياً يختلف به مع جماعته، فإذا خالفهم وانفرد برأيه، وأصر عليه، فإنه مظنة أن يشتت الأمر، ويفرق الجماعة؛ لكنه إذا دخل في جماعة المسلمين وسمع وأطاع، فإن الله يثيبه على رأيه إن كان صواباً، وإن كان خطأً دفع عن المسلمين شر رأيه، وإلا جمع بين السوأتين: الخروج عن الجماعة، وفساد الرأي.

    ولذلك عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمر السمع والطاعة، وأخبر أن صلاح الأمة في السمع والطاعة؛ خوفاً مما يترتب على الخروج والفرقة من البلاء العظيم.

    ولذلك لما قال الصحابة: (أفلا نناجزهم) وذلك عندما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بفساد الأئمة، قال عليه الصلاة والسلام: (لا. ما أقاموا فيكم الصلاة، لا. ما أقاموا فيكم الصلاة) فهذا نص صحيح صريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم الخروج عن الأئمة، حتى ولو كان الإنسان في سفر مع رفقة وفيهم أمير، فلا يخرج إذ من السنة أن كل ثلاثة في سفر ينصبون أميراً عليهم، وهذا يدل على حرص الإسلام على الكلمة الواحدة، وعلى الجماعة الواحدة، وما دخلت الشرور على الأمة إلا بتفرق الكلمة ووجود الحزبيات وتفرق الآراء والجماعات.

    وكلما فُتِح باب النقد فُتِحَت أبواب الأهواء على الناس، وذهبت مكانة أئمتهم، ومكانة علمائهم، ومكانة ذوي الرأي والوجاهة فيهم، فإذا وجدت الناس على كلمة واحدة يحترمون أهل العلم، ومن له الأمر، وجدتهم على خير، وعلى استقامة وبر؛ ولكن إذا دخلت الدواخل، تَشَتَّتَ الشملُ وعظُمت الفتنة، حتى يصبح الإنسان حائراً لا يدري ما الذي يفعل.

    فالمقصود: أنهم إذا خرجوا للجهاد في سبيل الله في جماعتهم فلا يجوز أن يخرجوا عن القائد، أو يعصوا أمره؛ لأن هذا يُذْهِب هيبته، ويذهب قوة المسلمين على عدوهم.

    وتنبيهه رحمه الله على لزوم الطاعة يعتبرونه من آداب الجهاد في سبيل الله، وهذا من الأدب الواجب، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة للأمير وإن جلد الظهر، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام (اسمع وأطع وإن جلد ظهرك وأخذ مالك) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وقد ورد عن الصحابة أنهم قالوا: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، وأثرة علينا) فبين الصحابة رضوان الله عليهم أن بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت على المنشط والمكره، أي: على ما يحبون وما يكرهون، ولذلك أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على من هذا حاله، فقال: (طوبى لعبد آخذٍ بعنان فرسه، إن قيل: في المقدمة ففي المقدمة، وإن قيل: في الساقة ففي الساقة) وهذا الحديث فيه حكمة عظيمة، توضيحها: أن هذا الرجل استحق الثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزومه للسمع والطاعة، فقال عليه الصلاة والسلام: (طوبى) قيل: هي الجنة، وقيل: شجرة في الجنة لو سار الراكب تحتها مائة سنة ما قطعها، (طوبى لعبد آخذٍِ بعنان فرسه) هذا في الجهاد في سبيل الله، (إن قيل: في المقدمة) المقدمة: مظنة الخوف، ومظنة الهلاك، فلو قال له الإمام: تقدم، وقال له: كن في المقدمة، فإنها أماكن القتل، وأماكن الهلاك، فيتقدم ولا يتأخر، (وإن قيل: في الساقة ففي الساقة) فقد يكون شجاعاً، فلو قيل له: في الساقة، يتألم؛ لأنه يريد الشهادة، ويريد أن ينكي بالعدو، ومع ذلك لا يقول: أنت لا تفقه.. أو لا تعلم.. أو كان ينبغي أن يضعني في الأمام، أو يجلس مع أصحابه لكي يخذِّل في رأي القائد، ويكون بذلك نزع الثقة من قلوبهم، وأفسد ما في نفوسهم، وحينئذ يتشتت شملُهم، وتذهب قوتهم.

    فالمقصود أنه لا بد من السمع والطاعة إذا كانت بالمعروف، لما فيها من صلاح أمور الناس في دينهم ودنياهم.

    لزوم الصبر مع القائد والصبر عليه

    (ويلزم الجيش طاعته) طاعة القائد والوالي وولي أمره.

    (والصبر معه) لأن الجهاد في سبيل الله يقع فيه امتحان وابتلاء للناس، ولذلك وقع لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك شيء، فإن الصحابة يوم حنين ابتلوا ابتلاءً عظيماً، ومن ذلك ما ابتلي به الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم، فإن من تأمل غزوة حنين، وجد كيف أن الله ابتلى أنصار رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على حكم الشرع، فعندما انتهت غزوة حنين قسم عليه الصلاة والسلام الغنائم، فأعطى أبا سفيان مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن الفزاري مائة، وأعطى الأقرع بن حابس مائة كذلك، فقال بعض الأنصار: (أيعطيهم وسيوفنا تقطر من دمائهم) أي: نحن الذين قاتلنا، ونحن الذين أبلينا، ثم يذهب ويعطي هؤلاء؟! فـأبو سفيان حديث عهد بالإسلام، وكذلك الأقرع بن حابس ، فكأنهم وجدوا في أنفسهم شيئاً، فانتشرت الأخبار حتى بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل بلغ ببعضهم -والعياذ بالله- وهو رأس الخوارج أن قال: (إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله). نسأل الله السلامة والعافية! أي: إن هذه القسمة حابى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاشاه! فلما قال هذه الكلمة، وبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله أخي موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر)، فلما كثر كلامهم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة رضي الله عنه وأرضاه، وقال له: (ما مقالة بلغتني عنكم؟ -أي: عن الأنصار، وكانوا لا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله! أما أهل الحلم والعلم منا فلم يقولوا إلا خيراً، وأما سفهاؤنا -أي: الشباب أحداث السن- فقالوا: يعطيهم وسيوفنا تقطر من دمائهم -أي: نحن الذين أبلينا وكان ينبغي أن يكون العطاء لنا-، فقال عليه الصلاة والسلام: أين أنت يا سعد ؟ -هنا الابتلاء، إذا كان قومك قالوا هذا القول، فأين أنت؟ فما كان ليكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال: المرء مع قومه) وهذا من كمال الأدب، فلم يقل: ضدك، أو لست معك، وإنما قال: (المرء مع قومه)، وجاء بقاعدة عامة، يحتمل أن يكون قائلاً بها، أو ليس بقائل؛ لكن السياق دال على أنه يجد في نفسه، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن جمعهم في القصة المشهورة ... إلى آخرها.

    فانظر إلى رسول الأمة صلى الله عليه وسلم وصحابته كيف ابتلوا!

    ففي الجهاد تقع أشياء من الابتلاءات والتمحيص، ليهلك مَن هلك عن بينة، ويحيا مَن حَيَّ عن بينة، ويظهر مَن أراد الله والدار الآخرة، ويظهر مَن يريد الدنيا، يقول الله تعالى: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152]، والله سبحانه وتعالى يبتلي في مثل هذه المواقف، فالمجاهد في سبيل الله عز وجل ينبغي عليه أن يصبر على مَن ولاه الله أمره، وإذا صبر عظم أجره، وحسن بلاؤه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للأنصار: (إنكم ستجدون بعدي أثرة، قالوا: يا رسول الله! فما تأمرنا؟ قال: اصبروا وإني فرطكم على الحوض) لأن الإمام ربما اجتهد في شيء، فحمَّلك أن تقوم به، فلا تقل: كان ينبغي أن يأمر غيري.. وكان ينبغي أن يقوم به غيري. أو يعطي غيرك ويمنعك، فلا تقل: لماذا أعطى غيري ومنعني؟ إنما عليك أن تصبر؛ لأنك تريد الله، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فلا بد من الصبر.

    ومراده بـ(الصبر معه) أي: في حال الابتلاء، وقد يأمر الأمير بأمر ثقيل، فتصبر وتتحمل؛ لأن هذا من كمال الإيمان، وهذا من قوة إيمان الإنسان، أنه يصبر على أميره، ويسمع له ويطيع، وإذا طلب منه أمراً قام به على أتم الوجوه وأكملها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الحق الذي لكم).

    فلابد من الصبر مع الأمير على الجهاد في سبيل الله عز وجل، وما يكون منه من النظر والاجتهاد، قال صلى الله عليه وسلم: (يصلُّون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم).

    قال رحمه الله: [ولا يجوز الغزو إلا بإذنه] أي: بإذن الأمير، فلا بد من السمع والطاعة لولي الأمر وللأمير، فإذا قال له: اغزُ، غزا، وإذا قال له: لا تخرج، يسمع ويطيع، فلا يخرج بدون إذنه، وهذا أصل عند العلماء رحمهم الله: أن الغزو لا يكون لكل من هب ودب، بل ينبغي أن يكون تحت راية الإمام وبإذنه.

    قال رحمه الله: [إلا أن يفجأهم عدوٌ يخافون كَلَبَه]

    (إلا) أداة استثناء، والاستثناء: إخراجٌ لبعض ما يتناوله اللفظ، فلما بيَّن رحمه الله أن السمع والطاعة لازمان شرع في بيان الأحوال المستثناة، التي يجوز للإنسان أن يجاهد فيها ولا ينتظر الإذن، وهذه الأحوال ذكر العلماء منها: أن يفجأ عدوُّ يخافون كَلَبَه، فلو أن العدو هجم بغتة، فلا ينتظر حتى يأمره الإمام بالجهاد؛ وإنما يجاهدهم ويقاتلهم مباشرة، وهذه الأحوال المستثناة سبق الكلام عليها، وهي إحدى الحالات الثلاث التي يصير فيها الجهاد فرض عين، فيقاتل الرجلُ وتقاتل المرأةُ ويقاتل الصغيرُ، ويقاتل الكبيرُ.

    (يخافون كَلَبَه) الكَلَب بالفتح: هو الشر والضر.

    ومراده بـ(يخافون كَلَبه) أي: شرَّه وضرَّه، بمعنى: أن يكون قوياً ويغلب على ظنهم أنهم إذا لم يقاتلوه الآن، فإنه سيحصل بلاء وأن العدو سيفتك بهم، فحينئذ يجوز لهم أن يقاتلوه مباشرة ولا ينتظروا الإذن من الإمام.

    1.   

    الأسئلة

    معنى قوله تعالى: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ)

    السؤال: إذا مر قوله تعالى: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، فهل المقصود به الجهاد؟

    الجواب: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

    أما بعد:

    فـ(فِي سَبِيلِ اللَّهِ) إذا أطلق في الكتاب والسنة، فيراد به أحد معنيين:

    - إما أن يراد به المعنى الخاص، وهو الجهاد في سبيل الله عز وجل، وهذا هو الشائع والأكثر.

    - وإما أن يراد به عموم الخير والطاعة والبر، فتقول للإنسان: أنفق مالك في سبيل الله، أي: في طاعته ومرضاته؛ لأن السبيل المراد به: طريق الله، فالذي ينفق ماله في تفريج كربات المسلمين وستر عورات المعسرين والمحتاجين، فإن هذا السبيل الذي طرقه في إنفاق ماله هو سبيل الله؛ لأن الله يحبه، ودعا إليه، وهدى إليه، ورغَّب فيه، فتقول: هذا أنفق ماله في سبيل الله، ومن أمثلة ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (مَن أنفق زوجين في سبيل الله، نودي يوم القيامة: يا عبد الله! هذا خير، فمن كان من باب الصلاة نودي من باب الصلاة ..) إلى آخر الحديث.

    والأكثر والأشهر أن يُطلق سبيل الله ويراد به الجهاد في سبيل الله عز وجل، حتى أن العلماء رحمهم الله يقولون: من فوائد الجهاد: أن الله سبحانه وتعالى سَمَّى الجهاد سبيلاً له، لما فيه من عظيم المكرُمات، وجزيل الفضائل والحسنات، فجعله بهذه المثابة، ولذلك وصف القرآن بأنه طريقه فقال: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]، قال جمعٌ مِن السلف مِن الصحابة ومَن بعدَهم: إن قوله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً [الأنعام:153] يعني: القرآن، ووصف القرآن بأنه هو صراطه، وأنه هو الصراط المستقيم، تعظيماً للقرآن، ووصف الجهاد بكونه سبيلاً لله عز وجل؛ لأنه الطريق الذي ينتهي بصاحبه إلى الله سبحانه وتعالى.

    ومن هنا: إذا أطلق (سبيل الله) فالمراد به: الجهاد في سبيل الله، وهذا هو السبب الذي اختلف من أجله العلماء في قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60] فإن قوله: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) جماهير العلماء ومنهم الأئمة الأربعة وعلى أن المراد بهذا الصنف السابع إنما هم المجاهدون في سبيل الله، أي: أن الزكاة تصرف في الجهاد في سبيل الله. وقال طائفة من العلماء: إن المراد بقوله: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ): أوجه الخير والبر، وهذا ضعيف من وجهين:

    الوجه الأول: أن العرب لا تعطف العام على الخاص، ويليه بعد ذلك الخاص، وإنما تعطف العام على الخاص أو الخاص على العام، أي: تأتي بالعام أولاً ثم تخصص، لمزية في هذا الخاص، كقوله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ [القدر:4]، فإن الروح -وهو جبريل- يعتبر خاصاً، فحينئذ ذكره على الخصوصية تفضيلاً له وتشريفاً. وإما أن تذكر الخاص أولاً، فتقول: ليأتني محمد والناس، فحينئذ يكون ذكرك لمحمد من باب التفضيل له، أو تقول لابنك: اعزم خالك وعمك وسائر القرابة، فلما ذكرت الخال والعم بينت أن لهما مزيةً وفضلاً، أو تقول: اعزم الناس وخالك وعمك، كأنك تؤكد عليه أن الخال والعم له حق آكد من الناس، فالعرب إما أن تقدم العام وتعطف الخاص عليه، أو تقدم الخاص وتعطف العام عليه؛ ولكن لا تدخل عاماً بين خاصين، فلو كان المراد بقوله: (في سبيل الله)، العموم لقال الله تعالى: (إنما الصدقات في سبيل الله للفقراء والمساكين ...) إلى آخره، فيعطف الخاص على العام، وإما أن يقول: إنما الصدقات للفقراء والمساكين ... إلى قوله: ... وابن السبيل وفي سبيل الله)، هذا هو المعروف من سياق القرآن ومن لغة العرب؛ لكن أن تدخل العام بين خاصين، فهذا خلاف الأصل، ولا فائدة من هذا؛ لأنه يكون فيه شيء من اللغو الذي ينزه عنه القرآن، ففيه ركاكة في التعبير، كأن تقول: ليأتي محمد وعلي والناس وزيد وعمرو، وهذا لا يستقيم، إذاً: لا بد من ذكر الخاص قبل العام، أو العام قبل الخاص.

    الوجه الثاني: أنه لو كان المراد بقوله تعالى قوله: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] العموم، لكان قال الله عز وجل: (إنما الصدقات في سبيل الله)، وما الفائدة أن يخص الأصناف الثمانية؟ قالوا: إنما خصت لأنها تنفرد من المعنى العام لسبيل الله، أي: تنفرد من سبل الخير، حتى تتميز الصدقة الواجبة عن الصدقة النافلة، فالصدقة النافلة تكون في أوجه البر والطاعة عموماً؛ ولكن الصدقة الواجبة تكون لأقوام مخصوصين، ولذلك لم يكل الله قسمة الزكاة لِمَلَك مقرب ولا لنبي مرسل، إنما قسمها من فوق سبع سماوات سبحانه وتعالى: يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ [الأنعام:57].

    فالمقصود أن (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) المراد به:

    - إما الجهاد.

    - وإما عموم الخير والطاعة والبر.

    ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (مَن صام يوماً في سبيل الله).

    قال بعض العلماء: (يوماً في سبيل الله) المراد به: في الجهاد.

    وقال بعض العلماء: (يوماً في سبيل الله): أي: أنه يصومه في غير فرض، تنفلاً وبراً، ولهذا يختلف العلماء في المسائل التي ذكرناها؛ لأن معنى: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يتردد بين هذين المعنيين، والأصل حمله على الجهاد كما ذكرنا؛ لأن الله شرف هذه العبادة وفضلها.

    والله تعالى أعلم.

    التعزير بالمال

    السؤال: هل في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحراق رحل من غل دليل على جواز التعزير بإتلاف مال المعزَّر المذنب؟

    الجواب: استدل به من قال بجواز التعزير بأخذ المال، وقال: يجوز أن توضع الغرامة والعقوبة المالية من باب التعزير، واستدلوا على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى أقوام لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) وتحريق البيوت إتلاف لها، وهذا تعزير بإتلاف المال.

    كذلك أيضاً استدلوا بما جاء عنه عليه الصلاة والسلام فيمن منع الزكاة، قال عليه الصلاة والسلام: (إنا آخِذوها وشطرَ مالِه) فعزره بالمال، وذلك لتضييعه الحق الواجب.

    وكذلك حرَّق عليه الصلاة والسلام على سبيل التعزير وذكر التحريق فيمَن قبلَنا وأقر، وشرع مَن قبلَنا شرعٌ لنا على سبيل التعزير.

    فقالوا: إن هذا يعتبر أصلاً في جواز التعزير بإتلاف المال.

    والله تعالى أعلم.

    أنواع الرباط

    السؤال: ذُكِر النوع الأول من الرباط فما النوع الثاني؟

    الجواب: هناك نوعان من الرباط:

    - الأكمل: أن يكون أربعين يوماً.

    - ودون الأكمل: أن يكون دون الأربعين.

    لكن الذي دون الأربعين:

    - إما أن يكون لحاجة، فانتهت الحاجة دون الأربعين، فصاحبه على فضل.

    - وإما أن يكون من الشخص نفسه، فإذا كان من الشخص نفسه فإنه يحرم الأجر.

    وأما تقسيم الرباط من حيث الضدين:

    - فهناك رباط في الثغر.

    - ورباط في غير الثغر، الذي هو في داخل المدن.

    فالرباط الذي يكون في الثغر: هو الذي يكون على الحد بين المسلمين والكفار.

    والرباط الذي يكون داخل المدن، أو على أسوار المدن كما كان في القديم، يدخل في هذا الفضل.

    وكل ذلك يعتبر من الرباط في سبيل الله، ويتفاوت أجره على حسب تفاوت البلاء؛ لأن الأكثر تعباً أعظم أجراً، لقوله عليه الصلاة والسلام: (ثوابُكِ على قَدْر نَصَبُكِ).

    معرفة حال العدو في الجهاد والمصلحة في ذلك

    السؤال: هل معرفة أعداد العدو وعتاده يعتبر من الإرجاف، فقد أشكل علي كون النبي صلى الله عليه وسلم سأل غلمان المشركين عن عددهم يوم بدر؟

    الجواب: أما بالنسبة لمعرفة حال العدو فهذا أمر يرجع إلى ولي الأمر، ومن يلي قيادة الجيش في الجهاد في سبيل الله عز وجل، فإن كان من المصلحة أن يُطْلع الناس على ذلك لكي تقوى عزائمهم أن العدو ضعيف، وأنه لا عداد له ولا عدة، أخبرهم بذلك، وأما إذا كان عددهم كبيراً، أو أن لهم قوة وشكيمة، وأن إخبارهم بذلك سيضر بمصلحة الجهاد، فإنه لا يخبرهم، ويمنع من نقل هذه الأخبار، تحقيقاً للمصلحة أو درءاً للمفسدة.

    والله تعالى أعلم.

    معنى قوله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)

    السؤال: في قوله تعالى: وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال:72] هل قوله: (فَعَلَيْكُمُ) يدل على الوجوب العيني؟

    الجواب: (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ): عليك كذا، أي: يلزمك، ومنه قوله تعالى: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وفي قراءة بعض العلماء يقف عند قوله: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ [الأنعام:151] ويقولون: إن (عَلَيْكُمْ) تدل على الإلزام، عليك كذا، بمعنى: أنه يلزمك.

    وقوله سبحانه وتعالى: وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال:72] أي: يلزمكم النصر، وهذا في حال وجود حاجة إلى المسلمين، وتكون النصرة واجبة على المسلمين عموماً، وليست عينية، وإنما ذكر العلماء الواجب العيني في النصرة في حال الاستنفار، أي: إذا توقف إنقاذ إنسان على نصرتك له، بحيث لا يحتمل التأخير، فيلزمك أن تنصره دون أن تحتاج إلى إذن، وهناك أحوال مستثناة ذكرها العلماء، وإلا فالأصل أن مواجهة الأعداء إنما تكون راجعة إلى نظر الإمام فيما يراه من المصلحة، إذ لو فتح هذا الباب فإنه ربما أقدم إنسان على عدو فأضر بفرد منهم، فحمل العدو على جماعة المسلمين وأضروا بهم، ولذلك ينظر الإمام إلى ما فيه المصلحة، فإن كانت المصلحة لجماعة المسلمين أن يسكتوا عن العدو أمَدَهم، فإنه يسكتهم، حتى يرى الفرصة سانحةً للقيام بأمر الله وأداء الواجب الذي فرض الله، فيقوم بذلك على وجهه.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756471307