إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب صفة الصلاة [4]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إذا رفع المصلي رأسه من الركوع فإنه يسجد مكبراً، والسجود ركن من أركان الصلاة، وله صفة معلومة، ثم يرفع من السجود ويجلس بين السجدتين كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الجلسة ركن من أركان الصلاة أيضاً، ثم يسجد سجدة ثانية كالأولى، ثم يرفع منها ويقوم للركعة الثانية، ويفعل فيها كما فعل في الأولى، ما عدا تكبيرة الإحرام والاستفتاح.

    1.   

    السجود وأحكامه

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ثم يخر مكبراً ساجداً ].

    الخرور: هو السقوط من أعلى إلى أسفل، ومنه قوله تعالى: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل:26]، ولذلك قال بعض العلماء: إنه إذا قرأ الإنسان آية السجدة وكان جالساً فليقف حتى يأتسي بداود عليه السلام في خروره؛ لأنه لما كان الخرور من أعلى إلى أسفل فإنه يقف لكي يسجد. ويُفهم من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه الميل إليه، وإن فعله الإنسان فحسن، لكن الأقوى واختيار الجماهير أنه يسجد على حالته.

    والمراد بهذا الخرور تحصيل الركن البعدي، وهو مرحلة الانتقال من ركن الرفع بعد الركوع إلى ركن السجود، وهذا الركن الذي يَخِرُّ إليه عبر عنه بقوله: (مكبراً ساجداً) أي: حال كونه مكبراً قائلاً: الله أكبر، وقد تقدم أن هذا التكبير يسميه العلماء رحمة الله عليهم تكبير الانتقال؛ لأنه ينتقل فيه من ركنٍ إلى ركن، ما عدا تكبيرة الإحرام.

    فقوله: (ثم يخر مكبراً) أي: قائلاً: (اللهُ أكبر) كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    والسنة أن يوافق تكبيره الفعل كما تقدم معنا غير مرة، لأنه إذا وُجِد من لا يراه ويسمع صوته فإنه يساويه في الفعل ولا يسبقه، ومن يراه ولا يسمع صوته كذلك أيضاً يساويه في الفعل، فحينما يوافق تكبيره خروره فإن ذلك أنسب لحصول ائتمام الناس به إذا كان إماماً.

    أدلة وجوبه ومعناه

    أمر الله بهذا السجود فقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، وأجمع العلماء على أنه ركنٌ من أركان الصلاة.

    والسجود: أصله التذلل والخضوع، ويتضمن إظهار الحاجة لله عز وجل بما يشتمل عليه من الأذكار من التسبيح والتحميد والتمجيد لله عز وجل، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)، وهذا السجود أمر به النبي صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته فقال: (ثم اسجد)، فأمره بالسجود، ولذلك قلنا بلزومه ووجوبه، وسيأتي أنه من أركان الصلاة.

    وهذا الخرور بين فيه المصنف صفةً معينة هي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، على أحد القولين عند العلماء وسيأتي بيانها.

    وجوب السجود على سبعة أعضاء

    قال رحمه الله تعالى: [ساجداً على سبعة أعضاءٍ: رجليه، ثم ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته مع أنفه]

    هذه السبعة الأعضاء ثبت فيها الحديث عن ابن عباس رضي لله عنهما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرتُ أن أسجد على سبعة أعظم) ثم ذكرها، وابتداء المصنف بذكر الرجلين لأن المصلي ثابت عليهما، والسجود على الرجلين ليس المراد به أن يرفع ويعود، وإنما لبكونه ينتقل إلى الخرور فيضطر إلى ميل الرجلين، فكأنه سجد على الرجلين، وهو في الحقيقة ساجد؛ لأن السنة لمن سجد أن يستقبل بأصابع الرجلين القبلة كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حرص على أن تستقبل أصابع رجليه القبلة فإنه يتمكن من السجود أكثر، ولذلك تجد الأعضاء قد تمكنت من الأرض، وهذا أبلغ ما يكون في الذِّلَّة لله عز وجل بالسجود، فحينما يستشعر الإنسان أن أعضاءه جميعها مستغرقة للسجود، وأنه متذلل لله عز وجل، فذلك أبلغ ما يكون في التذلل والخضوع لله سبحانه وتعالى، وهذا هو المقصود من الصلاة، فيستقبل بأطراف أصابعه القبلة، كما جاء في الحديث، وكذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رصّ العقبين، فلم تكن مفرجة، وإنما كان يرص قدميه صلوات الله وسلامه عليه، فيبتدئ بالرجلين مستقبلاً بهما القبلة، فإذا انحنت الرجلان فقد سجدتا؛ لأنه قد تحصل بهما السجود من جهة الاعتماد.

    كيفية الهوي للسجود

    قوله: [ثم ركبتيه] هذا على القول بأنه يقدِّم الركبتين على اليدين، وهو أحد الوجهين عند العلماء رحمة الله عليهم، وقال طائفة من أهل العلم: يقدم اليدين على الركبتين. والسبب في ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبرك الرجل كما يبرك البعير، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه) أخرجه أبو داود.

    ففي روايةٍِ: (يضع ركبتيه قبل يديه)، وفي رواية: (يضع يديه قبل ركبتيه)، فنظراً لهذا الاختلاف في الروايات اختلف العلماء رحمهم الله:

    فمنهم من رجّح أن يقدِّم الركبتين كما درج عليه المصنف رحمه الله، واحتجوا برواية أبي هريرة التي تدل عليه، وكذلك حديث وائل بن حجر رضي الله عنه وأرضاه وأنه: (قدّم ركبتيه على يديه) لهذا قالوا: إنه يقدم الركبتين على اليدين.

    وقالت طائفة: يقدم اليدين على الركبتين، وذلك لرواية في حديث أبي هريرة، وهي عند أبي داود في سننه بسندٍ صحيح، وفيها تقديم اليدين على الركبتين.

    وقالوا: إن رواية وائل بن حجر مطعونٌ فيها من جهة الثبوت. ثم قالوا: إن صدر الحديث يدل على ترجيح هذه الرواية، وذلك من جهة أن البعير يقدِّم ركبتيه على يديه حال بروكه، ولذلك إذا رأيت البعير أراد أن يبرك فإنه يقدم الركبتين قبل تقديمه لرجليه، ومن ثم قالوا: إنه من السنة أن يقدم اليدين، فإذا قلنا بتقديم الركبتين شابه البعير، وإلا تناقض صدر الحديث مع عجزه. وللشيخ ناصر الدين رحمه الله في الإرواء بحث جيد في هذا يُرجع إليه، وكذلك أشار إلى شيء منه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.

    والحقيقة أن هذا القول هو أعدل الأقوال وأولاها إن شاء الله بالصواب، وهو أنه يقدم اليدين، ولو ترجح عند الإنسان تقديم الركبتين على اليدين فليقدِّم الركبتين على اليدين ولا حرج عليه، فكلٌ على خير، فمن ترجَّح عنده تقديم الركبتين فليقدم، ومن ترجح عنده تقديم اليدين فليقدم، لكن الخلط بين الروايتين باطل؛ إذ يقول بعض طلاب العلم: نجمع بين الروايتين بأن نفعل هذا تارة وهذا تارة. فليس الخلاف هنا من خلاف التنوع الذي يسوغ فيه الجمع بين الصفات، وذلك لورود النهي عن بعضها، فبالإجماع أنه منهيٌ عن واحدةٍ منها، فإذا فعلت هذا تارة وهذا تارة فقد وقعت في المحظور، ولذلك إما أن يأخذ الإنسان برواية أبي داود الثابتة في تقديم اليدين على الركبتين، إضافةً إلى أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يفعل ذلك، وهذا يترجح أيضاً بما جاء عن السلف، كما قال الأوزاعي وهو فقيه الشام، ومنزلته ومكانته لا تخفى: (أدركتهم يقدمون اليدين على الركبتين) أي: إذا سجدوا.

    فإذا ترجح عند إنسان هذا القول عمل به، وإن ترجح عنده غيره عمل به.

    وليتأكد من أن أهل اللغة يقولون: إن ركبتي البعير في مقدمته. فهذا يُرجع ويحتكم إليه عند الخلاف؛ لأنه إذا ثبت قولهم: إن ركبتي البعير في يديه فحينئذٍ يُقدِّم المصلي الركبتين على اليدين، وإن قيل: إن الركبتين في موضعهما كما يُفهم من قول صاحب اللسان، وهو الذي اعتمده غير واحد من أهل اللغة فحينئذٍ يترجح القول بتقديم اليدين على الركبتين، وهذا هو الذي تميل إليه النفس، وهو قول طائفة من السلف كما ذكرنا.

    قالوا: إن مما يؤكد هذا القول أن النزول على اليدين أرفق بالإنسان، وخاصةً إذا كان مع الضعف؛ فإن الغالب فيه أنه إذا خرّ يحتاج للاعتماد على اليدين أكثر من اعتماده على الركبتين، ولذلك تجده يتحامل عند تقديمه للركبتين على اليدين، وهو أرفق وأولى بالاعتبار من هذا الوجه.

    حكم الحائل بين أعضاء السجود والأرض

    قال رحمه الله تعالى: [ولو مع حائل ليس من أعضاء سجوده]

    ذكرنا أن هذه السبعة الأعضاء يُسجد عليها، وهذا على سبيل الوجوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، خلافاً لمن قال بعدم وجوب السجود عليها.

    وبناءً على ذلك فمن سجد فإنه يراعي في سجوده سجود الرجلين بالصفة التي ذكرناها، وكذلك سجود الركبتين بالتصاقهما بالأرض، وسجود الكفين، وذلك بالتصاقهما بالأرض، وسجود الجبهة والأنف، وذلك بوضعهما على الأرض، فلو سجد ورفع رجليه فإنه يُعتبر آثماً، ولا يصح سجوده في قول طائفة من أهل العلم رحمةُ الله عليهم، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود على هذا الوجه، وكذلك لو رفع إحدى الركبتين متعمداً دون حاجةٍ فإنه يأثم ولا يصح سجوده في قول من ذكرنا.

    فإن وضع أعضاءه على الأرض، ووجد الحائل بينها وبين الأرض، سواء في مقدمة الإنسان أم في مؤخرته، فإن الحائل في القدمين والركبتين يكاد يكون بالإجماع أنه لا يؤثر، وتوضيح ذلك: لو صلَّى في نعليه، فإنه سيكون اعتماده على النعلين، وهذا مع وجود حائلٍ متصل، فقالوا: لا يؤثر. وكذلك الحال بالنسبة للركبتين، فإنه لو صلّى سيصلي بثوبه، وبناءً على ذلك فالحائل المتصل بالإنسان في هذين الموضعين بالإجماع لا يؤثر، وقد كان عليه الصلاة والسلام يصلي في نعليه وخفيه، ومن المعلوم أن الخف والنعل يحول بين الإنسان وبين إلصاقه العضو بالأرض مباشرة.

    أما بالنسبة لليدين والجبهة فإن كان على حصيرٍ أو سجاد أو خمرة فإنه بالإجماع لا يؤثر، فقد ثبت في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم عند أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها وأرضاها قال: فقال لنا: (قوموا فلأصل لكم)، قال أنس : فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، وهذا الحديث في صحيح مسلم، قالوا: إنه صلى على حصير.

    وفي الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام لـعائشة رضي الله عنها : (ناوليني الخمرة، قالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك) والخمرة: أصلها من خمّر الشيء إذا غطاه، وهي قطعة توضع لكي تحول بين الوجه وبين الأرض يُسجد عليها وتكون من قماش، كالسجادة الصغيرة، وكالقطعة التي تسع مقدم الإنسان، أو تسع غالب أجزائه.

    فهذا يدل على أن الحائل بالسجاجيد لا يؤثر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرده ولم يعتبره مؤثراً في سجوده. والسنة أن الإنسان إذا كانت أعضاؤه على الأرض أن تلي الأرض، فإن وُجِد هذا الحائل الذي لا يؤثر فلا إشكال. لكن لو أن إنساناً قصد وضع الحائل للحاجة إلى ذلك، كأن يكون في حرٍ شديد، فلو سجد ربما أضر بجبهته وأنفه فيؤثر عليه، فهل له أن يبسط طرف الثوب مثل كمه أو طرف الرداء، ويجعله تحته إذا سجد لكي يكون أرفق به؟

    الجواب: ثبت الحديث عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا إذا أرادوا أن يسجدوا بسط أحدُهم طرف ثوبه فسجد عليه من شدة الحر في صلاتهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا حرج أن يكون ما يسجد عليه حائلاً، ولو بحائل متصل، وهذا الذي دعا المصنف إلى أن يقول: (ولو مع حائل) إشارةً إلى هذا الأصل الذي دلت السنة عليه.

    السجود مع الحائل إذا لم توجد إليه حاجة فهو ممنوع، وشدد بعض العلماء فقال: إنه إذا احتاج إلى حركة وأفعالٍ من أجل الحائل فإنه لا يبعد أن يأثم، كأن يسحب شيئاً من أجل أن يسجد عليه، فيتكلف دون وجود الحاجة، ومن أمثلة ذلك أن يصلي المصلي فتنقلب سجادته، ويكون بإمكانه أن يسجد على الأرض، فلا ينبغي له أن يشتغل بقلب السجادة؛ لأنها حركة زائدة، خاصةً في الفريضة، ومن مشايخنا رحمة الله عليهم من كان يشدد في ذلك، خاصةً طلاب العلم، لمقام الهيبة والوقوف بين يدي الله عز وجل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن في الصلاة لشغلا)، فكونه لا توجد الحاجة ويشتغل بقلب السجادة وردها، خاصةً إذا كان هناك هواء وريح، فإنه اشتغالٌ بما لا تأثير له في الصلاة، وليس من جنس أفعال الصلاة، فليتركها على حالها، ويتفرغ لطاعته لله عز وجل بالسجود على الأرض، بل أبلغ وأعظم قربةٍ إلى الله عز وجل أن يعفِّر الإنسانُ جبينه بالسجود لله سبحانه وتعالى.

    وقد ثبت عن خير خلق الله، وحبيب الله صلى الله عليه وسلم أنه سجد على الطين حتى رئي أثر الماء والطين في جبهته صلوات الله وسلامه عليه، وهذا من أبلغ ما يكون من الذلة، ولذلك لما أثنى الله على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم وزكّاهم قال سبحانه: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29].

    فلذلك كلما سجد على الأرض وتذلّل لله عز وجل كان أبلغ، ولا ينبغي -كما قلنا- تكلف وجود الحائل، خاصة مع الحركات في الصلاة، أما قبل الصلاة فلو وضع الحائل فلا بأس.

    وهنا مسألة يخشى فيها على دين الإنسان، وقد أشار إليه بعض أهل العلم وهي أن بعض المصلين يتتبع المواضع الحارة للصلاة فيها، حتى تحترق جبهته، ليكون شعار الصلاح في وجهه نسأل الله السلامة والعافية (خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) لأنه يريد الرياء ويريد ما عند الناس من التزكية والثناء، فلا يجوز للإنسان أن يبالغ في سجوده في المواضع التي يترتب على السجود فيها حصول الأثر، وهكذا الضغط على الجبين حتى يظهر في وجهه أثر السجود، فهذا لا ينبغي، إنما ينبغي أن يترك الأمر على ما هو عليه دون تقصُّد.

    وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم يخافون من ظهور الخير من الإنسان فضلاً عن أن يطلبوا أمارات الصلاح رضي الله عنهم وأرضاهم، وكان الرجل منهم إذا اطُّلع على عبادته ربما بكى وأشفق على نفسه من الفتنة، فنسال الله السلامة والعافية، فالمبالغة في وضع الجبهة على مكان السجود حتى تؤثر في الجبين، أو تؤثر في مارِن الأنف كل ذلك مما ينبغي للإنسان أن يحذره، وأن يتقي الله في عبادته، وأن يجعلها لله، فإن الله وصف أهل النفاق بأنهم: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142]، فنسأل الله أن يعيذنا من أخلاقهم، وأن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال.

    مجافاة العضدين حال السجود

    قال رحمه الله تعالى: [ويجافي عضديه عن جنبيه]

    المجافاة: أصلها البعد، وجفاه: إذا قلاه وابتعد عنه، أو امتنع من كلامه والقرب منه، والمجافاة بين العضد والجنب هي أن لا يقرِّب عضده من جنبه؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث وائل ، وكذلك في الأحاديث الصحيحة عنه أنه جافى، وثبت في حديث البراء قال: (إن كنا لنأوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة ما يجافي)، فكان إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه صلوات الله وسلامه عليه.

    وهذه المجافاة تعين على تمكن أعضاء الإنسان من السجود، بخلاف ما إذا طبّق بينها أو افترش افتراش السبع، فإن هذه الحالة لا تكون أبلغ في سجوده وتمكن أعضائه من الموضع.

    فالمجافاة سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي للإنسان أن يؤذي جاره إذا كان في الصف، فهي سنةٌ لمن تيسر له ذلك، فإذا كان بجواره من يزعجه ويضايقه حين يجافي فإنه في هذه الحالة يجافي بقدر معين؛ لأنه كما أنك تريد تحصيل السنة، كذلك هو يريد تحصيل السنة، فلو ذهب كل منكما يجافي فإنه يضر بالآخر، ولذلك يجافي الإنسان عند الإمكان، واستثنى أهل العلم مَن كان في الصف، ولذلك قالوا: تأتَّى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يتأت لغيره، وذلك لكونه إماماً؛ فإن الإمام يتمكن من السجود أكثر، ويتمكن من المجافاة أكثر.

    مجافاة البطن عن الفخذ حال السجود

    قال رحمه الله: [وبطنه عن فخذيه]

    فلا يجعل الفخذين حاملين للبطن، وهذا من السنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان مع هذه المجافاة يجد نوعاً من المشقة، ولكنها طاعةٌ وقربة، ولذلك يُحس بأثر هذا السجود، ولعله عند سجوده وحصول نوعٍ من الأثر عليه يُحس بالسجود بين يدي الله، لكنه لو ارتفق ربما ارتاح لذلك فأنست نفسه، ولذلك قال بعض العلماء: إن المجافاة تُشعر الإنسان بالسجود بين يدي الله. وجرِّب ذلك، فإنك كلما جافيت وحرصت على أن يكون هناك مجافاة بين وسطك وبين العضدين والجنب فإنك تجد أنك تُحس بالسجود وثقله عليك، وهذا أدعى لاستشعار الإنسان مقامه بين يدي الله عز وجل، وذلك أدعى لحضور قلبه وخشوعه.

    قال رحمه الله تعالى: [ويفرق ركبتيه]

    أي: يفرِّق الركبتين، فليس من السنة التصاقهما، ولذلك يرص العقبين ويفرِّق بين الركبتين، وهذا إذا كان رجلاً، كما سيأتي.

    قول: (سبحان ربي الأعلى) في السجود

    قال رحمه الله تعالى: [ويقول: سبحان ربي الأعلى]

    بعد أن فرغ رحمة الله عليه من بيان صفة السجود الفعلية بدأ بما ينبغي على المكلف أن ينتبه له من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم القولي، فقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم أذكارٌ وأدعية في سجوده، فيُسن للإنسان أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وهذا الموضع من أبلغ المواضع ذِلةً لله سبحانه وتعالى، وقال بعضهم: إنه من أشرف مواضع الصلاة.

    ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من مواطن الإجابة فقال: (أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجداً)، وقال عليه الصلاة والسلام في هذا الموضع: (فقمنٌ أن يستجاب لكم) أي: حريٌ أن يستجاب لكم من الله عز وجل، وذلك لما فيه من بالغ الذلة لله سبحانه وتعالى.

    فيقول: (سبحان ربي الأعلى)، وهذا التسبيح يُعتبر من أذكار السجود الواجبة فيه، ولذلك لما نزل قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال عليه الصلاة والسلام: (اجعلوها في سجودكم).

    ولما نزل قوله تعالى : فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] قال: (اجعلوها في ركوعكم)، وثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا سجد قال: (سبحان ربي الأعلى)، وهذا من الدعاء بالمناسبة، فهو في أدنى ما يكون ذلَّة لله، فقابلها بما يكون من صفة العلو لله سبحانه وتعالى، فقال: (سبحان ربي الأعلى)، وفيه ردٌ على من ينفي جهة العلو لله سبحانه وتعالى، وسيأتي إن شاء الله أن هذا الذكر من واجبات الصلاة.

    وله أن يدعو بالأدعية التي يريدها من خيري الدنيا والآخرة، فلا مانع أن يسأل الله العظيم من فضله سواء أكان في نافلةٍ أم فريضة.

    وقد جاء في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه افتقدته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قالت: (فجالت يدي) أي: في حجرتها، وكانت حجرة النبي صلى الله عليه وسلم من الضيق بمكان؛ لأن الله اختار له الآخرة، ولم يختر له الدنيا، كان إذا أراد أن يسجد لا يستطيع أن يسجد حتى تقبض عائشة رجليها من أمامه، فتقول: (افتقدته فجالت يدي فوقعت على رجله ساجداً يقول: يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك) فكان من أجمع الدعوات وأفضلها وأعزها وأكرمها أن يسأل الله الثبات على دينه، فجعله في هذا الموضع، فكونه ساجداً بين يدي الله، وكونه في ظلمات الليل التي هدأت فيها العيون، وسكنت فيها الجفون يدل على شرف هذا الموضع، فاختار له هذه الدعوة العظيمة وهي الثبات على الدين، وكان من هديه أن يقول: (يا مقلب القلوب: ثبت قلبي على دينك)، وفي رواية: (صرّف قلبي في طاعتك).

    المقصود أن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء في السجود، فعلى الإنسان أن يدعو ويسأل الله من فضله.

    صفة الجلوس بين السجدتين

    قال رحمه الله: [ثم يرفع رأسه مكبراً]

    أي: إذا فرغ من السجود رفع رأسه مكبراً، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الرفع، كما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في حديث المسيء صلاته، حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم ارفع)، فأمره بالرفع من السجود لكي ينتقل إلى الركن البعدي، وهو الجلوس بين السجدتين.

    قال رحمه الله تعالى: [ويجلس مفترشاً يسراه ناصباً يمناه]

    أي: يجلس حال كونه مفترشاً يسراه، فيقلبها لكي تكون حائلاً بين الإلية والأرض، ولما صارت حائلاً بين إليته والأرض فإنها تعتبر بمثابة الفراش الذي يحول بين البدن وبين الأرض، فمن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يفترش رجله اليسرى كما في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في صفة صلاته صلوات الله وسلامه عليه، فيفترش اليسرى ويجعلها بمثابة الفراش، ثم ينصب يمناه.

    دعاء الجلوس بين السجدتين

    قال رحمه الله تعالى: [ويقول: رب اغفر لي]

    أي: يستقبل بأطراف أصابعه اليمنى القبلة كما هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: رب اغفر لي. وهو الدعاء الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يقول: (رب اغفر لي. رب اغفر لي)، وكان يقول عليه الصلاة والسلام دعاءه المأثور في السنن: (اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني)، وهذه أدعية تجمع خيري الدنيا والآخرة للعبد، فسأل الله عز وجل خير دينه، وذلك بسؤاله الرحمة والمغفرة، وقال: (اجبرني وارفعني) وهذا للدين والدنيا والآخرة، فإنه جبر لأمور الدين والدنيا، ورفعة في أمور الدين والدنيا، وقال بعد ذلك عليه الصلاة والسلام: (وعافني وارزقني) فهذا أيضاً من خير الدنيا؛ فإن الإنسان إذا عُوفي فقد تمت عليه نعمة الله عز وجل بالنسبة لأمور الدنيا؛ لأن أكثر المصائب في الدنيا إنما تقع بسبب زوال عافية الله عز وجل عن العبد، وإذا سُلب العبد العافية فقد هلك، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يا عم رسول الله سل الله العافية).

    فكان يسأل عليه الصلاة والسلام بين السجدتين العافية، ويكون هذا الموضع موضع دعاء، وللعلماء في ذلك وجهان:

    قال بعضهم: هو موضع دعاء فيشرع أن يدعو الإنسان بما يتخير من أمور دنياه وأخراه، وقال بعضهم: يُتقيد بالوارد. وهذا أقوى، ولكن إذا لم يحفظ، كأن يكون عامياً فلا بأس أن يدعو بما تيسر له.

    والسبب في أنه يدعو بما تيسر له أن السنة أمران، الأمر الأول: دعاء، والثاني: لفظٌ مخصوص، فإن تعذر عليه اللفظ المخصوص فالسنة أن يسأل، وهو قول الجماهير كما نسبه غير واحدٍ إليهم، فإذا كان لا يستطيع أن يحفظ الوارد، أو كان يجهله ودعا بما تيسر له، كدعائه له ولوالديه فلا حرج، والأفضل والأكمل أن يدعو بالدعاء المأثور، وفرقٌ بين قولنا: الأفضل، وبين أن يقال: إن هذا حرامٌ وبدعة. فلا يسوغ للإنسان أن يحرِّم، إنما يكون التحريم في ألفاظ الذكر المخصوصة، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يسكت عن الصحابة، ولم يأمرهم بلفظ مخصوص بين السجدتين يدل على أن الأمر واسع، وهذا قول جماهير أهل العلم رحمة الله عليهم، وينبه على أن الحكم بالبدعة يحتاج إلى دليل، والأصل في الأذكار التوقيف، لكن إذا كان المحل محل تمجيد، أو دعاء، أو أُثر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء فإن لمن دعا فيه -كأن يدعو له ولوالديه- وجه من السنة، وإن قال: أنا لا أدعو بذلك؛ لأني لا أراه، فله أن يقول ذلك، أما أن يُقال لمن دعا: ابتدعت، ويُحرم عليه، ويحكم بكونه آثماً في صلاته فهذا يحتاج إلى نظر، ولذلك قال بعض العلماء: يدعو لوالديه لتعذر ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نُهي عن الدعاء لوالديه صلوات الله وسلامه عليه، ولذلك يبقى غيره على الأصل من أمر الله عز وجل له بالدعاء ولوالديه، فلا حرج عليه أن يدعو، لكن السنة والأفضل والأكمل للإنسان أن يتقيد بالوارد.

    قال رحمه الله: [ويسجد الثانية كالأولى]

    أي: يسجد السجدة الثانية، ويفعل فيها ما فعل في الأولى من الهدي العملي والقولي.

    1.   

    الانتقال من السجود إلى الركعة الثانية

    قال رحمه الله: [ثم يرفع مكبراً]

    أي: ثم يرفع رأسه من سجوده مكبراً لكي ينتقل إلى الركعة الثانية إذا كان في شفع، سواء أكان في الفرض أم النفل.

    قال رحمه الله تعالى: [ناهضاً على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه إن سهل]

    هذا وجه عند أهل العلم رحمة الله عليهم، وهو أنه يعتمد القائم من السجود على ركبتيه وصدور قدميه إذا تيسر له ذلك، وهو قول بعض السلف رحمة الله عليهم.

    وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتماده على الأرض كما في حديث العَجْن، وكذلك في حديث مالك بن الحويرث وللعلماء في ذلك وجهان:

    منهم من قال: إن كان الإنسان مطيقاً قادراً قام على صدور القدمين والركبتين، كما جاء في بعض الروايات عنه عليه الصلاة والسلام من قيامه على هذا الوجه، فإن كان عاجزاً، أو لا يستطيع الأخذ بحديث العجْن فلا حرج عليه. وحديث العجن مختلفٌ في إسناده، وإن كان حسنه بعض أهل العلم وقال بثبوته، فلا حرج في الأخذ بهذه السنة والعمل بها، والعَجْن: أن يجمع أصابعه لكي يتمكن من وضعها، ثم يقوم معتمداً عليها؛ لأنه إذا أراد أن يعجن العجين جمع أصابعه ثم اتكأ عليها، هذا بالنسبة لصفة قيامه من السجود.

    تحقيق القول في جلسة الاستراحة

    مسألة جلسة الاستراحة للعلماء فيها وجهان:

    فمنهم من قال: هي سنةٌ مطلقاً للكبير والصغير، واحتجوا بحديث مالك بن الحويرث ، وما جاء في بعض روايات حديث أبي حميد الساعدي ، وما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علّم المسيء صلاته أمره بهذه الجلسة، ولكن هذه الزيادة في حديث أبي هريرة في صحيح البخاري ضعيفة، ونبَّه على ضعفها غير واحد كما أشار إليه الحافظ ابن حجر رحمةُ الله عليه، هذه الزيادة من أمره عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته بعد فراغه من السجدة الثانية أن يرجع ضعيفة، والأقوى فيما اعتمده الإمام الشافعي رحمه الله في إثبات هذه الجلسة -وهو وجهٌ عند الحنابلة- حديث مالك بن الحويرث ، وهو حديث صحيح لا يختلف اثنان في ثبوته، ولكن الإشكال أن مالك بن الحويرث قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره بعد عام الوفود.

    وثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه في آخر عمره أخذه اللحم، بمعنى أنه بدُن وثَقُل صلوات الله وسلامه عليه، كما في حديث عائشة : (فلما سن وأخذه اللحم) ولذلك كان يصلي في قيام الليل جالساً، حتى إذا قرُب من قدر مائة آية قام وقرأها ثم ركع.

    فقالوا: كونه يراه في آخر عمره بهذه الصفة يدل على أنه كان يفعلها لحاجة، فهي سنةٌ للمحتاج، إما لضعفٍ أو مرضٍ أو كِبَر، ولكن الحدث والقادر فإنه يقوم مباشرة. وهذا القول هو أولى الأقوال، وهو مذهب المالكية والحنفية، وقولٌ عند الحنابلة رحمة الله عليهم، والدليل على ذلك أنه ثبت عندنا أمر في حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثم ارفع)، وهذا بعد السجود، وهو في الصحيحين، والأمر يقتضي الوجوب.

    وحديث مالك متردد بين أن يكون سنةً جبلِّية لمكان الحاجة، وبين أن يكون سنةً تشريعية للأمة، ولمكان هذا الاختلاف فإنه يُبقى على الأصل من كونه يقوم مباشرةً، ومن تأول هذه السنة وفعلها أيضاً فلا حرج عليه، فلو ترجح عند الإنسان الأخذ بحديث مالك بن الحويرث واعتبرها سنةً مطلقة فإنه لا حرج عليه ولا يُنكر عليه، وكلٌ على سنة وخير.

    فالأصل عند سلف الأمة رحمةُ الله عليهم أنه لا يُشنَّع عليه ولا يُبدَّع، ولا يؤذى من تأول سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعنده سلفٌ من هذه الأمة يقول بقوله، فلا حرج على من جلس وهو يتأول السنة، ومثابٌ إن شاء الله، ولا حرج على من قام وهو يتأول السنة.

    ولكن لو ترجح عند الإنسان أن جلسة الاستراحة تعتبر سنة فالأفضل له أن لا يداوم عليها؛ لأن كون الصحابة كـابن عمر وأبي هريرة وأنس، والذين هم محافظون على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقومون بعد السجود مباشرة، ولم يُحفظ عن واحدٍ منهم أنه كان يجلس هذه الجلسة يدل ويؤكد على أنها على الأقل لا يُوَاظَب عليها؛ لأنه لو وُوظِب عليها لانتشر ذلك وذاع بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك الأولى والأحرى أن الإنسان إذا تأوّل اعتبارها أن لا يداوم عليها، وإنما يفعلها أحياناً.

    وهنا مسألة وهي: لو ترجح عند الإنسان أنها سنة، فإذا سها مرة فظن أنه في الركعة الثانية، فلما رفع من السجود وفي نيته أن لا يجلس جلسة الاستراحة، فكان عليه أن يقوم، فجلس ناوياً التشهد، ثم تذكر أنه في الركعة الأولى، فهل تنقلب إلى جلسة استراحة، أو تعتبر عملاً زائداً في الصلاة ويسجد للسهو؟

    والجواب: لو أنه ابتدأ بالتشهد وتكلم فلا إشكال، لكن قبل أن يتكلم بالتشهد إن تذكَّر ثم قام فالذين يقولون: لا تشرع جلسة الاستراحة للحدث عندهم وجه واحد وهو أنه يسجد سجود السهو.

    والذين قالوا بمشروعية جلسة الاستراحة اختلفوا: فقال بعضهم: يسجد للسهو؛ لأنه لم يفعلها بقصد السنية، وإنما فعلها على سبيل السهو، والسجدتان جابرتان لهذا النقص.

    وقال بعض العلماء: إنها تنقلب جلسة استراحة؛ لأن سجود السهو إنما شُرِع لزيادة وهو في الحقيقةِ لم يَزِد، وهذا مبني على أصل، هل يغلّب الظاهر أو الباطن؟

    إن قلت: يُغلَّب الباطن لزمه سجود السهو؛ لأنه في الباطن يَعتقد أنها جلسة التشهد، وإن قلت: يُغلَّب الظاهر فإنه في هذه الحالة لا يلزمه أن يسجد؛ لأن الظاهر معتبرٌ مأذونٌ به شرعاً.

    والوجهان ذكرهما الإمام النووي رحمه الله، وغيره من أصحاب الشافعي الذين يقولون بمشروعية جلسة الاستراحة، وكلا الوجهين من القوة بمكان، لكن القول الذي يقول: إنه يسجد للسهو أقوى من ناحية النظر.

    1.   

    ما يفعله المصلي في الركعة الثانية

    قال رحمه الله تعالى: [ويصلي الثانية كذلك ما عدا التحريمة والاستفتاح والتعوذ وتجديد النية]

    قوله: (الثانية) أي: الركعة الثانية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصف للمسيء صلاته الركعة الأولى أمره أن يفعل في الثانية مثل ما فعل في الأولى، والسنة أن تكون الثانية أخف من الأولى.

    قال بعض العلماء: تخفَّف قسطاً. وقال بعضهم: هي كالأولى في قدر المقروء.

    وتوضيح هذين القولين أننا لو قلنا: تخفف قسطاً -أي: في القراءة، لأن طول القيام يقوم على القراءة- فمعناه: أن تختار سورة أقل من السورة التي في الركعة الأولى، وإن قلت: ليس المراد أن تخفف قسطاً، وإنما باعتبار فلك أن تختار سورةً مثل السورة التي في الركعة الأولى، ويكون التخفيف بفارق دعاء الاستفتاح في الأولى، فهذا الفرق بين الوجهين، تخفيفها قسطاً أقوى من جهة السنة، ولكن هناك أحاديث تدل على أنه لا حرج أن تتساوى الركعة الأولى مع الثانية في القراءة، ويكون الفضل لدعاء الاستفتاح، كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قراءته للزلزلة في الركعتين، قال الصحابي: ما أُرَاه إلا نسي. وهو في الحقيقة لم ينس عليه الصلاة والسلام، وإنما فعل ذلك لكي يبين أنه لا حرج أن تقرأ في الركعة الثانية نفس السورة التي قرأتها في الركعة الأولى.

    فهذا الحديث يشير إلى أن التخفيف في الركعة الثانية قد يكون باعتبار زيادة دعاء الاستفتاح، خاصةً إذا أطال الإنسان في قيام الليل، ولكن وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في تخفيفه للقراءة في الركعة الثانية عن الركعة الأولى، وبناءً على هذا يكون حال الإنسان في الركعة الثانية أخف، فلا يدعو بدعاء الاستفتاح، ولا يُكبر تكبيرة الإحرام، وإنما يكبر تكبيرة الانتقال، ولا يتعوذ على ما اختار المصنف، وإن كان الأقوى أنه يتعوذ، وذلك لقوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، وللعلماء في هذه المسألة وجهان:

    فمنهم من قال: يتعوذ. ومنهم من قال: لا يتعوذ. والسبب في هذا الفاصل، فهل هو من جنس العبادة الواحدة، أم من جنس العبادة المختلفة؟ والأقوى أنه يتعوَّذ، فالذين يقولون: إن انتقاله لا يؤثر يقولون: ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ -كما في حديث ابن مسعود- في قيام الليل، فما مر بآية رحمةٍ إلا سأل الله من فضله، ولا مر بآية عذاب إلا استعاذ بالله، قالوا: ففَصَل بين القراءة الأولى والقراءة الثانية بالتعوذ وسؤال الرحمة، ومع ذلك لم يبتدئ قراءته من جديد.

    فدل على أن الذكر الذي هو من جنس القراءة في حكم المقروء، وبناءً على ذلك قالوا: الفصل بالركوع والسجود وأذكارهما بمثابة كأنه في عبادةٍ واحدة. وقال الآخرون: إن الاستعاذة لفظٌ مخصوص، وزيادته في الصلاة تحتاج إلى دليل. والأقوى أنه يتعوذ لعموم الأدلة، ولا مُخصِّص يدل على سقوطها في هذا الموضع، فيبتدئ بالاستعاذة.

    1.   

    الأسئلة

    قول: (ربنا ولك الحمد ولك الشكر) زيادة لم تثبت

    السؤال: ما حكم زيادة: (ولك الشكر) في قول: (ربنا ولك الحمد) بعد تسميع الإمام؟

    الجواب: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعد:

    فهذه الزيادة لم تثبت، فالشكر ثابتٌ لله عز وجل في الأصل على العموم، ولكن اختيار هذا الموضع لزيادة الشكر لا أصل له، وإنما الوارد أن يقول ما ذكرناه، وله أن يقول: (حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه)، وإن كان بعض العلماء رحمة الله عليهم سامح في الثناء على الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابي حينما قال: (حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه)، قال: فالمقام مقام تمجيد، فلو مجّد الله وعظّمه فإنه لا حرج عليه. لكن الأولى والذي ينبغي دلالة الناس على السنة والاقتصار على الوارد، والقاعدة -كما نبه عليها العز بن عبد السلام- أن الوارد أفضل من غير الوارد، وهذا فيما شُرِع فيه الدعاء والثناء، فلو اخترت لفظاً وارداً فهو أفضل من غير الوارد، فكيف إذا كان محتمِلاً التقيي؟! ولذلك القول بالتقيد من القوة بمكان، ويُنبه الناس على السنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.

    حكم من سجد على الجبهة دون الأنف

    السؤال: هل إذا سجد على الجبهة دون الأنف أجزأه ذلك؟

    الجواب: هذا فيه خلاف بين العلماء رحمةُ الله عليهم، وقد جاء في حديث ابن عباس الجمع بين الجبهة والأنف، حيث أشار عليه عليه الصلاة والسلام إلى جبهته وأنفه.

    واختلف العلماء، في الاقتصار على واحدٍ منهما دون الآخر، فقال بعضهم: يُجزيه، ويكون هذا على سبيل أنه عضو أو جزء العضو، وإذا سجد ببعض العضو قالوا: يُجزيه السجود ولكن يأثم بالترك. فهذا هو أعدل الأقوال وهو أنه يأثم بترك الأنف لو تركه، والجبهة لو تركها، كما لو سجد على يده فاعتمد على رءوس أصابعه متعمداً فإنه يصح سجوده من جهة الإجزاء، ولكنه يأثم بترك الباطن، فهو جزء المأمور به.

    فإذا قلنا: إن الجبهة والأنف بمثابة العضو الواحد على ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (على سبعة أعظم) فإنه في هذه الحالة يكون من جنس الجزء المشتمل على موضعين، كالحال في الكف والأصابع، فبطن اليد شيء والأصابع شيءٌ آخر، فلو اتكأ على أطراف أصابعه، أو رفع أصابعه واعتمد على راحته فإنه يجزيه ويأثم.

    حكم السجود على العمامة

    السؤال: إذا كان المأموم لابساً عمامته فهل له أن ينحيها قليلاً حتى يمكن جبهته من السجود؟

    الجواب: استحب العلماء رحمةُ الله عليهم أن لا يغطي الإنسان جبهته؛ لأنه شعار أهل الخير والصلاح، وقد وصف الله عز وجل أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29]، وهذا لا يتأتى إلا برؤية الناس لهذا الموضع، ولذلك استُحِب لطالب العلم ولأهل الفضل والصلاح أن يكشفوا عن هذا الموضع، وكان معروفاً في عهد السلف، ولذلك لما قال ابن النصرانية الأخطل في الأنصار يهجوهم -قاتله الله وأبعده ولعنه-:

    ذهبت قريشٌ بالمفاخر كلهـا وبقى اللؤم تحت عمائم الأنصارِ

    لما قال ذلك دخل قيس بن سعد رضي الله عنه وأرضاه على معاوية وكشف جبهته وقال: أترى لؤماً؟ قال: لا. والله ما أرى إلا خيراً ونبلاً. قال: ما بال ابن النصرانية يقول كذا وكذا؟ قال: لك لسانه. فأهدر لسانه، ثم إنه فرّ.

    فالمقصود أنهم كانوا يرون أن من شعار أهل الصلاح والخير كشف هذا، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (مسح على ناصيته وعلى العمامة).

    وكان بعض العلماء رحمة الله عليهم يكشفون عن النواصي أحياناً، إيثاراً للتواضع والذلة لله عز وجل، حتى يكون أبلغ في قبول الناس له وإقبالهم عليه، خاصةً العلماء ومن يُحتاج إليه، فإنهم إذا كانوا على سمتٍ فيه لين ورفقٌ بالناس كلما كان ذلك أبلغ لقرب الناس منهم، وتغطية هذا الموضع يفعلها الإنسان في الغالب على سبيل الكبر أو الخيلاء، فلذلك الأفضل أن يجلي جبهته.

    وإذا أراد أن يسجد -نظراً إلى أنه مأمورٌ بالسجود على الجبهة- فإنه يجليها حتى يتمكن من السجود، والله تعالى أعلم.

    حكم تكرار الفاتحة في الركعة الواحدة

    السؤال: إذا قرأ المصلي بعد سورة الفاتحة سورة الفاتحة أيضاً فهل صلاته جائزة؟

    الجواب: إذا قرأ المصلي سورة الفاتحة بعد قراءتها فهذا على صور:

    الصورة الأولى: أن يقرأ ذلك متعمداً متقصداً تكرار الفاتحة، فللعلماء فيه وجهان:

    قال بعض العلماء: تبطل صلاته؛ لأنه زيادة ركنٍ، فكما أن زيادة الأركان في الأفعال تبطل الصلاة، كذلك زيادة الأركان في الأقوال تُبطل الصلاة. وهذا القول من جهة الأصول قوي؛ فإنك إذا نظرت إلى أنها زيادةٌ مقصودة في ركنٍ مقصود فإنها كزيادة الأفعال، ولذلك يقوى هذا القول من الوجه الذي ذكرناه.

    وقال بعض العلماء: أساء ولا تبطل صلاته.

    ولذلك هذا الفعل أقل درجاته أنه إذا تقصَّده فهو حدث وبدعة؛ لأنه لا يفعل ذلك إلا على سبيل الفضل، ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون مبتدعاً من هذا الوجه.

    أما لو شك هل قرأ الفاتحة أو لم يقرأها، ثم قرأها على سبيل الجزم والاحتياط فهو مأمورٌ بقراءتها في هذه الحالة وتجزيه، فلو صليت ثم شككت: هل قرأت الفاتحة أو لم تقرأها -خاصةً إذا كان الإنسان وحده، أو كان إماماً في سرية من ظهر أو عصر- فإنه في هذه الحالة يعيد قراءتها، ولو ركع قبل أن يجزم بقراءتها فإنه يلزمه قضاء تلك الركعة، فيجب عليه أن يقرأها ويتأكد من قراءتها، إلا إذا كان مبتلىً بوسواس فإنه في الوسوسة لا يلتفت إليها، ولا يعمل بها، والله تعالى أعلم.

    مشروعية صلاة الضحى والمداومة عليها

    السؤال: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على صلاة الضحى أم لا؟ وهل المداومة عليها من السنة، أم نصلي بعض الأيام ونترك بعضها؟

    الجواب: صلاة الضحى ورد فيها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وغيره من الأحاديث التي تدل على مشروعيتها وسنيتها، وكون عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ينكرها وغيره من الصحابة فإن من حفظ حجةً على من لم يحفظ، وكم من سنن خفيت على الأفاضل من كبار الصحابة، كما ثبت عن عمر رضي الله عنه في الصحيح أنه لما نزل بالشام أُخبر بخبر الطاعون -طاعون عمواس- فامتنع من دخول الشام، فقال له أبو عبيدة: أفراراً من قدر الله؟ فقال رضي الله عنه وأرضاه: (نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله?!)

    فبيَّن له أن هذا من الأسباب، وليس له علاقة بالفرار ما دامت عقيدته في الله عز وجل وأخذ بالسبب، فلا حرج عليه، ثم قام في الناس فقال: أُحرّج على من كان عنده خبر من هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعلمنا أو يخبرنا. فقام عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وقال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه)، فحمد الله على موافقته للسنة.

    فهذا يدل دِلالة واضحة على أنه قد تكون السنة خافية على كبار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فكيف بـابن عمر رضي الله عن الجميع وأرضاهم؟! وإن كان ابن عمر له فضله ومكانته وعلمه وورعه رضي الله عنه، ولكن المقصود أن كون ابن عمر لا يراها لا يدل على نفيها، فهي ثابتة، ومن السنة فعلها.

    والأصل أن ما جاء على الإطلاق لا يُقيد إلا بدليل، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بها أبا هريرة رضي الله عنه، ويوصيه بها فإنها سنةٌ ثابتة، فتبقى سنة ثابتة حتى يدل الدليل على التقييد بفعلها تارة أو تركها تارة.

    ويبقى النظر: هل فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم أو لم يفعلها؟ فهذا مما سكتت عنه الأخبار، وليس عندنا دليل يثبت أنه كان يصلي ركعتي الضحى، وليس عندنا دليل ينفي ذلك.

    والقاعدة أنه إذا لم يرد ما يوجب النفي وما يوجب الإثبات رُجِع إلى الأصل، فلما كان الأصل عندنا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بها على الإطلاق نبقى على هذا الإطلاق، ونقول: هي سنة.

    فلو قال قائل: كيف ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مداومته؟

    قلنا: ولو ثبت عنه أنه تركها فإنه لا يعتبر دليلاً على نفي المداومة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يفعله خشية أن يُفترض على أمته، كما ثبت في الحديث الصحيح.

    وبناءً على ذلك نقول: السنة المداومة عليها للإطلاق، ولا حرج على الإنسان أن يداوم عليها، وهو على خير.

    كما أنه ثبت في الحديث الصحيح ما يدل على تقوية هذا القول من قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، فصلاتهم هذه معناها أنه أمر ألفوه وداوموا عليه، فلا يحتاج إلى أن يُقيد بدليل، فنبقى على هذا الإطلاق من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، والله تعالى أعلم.

    حكم قيام الليل لمن صلى الوتر بعد العشاء

    السؤال: هل يجوز للمسلم أن يقوم الليل إذا كان قد صلى الوتر بعد العشاء مباشرة؟

    الجواب: من صلى الوتر بعد العشاء وأحب أن يقوم الليل فلا حرج عليه، وكان ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه يقوم بعد أن يوتر، وينقض وتره بركعةٍ، ثم يصلي ركعتين ركعتينِ، ثم يوتر.

    ولا حرج على الإنسان أن يفعل ذلك؛ فإنه ربما خاف الإنسان أن لا يقوم فاحتاط بالوتر في أول ليله، ثم يريد الله به الخير فيستيقظ من آخر ليله، فلا حرج عليه أن يصلي، وأن يسأل الله من فضله؛ لعموم الأدلة الثابتة في ذلك، وإن صلى ركعتين ركعتينِ ولم يوتر فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- صلى ركعتين بعدما أوتر.

    فدل هذا على أنه من السنة ولا حرج، وقد ألف فيه الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه رسالة في إثبات سنية الشفع بعد الوتر، ولكن السنة والأفضل والذي داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم جعْل الوتر في آخر الصلاة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا).

    نسأل الله العظيم أن يرزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755804560