إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. حسن أبو الأشبال الزهيري
  5. سلسلة شرح صحيح مسلم
  6. كتاب الجهاد والسير
  7. شرح صحيح مسلم - كتاب الجهاد والسير - إجلاء اليهود عن الحجاز ورد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم وجواز الأكل من طعام الغنيمة

شرح صحيح مسلم - كتاب الجهاد والسير - إجلاء اليهود عن الحجاز ورد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم وجواز الأكل من طعام الغنيمةللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أجلى الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود من المدينة وذلك لنقضهم العهد وإثارتهم للفتن ومحاربتهم للإسلام وأهله، فهم لا يرقبون في مؤمن إلَّاً ولا ذمة، ثم أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته من بعده بإجلائهم من جزيرة العرب، فأجلاهم عمر رضي الله عنه في خلافته من خيبر، وقد اختلفت أقوال العلماء في المراد بجزيرة العرب التي لا يجتمع فيها دينان، وجمهور العلماء على أنها أرض الحجاز.

    1.   

    باب إجلاء اليهود من الحجاز

    إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    الباب العشرون من كتاب الجهاد: (باب: إجلاء اليهود من الحجاز).

    الإجلاء: الطرد في مذلة ومهانة، والإجلاء بخلاف الانسحاب والخروج.

    قوله: (باب إجلاء اليهود من الحجاز). ليس اليهود فحسب، وإنما اليهود والنصارى وسائر ملل الكفر، وإنما أشار الحافظ النووي إلى ذكر اليهود للدلالة على أنهم شر أهل الكتاب، ومن باب أولى أن يكون غيرهم أشد جلاءً.

    شرح حديث أبي هريرة: (اعلموا أن الأرض لله ولرسوله وأني أريد أن أجليكم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث -وهو الليث بن سعد المصري - عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه ] وهو سعيد بن أبي سعيد المقبري لُقّب بـالمقبري ؛ لأن بيته كان بجوار البقيع، فكان في الذهاب والإياب يمر على المقابر.

    [ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (بينا نحن في المسجد) ] و(بينما) كُتبت (بينا) لكن في النطق (بينما) كما أنه يكتب (ثنا) ولكنها تُنطق (حدثنا) كذلك (أنا) تُنطق (أخبرنا أو أنبأنا) وكذلك (نا) وتُنطق (أخبرنا).

    قال: [ (بينا نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انطلقوا إلى يهود -أي: لقتالهم- فخرجنا معه حتى جئناهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداهم فقال: يا معشر يهود! أسلموا تسلموا) ] وهذا من الجناس اللفظي بين الكلمات: (أسلموا تسلموا) كما يقول الشاعر: سميته يحيى ليحيا، فالأول هو الاسم والثاني هو الرجاء (ليحيا). وهنا قال: (أسلموا تسلموا) أي: تسلموا من القتال وتأمنوا من إراقة الدماء.

    قال: [ (فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم!) ] أي: إذا كنت تريد أن نشهد بأنك قد بلّغت، فإنا نشهد بذلك ونُقر بذلك عينك [ (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك أريد) ] هذا الذي أريد أن أنتزعه منكم أن تشهدوا لي أني قد بلغتكم؛ لأن الأنبياء ليس عليهم إلا البلاغ: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى:48] أما الهداية فهي بيد الله عز وجل، وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة:67]، إذاً: الرسول ما عليه إلا البلاغ المبين، وما غير ذلك فهو لله عز وجل. قال: (أسلموا تسلموا، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم! فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك أريد. فقال لهم الثالثة فقال: اعلموا أنما الأرض لله ورسوله -وهذا في قتاله مع بني النضير- وأني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئاً فليبعه) ] من استطاع منكم أن يبيع متاعه أو عقاره بشيء فليبعه ولا يتأخر؛ لأني أريد أن أجليكم عنها، ولا تأخذون معكم في الإجلاء إلا ما تحمله النوق، أما غير ذلك فلا. قال: [ (وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله) ] أي: لا يمكن أن تأخذوا من الأرض شيئاً.

    شرح حديث عمر بن الخطاب في إجلاء اليهود من المدينة

    قال: [ وحدثني محمد بن رافع وإسحاق بن منصور -المعروف بـالكوسج. قال ابن رافع: حدثنا، وقال إسحاق بن منصور : أخبرنا- عبد الرزاق بن همام الصنعاني قال: أخبرنا ابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي عن موسى بن عقبة -إمام المغازي- عن نافع الفقيه مولى عبد الله بن عمر عن مولاه وسيده ابن عمر رضي الله عنهما: (أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: أنهم توافروا واتفقوا وتكاتفوا على قتال النبي صلى الله عليه وسلم- فأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير -أي: أجلاهم عن المدينة كلها- وأقر قريظة ومنَّ عليهم) ] أقر قريظة أن يمكثوا في مكانهم، ومنّ عليهم النبي عليه الصلاة والسلام. بمعنى: أعطاهم عقد أمان، بمقابل وبشروط. قال: [ (حتى حاربت قريظة بعد ذلك) ] يعني: نقضت العهد وخانت الميثاق والأمان الذي أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم، فحاربوا النبي عليه الصلاة والسلام ووضعوا أيديهم في أيدي المشركين، وظاهروا على النبي عليه الصلاة والسلام. قال: [ (فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين) ] يعني: سباهم وأخذ الأموال، أما الرجال فقتلهم النبي عليه الصلاة والسلام، كل ذلك كان في المدينة.

    قال: [ (إلا أن بعضهم -أي: بعض بني قريظة من اليهود- لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنهم وأسلموا) ]حينما لحقوا واعتذروا مما كان منهم وأسلموا أمنّهم النبي عليه الصلاة والسلام.

    قال: [ (وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود المدينة كلهم) ]. أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً عشرة أيام، ثم أعطاهم ثلاثة أيام بعد ذلك، أن يخرجوا من المدينة ولا يأخذوا معهم إلا ما تحمل إبلهم فقط، أما دون ذلك فلا، فوضعوا أثمن ما يحتفظون به في رحال هذه النوق، وخرجوا من المدينة مطرودين إلى الشام، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يمنعهم أن يأخذوا معهم دون ذلك، أو أكثر من ذلك، كما كان يمنعهم أن يأخذوا معهم السلاح، ومن باب أولى الأرض.

    وهكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يتعامل مع اليهود بمنتهى الشدة والحدة؛ لأن الله تعالى أخبره من فوق سبع سماوات أنه لا يصلح مع هؤلاء اليهود الأنجاس إلا هذه المعاملة، والمشركون في مكة كانوا أوفى من اليهود عهداً، وأعظم منهم ميثاقاً مع شركهم وكفرهم وضلالهم، فقد كانوا رجالاً عند كلمتهم، لا يخونون العهد والميثاق، بل يلتزمون به، ويعاتبون من نقض العهد والميثاق، أما اليهود فطريقهم الطويل يحكي غير هذا، ويقول: إنهم لم يوفوا بعهد أبداً، وكانوا يخفرون الذمم دوماً، أما أن يلتزموا كما التزم المشركون فلا، ولذلك لم يثبت في السنة المطهرة ولا في السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام أنه تهاون مع اليهود يوماً ما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتهاون أحياناً مع المشركين؛ لعلمه أنهم رجال، وأنهم عند العهد والميثاق، أما اليهود فالوضع كان يختلف عن ذلك تماماً؛ ولذلك حينما نقضوا مرة وثانية أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يخرجوا من المدينة، فانصرفوا إلى قريتين للشام تسميان أريحا وتيما، أما أريحا فهي قريبة من بلاد مصر، وأما تيما فهي قريبة من بلاد سوريا أو دمشق، وكلاهما يطلق عليه أرض الشام.

    قال: [ (وأجلى رسول الله عليه الصلاة والسلام يهود المدينة كلهم) ] وهم بنو قينقاع، وهم قوم عبد الله بن سلام -الإسرائيلي الذي آمن وحسن إيمانه وإسلامه- ويهود بني حارثة، وكل يهودي كان بالمدينة.

    ولم يذكر عبد الله بن عمر بني النضير؛ لأنه كان أجلاهم من قبل، ولم يبق إلا بنو قينقاع وكذلك قريظة. ومنهم من استقر بخيبر في طريقه إلى الشام، ولصق بأقرانه وأصوله في خيبر، ولذلك يصرّح كثير من زعماء اليهود وأمريكا في هذه الأيام بأن المدينة أرض يهودية، وذلك بعد أحداث (11) سبتمبر التي غيّرت وجه الأرض هناك وهنا في بلاد المسلمين، حتى صارت كالتاريخ الهجري، فيقال: أحداث ما قبل الحادي عشر من سبتمبر وبعد الحادي عشر من سبتمبر، فصار هذا الحدث جللاً في تاريخ اليهود والنصارى في هذه البلاد المشئومة.

    ولذلك بدأ اليهود والنصارى يدندنون، ويتكلمون -بقصد أو بغير قصد- عن بلادهم الأصيلة كما يقول النصارى في مصر: إن مصر بلد قبطي، ولبسوا السواد لذلك. هؤلاء القساوسة والبطارقة يلبسون السواد حتى في أيام أعيادهم يلبسون السواد حزناً على ضياع مصر من أيديهم، وبغض النصارى لـعمرو بن العاص في مصر أشد من بغضهم للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه هو الذي أذلهم وأخذ الأرض، وفتح البلاد وقلوب العباد رغماً عنهم. هكذا يعتقدون في عمرو بن العاص .

    [ وحدثني أبو الطاهر قال: حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة بهذا الإسناد ].

    1.   

    باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب

    الباب الحادي والعشرون: (باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب).

    في الباب الأول قال: باب: إجلاء اليهود من الحجاز، وهنا قال: باب: إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فهل المقصود بجزيرة العرب: الحجاز، أم أن جزيرة العرب أوسع وأشمل معنى لبلاد الحجاز، أو لبلدان أخرى غير بلاد الحجاز؟ هذا ما سنتعرف عليه.

    [ حدثني زهير بن حرب أبو خيثمة النسائي قال: حدثنا الضحاك بن مخلد القطواني عن ابن جريج. (ح) وحدثني محمد بن رافع -واللفظ له- حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي - أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أخبرني عمر بن الخطاب: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً) ] أي: حتى لا أترك فيها إلا رجلاً مسلماً، أما غير ذلك فلا. وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (لا يجتمع أهل دينين في جزيرة العرب أبداً) وقال: (لا يجتمع أهل ملتين شتى في جزيرة العرب).

    [ وحدثني زهير بن حرب حدثنا روح بن عبادة أخبرنا سفيان الثوري. (ح) وحدثني سلمة بن شبيب حدثنا الحسن بن أعين حدثنا معقل -وهو ابن عبيد الله - كلاهما عن أبي الزبير بهذا الإسناد مثله ].

    1.   

    كلام النووي في أحاديث إجلاء اليهود من الحجاز وجزيرة العرب

    قال الإمام النووي: (في هذا الحديث أن المعاهد والذمي إذا نقض العهد صار حربياً وجرت عليه أحكام أهل الحرب)؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمّن ومنَّ على بني قريظة، ولكنهم نقضوا العهد، فأمره الله تعالى أن يخرج إليهم، فأمر أصحابه: أن اخرجوا إلى يهود، ولما ذهب إليهم ناداهم وقال: (اعلموا أن الأرض لله ورسوله). هي لله تعالى يورثها من عباده من يشاء، وأن الله تعالى مالكها، وأن المسلم إذا ظاهر على أرض صارت ملكاً له. وهذا الذي يرد به على النصارى إذ يقولون: إن مصر أرض قبطية، وكثير من الناس يتحرّج أن يكون له أصول قبطية، بل هو شرف عظيم جداً أن تفارق أباك الكافر؛ ولذلك حينما دخل عمرو بن العاص مصر كان أهلها في ذلك الزمان أقباطاً، -أي: نصارى- فمنهم من دخل في الإسلام ومنهم من لم يدخل، وأما من دخل فلا شك أن نسله مسلم إلى يومنا هذا، فربما يكون لك أصول نصرانية، أو أصول يهودية، أو أصل أتى من جزيرة العرب مع الفاتحين والغزاة، فأياً كان نسبك ونسلك فلا حرج عليك حينئذ، أما نحن فنقول: إن الأرض كانت قبطية، وبمجرد ظهور عمرو بن العاص عليها صارت أرضاً إسلامية لا حق لليهود ولا للنصارى ولا لساكني هذه الأرض فيها. وهذه من مسائل الإجماع في قضايا الاعتقاد والجهاد: أن المسلم إذا ظاهر على أرض -أي: غلب أهلها في قتال وغزو خلف أمير- فلا شك أن هذه الأرض تصير ملكاً لله تعالى ورسوله، وهذه الملكية تنتقل إلى الولاة والأمراء المسلمين. فلما يقول هؤلاء إن الأرض لهم. فقولهم مجرد أمانٍ وهيهات أن تتحقق لهم هذه الأماني، فإن الأرض لله تعالى يورثها من يشاء من عباده.

    فإذا نقض صاحب العهد عهده أو صاحب الذمة ذمته وصاحب الأمان والمن ما أمن عليه صار حربياً، وجرت عليه أحكام أهل الحرب. أي أن دمه صار هدراً حلالاً، وللإمام سبي من أراد منهم، وله المن على من أراد.

    وفي هذا الحديث: (أنه إذا من عليه ثم ظهرت منه محاربة انتقض عهده، وإنما ينفع المن فيما مضى لا فيما بقي أو في المستقبل، وكانت قريظة في أمان أعطاهم النبي عليه الصلاة والسلام ومن عليهم بهذا، ثم حاربوا النبي عليه الصلاة والسلام ونقضوا العهد، وظاهروا قريش -أي: تواطئوا واتفقوا مع قريش- على قتال النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا [الأحزاب:26] ... إلى آخر الآية الأخرى).

    والإمام النووي عليه رحمة الله تكلم فيما يتعلق بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب بكلام طويل، لكن على أية حال أقوى من هذا الكلام ما ذكره غيره كالحافظ ابن حجر. وجاء في صحيح مسلم كذلك في كتاب المساقاة، قال الإمام: حدثنا محمد بن رافع وإسحاق بن منصور الكوسج قالا: عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج حدثني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر نفس الحديث ونفس الإسناد، أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز.

    إذاً: لم يجل النبي عليه الصلاة والسلام اليهود من أرض الحجاز تماماً، وإنما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بضرورة إجلائهم، ويتمكن من ذلك عند نقض العهد والميثاق، فإنه إذا حصل شيء من ذلك في وقت ما فعلى إمام الزمان المعيّن إجلاءهم، فـعمر أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، ولما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر أراد إخراج اليهود منها، والمعلوم أن خيبر أُخذت عنوة ولم تؤخذ صلحاً ولا سلماً، فأراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظُهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين مع أنها كانت لليهود، لكنها تنتقل إلى المسلمين فوراً بمجرد الغلبة والقهر لعدوهم، وقد سأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها على أن يكفوه عملها. أي: أنهم يعملون فيها لصالح النبي عليه الصلاة والسلام ولصالح المسلمين، ولهم نصف الثمر. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نقركم بها على ذلك ما شئنا). أي: على هذا الشرط الذي اشترطتموه بشرط إخراجكم منها متى نشاء. وفي هذا: جواز عقد المؤاجرة أو المساقاة المفتوح غير المحدد المدة، وهذا فيما يتعلق بكراء الأرض.

    قال: (نقركم بها على ذلك ما شئنا، فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء).

    وفي هذا دليل على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب: إخراجهم من بعضها لا من جزيرة العرب كلها، وهذا البعض هو الحجاز خاصة؛ لأن تيماء من جزيرة العرب، لكنها ليست من الحجاز، فحينما أجلاهم إلى تيماء تبيّن أن المقصود بجزيرة العرب: الحجاز.

    والإمام مالك في كتاب الموطأ في الباب الخامس يقول: (باب ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة).

    وحدثني عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: (قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان بأرض العرب، إنما هو دين واحد) وهذا الحديث وإن كان مرسلاً إلا أنه مروي في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها.

    وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب).

    قال مالك : قال ابن شهاب : ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب -وفحص بمعنى: تكلّف الكشف عن ذلك- حتى أتاه الثلج واليقين، أي: حتى حصّل اليقين الذي لا يساومه شك في ضرورة إخراج اليهود من جزيرة العرب، وأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب)؛ ولذلك حينما استقر هذا عند عمر وصار كالشمس في رابعة النهار أجلاهم من خيبر. وقال مالك : وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران وفدك، ونجران بلد يمني، فأما يهود خيبر فخرجوا منها ليس لهم من الثمر ولا من الأرض شيء، وأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمر ونصف الأرض؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالحهم على نصف الثمر ونصف الأرض، فصالحهم عمر على أن يأخذوا بحقهم في نصف الأرض ونصف الثمر أموالاً وأعراضاً لا يأخذون ثماراً ولا أرضاً، فأراد أن يوفي بذمة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن ليس لهم ثمر ولا أرض، وإنما يأخذون قدر الثمار والأرض مالاً، فصالحهم عمر على قيمة من ذهب وورق -أي: فضة- وإبل وحبال وأقتاب -جمع قتب وهو رحل البعير- ثم أعطاهم القيمة وأجلاهم منها.

    أقوال العلماء في المراد بجزيرة العرب التي يتم إجلاء اليهود والنصارى منها

    أرض العرب هي الحجاز كله. ويقال: الحجاز هي مكة والمدينة واليمامة، واليمامة هي نجد الرياض.

    قال: (وقال أبو عبيد: قال الأصمعي جزيرة العرب من أقصى عدن وما والاها، إلى ريف العراق طولاً، ومن جدة وما والاها، من ساحل البحر إلى أطراف الشام عرضاً. إذاً: من جدة إلى الشام ومن اليمن إلى العراق طولاً وعرضاً هي جزيرة العرب.

    وأما في العرض فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام، ومصر في المغرب وفي المشرق ما بين المدينة إلى منقطع السماوة).

    فهل المقصود بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب من هذه البقعة العظيمة: من اليمن إلى العراق، ومن جدة إلى الشام؟

    قال كثير من أهل العلم بأن هذه مجموع جزيرة العرب، لكن هل المراد بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب من هذه الأراضي كلها؟ أو من الحجاز فقط؟

    مذهب جماهير العلماء أن المقصود بالإجلاء: الحجاز فقط. والحجاز: هي مكة والمدينة واليمامة التي هي الرياض والمدن المجاورة والمحيطة بها، وإن اليهود الآن والنصارى يعيثون فساداً في الرياض، وأعظم من فسادهم فساد الأمريكان؛ لأن الأمريكان عند الإطلاق يعنون: النصارى، لكن الأمريكان فيهم نسبة ليست قليلة من اليهود، والذين أتوا إلى بلاد الحجاز في حرب صدام مع الكويت لم يكونوا نصارى فقط، بل قد جاء معهم يهود، واليهود لهم في كل مصيبة باع طويل، وهم السبب في هذه الحرب المفتعلة في بلاد العرب.

    فإذا اتفقنا أن اليمامة من بلاد الحجاز وأن اليمامة المقصود بها: نجد والرياض، فإن اليهود يعيشون هناك، والذي يسافر إلى هناك يعلم أن اليهود ينتشرون رجالاً ونساء، والنساء يمشين في الشوارع عرايا كما لو كن في شوارع القاهرة مثلاً، أو في شوارع لبنان، فلاشك أن هذا مخالفة لهدي النبي عليه الصلاة والسلام ولأوامره التي قضت بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب، والأصل أن يجلى اليهود والنصارى من بلاد الإسلام قاطبة لا من جزيرة العرب أو من بلاد الحجاز خاصة، لكن إن بقوا في بلاد الإسلام دون بلاد الحجاز، فإنما يكون بعهد وأمان وميثاق، وعليهم أن يلتزموا بذلك، فإن نقضوا ذلك صاروا أهل حرب لا أهل عهد ولا ميثاق ولا أهل ذمة. وهذا هو حال اليهود والنصارى في بلاد المسلمين، أنهم في هذه الأيام أهل حرب وليسوا أبداً أهل ذمة، فقد خفرت ذمة النصارى وذمة اليهود في كل بلاد العالم بسبب إعلان الحرب على الإسلام والمسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فاليهود والنصارى نقضوا العهد بمحاربة الإرهاب، والمقصود بالإرهاب: الإسلام. ولا يتصور -جدلاً- لو افترضنا أن فاعل هذه الأحداث بعض شباب من المسلمين أن يؤخذ جميع المسلمين بجريمة البعض، ويُقتل الأبرياء وتُشرد النساء وتُبقر بطون الحوامل؛ لشُبهة قامت لدى هذا الزعيم الذي يُسمى بوش، فلذلك فإنه لا بد من تكاتف المسلمين ووحدتهم لإجلاء الأمريكان من بلاد الإسلام، وتاريخ شعب أفغانستان مشرّف إلى أقصى حد في حماية الإسلام والدفاع عنه، وتثبيت وترسيخ عقيدة التوحيد في قلوب أبنائه، لكنه لا حظ له على مدار التاريخ مع حرصه الشديد جداً على ترسيخ الإسلام والتوحيد إلا أنه دائماً شعب يعاني الفقر والمرض والجوع، ومثل هؤلاء كانوا تبعاً للنبي عليه الصلاة والسلام، فإنه ما انتصر النبي عليه الصلاة والسلام بالأغنياء ولا بالوجهاء، وإنما انتصر بالصعاليك والفقراء والعبيد والموالي.

    ما جاء من فدع يهود خيبر ليدي ابن عمر ورجليه، وإجلاء عمر لهم

    أخرج الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الشروط في الباب الرابع عشر قال: إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجت.

    قال: حدثنا أبو أحمد حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان الكناني أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر. أي: عذّبوه وضربوه وخلعوا كفه من ذراعه. والفدع: هو الإصابة الشديدة في الكف أو في المفصل بين الكف والذراع.

    قال: فلما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيباً رضي الله عنه فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على أموالهم) أي: صالحهم، لهم النصف ولنا النصف (وقال: نقركم ما أقركم الله) وجعل الأمر مفتوحاً لم يضرب لهم مدة زمنية محددة، سنة.. سنتين.. عشرة.. عشرين، وإنما قال: (نقركم ما أقركم الله) أي: ما شاء الله لكم أن تقروا في هذا المكان، فإذا رأينا إخراجكم أخرجناكم. قال: (وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك) أي: إلى سهمه الذي ضُرب له بعد فتح خيبر؛ ليرعى مصلحة أرضه. قال: (فعُدي عليه من الليل) وفي هذا دليل على أن يهود خيبر هم الذين فدعوا يديه. قال (فعُدي عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم). أي: أنه لا يمكن أن يفعل بـعبد الله بن عمر شيء من ذلك إلا أن يكون عدواً، وليس لنا في خيبر عدو إلا اليهود، فهذا حكم مبني على القرائن.

    قال: (هم عدونا وتهمتنا). يعني: نحن نتهمهم ولا نتهم غيرهم؛ لأنه ليس لنا عدو غيرهم. قال: (وقد رأيت إجلاءهم، فلما أجمع عمر على ذلك) أي: فلما استقر لدى عمر أن يجليهم من خيبر (أتاه أحد بني أبي الحقيق) عائلة أبي الحقيق كلها منافقة، ابتداء من أبي الحقيق وأبنائه وعمومته.

    قال: (أتاه أحد بني أبي الحقيق ، فقال: يا أمير المؤمنين!) وهذه مداهنة فإنه لم يأته ويقول له: يا أمير المؤمنين إلا لأنه مقر بأن هذا هو أمير المؤمنين.

    قال: (قال: يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم؟). وهذا عندما يصير اليهودي والنصراني في موطن الذلة.

    أخرجنا شريطاً سنة 1981م من كنيسة بالمنصورة ينصح فيها قسيس أبناء الكنيسة، فيقول لهم: إذا حكمك المسلم أطعه حيثما أمرك، وإذا حكمت المسلم فأذله حيث شئت. وهذا هو وضع اليهود والنصارى، بل وضع أعداء المسلمين عموماً.

    قال: (قال: يا أمير المؤمنين! أتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا؟) وكأنه يقول له: هل أنت تبع لمحمد أم لا، فهو سيدك ورسولك؟ هو الذي أقرنا وجعلنا آمنين، وأعطانا العهد والميثاق أن نظل ونزرع الأرض، وأنتم لكم النصف ونحن لنا النصف، فلِم تخفر أنت ذمة رسولك؟

    ويذكره عمر بالميثاق (فقال عمر : أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بك يا ابن أبي الحقيق ! إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة) أي: بأن عمر يقول: أنت تذكرني بالعهد والميثاق الذي من النبي صلى الله عليه وسلم معكم، فأنا سمعته بأذني -ولم أنس ذلك- يقول لك: سيأتي عليك يوم يا ابن أبي الحقيق! تخرج من خيبر على رحلك تعدو بك ليلة واثنتين وثلاثة.

    قال: (فقال: كان ذلك هزيلة) أي: كان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يمزح معنا، وقد صالحنا وعاملنا على أن لنا نصف الثمار فقط وليس نصف الأرض، على أن نزرعها ونكفيكم المؤونة. فحينما بدأ يسب النبي صلى الله عليه وسلم قال: عمر : (كذبت يا عدو الله!) أي: أنه لم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم هزيلة، (فأجلاهم عمر وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال وغير ذلك).

    قال الحافظ ابن حجر في قول عمر رضي الله عنه: (فعدي على عبد الله بن عمر من الليل):

    قال الخطابي : كأن اليهود سحروا عبد الله بن عمر فالتوت يداه ورجلاه، واليهود هؤلاء أهل سحر وأهل ربا، وأهل غدر، فجميع القبائح التي يمكن أن يتصف بها آدمي مصدرها اليهود، كأن اليهود سحروا عبد الله بن عمر فالتوت يداه ورجلاه. هكذا قال الإمام الخطابي. ويحتمل أن يكونوا ضربوه ويؤيده تقييده بالليل. ووقع في رواية عند البخاري بلفظ: فلما كان زمان عمر غشوا المسلمين، وألقوا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه. أي: نقضوا العهد فصاروا أهل حرب؛ ولذلك قاتلهم عمر رضي الله عنه.

    قال عمر : وقد رأيت إجلاءهم، أي: أن هؤلاء اليهود من أهل خيبر الحكم فيهم أنهم يجلون عن هذه البلاد، فلما أجمع -أي: عزم- على إجلائهم أجلاهم، لكن ليس لأحد أن يظن أن عمر رضي الله عنه أجلاهم من خيبر لأنهم فدعوا يدي ابنه، وليس لأحد أن يسيء الظن بـعمر ، ففدعهم لولده عبد الله بن عمر لا يستوجب الإجلاء، وإنما الذي استوجب الإجلاء أن فعلهم هذا نقض للعهد، وانظروا إلى الكيفية التي يمكن أن ينقض بها العهد، اعتداء على شخص لا على الأمة.

    أنتم تعلمون الآن أن الاعتداء من اليهود والنصارى على الأمة بأسرها في شرق الأرض وغربها حتى في بلاد العرب وبلاد المسلمين، أعلن النصارى حربهم، وأعلن اليهود حربهم على المسلمين، وآذوهم في دينهم وفي معتقدهم وفي عبادتهم، وفي أولادهم وأبدانهم ونسائهم، ومع هذا لا يزال حكام المسلمين يثبتون أنهم ليسوا رجالاً، ويقولون: لن نعمل شيئاً؛ حتى تعلموا أنا مسلمون، وأنا نقدم لكم صورة مشرقة عن الإسلام، وهي في الحقيقية صورة الذل والخنوع والخضوع والهوان، إذا إن الصورة المشرقة للإسلام أن يُضرب هؤلاء بالنعال على رءوسهم، فإن أرادوا أن ينصرفوا من هذه البلاد الإسلامية إلى بلاد الكفر فبها ونعمت، وإن أرادوا أن يمكثوا في الأرض فليمكثوا فيها بشرط إذا مر عليهم المسلم أن يقوموا له احتراماً وتعظيماً وتبجيلاً، أما الآن فنحن الذين نقوم لهؤلاء اليهود والنصارى احتراماً وتعظيماً.

    أسباب إجلاء عمر ليهود خيبر

    أيضاً: هناك سببان آخران لإجلاء عمر لليهود من خيبر:

    الأول: رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: ما زال عمر حتى وجد الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن عمر لم يجلهم حتى ثبت لديه يقيناً بغير شك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمع بجزيرة العرب دينان) فقال: من كان له من أهل الكتابين عهد فليأت به أنفذه له. يعني: أعطه وأوفه حقه، وإلا فإني مجليكم فأجلاهم. وهذا الحديث عند ابن أبي شيبة بسند صحيح.

    الثاني: رواه عمر بن شبة -في كتابه العظيم: أخبار المدينة المنورة- من طريق عثمان بن محمد الأحمسي قال: لما كثر العيال -أي: الخدم والموالي والعبيد- في أيدي المسلمين، وقووا على العمل أجلى عمر رضي الله عنه اليهود إلى الشام وقسم المال بين المسلمين إلى اليوم.

    يعني: بعد فتح خيبر لم يكن هناك من يزرعها ولا من يستثمرها، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود فيها على اعتبار أن يكون له نصف الثمر ولهم النصف في مقابل الزرع والكلفة حتى لا تبور الأرض، لكن حينما زالت هذه العلة وكثر العبيد والموالي ومن دخلوا في الإسلام ممن يمكن أن يعمل في الأرض ويزرع، وله شيء من الثمر -قام عمر بن الخطاب وأجلى اليهود، ويُحتمل أن يكون كل من هذه الأشياء جزء علة في إخراجه، والإجلاء: هو الإخراج عن المال والوطن على وجه الإزعاج والكراهة.

    وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها، فقال: ابن أبي الحقيق : لا تخرجنا ودعنا كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، فقال له عمر : أتراه سقط علي، أي: أتراني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف بك يا ابن أبي الحقيق ! إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوماً ثم يوماً ثم يوماً) يعني: أخذتك ناحية الشام. فقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية.

    وفي هذا الحديث كما قال المهلب : دليل على أن العداوة توضح المطالبة بالجناية، كما طالب عمر اليهود بفدع ابنه عبد الله ، ورجح ذلك بأن قال: ليس لنا عدو غيرهم، فعلق المطالبة بشاهد العداوة، وإنما لم يطلب القصاص؛ لأن هذا مبني على الظن، والظن اعتمد على قرينة، وهذه القرينة أفادت عند عمر وجوب الإجلاء مع غير ذلك من الأدلة؛ لأنه لا عدو لهم في هذا البلد إلا اليهود، ولم يطالب بالقصاص، لأنه ليس عنده يقين أن فلاناً من اليهود هو الذي فدع ولده، فقد فُدع ولده عبد الله وهو نائم في الليل، فلم يعرف أشخاصهم، ولكنه رضي الله عنه طالب بالإجلاء. وفيه: أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله محمولة على الحقيقة حتى يقوم دليل على المجاز.

    1.   

    باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم من الشجر والثمر حين استغنوا عنها بالفتوح

    الباب الرابع والعشرون: (باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم من الشجر والثمر حين استغنوا عنها بالفتوح).

    أي: حين حصل لهم الغنى بسبب الفتوح، فالجهاد باب عظيم للشباب، والذي لم يجد ما يتزوج سيجد بعد ذلك، والذي لم يجد ما يحج سيحج بعد ذلك.

    فـسعد بن أبي وقاص هو الذي قال: لقد رأيتني سادس ستة أو سابع سبعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ليس لنا طعام إلا ورق الشجر، ثم يصير الأمر معهم حتى يصير ملكاً من ملوك الدنيا، وهذا بسبب الجهاد.

    قال: [ وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى التجيبي قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: (لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء -أي: خرجوا من أمولاهم وأهليهم وتجارتهم وكل شيء لله تعالى- وكان الأنصار أهل الأرض والعقار -أي: أهل زراعة وحرث وماشية، خلافاً لأهل مكة فإنهم أهل تجارة- فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام) ].

    وهذه هي النصرة التي لا يستطيع أن يعملها إلا رجل بمعنى الكلمة. والحقيقة أنه ورد في تراجم كثير من أهل العلم أنهم إذا نزل بهم ضيف من أهل العلم يفعلون معه هذا، كما فعل عبد الرزاق الصنعاني مع أحمد بن حنبل حين نزل عليه في صنعاء، فقال له عبد الرزاق : إنا أهل حرث وزرع، وإننا نتكل على غنيمتنا -أي: على زرعنا وثمارنا- في موسمها -أي: إذا حُصدت- فلك نصفها. قال أحمد : لو أخذت من غيرك لأخذت منك. الشاهد أن عبد الرزاق عرض عليه نصف الثمار. وهكذا الأنصار فعلوا مع المهاجرين، حتى ثبت عن أحدهم أنه قال: ولي زوجتان انظر إليهما أُطلّق أجملهما لتتزوجها. وهذا أمر جائز، وليس فيه ما يتعلق بالتحليل أو التحريم.

    قال أنس: (لما قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء، وكان الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام، ويكفونهم العمل والمئونة) ] أي: أن المهاجرين يعملون مزارعين عند الأنصار.

    قال: [ (وكانت أم أنس بن مالك وهي تدعى أم سليم وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة وكان أخاً لـأنس لأمه، وكانت أعطت أم أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاقاً لها -جمع عذق وهي النخلة- فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد).

    قال ابن شهاب : فأخبرني أنس بن مالك : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم) ] منائحهم: جمع منيحة. وهي المنحة والعطية. أي: ردوا ما كانوا قد أخذوا منهم؛ لأنهم غنموا مغانم عظيمة من خيبر فصاروا أغنياء.

    قال: [ (فرد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمي عذاقها -أي: نخلها- وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مكانهن من حائطه) ]. والحائط: البستان؛ وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام حينما رجع إلى المدينة طلب من أم أيمن أن تعطي النخلة التي أعطاها لـأم سليم فأبت ذلك ظناً منها أنها هبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن الرجوع في الهبة، وكانت أم أيمن في منزلة أم النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنها الحاضنة والمربية له عليه الصلاة والسلام، فهي ظنّت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها هذا على سبيل التملك الدائم.

    قال ابن شهاب: [ وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لـعبد الله بن عبد المطلب -أي: أنها كانت مولاة وخادمة لـعبد الله والد النبي عليه الصلاة والسلام- وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما توفي أبوه، فكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة ، ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر ].

    قال: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحامد بن عمر البكراوي ومحمد بن عبد الأعلى القيسي كلهم عن المعتمر ، وهو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي عن أبيه عن أنس : (أن رجلاً كان يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات من أرضه، حتى فتحت عليه قريظة والنضير، فجعل بعد ذلك يرد عليه ما كان أعطاه).

    قال أنس : (وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله ما كان أهله أعطوه أو بعضه، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أم أيمن ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيهن؛ فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي، وقالت والله لا نعطيكاهن، وقد أعطانيهن) ] أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    حينما رأت أم سليم النبي عليه الصلاة والسلام رجع من قريظة والنضير وغنم منهم غنائم فهو يعطي لكل واحد أشياءه التي كان قد أخذها منه من قبل، فـأم سليم حينما رأت ذلك وكانت قد أعطت رسول الله عليه الصلاة والسلام نخلات، فقالت لابنها: (اذهب يا بني! إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقل له: هل لنا فيما أعطيناك أن ترد إلينا كله أو بعضه؟ وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطى ما أخذ من أم سليم لـأم أيمن فقال: اذهب فخذ هذه النخلات التي أعطيتها لـأم أيمن ، فذهب ليأخذ هذه النخلات، فأتت أم أيمن بخرقة ولفتها حول رقبة أنس وقالت: لا والله لا أُعطيكه وقد أعطانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا أم أيمن ! اتركيه ولك كذا وكذا وتقول: كلا والذي لا إله إلا هو) أي: أن الأصل في البشر الحرص على الدنيا، وأكثر البشر حرصاً على الدنيا النساء.

    قال: [ (وتقول: كلا والذي لا إله إلا هو، فجعل يقول: كذا. حتى أعطاها عشرة أمثاله) ].

    1.   

    كلام النووي في أحاديث رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم

    قال: (قال العلماء: لما قدم المهاجرون آثرهم الأنصار بمنائح من أشجارهم، فمنهم من قبلها منيحة محضة -أي: هبة وعطية بغير مقابل، وليس ديناً يستقر في الذمة- ومنهم من قبلها بشرط أن يعمل في الشجر والأرض وله نصف الثمار، ولم تطب نفسه أن يقبلها منيحة محضة؛ وهذا لشرف نفوسهم وكراهتهم أن يكونوا كلاً على غيرهم -أي: عالة على غيرهم- وكان هذا مساقاة أو في معنى المساقاة، فلما فُتحت عليهم خيبر استغنى المهاجرون بأنصبائهم فيها عن تلك المنائح، فردوها إلى الأنصار.

    ففي هذا: فضيلة ظاهرة للأنصار في مواساتهم وإيثارهم لإخوانهم من المهاجرين، وما كانوا عليه من حب الإسلام وإكرام أهله، وأخلاقهم الجميلة، ونفوسهم الطاهرة، وقد شهد الله تعالى لهم بذلك؛ فقال تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ [الحشر:9]). فهذه شهادة الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات للأنصار، أنهم يحبون من هاجر إليهم.

    قال: قوله: وكان الأنصار أهل أرض وعقار، وزرع وحرث، والعقار هو في الغالب: النخل، أو كل ما له أصل. وقيل: هو النخل خاصة. وكانت -أي: أم أنس - أعطت رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاقاً لها، -أي: نخلاً لها- فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لـأم أيمن. وفي هذا دليل لما قدمنا عن العلماء أنه لم يكن كل ما أعطت الأنصار على المساقاة، بل كان فيه ما هو منيحة ومواساة بغير مقابل ولا ديناً مستقراً في الذمة، وهذا منه.

    أم أنس بن مالك أم سليم حينما أعطت المنيحة والنخل للنبي صلى الله عليه وسلم ما أرادت إرجاعه، وما استقر في ذمة النبي صلى الله عليه وسلم كدين، وإنما فهم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا منيحة محضة فأعطاها لـأم أيمن ، وهو محمول على أنها أعطته صلى الله عليه وسلم ثمارها يفعل فيها ما شاء، من أكله بنفسه وعياله وضيفه، وإيثاره بذلك لمن شاء، ثم له أن يعطيها حتى لو كانت على سبيل الهدية، وفي هذا إبطال لما استقر في أذهان العامة أن الهدية لا تهدى ولا تباع، بل هي تهدى وتباع وتُرد، والراد للهدية يحمل المردود إليه، لكن ليس لمن أهدى أن يطالب بالهدية؛ فلهذا آثر النبي عليه الصلاة والسلام أم أيمن ، ولو كانت إباحة له خاصة لما أباحها لغيره؛ لأن المباح له بنفسه لا يجوز له أن يبيح ذلك الشيء لغيره، بخلاف الموهوب له نفس رقبة الشيء، فإنه يتصرف فيه كيف شاء.

    قال: (رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم)، في هذا دليل على أنها كانت منائح ثمار، دون تمليك للعين، فإنها لو كانت هبة لرقبة النخل لم يرجعوا فيها، وإنما هذا كان في الثمار فحسب؛ فإن الرجوع في الهبة بعد القبض لا يجوز، أما قبل القبض يجوز). والأحوط: إذا وجدت الموهوب يُباع فلا تشتر، وأنتم تعلمون أن عمر بن الخطاب وهب فرساً فوجده يباع في الأسواق، فأراد أن يشتريه فنهاه النبي عليه الصلاة والسلام، فإن الرجوع في الهبة بعد القبض لا يجوز، أما قبل القبض فيجوز. قال: (وإنما كانت إباحة للثمار كما ذكرنا، والإباحة يجوز الرجوع فيها متى شاء الواهب، ومع هذا لم يرجعوا فيها حتى اتسعت الحال على المهاجرين بفتح خيبر، واستغنوا عنها فردوها على الأنصار فقبلوها -أي: الأنصار- وقد جاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لهم ذلك).

    قوله: (قال ابن شهاب : وكان من شأن أم أيمن التي هي أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لـعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة. فهذا تصريح منه أنها حبشية).

    وفي قصة أم أيمن أنها امتنعت من رد تلك المنائح التي عوضها عشرة أمثالها إنما فعلت هذا لأنها ظنت أنها هبة مؤبدة وتمليك لأصل الرقبة، وأراد النبي عليه الصلاة والسلام استطابة قلبها في استرداد ذلك، فما زال يزيدها في العوض حتى رضيت، وكل هذا تبرع منه صلى الله عليه وسلم وإكرام لها؛ لما لها من حق الحضانة والتربية عليه.

    1.   

    باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب

    الباب الخامس والعشرون: (باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب).

    دار الحرب هي: الدار التي بينها وبين أهل الإسلام حرب.

    [ حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: (أصبت جراباً من شحم -والجراب: هو الوعاء من جلد- يوم خيبر -أي: من دهن- قال: فالتزمته فقلت: لا أعطي اليوم أحداً من هذا شيئاً. قال: فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسماً).

    حدثنا محمد بن بشار العبدي حدثنا بهز بن أسد العمي حدثنا شعبة حدثني حميد بن هلال قال: سمعت عبد الله بن مغفل يقول: (رُمي إلينا جراب فيه طعام وشحم يوم خيبر) والذي رماه هم اليهود؛ وذلك لأن المسلمين لم يكن لديهم شيء، فرُمي إليهم بجراب فيه طعام وشحم.

    قال: (فوثبت لآخذه. قال: فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحييت منه).

    وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة بهذا الإسناد غير أنه قال: (جراب من شحم) ولم يذكر الطعام ].

    1.   

    كلام النووي في أحاديث باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب

    إباحة أكل طعام الغنيمة في دار الحرب

    قال النووي: (وفي هذا الحديث إباحة أكل طعام الغنيمة في دار الحرب).

    أي: إذا كانت الحرب في هذا الوقت دائرة بين المسلمين وبين أهل الكتاب، وقد جعت وأمامي طعام من غنيمة غنمناها من اليهود والنصارى، وأنا في ساحة القتال، فإنني آكل ولا حرج عليّ، وليس هذا من باب الغلول في شيء.

    قال: (قال القاضي : أجمع العلماء على جواز أكل طعام الحربيين ما دام المسلمون في دار الحرب، فيأكلون منه قدر حاجاتهم -يعني: سد رمق- ويجوز بإذن الإمام وبغير إذن الإمام). حتى وإن قال الإمام: لا تأكلوا؛ نأكل حاجتنا؛ لأننا سنهلك بغير طعام.

    قال: (ولم يشترط أحد من العلماء استئذانه إلا الإمام الزهري ، وجمهورهم على أنه لا يجوز أن يخرج معه منه شيء إلى عمارة دار الإسلام). أي: تأكل وتترك المتبقي مكانه، وهذا مذهب جماهير العلماء، كما أنني أنزل بساتين وثمار أهل الإسلام أو أهل الكفر على الطريق، فلا بأس أن آكل منه ولهم في ذلك أجر، ولا يجوز أن آخذ منه لأهل بيتي، كذلك حين تخرج من دار الحرب طعاماً إلى دار الإسلام لا يجوز، فإن أخرجه لزمه رده إلى المغنم.

    قال: (وقال الأوزاعي : لا يلزمه رد ما خرج به من بلاد الحرب إلى بلاد الإسلام، وأجمعوا على أنه لا يجوز بيع شيء منه في دار الحرب ولا في غيرها). فهذا طعام، فإما أن يباع به أكلاً وشرباً على قدر الحاجة، وإما أنه من أصل الغنيمة، أما بيعه في دار الحرب للحربيين أو للمسلمين فإن ذلك لا يجوز، وهذا من مسائل الإجماع.

    قال: (فإن بيع منه شيء لغير الغانمين كان بدله غنيمته، ويجوز أن يركب دوابهم -يجوز للمسلم أن يركب دواب أهل الكتاب- ويلبس ثيابهم، ويستعمل سلاحهم في حال الحرب بالإجماع، ولا يفتقر إلى إذن الإمام، أما الأوزاعي فإنه شرط إذنه). وخالف جماهير العلماء في ذلك، كما خالف الزهري الجماهير في المسألة الأولى.

    حكم أكل ذبائح اليهود والنصارى

    قال: (وفي هذا الحديث دليل على جواز أكل شحوم ذبائح اليهود) واليهود ليسوا كالنصارى، إذ إن النصارى يأكلون الموقوذة والمنطوحة، والمتردية، وأي نتن أو جيفة يأكله النصارى؛ لأنهم يتقربون إلى الله تعالى -بزعمهم- بهذه الأنتان والأوساخ، لكن اليهود رغم أنهم أخبث الخلق على الإطلاق، إلا أنهم لا يأكلون شيئاً إلا مذبوحاً، حتى في أمريكا تجد المصانع هناك والشركات حريصة كل الحرص على أن تضع على البضائع والمطعومات والمشروبات علامة صناعة يهودية، وكذا الدواء فوزارة الصحة تمر على المحلات فتأخذ عينة من الدواء فتقوم بتحليلها كل فترة من الفترات، فإذا وجدوا أن الأوصاف المذكورة لدى وزارة الصحة غير موجودة أو فيها خلل صارت مصيبة سوداء لا يمكن علاجها.

    فهم على أية حال كفار، لكن يحترمون قوانينهم الأرضية، ونحن مسلمون، لكن لا نحترم الله ولا نحترم الرسول، ولا القرآن ولا الشريعة، وهم أيضاً يحترمون كفرهم، ونحن لا نحترم إيماننا ولا نحترم ديننا؛ وهذا سبب ذلنا وإهانتنا.

    فاليهود لا يمكن أن يأكلوا ذبيحة إلا إذا كانت مذبوحة، وفوق هذا لابد أن يذبحوا بأنفسهم، وحرموا على أي مجازر أخرى أن تذكر اسم اليهود على منتجاتها ومصنوعاتها من اللحوم والشحوم وغير ذلك، إلا إذا كان هذا المصنع ملكاً لليهود أبداً.

    وكان اليهود من قبل لا يتحرزون قط من ذبائح المسلمين، فكانوا يأكلونها بغير تردد، أما الآن لا يأكلونها مطلقاً؛ وذلك لعلمهم أن المسلمين تهاونوا في قضية الذبح على الشريعة الإسلامية، فهم على الأقل يأخذون هذا من باب الصحة لا من باب التدين، واليهود يختلفون معنا في ضوابط الذبح، فنحن نذبح من الحلق والأوداج وهم يذبحون من الرقبة، وذبحنا شرعي وذبحهم غير شرعي، لكن على أية حال هم يذبحون ولا يصعقون بالكهرباء، ولا يردونها من مكان عال ولا يقتلونها، أما النصارى فقد يجدون جيفة على سطح الأرض فيأكلونها؛ لأن النصارى في الغالب يميلون في عبادتهم إلى النجاسات والأنتان والأوساخ والأقذار، خلافاً لليهود.

    قال: (وفي هذا الحديث دليل لجواز أكل شحوم ذبائح اليهود، وإن كانت شحومها محرمة عليهم، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وجماهير العلماء).

    واليهود لا يأكلون الخنزير، وإنما النصارى هم الذين يأكلون الخنزير، مع أن الله تعالى حرّم على النصارى الخنزير، أي: أنه ليس حلالاً.

    قال: (قال الشافعي وأبو حنيفة والجمهور في شحوم اليهود: لا كراهة فيها، وقال مالك : هي مكروهة.

    وقال أشهب وابن القاسم المالكيان وبعض أصحاب أحمد : هي محرمة. وحكي هذا أيضاً عن مالك واحتج الشافعي والجمهور بقول الله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5].

    أي: ذبائح أهل الكتاب). ولا يقصد بالطعام الفاصوليا والبطاطس فهذا حلال حتى وإن كان في أرض مجوسية، فإنه حلال.

    إذاً: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5] يحمل معنى مقيداً عن مطلق الطعام وهو الذبائح، فإذا ذبح اليهود وذبح النصارى فذبيحة اليهودي وذبيحة النصراني قد أحلها الله تعالى لنا، أما ذبيحة تارك الصلاة فهي حرام، قال الله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5] طعامهم حل لكم في كل وقت في الحرب وفي غير الحرب.

    قال: (قال المفسرون: المراد به: الذبائح ولم يستثن منها شيئاً لا لحماً ولا شحماً ولا غيره.

    وفي هذا الحديث: حل ذبائح أهل الكتاب وهو مُجمع عليه ولم يخالف في ذلك إلا الشيعة). فالشيعة لا يأكلون من ذبائح أهل الكتاب، ولا شك أن هذا مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة.

    قال: (ومذهبنا ومذهب الجمهور إباحتها سواء سموا الله تعالى عليها أم لا. وقال قوم: لا يحل إلا أن يسموا الله تعالى، فأما إذا ذبحوا على اسم المسيح أو كنيسة ونحوها فلا تحل تلك الذبيحة عندنا) وهذا الذي يترجّح لدي، إذا ذبحوا باسم الصليب أو المسيح أو الكنيسة فإن هذا شرك بالله تعالى، أما اليهود الذين يعتقدون أن الله تعالى في السماء، والنصارى الذين يعتقدون أن الله تعالى في السماء، وأن عيسى هو نبي الله وكلمته وروح منه ألقاها إلى مريم، فإذا كان هذا معتقد اليهودي أو النصراني وذبح فإن ذبيحته حلال، ودون ذلك خرط القتاد.

    قال: (وبهذا قال جماهير العلماء).

    أما قوله: (فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحييت منه) أي: حينما أُلقي إليه جراب من شحم أو لحم قال: فأخذته فاحتضنته مخافة أن يأخذه غيري. قال: والله لا أعطي اليوم من هذا أحداً شيئاً.

    ثم نظر بعد أن قال كلمته فإذا رسول الله عليه الصلاة والسلام قد سمع الكلمة وابتسم لها، فهذه الابتسامة الرقيقة اللطيفة جعلت الحياء يذبح قائلها فقال: (فاستحييت منه).

    والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756583982