إسلام ويب

شرح عمدة الفقه كتاب البيوع [4]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عقد الفرض من عقود الإرفاق التي أجازها الشرع، وهو عقد يكون بين رجلين، لينتفع المقترض بمال المقرض ثم يرد مثله دون زيادة، وإذا رد خيراً منه دون اشتراط من المقرض جاز له ذلك.

    1.   

    أحكام القرض

    مشروعية القرض من السنة النبوية

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب القرض وغيره.

    عن أبي رافع : (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم استسلف من رجل بكراً، فقدمت عليه إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال: أعطوه فإن خير الناس أحسنهم قضاء) ].

    يستحب القرض، لما جاء في الحديث: (من أقرض شخصاً مرتين كان كصدقة مرة) -هو عقد إرفاق- وإذا أقرضه فإنه يرد مثله، وإذا رد خيراً منه بدون شرط فهذا لا بأس به، فرد القرض بأفضل منه ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم.

    والرباعي ما له سنتان، فإذا اقرضك شخص مائة ريال فلما حل الأجل أعطيته مائة وعشرين بدون شرط فلا بأس بالزيادة إذا لم تكن مشروطة، أما إذا كانت مشروطة فهذا رباً ولا يجوز كألف بألف ومائتين.

    ولو كنت تعرف منه ذلك فلا تأخذ الزيادة، لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.

    وإذا شرط عليه كان ذلك رباً ولو كان من الإبل أو من البقر أو من الغنم، فلو شرط عليه أنه سيقرضه من الإبل ما له سنة على أن يعطيه ما له سنتان فهذا ربا.

    قال [ ومن اقترض شيئاً فعليه رد مثله، ويجوز أن يرد خيراً منه ].

    قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل قرض جر نفعاً فهو رباً) هذا الحديث ضعيف لا يصح، لكن أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعاً فهو رباً.

    ومن اقترض شيئاً فالواجب أن يرد مثله، وإذا رد خيراً منه فهذا أفضل إذا لم يكن هناك شرط، فإن كان هناك شرط صار رباً.

    قال: [ وأن يقترض تفاريق ويرد جملة إذا لم يكن شرط ].

    أي: يجوز له أن يقترض -مثلاً- في شهر محرم مائة ريال وفي شهر صفر مائة وفي ربيع مائة وفي جمادى مائة وهكذا حتى تجتمع عليه ألف، ثم يردها ألفاً مرة واحدة فهذا لا بأس به.

    قال: [ وإن أجله لم يتأجل ].

    لأنه حال.

    قال: [ ولا يجوز شرط شيء لينتفع به المقرض إلا أن يشترط رهناً أو كفيلاً ].

    لا يجوز أن يشترط المقرض منفعة؛ لأنه رباً، فلو قال: سأقرضك الآن مائة ألف بشرط أن تعطيني سيارتك لأستعملها شهراً أو شهرين، أو تعطيني بيتك أسكنه شهراً أو شهرين فهذا رباً، إلا إذا كان رهناً فهذا لا بأس به؛ لأنه توثقة للقرض، أما أن يصير شيئاً ينتفع به فهذا رباً.

    حكم قبول هدية المقترض

    قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يقبل هدية المقترض إلا أن يكون بينهما عادة بها قبل القرض ].

    لا يجوز أن يقبل الهدية؛ لأنها من الربا إلا إذا احتسبها من الدين فخصم جزءاً منها، فإذا أقرضه ألف ريال ثم أهدى له هدية تساوي مائة ريال فإنه يخصم من القرض مائة، إلا إذا كان بينهما مهاداة قبل المعاملة.

    وإذا صنع المقترض وليمة للمقرض لأجل القرض فلا ينبغي للمقرض أن يأكل منها؛ إلا إذا كان بينهما ذلك قبل القرض فلا بأس به.

    أما الجمعيات التعاونية عندما يجمع المشتركون فيها مرة واحدة ويأخذها أحدهم ليستفيد منها، فهي لا تدخل في الشرط في القرض. أما البنوك فإنهم يتعاونون بالربا، لما رأوا الناس يقبلون على البيع المقسط صاروا يفتحون للناس باب التقسيط من أجل أن يكسبوا الناس وأن يأخذوا ما عندهم بأي طريقة.

    وبعض الدوائر الحكومية كالتربية يأخذون رواتبهم من البنوك الربوية، والأولى عدم التعامل معهم في هذا.

    أما الحديث: (من أقرض شخصاً مرتين كان كصدقة مرة) والذي رواه ابن ماجة فهو حديث مرفوع وإن لم يكن له شواهد فهو ضعيف، وإن كان له شواهد فهو صحيح.

    1.   

    أحكام تتعلق بالدين

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: أحكام الدين.

    من لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله ].

    إذا كان على الإنسان دين مؤجل فإن صاحب الدين ليس له أن يطالبه به قبل أجله؛ لأن من حقه أن يؤخر قضاءه حتى يحل الأجل؛ لأن الأجل من حق المدين، فليس للدائن أن يطالبه قبل حلول الأجل؛ إلا أن يسافر ويخشى أن يسلم الدين قبل مجيئه أو يغلب على ظنه أنه لا يجيء، فإنه يمنعه -كما سيأتي- من السفر حتى يوثق دينه، أما أن يطالبه قبل حلول الأجل فليس له ذلك؛ لأن المدة من حق المدين.

    فلو اشترى منه السلعة بثمن مؤجل إلى رمضان فلا يحق له أن يطالبه بالثمن في رجب أو في شعبان؛ لأن بينهما عقداً فلا يطالب حتى يأتي رمضان.

    وإذا دفع الدين مؤجلاً فإن للمقرض أن يتفق معه حتى يسقط عنه بعض دينه فهذا حسن، وهذه مسألة بع وتعجل، فمثلاً: لو كان له دين مؤجل إلى رمضان وقدره عشرة آلاف، فلما كان في شهر محرم صار المقرض محتاجاً للمال، فيسقط عنه ألفين، فأعطاه المقترض ثمانية آلاف وسامحه المقرض في ألفين فهذا لا بأس به، فهو أبرأه من بعض حقه وهذا قبل حلول الأجل.

    قال: [ ولم يحجر عليه من أجله ].

    أي: لا يحجر عليه؛ لأنه ما حل وقت سداد الدين.

    قال: [ ولم يحل بتفليسه ].

    أي: إذا صار المدين فقيراً فلا يحل الدين المؤجل بتفليسه، فلو أن شخصاً له دين مؤجل على شخص إلى رمضان وأفلس المدين فلا يحل المؤجل بتفليسه.

    فلا يطالبه قبل حلول الأجل من أجل كونه أفلس، لأن من حقه أن يتمتع بهذا الأجل.

    قال: [ ولا بموته إذا وثقه الورثة برهن أو كفيل ].

    كذلك إذا مات المدين فلا يحل الدين إذا وثقه الورثة برهن أو كفيل، فلو أعطاه الورثة رهناً أو كفالة فإن الدين يبقى على أجله؛ لأنه توثق برهن أو كفيل.

    قال: [ وإن أراد سفراً يحل قبل مدته، أو الغزو تطوعاً فلغريمه منعه إلا أن يوثق بذلك ].

    لأنه يخشى في هذه الحالة ألا يعطيه حقه.

    والرواية الأخرى: أنه إذا قدم من سفر قبل حلول الدين فليس له أن يطالبه، وعلى هذه الرواية أنه إذا خشي ألا يعطيه إذا غزى أو سافر، حتى ولو قال أنه سيرجع قبل حلول الدين فإن له أن يمنعه من السفر حتى يوثقه، فيقول له: لا تسافر، فإن قال له: سأرجع قبل حلول الدين، قال: ما ندري ترجع أو ما ترجع، أريد منك أن توثق بكفيل أو رهن، فله في هذه الرواية أن يمنعه حتى يوثقه دينه برهن أو كفيل، وعلى الرواية الأخرى أنه ليس له ذلك مادام أنه سيقدم قبل حلول الدين.

    قال: [ وإن كان الدين حالاً على معسر وجب إنظاره ].

    أي: إذا حل الدين والمدين فقير فلا يجوز لصاحب الدين إيذاؤه ولا حبسه مادام أنه معسر؛ لقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، يعني: فأنظروه إلى أن ييسر الله له، ولا يجوز حبسه ولا إيذاؤه ويأثم بذلك؛ لأنه لا حيلة له فيه، ولا يفيد الحبس ما دام أنه ليس عنده شيء، بل تركه أولى حتى يترك له مجالاً لعله يكسب ويوفي الدين.

    أما إذا عرف أنه مماطل وعنده مال فهذا يحبس حتى يسلم الدين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته).

    وقرابة المعسر لا يدفعون عنه؛ أما في دية الخطأ فإنهم يدفعون عنه. والراجح أنه لا يجوز له إيذاؤه ولا حبسه إذا تحقق أنه معسر للآية.

    قال: [ فإن ادعى الإعسار حُلف وخلي سبيله ].

    أي: إذا ادعى الإعسار، وصاحب الدين لا يدري هل هو معسر أم لا؟ حلف المدعي أنه معسر فلو حلف يقبل يمينه ويخلي سبيله، هذا إن كان ما يعلم حاله.

    وهذا يكون عند القاضي، فيقول القاضي: هات بينة تثبت أنك معسر، فلو قال: ما عندي بينة، قال له القاضي: ما لك إلا اليمين، فيحلف أنه معسر ويخلى سبيله.

    قال: [ إلا أن يعرف له مال قبل ذلك فلا يقبل قوله إلا ببينة ].

    أي: إلا أن يعرف أن له مالاً فلا يقبل ادعاؤه الإعسار إلا بدليل أو بينة، وإذا كان عنده بيت ملك فإنه لا يباع؛ لأنه من الضروريات، وهذا هو الظاهر؛ إلا إذا كان البيت زائداً عن حاجته أو حاجة أمثاله، كأن يكون بيتاً كبيراً فيلزم بيعه ويشتري بيتاً مناسباً صغيراً ويوفي الدين.

    ولا يقبل قوله أنه ما عنده مال إلا ببينة.

    قال: [ فإن كان موسراً لزمه وفاؤه، فإن أبى حبس حتى يوفيه ].

    أي: إذا كان معروفاً أنه غني وامتنع عن وفاء الدين، لزمه وفاء الدين، فإن أبى حبس من جهة القاضي أو الحاكم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته)، أي: امتناع الغني عن وفاء الدين لمستحقه ومماطلته له يحل عرضه، فيقول: فلان منعني حقي (وعقوبته) أي: حبسه حتى يوفي الحق الذي عليه؛ لأنه ظالم.

    قال: [ فإن كان ماله لا يفي بدينه كله فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمه إجابتهم ].

    إذا كان ماله قليلاً وأفلس وطلب الغرماء أصحاب الديون من الحاكم أو القاضي أن يحجر عليه، فللحاكم أو القاضي أن يجيب طلبهم فيحجر عليه.

    والحجر عليه معناه: أن يمنعه من التصرف في أمواله فلا يحق له أن يبيع أو يشتري حتى يوفي الديون التي عليه.

    قال: [ فإذا حجر عليه لم يجز تصرفه في ماله، ولم يقبل إقراره عليه ].

    لأن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ .

    وإذا أعلن الحاكم أو القاضي الحجر على فلان فلا يجوز تصرفه، فلو باع لا يصح البيع، والحاكم هو الذي يتولى جمع أمواله وبيعها وإعطاءها الغرماء.

    وإذا حجر الحاكم عليه في طلب الغرماء فإن الحكم ينفذ، فإذا باع بيته لا ينفذ البيع، فلو أقر أن فلاناً يطلبه عشرة آلاف مثلاً، فيقول له: إقرارك غير صحيح، وبيعك غير صحيح؛ لأنك محجور.

    قال: [ ويتولى الحاكم قضاء دينه، ويبدأ بمن له أرش جناية من رقيقه فيدفع إلى المجني عليه أقل الأمرين من أرشها أو قيمة الجاني ].

    أي: حينما تكون على الشخص ديون وله غرماء وقل ماله وأفلس وطلبوا أن يحجر عليه، وحجر عليه الحاكم، وهو الذي يتولى جمع أمواله ويبيعها، ويخصص لجنة تحصي أمواله وتسدد الديون، ويبدأ أولاً بمن له أرش جناية، فمثلاً إذا كان له عبد، لما كان العبيد موجودين، والآن العبيد لا يوجدون، ووجود العبيد يدل على قوة المسلمين، والعبيد إنما يوجدون إذا وجد الجهاد في سبيل الله وقاتل المسلمون الكفرة وغنموا أموالهم ونساءهم وذراريهم؛ أما والمسلمون ضعفاء فلا يوجد جهاد.

    فلو كان له عبد واعتدى على شخص، أو اعتدى على دابته أو سيارته وأفسدها، فإذا جمع الحاكم أمواله فإنه يبدأ بمن له أرش جناية هذا العبد؛ لأن الجناية تعلقت في رقبته.

    ولو قال الذي أفسد هذا العبد ماله: إن هذا العبد هو الذي أفسد سيارتي وأريد هذا العبد فيسلم له العبد، وينظر في ثمن السيارة التي أفسدها وثمن العبد، فإذا وجدنا أن ثمن السيارة عشرة آلاف والعبد خمسة عشر ألفاً يعطى عشرة آلاف، وإذا وجدنا أن ثمن العبد عشرة آلاف والسيارة خمسة عشر ألفاً، يسلم له العبد فيأخذ العبد كاملاً وينتقل إليه؛ لأن هذه الجناية تعلقت برقبة الجاني.

    فإن كان ثمن العبد أقل سلم له العبد فيأخذه ويكون من أمواله؛ وإن كان ثمن العبد أكثر نعطيه القيمة والعبد يبقى لصاحبه؛ لأن الجناية تعلقت برقبة العبد وأرش الجناية هنا بين القيمة وثمن العبد فيدفع له أقل الأمرين، فإن كان ثمن السيارة أقل نعطيه ثمن السيارة، وإن كان ثمن السيارة أكثر يسلم العبد لصاحب السيارة، والباقي يكون للغرماء الآخرين.

    قال: [ ثم بمن له رهن فيدفع إليه أقل الأمرين من دينه أو ثمن رهنه ].

    ثم يبدأ أيضاً بالمرتبة الثانية وهي: الدين الذي به رهن، ونوفي صاحب الدين ونعطيه الأقل، فلو رهن سيارة قيمتها عشرة آلاف، ودينه يساوي خمسة عشر ألفاً يسلمه الرهن مثل العبد، وإن كانت السيارة أكثر من الدين سلم له الدين وتبقى السيارة للمدين، فتكون الخطوات المتبعة في ذلك ما يلي:

    الأولى: يبدأ بمن له أرش جناية.

    الثانية: الدين الذي به رهن.

    قال: [ وله أسوة الغرماء في بقية دينه ].

    أي: الباقي من الدين يكون للغرماء بالنسبة.

    قال: [ ثم من وجد متاعه الذي باعه بعينه لم يتلف بعضه، ولم يزد زيادة متصلة، ولم يأخذ من ثمنه شيئاً فله أخذه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره) ].

    هذا هو الأمر الثالث: من وجد متاعه بعينه فله أخذه بشروط: ألا يتغير، ولا يزيد زيادة متصلة، ولا يأخذ من ثمنه شيئاً، فمثلاً باع إنسان سيارة على شخص بعشرة آلاف وأفلس وحجر عليه الحاكم وطلب الغرماء فجاء صاحب السيارة وقال: هذه سيارتي بعينها ما تغيرت أي ما زاد ولا نقص من ثمنها شيء، فله أن نسلمها إياه؛ لأنه وجد متاعه بعينه للحديث: من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به.

    أما إذا أخذ جزءاً من ثمنها أو تغيرت السيارة أو عمل فيها أو باعها، ثم رجع فيها مرة أخرى ففي هذه الحالة لا تعطى له بخلاف ما لو كانت دابة زاد ثمنها.

    فمن وجد متاعه بعينه فله أخذه بشرط: أنه ما زاد فيه شيء ولا قبض من ثمنه شيئاً، ولم يتغير المبيع بحال أو بصفة من الصفات، وألا يتعلق بحق غيره فليس له أن يأخذه، وأن يكون المفلس حياً فلو توفي وجاء أولاده يطالبون فلا يحق لهم.

    قال: [ ويُقْسَمْ الباقي بين الغرماء على قدر ديونهم ].

    أي: يقسم الباقي بالنسبة، فلو أن شخصاً عليه دين وقدره مليون ريال ثم حجر عليه، وجمعنا ماله ووجدناه مائة ألف، ولغريمه الأول مائة ألف، والثاني: خمسمائة ألف، والثالث: أربعمائة ألف، فنقسم المائة ألف هذه بالنسبة، فالذي يطلبه مائة ألف نسبته العشر فنعطيه من المائة عشرة آلاف، والذي يطلبه خمسمائة ألف نعطيه خمسة آلاف؛ لأن نسبته نصف العشر، والذي يطلبه أربعمائة ألف نعطيه أربعة آلاف، وباقي الدين حتى ييسر الله، فهذه نسبة الغرماء، والذي له دراهم أخذها، والذي وجد ماله بعينه أخذه قبل أن توزع الديون أو تقسم وكذلك العبد الذي تعلق برقبته شيء يسلم له إياه، وليس لهم إلا هذا، وإن جاءه شيء من المال قسم مرة ثانية، وإن لم يأت شيء يبقى هكذا حتى ييسر الله.

    قال: [ وينفق على المفلس وعلى من تلزمه مؤنته من ماله إلى أن يفرغ من القسمة ].

    أي: أن الحاكم الذي يجمع الأموال لغرماء المدين ينفق على المفلس وعلى عائلته من هذا المال حتى يقسم، فإذا قسم فلا ينفق عليهم منه شيء.

    قال: [ فإن وجب له حق بشاهد فأبى أن يحلف لم يكن لغرمائه أن يحلفوا ].

    أي: لو قيل: يا فلان وجدنا لك أرضاً تساوي مائة ألف، ووجد شاهد يشهد أنها له، وجاء الغرماء وطلبوا منه أن يحلف فقال: ما عندي إلا شاهد، وطلب الحاكم منه شاهداً آخر، فقال: ما عندي إلا شاهد، فقال له الحاكم: احلف حتى تثبت الأرض للغرماء ليأخذوا حقهم، فرفض أن يحلف، فليس للغرماء أن يلزموه أن يحلف؛ لأنه قد لا يعلم أن هذه الأرض له فكيف يحلف على شيء لا يعلمه؟ فلا يجوز هذا، فإن حلف ورأى أن عنده دليلاً يدل على أنه يعلم أو يعتقد أن هذا ماله وحلف كان له ذلك، أما ما عدا ذلك فليس لهم أن يلزموه في هذا. ولم يكن لغرمائه أن يحلفوا ومعه شاهد؛ لأنه ليس لهم أن يلزموه، والغرماء ليس لهم أن يحلفوا ولو حلفوا ما يفيد؛ لأن هذا المال ليس لهم، وكذلك أيضاً ليس لهم أن يلزموه أن يحلف إذا كان لا يعلم هذا.

    1.   

    أحكام تتعلق بالحوالة والضمان

    قال المؤلف رحمه الله تعالى:

    [ باب الحوالة والضمان.

    ومن أحيل بدينه على من عليه مثله فرضي فقد برئ المحيل ].

    أي: من أحيل بدينه على مثله فرضي فإنه ينتقل ما في ذمته إلى ذمته، فلو أن زيداً يطلب ديناً من عمرو ألف ريال وبكر يطالب زيداً، فأحال زيد بكراً على عمرو فرضي عمرو انتقل ما في ذمة زيد إلى عمرو.

    والحوالة لها شروط: لابد أن يكون على مليء، وأن يكون الدين مماثلاً، وأن يكون التأجيل أو الحلول، أي: كل منهما مؤجل وكل منهما حال.

    شروط الحوالة

    ولصحة الحوالة شروط:

    أحدها: تماثل الحقين؛ أي: ذهب بذهب وفضة بفضة، أما إذا كان هذا يطلب دولارات وهذا يطلب ريالات سعودية فهذا ليس بمتماثل، أو هذا يطلب ذهباً وهذا يطلب فضة فلا بد من التماثل، أو زيد يطلب عمراً ألف ريال وبكر يطلب زيداً ألف ريال فكل منهما يحيله عليه، أما إذا كان زيد يطلب عمراً مائة جنيه وبكر يطلب زيداً ألف ريال فهذا مختلف فلابد أن يتماثل الحقان.

    الشرط الثاني: يحيل برضاه فإن لم يرض فلا يحيل.

    الشرط الثالث: أن يحيل على دين مستقر في الذمة، فلا يكون مثل دين الكتابة؛ لأن العبد الذي يسدد الدين عن نفسه قد يعجل بفسخه، وهو مستقر عليه في الذمة.

    الشرط الرابع: أن يحيل بمال معلوم، فلابد أن يكون معلوم العدد كأن يكون زيد يطلب عمراً ألف ريال، وبكر يطلب زيداً ألف ريال.

    قال: [ ومن أحيل على مليء لزمه أن يحتال؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) ].

    أي: إذا حولت بكراً الذي يطلبك ماله على عمرو وهو مليء يلزمه أن يقبل؛ لأنه سواء يؤديه لزيد أو لبكر، أما إذا كان معسراً أو مماطلاً فلا يجوز، فإذا أحاله على مثله فلا بأس والدراهم نسبية والحلول كذلك.

    قال: [ وإن ضمنه عنه ضامن لم يبرأ وصار الدين عليهما، ولصاحبه مطالبة من شاء منهما ].

    إذا ضمن شخص شخصاً في دينه فإن الضامن والمضمون كل منهما ذمته مشغولة حتى يؤدى الدين ولصاحب الدين مطالبة الضامن أو المضمون عليه.

    قال: [ فإن استوفى من المضمون عنه أو أبرأه برئ ضامنه ].

    أي: إن استوفى صاحب الدين من المضمون عنه دينه أو أبرأه صاحب الدين وأسقط عنه الدين برئ الضامن.

    قال: [ وإن برئ الضامن لم يبرأ الأصيل ].

    أي: إن برئ الضامن فيبقى الدين في ذمة المضمون عليه، فإذا برئ الضامن لا يبرأ المضمون بخلاف العكس، وهو إذا برئ المضمون برئ الضامن.

    قال: [ وإن استوفى من الضامن رجع عليه ].

    أي: إذا استوفى حقه من الضامن يرجع الضامن إلى المضمون عنه، فيقول: أنا ضمنتك وسلمت الدين عنك أعطني حقي.

    قال: [ ومن تكفل بإحضار من عليه دين فلم يحضره لزمه ما عليه ].

    إذا تكفل بإحضار من عليه دين فلم يحضره لزمه الدين الذي عليه، أما إذا تكفل بإحضار بدنه فقط، فتسمى كفالة حضورية، أي: كفالة إحضاره إلى الحاكم، ولم يتكفل بضمان ما عليه فإنه في هذه الحالة يلزم بإحضاره، أو يحبس حتى يحضره، أما إذا كان عليه مال وتكفل بإحضاره من أجل المال الذي عليه ولم يحضره فيطالب بالمال الذي عليه في ذمته.

    قال: [ فإن مات برئ كفيله ].

    أي: فإن التزم الكفيل بأن يحضره حتى يسلم الحق الذي عليه ثم مات المكفول فقد برئ الكفيل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756278393