إسلام ويب

تفسير سورة الفتح [1]للشيخ : محمد إسماعيل المقدم

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    خصائص النبي صلى الله عليه وسلم

    يقول الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفتح:8-9]. إن إثبات المزايا والخصائص التي ميز الله عز وجل بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، والأخلاق التي زينه بها صلى الله عليه وسلم، واعتقاد اختصاصه بهذه الكمالات؛ واجب شرعاً تتوقف عليه صحة عقيدة المسلمين، كما صرح بذلك العلماء؛ لأن الله تبارك وتعالى تولى بيان هذه المرتبة العالية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في صراحة ووضوح وجلاء، كما بينته سنة النبي صلى الله عليه وسلم المتواترة، وكذا إجماع العلماء. إن تبيان أسرار هذه الخصائص العظمى كان أحد المهام التي كلف الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم وخليله محمداً عليه الصلاة والسلام ببيانها، فقال عز وجل مخاطباً إياه: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]. أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أن يحدث أمته بما أنعم الله عليه؛ ليعرفوا قدره ويعتقدوه، ويزدادوا حباً له وتعظيماً، فالتحدث بهذه النعم في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم واجب؛ لأن الله أمره بذلك، وفي حق غيره من الأمة جائز إذا أمن العجب والرياء. ولا شك أن تتبع ما صح من فضائله وخصائصه صلى الله عليه وآله وسلم من أسباب تعمير القلوب بمحبته، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (أشد أمتي لي حباً قوم يكونون بعدي يود أحدهم لو أعطى أهله وماله وأنه رآني) رواه الإمام أحمد وغيره. (أشد أمتي لي حباً قوم يكونون بعدي) يعني: بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، يبلغ شدة حب أحدهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لو كانت رؤيته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تنال بالتضحية بالأهل والأولاد والأموال لسمحت نفسه ببذل أهله وماله وكل ما هو عزيز لديه في سبيل أن يرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! ليس هذا فحسب، بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبادل هؤلاء المؤمنين الذين يخرجون بعده أو يكونون بعد وفاته إلى قيام الساعة نفس هذه المحبة، ونفس هذا الشعور كما صرح بذلك قوله عليه الصلاة والسلام في شأن الذين يحبونه بالغيب، يقول عليه الصلاة والسلام: (وددت أنا قد رأينا إخواننا، قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين يأتون بعد، وأنا فرطهم على الحوض) رواه الإمام مسلم والنسائي وابن ماجة وغيرهم، المعنى: وأنا أسبقهم إلى الحوض أنتظرهم لأستقبلهم على الحوض. إذاً: من الواجبات التي كلف الله بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: أن يحدث بنعمة الله عليه، ومن الواجب علينا أن نعتقد بكل ما جاء في الكتاب والسنة وأجمعت الأمة عليه من خصائص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك أفرد بعض العلماء هذا الموضوع بالتفصيل كالإمام السيوطي رحمه الله تعالى في (الخصائص الكبرى)، ومن كتب المتأخرين كتاب (دلالة القرآن المبين على أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل العالمين)، تتبع فيه صاحبه جميع هذه المواضع في القرآن الكريم وبين ذلك. من المواضع التي يناسب أن نتحدث فيها عن هذه المزايا وهذه الخصائص الخاصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه السورة العظيمة وهي سورة الفتح؛ لأنها اشتملت على الإشارة إلى هذه النعم من أولها إلى آخرها، يقول تعالى في صدرها: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا [الفتح:1-3].. إلى أن قال تبارك وتعالى أيضاً في هذه السورة: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح:8-9]. فمن أسباب إرساله صلى الله عليه وسلم إلى البشرية أن يعرفوا قدره الشريف عليه الصلاة والسلام، ويعزروه ويوقروه، ويسبحوا الله سبحانه وتعالى بكرة وأصيلاً، فقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الضمير في قوله: (( وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ )) عائد إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. إذاً: من مقاصد الرسالة والبعث أن تعرف البشرية قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم ربه له، ليوفوه قدره حق قدره.

    من أعظم خصائص النبي صلى الله عليه وسلم إيتاؤه القرآن العظيم

    من أعظم خصائص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الإطلاق هي إيتاؤه القرآن العظيم، حيث شرفه بأن أنزل عليه أشرف كتبه.. بأشرف سفارة.. وهي سفارة جبريل عليه السلام.. في أشرف البقاع وهي مكة المكرمة.. في أشرف شهور السنة وهو رمضان.. في أشرف لياليه وهي ليلة القدر.. بأشرف لغة وهي اللغة العربية.. على أشرف رسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم.. إلى أشرف أمة وهي أمة الإسلام. فالله سبحانه وتعالى خص النبي عليه الصلاة والسلام بالقرآن العظيم، وجعله المعجزة الكبرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل وبما أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وبه ختم النبوة، وسوف تأتي أجيال.. وأجيال.. وأجيال بعد وفاته عليه الصلاة والسلام تنتسب إلى ملته وأمته، وتفتقر إلى هديه؛ إذا اقتضت الحجة على البشرية أن جعل الله سبحانه العلماء -الذين هم ورثة الأنبياء- يقومون ببيان الاستدلال بهذا القرآن الذي هو معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدق نبوته، ولذلك كان من أعظم فضائله إيتاؤه القرآن، فإنه كتاب معجز ومحفوظ من التبديل والتغيير والتحريف على مر الدهور قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. والقرآن جامع لكل شيء، ومستغن عن غيره، ومشتمل على ما اشتملت عليه جميع الكتب السابقة والديانات، وهو ميسر للحفظ، ونزل منجماً، ونزل على سبعة أحرف، يقول الله سبحانه وتعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]، وقال عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وقال سبحانه: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:41-42]، وقال عز وجل: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]، وقال عز وجل: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ [الإسراء:106] أي: جزأناه لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا [الإسراء:106]، وقال سبحانه: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا [الفرقان:32]. وقد روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من الأنبياء نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تبعاً) يعني: المعجزات الحسية التي يؤمن البشر إذا رأوها، تقوم مقام كلام الله سبحانه وتعالى المباشر بأن هذا الرسول حق وصدق فآمنوا به واتبعوه، فبدل أن يخاطب الله الناس مباشرة بمثل هذه العبارة أرسل الرسل وأيدهم بما يقوم مقام هذه الشهادة بصدق الرسل، يقول عليه الصلاة والسلام: (إنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي)، كتاب علم كما قال عز وجل: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114] يعني: وحياً؛ لأن العلم هنا هو الوحي، وطريق العلم هو الوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قوله: (ما من الأنبياء نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر) معناه: أن معجزة الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم، فلم يشاهدها إلا من حضرها، ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، ومن ذلك خرقه العادة في أسلوبه وبلاغته، وإخباره بالمعنيات فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر عنه أنه سيكون دليلاً على صحة نبوته صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل أيضاً في معنى هذا الحديث: إن المعجزات الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار: كناقة صالح، وعصا موسى، ومعجزات القرآن تشاهد بالبصائر، فلا تنقرض بانقراض مشاهدها، بل تبقى ويشاهدها كل من جاء بعد الأول باستمرار، فيكون من يتبعه لأجلها مؤمناً، ولذلك قال: (وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تبعاً) لماذا؟ لأن معجزتي باقية ودائمة وخالدة. إذاً: تخصيص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإيتائه القرآن العظيم تشريف يفوق ما أوتي النبيون من كتب ومعجزات، إذ كان ما أوتوه عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام لا يعدو أن يكون خارقاً من الخوارق ينتهي بانتهاء زمنه أو تشريعات ووصايا تختص بقليل من الناس لا تجاوزهم إلى غيرهم، أما القرآن فهو معجزة الدهر، وكتاب الزمن، ودستور الحياة في شتى نواحيها، يعلم الإنسانية ويأخذ بيدها إلى حيث رقيها وسعادتها، يصحح ما أخطأ فيه كبار الفلاسفة والمفكرين من الحقائق الكونية، ويقوم ما انحرف عنه زعماء المتدينين من العقائد الدينية، يساير التقدم العلمي ويدعو إلى تحرير الفكر والعقل من أغلال التقليد وأوهام الجمود، أثبت من النظم والقوانين ما لم يصل إليه فقهاء التشريع في القديم والحديث، وثم مناهج للأخلاق وآداب السلوك قصرت عنها أنظار علماء الاجتماع في أرقى الأمم حضارة في شرق الأرض وغربها. يضاف إلى هذا فصاحة أسلوبه، وسلاسة ألفاظه وترتيله، وروعة تصويره، وأخذه بمجامع القلوب، وامتلاكه للنواصي والألباب. وإنك لتجد البون شاسعاً بينه وبين سائر الكتب المنزلة الخفي منها والجلي، والكتب الأخرى غير القرآن الكريم كالتوراة والإنجيل كتب غير معجزة كما صرح بذلك شيخ إعجاز القرآن الأول من علماء التفسير وهو الزمخشري بلا منازع على بدعته وضلاله، واتباعه لمنهج المعتزلة، لكن مع ذلك فهذا مما لا يتكلم فيه عن جهل، حيث إن الزمخشري من أوفى الناس حظاً من ناحية بيان إعجاز القرآن الكريم البلاغية، فـالزمخشري صرح أن الكتب الأخرى كالتوراة والإنجيل غير معجزة، إذ الإعجاز خاص بالقرآن من بين سائر الكتب السماوية، على أن الإنجيل عبارة عن مواعظ ووصايا ألقاها عيسى عليه السلام على أتباعه عقب نزولها عليهم من غير أن تدون في كتاب، والأناجيل الموجودة عند النصارى هي من تأليف بعض الحواريين، كتبوا فيها سيرة عيسى بعد رفعه بمدة طويلة، وهذا هو السبب فيما يوجد بين النسخ المختلفة من تناقض واختلاف وغير ذلك من التحريفات. إذاً: اختص القرآن الكريم بكونه الكتاب المعجز دون سائر الكتب التي أنزلت على النبيين، فإذا وازنت التوراة المسماة: بالعهد القديم بأسلوبها وأحكامها وتعاليمها ووصاياها وما فيها من قصص وتواريخ بسورة من سور القرآن أدركت الفارق الكبير بين الكتابين، وكأنك بهذه الموازنة تحيك نور الشهاب من تلك الشهب التي تعترض في الأفق لامعة، ثم تنطفئ لا يكاد يقرأ بها أحد، إلا من كان يرقب حركاتها لغرض من الأغراض، كأنك تقرأ في نور هذا الشهاب بدون الشمس الذي يضيء الدنيا، ويبعث الحرارة في الكون، ويسري مع شعاعه الحياة والنور، ويذهب ظلام الليل وما حواه من ظلمات وأوهام. ومن هنا قال الله سبحانه وتعالى ممتناً على نبيه صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]. (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ) أي: لقد خصصناك بهذا الكتاب وشرفناك به، وذخرناه لك، ولم ننزله على إبراهيم وموسى وعيسى؛ لأنهم -وإن كانوا رسلاً مكرمين- لم يصلوا إلى رتبتك، ولا حاموا حول منزلتك، قال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [العنكبوت:51]. قال الزمخشري : أولم يكفهم آية مغنية عن سائر الآيات إن كانوا طالبين للحق غير متعنتين؛ لأن هذه الآيات من سورة العنكبوت هي أن المشركين اقترحوا: وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ [العنكبوت:50] فأتى الجواب: (( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ ))، لو كانوا فعلاً طالبين للحق فقد جاءتهم الآيات، بل جاءتهم أعظم آيات على الإطلاق: (( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ )) آية مغنية عن سائر الآيات إن كانوا طالبين للحق غير متعنتين، هذا القرآن الذي تدوم تلاوته عليهم في كل مكان وزمان، فلا يزال معهم آية ثابتة لا تزول ولا تضمحل كما تزول كل آية بعد كونها، وتكون في مكان دون مكان؟! إن في مثل هذه الآية الموجودة في كل مكان وزمان إلى آخر الدهر لرحمة يعني: لنعمة عظيمة، وتذكرة لقوم يؤمنون. وخص الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه خاتم النبيين، وآخرهم بعثاً، وبأن شرعه مؤيد إلى يوم القيامة، وناسخ لجميع الشرائع قبله، وأنه لو أدركه الأنبياء لوجب عليهم اتباعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقول الله سبحانه وتعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]. (خاتم النبيين) يعني: آخر الأنبياء ختمت به النبوة، ولم يقل: وخاتم المرسلين؛ لأنه يحتمل لو قال: خاتم المرسلين أن يقول قائل: كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، فيمكن أن يبعث بعده نبي، لكن عندما يسد الباب بختم النبوة التي هي قنطرة إلى الرسالة؛ فلا شك أن ذلك يتضمن أيضاً ختم الرسالة. وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة:48] فالقرآن مهيمن وحاكم على ما عداه من الكتب، ولذلك استدل بهاتين الآيتين -وهما قوله: (( وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ))، وقو

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أعطي خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أعطي خواتم البقرة من كنز تحت العرش، لم يعطهن أحد قبله.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أرسل إلى الناس كافة

    ومنها عموم دعوته للناس كافة، كما قال تبارك وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ:28]، وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]. فهو رسول الله إلى البشر كافة، وهو أكثر الأنبياء تبعاً من حيث كثرة عدد الأتباع، وهو مرسل إلى الإنس والجن بالإجماع، وإلى الملائكة في قول. وأنه أوتي الكتاب وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب صلى الله عليه وسلم.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه نصر بالرعب مسيرة شهر

    عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) صلى الله عليه وآله وسلم. فهذا الحديث فيه تبيان لبعض خصائصه التي لم يشركه فيها نبي آخر: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر) يعني: العدو الذي يكون بعيداً عنه لمسافة تقطع في شهر فإنه إذا وصل إليه خبره -على بعد هذه المسافة- يقذف الله في قلبه الرعب والخوف من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وذكر بعض العلماء أن هذا أيضاً متحقق لأمته، وإذا صح هذا القول فلعله يفسِّر كيف أن قوى الكفر والشرك والوثنية من كل أجناس العالم الآن تتكالب وتتوحد ضد المسلمين، مع ما عليه المسلمون وما عليه من الضعف والهوان والانحراف عن دينهم، ومع ذلك ليس لهم حديث إلا عن الإسلام، والتخويف من الإسلام، حتى جعلوا كلمة الإرهاب مرادفة للإسلام، جعل أعداء الله الصادون عن سبيل الله كلمة الإرهاب بديلاً لكلمة الإسلام، فالإرهابيون هم المسلمون، والإسلام هو الإرهاب، وصدقوا فإن الله سبحانه قال: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، وصدقوا فإن الذي ألقى في صدروهم هذه الرهبة وهذا الخوف هو الله الذي نصر رسوله ونصر أمته بإلقاء الرعب في قلوب أعدائه، فهم يخافون أن ينهض المسلمون من كبوتهم، وحينئذ لا تقوم لهم قائمة، فهذا يعرفونه جيداً لأمر مهم جداً، وهم يهتمون كثيراً بدراسة التاريخ، ويعرفون خصائص هذه الأمة أكثر مما يعرفها أكثر المسلمين ممن يجهلون حقيقة هذه الهوية الكبيرة، وهذا الشرف الذي شرفهم الله به حين جعلهم مسلمين، وجعلهم من أمة خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام. فنحن نرى أقوى دول العالم سواء كانت أمريكا أو غيرها من حيث القوى المادية كيف أن خوفهم من الإسلام جعلهم يخططون بخطط كلها توضع من أجل الإسلام، ويصرحون في كل حين ووقت أن عدوهم الأول هو الإسلام، مع ما فيه المسلمون من الضعف، فما بالك لو توحد المسلمون؟! وما بالك لو اعتز المسلمون بدينهم ورجعوا إلى سابق مجدهم وسابق عهدهم؟! وفي الحقيقة إن هؤلاء القوم يورثون للأجيال الحقد على الإسلام والمسلمين، فالإنسان إذا تتبع جذور هذه الأساليب الوحشية التي يسلكها الكفار مع المسلمين سواء ما حصل من الصرب، أو ما حصل من قبل في الحروب الصليبية من المذابح، وفي الأندلس وغيرها من البلاد إلى يومنا الحاضر؛ يعرف هذا، فلو أدركتم ما كان عليه المسلمون من العزة وما كان عليه الكفار من الذلة والهوان خاصة في العقود الأخيرة أو الفترات المتأخرة كالخلافة العثمانية لوجدتم تحقيق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً

    قوله: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) يعني: لا يشترط أن تكون الصلاة في مسجد كالأمم السابقة، من أنه لابد أن يتعبد في المكان المعين، بل حتى الماء إن فقده فيتيمم في المكان الذي يصلي فيه، والأرض كلها طهور، وعند العجز عن الماء أو فقدان الماء فيوجد التراب في كل مكان، فهي شريعة سهلة حنيفية.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أحلت له الغنائم

    قوله: (وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي) لقد كان المجاهدون من قبل في الأمم السابقة إذا حصلوا على غنائم في القتال يجمعونها في مكان واحد، ثم تنزل نار من السماء فتحرقها، أما هذه الأمة فأحلت لها الغنائم.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم إعطاؤه الشفاعة

    قوله: (وأعطيت الشفاعة). والمقصود هنا: الشفاعة العامة، أي: وأعطيت الشفاعة العامة لإراحة الخلائق من الموقف، ومن أهوال يوم القيامة، أما غيرها من الشفاعات فقد شاركه فيها غيره من الأنبياء، بل والملائكة والصالحون، فهناك شفاعات بعض منها فيه نوع من خصائص الرسول عليه السلام، فيوم القيامة يجتمع الخلق كلهم والبشر أجمعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما يمرون على عامة الأنبياء يطلبون منهم أن يشفعوا، وتأملوا يوماً طوله خمسون ألف سنة، والشمس تدنو بمقدار ميل، حتى يغرق الناس في عرقهم، والميل هو الميل الذي يوضع به الكحل في العين، أو هو المسافة المعروفة التي هي حوالى كيلو ونصف أو أكثر، وهذا من أجل أن نتخيل كيف تكون شدة هذا الموقف! فالشمس تبعد عن الأرض بمقدار ثلاثة وتسعين مليون ميلاً، فتخيلوا الثلاثة والتسعين ألف ألف ميل، عندما تصير ميلاً واحداً، كيف يكون الحال؟! على أي الأحوال هذه الشفاعة المذكورة هنا: (أعطيت الشفاعة) المقصود بها الشفاعة العامة في الخلائق كلها، كي يبدأ الحساب، وتوضع نهاية لهذا الوقوف الذي يمتد خمسين ألف سنة، أما غيرها من أنواع الشفاعات فهي ثابتة للنبي عليه السلام، ويشاركه فيها غيره من الأنبياء، وهناك شفاعة للملائكة وهناك شفاعة للصالحين وهكذا.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه بعث إلى الناس عامة

    قوله: ( وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة)، فالنبي عليه الصلاة والسلام معجزته باقية، وكل بشر يستطيع أن يطلع عليها، وبالتالي يلزم من كونه أكثر الأنبياء تبعاً أن يكون أكثر الأنبياء قدراً وثباتاً؛ لأن كل حسنة يفعلها من اتبعه عليه الصلاة والسلام ومن انتفع بهديه تكون مثلها في ميزان حسنات رسول الله صلى الله عليه وسلم. (وأنا أو من يقرع باب الجنة) أول من يقرع باب الجنة؛ لأن هناك أوامر من الله سبحانه وتعالى للملائكة على أبوب الجنة، أنها لا يمكن أن تفتح لأحد أبداً قبل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك صح في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (آتي باب الجنة فأستفتح، فيقال: من؟! فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك)، صلى الله عليه وآله وسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: (لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت، إن من الأنبياء من لم يصدقه من أمته إلا الرجل الواحد)، رجل واحد فقط آمن ببعض الأنبياء!

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم كونه رحمة للعالمين

    من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم كونه رحمة للعالمين، وكلمة (عالمين) تشمل جميع العالمين بما في ذلك الكفار أنفسهم، وتشمل الطيور في الهواء، والأسماك في الماء، والحشرات والحيوانات، وكل شيء تشمله هذه الرحمة، فمن مظاهر كونه رحمة للعالمين حتى الكفار تأخير العذاب، حيث لم يعاجلوا بالعقوبة كسائر الأمم، يقول الله سبحانه وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وقال تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قيل: يا رسول الله! ادع الله على المشركين، فقال عليه الصلاة والسلام: إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا رحمة مهداة)، فهو هدية من الله سبحانه وتعالى إلى البشرية.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم إقسام الله تعالى بحياته

    من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم إقسام الله تعالى بحياته، فالله سبحانه وتعالى حلف وأقسم بحياة وعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72] (( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ )) أي: الكفار في سكرتهم يعمهون.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم إسلام قرينه من الجن

    من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم إسلام قرينه من الجن؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي، ولكن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير)، (فأسلم) يعني: من شره، أو (فأسلم) أي: دخل في دين الإسلام، وهذا هو الواقع الذي عليه يبنى هذا المعنى، وهو إسلام قرينه، وأنه دخل في الإسلام، ولكن الله أعانه عليه فأسلم أي: دخل في الإسلام أو (فأسلم) أي: من شره فلا يأمرني إلا بخير.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم تحريم ندائه باسمه على الأمة

    قال أبو نعيم : ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم تحريم ندائه باسمه على الأمة، بخلاف سائر الأنبياء فإن أممهم كانت تخاطبهم بأسمائهم، ويحرم على كل مسلم أن ينادي رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه، يعني: لا يحل لأحد أن يقول له: يا محمد!، وإنما لابد أن يقول له: يا رسول الله! قال الله تعالى حكاية عن قوم موسى: يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138]، وقال تبارك وتعالى: إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [المائدة:112]، وقال تعالى لهذه الأمة: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور:63].

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الميت يسأل عنه في قبره

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم تحريم نكاح أزواجه من بعده

    ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم تحريم نكاح أزواجه من بعده، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا [الأحزاب:53]، فإن المرأة لآخر أزواجها في الدنيا، فلذلك حرم الله سبحانه وتعالى على أزواجه صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده؛ لأنهن أزواجه في الجنة. ومما قيل في تعليل ذلك: إنهن أمهات المؤمنين، وإن في ذلك غضاضة ينزه عنها عرضة الشريف صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك لما جاء في الحديث أن رجلاً اشترط على امرأته بأنه إن مات فإنها لا تتزوج بعده، قال النبي عليه الصلاة والسلام ما معناه: (إن ذلك لا ينبغي) يعني: لا ينبغي مثل هذا الاشتراط، فإن تحريم نكاح الأزواج بعد موت أزواجهن إنما هو خاص بأمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن، ولعل الحكمة هي ما ذكرت من أن هذا فيه غضاضة وأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا [الأحزاب:53]، بجانب أن المرأة لآخر أزواجها في الدنيا، فلو قدر أنها تتزوج بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فسيكون آخر أزواجها غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم مدافعة الله عنه أعداءه

    قال أبو نعيم : ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أن من تقدمه من الأنبياء كانوا يدافعون عن أنفسهم ويردون على أعدائهم بأنفسهم، كقول نوح: يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ [الأعراف:61]، وقال هود عليه السلام: يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ [الأعراف:67].. إلى غير ذلك من الآيات التي تبين أن الأنبياء هم الذين يتولون الرد والدفاع عن أنفسهم، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد تولى الله تبرئته عما ينسبه إليه أعداؤه، ورد عليهم بنفسه عز وجل، ولذلك في كثير من المواضع يقول الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2]، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، لكن لما عير عدو الله النبي عليه السلام بأنه أبتر لا يعيش له ولد، وليس في ذريته ولد، لم يقل (قل إنا أعطيناك الكوثر)، وإنما قال: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، بدون واسطة، فهذا يدل على أن الله هو الذي يتولى بنفسه الدفاع عن خليله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فحينما نتأمل آيات القرآن نجد هذا المعنى، وهو أن الله هو الذي يدافع عنه عليه الصلاة والسلام، يقول الله تبارك وتعالى: مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم:2]، ويقول أيضاً: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:2-3]، وقال تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69].. إلى غير ذلك.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم إيتاؤه جوامع الكلم ومفاتيح خزائن الأرض

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم النصر بالرعب مسيرة شهر أمامه، وشهر خلفه، وإيتاؤه جوامع الكلم، ومفاتيح خزائن الأرض، وعلم كل شيء إلا الغيب واللوح، وبين له من أمر الدجال ما لم يبين لنبي قبله. ومنها تسميته أحمد، وهبوط إسرافيل عليه، فعن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء، نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض -يعني: ملك الأرض-، وسميت أحمد، وجعل لي التراب طهوراً، وجعلت أمتي خير الأمم). وقال ابن كثير في تفسيره في آية الفتح: هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيها غيره: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]. وعن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي)، وهي من قوله: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ [البقرة:285]، إلى آخر السورة. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه ملك فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة). وعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، ومكان الزبور المئين..) إلى آخر الحديث.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم اقتران اسمه الشريف باسم الله تبارك وتعالى

    من ذلك أيضاً: اقتران اسمه الشريف باسم الله تبارك وتعالى في كثير من المواضع، ومن أشهر هذه المواضع الأذان كما قال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه: وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد يقول تعالى: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال:24]، ويقول: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [النساء:14]، ويقول: وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً [التوبة:16]، ويقول تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال:41]، وقال: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، وقال: مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [التوبة:59]، وقال: سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ [التوبة:59]، وقال: أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ [التوبة:74]، وقال: كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:90]، وقال: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ [الأحزاب:37].

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله ذكر بعض أعضائه في القرآن

    من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم أن الله تعالى ذكره في كتابه الكريم عضواً عضواً، ومدحه بذلك، قال تعالى في وجهه: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ [البقرة:144]، وقال في عينه: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ [طه:131]، وقال في لسانه: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ [مريم:97]، وقال في يده وعنقه: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ [الإسراء:29]، وفي صدره وظهره: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح:1-3]، وفي قلبه: نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ [البقرة:97]، وفي خلقه قال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وهذا ما لم يحصل لنبي قبله صلى الله عليه وسلم.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم تحريم التكني بكنيته

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم تحريم التكني بكنيته، ولم يثبت ذلك لأحد من الأنبياء؛ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين اسمه وكنيته، ويسمى محمداً أبا القاسم) يعني: من كانت كنيته أبا القاسم فلا يكون اسمه محمداً، ومن كان اسمه محمدًا فلا يكنى أبا القاسم، فلا يجوز للرجل أن يكون اسمه أو أبا القاسم محمداً، لكن له واحد من الاثنين، لكن أن يجمع بينهما فهذا من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم لا يشركه فيه أحد. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي).

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم تفضيل بناته وزوجاته على سائر نساء العالمين

    من ذلك اختصاصه صلى الله عليه وسلم بتفضيل بناته وزوجاته على سائر نساء العالمين، وأن ثواب زوجاته وعقابهن مضاعف لخطر منزلتهن رضي الله تعالى عنهن، قال تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ [الأحزاب:32]، وقال تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ [الأحزاب:30] إلى آخره.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم تفضيل أصحابه على جميع العالمين سوى الأنبياء

    من ذلك أيضاً: اختصاصه صلى الله عليه وسلم بتفضيل أصحابه على جميع العالمين سوى النبيين، فإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أشرف الأمم على الإطلاق، لم يبعث نبي في أمة هي أشرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله تبارك وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، بل زكى الله سبحانه وتعالى ما كان عليه الصحابة، زكى إيمانهم وعقيدتهم ومنهاجهم بقوله تبارك وتعالى: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا [البقرة:137]، فعلق هدايتهم على الإيمان بمثل ما آمن به الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولم يكتف بقوله: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا [البقرة:137]، وإنما أراد الله أن يبين شرف أمة محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام بقوله: (( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ))، وهذا أمر معلوم لثناء الله سبحانه وتعالى عليهم في القرآن، وورود الأحاديث الكثيرة الصحيحة في فضائلهم.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم تفضيل مكة والمدينة على سائر البلاد

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم: تفضيل بلديه على سائر البلاد، والدجال والطاعون لا يدخلانهما، وتفضيل مسجده على سائر المساجد ما عدا المسجد الحرام، والبقعة التي دفن فيها أفضل من سائر البقاع، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة) أي: أنها تضاعف. وعن عبد الله بن عدي بن الحمراء رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بمكة يقول: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت). بعض الناس يحاولون دائماً أن يوظفوا نصوص القرآن والسنة لإشهار باطلهم وضلالهم، يريدون تثبيت المفهوم القومي الوثني الذي ليس مفهوماً إسلامياً، وإنما هو مفهوم غربي وافد إلى بلاد المسلمين، كموضوع الأرض والتراب والوطن وتقديس الوطن، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى أن يقول مخاطباً وطنه: أدير إليك قبل البيت وجهي إذا هبت رياحك بالتراب يعني: أدير إلى وطني وأستقبلك قبلة قبل أن أستقبل الكعبة! فبعض الناس يحاولون أن يلغوا دلالات الأحاديث الشامخة على لسان المعصوم عليه السلام لتبرير ضلالهم، من أمثلة ذلك: كثرة الاستدلال بهذا الحديث على قضية حب الوطن بالطريقة التي يقصدونها، وهي تصادم العقائد الإسلامية والنصوص الإسلامية، فيقولون: إن الإنسان يحب الوطن، ويعطيه أولوية على سائر الأوطان، بمجرد أنه ولد فيه مثلاً، فهذه الصورة المعروفة التي يقصدونها، وحب الوطن معروف فطرة، وحديث: (حب الوطن من الإيمان) موضوع، لكن على الأقل هو فطرة، فالإنسان يحب المكان الذي نشأ فيه، ويحب أهل بلده ووطنه الذي ولد فيهم، لكن ليس أن الوطن يتحول إلى صنم كبير يعبد في مقام صغير، فهذا بلا شك يتنافى مع أبسط مبادئ ومفاهيم الإسلام، فهؤلاء الناس الضالون الذين هم أخذوا من أوروبا وغيرها مفهوم الوطنية الوثني، والولاء للوطن، وأن الوطنية هذه حاجز بينك وبين إخوانك في العقيدة وكل بلدة تعتز بصنم وطنها؛ حتى يمزقوا المسلمين، فيستدلون بهذا الحديث ويقولون: إن الرسول عليه الصلاة السلام دلل على حب الوطن بقوله: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله)، فهل هذا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ولد فيها وهي بلده أم لأنها أحب الأرض إلى الله؟ لأنها أحب البقاع إلى الله، وحتى لو كان يحبها رسول الله عليه الصلاة والسلام لأنها بلده ووطنه فيجب على كل مسلم أن يكون البلد الذي يحبه رسول الله أحب إليه من كل بقعة على ظهر الأرض، فالمسألة ليست متروكة للاختيار، فكل مؤمن لابد أن يستحضر في القلب أن أحب الأوطان إليه هي مكة والمدينة وبيت المقدس، فهذه أحب الأوطان إليك، حتى تكون أحب إليك من أي مكان حتى البلد الذي نشأت فيه، ولا شك في ذلك، كما يقول الشاعر: ولست أدري سوى الإسلام لي وطنـاً الشام فيه ووادي النيل سيان وحيثما ذكر اسم الله في بلـد عددت أرجاءه من لب أوطاني فموضوع الوطنية هذه كانت مؤامرة، فالحدود السياسية صنعها أعداء الله من اليهود والنصارى، وضعها الإنجليز والفرنسيون والإيطاليون وغيرهم من أعداء الإسلام، فهم الذين قسموها هذا التقسيم؛ كي يحولوا بين وحدة المسلمين، وكي يسهل عليهم اقتناص أمة المسلمين واحداً بعد الواحد، وهذا حديث يطول، لكن هذه إشارة عابرة. فتنبهوا فإن هذا الحديث يساء فهمه لتأييد الوطنية بمفهوم الوثنية، والحديث إنما يثبت فضل مكة على سائر البقاع؛ لأن مكة حرم، فهي حرم إبراهيم عليه السلام حرمها إبراهيم، يقول عليه الصلاة والسلام: (والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله)، وهذه حكمة جعلها الله في مكة، مع أنه ليس فيها جنات مثل جنات أوروبا، أو بلاد الشام مثلاً، وليس فيها الخضرة، ولا الجو اللطيف، وإنما هو الحر والصحراء، وأضف إلى ذلك خشونة سلوك أهل مكة أحياناً، فبعض الناس منهم في معاملته خشونة شديدة، حتى العوام من الجهلة يقولون لك: نحن أخرجنا النبي عليه الصلاة والسلام من هنا والعياذ بالله ثم أدخلناه، وهذا كلام لا يقوله إلا الكفار الذين فعلوا ذلك، وهؤلاء العوام لا يقصدون ذلك. الشاهد: الذين يذهبون إلى أوروبا أو غيرها هي لأجل أنها طيبة وكذا.. وكذا، فتكون عوامل الجذب: حسن المعاملة، والطبيعة الجميلة، والجو الجميل، والنسيم العليل، فكل هذه تكون عوامل جذب، لكن مكة ليس فيها ما يجذب إلا كونها حرم الله سبحانه وتعالى، كما قال إبراهيم عليه السلام: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ [إبراهيم:37]، حتى الشخص الذي يذهب إلى هناك ليس من دافع في قلبه إلى أن يبذل المال ويفارق الأهل والأولاد ويتكلف كل هذا إلا التعظيماً لبيت الله الحرام، لا من أجل الخضرة والمناظر الطبيعية؛ ولا من أجل الجو العليل؛ لأن الجو حار وشديد، ومع ذلك هي أحب بلاد الله إلى قلب كل مؤمن، وكل مؤمن أعز شيء عليه أن يشرفه الله سبحانه وتعالى بالحج أو الاعتمار إلى بيته الحرام، حتى تكون النية خالصة لوجه الله عز وجل. أذكر أن بعض المنصرين كانوا في إندونيسيا، وكما تعلمون أن التبشير ليس له سلاح أبداً، لا علم ولا حجة، ولا أي شيء سوى المتاجرة بمعاناة الناس، واستغلال ظروفهم، في إندونيسيا وفي كل بلاد العالم، وهؤلاء يسمونهم زوراً بالمبشرين، وإذا قلنا: مبشرين، فنعني مبشرين بالنار لمن آمن بهم، فهؤلاء اجتهدوا في التنصير مستغلين الثالوث المعروف: الفقر والجهل والمرض، وهذا هو أسلوبهم في دعوة الناس، وكما تعرفون إندونيسيا في غزو شديد من أيام الاستعمار الهولندي إلى اليوم، وهم في محاولة تنصير إندونيسيا وهي ما زالت قائمة على قدم وساق، إلى حد أنه بدأ الآن قتال طائفي في إندونيسيا، بين الإندونيسيين الذين كانوا مسلمين ثم ارتدوا، وبين المسلمين الباقين على الإسلام، في الوقت نفسه نسمع في نشرات الأخبار القتال الذي يحدث في إندونيسيا بين المسلمين والنصارى، المهم أفلحوا نتيجة الحرب والفقر الشديد أن استجاب لهم مجموعة من المسلمين تحت ضغط المرض والفقر المدقع، فدخلوا في ديانة النصرانية ظاهراً، ووافقوا القديس موافقة ظاهرية، فلما أراد القديس أن يكمل معهم طقوس الدخول في الديانة النصرانية وهيأهم للتعميد، قال لهم: لكل واحد منكم أمنية تحقق له، فما هي الأمنية التي تتمنونها وسوف نعملها لكم؟ فكلهم قالوا بصوت واحد: نحج إلى مكة! فكل مسلم يجد في قلبه حب مكة، والذي لا يجد في قلبه حب مكة ليس بمنتمٍ للإسلام، الذي يرى أنه يوجد مكان أعز عليه من مكة أو المدينة وبيت المقدس فهذا ليس منا، من لم تكن هذه الأماكن المشرفة أو البقاع المشرفة ليس لها هذه الأولوية في قلبه فليس هذا من المسلمين، فليبحث عن انتماء آخر، لكن كل مسلم يجد في قلبه مصداق دعوة الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37]. وعن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة) وكما هو معلوم فإن على أنقابها وأبوابها حراسة من الملائكة، لا يستطيع أبداً المسيح الدجال أن يدخل مكة والمدينة، فالمدينة سيكون فيها منافقون غير صادقين في إسلامهم، فما الذي يحصل؟ تتزلزل الأرض، وتطرد المنافقين إلى الدجال في الخارج، لكن هو لا يدخل أبداً إلى مكة والمدينة.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله جعل أمته آخر الأمم وخيرها

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله جعل أمته خير الأمم، وآخر الأمم، ويسر لهم حفظ كتابه في صدورهم، واشتق لهم اسمين من أسمائه تبارك وتعالى وهما: المسلمون والمؤمنون، (المسلمون) لأن الله هو السلام، (والمؤمنون) لأن الله من أسمائه المؤمن، وسمى دينهم الإسلام، ولم يوصف بهذا الوصف إلا الأنبياء دون أممهم، قال الله تبارك وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، وهذه الخيرية ليست قائمة على أساس العنصرية كما هو الحال في كل المناهج المخالفة للإسلام، حيث تجد دائماً تفرقة عنصرية على أساس اللون.. البشرة.. على الأساس القبلي.. على أساس كذا أو كذا.. لكن هذه الخيرية بابها مفتوح لكل من شاء أن يلج إليها فيستطيع كل إنسان أن يتشرف بالانتماء إليها بأن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] وقال: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، وقال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]، وقال سبحانه: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ [الحج:78]. وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]: (إنكم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى).

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله وضع عن أمته الإصر وأحل لهم كثيراً مما حرم على من قبلهم

    من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم: أن الله تعالى وضع عن أمته الإصر الذي كان على الأمم قبلهم، وأحل لهم كثيراً مما حرم على من قبلهم، ولم يجعل عليهم في الدين من حرج، ورفع عنهم المؤاخذة بالخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وحديث النفس، ومن هم منهم بسيئة لم تكتب عليه سيئة بل تكتب له حسنة، يعني: من هم بالسيئة فلم يعملها فهذا الترك يثاب عليه حسنة، ومن هم بحسنة كتبت حسنة بمجرد الهم، فإن عملها كتبت عشراً، ثم يضاعف الله بعد ذلك لمن يشاء. ووضع عنها قتل النفس في التوبة؛ لأنه كما نعلم من القرآن الكريم كانت توبة بني إسرائيل أن يقتل بعضهم بعضاً اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [البقرة:54]. كذلك رفع عنا قرض موضع النجاسة، فقد كان من الأمم السابقة إذا أصاب ثوب أحدهم نجاسة فلا يطهر، وإنما يقرض -يقطع- المكان أو الموضع الذي أصابته النجاسة! ومن التيسير على هذه الأمة أخذ ربع عشر المال في الزكاة، وما دعوا به استجيب لهم، وشرع لهم التخيير بين القصاص والدية، ونكاح الأربع، ورخص لهم في نكاح غير ملتهم من أهل الكتابين، وفي مخالطة الحائض سوى الوطء، بخلاف اليهود فقد كانت المرأة عندهم تعزل تماماً في حال الحيض، وفي إتيان المرأة على أي شق كان، وحرم عليهم كشف العورة، وشرب المسكر، قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، وكلمة (من حرج) نكرة في سياق النفي، فهي تعم، ولو قال: (حرجاً) فإنها تعم، لكن قوله: (اخرج) أقوى؛ لأنها نفت أي درجة من درجات الحرج، وقال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، وقال عز وجل معلماً إيانا أن ندعوه ثم استجاب لنا: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا [البقرة:286]، وقال تعالى في ظل وظائف الرسول صلى الله عليه وسلم وبركاته على العالمين وعلى هذه الأمة: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف:157] يعني: كانت على الأمم من قبلنا، قيل: من هذه الآصار والأغلال أن الشخص لو أكره على الكفر فكفر أنه يكفر بذلك، وليس له رخصة في التلفظ بكلمة الكفر إذا أكره على قولها، بل إما أن يكفر إذا قالها، وإما أن يصبر حتى يقتل، واستدلوا على ذلك بقول فتية الكهف: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف:20]، فنفوا الفلاح الأبدي الذي ترتب على خيار من خيارين (( إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ))، فوسع عذر الإكراه لأمة محمد عليه السلام، فالخيار ليس محصوراً في القتل أو الرجوع إلى ملة الكفر، فممكن أن يبقى حياً مع التلفظ بلسانه فقط وقلبه مطمئن بالإيمان، قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا [النحل:106] يعني: هذا هو الذي يكفر حقيقة، ولكن ما دام القلب مطمئناً بالإيمان، ولا سلطان لأحد عليه، فيمكن أن توجد رخصة، فهذا أيضاً من وضع الآصار، واستدلوا في هذا المقام بحديث طارق بن شهاب الذي رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد: (دخل رجل النار في ذبابة، ودخل رجل الجنة في ذبابة، مرَ رجلان على أناس يعبدون الوثن، فقالوا للرجل الأول: قرب ولو ذباباً -يعني: لابد أن تقرب شيئاً لهذا الوثن- فأبى؛ فقتلوه فدخل الجنة -بسبب ترك التقرب بذبابة-، أما الآخر فقيل له: قرب وإلا نقتلك، فقرب ذباباً فخلوا سبيله، فكفر بذلك فدخل النار) أي: بسبب الذبابة، والحديث ضعيف، وإن صح فإنه يصلح شاهداً لهذا المعنى، وهو: أن العذر بالإكراه من خصائص أمتنا المحمدية. وقال تبارك وتعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، وهذه الآية منقبة عظيمة جداً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأننا نلاحظ كثيراً من الفتاوى في القرآن الكريم كقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الأنفال:1]، وقوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]، وقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة:219]، وقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189]، أما هنا فلم يقل (يسألونك عني)، لكنه سبحانه وتعالى هو الذي يضفي هذا الترغيب في الرحمة فيقول مبادراً (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ))، يعني: كأنه لم ينتظر حتى يسأل أحد، ولكن بادر سبحانه وتعالى بأن تقرب إلى عباده بقوله: (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ))، ولم يقل: فقل: إني قريب، وإنما قال: فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، فسبحان الله ما أعظم رحمة الله بعبادة المؤمنين!! وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (لما أنزلت هذه الآية: إنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284] دخل في قلوبهم منه شيء لم يدخل من قبل، فاشتكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الآية شقت عليهم، فلما قالوا ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام قال لهم: قولوا: سمعنا وأطعنا وسلمنا، فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فقالوا: سمعنا وأطعنا، فأنزل الله تبارك وتعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ [البقرة:285]، إلى آخر السورة الكريمة). وفي بعض الأحاديث أن الله سبحانه وتعالى قال: (قد فعلت) يعني: قد استجبت هذا الدعاء وقد غفرت لكم. وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون؟ فأخبرني أنه عذاب كان يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، كان له مثل أجر شهيد)، وهذا الحديث يعتبر سبق علمي في غاية الأهمية وفي غاية الخطورة، خاصة عند الأخصائيين بالصحة العامة الذين يهتمون جداً بالوقاية، فلا شك أن هذا الحديث يدل على أعظم درجات الوقاية من مثل هذه الأوبئة؛ لأنه لو سمح للناس الذين يقع الطاعون فيهم بالخروج لنقل هذا الوباء، أو سمح لمن لم يوجد فيه بالدخول فهذا فيه تعرض لهذا البلاء، وكله من قدر الله سبحانه وتعالى، ولذلك لما حصل الطاعون في الهند قبل حوالى خمس سنوات، فالذي حصل أن بعض مرافق الحكومة سمحوا لبعضهم بالفرار إلى أماكن أخرى؛ لأن الإجراءات كانت كلها سليمة؛ فانتشر الطاعون في عامة أرجاء الهند، بسبب أنهم تركوا الناس يفرون خارج المدينة، فانتشر الطاعون جداً، وإلى أيامنا هذه بعض دول الخليج تمنع الطائرات القادمة من الهند؛ خشية أن يأتي هؤلاء الناس معهم، وهذا كله بإذن الله سبحانه وتعالى، ولما حصل زلزال في جبال محيطة بهذه المنطقة في إيران، وكانت هناك أسر تعيش في جحور الجبال؛ فلما فتحت هذه الصدوع انتشر الطاعون عن طريق تأثير الزلزال، وامتد هذا المرض إلى هذه القرى، فكان هذا فعلاً من أقوى الإجراءات الوقائية، أي بلد يدخل فيه الطاعون فالمشروع لمن فيه أن يصبر ويحتسب ولا يخرج، والذي خارجها لا يدخلها، كما قال عمر : أفر من قضاء الله إلى قضاء الله. لما امتنع من الدخول إلى الأرض التي فيها الطاعون.

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام سيصلي خلف رجل من أمته

    من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن من أمته من يصلي بعيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟!) قال العلماء: إن إمامهم هو المهدي بناءً على بعض الأحاديث الصحيحة التي فيها أن عيسى عليه السلام حينما ينزل وقد أقيمت صلاة الفجر وإمامهم المهدي يقول له المهدي : تقدم يا روح الله! فصل، فيمتنع المسيح عليه السلام من الصلاة ويقول: إن بعضكم أئمة بعض تكرمة الله هذه الأمة. وأيهما أفضل المهدي أم عيسى عليه السلام؟ عيسى بن مريم بلا شك، فعيسى نبي، ومن اللطائف أنه أيضاً صحابي، لأنه ينطبق عليه تعريف الصحابي في علم الحديث: من رأى النبي عليه الصلاة والسلام وآمن به ولو وقتاً يسيراً من الزمن، فعيسى لقي النبي عليه الصلاة والسلام في رحلة الإسراء، وهو مؤمن به عليه الصلاة والسلام، وعيسى لم يمت؛ لأنه رفع إلى السماء وسينزل إلى الأرض في آخر الزمان. وفي بداية الأمر سوف يمتنع المسيح عليه السلام عن الصلاة إماماً؛ لأنه إذا صلى إماماً حسبما يقتضيه مقامه الشريف لوقع الناس في تخبط، هل عيسى جاء مشرعاً جديداً؟ وكيف وقد ختمت النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم؟ فحتى يزيل هذه الشبهة من البداية يمتنع أولاًمن الصلاة إماماً؛ كي يصلي مأموماً خلف إمام من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وهو المهدي من أبناء النبي عليه السلام، ومن نسل الحسن رضي الله تعالى عنه، ومن ذرية فاطمة، لكن بعد ذلك الظاهر أن المسيح هو الذي يصلي بالناس، لكن الامتناع فقط عند بداية ظهوره عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذكر ابن آدم بين يدي الدجال فقالوا: أي المال خير يومئذ؟! فقال: غلام شديد يسقي أهله الماء، قالوا: فما طعام المؤمنين يومئذ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: التسبيح والتكبير والتهليل)، يعني: أنهم في ذلك الوقت يشبهون الملائكة، قالت عائشة : (فأين العرب يومئذ؟ قال: العرب يومئذ قليل) يعني: قليل بالنسبة إلى غيرهم، والعرب الآن قليل بالنسبة للمسلمين أم لا؟ العرب الآن لا يساوون تسع باقي المسلمين؛ لأن المسلمين دائرة أوسع، ثم يأتي أعداء الله ويفرقون المسلمين بهذه الطريقة، وبالقوميات والوطنيات والوثنيات؛ لأن توحدهم يعتبرونه خطراً شديداً على العالم كافة، لو أن المسلمين العرب توحدوا، ثم انضمت إليهم بعض الدول مثل موريتانيا ودول شرق آسيا، يأتون من هذه المناطق مدداً إلى البلاد العربية، ثم توحدت كل بلاد المسلمين؛ فتخيل كم ستكون القوة والموارد البشرية، والعدد الضخم، والقوى العسكرية، والقنوات، والعلوم، والعقول النابغة وغير ذلك؟! لا شك أن هذا يقضي تماماً على قوة أعداء الإسلام؛ لأن تخلف المسلمين في كثير من المجالات ليس ناشئاً عن قصور، ولكنه ناشئ عن قلة الإمكانات، وتحريم العلوم والتكنولوجيا مع فتح الباب على مصراعيه للأمور الإفسادية، لكن الأمور الحساسة التي تعطي المسلمين قوة حقيقة هم يحولون دون المسلمين ودون ذلك بعقل الاستكبار الذي يسمونه العولمة. فالعرب قليل بالفعل بالنسبة لباقي المسلمين، فما بالك بالعرب إذاً بالنسبة للكفار في القتال الذي سيحصل مع الدجال؟!

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن أمته أقل أعمالاً وأكثر أجراً

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أول من تنشق عنه الأرض

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أول من تنشق عنه الأرض، وهو أول من يفيق من الصعقة عليه الصلاة والسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول مشفع) صلى الله عليه وسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق)، وقال عليه الصلاة والسلام: (أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأكسى الحلة من حلل الجنة، ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري).

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله أعطاه المقام المحمود وجعل بيده لواء الحمد

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى أعطاه المقام المحمود، وجعل بيده لواء الحمد، وأن آدم فمن سواه تحت لوائه، وأنه إمام النبيين يومئذ، وأنه أول شافع وأول مشفع، وأول من ينظر إلى الله تعالى، وأول من يؤمر بالسجود، وأول من يرفع رأسه، ولا يطلب منه شهيد على التبليغ ويطلب من سائر الأنبياء. وأعطاه الشفاعة العظمى في فصل القضاء، وأعطاه الشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب، والشفاعة فيمن استحق النار من الموحدين ألا يدخلها، والشفاعة في رفع درجات أناس في الجنة، والشفاعة فيمن خلد من الكفار في النار أن يخفف عنهم العذاب، والمقصود بذلك: أبو طالب ، قال الله تعالى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79].

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن كل سبب ونسب منقطع إلا سببه ونسبه

    من خصائصه صلى الله عليه وسلم قوله: (ينقطع يوم القيامة كل سبب ونسب إلا سببي ونسبي). ومن ذلك قوله: (يضرب جسر جهنم فأكون أول من يجيز). ويقول عليه الصلاة والسلام: (آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك). وعن ابن عمرو رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم عليه السلام: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم:36]، وقول عيسى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]، فرفع يديه عليه الصلاة والسلام وقال: أمتي! أمتي! ثم بكى -يعني: رحمة لأمته وشفقة عليها- فقال الله تعالى: يا جبريل! اذهب إلى محمد وقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك) (سنرضيك) أي: سنعطيك في شأن أمتك من أنواع الشفاعات وغيرها حتى ترضى؛ كما قال تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:5]، وفي هذا الحديث أعظم عناية من النبي صلى الله عليه وسلم بأمته.

    1.   

    شبهات لابد من الرد عليها

    شبهة أن ذكر خصائص النبي صلى الله عليه وسلم من التفريق بين الأنبياء

    هذا غيض من فيض فيما يتعلق بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي شيء يسير سنذكره فيما بعد، لكن نشير في نهاية الكلام هذه الليلة حول وجود بعض الأشياء التي قد تشتبه على بعض الناس فيما يتعلق بأفضلية النبي صلى الله عليه وسلم على إخوانه الأنبياء، فقد كان بعض الضالين يكذب بهذه الفضائل أو ببعض هذه الأحاديث ويقول: إن هذا من التفريق بين الرسل، والله تعالى يقول: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285]، ومن هؤلاء الضالين صالح أبو بكر، فكان يكذب بعض الأحاديث في الصحيحين، وفيها إثبات هذه الفضائل، كقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر)، فيقول: إن هذا من التفريق بين الأنبياء، وهذا يعارض القرآن، فنحن نرد ذلك للقرآن لقوله تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285]، والجواب: أن هذا في الإيمان والتصديق، أما أن يخبر الله سبحانه وتعالى بتفضيل النبي عليه السلام وخصائصه الشريفة فهذا ليس تفريقاً بينهم، الذين يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ذمهم الله بقوله: وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ [النساء:150]، فالتفريق هو في الإيمان، أما أن يصدق بالأخبار النبوية في جانب الآيات القرآنية التي فيها هذه الخصائص؛ فهذا ليس من التفريق في شيء، وإنما هذا من شبه هؤلاء القوم.

    شبهة أن الصلاة الإبراهيمية فيها تفضيل إبراهيم على محمد صلى الله عليهما وسلم

    بعض الناس اشتبه عليه أننا في التشهد نقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.. إلى آخره)، قالوا: إن قاعدة أهل المعاني أن المشبه به أعلى في الرتبة من المشبه، كما يقول: كما صليت على إبراهيم, فالمعنى أن الصلاة على إبراهيم أفضل وأعلى من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم! والجواب: أولاً: الحديث فيه: (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)، وآل إبراهيم يدخل فيهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا في الحقيقة تشريف لإبراهيم عليه السلام، حيث إن من ذريته محمد عليه الصلاة والسلام. ثانياً: أن المقرر في علم المعاني أن الغرض من التشريف إلحاق الأدنى بالأعلى، كما تقول: زيد كالبدر، أو إلحاق متأخر بسابق في معنى من المعاني من غير ملاحظة تفاوت بينهم، فهو إما لغرض إلحاق الأدنى بالأعلى، أو إلحاق متأخر في الرتبة بالسابق في معنى من المعاني دون اعتبار موضوع التفاوت بينهما في هذا المعنى، والصلاة الإبراهيمية من هذه القبيل؛ لأن معناها: اللهم صل على محمد كما حصلت منك الصلاة على إبراهيم, وليس هنا أخفض ولا أعلى؛ لأن الصلاة على إبراهيم منشؤها نبوته وليست أفضليته، نظير ذلك قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور:55]، فشبه استخلاف الأمة المحمدية باستخلاف اليهود قبلهم من غير نظر إلى التفاوت بين الاستخلافين، مع أن استخلاف الأمة المحمدية -وهي المشبه- أعم وأكمل من استخلاف اليهود المشبه بهم، فهي من نفس الباب. أيضاً: التفضيل بين الأنبياء منوط بأمرين: أولاً: خصال الكمال التي يتحلى بها النبي. ثانياً: المزايا التي يهبها الله تبارك وتعالى لهم. فلا شك أن رسولنا عليه السلام اجتمع له الأمران في أعلى صورة من الكمال البشري، فيكفي أن الله سبحانه وتعالى مدحه بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وكان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن، ولم يثن بهذا على نبي ولا رسول. أيضاً: مما يدل على هذه الأفضلية المزايا الكثيرة التي وهب الله نبيه صلى الله عليه وسلم والتي أشرنا إلى أشياء منها.

    شبهة أحاديث النهي عن التفضيل بين الأنبياء

    هناك حديث: (أن رجلاً قال للنبي عليه الصلاة والسلام: يا خير البرية! فقال عليه الصلاة والسلام: ذاك إبراهيم)، وجاء في حديث آخر: (لا تفضلوني على يونس بن متى، ولا تقولوا: أنا خير من يونس بن متى)؛ فهذه الأحاديث تنهى عن التفضيل بين الأنبياء. الجواب: أن بعض العلماء سلك مسلك الترجيح بأن هذه الأحاديث آحاد، وأفضلية النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة بالقرآن والسنة المتواترة والإجماع، فتكون راجحة بلا نزاع، هذا مسلك. المسلك الآخر: الجمع، وهو من وجهين: الوجه الأول: أن هذه الأحاديث خرجت مخرج التواضع، مع الإشارة إلى حفظ مقام يونس عليه السلام. الوجه الثاني: أنه قالها قبل أن يُعلمه الله بأفضليته عنده، فحين قالها لم يكن أوحي إليه هذه النعم العظمى التي أمره فيما بعد أن يخبر بها، كما في الحديث: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) يعني: ولا أقصد بذلك الفخر، لكن هذا من الوحي الذي لا ينبغي أن أكتمه؛ لأن من مقاصد الرسالة تعظيم النبي عليه السلام التعظيم اللائق به كما قال تعالى: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح:9]. إذاً: الوجه الثاني: أنه قالها قبل أن يعلمه الله بأفضليته عنده، وبيان ذلك أن الله تعالى والى إفضاله على نبيه وقتاً بعد وقت، ولحظة بعد لحظة، فكان أول ما قال في الإنذار: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، ثم: وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا [الأنعام:92]، ثم بعد ذلك قال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28]، ثم صرف إليه الجن وبعثه إليهم أيضاً، ثم عمم بعثته فقال تبارك وتعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]. ثم أسرى به وأراه من آياته ما زاده رفعة وعلواً، ثم لما أمره بالجهاد، أمر الملائكة أن يجاهدوا معه: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال:12]، أمر الملائكة أن يقاتلوا معه، وأن يكونوا من جنده صلى الله عليه وسلم، وهكذا كلما مرت على النبي صلى الله عليه وسلم لحظة زاد في نفسه فضلاً، ونال من مولاه موهبة، فكلما نزلت عليه آية أو سورة ازداد بها علماً وقربى، فكان علمه بأفضليته متأخراً عن صدور تلك الأحاديث منه، وقد قال صلى الله عليه وسلم بعدها: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، فكل فضل آتاه الله نبياً من الأنبياء اجتمع هذا الفضل كله في رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الله أثنى على إدريس بقوله: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [مريم:57]، فلا يمكن أن يبلغ علو إدريس عليه السلام ما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال تبارك وتعالى: فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى [النجم:9]، هل هناك ما هو أعظم من ذلك؟ إذا كان هود عليه السلام نصر بالريح فقد نصر محمد صلى الله عليه وسلم بالريح يوم الخندق في غزوة الأحزاب. إذا كان يوسف عليه السلام قد أوتي شطر الحسن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتي جميع الحسن عليه الصلاة والسلام، حتى كان من جمال صورته الشريفة عليه السلام ما حكاه بعض الصحابة: أنه رأى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة من الليالي في حلة حمراء، وكان القمر مكتملاً، فجعل الصحابي ينظر مرة إلى القمر ومرة إلى وجه رسول صلى الله عليه وسلم، فرآه أجمل من القمر؛ من شدة الحسن الذي آتاه الله سبحانه وتعالى. إذا كان موسى عليه السلام من معجزاته أنه نبع الماء من الحجر فإن الماء نبع من أصابع النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة، وهذا بلا شك أقوى وأعظم. إذا كان موسى عليه السلام من معجزاته انقلاب العصا إلى حية، فأيضاً حصلت معجزة حنين الجذع للنبي صلى الله عليه وسلم، فنفس الجذع كان يحب الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما أمر بأن يتخذ له منبراً، وكان هناك جذع في المسجد يعتمد عليه النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الخطبة، ففي أول يوم أتى الرسول عليه الصلاة والسلام ليصعد إلى المنبر، ومر على الجذع ولم يستند إليه كالعادة -وهذا الحديث ثابت قطعاً، وهو متفق عليه-، فعلى مرأى من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن حن الجذع وبكى وارتفع صوته! وهذه آية من آيات الله عز وجل، يحن حنيناً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبكي بكاءً لفراقه، حتى نزل من على المنبر وأخذ يضمه إليه حتى سكت وله حنين كالطفل الذي يبكي ثم يهدأ ويظل يأتي ببعض الأصوات من شدة البكاء، فهكذا حن الجذع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم!! إذا كان موسى عليه السلام قال: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84]، فإن الله هو الذي قال لخليله محمد عليه السلام: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:5]، فالله سبحانه وتعالى يحب أن يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول تعالى: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا [البقرة:144]، عليه الصلاة والسلام. وتلاحظون أنني دائماً أستعمل كلمة (خليله) بدل (حبيبه) كما يجري على ألسنة الناس أنهم يصفونه بالمحبة، وهو لا شك حبيب الله عز وجل، لكن الأفضل أن تقول: خليل؛ لأن الخلة أعلى درجات المحبة، فقولك: حبيب الله فيه تقصير؛ لأن الله اتخذ محمداً خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، كما صح بذلك الحديث. وإذا كان الله سبحانه وتعالى قال لموسى عليه السلام: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه:39]، فإنه قد قال في حق محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، يعني: اتباعه صلى الله عليه وسلم يجلب للإنسان فضيلة ونعمة ما بعدها نعمة: اتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه ُ ، وهذه بلا شك أعظم. وإذا كان داود عليه السلام قد كانت الجبال تسبح معه، فقد سبح الحصى والطعام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وإذا كان سليمان عليه السلام قد أوتي ملكاً عظيماً، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أوتي مفاتيح خزائن الأرض، وامتد ملك أمته حتى شمل معظم الكرة الأرضية. وإذا كانت الريح سخرت لسليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فإن البراق سخر له إلى حيث شاء الله سبحانه وتعالى من المنازل العالية. على كل الأحوال: هذه إلمامة عابرة، وبقي كلام يسير متعلق بهذه المسألة، وهي خصائص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نكملها بإذن الله في الدرس القادم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756934401