إسلام ويب

تفسير سورة الأحقاف [15-20]للشيخ : محمد إسماعيل المقدم

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً)

    قال الله تبارك وتعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]. قوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً) وقرئ: (حسناً)، وهذا تمهيد لمن عقهما وعصاهما في الإيمان المذكور في قوله تعالى: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا [الأحقاف:17] أي أن هذه مقدمة بذكر حق الوالدين قبل التعرض لذكر كل عاصٍ عاقٍ لوالديه. (حملته أمه كرهاً) قيل: المراد بهذا الكره شدة الطلق، وقيل: حملته أمه كرهاً أي: حملاً ذا كره وهو المشقة التي تعانيها في الحمل كلما ثقل، ((ووضعته كرهاً)) هذا هو الذي قيل إنه شدة الطلق، فشدة الطلق داخلة في قوله: (ووضعته كرهاً).

    مدة الحمل والرضاع

    قال تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15] (( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ))، أي: حمله جنيناً في بطنها وفصاله من الرضاع ثلاثون شهراً، أي: تمضي عليها هذه المدة ثلاثون شهراً بمعاناة المشاق ومقاساة الشدائد لأجله، مما يوجب للأم مزيد العناية وأكيد الرعاية. ولو أننا حسبنا حمله وفصاله ثلاثين شهراً، فمدة الحمل تسعة أشهر، وأجل الرضاع: أربعة وعشرون شهراً، فيكون المجموع ثلاثة وثلاثون شهراً. فقوله: (وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) إما أنهم أسقطوا الكسر واكتفوا بالعقود، أو أن مدة الرضاع لا يشترط أن تستوفى إلى غاية السنتين، فقد تكون أقل من ذلك كما هنا في هذه الآية، أو أن أقل مدة الحمل كما استنبط ذلك علي رضي الله تعالى عنه بضميمة هذه الآية إلى الآية الأخرى، تكون ستة أشهر. يقول: لا يقال: بقي ثلاثة أشهر؛ لأن أمد الرضاع حولان؛ لأنا نقول: إن الحولين أمد من أراد إتمام الأجل، وإلا فأصله أقل منهما كما ينبئ عنه قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233] ، إذاً: لا يشترط أن تستوفى مدة الرضاعة حولين كاملين، ولنفرض أن أمد الرضاع لابد أن يكون سنتين، فيكون في الآية اكتفاء بالعقود وحذف الكسور، فبدل أن يقول: ثلاثة وثلاثون شهراً، اكتفى الله سبحانه وتعالى بذكر العقود الثلاثة وهي الثلاثون، وحذف الكسور جرياً على عرف العرب في ذلك، كما ذكروه في حديث أنس في وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنه توفي عليه الصلاة والسلام على رأس ستين سنة، مع أن الصحيح أنه توفي عن ثلاث وستين سنة، فهذا يحمل على أن أنساً رضي الله تعالى عنه اكتفى بذكر العقود وحذف الكسور، كما هي عادة العرب في ذلك. قالوا: إن الراوي للأولى اقتصر فيه على العقود وترك الكسور، وسر ذلك هو القصد إلى ذكر المهم وما يكتفى به فيما سيق له الكلام، لا ضبط الحساب وتدقيق الأعداد. قال ابن كثير : وقد استدل علي رضي الله تعالى عنه بهذه الآية مع الآية التي في سورة لقمان: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [لقمان:14]، وقوله تبارك وتعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233]، على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وهو استنباط قوي صحيح، ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

    معنى الكره في الحمل والوضع

    قال العلامة الشنقيطي في تفسير هذه الآية الكريمة: (( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا )): قرأ هذا الحرف نافع وابن كثير وأبو عمر وهشام عن ابن عامر (كَرهاً) وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر (كُرهاً) بضم الكاف في الموضعين، وهما لغتان كالضُعف والضَعف، و(حملته كَرهاً أو كُرهاً) معناه: أنها في حال حملها به تلاقي مشقة شديدة، ومن المعلوم أن ما تلاقيه الحامل من المشقة والضعف إذا أثقلت وكبر الجنين في بطنها يكون كبيراً، ومعنى وضعته كرهاً: أنها في حالة وضع الولد تلاقي من ألم الطلق وكربه مشقة شديدة كما هو معلوم، وهذه المشاق العظيمة التي تلاقيها الأم في حمل الولد ووضعه، لا شك أنه يعظم حقها بها، ويتحتم برها والإحسان إليها كما لا يخفى، وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من المشقة التي تعانيها الحامل دلت عليه آية أخرى، وهي قوله تعالى في سورة لقمان: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ [لقمان:14]، أي: ضعفاً على ضعف؛ لأن الحمل كلما تزايد وعظم في بطنها ازدادت ضعفاً على ضعف. وقوله هنا (كرهاً) في الموضعين مصدر منكر، وتعرب: كرهاً على أنها حال مع أنه نكرة، ومجيء المصدر المنكر حالاً كثير، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله: ومصدر منكر حالاً يقع بكثرة كبغتة زيد طلع وقال بعضهم: كرهاً في الموضعين: نعت لمصدر، أي: حملته حملاً ذا كره، ووضعته وضعاً ذا كره، والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: (( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ))، هذه الآية الكريمة ليس فيها بانفرادها تعرض لبيان أقل مدة الحمل، ولكن بضميمة بعض الآيات الأخرى إليها يعلم أقل أمد الحمل؛ لأن هذه الآية الكريمة من سورة الأحقاف صرحت بأن أمد الحمل والفصال معاً ثلاثون شهراً، فيكون مجموع الحمل مع الفصال ثلاثين شهراً، وقوله تعالى في سورة لقمان : وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [لقمان:14]، وكذلك قوله في سورة البقرة: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، ليبين أن أمد الفطام عامان، وهما أربعة وعشرون شهراً، فإذا طرحتها من الثلاثين بقيت ستة أشهر، فتعين كونها أمداً للحمل وهي أقله، ولا خلاف في ذلك بين العلماء، ودلالة هذه الآية على أن الستة الأشهر أمد للحمل هي المعروفة عند علماء الأصول بدلالة الإشارة. فالحمل إما تسعة أشهر وأقله ستة أشهر، أما الرضاع فأربعة وعشرون شهراً، فحمله وفصاله (9أشهر+24شهر=33شهراً) أو حمله وفصاله (6+24=30)، كما في هذه السورة، إذاً ستة أشهر هي أقل مدة الحمل.

    معنى بلوغ الإنسان الأشد

    قال تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [الأحقاف:15]، قال القاسمي : حتى إذا استكمل قوته وعقله وبلغ أربعين سنة، وفي ضوء منهج تفسير القرآن بالقرآن هل نستطيع أن نوجد من القرآن الكريم تفسيراً دقيقاً لمعنى (أشده)؟ يقول تعالى في سورة النساء: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، إذا ضممنا هاتين الآيتين إلى بعض وفهمنا هذه الآية في ضوء تلك استطعنا أن نفسر قوله تعالى: (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة)؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال في سورة الأنعام: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ [الأنعام:152]، ما معنى أشده؟ أوضحها الله سبحانه وتعالى في سورة النساء في قوله تبارك وتعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، إذاً: في ضوء تفسير القرآن بالقرآن نفهم أن قوله تعالى هنا: (حتى إذا بلغ أشده) أي: بلغ الحلم، (وبلغ أربعين سنة) أي: بعد ذلك وهو غاية الكمال والنضج البدني والعقلي.

    معنى قوله: (وبلغ أربعين سنة...)

    قوله تعالى: وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي [الأحقاف:15]، أي: أمهلني، أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ [الأحقاف:15]، أي: بالهداية بالتوحيد والعمل بطاعته وغير ذلك، وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي [الأحقاف:15] أي: واجعل الصلاح سارياً في ذريتي راسخاً فيهم، (( إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ )) أي: من ذنوبي التي سلفت مني، (( وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )) أي: المستسلمين لأمرك ونهيك المنقادين لحكمك. إذاً: يستحب لمن شرع في الأربعين فما فوقها أن يكثر من هذا الدعاء: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ؛ لأنه إذا بلغ هذه السن فقد بدأ المرحلة الأخيرة من العمر، أو بتعبير آخر يسمونها في الطب العمر المتوسط، وهو السن الذي يبدأ من الأربعين إلى الستين، وما بعد الستين يسمونه الشيخوخة، بخلاف العرب فإنهم يعدون من بلغ الأربعين شيخاً. وقال بعض السلف: تركت الذنوب حياءً من الناس أربعين سنة، وتركتها حياءً من الله أربعين سنة، وقال بعضهم: إن سن الأربعين هو مصدر لإلهام كثير من الأدباء والشعراء بكثير من المعاني التي تفيض بمساءة من قد اقترب من القبر جداً، ولذلك يقول بعضهم: تمسكت بعد الأربعين ضرورة ولم يبق إلا أن تقوم الصوارخ يعني: لم يبق لي إلا أن أتمسك، ولم يبق إلا أن تقوم الصوارخ عندما يأتيه أجله، فهي السن التي يبدأ الإنسان يترقب فيها حضور أجله، فإن الإنسان في فترات الفحولة والصبا والشباب إذا سلم من الآفات في كل هذه الفترات فهو كالزرع إذا سلم من الآفات في جميع مراحل نموه، لكن مهما نما ومهما سلم فسوف تكون نهايته الحصاد، فلابد أن يحصد حتى وإن سلم فيما مضى من السنين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا...)

    قال الله تبارك وتعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف:16]. (أولئك)، أي: الموصوفون بالتوبة والاستقامة في الآيات السابقة. (الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا) أي: من الصالحات فنجازيهم عليها، ونتجاوز عن سيئاتهم، أي: فلا نعاقبهم عليها لتوبتهم منها، (في أصحاب الجنة) أي: في جملة من يتجاوز عنهم وهم معدودون في أصحاب الجنة وفي زمرتهم ثواباً ومقاماً. قال الشهاب : والظاهر أنه من قبيل: وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [يوسف:20] أي: أن كلمة: (في أصحاب الجنة) تعبير يستفاد منه المبالغة في علو منزلتهم في الجنة، فإن قولك: فلان معدود في العلماء، أو فلان من العلماء، أقوى من أن تقول: فلان عالم. وكذلك قوله تبارك وتعالى هنا: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ))، أي: أولئك في أصحاب الجنة، فهذه أبلغ من قول: أولئك أصحاب الجنة، فتكون من باب قوله تعالى في يوسف عليه السلام: وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [يوسف:20]، فيوسف الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم ومع ذلك (كانوا فيه من الزاهدين) إشارة إلى علو مقام يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. فمن لم يتنبه لهذا المعنى قال: إن قوله: (في أصحاب الجنة) بمعنى: مع أصحاب الجنة، والصواب أن هناك سراً في إيثار (في) على (مع) في اللفظ الكريم، فلم يقل تعالى: أولئك مع أصحاب الجنة، ولكن قال: (أولئك في أصحاب الجنة)؛ لأن (في) تفيد المبالغة في علو مكانهم ومنزلتهم. (وعد الصدق)، منصوب على أنه مصدر مؤكد لما قبله؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: (أولئك الذين نتقبل عنهم) فهذه فيها معنى الوعظ، كأنك تقول في التفسير: أولئك الذين وعدهم الله أن يتقبل عنهم أعمالهم فوعدهم بالقبول، فقال سبحانه وتعالى: (وعد الصدق) كأنه يقول: وعدتهم وعد الصدق أن أتقبل أعمالهم، يؤكد ذلك قوله تعالى: (الذي كانوا يوعدون) على ألسنة الرسل في الدنيا: رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ [آل عمران:194]، فقوله تعالى: (( وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ))، أي: وعدهم تعالى هذا الوعد، وعد الحق في الدنيا وهو موفيه لهم في الآخرة، كما قال: وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور:21].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والذي قال لوالديه أف لكما...)

    بين الله تعالى من عصى ما وصى به من الإحسان لوالديه من كل ولد عاق كافر، وبين مآله وماله في مآله؛ بقوله سبحانه: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا . إذاً: هذه الآية نزلت لتشمل كل كافر عاق لوالديه المؤمنين: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [الأحقاف:17]. (والذي قال لوالديه) أي: حين دعواه إلى الإيمان والاستقامة، (أف لكما) أي: من هذه الدعوة؛ لأن (أف) اسم فعل مضارع بمعنى: أتضجر، (أتعدانني أن أخرج) أي: أبعث من قبري بعد فنائي، (وقد خلت القرون من قبلي) أي: قد هلكت ومضت ولم يرجع أحد منهم، وهذا يعني أن هذا الولد العاق الكافر يكذب بالبعث والنشور، ويقول: (قد خلت القرون من قبلي) ومضوا، ولم يعد منهم أحد. (وهما يستغيثان الله) أي: يطلبان الغياث بالله منه، والمراد إنكار قوله واستعظامه؛ كأنهما لجئا إلى الله في دفعه، كما يقال: العياذ بالله، أو المعنى: وهما يطلبان من الله أن يغيثه بالتوفيق حتى يرجع عما هو عليه، (ويلك آمن): صدق بوعد الله، وأقر بأنك مبعوث بعد موتك، والويل في الأصل معناها الدعاء بالهلاك، فأقيم مقام الحث على فعل أو ترك، أي أن أصل كلمة الويل: دعاء على الإنسان بالهلاك، لكن كثر وشاع استعمالها في الحث على الفعل أو الترك، يقال: ويلك ماذا تفعل؟ ويلك افعل كذا، فتستعمل في الحث على الفعل أو الترك للإيماء إلى أن مرتكبه حقيق بأن يطلب له الهلاك، فإذا سمع ذلك ترك ما هو فيه وأخذ الأصلح له. (إن وعد الله حق) أي: إن وعده تعالى لخلقه بأنه سوف يبعثهم من قبورهم إلى موقف الحساب لمجازاتهم بأعمالهم حق لا مرية فيه. (فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين): فيقول هذا الكافر العاق مجيباً لوالديه وراداً عليهما نصيحتهما وتكذيباً لوعد الله: (ما هذا) الذي تقولانه (إلا أساطير الأولين) أي: أباطيلهم التي كتبوها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين حق عليهم القول....)

    قال تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ [الأحقاف:18]. (أولئك) أي: الكفار، كأن قوله تعالى: (والذي قال لوالديه أف لكما) ثم قوله في أول الآية التي تليها: (أولئك الذين حق عليهم القول) إشارة إلى أولئك الكفار العاقين لوالديهم المؤمنين، وهذا الذي رجحه العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى. إذاً: قوله تعالى: (أولئك) أي: أولئك الكفار المشار إليهم في الآية السابقة من كل كافر عاق، (أولئك الذين حق عليهم القول) الإلهي، وهو العذاب المذكور في قوله تعالى: وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة:13]، (( فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ )) أي: مع أمم قد خلت (( مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ )) أي: الذين كذبوا رسل الله وعتوا عن أمره (( إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ )) ببيعهم الهدى بالضلال والباقي بالفاني.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولكل درجات مما عملوا...)

    قال تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الأحقاف:19]. (ولكل): هذا تنوين تعويض عن اسم، وهو ما يضاف إلى (كل)، والمعنى: ولكل فريق من الفريقين المذكورين المؤمنين والكفار. والإشارة إلى الفريقين في قوله: (ولكل درجات مما عملوا) هي إشارة إلى الطرفين المذكورين: الفريق الأول: الذين قال تعالى فيهم: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14]، إلى قوله: وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف:15-16]، هذا هو الفريق الأول. والفريق الثاني: (والذي قال لوالديه أف لكما).. إلخ. (ولكل درجات مما عملوا) أي: منازل ومراتب بحسب ما اكتسبوه من إيمان وكفر، فيتفاضل أهل الجنة في الكرامة وأهل النار في العذاب، فإن درجات الجنة تذهب علواً، كلما ارتفعت تكون أعلى، ودركات النار تذهب إلى أسفل، فالجنة درجات كما أن النار دركات. (ولكل درجات مما عملوا) أي: مراتب من جزاء ما عملوا من صالح وسيئ، (وليوفيهم أعمالهم) أي: جزاءها، (وهم لا يظلمون)، بنقص ثواب ولا زيادة عقاب.

    1.   

    ما ورد في سبب نزول الآيات

    روى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن هذه الآية نزلت في ابن لـأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما، قال لأبويه وهما: أبو بكر وأم رومان وكانا قد أسلما وأبى هو أن يسلم، فكانا يأمرانه بالإسلام، فكان يرد عليهما ويكذبهما فيقول: فأين فلان؟ وأين فلان؟ يعني مشايخ قريش ممن قد مات، فأسلم بعد ذلك عبد الرحمن وحسن إسلامه، فنزلت توبته في هذه الآية: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الأحقاف:19]. وهذا غير صحيح، فلا يصح أن هذه الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما؛ لأن قوله: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ )) يثبت لهذا الشخص أو هذه المجموعة من الكفار العاقين دخول النار، فمن أثبت الله له سوء العاقبة، وأنه من أهل النار، فهل يحتمل أن يكون من غير أهل النار؟ وهذا مثل قوله تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد:1-5]، وهذه الآية يذكر أنها علم من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يسلم أبداً لا هو ولا امرأته، وبالفعل ماتا على الكفر والعياذ بالله، فصارت هذه من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. كذلك قوله هنا: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ))، فإذا كان الله قد كتب الشقاء على إنسان فلا يمكن أن يبدل هذا الحكم، في حين أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قد أسلم وحسن إسلامه. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: (لكن نفي عائشة وهي أخت عبد الرحمن أن تكون نزلت في عبد الرحمن وآل بيته أصح إسناداً وأولى بالقبول)؛ فأم المؤمنين عائشة لا شك أنها أعلم بأخيها وبأهل بيتها وبأبويها رضي الله تعالى عنهم أجمعين، فنفي عائشة أصح من حيث الإسناد وأولى قبولاً، وذلك ما رواه البخاري والإسماعيلي والنسائي وأبو يعلى : أن مروان كان عاملاً على المدينة، فأراد معاوية رضي الله عنه أن يستخلف يزيد ، فكتب إلى مروان بذلك، فجمع مروان الناس فخطبهم فذكر يزيد ودعا إلى بيعته، وقال: إن الله أرى أمير المؤمنين في يزيد رأياً حسناً، وإن يستخلفه -ليدافع عن هذا الأمر، وأن هذه ليست بدعة- فقد استخلف أبو بكر وعمر ، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما: ما هي إلا هرقلية، يعني: أنتم تحاولون جعلها نظاماً ملكياً بالتوارث، بعدما يموت معاوية رضي الله تعالى عنه يرثه ابنه الملك ويكون يزيد ملكاً بعده، فقال مروان : سنة أبي بكر وعمر ، فقال عبد الرحمن : هرقلية، إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا في أهل بيته، وما جعلها معاوية إلا كرامة لولده، فقال مروان : خذوه -اقبضوا عليه- فدخل عبد الرحمن بيت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، فلم يقدروا عليه، فقال مروان : إن هذا -يقصد عبد الرحمن بن أبي بكر -الذي أنزل الله فيه: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي [الأحقاف:17]، فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن -أي: نحن آل أبي بكر رضي الله تعالى عنهم أجمعين- إلا أن الله أنزل عذري، ولو شئت أن أسمي من نزلت فيه لسميته، ولكن رسول الله لعن أبا مروان ومروان في صلبه. إذاً: أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها نفت تماماً وقطعت بأنه لم ينزل في آل بيت أبي بكر شيء من القرآن إلا ما أنزل الله سبحانه وتعالى في براءتها رضي الله تعالى عنها، وهذا من حيث الإسناد أصح، ومن حيث المعنى أولى بالقبول. قال الزجاج : وقول من قال: إنها نزلت في عبد الرحمن باطل؛ لقوله تعالى: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ))، فأعلم الله أن هؤلاء لا يؤمنون، فما دام حق عليهم القول لا يؤمنون، وعبد الرحمن رضي الله تعالى عنه مؤمن. يقول القاسمي : ومما يؤيده: أن الذين حق عليهم القول هم المخلدون في النار في علم الله تعالى، وعبد الرحمن كان من أفاضل المسلمين، وقد حاول بعضهم عدم التنافي والجمع بين القولين: بأن يقع منه ذلك قبل إسلامه ثم يسلم بعد ذلك، ومعلوم أن الإسلام يجب ما قبله، وأن معنى الوعيد في الآية إنما هو للمقبلين عليه الذين لم يقلعوا لكثرة ما ورد في العفو عن السائلين، وقد نزل من الوعيد الشديد في أول البعثة آيات لا تحصى، وكلها على من كان مشركاً آنئذ، ولم يقل أحد بشمولها لهم بعد إيمانهم، أو أن فيها ما يحط من أقدارهم ويجعلها مغمزاً عليهم، إلا أن مروان لم يجد لمقاومة ما ألقمه إلا هذا، وشغل الناس عن باطله بنغمة يطرب لها الجهلة وقالة يلوكها الرعاع، وهم الذين يهمه أمرهم، ويرحم الله عبد الرحمن فقد كفى الأمة وصدع بالحق في حين أن لا ظهير له ولا نصير، والله تعالى أعلم. إذاً: القول الراجح والأقوى من حيث السند ومن حيث المعنى ألا يكون ذلك في عبد الرحمن ، واستظهرنا على ذلك بقوله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ.. [الأحقاف:18] إلى آخره. وهناك قول آخر لبعض العلماء الذين أرادوا أن يجمعوا بين الاثنين فقالوا: ربما هي فعلاً نزلت في حق عبد الرحمن بن أبي بكر لكن ذلك كان قبل إسلامه، ثم بعد ذلك أسلم وحسن إسلامه، والإسلام يجب ما قبله، وبما أن الإسلام يجب ما قبله فلا يجوز على الإطلاق تعييره بشيء ارتكبه حال كفره. واستدل أصحاب هذا القول بأنه في بداية الوحي ونزول القرآن الكريم في السور المكية كانت هناك آيات فيها وعيد شديد للكفار وللمشركين، فكانت تشمل كل مشرك قائم في ذلك الوقت، لكن بعد ذلك لما أسلم عدد كبير من الصحابة زال عنهم وصف الشرك؛ فخرجوا من استحقاق الوعيد الموجود في هذه الآيات التي نزلت في أول الوحي حينما أسلموا وحسن إسلامهم، وبالتالي لا يجوز أبداً أن يعير مسلم بما ارتكبه في حال الشرك. فكأنه يقول: حتى لو كانت الآية فعلاً نزلت في حق عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما فهذا مما لا ينبغي أن يعير به عبد الرحمن بن أبي بكر ؛ لأنه أسلم بعد ذلك، والإسلام يجب ما كان قبله، فلم يكن لـمروان أن يطعن فيه بمثل هذا؛ بل إنه لجأ إلى أن يعزف على نغمة يطرب لها الجهلة، وقالة يلوكها الرعاع، ويرحم الله عبد الرحمن فقد أحسن في تصديه لـمروان ، ورد أبلغ الرد بحيث إنه كان ضعيفاً لا أهل ولا والد له ولا نصير ولا ظهير إلا الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    الأضرحة والقبور المزورة

    قال ابن قتيبة في المعارف: أربعة رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وهم من بعضهم البعض: أبو قحافة وابنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر ، وابنه محمد بن عبد الرحمن ، أي: الجد أبو قحافة والابن أبو بكر والحفيد عبد الرحمن بن أبي بكر وابن ابن الابن وهو محمد بن عبد الرحمن . وقال ابن قتيبة أيضاً: كان عبد الرحمن من أفضل قريش، ويكنى أبا محمد ، وله عقب بالمدينة، وليسوا بالكثير، مات فجأة سنة ثلاث وخمسين في جبل يقرب من مكة، فأدخلته عائشة رضي الله تعالى عنها الحرم فدفنته وأعتقت عنه. وفيه مسقى في مقبرة باب السراديب المسماة بالدحداح، ما دام يقال: إنه عبد الرحمن بن أبي بكر وقد أثبت أنه دفن في مكة رضي الله عنه، وأن أم المؤمنين هي التي دفنته، ثم يعقب قائلاً رحمه الله تعالى: وفي دمشق في مقبرة باب سراديب المسماة بالدحداح مزار يقال: إنه قبر عبد الرحمن بن أبي بكر نسب إليه زوراً، وانتبهوا الآن إلى العبارة الجميلة من القاسمي حيث يقول: وما أكثر المزورات في المزارات، كما يعلمه من دقق في الوفيات. ويوجد بحث رائع جداً يليق أن يجمع كبحث مستقل يسمى: المزارات المزورات، وقد بلغت الفتنة عند المسلمين بموضوع القبور والمزارات والمشاهد إلى أن أصبحت أغلبها مزورة. وما أكثر المزارات الباطلة والمزعومة أنها للأولياء والصالحين، ولعلنا نذكر من ذلك أمثلة منها: يقول شيخ الإسلام رحمه الله: ضريح الحسين في القاهرة كذب مختلق بلا نزاع بين العلماء المعروفين عند أهل العلم الذين يرجع إليهم المسلمون في مثل ذلك لعلمهم وصدقهم، فإنه معلوم باتفاق الناس أن هذا المشهد في القاهرة بني عام بضع وأربعين وخمسمائة، وأنه نقل من مشهد بعسقلان، وأن ذلك المشهد بعسقلان كان قد أحدث بعد التسعين والأربعمائة، فمن المعلوم أن قول القائل: إن ذلك الذي بعسقلان هو مبني على رأس الحسين رضي الله عنه قول بلا حجة أصلاً، وقد ورد عن المتائهي ابن دقيق العيد وابن خلف الدمياطي وابن القسطلاني والقرطبي صاحب التفسير وعبد العزيز الديجني : إنكارهم أمر هذا المشهد؛ بل ذكر عن ابن القسطلاني أن هذا المشهد -مشهد الحسين - مبني على قبر نصراني! وهذا شيء لا يستغرب، فإنه يوجد في العهد القريب في دمنهور مولد أبي حصيرة وهو يهودي، بدليل أن اليهود جعلوه مسمار جحا، ويأتون كل سنة في مولده، وتقام حفلات كبيرة عنده، حتى إن الدولة أقامت لهم (كوبري) يوصل إلى أبي حصيرة مباشرة، فيأتي اليهود والمسلمون يحتفلون معاً بمولد أبي حصيرة اليهودي، وعليه يبعد أن يكون ما ذكره ابن القسطلاني : صحيحاً، وهو أن المشهد الحسيني مبني على قبر نصراني. يقول شيخ الإسلام: وإضافة إلى مشهدي عسقلان والقاهرة هناك ضريح آخر في سفح جبل الجوشن غربي حلب ينسب إلى رأس الحسين أيضاً، وهو من أضرحة الرؤيا -أي: بني بسبب رؤيا- وكذلك توجد أربعة مواضع أخرى يقال: إن بها رأس الحسين في دمشق والحنانة بين النجف والكوفة، وبالمدينة عند قبر أمه فاطمة رضي الله تعالى عنهما، وفي النجف بجوار القبر المنسوب إلى أبيه رضي الله عنهم، وفي كربلاء حيث قيل: إنه أعيد إلى جسده. ورغم أن المحققين يقولون: إن السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهما ماتت بالمدينة ودفنت في البقيع، إلا أن القبر المنسوب إليها والذي أقامه الشيعة في دمشق هو القبر الأول الذي يحظى بحج الجماهير إليه، ولا يقل عنه جماهيرية ذلك الضريح المنسوب إليها في القاهرة، والذي لم يكن له وجود ولا ذكر في عصور التاريخ الإسلامي إلى ما قبل محمد علي باشا بسنوات معدودة، ويقول علي مبارك في الخطبة التوفيقية: لم أر في كتب التاريخ أن السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهما جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد الممات. وأهل الإسكندرية بمصر يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن أبا الدرداء مدفون في الضريح المنسوب إليه في مدينتهم، ومن المقطوع به عند أهل العلم أنه لم يدفن في تلك المدينة. هناك بعض المواضع سوف نتجاوزها فكلها تعكس فتنة كثير من المسلمين بهذه القبور، وكيف أن بعض القرى قد يعير أهلها لعدم وجود شيخ يحرسها، ومن يسافر على الطريق الزراعي يلاحظ المقابر ويرى وجود حفرة كبيرة يعتقدون أن هذا يحرس البلد، وكذلك يكون هناك قبر متميز. يقول: بل وصل الأمر إلى حد أن الأكراد عظموا شريفاً صالحاً من نسل النبي عليه السلام مر عليهم وهو مسافر، ولحبهم له أرادوا قتله ليبنوا عليه قبة يتوسلون بها!! ومن الحب ما قتل! أيضاً يقول: في (تنارك) في الهند قبر أبي البشر آدم عليه السلام وتنارك هذه بلدة فيها جماعة سلفية قوية جداً في الهند، ومع ذلك يوجد فيها أيضاً قبوريون، وهناك قبر زوجه وقبر أمه، يقولون: هذا قبر آدم، وهذا قبر حواء، وهذا قبر أم آدم، ويقال: إنهم يعبرون بأمه عن الطبيعة! ومن الطرائف ذات المغزى في هذا المعنى: أن شريف مكة الشريف عون عندما استجاب للشيخ أحمد بن عيسى في هدم جميع القباب بالحجاز اعترض القناصل الأجانب في جدة على هدم قبر حواء، فقد كانوا يعتقدون أنه في جدة، وإنما يقال لها: جدة من جدة البشر، أي: جدتنا حواء، فلأجل ذلك -والله أعلم- يسمونها جدة، فاعترض القناصل الأجانب في جدة على هدم قبر حواء؛ بحجة أن حواء أم لجميع الناس، وليست أماً للمسلمين فقط. وعلى كل حال: هذه إشارة عابرة من هذا الملف القيم إلا إنه بقي أيضاً بعض الإشارات تتعلق بما ذكرنا نحن به أهل الإسكندرية فهي مناسبة بمناسبة الكلام على المزارات المزورات. يقول الأستاذ سعد صالح محمد في كتابه: صراع بين الحق والباطل) المطبوع سنة 1368 هجرية: نشرت جريدة الجمهورية سنة 1359هـ أن أحد قطاع الطرق أراد أن يبحث عن عمل آخر غير احتراف السلب وترويح الناس، ففكر في مزاولة جريمة سلب أموال الناس في مجال آخر؛ ليكون في مأمن من يد القانون، وتشاور الرجل مع أفراد عصابته، وأخيراً استقر رأيهم على أن يدعي قاطع الطريق أنه ولي من أولياء الله الصالحين، فيطلق لحيته، ويلبس زي الدراويش، كما اتفقوا أيضاً على أن يقوم أفراد العصابة بأدوار المريدين، وأن يسيروا في ركاب ولي الله ليروجوا بين الناس معجزاته، ولكي يؤمن الأهالي بالشيخ ويشهدوا له ولو بمعجزة واحدة -هم يقصدون كرامة لا معجزة؛ لأن المعجزة خاصة بالأنبياء- اقترح قاطع الطريق أن يسرق رجاله محراثاً كان يمتلكه شيخ القرية، وأن يقوموا بتخبئته في مكان معلوم من الترعة، وسوف يقوم المريدون بالدعاية للولي في القرية، ويدعون أنه يعرف الغيب، وعندئذ سوف يأتيه شيخ القرية ليرشده إلى المحراث المسروق، وسوف تتم هنا المعجزة المشهودة، حيث يحقق ولي الله أمل صاحب المحراث، وبعدها سيصبح قاطع الطرق في معتقدات الأهالي من أولياء الله، ثم تتدفق عليهم جميعاً العطايا، وقام رجال العصابة بتنفيذ الفكرة وحدث ما توقعوه، وكبر الأهالي وهللوا؛ فقد أصبح الشيخ محقق المعجزات، وكان جوهرها قائماً على سرقة المحراث وتخبئته!! كشفت الأيام الغطاء عن ولية خيالية، وضعها سادة القبور ليحجبوا عن أعين الناس الحقيقة التي كانت مختفية تحت ذلك الضريح الوهمي، قرر المسئولون عام تسعة وخمسين وثلاثمائة وألف هدم مبنى محافظة القاهرة بناحية باب الخلق لبنائه من جديد، وكان المبنى القديم يضم في أحد أركانه ضريحاً أطلق عليه اسم: الشيخة سعادة ، وادعى السدنة أنها ابنة الحسين رضي الله تعالى عنه، وبعد أن تم هدم المحافظة نفسها جاءت الفئوس لتأتي على بقية المبنى، وهو الركن الذي يضم الضريح، وانتشر خبر هدم الضريح في حي قبر سعادة والأحياء المجاورة لها، وسرعان ما تجمع الأهالي والمضللون وأحاطوا بالضريح على عادتهم في مثل هذه الحوادث، وراح المبطلون وغيرهم يتناقلون عن بعضهم بجهل وتقليد ما توارثوه من كلام سخيف غير معقول حول الضريح، فمن قائل: إن العامل الذي بدأ في الهدم شلت يداه.. ونحو ذلك، فبدءوا يحكون الكرامات حتى يحتالوا على الناس، وكلها في الكرامات المؤذية، فالذي بدأ في الهدم شلت يداه، وكسرت يد فأسه، وغير ذلك من الأراجيف والمفتريات. أما سادنة هذا الضريح فلم تنس هي الأخرى أن تطلق عدة شائعات، وكيف تنسى وقد هزتها الصدمة وزلزلت كيانها بسبب هدم الضريح، فقد كان مورد رزقها الوحيد، ومما كانت تحكيه السادنة عن كرامات الشيخة المزعومة: أن مهندساً حاول هدم الضريح وفوجئ في اليوم الثاني بقرار نقله إلى الصعيد، وبينما الناس مشغولون بقصة الضريح كانت الفئوس تنزل بالحفر إلى مسافات كبيرة، ولم يجدوا في الضريح شيئاً سوى بقايا ساقية وبعض المواسير والأسلاك الكهربائية والأحجار، وفضحت هذه الخدعة. أيضاً قال الشيخ سيد سابق حفظه الله تعالى حين كان مدير الثقافة بالأوقاف وقتها: إن هناك شيخاً اسمه الأربعين، له عدة أضرحة في أماكن متفرقة بمصر، وإنه لا يوجد شيخ بهذا الاسم، يقول: فليت سكان الصعيد الأفاضل يقتنعون بهذه الحقيقة وينصرفون عن هذا الولي الوهمي وغيرهم من الأولياء الذين أحبوهم وقدسوهم. يأتي دورنا هنا أهل الإسكندرانية، يقول: ولـأبي الدرداء ضريح وهمي، وله أيضاً قصة تحمل في طياتها كرامة خيالية كان وما زال لها شأن كبي

    1.   

    معنى (الذي) في قوله تعالى: (والذي قال لوالديه أف لكما)

    يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية الكريمة: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي [الأحقاف:17]، يقول: التحقيق -إن شاء الله- أن الذي في قوله تعالى: (والذي قال لوالديه) بمعنى: الذين، وأن الآية عامة في كل عاق لوالديه مكذب بالبعث، والدليل من القرآن على أن (الذي) بمعنى: الذين، وأن المراد به العموم، وأن الذي في قوله تعالى: (والذي قال لوالديه) مبتدأ وخبره: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ))، فالذي: مبتدأ، وأولئك هي الخبر، والإخبار عن لفظة الذي في قوله: (أولئك الذين حق عليهم القول) بصيغة الجمع صريح في أن المراد بالذي العموم لا الإفراد، وخير ما يفسر به القرآن القرآن، وبهذا الدليل القرآني نعلم أن قول من قال في هذه الآيات الكريمة: إنها نازلة في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ليس بصحيح كما جزمت عائشة رضي الله عنها ببطلانه، وفي نفس آية الأحقاف هذه دليل آخر واضح على بطلانه، وهو أن الله صرح بأن الذين قالوا بتلك المقالة حق عليهم القول، وهو قوله: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ [الأحقاف:18]، ومعلوم أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أسلم وحسن إسلامه، وهو من خيار المسلمين وأفاضل الصحابة رضي الله عنهم، وغاية ما في هذه الآية الكريمة إطلاق (الذي) وإرادة (الذين)، وهو كثير في القرآن وفي كلام العرب؛ لأن لفظة: (الذي) مفردة ومعناها عام لكل ما تشمله صلتها؛ لأن (الذي) من صيغ العموم، وقد تقرر في علم الأصول أن الموصولات كالذي والتي وفروعهما من صيغ العموم كما أشار إليه في مراقي السعود في قوله: صيغه كل أو الجميع وقد تلا الذي التي الفروع إشارة إلى أن من صيغ العموم صيغة كل، وصيغة الجميع، وقوله: (وقد تلا الذي التي) الذي هي اسم موصول، وكذلك والتي أيضاً، والفروع: فروعهما اللذان واللتان وهكذا. فمن إطلاق الذي وإرادة الذين في القرآن هذه الآية الكريمة من سورة الأحقاف، وقوله تعالى في سورة البقرة: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [البقرة:17]، في التفسير نقول: كمثل الذين استوقدوا ناراً، بدليل قوله تعالى بعد ذلك: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة:17]. وقوله أيضاً في البقرة: كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [البقرة:264] تفسيرها: كالذين ينفقون، بدليل أنه قال: لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة:264] بالجمع، وقال في الزمر: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر:33]، كذلك قال في التوبة: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا [التوبة:69] أي: كالذين خاضوا، بناءً على أنها موصولة لا مصدرية، ونظير ذلك من كلام العرب قول أشهب بن رميلة : فإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد والمقصود: الذين، لأنه قال: هم القوم. وقول عدي بن الفرح العزي : وبت أساقي القوم إخوتي الذي غوايتهم غيي ورشدهم رشدي وقول الراجز: يا رب عبس لا تبارك في أحد في قائم منهم ولا في من قعد إلا الذي قاموا بأطراف المسد يعني: إلا الذين قاموا. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (والذي قال لوالديه أف لكما)، أف: كلمة تضجر، وقائل ذلك عاق لوالديه غير مجتنب نهي الله تعالى في قوله: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23]. أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [الأحقاف:17] الأساطير: جمع أسطورة، وقيل: جمع إسطارة، ومراده بها ما سطره الأولون، أي: ما كتبوه من الأشياء التي لا حقيقة لها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ويوم يعرض الذين كفروا على النار ..)

    قال الله تبارك وتعالى: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف:20]. (ويوم يعرض الذين كفروا) أي: واذكر لهم يوم يعرض الذين كفروا على النار، وهذا توبيخ لهم، (أذهبتم طيباتكم في الحياة الدنيا) وقُرأت: (آذهبتم) وقرئ أيضاً: (أأذهبتم)، والعرب توبخ بألف وبغير ألف. (أذهبتم طيباتكم) أي: فما بقي لكم من اللذائذ شيء باستيفائكم إياها. فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ أي: الهوان، بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أي: بغير ما أباح لكم وأذن، وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ عن طاعته فأبعدكم عن كرامته.

    استحباب عدم التوسع في المباحات

    قوله تعالى: (فاليوم تجزون عذاب الهون) الهون: هو الهوان بلغة قريش، فقد تورع عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن كثير من طيبات المآكل والمشارب، وتنزه عنها، وكان يقول: أخاف أن أكون كالذين قال الله تعالى لهم وقرعهم: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها)، وقال أبو مجلز: ليتفقدن أقوام حسنات كانت لهم في الدنيا، فيقال لهم: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأنا أعلم بخفض العيش ولو شئت لجعلت أكباداً وصلاء وصناباً وصلائق، ولكني أستبقي حسناتي، فإن الله عز وجل وصف أقواماً فقال: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها) قوله: (لأنا أعلم بخفض العيش) أي: أنا أعرف جيداً كيف أتمتع بأصناف المأكولات والمشروبات والملبوسات، فعندي خبرة في هذا وأعرف ذلك جيداً، وما أعرضت عنها جهلاً بها ولكنه يخشى هذه الآية. ولو شئت لجعلت أكباداً وصلاء، والصلاء: هو السواء، والصواب: هي الأصبغة، والصلائق: ما يسلق من البقول وغيرها، والصلائق: الخبز الرقاق العريض، يقول: ولكني أستبقي حسناتي؛ فإن الله عز وجل وصف أقواماً فقال: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها). وقال قتادة : ذكر لنا أن عمر رضي الله عنه قال: لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً، وألينكم لباساً، ولكني أستبقي طيباتي للآخرة، ولما قدم عمر الشام صنع له طعام لم ير قط مثله، فقال: هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وما شبعوا من خبز الشعير؟ فقال خالد بن الوليد : لهم الجنة. فاغرورقت عينا عمر بالدموع، وقال: لئن كان حظنا من الدنيا هذا الحطام وذهبوا هم في حظهم بالجنة فلقد باينونا بوناً بعيداً. وفي صحيح مسلم وغيره: (أن عمر رضي الله تعالى عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربته حين هجر نساءه، قال: فالتفت فلم أر شيئاً يرد البصر إلا أهباً -أي: جلوداً- معطونة قد سطع ريحها، فقلت: يا رسول الله! أنت رسول الله وخيرته، وهذا كسرى وقيصر في الديباج والحرير؟ قال: فاستوى جالساً وقال صلى الله عليه وسلم: أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، فقلت: استغفر لي، فقال: اللهم اغفر له). وقال جابر رضي الله عنه: اشتهى أهلي لحماً فاشتريته لهم، فمررت بـعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ما هذا يا جابر ؟! فأخبرته، فقال: أوكلما اشتهى أحدكم شيئاً جعله في بطنه؟ أما يخشى أن يكون من أهل هذه الآية: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا [الأحقاف:20]؟ قال ابن العربي : وهذا عتاب منه على التوسع بابتياع اللحم والخروج عن جنس الخبز والماء، فإن تعاطي الطيبات من الحلال تستشره لها الطباع وتستمرئها العادة، فإذا فقدتها استسهلت في تحصيلها بالشبهات حتى تقع في الحرام المحض؛ لغلبة العادة واستكراه الهوى على النفس الأمارة بالسوء، فأخذ عمر الأمر من أوله وحماه من ابتدائه كما يفعله مثله، والذي يضبط هذا الباب ويحفظ قانونه: على المرء أن يأخذ ما وجد طيباً كان أو قفاراً ولا يتكلف الطيب ويتخذه عادة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشبع إذا وجد، ويصبر إذا عدم، ويأكل الحلوى إذا قدر عليها، ويشرب العسل إذا اتفق له، ويأكل اللحم إذا تيسر، ولا يعتمد أصلاً ولا يجعله ديدنه، ومعيشة النبي صلى الله عليه وسلم معلومة وطريقة الصحابة ....، فأما اليوم عند استيلاء الحرام وفساد الحطام، فالخلاص عسير، والله يهب الإخلاص ويعين على الخلاص برحمته. وقيل: إن التوبيخ واقع على ترك الشكر لا على تناول الطيبات المحللة، وهو حسن، فإن تناول الطيبات الحلال مأذون فيه، فإذا ترك الشكر عليه، واستعان به على ما لا يحل له، فقد أذهبه، والله تعالى أعلم.

    معنى عرض العذاب على الكفار

    يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: إن معنى الآية الكريمة أنه يقال للكفار يوم يعرضون على النار: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا [الأحقاف:20]، فقوله تعالى: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ [الأحقاف:20] معناه: يباشرون حرها كقول العرب: عرضهم على السيف إذا قتلهم به، وهذا معنى معروف في كلام العرب، كما قال الله تبارك وتعالى: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ [الأحقاف:34]، وهذا يدل على أن المراد بالعرض مباشرة العذاب. وقال سبحانه وتعالى: وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:45-46]، فالعرض ليس معناه: أنه يعرض أمامهم العذاب، بل يعرضون على النار يعني: يدخلون العذاب ويباشرونه مباشرة، (وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدواً وعشياً)؛ لأنه عرض عذاب. قال بعض العلماء: معنى عرضهم على النار هو تقريبهم منها، والكشف لهم عنها حتى يروها، كما قال تعالى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ [الكهف:53]، وقال تعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23]. وقال بعض العلماء: في الكلام قلب، وهو من أساليب العرب، والمعنى: ويوم تعرض النار على الذين كفروا، فالآية: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ [الأحقاف:20] والمعنى: ويوم تعرض النار على الذين كفروا، كما تقول العرب: عرضت الناقة على الحوض، يعنون: عرضت الحوض على الناقة، ويدل لهذا قوله تعالى: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا [الكهف:100]. يقول الشنقيطي رحمه الله تعالى: هذا النوع الذي ذكروه من القلب في الآية كقلب الفاعل مفعولاً والمفعول فاعلاً ونحو ذلك اختلف فيه علماء العربية؛ فمنعه البلاغيون إلا في التشبيه، فأجازوا قلب المشبه مشبهاً به والمشبه به مشبهاً بشرط أن يتضمن ذلك نكتة وسراً لطيفاً، كما هو المعروف عندهم في مبحث التشبيه بالمخلوق، وأجازه كثير من علماء العربية، والذي يظهر لنا: أنه أسلوب عربي نطقت به العرب في لغتها، إلا أنه يحفظ ما سمع منه ولا يقاس عليه، يعني ما سمع فقط هو الذي يحفظ ويستعمل، لكن لا يقاس عليه غيره، ومن أمثلته في التشبيه قول الراجز رؤبة : ومهمة مغبرة أرجاؤه كأن لون أرضه سماؤه يعني: كأن سماءه لون أرضه. وقول آخر: وبدا الصبح كأن غرته وجه الخليفة حين يمتدح الأصل تشبيه وجه الخليفة بغرة الصباح، فقلب في التشبيه ليوهم أن الفرع أقوى من الأصل في وجه الشبه، فهو يمدح وجه الخليفة لما يضيء ويشبهه بنور الصبح، وأيهما يكون أقوى بالشبه: المشبه أم المشبه به؟ المشبه به يكون أقوى، نقول: علي قوي كالأسد، مع أن الأسد أقوى، فالأصل أنه يشبه وجه الخليفة بنور الصبح، لكن أراد أن يوهم أن الخليفة نوره قوي جداً لدرجة أنه يشبه الصبح، فهو يوري بهذا القلب. قالوا: ومن أمثلة القلب في القرآن قوله تعالى: وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص:76] ، (وآتيناه) أي: قارون، (من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة) الذي ينوء بالمفاتيح هم العصبة، يعني: مجموعة من الرجال الأشداء الأقوياء، يعني: بمشقة كبيرة يستطيعون أن يرفعوا مفاتيح الخزائن، فهنا في القرآن الكريم جعل المفاتيح هي التي تنوء، فهذا من القلب؛ لأن العصبة من الرجال هي التي تنوء بالمفاتيح أي تنهض بها بمشقة وجهد لكثرتها وثقلها، فهذا مثال من أمثلة القلب. ومنه أيضاً قوله تعالى: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الأَنْبَاءُ [القصص:66]، يعني: عموا هم عن هذه الأنباء.

    قول الشنقيطي في التقشف والتوسع في المباحات

    يقول الشنقيطي : واعلم أن للعلماء كلاماً كثيراً في هذه الآية قائلين: إنها تدل على أنه ينبغي التقشف والإقلال من التمتع بالمآكل والمشارب والملابس ونحو ذلك، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفعل ذلك خوفاً منه أن يدخل في عموم من يقال لهم يوم القيامة: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا [الأحقاف:20]. والمفسرون يذكرون هنا آثاراً كثيرة في ذلك، وأحوال أهل الصفة وما لاقوه من شدة العيش. قال العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية: هو أنها في الكفار وليست في المؤمنين الذين يتمتعون باللذائذ التي أباحها الله لهم؛ لأنه تعالى ما أباحها لهم ليذهب بها حسناتهم، وإنما قلنا: إن هذا هو التحقيق لأن الكتاب والسنة الصحيحة دالان عليه، فالله تعالى يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، أما كون الآية في الكفار: فقد صرح تعالى بقوله: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ [الأحقاف:20]: هذا حاسم في الجواب، وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا [الأحقاف:20]. إذاً: الآية في الكفار، والقرآن والسنة الصحيحة قد دلا على أن الكافر إن عمل عملاً صالحاً مطابقاً للشرع، مخلصاً فيه لله، كالكافر الذي يبر والديه، ويصل الرحم، ويقري الضيف، وينفس عن المكروب، ويعين المظلوم يبتغي بذلك وجه الله؛ فإنه يثاب بعمله في دار الدنيا خاصة بالرزق والعافية ونحو ذلك، ولا نصيب له في الآخرة. ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16] وهذا واضح تماماً أنه في حق الكفار. وقال تعالى: وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى:20]، وهذا الثواب الدنيوي المذكور في هذه الآيات إنما هو بمشيئة الله وإرادته، كما قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا [الإسراء:18]. وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناته ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها)، وهذا لفظ مسلم في صحيحه. وفي لفظ له عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته). فهذا الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه تصريح بأن الكافر يجازى بحسناته في الدنيا فقط، وأن المؤمن يجازى بحسناته في الدنيا والآخرة معاً، وبمقتضى ذلك يتعين تعييناً لا محيد عنه: أن الذي أذهب طيباته في الدنيا واستمتع بها هو الكافر؛ لأنه لا يجزى بحسناته إلا في الدنيا خاصة؛ لأن الدنيا جنة الكافر، وأما المؤمن الذي يجزى بحسناته في الدنيا والآخرة معاً فلم يذهب طيباته في الدنيا؛ لأن حسناته مدخرة له في الآخرة، مع أن الله تعالى يثيبه بها في الدنيا، كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، فجعل المخرج من الضيق له ورزقه من حيث لا يحتسب ثواباً في الدنيا، وليس ينقص أجر تقواه في الآخرة، والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة. وعلى كل حال فالله جل وعلا أباح لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم الطيبات في الحياة الدنيا، وأجاز لهم التمتع بها، ومع ذلك جعلها خاصة بهم في الآخرة، كما قال تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32]، وتفسير ذلك في سورة الزخرف في قوله تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:33-35] . فقوله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الأعراف:32]، يعطيها للكفار في الدنيا، ولكن هي خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32] خالصة يوم القيامة للمؤمنين، فالدنيا يعطيها الله من يحب ويعطيها من لا يحب، وأما الدين فلا يعطيه إلا لمن أحب. فدل هذا النص القرآني أن تمتع المؤمنين بالزينة والطيبات من الرزق في الحياة الدنيا لم يمنعهم من اختصاصهم بالتنعم بذلك يوم القيامة، وهو صريح في أنهم لم يذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، ولا ينافي هذا أن من كان يعاني شدة الفقر في الدنيا كأصحاب الصفة يكون لهم أجر زائد على ذلك؛ لأن المؤمنين يؤجرون بما يصيبهم في الدنيا من المصائب والشدائد كما هو معلوم، والنصوص دلت على أن الكافر هو الذي يذهب طيباته في الحياة الدنيا؛ لأنه يجزى عليها في الدنيا فقط كالآيات المذكورة من قبل، وحديث أنس عند مسلم ، قد تم الكلام فيها عند تفسير قوله تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [الإسراء:19]. قوله تعالى: (( فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ )) يعني: الذل والصغار، (بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون): هذه الباء سببية، وما مصدرية، أي: تجزون عذاب الهون بسبب كونكم مستكبرين في الأرض وكونكم فاسقين. وأوضح ذلك في قوله تعالى: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:60]، وقال تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ [السجدة:20]، وقوله تعالى: فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأحقاف:20]، (بغير الحق): مع أنه من المعلوم أنهم لا يستكبرون في الأرض إلا استكباراً متلبساً بغير الحق، كقوله تعالى: وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [الأنعام:38] ومعلوم أنه لا يطير إلا بجناحيه، وقال تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ [البقرة:79]، ومعلوم أنهم لا يكتبونه إلا بأيديهم، وقال تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ [آل عمران:167]، ومعلوم أن القول لا يكون إلا بالأفواه، فهذا أسلوب من أساليب العرب نزل به القرآن الكريم، قال تعالى: فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ مع أن كل استكبار يكون بغير الحق، وهذا جارٍ على نفس هذا الأسلوب العربي.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755960922