إسلام ويب

أسباب تزكية النفسللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النفس جزء من الأجزاء الرئيسية التي يتكون منها الإنسان، وهذه الأجزاء الخمسة هي: الجسد، والروح، والنفس، والعقل، والقلب، وقد اهتم الناس بالجزء غير المهم وهو الجسم، أما الأجزاء الرئيسية الأخرى فقد أهملوها، والنفس هي من الأجزاء التي يجب الاعتناء بها وتزكيتها، لأنه ورد في القرآن ذكر النفس وثواب من زكاها، وقد تكلم الشيخ عن الأسباب التي تعين على تزكية النفس.

    1.   

    مكانة الجسد في الإسلام

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعد:

    أيها الأحبة في الله: النفس جزء من الأجزاء الرئيسية في هذا الإنسان، والإنسان يتكون من خمسة أجزاء رئيسية، ومن المؤسف جداً أن الناس لا يفهمون إلا جزءاً واحداً، وهو الجزء الغير مهم، أما الأجزاء الرئيسية المهمة التي لها أثر في تسيير حياة الإنسان، إما إلى النار وإما إلى الجنة، وإما إلى الهلاك وإما إلى النجاة، وإما إلى السعادة وإما إلى الشقاء، فهي مهملة في حياة الإنسان، ولا يعرف الإنسان إلا الشيء الذي لا يقوم به مدح ولا ذم، ولا يتعلق به نجاة ولا يتعلق به هلاك.

    هذه الأجزاء الرئيسية الخمسة أول جزء منها:

    الجسد:

    وهذا هو المعروف عند الناس، ولذا يحرص الناس على الجسد حرصاً شديداً، إذا مرض عالجوه، وإذا جاع أطعموه، وإذا عطش سقوه، وإذا برد أدفئوه، وإذا شرب بالحرارة بردوه، وإذا تعب أراحوه، المهم لا يعرفون إلا هذا.

    يا خادم الجسم كم تسعى لخدمتـه     أتعبت نفسك فيما فيه خسران

    أقبل على الروح واستكمل فضائلها     فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

    الجسد ما ورد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مدح لصاحبه، بل ورد العكس، ورد في مسلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم) هذه ليست محل نظر الرب، كون صورتك حسنة، وجسمك متين، أو قوي، أو كبير، أو أبيض، أو جميل، هذه لا تنفع عند الله (ولكن إلى قلوبكم وإلى أعمالكم).

    بل عاب الله عز وجل على المنافقين ضخامة أجسادهم قال: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4].

    وألغى الإسلام قضية الافتخار والاعتداد بالأجسام والألوان، والأعراق والأنساب، وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] والتقوى عمل قلبي، وعمل نفسي، وليست عملاً جسدياً.

    ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاء على مجتمع لا يقيم اعتباره إلا لهذه الأشياء، أعلن الوحدة للجنس البشري، وحطم هذه المعايير، وأقام المعيار الصحيح وهو التقوى، حتى انتشر هذا المفهوم في المجتمع الذي لم يكن يقبله ولا يمكن أن يقبله، لكن قوة التأثير -تأثير العقيدة- في تحويل النفوس البشرية أزاحته حتى جعلت عمر بن الخطاب وهو القرشي المخزومي يقول: [أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً سيدنا] سيد من بلال وهو عبد حبشي؟! يباع بيع الرقيق، اشتراه أبو بكر وأعتقه، صار سيداً لـعمر، بِمَ ساده؟! بالجسد! باللون الأسود! بالشعر المحبب! لا. لكن بالإيمان العميق، بالنفس المشرقة، بالقلب المنير، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إيه يا بلال! والذي نفسي بيده، إني لأسمع قرع نعليك في الجنة- بلال عبد حبشي، لكن رسول الله يسمع قرع نعاله في الجنة، وهو في الدنيا حي- فماذا تصنع يا بلال؟ قال: لا شيء يا رسول الله غير أني كلما أحدثت توضأت، وكلما توضأت صليت لله ركعتين).

    عبد في الأرض، لكن له ذكر في السماء له عمل دائماً على طهارة، دائماً في نظافة وفي تزكية، وكلما تطهر، صلى ركعتين، يصل الأمر بالسماء في كل لحظة وفي كل حين.

    وابن مسعود الهذلي راع من رعاة مكة، وليس له قيمة عند الناس، أمسك بأذنه أبو جهل لما سمع أنه أسلم، وكاد أن يقطعها من رأسه، وقال: صبأت يا رويعي الغنم، يقول: [فما رددت عليه، لا أقدر أن أقول شيئاً، ولو قال شيئاً لقتله، يقول: ثم أخذني وسحبني إلى الجدار، وأخرج مسماراً من جيبه، ودق أذني في الجدار، وعلقني بمسمعي في الجدار.

    يقول: وسال الدم، ومر الصبيان يضحكون عليَّ ولا أحد يستطيع أن يفكني، حتى مر أبو بكر رضي الله عنه ففكني ونزع المسمار والدم يسيل من أذني]. وتمر الأيام، وفي المدينة يصعد ابن مسعود إلى شجرة من أجل أن يأخذ سواكاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتهب الريح فتكشف عن ساقيه وكانتا دقيقتين، وكان جسمه قصيراً من أصغر الصحابة، فضحك بعض الصحابة وتبسم النبي صلى الله عليه وسلم من دقة ساقيه، وقال: (أتعجبون من دقة ساقي ابن مسعود ؟ والذي نفس محمد بيده لهما في الميزان عند الله أثقل من جبل أحد) هاتان ساقان دقيقتان، لكنهما تحملان قلباً قوياً.

    وبعض الناس ساقه مثل ساق الحمار لكنها لا تنفعه، وبعض الناس ساقه مثل ساق البغل لكنها لا توقظه للصلاة، يصول ويجول في الملعب وإذا جاء وقت الصلاة نام فلا يقوم، هاتان الساقان إلى النار، هذا جسم -والعياذ بالله- إلى جهنم، هذا نجم لكن حقه الرجم، هذا بطل لكنها بطل إلى النار.

    إن البطولة والنجومية والرفعة في أن تملأ هذا القلب بمفاهيم الكتاب والسنة، وتملأ هذا القلب بالإيمان، ثم تترجم هذه المفاهيم في سلوك وعمل واستقامة وعبادة ودعوة، وفي خير للناس وللأمة وللمجتمع. وتدور الأيام دورتها، وتأتي معركة بدر، ويخرج ابن مسعود مقاتلاً في جيش الإسلام، وما مر آخر اليوم إلا وأبو جهل يتشحط في دمه، قد ضربه معاذ ومعوذ ابني عفراء ، بضربتين مختلفتين، لكنه لم يمت، ما زال يلفظ أنفاسه، وإذا به يئن من الموت الذي في بطنه، فقد قطعوا بطنه بالسيوف، فقام ابن مسعود على صدره، وأخرج سيفه وأمسك بلحيته، فقال له أبو جهل: لقد ارتقيت مرتقىً صعباً يا رويعي الغنم، يقول: صعدت على مكان لا أحد يصعد عليه -على صدره- قال: فإذا قطعت رأسي فأطل عنقي، أي: لا تقطعني من أعلى الرقبة، اقطعني من أسفل الرقبة، حتى يكون الرأس كبيراً بالرقبة يريد أن يكون رأسه كبيراً حتى وهو ميت، انظروا الكبرياء والأنفة -والعياذ بالله- الغطرسة حتى في الموت، فقام وجز رأسه ثم سحب رأسه يريد أن يذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بموت عدو الله -فرعون هذه الأمة- فما استطاع أن يحمله؛ لأن ابن مسعود رجل صغير، والرأس هذا رأس ثور -رأس كبير- لا يحمله إلا اثنان من الرجال، فقام وأخرج السيف وخرم في مسمع أبي جهل وربطه بحبل، وأخذ يدهد رأسه وراءه، حتى رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في السقيفة في العريش، ولما رأى الرأس قال: (ما هذا يا ابن مسعود؟! قال: هذا رأس عدو الله أبو جهل، قال: يا ابن مسعود! الأذن بالأذن، والرأس زيادة).

    أي: مسمع في مكة بمسمع هنا، والرأس مكسب؟ خرم أذنك وأنت خرمت أذنه والله أعطاك رأسه فوق هذا، هذا ابن مسعود دقيق الساقين، والجسد لا يعمل على خدمته إلا بمقدار ضرورته، لا نقول: لا تخدم الجسم، لا. اخدم الجسم، أنت مأمور بهذا، أنك إذا مرضت تتعالج، وإذا جعت تأكل، هذا من الدين، لكن ركز على الأجزاء المهمة فيك.

    1.   

    أهمية الروح في الحياة

    الجزء الثاني: الروح، والمقام ليس مقام تفصيل في هذه الأشياء؛ لأن الموضوع آخر، والروح هذه سر من أسرار الله لا يعلمه البشر: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85] ولا تعرف البشرية من أمر الروح شيئاً، إلا أنها تصعد، قال عليه الصلاة والسلام: (أول ما يتبع الروح البصر).

    و لهذا ترى الميت إذا خرجت روحه يشخص بصره، فمن السنة أن تغمض بصره، هذه أوصاف ثبتت بالسنة، لكن كنه الروح وحقيقة الروح، إذا نمت أين تذهب روحك؟ الروح في جسدك ملازمة لك مثل الكهرباء في هذا الجهاز الذي تشغله، إذا لم توجد كهرباء لا يشتغل الجهاز.

    جسدك إذا لم تكن فيه روح لا يشتغل، الجهاز البصري موجود، لكن إذا خرجت الروح هل تشتغل العين، العين هي التي ترى، لكن المشغل للعين: والروح إذا مات الإنسان عينه موجودة لكنه لا يرى، وأذانه موجودة لكنه لا يسمع، وأنفه موجود -جهاز الشم- لكنه لا يشم، وقلبه موجود -جهاز ضخ الدم- لكنه لا يعمل.

    ولهذا الآن في عمليات زرع الأعضاء، إذا مات الإنسان أخذوا قلبه ووضعوه في وحدة ثانية، ويشتغل قلبه، لماذا يشتغل هنا ولا يشتغل هناك؟ لأن المشغل هناك موجود وهو الروح، إذاً الحياة أين هي؟ في القلب، أو في الرئة، أو في الكبد، أو في الكلى، أو في الجسد كله؟

    الحياة بالروح، ما هي الروح؟ سلوا البشر الآن في جامعات الطب، وفي أشهر مستشفيات الدنيا، وتحت المجاهر، تعرفون الروح؟ قالوا: لا. ولو أن الروح شيء يمكن الوصول إليه لكان الناس قد وصلوا إليه؛ لأنهم قد وصلوا إلى ما لا يمكن أن يوصل إليه، اكتشفوا الفيروسات والجراثيم عبر (مكرسكوب إلكتروني) وفيه راديو بالموجات، يكبر، أنا رأيت بعيني في أحد المستشفيات عبر مكبر يكبر ثلاثة مليون مرة، أي: الملي يجعله ثلاثة كيلو، ووضع أمامي الأخ شريحة عليها عينة بسيطة، وإذا بعالم من الجراثيم لا يعلمه إلا الله، فلو أن الروح يمكن أن ترى أو أن تكشف، لكان الإنسان قد اكتشفها، ولكن قال الله: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85].

    وقد قرأت في بعض المجلات أن عالماً من علماء الغرب، أجرى تجربة على حياة إنسان يلفظ أنفاسه، ووضعه في صندوق زجاجي وأجرى له وسائل الحياة وجعل يرصد حركته بحيث يعرف أين تذهب الروح، والأجهزة تعمل، وتخرج الروح ولا يدري أين ذهبت، أنت الآن إذا أتيت تنام، تموت وتخرج روحك، لكنها موتة صغرى، يقول الله عز وجل: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42] أي: التي لم تمت يتوفاها وسمّاها الله وفاة، يتوفاها في منامها: فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى [الزمر:42].

    أي: التي في النوم إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً [الزمر:42] ولهذا ورد في الحديث: (أنك إذا وضعت جنبك، تقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي - إن كانت آخر نومة- فارحمها، وإن أرسلتها، فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) وفي حديث آخر: (باسمك اللهم أموت وأحيا ) ، (الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور).

    فالنوم موت، لكنه موت أصغر، فما معنى موت أصغر؟ قالوا: تخرج الروح، لكنها لا تذهب بعيداً، بل تخرج خروجاً جزئياً قريباً من الجسد، ويبقى الجسد موجوداً، فأنت تضع أمام عين النائم ألواناً فلا يراها، وتضع عند أنف النائم عطراً فلا يشمه، تحدث أصواتاً بسيطة عند أذن النائم فلا يسمع، تتكلم عنده وهو نائم فلا يسمع، لماذا؟

    لأن الروح ليست موجودة؟ أينها؟ هي قريبة، فإذا كنتم تريدونها تأتي تقولون: فلان فلان انهض، فيستيقظ، ضع له رائحة يشم، ضع له منظراً يرى، وأين كان؟ كان موجوداً قريباً، وأنا أشبهها -وقد قلت هذا في مناسبة- مثل الإجازة القصيرة؛ الروح انفصالها عن الجسد في حالة النوم مثل الموظف الذي يعطى إجازة عن عمله لكنهم يأخذون رقم التليفون، إذا أرادوه قالوا: اتصلوا به.

    أما انفصال الروح عن الجسد بالموت مثل الفصل، فصل الروح عن الجسد لا تعود إلا يوم القيامة، هذا الجزء الثاني.

    1.   

    النفس وأهميتها

    الجزء الثالث من الأجزاء الرئيسية: النفس:

    وهي موضوع المحاضرة: أسباب تزكية النفس.

    وأذكر الرابع: العقل، والخامس: القلب، ولسنا بصدد الحديث عنهما، ولكن الحديث سيكون فقط عن النفس.

    ذكر النفس في القرآن الكريم

    النفس جاء ذكرها في القرآن الكريم، وهي من أهم أجزاء الجسد، وعلى ضوء صلاحها وتزكيتها، يكون مصير الإنسان، أو هلاك الإنسان إذا كانت غير صالحة، أقسم الله بها في كتابه، قال عز وجل : وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:7-10].

    وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا يقسم الله بالنفس وما سواها، أي: والذي سواها وهو الله.

    فألهمها: أي: فطرها، كل نفس ملهمة هذين الأمرين: فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا كل نفس قادرة على أن تسلك سبيل الفجور، وقادرة على أن تسلك سبيل التقوى، لكن من الذي يحدد الاتجاه إلى الطريق السليم أو الطريق الخطأ، أنت: قد أفلح.. قد فاز.. قد نجا من زكاها.. من صعد بها.. من طهرها.. من نقاها.. من اعتنى بها.. قد أفلح من زكاها.

    وقد خاب: خسر أو هلك -والعياذ بالله- من دساها، دنسها.. قذرها.. وسخها.. مرغها.. كل العبارات السيئة يمكن أن تضيفها في هذا الجانب.

    قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ومن الذي يزكي نفسك ويدسيها؟ أنت، ولا تتصور أن أحداً غيرك يمكن أن يقوم بهذه المسئولية، ولهذا جعل الله الجزاء يوم القيامة على هذا، تستحق الجنة، إذا زكيت نفسك، ومتوعد الوعيد في النار إذا دس العبد نفسه، وأقسم الله عز وجل بها في قوله عز وجل: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2].

    قوله: (ولا) لا عمل لها، أي: أقسم بيوم القيامة، وأقسم بالنفس اللوامة، ويخبر الله عز وجل في كتابه الكريم أن دورك في عملية هذه النفس هو المجاهدة والنهي لها والرفض لكل حركاتها، وقصرها على الطاعة، هذا دورك أنت، يقول الله عز وجل: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41] اللهم إنا نسألك من فضلك يا أرحم الراحمين، كم هو عظيم أن يكون مأواك ومأواي الجنة، اللهم إنا نسألك من فضلك يا أرحم الراحمين.

    إذا قلت مأواك (الفلة) مأواك المزرعة .. العمارة، لكن مأواك الجنة، عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فيها القصور العالية، فيها الأنهار الجارية، فيها الثمار اليانعة، فيها الزوجات الجميلات، فيها ولدان مخلدون، وبعد ذلك أبد الآبدين، ليس ستين أو سبعين سنة ثم تخرج.

    إذا نزلت من العمارة وسكنت فيها ستين سنة، أنزلوك على رأسك، لكن في الجنة: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا [المائدة:37] خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً [النساء:57]، في نعيم لا يتصوره العقل، يقول الله عز وجل: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17] كل ما خطر، اذهب بخيالك كل مذهب، وتصور كل نعيم ثم قف بخيالك، عاجزاً أن تتصور ما في الجنة من النعيم، وأعلى نعيم في الجنة وأعظم نعيم في الجنة النظر إلى وجه الله الكريم، في الدار الآخرة، هل هناك أعظم من هذا النعيم؟ نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهله، اللهم متع أبصارنا بالنظر إلى وجهك الكريم في الدار الآخرة يا رب العالمين.

    تفسير كلمة الهوى

    هل هناك أعظم من سماع خطاب رب العالمين في الجنة؟ يقول عليه الصلاة والسلام: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) يكلمك رب العالمين، من أنت؟ أي رفعة وأي عزة؟ وأي مكان أعظم لك من أن تكون طرفاً في مناقشة وفي محادثةٍ الله الطرف الثاني فيها؟ وأي فخر وأي عزة -أيها الإخوة- لماذا نضيع هذا؟ ومتى تناله؟ بهذا الشرط: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [النازعات:40] فقط خاف مقام الله، خاف وقوفه بين يدي الله، فاتق الله وضع بينك وبين عذاب الله وقاية، وبعد ذلك انه النفس عن الهوى، ما هو الهوى؟ المزاج. الذي يقول أكثر الناس الآن: على مزاجي، أو على هواي، لا. لست على كيفك ولا على مزاجك، ولا على هواك، أنت على مراد خالقك ومولاك، أنت على مراد ربك، أنت عبد مقهور لمعبود قوي قهار، أمرك ونهاك، لم يدع في حياتك جزئية من جزئياتك إلا وعليها أمر ونهي، كل حركة من حركاتك عليها أمر ونهي، منذ أن تفتح بصرك، من يوم أن تستيقظ إلى أن تغمض بصرك وأنت نائم، ما تنفك عن أمر لله أو نهي لله.

    حتى المباحات ليس لها علاقة في الدين، افعلها أو لا تفعلها، لكنك إذا فعلتها بنية حسنة تتحول إلى دين، يقول عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة) ويقول: (تبسمك في وجه أخيك صدقة) ويقول: (إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة) كل هذا تعظيم من الله سبحانه وتعالى لشأن هذا الإنسان.

    وقد كنت مرة من المرات، أجلس مع رجل في بلد إسلامي في مؤتمر للإعجاز العلمي، ومعنا رجل كافر من أشهر أهل الأرض في علم الجولوجيا وهو من إحدى البلدان الغربية، وألقى محاضرة على الناس، ودلل بالدليل العلمي عن طريق الشرائح والأبحاث والصور التي التقطت عن طريق الأقمار الصناعية، والتي تغوص حتى في باطن الأرض، دلل على أن كل جبل في الدنيا له وتد في الأرض، وقرأ قوله تعالى: وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً [النبأ:7] الجبال أوتاد لتثبيت الأرض: وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النحل:15].

    أي: لئلا تميد بكم، لولا الجبال كانت الأرض تميد، لكن الله أرساها: وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا [النازعات:32].

    ثبت الأرض بالجبال، وكل جبل جزئين منه فوق وثلاثة أجزاء تحت، إذا وضعت وتداً للخيمة أي جزء أكثر في الأرض فوق أو تحت؟ الذي تحت، لو جعلت -مثلاً- الجزء الأعلى سقطت الخيمة، لكن تثبت الخيمة بوضع ثلثي الوتد أسفل، وهذا الذي يحصل الآن في الجبال.

    وعندما انتهى من المحاضرة سألت الذي بجانبي، وكانت المحاضرة مترجمة وعندي جهاز يترجم، قلت: هذا آمن بلسانه، كلامه كله يدل على الإيمان حتى القرآن قرأه، هذا مسلم؟ قال: لا. لم يسلم إلى الآن، فقلت في نفسي: سبحان الله! سبحان الله! يقول الله: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا [الأعراف:146].

    ثم سبحان الله في ثالث ليلة وكنا في المطعم، جلست أنا وأحد الإخوة نتعشى فعرف ذاك، قال: لنذهب نتعشى معه -وكان وحده- قلت: لا والله لا أذهب معك، كيف آكل مع كافر؟ قال: لنذهب يا أخي! ندعوه إلى الإسلام، قلت: ليس عندي مانع، فقمنا وأتينا إليه وجلسنا فعرفه بي وقال: فلان من السعودية ويدعوك إلى الإسلام، وقد أعجب بمحاضرتك، وسمع استشهاداتك العلمية، فقال لي -انظروا شبهته، شبهة بسيطة جداً هي التي أوقفته عن الإسلام- يقول: أنا أعرف أن الإسلام هو الحق، وأن هذا القرآن من عند الله، وأن الرسول نبي من عند الله، إذ لا يمكن أن يعرف هذا الكلام إلا رسول موحى إليه، ولكني أكره في الإسلام شيئاً واحداً، وهو: أن الإسلام يتدخل في جزئياتي الشخصية، يجعلني آكل نوعاً معيناً من الطعام، وأترك أنواعاً، ويجعلني آتي نوعاً من النساء وأترك أنواعاً، وأنا إنسان أحب أن أكون حراً آكل ما أشاء وأرفض ما أشاء، وأنكح من أشاء، قلت: هذه فقط، قال: فقط، قلت: قل له: نحن المسلمون نعتبر هذا وساماً نعلقه على رءوسنا، أن الله يكرمنا لدرجة أنه يحدد لنا أمورنا بحيث لا نأكل إلا بأمره، بدلاً من أن آكل بشمالي آكل بيميني، ومن الذي أمرني أن آكل بيمني؟ ربي، هذا شرف أم ليس بشرف؟ شرف أن الله يأمرك كيف تأكل، بل يعلمك كيف تدخل الحمام وكيف تخرج من الحمام، أي عزة للإنسان نالها في ظل الإسلام.

    ثم قلت له: هذه الشهوات التي تتمتع بها، وهذه الأمور أليس فيها طيب وغير طيب؟ بالعقل وبصرف النظر عن الدين.

    قال: نعم.

    قلت: أي شيء حرمه عليك الشرع والدين وهو طيب؟ وأي شيء أباحه لك الشرع وهو غير طيب؟

    قال: لا يوجد. لأنه يعلم أن الزنا حرام وخبيث يجر إلى الإيدز وإلى الفساد.

    وآخر ما قرأت في مجلة أن في بلد إسلامي -قريب- فيه فنادق تمارس فيها الجرائم، وبعد ذلك صدر أمر بالقبض على البغايا، وحللوا فوجدوا إحدى وثلاثين منهن يحملن فيروس الإيدز، الذي يأتي عن طريق الزنا، والعلاقات المحرمة والعياذ بالله.

    فالله عز وجل لم يحرم الزنا وفيه خير: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] فاعترف الرجل لي أن كل ما أحله الله طيب، وكل ما حرمه الله خبيث، لكن: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:41].

    نهي النفس عن الهوى

    النفس هذه مهمتك أن تنهاها عن الهوى والمزاجية، وأن تخضع الهوى للشرع، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) هذا معيار، هل هواك الآن ومزاجك تبعاً لما جاء به الرسول أم ما جاء به الرسول تبعاً لهواك؟ بعض الناس الآن ما جاء به الرسول من الدين تبعاً لهواه، إن أراد شيئاً أخذه وإن لم يرده تركه، ولهذا يصلي الظهر في الدوام، ولا يصلي الفجر في المسجد، ولا يصلي العصر في المسجد، لماذا؟ لأن صلاة الظهر توافق الهوى؛ لأنه يريد أن يتخلص من المكتب ويذهب يتطهر ويجلس ويتأنى ويصليها من وقت الدوام، ولهذا لا أحد يترك صلاة الظهر في المسجد.

    لكن اختبره بصلاة العصر، إذا خرج الساعة الثانية والنصف من الدوام، ووصل البيت الساعة الثالثة إلا ربع أو الثالثة تماماً، وتغدى وملأ بطنه، ثم أذن العصر، فهنا يكون الإيمان الصادق، هل ما جاء به الرسول هو الذي يحكمك، أم الهوى؟ وإن كنت قد نمت وتركت الصلاة فالذي يحكمك هواك، وهو ليس تبعاً لما جاء به الرسول، ولكن ما جاء به الرسول تبعاً لهواك، أخذت منه صلاة الظهر وضيعت العصر، وبعد ذلك يقوم الساعة الرابعة والنصف أو الخامسة ويقعد يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً، ثم ذهب يصلي المغرب، والعشاء ربما، لكن إذا بحثت عنه في الفجر لا تجده، ما هذا الانتقاء؟ كأنه ينتقي ويختار، وكأنه يخطئ الواحد القهار، فيأخذ الذي يناسبه، ويترك الذي لا يناسبه، هذا ليس بدين، ولهذا يقول الله: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103] أي: معلوماً مفروضاً محدداً.

    ليس لك حق أنك تأخذ الذي تريد وتترك الذي لا تريد، أنت عبد، والله يقول: انهض الساعة الرابعة والنصف للصلاة فتجعلها الساعة السابعة من أجل الدوام، وتقوم تصلي وتذهب للدوام، وإذا لم يكن هناك دوام فإنه لا يصلي إلا الساعة العاشرة؛ لأن الخميس والجمعة ليلة سهرة، وصلاة الفجر الله يرحمها، ما هذا -أيها الإخوة-؟! (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه -مزاجه، فكره- تبعاً لما جئت به) ويقول عز وجل: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23] اتخذ إلهه هواه ليس مولاه، ولا خالقه ولا سيده، فماذا حصل لما اتخذ إلهه هواه: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ [الجاثية:23] أضله الله على علم؛ لأنه اتخذ إلهه هواه، ولو أنه اتخذ إلهه مولاه لهداه الله، لكن لما اتخذ إلهه هواه أضله الله: وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ [الجاثية:23] ختم على سمعه فلا يسمع كلام الله، وإن سمع لا يدخل، تصبح أذنه فيها وقر، يسمع كلام الله فلا يبالي كأنه يكلم غيره، وقلبه مقفل لا تدخل فيه موعظة: وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً [الجاثية:23].

    غشاوة أي: حواجز لا يرى بسببها طريق الخير، ولا يرى طريق النور، ويراها بصورة غير صحيحة، قال عز وجل : فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [الجاثية:23] من أين يأتي هذا كله؟ نتيجة اتخاذك للهوى إلهاً من دون الله عز وجل.

    دور الإنسان أمام نفسه

    أقول: ما هو دورك أمام هذه النفس؟ دورك أمامها الحرب، إن أردت النجاة، فأعلن الحرب على النفس، وقل لها: يا نفس! لا بد من أن نعرف كيف نتعامل معك؟ وأن نخضعك غصباً لأمر الله، النفس من طبيعتها أنها تحب الدعة وتكره القيود، وتحب الشهوات وتكره الطاعات، وتحب النوم وتكره الصلاة، وتحب الأغاني وتكره القرآن، وتحب الدخان وتكره الطيبات، لماذا؟ لأنها نفس أمارة بالسوء، تحب هذا كله، لكن أنت ما دورك مع النفس؟ أن تأخذها بصوت التربية والتهذيب، ولا تكن عبد نفسك.

    يقول ابن القيم رحمه الله: الناس رجلان، رجل امتطى نفسه فجعلها فرساً له يسير بها في طاعة الله، ورجل ركبت عليه نفسه فجعلته حماراً لها تسيره في معصية الله.

    ولهذا بعض الناس حمار نفسه، تقول له: أين أنت؟ قال: والله نفسي قالت: أسهر الليلة في الفندق، والليلة الثانية يقول: نفسي الليلة أسهر على فلم .. نفسي تقول لي أن أنام، عجيب هذا! نج نفسك إذا مت، دعها تنفعك ذاك اليوم: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ [النازعات:40].

    وأنت جالس على نفسي نفسي، لا. خالف النفس، لابد من مخالفة النفس ومحاربة النفس ومعاداة النفس حتى تستقيم على أمر الله.

    أنواع النفوس

    النفوس كما ذكرها ابن القيم ، ثلاثة أنواع: نفسٌ أمارة بالسوء، ونفسٌ لوامة، ونفسٌ مطمئنة، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم، متى تكون أمارة؟ ومتى تكون لوامة؟ ومتى تكون مطمئنة؟ قال ابن القيم رحمه الله: النفس الأمارة بالسوء هي: نفس الإنسان بالبداية؛ لأنها تريد أن تهلكك، فهي تأمر بالسوء، وليست آمرة، لا. أمّارة، وعلماء اللغة يقولون: هذه العبارة تعني: المبالغة، عندما تقول: فلان يأكل، لكن إذا قلت: فلان أكّال، أي: لا يترك شيئاً، فلان لاعب لكن فلان لعّاب، صيغة مبالغة.

    هذه النفس ليست آمرة، بل أمَّارة، أي: شأنها باستمرار، أن تأمر بالسوء، والسوء أي: السيئات، والمعاصي، والشرور، والآثام.

    وأعطيك مثالاً الآن، في رمضان إذا وقفت بعد الإمام في صلاة التراويح، كم يصلي أكثر الأئمة؟ عشر ركعات أو ثمان ركعات، وفي الحرم يصلون عشرين ركعة، والصلاة لا تستغرق أكثر من ساعة، كيف تدخل نفسك عليك في هذه الصلاة؟ وتضخمها وتطولها وتهولها، وإذا أكملت التسليمة الأولى، أتت النفس وقالت: يالله، بقي تسع ركعات من يقوم لها ويقعد؟ وكل قليل تراه ينظر في الساعة، ويقدم رجلاً ويؤخر أخرى، وإذا ركع رجم بنفسه من أعلى، وإذا قام الإمام من التسليمة الثانية جلس إلى أن يقرأ الإمام الفاتحة، وبعضهم يجلس إلى أن يركع الإمام ثم يقوم.

    من أجل ساعة لله كيف تفعل النفس؟ وعندما تكمل صلاة التراويح، ويخرج إلى السوق، والزوجة الله يكرمك تقول: ما عندي حذاء خذ لي حذاء، وأين تذهب بها؟ في سوق الأحذية الأوروبية، وتدخل من معرض إلى معرض ومن دكان إلى دكان، وبعد ذلك تخرج وتقول: لم أجد المطلوب، وتصل البيت تنظر الساعة من الساعة الحادية عشرة إلى الساعة الثانية، ثلاث ساعات من أجل حذاء وما تعبت، وساعة من أجل الكبير المتعال وخرجت وأنت متعب.

    يقول بعضهم: يا شيخ! الإمام هذا فتان، والله ما أكمل الصلاة إلا وقد كسر ظهورنا، الله يكسر ظهره، الله ينصرنا عليه، والله لا أصلي معه، لماذا؟

    قال: يا شيخ! هذه ليست تراويح، هذا تهجد، يتهجد بنا من أول رمضان، لا إله إلا الله! انظر نفسك أمام مشاهدة كرة القدم، إذا انتهى الوقت النظامي للمباراة، وهو تسعون دقيقة، والمباراة على كأس والفريقان متعادلان، يتمنى كل مشاهد ألا يدخل جول في تلك اللحظات، لماذا؟ قال: من أجل التمديد لوقت إضافي، لكي نرى كذلك نصف ساعة كرة، وهم وقوف في المدرجات، يصلون لكن للكرة، لماذا النفس تجعلك هنا ولا تجعلك هناك؟

    إنها أمارة بالسوء، خذ صحيفة وخذ مصحفاً، الصحيفة تقرؤها حرفاً حرفاً، من أولها إلى آخرها، والمصحف من أول ما تراه، بعضهم يقول: شكراً ما نريد، الحسنات كثيرة لا نريد قرآناً.

    لكن ما هو دورك أنت مع نفسك؟ دورك أن تتدخل، تأتي النفس تقول لها: الصلاة فتقول: إنها متعبة، تقول: لا. صلي، والله لن تخرجي إلا بعد آخر ركعة، يقول لي أحد الإخوة من إخواننا الشباب جزاه الله خيراً، يقول: سمعت درساً لك، وآليت على نفسي أني لا بد أن أربيها، وقلت: أول تربية لها في رمضان، يقول: لأول مرة في حياتي أصلي عشرين ركعة في الحرم، يقول: كنت أصلي تسليمة أو تسليمتين وبعد ذلك أخرج، وإذا تقويت ثلاثاً أو أربعاً، لكن أكمل عشرين ركعة، هذا مستحيل في حياتي، يقول: وفي أول ليلة من رمضان، قلت: والله لو تكسرت تكسيراً سوف أصلي عشرين ركعة، يقول: وصليت وجاء آخر رمضان والله ما وسوست لي ولا قالت لي كلمة؛ لأنها عرفت أن معها رجلاً، لكن لو أنه جلس يماليها ويشاورها، قالت: نم.

    الآن شارب الدخان، هل يستطيع أن يشرب الدخان في نهار رمضان؟ لا يفكر أبداً؛ لأنها عرفت أنه مصمم لا يقرب الدخان، لكن إذا أفطر وأذن للمغرب وأتى بتمر، تأتي النفس وتقول: واحدة فقط، وقام يدخن، ويشرب، لماذا ما أتته في العصر أو الظهر؟ لأنها علمت أنه لا يطيعها، وهذه النفس كما يقول البوصيري:

    النفس كالطفل إن تهمله شب على     حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

    فاصرف هواها وحاذر أن توليه     إن الهوى ما تولى يَصم أو يُصم

    أمثلة من حياة السلف على مجاهدة النفس

    أحد السلف، وهو صلة ابن أشيم العدوي ، الشهيد ابن الشهيد، كان في الجهاد، ومات شهيداً، وكان يقوم في الليل، ويجاهد في النهار، كانوا فرساناً في النهار رهباناً في الليل، يقال عنه: أنه كان إذا قام من الليل ثم فتر، أخذ السوط وقام يضرب رجليه، ويقول: والله إنك لأحق بالضرب من دابتي، تتعبين من الصلاة، فتقوم رجله تصلي، إما صلاة وإما ضرب.

    هؤلاء الرجال يا إخواني! وهؤلاء الأبطال، هم الذين عرفوا كيف يربون أنفسهم، يقول ثابت البناني: [جاهدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة، وتلذذت بها عشرين سنة أخرى].

    ويقول سعيد بن المسيب : [والله ما نظرت إلى ظهر مصلي أربعين سنة] في الصف الأول، لا يُعرف وجهه، ولا سمع الأذان من خارج المسجد أربعين سنة، ما يؤذن المؤذن إلا وهو في الروضة إلا ليلة واحدة سمع الأذان من خارج المسجد وهي ليلة زفاف ابنته على أبي وداعة ، وأبو وداعة تلميذ من تلاميذه، ماتت زوجته، ولما توفيت جلس في عزائها ثلاثة أيام فافتقده الشيخ سعيد بن المسيب إمام التابعين، فقال: [أين أنت؟ قال: توفيت زوجتي وجلست في عزائي والتجهيز لها، قال له: أتريد زوجة؟ قال: من أين؟ -فقير ما عنده شيء- قال: أزوجك ابنتي، ترضى؟ قال: نعم. أرضى] ومن الذي لا يرضى أن يتزوج بنت سعيد بن المسيب وقد خطبها أمير المؤمنين الخليفة الأموي لولده، وجاء بعشرات الجمال محملة بالذهب والفضة والملابس، ولما وصلت إلى المدينة ، ردها وقال: ابنتي مخطوبة، لا نريد أن نزوجها، ثم زوجها لـأبي وداعة ، وعقد له ذاك اليوم بعد العصر، وراح أبو وداعة إلى البيت، ولما جاء بعد المغرب، تذكر سعيد بن المسيب أن أبا وداعة، سينام هذه الليلة وليس عنده زوجته، وهذه زوجته عنده ولا يجوز أن يبقيها في بيته، فقال للبنت: انهضي، قالت: أين؟ قال: زوجتك بأحد التلاميذ، ولا بد أن تنامي هذه الليلة في بيته، قالت: حسناً.

    ما قال له: نريد قصر أفراح، ونريد شرعة باثني عشر ألفاً، ثم في النهاية يطلقها بعد شهر؛ لأنه زواج قام على غير طاعة الله، وما قال: نريد قصراً فخماً، وستين خروفاً، وأربعين أو خمسين سيارة، وسيارة مزينة يلبسونها بعشرة آلاف، زينة السيارة! أين هذه العقول الضالة؟

    انظروا هذا الرجل العظيم قال لابنته: انهضي، وذهبت معه في يده حتى وصل إلى باب أبي وداعة وطرق الباب وهو يؤذن للعشاء، قال: [من بالباب؟ قال: سعيد ، قال: من سعيد ؟ -يقول أبو وداعة : تصورت كل سعيد في الدنيا إلا ابن المسيب ؛ لأن هذا الوقت ما هو في البيت في المسجد- قال: سعيد بن المسيب ، قال: ففتحت الباب، يقول: فلما فتحت الباب، أخذ البنت ودفعها من ظهرها، وقال: هذه زوجتك، ذكرنا أنك تنام هذه الليلة عزباً فكرهنا، خذ بارك الله لك] فدخلت بنت سعيد بن المسيب ، وجلس معها أياماً، ولما أراد أن يذهب إلى بيت الشيخ سعيد من أجل أن يطلب العلم، قالت: إلى أين؟ قال: إلى الشيخ سعيد ؟ قالت: ولم؟ قال: أطلب العلم، قالت: اجلس فعندي علم سعيد . تقول: الذي عند سعيد هو في رأسي، كان يربيها على الدين، ما رباها على الفساد، ولا أحضر لها دشاً من أجل أن يمطرها بما في الأرض من فساد، كما يفعل بعض الآباء اليوم فيذهب يشتري دشاً بخمسة عشرة أو بعشرين ألفاً ويضعه فوق بيته من أجل أن يغرق زوجته ويغرق ابنته ويربيهم إلى آخر الليل وهم يطاردون الإذاعات والقنوات، من قناة إلى قناة، كلما أغلقت قناة حولوا قناة أخرى، حتى أن بعضهم إذا جاء ينام، لا يستطيع أن ينام، لا يستطيع أن يغمض عينه، قد يبست عينه، ثم يغمضها حتى تغمض وصلاة الفجر الله المستعان لا حول ولا قوة إلا بالله! فلا بد -يا إخوة- من مجاهدة النفس.

    الأنفس كما قلت ثلاثة:

    أولاً: أمّارة بالسوء: وهي نفس الإنسان في بداية الطريق، وبعد ذلك إذا رأت أنه رباها، اعتدلت وصارت تأمر بالخير، لكنها أحياناً تسقط وتأمر بالشر، لكن تلومك على فعل الشر، ثم بعد ذلك إذا ربيتها أكثر ترفعت، وصارت نفساً مطمئنة، وإذا أصبحت مطمئنة لم يكن لها مكان في الدنيا إلا الجنة، يقول الله: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].

    1.   

    أسباب تزكية النفوس

    وموضوع الدرس هو (أسباب تزكية النفس) كيف تزكي هذه النفس؟ خذوا الأسباب:

    تلاوة كتاب الله

    السبب الأول: تلاوة كتاب الله الكريم:

    أعظم علاج لهذه النفوس، وأعظم دواء لهذه القلوب، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:57-58].

    هذا هو العلاج الرباني والدواء الإلهي لأمراض النفوس، كتاب الله، ويوم أعرضت الأمة عن كتاب الله مرضت وتدهورت، بل ماتت إلا من رحم الله، تصور أنك إذا قرأت القرآن شافى الله قلبك ونفسك، أجل علينا أيها الإخوة بالعودة الصادقة إلى كتاب الله.

    أولاً: قراءة القرآن بالتجويد والترتيل؛ لأن الله أنزل القرآن هكذا، لا يقرأ كما تقرأ الصحيفة لا. لا بد أن تقرأ القرآن بالترتيل، يقول الله: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً [المزمل:4] لا بد من الترتيل، ويقول ابن الجزري في منظومته:

    والأخذ بالتجويد حتم لازم     من لم يجود القرآن آثم

    لأنه به الإله أنزلا     وهكذا منه إلينا وصلا

    وهو أيضاً حلية التلاوة     وزينة الأداء والقراءة

    الآن إذا قرأ رجل بتجويد، وقرأ آخر بدون تجويد، ما رأيكم بالقراءتين؟ ومعنى تجويد أي: تحسين وضبط.

    عندما تقول للعامل وهو يبني لك جداراً، تقول: جوِّد البناء، جوِّد المكان، أي: أتقن، كذلك القرآن هو أولى بالإتقان، وأولى بالتجويد، فأولاً: يجب أن تعود إلى القرآن عن طريق شيخ، والحمد لله لقد قامت الحجة على العباد، ما من مسجد إلا وفيه عالم يدرس القرآن للأطفال والكبار، قالوا: الكبار مشغولون، نقول: القرآن ما أنزل لمخاطبة الصغار -يا إخواني- القرآن هذا للأمة كلها كبيرها وصغيرها، يجب أن يجلس الكبير والصغير والشيخ والطفل كلهم عند ركب العلماء لتعلم القرآن، وهل لك عمل غير كلام الله؟ أي: ما تتجرد أن تكون مشغولاً بالقرآن، مشغول بالجلوس في الدكاكين وفي مكاتب العقار، وفي الشوارع، وعلى رءوس الطرقات، مشغول بمتابعة الأخبار والمباريات، هل هذا شغل؟ أشغل نفسك بكلام الله، إنها والله مصيبة على الأمة، أن تعزف عن القرآن.

    فمرضت النفوس بأسباب عدم التداوي بالقرآن الكريم، ولذا نقول لكل مسلم من الآن: برمج أيامك ووقتك، بين المغرب والعشاء، لا تشتغل بعمل، ولا تذهب إلى وليمة ولا تذهب إلى سوق ولا إلى مكان إلا في المسجد، ابدأ بالحفظ؛ لأن الله عز وجل أثنى على الذين يحفظون القرآن، قال الله عز وجل : بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49] اللهم اجعلنا وإياكم منهم.

    وأشراف الأمة هم حفظة القرآن الكريم، ومن حفظ القرآن فقد استدرج النبوة غير أنه لا يوحى إليه، والله أثنى على القراء في قوله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر:29] كل تجارة معرضة للربح والخسارة إلا التجارة مع الله لن تبور، ما هي التجارة؟ قال عز وجل : لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:30] قراءةً وحفظاً وعملاً وتطبيقاً ودعوةً.

    يقول لي أحد المسئولين في أحد السجون: كان عندهم سجين محكوم عليه بعشرات السنين في قضية مخدرات، يقول: وفشلت كل وسائل التوجيه والضرب والتعزير له عن السلوك السيئ في السجن فهو شرير، ويضاف -أيضاً- فله سنوات على ما هو فيه ولا يبالي، يقول: ويأتي أحد الدعاة، ويتكلم مع السجناء، ويدل الناس على القرآن الكريم، ثم يأتي هذا المسجون بنفسه ويسأل قال: أنا أسمع أن هناك مكرمة للذي يحفظ القرآن أنه يسقط عليه من سنوات السجن، هل هذا ينطبق عليَّ؟ قال: لا أدري نسأل لك، وسأل آمن السجن، قال: نعم. ينطبق عليه. قال: إذاً أنا بدأت أحفظ، يقول: ويحفظ القرآن كاملاً عن ظهر قلب، وهو صاحب مخدرات، يقول: وتستقيم أخلاقه وتتغير حياته، ولم يعد ذلك الشرير، ولا ذلك السيئ، وإنما ذلك الرجل الهادئ، لا نراه إلا والمصحف في يده، لا نراه إلا قواماً في الليل، ويتغير كل الذين كانوا معه في غرفته إلى طيبين، فقد أثر فيهم، ويقول: أيام وليال وتأتي المكرمة ويخرج من السجن، وكان قد دخل في السجن في قضية أخرى، وكلما أخرجوه عاد، يقول: في آخر مرة عندما خرج وهو حافظ القرآن، خرج داعية إلى الله، واستقامت أموره، وصلحت أحواله، وهو الآن من أحسن الناس ديناً في المنطقة الغربية، بسبب القرآن.

    أول شيء وأول سبب وأعظم سبب لتزكية النفس القرآن، وستبقى النفس هينة وستبقى النفس مريضة كلما ابتعدت عن القرآن الكريم، ولذا نقول قولاً -أيها الإخوة-: اعمروا حياتكم بكتاب الله، ولا يمر عليكم يوم إلا بتلاوة من القرآن، واقرأوا في مجالسكم ومع أولادكم شيئاً من القرآن، واسمعوا إذاعة القرآن، واسمعوا أشرطة القرآن، واجعلوا أنفسكم دائماً مع القرآن، هذا السبب الأول.

    دراسة سنة النبي صلى الله عليه وسلم

    السبب الثاني: من أسباب تزكية النفس، دراسة سنة النبي صلى الله عليه وسلم: فإنها المكملة للقرآن والموضحة له، وهي أحد الوحيين، وهي التي فصلت لنا كتاب الله، وما جاء صلى الله عليه وسلم بشيء منها من عنده، وإنما هو من عند الله: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4].

    وما ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه، فاجعل لك موعد مع السنة، اختر كتاباً من كتب السنة، وليكن بلوغ المرام، أو رياض الصالحين، واقرأ يومياً حديثاً واحداً، ثم أتبعه على زوجتك، وعلى أولادك، ثم بالتليفون كلم به زميلك، ثم احفظ في كل يوم حديثاً، كم يكون لديك بعد سنة؟ تكون عالماً من العلماء، إذا عندك ثلاثمائة وستون حديثاً، خلال سنة واحدة، هذا علاج للنفس، لكن القرآن مرفوض والسنة مرفوضة، والنفوس مريضة ومتى تتعالج، أردنا أن نعالجها فوضعنا (الستلايتات) فماتت، كان فيها بصيص، فجاء هذا وقضى على البقية الباقية، إن علاج النفوس في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    كثرة ذكر الله عز وجل

    الدواء الثالث من الأدوية، التي تعالج النفس وتزكيها: كثرة ذكر الله: وهذا كالإجماع عليه بين الأمة، يقول ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى في الجزء العاشر في السلوك، وقد سئل عن أفضل عمل قال: أما أفضل عمل فهو كالإجماع بين الأمة أنه ذكر الله، ويستشهدون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في السنن : (ألا أدلكم على أفضل الأعمال عند ربكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم، قلنا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله عز وجل).

    ويروي الترمذي عن عبد الله بن بشر وذكره صاحب جامع العلوم والحكم وأضافه إلى الأربعين النووية، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: (يا رسول الله! كثرت عليّ شرائع الدين، فأخبرني بعمل أتشبث به وأوجز -يقول: لا تكثر عليّ، ولكني سأمسك العمل هذا، فقال له صلى الله عليه وسلم في جواب يدل على نبوته، بل من دلائل نبوته أنه أوتي جوامع الكلم- قال له: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) لأن اللسان الرطب من ذكر الله لا يمكن أن يعمل المعاصي، هل الزاني يزني ويذكر الله؟! هل شارب الخمر إذا شرب الخمر يذكر الله؟! الذي يشرب الدخان ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم! الذين ينظر إلى الأفلام هل يمكن أن يذكر الله؟ لا. من الذي يعمل هذه الجرائم والمعاصي؟ الغافل عن الله، لكن من يذكر الله، ورطب لسانه بذكر الله، وعينه تدمع من خشية الله، وقلبه منور بخوف الله، هذا ينجح بإذن الله، ويفوز في الدنيا والآخرة.

    فكيف أذكر الله؟ يقول الله تبارك وتعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152] والله يمتدح الذاكرين فيقول: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35] ويقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] ما هو الذكر؟ قال العلماء: الذكر خمسة أنواع:

    النوع الأول: ذكر الله عز وجل عند ورود أمره، إذا ورد عليك أمر الله وقمت بتنفيذ أمره فأنت ذاكر حقيقي، لأن الله يقول: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] لكن عندما تنام وهو يؤذن وتقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر وأنت نائم، فأنت ذاكر صوري، لا. إذا سمعت أمر الله فانهض، هذا الذكر الحقيقي، ذكر الله عند ورود أمره.

    النوع الثاني: ذكر الله عند ورود نهيه، إذا كنت في الشارع ورأيت امرأة متبرجة فاتنة، وذكرت الله وخوفك من الله، وذكرت أن الله مطلع عليك، وغضيت بصرك، هذا الذكر الحقيقي، أنت ذاكر لله: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135-136].

    هذا أهم شيء، أن تذكر الله عند الأمر فتقوم به، وأن تذكر الله عند النهي فتتركه.

    النوع الثالث: ذكر الله في الأحوال والمناسبات: فإنه ما من حالة إلا ولها ذكر من حين أن تستيقظ حتى تنام، إذا استيقظت تفتح عينك وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور.

    وعندما تدخل الحمام، قبل أن تدخل، تقدم اليسار وتقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا أكملت الوضوء وقضاء الحاجة وخرجت، تقدم اليمنى وتقول: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني.

    وكذلك عند دخول المسجد والخروج منه، وأذكار النوم وأذكار اليقظة، وأذكار الأكل، وأذكار النكاح، وأذكار لبس الثوب، وأذكار نزول المطر، وكل شيء له ذكر.

    وحالة الذكر يجب عليك أن تعرفها، وتحفظها وتقولها وهذا معنى حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم: (كان يذكر الله في سائر أحواله) أي: في كل أحواله، وفي ملابساته، التي كانت تلابسه خلال حياته.

    النوع الرابع: الذكر العددي الذي شرعه الشارع وحدد فيه عدداً معيناً، مثل قوله صلى الله عليه وسلم والحديث في البخاري : (من قال في يوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كتب الله له مائة حسنة وحط عنه مائة خطيئة، وكانت حرزاً له من الشيطان، وكان كمن أعتق عشر رقاب، ولم يأت أحد بأحسن أو أفضل مما جاء به إلا رجل قال مثلما قال أو زاد).

    لا بد أن تأتي بالمائة بالضبط؛ لأن العدد هنا مقصود، ما دام حدد العدد في الشرع، فإن العدد مراد، وإذا زدت فلا بأس، لماذا؟ لأنه في الحديث قال: (أو زاد) لكن إذا لم تأت زيادة فحدد مثل حديث مسلم : (ومن قال عقب الصلاة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفر الله له ذنوبه ولو كانت كزبد البحر).

    انظروا الجزاء -يا إخواني- والعمل بسيط، العمل لا يتجاوز دقيقتين، لكن الجزاء أن يغفر الله ذنبك ولو كان كزبد البحر، لكن الشيطان يحرص على ألا تقولها، فيذكرك بشيء حيث تخرج قبل أن تقولها، أو تقولها بغير عدد، ما إن ينصرف الإنسان من الصلاة حتى يبدأ يقول: كذا، وهذا ليس تسبيحاً، هذه بسبسة، التسبيح: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، سبحان الله والحمد لله والله أكبر، سبحان الله والحمد لله والله أكبر، وإذا قاطعك أحد وشغلك لا تنشغل به، تعد هذا كالذهب، والله أعظم من الذهب، والله لسبحان الله هذه أعظم من الدنيا وما عليها، إذا كانت تملأ ما بين السماء والأرض كيف تضيعها؟

    لكن بعضهم يسبح ولا يعد، ولا يعلم أنهن مستنطقات، فعليك أن تعد وتحصر حتى تأتي بتسعة وتسعين، ثم تقول: لا إله إلا الله، وترجو الله أن يقبل منك، الآن إذا استلمت الراتب، تعده أولا تعده؟ تعده وقلبك مفتح وعيونك مركزة، وتفركها، لئلا يكون هناك نقص وإذا أتى شخص وحياك، أو سلم عليك وأنت تعد تقول: السلام عليكم، واحد اثنين ثلاثة .. أربعة .. خمسة عشر .. ستة عشر .. ثمانية عشر، لماذا؟ لأن هذه فلوس، لا يمكن أن تعدها وأنت لاهٍ عنها، لأنها حلت في قلبك.

    تذكر كتب العلم: أن سليمان بن داود كان على البساط، والله قد سخر له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب، غدوها شهر ورواحها شهر، أي: مسافة شهر تأخذها في غدوة، ومسافة شهر تأخذها في روحة، فكان في رحلة ومعه أهله وحاشيته، فمر على قرية وحجب البساط الشمس عن الأرض، فنظر فلاح في مزرعته، يرى الشمس فلا يراها، وإذا بالريح تحمل البساط وعليه أسرة سليمان، فقال: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً كبيراً، فسمعه سليمان من فوق فأمر الريح أن تنزل وأتى إليه، وقال: ماذا قلت يا أخي؟ قال: ما قلت شيئاً، خاف، قال: بل قلت كلمة، قال: لقد قلت: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، قال: والذي نفسي بيده، إن الكلمة التي قلتها أعظم مما أوتي آل داود.

    سبحان الله: تنزيه لله، تعظيم لله، وما تأتي سبحان الله إلا بعد شيء يوصف به الله، وهو لا يليق به، فيقول: قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً [الإسراء:93] أجل ذكر الله العددي مطلوب بعدده.

    الخامس: ذكر الله في كل وقت وهو الذكر المطلق: أن تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما شاء الله، لا إله إلا الله، سبحان الله، فإذا قلت ذلك لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله، يقول الله في الحديث القدسي: (أنا مع عبدي ما ذكرني أو تحركت بي شفتاه) كلما ذكرت الله، الله معك. (أنا مع عبدي ما ذكرني، أو تحركت بي شفتاه، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة، وكنت إليه بكل خير أسرع).

    هذا معنى ذكر الله الذي هو شفاء للقلوب والنفوس، وانظروا واستقرءوا دائماً الذي نفسه مريضة لا يحب ذكر الله، بعضهم يمر عليه شهر أو شهران، ما قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والذي نفسه حية، وقلبه حي وصحيح، لا يفتر عن ذكر الله، وقد جاء في الحديث: (مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله، كمثل الحي والميت)، الحي يذكر الله، والميت لا يذكر الله، فهذا هو سبب رئيسي مثل السببين الأولين.

    الأول: تلاوة القرآن وتعلمه وحفظه، وتطبيقه، والاستشفاء به.

    الثاني: تعلم السنة، والانصياع لها والتمسك بها.

    الثالث: ذكر الله عز وجل.

    المحافظة على الطاعات والابتعاد عن المعاصي وقرناء السوء

    الرابع: من وسائل وأسباب تزكية النفس، المحافظة على الطاعات كلها، وفي مقدمتها الصلوات الخمس.

    الخامس: البعد عن المعاصي والذنوب، صغيرها ودقيقها، وجليلها؛ لأن هذه حماية للنفس من المرض.

    السادس: الابتعاد عن قرناء السوء؛ لأن قرناء السوء، يدنسون النفس.

    السابع: الحرص على الرفقة الصالحة والزملاء الصالحين، الذين يعينونك على طاعة الله، ويذكرونك إذا غفلت، هؤلاء من أسباب علاج نفسك وتزكيتها.

    أعتذر أنني أوجزت في النهاية؛ لأن الوقت ضاق عليّ، ولعل فيما حصل كفاية وأسأل الله تبارك وتعالى أن يزكي نفوسنا، وأن يؤتيها تقواها.

    اللهم آتي نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، وقبل الإجابة على الأسئلة وردني تصحيح من بعض الإخوة، يقول فيه: أنت قلت: إنه لم يرد في القرآن ثناء على الجسد، والله يقول: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247] وهذا الأخ الكريم معه حق ولكن ما فاتتني هذه، وقد اطلعت في التفسير على أن الثناء على الجسم في هذه الآية لطالوت كان تبعاً لنعمة العلم والنبوة والرسالة، فالجسم هنا مثنى عليه بالتبعية لا بالأصالة، وهذا ليس فيه شيء حتى في السنة، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير) لكن الذي لم يرد عليه ثناء في القرآن ولا في السنة هو: الجسد المجرد من الدين ومن العلم، أما هنا الجسد جاء الثناء عليه بعد الثناء عليه بالعلم، فإذا آتاه الله العلم والنبوة وأعطاه جسداً قوياً يستعمله في طاعة الله، ويستعمله بالجهاد في سبيل الله، فهذا نعم الجسد، الذي يصرف في طاعة الله عز وجل.

    1.   

    الأسئلة

    .

    حكم الخطرات غير الشرعية التي تخطر في النفس

    السؤال: النفس لها خطرات وأماني غير شرعية، فهل هي محاسبة على هذه الخطرات أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: جزاك الله خيراً، وأيضاً أنا أحبكم في الله، وأسأل الله أن يجمعني وإياكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؛ لأن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، ومن ضمن من يظلهم الله في ظل عرشه: المتحابون في الله، نسأل الله أن يظلنا في ظل عرشه، ببركة الحب فيه.

    أما الخطرات التي تأتي في النفس الإنسانية، ولا تترجم إلى عمل، فإن الله عز وجل لا يؤاخذ عليها، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله عفا عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به نفسها مالم تعمل أو تتكلم) ولما نزل قول الله عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ الله [البقرة:284] شق ذلك على الصحابة، فنزل الفرج بعدها بقوله عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة:286].

    فإذا خطرت في نفسك خواطر أو نزعات، ولم تترجم إلى عمل فإن الله لا يؤاخذك عليها، لكن ابن القيم رحمه الله يقول: إن في هذه الخطرات خطورة على الإنسان لا تسجل، لكنها قد تجره إلى أن يعمل بعد هذه الخطرات، فإن الأعمال لا يمكن أن تأتي إلا بعد الخطرات، هي تبدأ خطرة ثم نظرة وهكذا، فهي أول خطوة في طريق الانحدار وهي التفكير، ولذا لا ينبغي أن يجول فكرك إلا في الخير، ولا ينبغي أن تفكر إلا في طاعة الله، أما إذا بدأت تحوم حول الحمى بالتفكير، تفكر في الأغاني، تفكر في النساء، تفكر في شيء من الحرام، فهذه الخطوة الأولى الله لا يؤاخذك عليها الآن، لكنك إذا عملتها آخذك، فالأحسن قطعها، لا تفكر ولا تعبث، وأسأل الله أن يعيننا وإياكم.

    حكم كتابة قوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة) في الصحف عند التعزية

    السؤال: إذا مات إنسان كتب في الصحف قول الله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30] هل هذا صحيح أم لا؟

    الجواب: لا شك أنه غير صحيح، ما يدريهم أن هذه النفس مطمئنة، وهذا نوع من التألي على الله، ومن التزكية للنفس بغير حق، وإنما نرجو للمحسن الثواب، ونخاف على المسيء العقاب، ونسأل الله عز وجل الرحمة والمغفرة لكل مسلم.

    أما أن نخاطبه ونقول: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر:27] هذا قطع، ولا يقطع لأحد من أهل القبلة بجنة أو نار، لا يجوز لنا أبداً هذا، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم، لما وقع السهم في صدر أحد الصحابة وهو مجاهد، وسقط قال أحدهم (هنيئاً له الجنة، أي: هذا شهيد، قال: كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي غلها من المغانم ولم تصبها المقاسم لتشتعل على ظهره في النار).

    هذا الأمر ليس بالسهل -أيها الإخوة- فلا يجوز أن نتألى على الله، ولا أن نقطع بجنة أو نار لأحد من أهل القبلة، وإنما نرجو الله ونسأل الله عز وجل، حتى كلمة المغفور له، يقول العلماء: إن كانت على سبيل الدعاء، فلا بأس، أي: الذي أسأل الله أن يغفر له، فلا بأس، وإن كانت على سبيل القطع، أي: أنه عمل صالحاً، وعمل خيراً، فهو مغفور له، فهذا تألي ولا يجوز؛ لأن علمنا محدود بما يجري على الناس بعد الموت، ولا نعلم شيئاً إلا إذا قابلنا الله عز وجل ونحمد الله عندها، سيقول الإنسان: الحمد لله الذي هدانا لهذا، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم فمن يحمد الله عند اللقاء.

    الرد على من يستدل بحديث: ( إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ...) على جواز حلق اللحية

    السؤال: بعض الناس يستدل على حلق اللحية بالحديث: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ..الحديث) يقول: نرجو التوضيح ؟

    الجواب: الحديث دليل على أن اللحية مطلوبة؛ لأن الحديث قال: (ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) واللحية عمل من أعمال الدين؛ لأن عليها أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى) (أكرموا اللحى) (أرخوا اللحى) (أسدلوا اللحى).

    كل هذه أوامر، وأوامر الرسول يجب أن تترجم إلى عمل، فلحيتك عمل، والله ينظر إلى لحيتك، ويقيمك على ضوء وجود لحيتك، إذا كانت معك لحية أنت مؤمن إن شاء الله مع بقية أوامر الدين، وإذا لم تكن معك لحية فلديك مخالفة، وليست اللحية هي كل الدين، لكنها جزء من الدين، وليست من القشور إذ لا قشور في الدين، بعض الناس يقول: هذه من القشور لا. كل ما جاء من الله ورسوله فهو لباب، هل يأمر الرسول بقشور؟ لا. عليك أن تعظم أمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.

    حكم التأخر عن صلاة الفجر

    السؤال: ما حكم من لم يقم لصلاة الفجر، ولكن قام بعد ما يقارب عشر دقائق؟

    الجواب: إن كان مرة في عمره، أو بسبب مرض أو بسبب نوم غلبه، أو بغفلة وليس هذا دأبه، فيقوم ويتوضأ ويستغفر الله، ويشعر بالانكسار والمراجعة للنفس، وبالحساب وبالندم وبالألم ويفكر ماذا فعل في الليل؟ وماذا فعل في الأمس؟ لأنه لا يمكن أن يضيع صلاة الفجر إلا بسبب ذنب؛ لأن الذنب يعاقب عليه الإنسان بالحرمان من الطاعة أو بالوقوع في معصية ثانية، وبعد ذلك يقوم ويتوضأ ويصلي ركعتي الفجر قبل الصلاة ثم يصلي، أما إذا كان هذا دأبه دائماً، لا يصلي إلا بعد أن يصلي الناس، فهذا -والعياذ بالله- فيه خطورة عليه أن يكون منافقاً؛ لأن الحديث في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلوات على المنافقين صلاتي العشاء والفجر).

    ولذا إذا أردت أن تعرف هل أنت مؤمن أو منافق؟ فاسأل نفسك عن صلاة العشاء والفجر، فإن كنت من أهلها بانتظام، فاعلم أنك مؤمن، وعليك أن تكمل الباقي، وإن كنت لا تصلي الفجر ولا العشاء في المسجد، فاعلم أنك منافق أصلي، وعليك أن تتوب إلى الله وأن تراجع نفسك، وإلا فالمصير سيئ والعاقبة وخيمة والعياذ بالله.

    حكم من يترك الرواتب والنوافل

    السؤال: ما رأيك فيمن لا يحافظ على السنن سواء الرواتب أو غيرها، وما نصيحتك له؟ وقبل ذلك ما رأيك بمن يترك صلاة الفجر أو صلاة الجماعة، على إطلاقها؟

    الجواب: أولاً: قضية: ما رأيك هذه لا ينبغي أن يسأل ويقال: ما رأيك؟ لأننا ليس لنا رأي، ولا لأحد من أهل الأرض رأي في دين الله، وإنما السائل يجب أن يقول: ما حكم الشرع؟ ما حكم الله في المسألة هذه؟ لأن الدين ليس آراء، الدين دليل وحُكْم حَكَم الله به، ما حكم الشرع فيمن يترك السنن والنوافل والرواتب؟

    يقول العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد سئل عن رجل لا يصلي النوافل ولا الرواتب، قال: ذاك فاسق ترد شهادته، لماذا؟ قالوا: لأن ترك النوافل والرواتب سيؤدي إلى ترك الفرائض، وانظر إلى من لا يصلي النافلة، بعد سنوات أو شهور تجده لا يصلي الفريضة؛ لأن خط الدفاع الأول في مواجهة الشيطان النوافل، فإذا هزمك الشيطان، بقي معك خط الدفاع الثاني وهو الرواتب، فإذا هزمك الشيطان في المرة الثالثة، بقي معك الخط الدفاعي العظيم وهو الفرائض، لكن إذا كنت تواجه الشيطان بخط واحد فقط، وهو الفريضة فإذا هزمك أين تذهب؟

    تخرج إلى الكفر، وهو ترك الصلاة -والعياذ بالله- لابد أن تحافظ على النوافل والرواتب، ثم هل تضمن -يا أخي- أن فريضتك كلها كاملة، حتى لا تصلي الراتبة؟ أما تعلم أنه يوم القيامة. إذا حُوسِبت على صلاتك يكون فيها نقص، ونحن إذا صلينا العشاء من الذي يصلي من حين أن يكبر حتى يسلم لا يوسوس لحظة واحدة؟ لا يوجد أحد، الشيطان موجود، لا بد أن يجعلك توسوس، بعض الناس يجعلهم يوسوسون الصلاة (100%)، من حين أن يكبر حتى يسلم، والله ما معه منها شيء، وبعضهم (90%)، وبعضهم (80%)، وبعضهم (50%)، وبعضهم (40%)، وهكذا بحسب قوة المجاهدة والمضادة للشيطان، فإذا ضيعت من الصلاة هذه (10%) وضيعت من المغرب مثلها، يؤتى يوم القيامة، فيبقى الذي لله، وهو الذي حضر فيها قلبك، والذي فيها خلل يقول الله: (انظروا هل لعبدي من نوافل؟ فإن كان هناك نوافل، قال الله: أكملوا بها فريضته) رحمة منه تبارك وتعالى، وإن كان لا توجد معك نوافل، من أين تكمل ذلك اليوم؟ تقول: دعوني أصلي، ما معك إلا هي، فعليك أن تحافظ على الراتبة والنافلة ولا تتركها، وإن هذا من الفقه الأعوج، أن بعض طلبة العلم تجده لا يصلي الراتبة ولا النافلة، لماذا؟

    قال: هذه يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، الله أكبر يا هذا الفقيه! بينما تجد العامي من المسلمين لا يتركها أبداً، ذاك الفقيه، الفقه ليس ترديد أحكام، ومعرفة حروف وعبارات، الفقه عمل، بعض العوام لا يمكن أن يترك السنة أبداً، وبعض طلبة العلم يترك السنة بحجة أنها لا يعاقب تاركها.

    واعلم أنك إذا أصررت على ترك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أمرك باتباع سنته والمحافظة عليها، فإنك على خطر.

    أما الذي لا يصلي صلاة الفجر، فقد قلنا: أنه -والعياذ بالله- في خطر النفاق.

    كيفية التخلص من الهموم والغموم

    السؤال: كيف يمكن القضاء على الهموم والغموم التي تأتينا، وأنا أحاول دفعها بأي شكل ولكنني لا أستطيع دفعها؟

    الجواب: الغموم والهموم هي داء العصر في هذا الزمن، والدواء والشفاء لما في الصدور هو القرآن، من جعل الهموم هماً واحداً وقاه الله شر كل هم، ومن تشعبت به الهموم لم يبال الله به في أي واد هلك، إن كان همّ الرزق فالرزق على الله، يقول الله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2] وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3].

    إن كان همّ المرض، فالذي كتب المرض هو الذي يرفعه.

    إن كان همّ الدراسة فالذي ينجح ويسقط هو الله عز وجل، اجعل همّك همّاً واحداً وهو كيف ترضي الله عنك؟ فإذا جعلت همّك هذا، قضى الله كل همّك، أما إذا اهتميت بالذي في الأرض وتركت الهم الذي يأتيك من الله، ضعت وتضاعفت همومك وكثرت، وأنا أدل الإخوة على شريط محاضره قلتها في الرياض بعنوان: القلق -أي: الهم داء العصر- أسبابه وعلاجه، ذكرنا عشرة أسباب وعشرة أدوية لهذا، اسمع الشريط يا صاحب الهمّ، وأسأل الله أن يزيل همي وهمك، وأن يجعل همنا وهمك مرضاته تبارك وتعالى، والله أعلم.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756411229