إسلام ويب

تذكرة في الحر وفصل الصيفللشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن لجهنم نفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، وبيَّن أن شدة الحر من فيح جهنم، مذكراً العباد بشدة حرارة جهنم وشدة استعارها، وفي هذه المادة يتحدث الشيخ عن شدة فيح جهنم، ويذكر الأسباب التي تساعد على الوقاية من النار وحرها.

    1.   

    شدة الحر من فيح جهنم

    ذإن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    عباد الله: إن الله سبحانه وتعالى يذكر عباده في الدنيا ببعض ما يكون في الآخرة، كما يذكرهم في الصيف حرارة جهنم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن شدة الحر من فيح جهنم، وهذا حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يثبت ويبرهن أن ما نحس به من حرارة في هذا الصيف إنما مصدره ومبعثه جهنم، ولا شك أن هذا شيء حقيقي ليس بمجاز؛ فإنه حديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي قال: (إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم) ومعنى أبردوا عن الصلاة، أي: أخروا صلاة الظهر عن أول وقتها حتى تنكسر شدة الحر الذي يكون من أسباب التشويش على المصلي وقلة الخشوع.

    وكذلك فإنه عليه الصلاة والسلام قد أخبر في الحديث الصحيح أن لجهنم نفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، كما استأذنت ربها، وأخبر أن ذلك أشد ما نجد من الحر وأشد ما نجد من الزمهرير؛ ولذلك فإن من عذاب جهنم شدة البرد كما أن من عذابها شدة الحر، وهذا من العجائب، لكن الغالب عليها الحر ولا شك، فإنها كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري رحمه الله: (قالت النار: ربِ أكل بعضي بعضاً، فائذن لي أن أتنفس، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم، وما وجدتم من حر أو من حرور فمن نفس جهنم) رواه البخاري .

    وشدة الحر من فيح جهنم، وفيحها: سعة انتشارها وتنفسها، وهذا يدل على شدة استعارها، وأنه يأكل بعضها بعضاً، وأن لها وهجاً عظيماً، وأن وهج جهنم يسطع على الأرض ويصل إليها، وكيف يكون علاقة ذلك بالشمس؟ هذا علمه عند الله تعالى، ولكننا نصدق بما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن شدة الحر من فيح جهنم، والشمس ستكون في النار عذاباً لعابديها يوم القيامة كما جاء ذلك في الأثر.

    أيها المسلمون: إن هذا التذكير من الله سبحانه وتعالى مما نجده من شدة الحر حري بالمؤمن أن يتفكر فيه، وأن يقوم بالأسباب التي تنجيه من عذاب النار.

    1.   

    وجود العذاب بالنار في البرزخ

    أيها المسلمون: إن عذاب النار ليس خاصاً بالآخرة وإنما جزء منه ولا شك في البرزخ -أيضاً- كما أنه في الدنيا، في الدنيا يصلنا من حرارتها، وفي البرزخ يكون هناك من الحرارة في القبر على المعذبين، كما جاء في حديث البراء بن عازب الذي رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح، قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فلما قعدوا حول القبر وعظهم النبي عليه الصلاة والسلام في حال المؤمن وفي حال الكافر والفاجر، فقال في الثاني وذكر موته، قال: وتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان: من ربك؟ فيقول: هاه.. هاه.. لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه.. هاه.. لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه.. هاه .. لا أدري، فينادي منادٍ من السماء: أن كذب فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار. قال: فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار تراباً، قال: فيضربه ضربةً يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، ثم تعاد فيه الروح ويضرب هكذا فيصير تراباً، ثم يعاد فيضرب إلى قيام الساعة).

    لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حرارة النار تصل إلى الفاجر والكافر في قبره عبر هذه النافذة المفتوحة كما قال: (وافتحوا له باباً إلى النار)، هكذا كان عليه الصلاة والسلام يعظ أصحابه ويذكرهم، وقد قال الله سبحانه وتعالى مذكراً أنه لا يستوي الظل ولا الحرور، قال: وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ [فاطر:21] فبين أن الأشياء المتباينة كالأعمى والبصير والظلمات والنور والظل والحرور ... هذه أشياء لا تستوي، وكذلك لا يستوي الكفر والإيمان، وكذلك لا تستوي السنة والبدعة، وكذلك لا يستوي صاحب الدين والخارج عن الدين: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً [هود:24] وهكذا الظل والحرور.

    فأما الجنة فإن فيها ظلاً ظليلاً لا ينحسر، بخلاف ظل الدنيا فإنه ينحسر بحسب حركة الشمس، ولكن ما هو ظل جهنم؟ إنه ظل من يحموم كما أخبر الله سبحانه وتعالى، فأولئك لهم ظل ظليل وهؤلاء لهم ظل من يحموم، وكذلك فإن شرابهم حار غاية الحرارة، كما قال تعالى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15] فهم يجدون في النار حراً من وهجها ولهيبها، وكذلك الظل الذي فيها إنه من يحموم، إنه لا يفيد شيئاً، إنه لا يخفف عمن استظل به؛ لأنه من يحموم.

    1.   

    أسباب تساعد على الوقاية من حر النار

    هكذا يذكرنا ربنا لنتعظ ونأخذ بالأسباب التي تساعد على الوقاية من حر النار:

    الأول: الاستعاذة من حرها

    ولذلك فإنه صلى الله عليه وسلم قد أرشدنا إلى أمور نتقي بها حرارة النار، فقال صلى الله عليه وسلم مذكراً بالاستعاذة من حرها، وهو من أسباب الوقاية منها كما جاء في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته: (اللهم إني أعوذ بك من فتنة القبر، ومن فتنة الدجال، ومن فتنة المحيا والممات، ومن حر جهنم) رواه النسائي رحمه الله.. هذا في الاستعاذة من حرها، فماذا أيضاً؟

    الثاني: الصوم في سبيل الله

    والصيام كذلك، كما جاء عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفاً) رواه النسائي.. وكان أبو سعيد لأجل هذا الحديث ينتقي اليوم الشديد الحرارة فيصومه مع طوله وشدة حره، فمن صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفاً، وربما صام صلى الله عليه وسلم لأجل ذلك -أيضاً- صام في يوم شديد الحر، كان يجعل الإنسان يده على رأسه من شدة الحر، صامه هو وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه.

    الثالث: الجهاد في سبيل الله

    وكذلك فإن من الأمور العظيمة التي تعين على الوقاية من حر النار: الجهاد في سبيل الله، ولو كان ذلك في فصل الصيف شديد الحرارة فإنه يجاهد ويخرج للجهاد، ولذلك فإن المنافقين لما قالوا: لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ [التوبة:81] رد الله عليهم بقوله: وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً [التوبة:81] ولذلك فإن الجهاد في سبيل الله ماض صيفاً وشتاءً كما كان المسلمون يفعلون.. (وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الكسوف في يوم شديد الحر، فأطال القيام حتى جعل أصحابه يخرون من شدة الحر، فأطال الصلاة والركوع والسجود، ثم أخبرهم أنه رأى أثناء صلاته النار وفيها امرأة تعذب في هرّة ربطتها، لم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، قال: ورأيت أبا ثمامة عمر بن مالك يجر قتبه في النار، وقد كانوا يقولون: إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيم، فقال: وإنهما آيتان من آيات الله..) الحديث.. أخبرهم بما رأى في النار، بل إنه جعل ينفخ حرها عن أصحابه خشية أن تأكلهم، وأخبرهم بما رأى فيها، فخر الصحابة وراءه من شدة الحر في الصلاة التي صلاها صلى الله عليه وسلم.

    إننا -أيها الإخوة- إذا ذكرنا حال المسلمين كيف كانوا يصبرون على لأواء المدينة وحرها وشدتها، ومن يصبر على حرها فإنه يؤجر من الله أجراً عظيماً، إنهم كانوا يصلون وراءه صلى الله عليه وسلم، ويعانون معاناةً شديدة، كان الرجل يأتي معه بكف من حصباء من حصى يبردها في يده، يأتي بها المسجد ليضعها موضع سجوده! ونحن تحت الأسقف وفي هذه المكيفات لا بد أن نذكر نعمة الله سبحانه وتعالى علينا، والله عز وجل قد امتن على عباده بأن جعل لهم من الأسباب ما يقيهم الحرارة فقال سبحانه: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ [النحل:81] هذه الآية في سورة النعم، وهي سورة النحل التي عدد الله فيها على عباده أنعاماً كثيرة، فإن الثياب ولا شك منها ما يقي الحر كالذي يلبس على الجلد، وكذلك يلبس على الرأس لتغطيته، ولو لم يغطِ رأسه في الحر الشديد أو لم يغطِ جسمه لاحترق جلده، وهذا مشاهد معروف، أو أصيب بضربة شمس، فإذا جعل الملابس تقي الحر فكذلك تقي البرد من باب أولى، وإنما خاطب العرب بذلك لأنهم كانوا أصحاب حر في الغالب، فجعل الله الظلال وجعل الله اللباس، وجعل لنا في هذا العصر المكيفات.. وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8] وهذه نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى ينبغي أن تذكر فلا يكفر عز وجل، بل يحمد سبحانه على ما جعل لعباده من الوسائل الواقية.

    عباد الله: إننا وفي الجمع وغيرها من مواسم الازدحام في الحر نذكر كيف كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلون معه، فيضع أحدهم طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود، وأخذ العلماء من ذلك جواز أن يسجد الإنسان على طرف ثوبه، وأنه لا بأس ولو كان هذا اللباس عليه أن يضع طرفاً منه على الأرض، وأنه لا يشترط أن يكون منفصلاً، ويؤخذ كذلك من تأخير الصلاة والإبراد بها في الظهر المحافظة على أسباب الخشوع.

    الرابع: الصدقات

    وكذلك فإننا لا ننسى في هذا الحر الذي نذكر به حر جهنم الصدقات التي تقي حر النار، قال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة).

    ومن كرامات بعض الصالحين ما يذكرنا به هذا الحر، فقد روى ابن ماجة وأحمد عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه كان يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فسأله أحد من التابعين عن ذلك، فقال: [إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر فقلت: يا رسول الله! إنني أرمد العين، فتفل في عيني فقال: (اللهم أذهب عنه الحر والبرد) فما وجدت حراً ولا برداً منذ يومئذ، وقال: (لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار) فأعطاها علياً رضي الله تعالى عنه، قال: ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهي وتفل في عيني يوم خيبر وأعطاني الراية]. رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأعلى منزلته.

    اللهم إنا نسألك أن تقينا حر جهنم، اللهم اجعلنا ممن أعتقت رقابهم من النار إنك أنت الرحيم الغفار.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    الإصابة بالحمى مما يذكر بعذاب النار

    الحمد لله الواحد القهار، وأشهد أن لا إله إلا هو العزيز الغفار، وأشهد أن محمداً رسول الله سيد الأبرار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الأطهار.

    عباد الله: إن من أعراض الجسم ما يذكرنا بحرارة جهنم -أيضاً- ألا وهي الحمى، التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنها بأن شدتها من فيح جهنم، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري رحمه الله: (إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء)، وهذا يبين أن هناك أموراً غيبية لا تصل إليها عقول العباد، وأن الناس فسروا الأمور بالظواهر، فسروا الأمور بالأسباب الدنيوية فقط، فإنها نظرة قاصرة، فيعتمل في الجسم من أنواع العوامل المؤدية إلى رفع الحرارة ما يرفعها، ولكن هناك ارتباط كذلك.. (إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء).

    وقد حصل للنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك شيء عظيم، فقد روى أبو سعيد الخدري قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فوضعت يدي عليه فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف، فقلت: يا رسول الله، ما أشدها عليك! قال: إنا كذلك يضاعف لنا البلاء ويضاعف لنا الأجر، قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء، قلت: يا رسول الله، ثم من؟ قال: ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويها، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء).

    وقد أصيب الصحابة لما وصلوا المدينة بالحمى، فوعك أبو بكر وبلال ، ودخلت عائشة على أبيها فقالت: يا أبت، كيف تجدك؟ ويا بلال، كيف تجدك؟ وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:

    كل امرئ مصبح في أهله     والموت أدنى من شراك نعله

    وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول:

    ألا ليت شعري هل أبيتـن ليلةً     بواد وحولي إذخر وجليل

    يتذكر حشائش مكة ونباتاتها وجبالها..

    وهل أردن يوماً مياه مجنة     وهل يبدون لي شامة وظفيل

    فقالت عائشة : فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها -أي: اجعلها جواً صحياً- وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بـالجحفة )، فاستجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم، ونقلت الحمى التي كانت من الأمراض المشهورة في المدينة تعتري من فيها خصوصاً الغرباء، نقلت منها فجعلت في الجحفة، حتى أنه قال القائل: إنه إذا نزل بها البعير ربما أصابته بـالجحفة ، فأما المدينة ، طيبة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فنقلت الحمى منها، وكان المولود يولد بـالجحفة فلا يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى، كما روى ذلك البيهقي في دلائل النبوة .

    وهذه الحمى مكفرة للذنوب، فلا يسبها الإنسان، وليس كما يفعله بعض الناس عندما يسبون الحرارة والسخونة من الحمى، وهي حظ المؤمن من نار جهنم، وتكفر عنه سيئاته، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبها كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام لأحد الصحابة: (لا تسبها فإنها تمحي الذنوب)، وذكر ابن القيم رحمه الله في علاج الحمى من الطب النبوي الآثار في علاجها، ومنها: الماء البارد على الذي أصابته الحمى في وقت السحر ثلاثة أيام متوالية، والعلاج بالتبريد معروف عند الأطباء.

    ثم ذكر قصة شاعر أصابته الحمى، فلما أوشكت أن تقلع عنه قال:

    زارت مكفرة الذنوب وودعت     تباً لها من زائر ومودع

    قالت وقد عزمت على ترحالها     ماذا تريد فقلت ألا ترجعي

    قال رحمه الله:

    تباً له؛ إذ سب ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبه، ولو قال:

    زارت مكفرة الذنوب لصبهـا     أهلاً بها من زائر ومودع

    قالت وقد عزمت على ترحالها     ماذا تريد فقلت ألا ترجعي

    1.   

    مراعاة المسلمين في كف الروائح الكريهة عنهم

    كذلك فإننا نتذكر في هذا الفصل -أيضاً- مراعاة المسلمين لإخوانهم في كف الروائح الكريهة عنهم، فإن العرق الذي يكون من الجسم في وقت الحر رائحته شديدة في الملابس كالجوارب، وفي الجسد في الآباط وغيرها، وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود عن عكرمة: أن أناساً من أهل العراق جاءوا فقالوا: يا ابن عباس، أترى الغسل يوم الجمعة واجباً؟ قال: لا، ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدأ الغسل.. كان الناس مجهودين، يلبسون الصوف، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقاً مقارباً السقف، إنما هو عريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار، وعرق الناس في ذلك الصوف، حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضاً، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الريح قال: (أيها الناس: إذا كان هذا اليوم -يعني: يوم الجمعة- فاغتسلوا، وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه).

    ومن هنا ذهب بعض أهل العلم إلى إيجاب غسل الجمعة على من له رائحة كريهة تؤذي المصلين؛ فإنه يجب عليه أن يغتسل قبل إتيانه إلى المسجد وإلا أثم بذلك، ورأى بعضهم أن الغسل واجب في كل حال، يجب عليه الاغتسال لإتيان الجمعة.

    وكان أهل العلم -أيضاً- يطلبون العلم صيفاً وشتاءً لا يصدهم الحر عن طلب العلم، فإذا كان يؤذيك حر المصيف وبرد الشتاء فمتى تطلب العلم؟ وحكي في سيرة ابن المظفر سبط ابن الجوزي رحمه الله الذي ألف الكتاب العظيم في التاريخ مرآة الزمان، كان حسن الصورة، طيب الصوت، حسن الوعظ، حتى أن أهل دمشق كانوا يخرجون إليه في يوم وعظه يوم السبت بكرة النهار، كانوا يبيتون بالجامع لتحصيل حلقة العلم ويتركون البساتين في الصيف حتى يسمعوا ميعاده، ثم يحضرون الدرس، ثم ينصرفون إلى بساتينهم، وكانوا يخرجون من البلد إلى بساتينهم في وقت الصيف لاتقاء حر الصيف، فكان إذا صار موعد الدرس رجعوا من البساتين إلى البلد، وبات بعضهم في المسجد لأجل حضور الدرس من كثرة ما يزدحمون عليه!

    ومما يراعى في الصيف -أيضاً- مراعاة البهائم، كيف لا وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن امرأةً بغياً رأت كلباً في يوم حار يطوف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموطها -أي: الماء- فغفر لها) رواه مسلم رحمه الله تعالى.

    1.   

    إن الله على كل شيء قدير

    وأقدار الله عجيبة؛ فإنه قادر على الإتيان بالبرد في عز الصيف، وقد حكى ذلك المؤرخون من أهل الإسلام في عدد من المناسبات، قال في المنتظم : وفي اليوم التاسع من ذي الحجة صلى الناس العصر في زمن الصيف وعليهم ثياب الصيف، فهبت ريح باردة جداً حتى احتاج الناس إلى الاصطلاء بالنار، ولبسوا الفراء والمحشوات، وجمد الماء كفصل الشتاء، والله على كل شيء قدير -سبحانه وتعالى- والحمد لله الذي جعل الإسلام في العرب الذين قطنوا هذه الجزيرة التي يغلب عليها الحر، فأجسادهم تطيق الحر وتطيق البرد، ولذلك لما انطلقوا في الفتوحات ما أعجزهم الوصول إلى البلاد الحارة والبلاد الباردة، ولو كانوا من أهل البرد لربما ما أطاقوا الجهاد في بلاد الحر، وأنتم تسمعون ماذا يحصل في بلاد الغرب إذا ارتفعت الحرارة عندهم ارتفاعاً أقل مما عندنا بكثير ماذا يحصل لهم، فالحمد لله رب العالمين.

    وكذلك فإن بعض السلف قد كره أن يقال: هذا يوم حار، وهذا يوم بارد.. ونحو ذلك؛ لأنه كلام لا فائدة منه، كما يقول بعض الناس: شيء غير معقول، أو يتأفف، فهذا لا يغير شيئاً، ولن يخبر بجديد، ولذلك كرهوا فضول الكلام، وهذا من الأمثال التي ضربوها إنما هو من المباحات على أية حال، ولكنها تذكرة للناس أن يكفوا ألسنتهم عن بعض المباح خشية الوقوع في أمور محظورة، وألا يتكلم الإنسان إلا فيما يفيد، وإنه مما لا يفيد أن يخبر عن شدة الحرارة ونحو ذلك، وهذه تذكرة أنه إذا كان بعض الكلام المباح يمسك عنه الإنسان فكيف إذا كان الكلام محظوراً ومحرماً كالغيبة والكذب والسب والشتم والفحش ونحو ذلك؟

    اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى أن تبلغنا جنة النعيم، اللهم حاسبنا حساباً يسيراً، اللهم واجعل سعينا في الدنيا سعياً مشكوراً، وذنبنا مغفوراً، اللهم إنا نعوذ بك من جهنم وحرها، اللهم قنا عذاب النار، اللهم قنا عذاب النار، اللهم قنا عذاب النار.. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً [الفرقان:65-66] اللهم إنا نسألك في هذا اليوم العظيم النصر للإسلام والمسلمين، اللهم ارفع البأساء عن إخواننا في كوسوفو وفي كشمير، وفي سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم ارفع الضر عنهم، اللهم قهم شر عدوهم، اللهم إن بهم من البأساء ما لا يشكى إلا إليك وأنت على كل شيء قدير، اللهم إنا نسألك لهم النصر والتمكين على العدو الغاصب يا رب العالمين.

    اللهم حرر المسجد الأقصى من أيدي اليهود العابثين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اجعل بأسهم بينهم، واجعلهم وأموالهم غنيمةً للمسلمين، اللهم خالف بين قلوب اليهود والنصارى، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم اجعل ما مكروه بالمسلمين شراً ووبالاً عليهم إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755836549