إسلام ويب

الميزانللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من عدل الله عز وجل أنه ينصب ميزاناً يوم القيامة للحساب، ويزن فيه الأعمال من خير وشر، فالمؤمن يفرح بعمله الصالح، ويظهر فضله، والكافر يحزن ويتحسر، ويظهر ذله وخزيه، والميزان من الأمور الغيبية التي لا يعلم حقيقتها إلا الله، فالواجب على المسلم أن يؤمن به كما أخبر الله تعالى عنه.

    1.   

    حقيقة الميزان

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحيَّاكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً. وأسأل الله العظيم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! في رحاب الدار الآخرة، سلسلة علمية كريمة تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي، الهدف منها: تذكير الناس بالآخرة، في عصر طغت فيه الماديات والشهوات، وانشغل فيه كثير من الناس عن طاعة رب الأرض والسماوات؛ ليتوب الناس إلى الله جل وعلا، ويتداركوا ما قد فات، قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصمون، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون. ونحن اليوم على موعد مع اللقاء الثامن عشر من لقاءات هذه السلسلة الكريمة، وقد كنا في اللقاءات الخمسة الماضية على التوالي مع البشرية كلها وهي تقف على بساط العدل في ساحة الحساب بين يدي الملك جل جلاله، وتعرفنا على أهم قواعد العدل التي يحاسب الله بها العباد في ساحة الحساب، وتعرفنا على أول أمة ينادى عليها لتحاسب بين يدي الله جل وعلا، وتعرفنا على أول من يقضي الله بينهم، وأول ما يحاسب عليه العبد، وعلى أول حق من حقوق العباد يقضي الله فيه بين الخلق، ثم تعرفنا في اللقاء الماضي على أصناف الناس، فقلنا: إن من الناس من يأخذ كتابه بيمينه، ويحاسبه الله حساباً يسيراً، ومن الناس من يأخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره، ويحاسبه الله حساباً عسيراً، ومن الناس من يدخل إلى الجنة مباشرة بغير حساب ولا عذاب. فهل يا ترى بانتهاء الحساب تنتهي أهوال القيامة؟!! الجواب: كلا! بل إذا انقضى الحساب أمر الله جل وعلا أن ينصب الميزان؛ فإن الحساب هو لتقرير الأعمال، والميزان لإظهار مقدارها؛ ليكون الجزاء بحسبها، وليظهر عدل الله للبشرية كلها في ساحة الحساب، فتوزن أعمال المؤمن لإظهار فضله، وتوزن أعمال الكافر لإظهار خزيه وذله على رءوس الأشهاد، قال عز وجل: وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]. فما هو الميزان؟ وما الذي يوزن فيه؟ وما هي الأعمال التي تثقل في الميزان يوم القيامة؟ الجواب على هذه الأسئلة الثلاثة هو موضوع لقائنا هذا، فأعيروني القلوب والأسماع، والله أسأل أن يثقل موازيننا يوم نلقاه؛ إنه ولي ذلك ومولاه. أولاً: ما هو الميزان؟ أحبتي في الله! أرجو أن تتدبروا معي جيداً هذه المقدمة لهذا العنصر المهم: الميزان على صورته وكيفيته التي يوجد عليها هو من الغيب الذي أمر الصادق المصدوق أن نؤمن به من غير زيادة ولا نقصان، وهذه هي حقيقة الإيمان، ويا خسران من كذب بالغيب وأنكر وضع الميزان، وقدح في آيات الرحيم الرحمن، واستهزأ بكلام سيد ولد عدنان، ثم تطاول فقال قولة ملحد خبيث جبان: الميزان لا يحتاج إليه إلا البقال أو الفوال!! فهذا حري بأن يكون ممن لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزناً؛ لأنه بجهله وغبائه وانغلاق قلبه ظن أن ميزان الآخرة كميزان الدنيا، ومن البديهي أن جميع أحوال الآخرة لا تكيف أبداً، ولا تقاس البتة بأحوال الدنيا، ولقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله إجماع أهل السنة على الإيمان بالميزان، وأن الميزان له لسان وكِفتان أو كَفتان -بكسر الكاف وفتحها، واللغتان صحيحتان- وأن أعمال العباد توزن به يوم القيامة. وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية المشهورة: والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال الذي توزن به الأعمال يوم القيامة له كفتان حسيتان مشاهدتان، والله أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات. أيها المسلم! لا يعلم حقيقة وطبيعة وكيفية الميزان إلا الملك الرحمن، وإلا فهل تستطيع أن تتصور ميزاناً يوضع في يوم القيامة يقول فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لو وزنت فيه السماوات والأرض لوزنهما)؟ وكيف تتصور هذا الميزان؟! ففي الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك، وصححه على شرط مسلم ، وأقره الذهبي، وصحح إسناد الحديث الألباني في السلسلة الصحيحة، من حديث سلمان الفارسي أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوضع الميزان يوم القيامة، فلو وزنت فيه السماوات والأرض لوسعت، فتقول الملائكة إذا رأت الميزان: يا رب! لمن يزن هذا؟ فيقول الملك جل وعلا: لمن أشاء من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك). فإذا رأت الملائكة الميزان عرفت أنها ما عبدت الرحمن حق عبادته، وهذا من شدة الرعب والهول؛ فإن مشهد الميزان من أرهب مشاهد القيامة. فالميزان حق، قال جل وعلا: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]. فكفى بالملك جل وعلا حسيباً، فبين الله سبحانه وتعالى أنه يضع الموازين بالقسط -أي: بالعدل-، والراجح من أقول أهل العلم: أن الميزان يوم القيامة ميزان واحد. وأما الجواب على الجمع في قوله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ) فهو: أن الراجح من أقوال العلماء: أن الجمع في الآية باعتبار تعدد الأوزان أو الموزون؛ لأن الميزان يوزن فيه أشياء كثيرة، فالجمع على اعتبار تعدد الأوزان أو الموزون.

    أقسام الناس عند الميزان

    بين الله تعالى أن الميزان إن ثقل ولو بحسنة واحدة فقد سعد صاحبه سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإن خف الميزان ولو بسيئة واحدة فقد شقي صاحبه شقاوة لا يسعد بعدها أبداً، قال جل وعلا: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ [المؤمنون:101-104]. فمن ثقل ميزانه ولو بحسنة سعد سعادة لا شقاوة بعدها أبداً، ومن خف ميزانه ولو بسيئة شقي شقاوة لا سعادة بعدها أبداً، أما من استوت موازينه بأن تساوت حسناته مع سيئاته، فهؤلاء -على الراجح- هم أهل الأعراف الذين يحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، وهؤلاء قصرت بهم سيئاتهم فلم يدخلوا الجنة، ومنعتهم حسناتهم من أن يدخلوا النار، فحبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فإذا التفت أهل الأعراف إلى أهل الجنة سلموا عليهم، كما قال عز وجل: سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ [الأعراف:46]. أي: لم يدخل أهل الأعراف الجنة وهم يرجون رحمة الله، ويطمعون أن يدخلهم الجنة، فإذا ما التفتوا إلى الناحية الأخرى ورأوا أهل الجحيم في الجحيم؛ تضرعوا إلى الملك العليم ألا يجعلهم مع القوم الظالمين، كما قال جل وعلا: وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأعراف:46-47]. إذاً: أيها المسلم! حري بك إذا ما تعرفت على أقسام الموازين الثلاثة ألا تحتقر أي عمل صالح وإن قل، وألا تستهين بمعصية وإن صغرت، فبحسنة واحدة قد يثقل الميزان، وبسيئة واحدة قد يخف الميزان، بل بكلمة واحدة قد تنال رضوان الرحمن، وبكلمة واحدة قد تنال سخط الجبار سبحانه وتعالى. ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في جهنم). فقد يستهين كثير منا بخطورة الكلمة، وكم من كلمات أشعلت حروباً بين أمم ودول؟! بل بكلمة يهدم بيت، وبكلمة يدخل المرء دين الله، وبكلمة يخرج المرء من دين الله، وبكلمة يستحل الرجل فرج امرأة، وبكلمة يحرم عليه فرجها؛ فالكلمة لها خطرها في دين الله، فبكلمة تنال الرضوان، وبكلمة قد يتعرض المرء لسخط الرحمن، فحسنة قد تدخل العبد الجنة؛ لأنها تثقل ميزانه، وسيئة قد تدخل العبد النار؛ لأن بها يخف ميزانه عند الملك القهار جل وعلا. ولذا ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق). فلا تقل: هذا عمل بسيط، وهذه طاعة صغيرة أو حقيرة؛ فكم من عمل صغير عظمته النية! وكم من عمل عظيم صغرته النية! فلو تصدقت بجنيه واحد لله، والله يعلم فقرك، ويعلم منك حاجتك له، فربما سبق جنيهك هذا ملايين الجنيهات لغيرك من الأغنياء، والله أعلم بحالك وحالهم. فلا تحقرن من المعروف شيئاً؛ فإن عجزت عن بعض الأشياء؛ فإنك لن تعجز -أيها المسلم- أن تهش وتبش في وجه إخوانك، ولو أن تلقاهم بوجه طليق، فما من بيت يخلو من المشاكل، ولكن ما ذنب إخوانك إن خرجت إليهم بوجه عبوس، فكن كما قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق). بل لقد قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة-: (إن بغياً -أي: زانية- من بغايا بني إسرائيل دخلت الجنة في كلب -كيف ذلك؟!- مرت على كلب يلهث يأكل الثرى من شدة العطش، فعادت إلى بئر ماء فملأت موقها -أي: خفها- ماءً وقدمته للكلب فشرب، فغفر الله لها بذلك) أود أن أقول: إذا كانت الرحمة بالكلاب تغفر الخطايا للبغايا، فكيف تصنع الرحمة بمن وحد رب البرايا؟! فنحتاج إلى رحمة، فالرحمة والرفق -يا شباب- يصلحان ولا يفسدان أبداً، والشدة والعنف -يا شباب- يهدمان ويفسدان ولا يصلحان أبداً، وهذه سنة الله في خلقه، قال صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه). وقد حدثنا المصطفى صلى الله عليه وسلم عن امرأة حبست هرة -أي: قطة- فدخلت بسببها النار. والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وجاء في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فاتقوا النار ولو بشق تمرة). أي: ولو بنصف تمرة تتصدقون بها لوجه الله، فقد ينجو العبد من النار بشق تمرة، فإن ثقل الميزان بحسنة سعد صاحب هذه الحسنة سعادة لا شقاوة بعدها أبداً، وإن خف الميزان بسيئة شقي العبد شقاوة لا سعادة بعدها أبداً، وإن تساوت الموازين فهؤلاء هم أهل الأعراف، والراجح من أقوال كثيرة لأهل العلم: أن الله جل وعلا يتغمدهم برحمته، فيدخلهم الجنة.

    1.   

    بيان ما يوزن في الميزان

    ما الذي يوزن في الميزان؟ الجواب هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء. أيها الأحبة! لقد اختلف أهل العلم في الجواب على هذا السؤال على ثلاثة أقوال، وأعرني قلبك وسمعك جيداً فإن الموضوع منهجي دقيق يحتاج إلى حسن متابعة.

    وزن الأعمال

    اختلف أهل العلم في الذي يوزن على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن الذي يوزن في الميزان يوم القيامة هو الأعمال ذاتها، أي: أعمال العبد من صلاة وصيام وزكاة وحج وصدقة وبر وعمرة وغير ذلك. فرد بعض المعكرين المتعنتين وقالوا: هذه الأعمال أعراض لا أجسام؛ والأعراض لا توزن ولا توضع في الميزان، فكيف توزن الصلاة وهى ليست جسماً؟! وكيف توزن الزكاة؟! وكيف يوزن الحج؟! وكيف توزن الصدقة؟! وكيف يوزن بر الوالدين؟! فهذه الأعمال أعراض لا أجسام، والأعراض لا توزن في الميزان، فكيف تقولون: بأن الأعمال هي التي توزن يوم القيامة؟! والجواب: أن الله جل وعلا يوم القيامة يحول الأعراض إلى أجسام توضع في الميزان، فيخف الميزان ويثقل بحسب الحسنات والسيئات، والأدلة على ذلك من السنة الصحيحة كثيرة: روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم). فهذه كلمة يثقل الله بها الميزان، وأما كيف؟! فنقول: يحول الله الأعراض إلى أجسام، وتوضع في الميزان، فيثقل الميزان ويخف بحسب الحسنات والسيئات. وروى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان وصححه شيخنا الألباني في مشكاة المصابيح من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق). فحسن الخلق أثقل شيء في ميزان العبد يوم القيامة. وأخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن القرآن الكريم يأتي يوم القيامة يقف أمام العبد بين يدي الله جل وعلا على هيئة غمامة، أو سحابة أو طير. اللهم ارزقنا العمل بالقرآن، ورد الأمة إلى القرآن رداً جميلاً، فإننا نرى الآن أمة القرآن قد هجرت القرآن! والهجر للقرآن أنواع: هجر التلاوة، وهجر التدبر، وهجر العمل بأحكام القرآن ، وهجر التداوي بالقرآن، هجرت الأمة القرآن، وصدق فيها قول الله جل وعلا: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، وما أشقى من تغافل عن دائه، ولم يسع في دوائه، فظل في ضنكه وشقائه! فلا سعادة للأمة ولا ريادة إلا إذا عادت من جديد إلى أصل عزها ونبع شرفها ومعين كرامتها وبقائها، ألا وهو: كتاب ربها مع سنة الحبيب نبيها. اللهم رد الأمة إلى القرآن والسنة رداً جميلاً برحمتك يا أرحم الراحمين! يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وسورة آل عمران كأنهما غمامتان سوداوان بينهما شرْق أو شَرَق -شرق بتسكين الراء أو بفتح الراء هو: الضوء والنور، والتسكين أشهر وأبلغ- أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما) أي: بين يدي الله جل وعلا. فكل هذه أدلة من السنة الصحيحة تدل على أن الأعراض تتحول يوم القيامة إلى أجسام، ولما لم نستطع أن نعي كل هذه الحقائق أردنا أن نحكم قوانين الآخرة الغيبية بقوانين الدنيا الحسية فعجزنا. فلا تعطل ولا تكيف ولا تمثل. ولا يستطيع أحد منا الآن أن يعاند أو أن يكابر أو أن يمتنع عن الاعتراف بعالم يعيش بيننا ألا وهو عالم النمل مثلاً، بل ولا يستطيع أحد منا أن ينكر أن النمل يتكلم؛ بدليل أن الله لما فك رموز لغة النمل لسليمان عليه السلام فهم سليمان لغة النمل، وتجاوب مع النمل، كما قال عز وجل: قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل:18-19]. إذاً: لا يستطيع أحد أن ينكر وجود عالم النمل، بل لا يستطيع أحد أن ينكر أن النمل يتكلم ويتحدث ويتخاطب، ومع ذلك ما رأينا واحداً منا قد جاء بمكبرات صوت دقيقة جداً وقربها لمجموعة نمل ليسمع كلامها، مع أنه يعلم أن النمل يتكلم؛ لأنه ما أعطى لعقله العنان في أن يدرك كيفية لغة النمل؛ لأن الله ما فك له رموز هذه اللغة. فإذاً: هو يستكثر على عقله أن يدرك كيفية لغة هذا النمل، والنمل خلق من خلق الله، فكيف لعقله أن يدرك ذات الله جل وعلا؟! وكيف له أن يدرك الذات الإلهية؟! فلا تكيف ولا تعطل، ولا تمثل ولا تشبه؛ فعالم الآخرة ليس كعالم الدنيا، ومن الظلم أن نحكم عالم الآخرة الغيـبي بعالم الدنيا وقوانينه وهو عالم حسي، فالله سبحانه بقدرته يحول الأعراض إلى أجسام توضع في الميزان، فيثقل الميزان ويخف بحسب الحسنات والسيئات، بل لقد أخبرنا الصادق أيضاً: أن العمل يأتي لصاحبه في القبر على هيئة رجل. وقد جاء بهذا حديث رواه أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وغيرهم، وصححه الإمام ابن القيم ، وأطال النفس في الرد على من أعل الحديث، وصحح الحديث الألباني من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العبد المؤمن إذا وضع في قبره، فقال: ويأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له: من ربك؟! فيقول: ربي الله، فيقولان: ما دينك؟! فيقول: الإسلام، فيقولان له: من نبيك أو من هذا الرجل الذي بعث فيكم؟! فيقول: هو محمد صلى الله عليه وسلم، فيقولان: ما علمك؟! فيقول: قرأت كتاب الله؛ وآمنت به وصدقت، فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي؛ فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد البصر). وأرجو ألا يشوش علينا كلام العلمانيين المجرمين ممن يريدون أن يجعلوا من سلطان العقل والمادة قانوناً يحكمونه في صريح القرآن وصحيح السنة؛ فإننا نشهد الآن نبتة سوء ينكر أصحابها عذاب القبر. وإن غداً لناظره قريب. فهذا كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، يقول عليه الصلاة والسلام: (ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول الميت له: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول له: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، وأنا عملك الصالح) العمل يكلم صاحبه في القبر بقوله: (وأنا عملك الصالح). وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الكافر: (ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟! فيقول: هاه هاه، لا أدرى، فيقولان: من نبيك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدرى، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدرى، فينادي مناد من السماء: أن كذب عبدي، فافرشوا له فراشاً من نار، وألبسوه لباساً من نار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من روحها وسمومها، ثم يضيق عليه قبره فتختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل أسود الوجه، قبيح المنظر، منتن الريح، فيقول: من أنت؟ فوجهك الذي يأتي بشر، فيقول: أبشر بالذي يسوءك؛ أنا عملك الخبيث). بل لقد أخبر الصادق أن الموت نفسه يأتي يوم القيامة على هيئة كبش أملح، ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى يوم القيامة بالموت على هيئة كبش أملح، فينادي منادٍ: يا أهل الجنة! فيشرئبون وينظرون، فيقول لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم نعرفه؛ إنه الموت، وكلهم قد رآه. فينادي منادٍ: يا أهل النار! فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم نعرفه؛ إنه الموت. فيؤمر بذبحه بين الجنة والنار، وينادي منادٍ ويقول: يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت). إذاً: يا إخوة! ثبت بالأدلة الصحيحة التي ذكرت الآن: أن الأعراض تتحول إلى أجسام، وتوضع في الميزان يوم القيامة، ويثقل الميزان ويخف بحسب الحسنات والسيئات، هذه أدلة أصحاب القول الأول الذين قالوا: إن الأعمال هي التي توزن في الميزان يوم القيامة.

    وزن العامل

    القول الثاني: أن الذي يوزن في الميزان هو العامل نفسه، وليس الأعمال. واستدل أصحاب هذا الفريق بأدلة صحيحة كذلك، منها: ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه ليأتي الرجل السمين العظيم فلا يزن عند الله يوم القيامة جناح بعوضه) أي: أنه يؤتى برجل سمين عظيم منتفخ يوم القيامة فيوضع في الميزان فلا يزن عند الله جناح بعوضة؛ إذ إن الموازين إذا وضع فيها العباد لا تخف ولا تثقل بحسب ضخامة الأبدان وكثرة الشحم والدهن، وإنما تثقل وتخف بحسب الحسنات والسيئات. وأقول: من الظلم أن نحكم قانون الدنيا في قوانين الآخرة، أو في عالم الآخرة، ومن المعلوم في موازين الدنيا أن الرجل السمين العظيم إذا صعد على الميزان يثقل، فإن وضع في الكفة الأخرى رجل نحيف هزيل فإنه يخف، لكن موازين الآخرة تختلف؛ فيوضع في الميزان الرجل السمين العظيم الذي ملأ بطنه بالحرام، والذي ملأ بطنه بأموال الناس بالباطل، والذي ملأ بطنه بأموال اليتامى ظلماً وبهتاناً، والذي ملأ بطنه بالرشوة وأكل الحرام، يوضع في الميزان مع أنه منتفخ، فلا يزن عند الله جناح بعوضة. وفي المقابل يؤتى برجل نحيف خفيف لو وضع في كفة، ووضع جبل أحد في كفة؛ لرجحت كفة هذا الرجل، وهذا مثل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ فإنه كان رجلاً ضعيف البنية، لكنه قوي الإيمان، كان رجلاً خفيف الجسم، لكنه ثقيل الأعمال، كما في الحديث الذي تفرد به الإمام أحمد في مسنده بسند جيد قوي كما قال الحافظ ابن كثير وغيره، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (صعد ابن مسعود رضي الله عنه يوماً على شجرة أراك يجني سواكاً، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟! قالوا: نضحك من دقة ساقيه يا رسول الله! فقال: والذي نفسي بيده! لهما أثقل في الميزان من جبل أحد). فهذه أدله أصحاب القول الثاني الذين قالوا: إن الذي يوزن في الميزان هو العبد.

    وزن صحف الأعمال

    القول الثالث: أن الذي يوزن في ميزان العبد يوم القيامة هي الصحف. واستدلوا على ذلك بحديث صحيح رواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي ، ورواه ابن حبان وأبو داود وغيرهم، وصحح الحديث شيخنا الألباني من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى سيخلص رجلاً من أمتي يوم القيامة على رءوس الخلائق، فينشر عليه تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل مثل مد البصر، فيقول الله جل وعلا للعبد: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول العبد: لا يا رب! فيقول: أفلك عذر؟ فيقول العبد: لا يا رب، فيقول الله جل وعلا: بلى؛ إن لك عندنا حسنة، فتخرج بطاقة مكتوب فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول العبد: يا رب! ما هذه البطاقة إلى جوار هذه السجلات؟! فيقول الله جل وعلا: احضر وزنك؛ فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتوضع السجلات -أي: الصحف- في كفة، وتوضع البطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة؛ فإنه لا يثقل مع اسم الله شيء). اللهم كما خلقتنا موحدين ثبتنا على التوحيد، واختم لنا بالتوحيد يا رب العالمين! فيا من خلقك الله موحداً! وأرسل إليك محمداً؛ لا تغفل عن شكر هذه النعمة، أسأل الله أن يجعلنا أهلاً لها. ومما زادني فخراً وتـيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي! وأن أرسلت أحمد لي نبيا ولكن أرجو أن نعلم يقيناً أن التوحيد ليس مجرد كلمة ترددها الألسنة أو دخان يطير في الهواء، بل إن التوحيد: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان. أيها الأحبة الكرام! فما هو القول الراجح من بين هذه الأقوال؟ وما هي الأعمال التي تثقل في الميزان؟! أرجئ الجواب في عجالة على هذين السؤالين إلى ما بعد جلسة الاستراحة، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    ما يوزن به يوم القيامة

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! الراجح عندي -والله تعالى أعلم- بعد تدبري وتفهمي لهذه الأدلة على كثرتها: أن الأعمال والعامل والصحف كل ذلك يوضع في الميزان، أي: يوزن العبد بأعماله وبصحفه، وهذا ما رجحه صاحب (معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول) في التوحيد، وهذا ما أميل إليه. أسأل الله أن يثقل ميزاننا يوم نلقاه؛ إنه ولي ذلك ومولاه.

    1.   

    الأعمال التي تثقل الميزان يوم القيامة

    أذكر نفسي وأحبابي ببعض الأعمال التي تثقل الميزان يوم القيامة، وهذا هو عنصرنا الثالث والأخير. من أعظم الأعمال التي تثقل الميزان يوم القيامة حسن الخلق، فعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذي). آه من الحديث عن حسن الخلق! ما أحوج الأمة بحكامها وعلمائها وشيوخها ودعاتها ورجالها ونسائها وشبابها إلى حسن الخلق! فإن حسن الخلق الآن منهج نظري منير، ونرى بوناً شاسعاً رهيباً بينه وبين سوء خلق كمنهج واقعي عملي مرير. فأين أخلاق الإسلام؟!! أين أخلاق محمد عليه الصلاة والسلام؟! فما أيسر التنظير يا إخوة! أقول: إن أرفف المكتبات في بيوتنا وفى مدارسنا وجامعاتنا تئن بأطنان المجلدات، التي سطر فيها المنهج النظري المشرق المنير، ولكن لو فتشت في واقع الأمة، ونظرت نظرة سريعة إلى أحوال الناس؛ لرأيت بوناً شاسعاً بين هذا المنهج النظري المنير وبين الواقع المؤلم المر المرير. فأين الصدق؟! أين الإخلاص؟! أين الأمانة؟! أين الرفق؟! أين الحلم؟! أين العفو؟! أين الصلة؟! أين البر؟! أين الرجولة؟! أين الشهامة؟! أين الكرامة؟! أين الحياء؟! أين أخلاق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؟! والله! والله! إني لأتهم نفسي كما قال عز وجل: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53] ويرن في أذني الآن قول القائل: وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي والطبيب عليل فأسأل الله أن يستر علي وعليكم، وأن يردني وأن يردكم وأن يرد الأمة كلها إلى الخلق الجميل رداً جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه. ما أحوجنا إلى محاسن الأخلاق! وما أحوجنا إلى مكارم الأخلاق! يا شباب! أيها المسلمون! أقول دائماً: لقد نجح المصطفى صلى الله عليه وسلم في أن يقيم للإسلام دولة من فتات متناثر وسط صحراء تموج بالكفر موجاً، فإذا دولة الإسلام بناء شامخ لا يطاوله بناء، نجح المصطفى في ذلك يوم أن طبع عشرات الآلاف من النسخ من المنهج التربوي الإسلامي العظيم، ولكنه لم يطبعها بالحبر على صحائف الأوراق، وإنما طبعها على صحائف القلوب بمداد من النور، فحول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المنهجَ الأخلاقي الإسلامي إلى واقع عملي، يتألق سمواً وروعةً وجلالاً في دنيا البشر، فذهلت البشرية بهذا المنهج. لكنني أقول: إن أعظم حجر يقف الآن في سبيل الإسلام في الشرق والغرب هو أخلاق المسلمين، فإن الرجل في الشرق والغرب ينظر إلى المسلمين هناك، فيرى المسلم يزني، ويبيع الخنزير، ويشرب الخمر، ولا يحافظ على الصلوات، فينظر هذا الرجل إلى هذا المسلم الذي يتغنى بالإسلام، فيرى أنه قد يفوقه خلقاً سيئاً، فالحجر الكئود والعقبة الكئود في طريق الزحف الإسلامي في الشرق والغرب هي أخلاقنا إلا من رحم ربنا. نسأل الله أن يجعلنا جميعاً ممن رحم فحسن خلقه، ولذلك يقول المصطفى: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق) وأرجو أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في ميزان المؤمن) وأرجو أن ننتبه لهذه اللطيفة وهي: أن الإيمان أصل سابق، إذ لو جاء كافر عند الله بأخلاق حسنة فإنها تنفعه في الدنيا، لكنها لا تنفعه في الآخرة؛ لأن الأصل مفقود، ألا وهو الإيمان بالرب المعبود، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق). وقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أكمل المؤمنين إيماناً فقال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً). بل لقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وابن حبان وغيرهما، من حديث عائشة بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم). وأصحاب الأخلاق العالية من أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً). اللهم ارزقنا الأخلاق الكريمة الحميدة يا رب العالمين! ومن أعظم الأعمال التي تثقل الميزان يوم القيامة أيضاً أيها الأخيار! ما ذكره المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض). فهل تعجز عن هذا؟! والحديث في صحيح مسلم. ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس). وأختم بهذا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال: المصطفى صلى الله عليه سلم: (من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر). لكن أرجو أن يردد اللسان، وأن يصدق الجنان، وأن تترجم الجوارح والأركان. أسأل الله جل وعلا أن يثقل موازيننا يوم نلقاه، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم. أحبتي في الله! ماذا بعد الميزان؟! الجواب في الجمعة القادمة بإذن الله جل وعلا، أسأل الله أن يجمعنا بكم دائماً على الخير والطاعة؛ إنه ولي ذلك وموالاه. اللهم ثقل موازيننا يوم نلقاك، اللهم ثقل موازيننا يوم نلقاك، اللهم ثقل موازيننا يوم نلقاك. اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وكن لنا ولا تكن علينا. اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض. اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً إلا رحمته. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756224119