إسلام ويب

عندما ترعى الذئاب الغنمللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لله سبحانه وتعالى في هذا الكون سنن لا تتبدل ولا تتغير، ومن هذه السنن النصر المبين للمؤمنين، والناظر إلى حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجد خير دليل وشاهد على ذلك. وينبغي أن نعلم أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ولن يتغير حال الأمة إلا إذا غير كل فرد مسلم ما في نفسه من حب الدنيا، والحياة الذليلة، وتاق إلى القتال في سبيل الله بعزة وإباء!

    1.   

    الغرب وحضارة الذئاب

    بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد : فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء! وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! (عندما ترعى الذئاب الغنم) هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك، وكعادتنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً، فسوف أركز الحديث مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية: أولاً: الغرب وحضارة الذئاب. ثانياً: حتى تتبع ملتهم. ثالثاً: هذا هو طريق النجاة. وأخيراً: ولا تهنوا ولا تحزنوا. والله أسأل أن يقر أعيننا وإياكم بنصرة الإسلام وعز الموحدين، وأن يشفي صدور قوم مؤمنين، وأن يرفع الهم والغم والكرب عن أمة سيد النبيين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أولاً: الغرب وحضارة الذئاب: أحبتي في الله! لقد ابتليت الأمة الإسلامية بنكبات وأزمات كثيرة على طول تاريخها، مروراً بأزمة الردة الحادة والهجمات التترية الغاشمة، والحروب الصليبية الطاحنة، وزوال ظل الخلافة الراشدة المسلمة، وضياع القدس الشريف وانتهاءً بأزمة العراق المخزية. كانت الأمة في الماضي مع كل هذه الأزمات تمتلك مقومات النصر، من إمام صالح، وثقة في الله، واعتزاز بهذا الإسلام العظيم، ولكن الأمة في واقعنا المعاصر مع هذه الأزمات فقدت جل مقومات النصر، إذ إن الأمة قد انحرفت انحرافاً مروعاً عن منهج رب العالمين، وعن طريق سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، انحرفت الأمة في الجانب العقدي والتعبدي والتشريعي والأخلاقي والفكري، بل وحتى في الجانب الروحي ولا حول ولا قوة إلا بالرب العلي! انحرفت انحرافاً مزرياً في جميع مجالات الحياة؛ فحق عليها قول الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود من حديث ثوبان (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: كلا، وإنكم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل، وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: حب الدنيا، وكراهية الموت). لقد أصبحت الأمة الآن قصعة مستباحة لأرذل ولأذل وأحقر أمم الأرض؛ لأن الأمة قد تحولت إلى غثاء من النفايات البشرية تعيش على ضفاف مجرى الحياة الإنسانية كدويلات متناثرة، بل متصارعة، بل متحاربة، تفصل بين الأمة حدود جغرافية مصطنعة، ونعرات قومية جاهلية منتنة، وترفرف على سماء الأمة رايات القومية والوطنية، وتحكم الأمة قوانين الغرب العلمانية، وتدور بالأمة الدوامات السياسية، فلا تملك الأمة نفسها عن الدوران، بل ولا تختار لنفسها حتى المكان الذي تدور فيه. ذلت الأمة بعد عزة، وضعفت الأمة بعد قوة، وإن ما رأيناه في الأيام الماضية -ولم تنته فصول هذه المسرحية بعد- من تهديد أمريكي صارخ لا للعراق فحسب، بل للأمة كلها، وإن ما نراه من هذا الواقع المر الأليم ليؤكد حالة الذل والهوان التي تحياها أمتنا في هذه الأيام. أيها الأحبة! إن ما يجري لأمتنا يقع وفق سنن ربانية لا تتبدل ولا تتغير، ولا تحابي أحداً من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة، ولن تعود الأمة إلى مكانتها الطبيعية إلا وفق هذه السنن التي لا يجزي معها تعجل الأذكياء، ولا وهم الأصفياء، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، ما هذا الواقع وهذا التهديد، بل وهذه الجيوش الرابضة الآن في أرض الإسلام في أرض الخليج العربي المسلم من حاملات الطائرات، وما هذه الأعداد الهائلة من الأفراد إلا تأكيداً صريحاً على حضارة الغرب المادية الوحشية البربرية. إنها حضارة الذئاب رغم الدجل الإعلامي والعهر السياسي، ورغم أنف العجوز الشمطاء اليهودية مادلن أولبريت التي تصرخ هنا وهناك بما يسمونه احترام الشرعية الدولية، ولا تصدقوا من يقول: إنها سياسة الكيل بمكيالين، لا. إنه مكيال واحد، إنه مكيال العداء لمحمد بن عبد الله وللإسلام في كل زمان ومكان، إنه كلام ربنا وكلام الصادق نبينا الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم. أيها المسلمون! ينبغي أن نفيق من هذا النوم العميق، وأن نستيقظ من هذا السبات الذي طال، فإن حضارة الغرب هي حضارة الذئاب والأفاعي.. هي حضارة الثعالب.. هي الحضارة الوحشية البربرية الظالمة.. هي الحضارة السوداء، وإن شعار هذه الحضارة بلا نزاع: البقاء للأقوى، كما هو مشاهد في هذا العالم اليوم على الرغم من وجود مجلس الأمن، وهيئة الأمم، وعلى الرغم من وجود حلف الأطلسي.. إلى آخر هذه الأحلاف والهيئات، التي ما جعلت أصلاً إلا لتضمن البقاء للنظام العالمي الكبير الذي يتحكم في بنوده وأصوله وفروعه يهود الأمريكان. إنه عالم الغرب الذي يمتطي الآن جواد الحضارة ويسوم البشرية سوء العذاب، فلقد ذاقت البشرية في عهد الرجل الغربي ما تستحي الوحوش الضارية في عالم الغابات أن تفعله ببعضها البعض. ولم العجب؟ أليست الحضارة الأمريكية الظالمة هي الحضارة التي ألقت القنابل النووية المذيبة على هيروشيما ونجازاكي؟! أنسيتم أن الأمريكان هم الذين دمروا بالقنابل النووية هيروشيما ونجازاكي؟ أليست هي الحضارة الغاشمة التي أبادت شعب الهنود الحمر عن بكرة أبيه؟! إذاً: لا عجب إذا رأينا الحضارة الغربية المادية الآن تريد أن تمحو من على وجه الأرض شعب العراق، ولو استطاعت الحضارة الغربية المادية أن تمحو من على وجه الأرض الشعوب الإسلامية لفعلت ذلك من أجل سواد عيون اليهود، وصدق ربي إذ يقول: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]. قالوا لنا الغرب قلت صناعة وسياحة ومظاهر تغرينا لكنه خاو من الإيمان لا يرعى ضعيفاً أو يسر حزينا أين أطفال العراق الذين يموتون بعشرات الآلاف والإعلام الأمريكي بل والغربي يظهر الجنازات للأطفال بالعشرات بل بالمئات؟! أين من يرقصون على مسرح الحريات؟! أين من يتغنون بحقوق الإنسان؟! أين من يتغنون بحقوق الحيوان؟! أين هم من أطفال صغار لا يجدون طعاماً ولا شراباً ولا دواءً؟ ويزداد الهم حينما نرى بعض المسلمين لا يتعاطفون مع صدام المجرم إلا لأنه وقف ضد الأمريكان، وهذا فهم عقيم سقيم، فلم يعد ولاء هذه الأمة لله ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم، فوالله لو وجدت أمريكا في عملائها أفضل من صدام ما أبقته على كرسي الحكم يوماً واحداً، إنه الدجاجة التي تبيض كل يوم لأمريكا بيضة من الذهب الخالص: قالوا لنا الغرب قلت صناعة وسياحة ومظاهر تغرينا لكنه خاو من الإيمان لا يرعى ضعيفاً أو يسر حزيناً الغرب مقبرة المبادئ لم يزل يرمي بسهم المغريات الدينا الغرب مقبرة العدالة كلما رفعت يد أبدى لها السكينا الغرب يحمل خنجراً ورصاصة فعلامَ يحمل قومنا الزيتونا كفر وإسلام فأنى يلتقي هذا بذلك أيها اللاهونا أنا لا ألوم الغرب في تخطيطه لكن ألوم المسلم المفتونا وألوم أمتنا التي رحلت على درب الخضوع ترافق التنينا وألوم فينا نخوة لم تنتفض إلا لتضربنا على أيدينا يا مجلس الأمن المخيف إلى متى تبقى لتجار الحروب رهينا إلى متى ترضى بسلب حقوقنا منا وتطلبنا ولا تعطينا لعبت بك الدول الكبار فصرت في ميدانهن اللاعب الميمونا يا مجلساً غدا في جسم عالمنا مرضاً خفياً يشبه الطاعونا شكراً لقد أبرزت وجه حضارة غربية لبس القناع سنينا شكراً لقد نبهت غافل قومنا وجعلت شك الواهمين يقينا يا مجلس الأمن انتظر إسلامنا سيريك ميزان الهدى ويرينا إن كنت في شك فسل فرعون عن غرق وسل عن خده قارونا إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]، إنها حضارة الذئاب! أما آن للعلمانيين أن يحترموا أنفسهم وعقولهم؟! أما آن للمسلمين أن يفيقوا وأن يستبينوا سبيل المؤمنين من سبيل المجرمين؟ أيها الأحبة: لابد أن يوحد الآن الصف المسلم، فنحن في أمس الحاجة إلى هذا التوحد؛ لينصر المسلمون دينهم بكل سبيل؛ وليقفوا على الصف الذي يستبين فيه الرجل العادي سبيل المؤمنين من سبيل المجرمين.

    1.   

    حتى تتبع ملتهم

    العنصر الثاني من عناصر المحاضرة هو: حتى تتبع ملتهم. وبكل أسف القرآن يقرأ، ولكن القرآن في وادٍ وهي في واد آخر. ولم العجب وقد ضيعت الأمة القرآن، ونحته عن حياتها وهجرته وحكمت قوانين الغرب؟! وصدق على الأمة قول الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد (لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟! قال: فمن). هجرت الأمة القرآن، وحكمت في الأعراض والأموال والدماء قوانين الغرب وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30] ولا حول ولا قوة إلا بالله! القرآن يتلى وربنا جل وعلا يقول لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [البقرة:120]، و(لن) هنا هي لن المستقبلية أي: إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فهل تصدقون الملك القدير؟! هل تصدق الأمة ربها الذي يقول لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]؟!

    خطر موالاة اليهود والنصارى

    من أجل سواد عيون (النتن ياهو) تفعل أمريكا الآن ما تفعل، فإن اللوبي الصهيوني في أمريكا يخنق أنفاسها -شرذمة من اليهود- لتتحكم في مصير العالم بأسره. لماذا؟ لا لقوة اليهود، لا والله؛ فإن الله يقول: تحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14]، وإنما لهزيمة نفسية طحنت الأمة طحناً، فالأمة ليست ضعيفة ولا فقيرة وليست قليلة، بل الأمة غنية وأموال الأمة في بنوك الغرب تدير دفة السياسة العالمية بأسرها، فالأمة ليست فقيرة لا في الأموال ولا الأعداد الهائلة ولا في المناخ، فإن العالم كله يحسد الأمة الإسلامية على مناخها وعلى وسطيتها في المكان، وأنتم تعلمون أن الله قد حبا هذه الأمة مما يسمى بالبترول ما تستطيع الأمة أن تتحكم به في سياسة العالم بأسره، لو أنها عرفت ربها، واحترمت نفسها وأذعنت واستسلمت لنبيها صلى الله عليه وسلم، ولكن أبى الله إلا أن يذل من عصاه، وأبى الله إلا أن يعز من أطاعه واتقاه، والأمة قد عصت ربها، وانحرفت عن طريق نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، فأذلها الله وأهانها. إن الله جل وعلا يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم ويخاطب المؤمنين جميعاً من بعد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]، قال حذيفة بن اليمان: (فليحذر أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يدري، لقول الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]). تدبر أخي الحبيب قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51]، العجوز الشمطاء أولبريت يهودية ووزير الدفاع يهودي واليهود بعضهم أولياء بعض للنصارى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]، ليس هذا قولي حتى لا أتهم بالتطرف ولا بالإرهاب، إنما هو كلام ربنا جل وعلا: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]، قال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ [البقرة:109]. استمعوا وتدبروا كلام ربنا! أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].. وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:109]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118]. يا لها ورب الكعبة من آيات، لا أقول تجسد ظاهر القول، بل توضح باطن القول، يجليها لنا العليم الخبير بمن خلق! أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]. أيها المسلم: أتحب أعداء الحبيب وتدعي حباً له ما ذاك في الإمكان وكذا تعادي جاهداً أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطان إن المحبة أن توافق من تحب على محبته بلا نقصان فإن ادعيت له المحبة مع خلا فك ما يحب فأنت ذو بهتان عبد الله! لو صدقت الله فيما زعمته لعاديت من بالله ويحك يكفر وواليت أهل الحق سراً وجهرة ولما تعاديهم وللكفر تنصر فما كل من قد قال ما قلت مسلم ولكن بأشراط هنالك تذكر مباينة الكفار في كل موطن بذا جاءنا النص الصحيح المقرر وتصدع بالتوحيد بين ظهورهم وتدعوهم سراً لذاك وتجهر هذا هو الدين الحنيفي والهدى وملة إبراهيم لو كنت تشعر أخي المؤمن! إنأوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله، ومن أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان. من أحب لله لا من أجل وطنية، ولا من أجل قومية، فقد استكمل الإيمان. أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين الصادقين الذين ينصرون دينه وسنة نبيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    1.   

    طريق النجاة

    أيها الأحبة الكرام! طريق النجاة من هنا فلا ينبغي أن نشخص الداء بحسرة ومرارة وألم دون أن نحدد الدواء، ودون أن نبين طريق النجاة. أيها المسلمون! إن طريق النجاة في كلمة واحدة، وليس معنى ذلك أن نرددها بالألسنة فحسب، وإنما لترددها الأمة باللسان، ولتصدقها بالجنان، ولتحولها إلى واقع عملي بالجوارح والأركان. إن هذه الكلمة هي الإسلام، فمستحيل أن ينصر الله أمة خذلت دينه وخذلت نبيه! إن الأمة الآن تتغنى في مولد النبي صلى الله عليه وسلم بأخلاق النبي وهي أمة لا تستحي إلا من رحم ربك العلي، فإنها في الوقت الذي تتغنى فيه بمولد النبي وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم تراها قد نحت شريعة النبي، وحكّمت قانون الغرب العلماني، والله جل وعلا يقول: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ [النساء:65]، و(لا) هي لا النافية كما قال علماء اللغة فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]. أيها الأحباب! لقد كانت الأمة في أول الأمر -بالمقارنة إلى ما تحياه الأمة الآن- ضعيفة من الناحية المادية، قليلة من الناحية العددية، فقيرة من الناحية المالية، لكنها كانت غنية بالإيمان، قوية بالله فماذا كانت النتيجة؟ كلكم يعلم النتيجة. قلة في أرض الجزيرة وسط صحراء تموج بالكفر موجاً، وسط إمبراطورية الفرس وإمبراطورية الروم استطاعت هذه القلة المؤمنة بقيادة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن تقيم للإسلام دولة من فتات متناثر، فإذا هي بناء شامخ لا يطاوله بناء، في فترة لا تساوي في حساب الزمن شيئاً على الإطلاق مع قلة العدد .. مع الفقر المادي المرهق .. مع الضعف الجسدي، ولكنهم كانوا أعزة بالرب العلي: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، قالوا كلمة وحولوها إلى واقع عملي وإلى منهج حياة، فأذلوا كسرى وأهانوا قيصر. ولله در ربعي بن عامر رضي الله عنه عندما وقف يوماً أمام رستم ، فعلمه وعلمنا كيف تكون العزة بالإسلام! لقد دخل ربعي بن عامر في موقعة القادسية على قائد الجيوش الكسروية رستم الذي قال عنه كسرى : (لأرمين المسلمين بقائدي الذي ادخرته ليوم الكريهة)، وولى كسرى رستم قيادة الجيوش الكسروية، وكانت الكرة للمسلمين بأمر الله، وأراد رستم أن يفاوض سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فأرسل إليه: أن أرسل إلينا رسولاً لنفاوضه، فأرسل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ربعي بن عامر رضي الله عنه، فانطلق ربعي على فرس قصيرة، يلبس ثياباً متواضعة ممزقة، وفي يده رمحه وعلى بدنه ترسه ودرعه، فأرادوا أن يمنعوه من الدخول وهو على ظهر فرسه على سيدهم رستم ، فقال ربعي بلغة الواثق في الله المطمئن لدين الله العزيز بالإيمان: أنا لم آتاكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا عدت، فقال رستم : ائذنوا له، فدخل ربعي وهو يتكئ برمحه بعز واستعلاء بالإيمان، فصرخ في وجهه رستم ، وقال: من أنتم؟ ولماذا جئتم؟ فقال ربعي ليعلم رستم ويعلمنا من بعده ما هي الغاية التي من أجلها ابتعثنا، ولأجلها وجدنا، قال ربعي : نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فمن قبل منا قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن حال بيننا وبين دعوة الناس إلى دين الله قاتلناه حتى نفضي إلى موعود الله. قال رستم : وما موعود الله؟ قال ربعي : الجنة لمن مات في سبيل الله، والنصر لمن بقي منا على ذلك. فقال رستم : لقد سمعت مقالتك، فهل لكم أن تؤخرونا لننظر في أمرنا ولتنظروا في أمركم؟! فقال ربعي بعزة وإيمان عجيبين: لقد سن لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن لا نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث ليال، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر لنفسك واحدة من ثلاث. فقال رستم : وما هي؟ قال ربعي : أما الأولى فالإسلام، ونقبل ونرجع عنك. قال رستم : وما الثانية؟ قال ربعي : الجزية. الجزية التي تدفعها الأمة الآن رغم أنفها، فإن الفاتورة الأمريكية تسدد من دول الإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال رستم: وما الثالثة؟ قال ربعي : القتال في اليوم الرابع! أي: بعد ثلاثة أيام، ثم قال ربعي : ولن نبدأك بقتال فيما دون الثلاثة إلا إن بدأتنا أنت بقتال، أنا كفيل بذلك عن أصحابي. فقال رستم: أقائدهم أنت؟ أي: هل أنت القائد؟ هل أنت سعد بن أبي وقاص؟ فقال ربعي : لا، ولكن المسلمين كالجسد الواحد، يجير أدناهم على أعلاهم. انظروا إلى عز الأسلاف.. انظروا إلى استعلاء الإيمان في قلوبهم.. انظروا إلى اعتزازهم بربهم ودينهم، ونصرتهم بكل ما يملكون لنبيهم صلى الله عليه وسلم. لقد وقف المغيرة بن شعبة يظلل على رأس النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية، فجاء عروة بن مسعود الثقفي ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم كرسول من قبل قريش، وامتدت يد عروة بن مسعود ليداعب شعرات كريمات طاهرات طيبات من لحية الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، فضرب المغيرة بن شعبة على ظهر يد عروة مع أنه ابن أخيه وصرخ في وجه عروة وقال له: أخر يدك عن لحية النبي قبل أن لا تصل إليك يدك. انظروا إلى نصرة هؤلاء لدين الله ولدين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! أيها الأحباب! والله إن الإسلام لن ينصر بالخطب الرنانة، ووالله لو وقفنا على المنابر نخطب سنوات وسنوات فلن ينتصر الإسلام إلا إذا تحولت هذه الخطب في واقع الأمة إلى منهج حياة يتألق سمواً وعظمةً وجلالة. منذ متى والعلماء يخطبون ولكن الأمة لا تغير من واقعها المرير شيئاً؟ أيها الأحباب! إننا نرى انفصاماً واضحاً بين منهجنا وواقعنا، فالخطب الرنانة المؤثرة لن تغير من الواقع شيئاً إلا إذا غيرت الأمة الواقع بتحويلها لهذا الكلام الرباني والنبوي إلى منهج عملي في دنيا الناس: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ [الصف:2-4]. إن طريق الإسلام هو طريق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]. إن طريق النجاة أن تمتثل الأمة أمر ربها وأمر نبيها، وأن تجتنب الأمة نهي ربها ونهي نبيها، وأن تقف الأمة عند حدود ربها وحدود نبيها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:1-2]. قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]. قال تعالى في وصف المؤمنين الصادقين: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:51-52]. وقال تعالى في المنافقين المجرمين الذين يقولون بألسنتهم سمعنا وأطعنا ولكنهم في الواقع يقولون: وعصينا، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:60-61]. طريق الفلاح بين واضح جلي لكل من كان في قلبه تقىً لله، وما علينا إلا أن نرجع إلى الله وإلى قرآنه وسنة نبيه، فالعودة إلى القرآن والسنة ليست نافلة ولا تطوعاً ولا اختياراً، بل إننا أمام شرط الإسلام وحد الإيمان: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، أسأل الله جل وعلا أن يرد الأمة إل

    1.   

    لا تهنوا ولا تحزنوا

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! لست أبداً ممن يدندنون على التيئيس والتقنيط، بل أنا ممن يدندن دوماً على تبشير الأمة بالقضاء على هذه الهزيمة النفسية التي تسيطر الآن على كثير من قلوب آبائنا وشبابنا وإخواننا، وهذا هو عنصرنا الأخير (ولا تهنوا ولا تحزنوا)، قال تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]. أيها الأحباب! نحن في حاجة إلى أن نحقق الإيمان فحسب، فلو حققنا الإيمان لنصرنا الله جل وعلا وإن كنا قلة، وإن كنا فقراء، وإن كنا ضعفاء، قال جل في علاه: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، وقال جل وعلا: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ [الحج:40]، وقال جل وعلا: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]. إننا نحتاج إلى أن نحول الإيمان إلى واقع عملي، وإلى منهج حياة. فهيا أيها الأحبة! أبدأ بنفسي وتبدأ أنت أيها الوالد الفاضل بنفسك، وتبدأ أيها الأخ العزيز الحبيب بنفسك، وأنت أيتها الأخت الكريمة فلتبدئي بنفسك، ولا ينبغي أن نعلق أخطاءنا على غيرنا، قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، فلتبدأ الأمة كلها بنفسها، وكما ذكرت: أنا لا أخاطب هذا الجمع الكريم بين يدي فحسب، وإنما أخاطب ملايين الأمة عبر شريط الكاست، فإن الشريط ولله الحمد يسري في أرجاء الأرض، وقد أخبرني أخ حبيب وأقسم لي بالله وقال: يا أخي! أنا أحبك في الله، قلت: أحبك الله الذي أحببتني فيه، قلت: من أين أنت يا أخي؟ قال: من فلسطين، قلت: وتعيش هنالك، قال: نعم، ثم قال: والله ما عرفناك إلا من شريط الكاست في تل أبيب؛ لذا فأنا أخاطب الأمة كلها عبر شريط الكاست، أن يبدأ كل مسلم بنفسه من الآن، ولا ينبغي أن نعلق الأخطاء على غيرنا، لا على الحكام، ولا على العلماء، ولا على إسرائيل، ولا على الأمريكان ولا على فلان، ولا علان، وإنما فليعلق كل إنسان منا الخطأ على نفسه وليبدأ بالتصحيح. (ابدأ بنفسك) هذا ما أملكه وما سأسأل عنه أنا بين يدي الله: ماذا قدمت؟ ماذا فعلت؟ ماذا بذلت؟ لن يسألني ربي سبحانه: ماذا قدم غيرك؟ ماذا فعل غيرك؟ وإنما سيسألني ماذا قدمت أنا، وماذا علمت أنا لدين الله: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105]. أيها الأحبة الكرام! فلنبدأ بأنفسنا وعلى كل مسلم أن يحقق الإيمان ويحوله في بيته وواقعه ووظيفته إلى منهج حياة، فالإيمان قول باللسان، وتصديق بالجنان -أي: بالقلب- وعمل بالجوارح والأركان. نريد لبيوتنا أن تستنير بنور الإيمان.. نريد لبيوتنا أن تتذوق حلاوة وطعم الإيمان.. نريد أن تتعرف كراسي الوظائف على المؤمنين الصادقين.. نريد لكل مواقع الإنتاج ومواطن العطاء، وأماكن المسئولية أن تتذوق حلاوة الإيمان على أيدي المؤمنين الصادقين. شتان بين مسئول مؤمن يراقب الله ولا يراقب رئيسه في العمل، وبين مسئول لا يعرف للإيمان حقيقة ولا طعماً، فالأول سيتقي الله في جماهير الأمة ممن يتعاملون معه، والآخر يعبد كرسيه الذي جلس عليه ولا شيء غيره. شتان بين موطن يشع بالإيمان وموطن خال من الإيمان، فنريد أن نحول الإسلام في واقعنا وحياتنا إلى منهج حياة، وأنا أكرر هذه الكلمات دوماً؛ لأن القول إن خالف العمل بذرت بذور النفاق في القلوب، كما قال علام الغيوب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3]، وقال سبحانه: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44]، أسأل الله أن يرزقنا العلم والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أيها الأحبة الكرام! نحتاج إيماناً لينصرنا الله، وأرجو أن يعلم شبابنا جيداً أن النصرة من الله ما تأخرت عن الأمة إلا لأنه لا توجد في الأرض الآن العصبة المؤمنة التي تستحق نصر الله، وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، وهذه سنة ربانية؛ فإن العاقل يعلم يقيناً أن العصبة المؤمنة التي تستحق النصر ما وجدت إلى الآن، إنما هم أفراد قلائل جداً في هذه الأمة، فنحتاج من هؤلاء الأفراد أن ينتشروا ويمتدوا امتداداً وأفقياً بين أهل الإسلام، لتزداد القاعدة، ورأسياً في غير أهل الإسلام؛ لتزداد القاعدة المؤمنة التي تستحق نصر الله جل وعلا، ومع ذلك يا إخوة فأنا لا أخشى على الإسلام، وإنما كل كلامي على المسلمين، فإن الإسلام قد وعد الله بظهوره على الدين كله رغم أنف الأمريكان، ورغم أنف اليهود، ورغم أنف المشركين والمنافقين والمجرمين، فقد وعد بنصرة دين محمد على الدين كله، وهو الملك الذي يقول للشيء: (كن) فيكون. هل تصدقون الملك جل وعلا وهو يقول: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:32-33]؟! لقد قرأت حديثاً في صحيح مسلم من حديث ثوبان يملأ القلب أملاً، وهو من كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها). هل تصدقون النبي صلى الله عليه وسلم؟ أيها الأحبة: الحديث في أعلى درجات الصحة، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم مشارق الأرض ومغاربها، ولم لا وهو الذي رأى في الدنيا الجنة والنار؟! إي والله، لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي صلاة الاستسقاء الجنة ورأى النار. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي ، وتعقب الحاكم والذهبي والألباني فقال: بل هو صحيح على شرط مسلم من حديث تميم الداري ، أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليبلغن هذا الأمر -أي: هذا الدين- ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر)، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36].. وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]. اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز المؤمنين، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز المؤمنين، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز المؤمنين! اللهم اشف صدور قوم مؤمنين بنصرة الإسلام وعز الموحدين بقدرتك وعظمتك يا رب العالمين! اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك المؤمنين، اللهم احفظ أهلنا في العراق، اللهم احفظ أولادنا في العراق، اللهم احفظ نساءنا في العراق، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان من شر الأشرار، وكيد الفجار، برحمتك يا عزيز يا غفار! اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك ومولاه! اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين! اللهم ارفع علم الجهاد.. اللهم ارفع علم الجهاد.. اللهم ارفع علم الجهاد.. اللهم ارفع علم الجهاد.. اللهم ارفع علم الجهاد.. اللهم ارفع علم الجهاد.. اللهم اقمع أهل الزيغ والفساد! اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك، اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك، اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك، اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اشف صدور قوم موحدين، واشف صدور قوم مؤمنين برحمتك يا رب العالمين! اللهم اجعل بلدنا مصر واحة للأمن والأمان، وجميع بلاد المسلمين! اللهم اجعل مصر سخاءً رخاءًَ وجميع بلاد المسلمين! اللهم ارفع عن مصر الغلاء، اللهم ارفع عن مصر الغلاء، اللهم ارفع عن مصر البلاء، اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وجميع بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756017555