إسلام ويب

كتاب الصلاة [18]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حرصت الشريعة الإسلامية على وحدة المسلمين، وعلى جماعتهم، فشرعت لذلك الأحكام، ومنها أداء الصلاة في جماعة، واهتم الفقهاء في بيان أحكام صلاة الجماعة، فبينوا حكمها وحكم أدائها لمن كان قد صلى منفرداً أو في جماعة.

    1.   

    صلاة الجماعة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِ على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    قال المصنف رحمه الله: [ الباب الثاني من الجملة الثالثة: صلاة الجماعة.

    وهذا الباب الكلام المحيط بقواعده فيه فصول سبعة:

    أحدها: في معرفة حكم صلاة الجماعة.

    والثاني: في معرفة شروط الإمامة، ومن أولى بالتقديم وأحكام الإمام الخاصة به.

    والثالث: في مقام المأموم من الإمام، والأحكام الخاصة بالمأمومين.

    الرابع: في معرفة ما يتبع فيه المأموم الإمام مما ليس يتبعه.

    الخامس: في صفة الاتباع.

    السادسة: فيما يحمله الإمام عن المأمومين.

    السابع: في الأشياء التي إذا فسدت لها صلاة الإمام يتعدى الفساد إلى المأمومين ]، يعني: هذه المسائل التي سيبحث الخلاف فيها.

    1.   

    معرفة حكم صلاة الجماعة

    قال المصنف رحمه الله: [ الفصل الأول في معرفة حكم صلاة الجماعة:

    في هذا الفصل مسألتان.. ] يعني: حكم صلاة الجماعة فيه مسألتان [ إحداهما: هل صلاة الجماعة واجبة على من سمع النداء أم ليست بواجبة؟ ]، والحاصل أن الكلام فيها من ثلاث نواحي: هل هي سنة مؤكدة؟ أو هي فرض كفاية؟ أو هي واجبة على الأعيان؟ ولكن لا تبطل الصلاة وإن كانت واجبة، فإذا صلى فرادى لا تبطل، وهناك قول يقول: إنها شرط في صحة الصلاة.

    وهنا سيتكلم عن حكمها أي: هل هي سنة مؤكدة؟ أو أنها فرض كفاية؟ أو أنها واجبة على الأعيان؟

    فقال: [ المسألة الثانية: إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى، هل يجب عليه أن يصلي مع الجماعة الصلاة التي قد صلاها أم لا؟ ]، يعني: أو هل يسن؛ لأنه ليس كل العلماء يقولون: يجب، فبعضهم يقول: يسن له أن يصلي ولا يجب عليه.

    حكم صلاة الجماعة لمن سمع النداء

    قال المصنف رحمه الله: [ أما المسألة الأولى ]: في وجوب الجماعة على من سمع النداء:

    [ فإن العلماء اختلفوا فيها، فذهب الجمهور.. ] ومنهم أبو حنيفة و مالك و الشافعي [ إلى أنها سنة.. ] مؤكدة [ أو فرض على الكفاية ]، وكونها فرضاً على الكفاية هو الراجح من مذهب الشافعي .

    إذاً فهناك من يقول: إنها سنة، ولكنه لا يقول: إنها سنة مثل بقية السنن؛ لأن هناك من السنن ما يجب قتال من تركها، فإذا تركت الجماعة هذه السنة فيجب على الإمام قتالهم حتى يمتثلوا هذه السنة، ويظهروا بين الناس أنهم امتثلوها.

    فصلاة الجماعة من يقول: إنها سنة، أو يقول: إنها فرض كفاية، لا يظن الناس أنها سنة هكذا، بل لا بد أن تظهر هذه السنة، وأن يظهر الشعار في هذه القرية أنهم قائمون بصلاة الجماعة وإن كانت سنة، فإن لم يظهر الشعار فيجب على إمام المسلمين أن يجهز عليهم ويقاتلهم حتى يمتثلوا هذه السنة ويظهروا الشعار.

    ومعنى إظهار الشعار.. مثلاً أن يكون من مر بهذه القرية ويخرج منها فيسأل أو يتحدث عنها ويقول: إن قرية بني فلان يصلون جماعة، بحيث إذا كانت قرية صغيرة، فتجد أغلب الناس في المسجد متجمعين، وإذا كانت مدينة أو كذا فتجد المساجد متعددة كثيرة، وكلها منكضة بالمصلين، فهذا معنى سنة أو فرض كفاية.

    فلا بد أن يظهر الشعار، فإذا لم يظهر الشعار فهم كلهم على القول بأنها فرض كفاية آثمون إلا من صلى.

    فهناك في بعض البلدان قد يكون فيها مساجد كثيرة، ولكنهم مع الأسف لا يصلون صلاة الجماعة، ولا سيما الأحياء القديمة في المدن تجدهم ما يصلون صلاة الجماعة، فمثلاً يوجد مدينة في تهامة تشهر بمدينة العلماء وكذا وكذا.. ولكن -مع الأسف- تجد المساجد فيها مغلقة، فلا يؤذن فيها، حتى إنا وصلنا وقت صلاة المغرب في مسجد فوجدناه مغلق..

    وجيران المسجد لا يصلون فيه، فتوضينا والماء موجود، وصلينا في المسجد وحدنا وصلينا أيضاً في الجامع الكبير الذي مثل جامع صنعاء نحو سبعة أشخاص في صلاة الظهر.

    فمثل هذه لا بد من حربها وقتالها حتى يظهروا الشعار.

    كذلك من يقول: إنها سنة يقول: إن من داوم على تركها لا تقبل شهادته، فالحنفية يقولون: سنة، ولكنهم يقولون: إذا داوم الإنسان على تركها فترد شهادته، وليس إنها سنة مطلقاً.

    فهناك ملك قدم شهادته عند قاضي البلد فردها، فقال له: لماذا؟ قال له: لأنك لا تصلي مع المسلمين جماعة، فشهادتك غير مقبولة.

    فلا بد أن تصلي جماعة، فقال الملك: إذاً أنا سأبني مسجداً في حيي وأصلي مع الجنود، وفعلاً بنى الملك مسجداً في حيه، وكان يصلي هو والجنود، وبعد ذلك كان القاضي يقبل شهادته.

    [ وذهبت الظاهرية ] و أحمد [ إلى أن صلاة الجماعة فرض متعين على كل مكلف ]، يعني إذا ترك صلاة الجماعة فعليه الإثم، وإن قلنا على مذهب أحمد أن الصلاة صحيحة.

    سبب الاختلاف في حكم صلاة الجماعة لمن سمع النداء

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: تعارض مفهومات الآثار في ذلك ]، يعني: أن الأحاديث متعارضة فيها، فهناك أحاديث تدل على أنها سنة، وأحاديث تدل على أنها فرض، فتعارض مفهوم الأحاديث.

    [ وذلك أن ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة أو بسبع وعشرين درجة ) ] أخرجه البخاري و مسلم ، وأخرج البخاري و مسلم عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة )، وأخرج البخاري و مسلم كذلك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءاً ).

    قالوا: [ يعني: أن الصلاة في الجماعات من جنس المندوب إليه.. ] فهذان الحديثان يدلان على أن صلاة الجماعة من جنس المندوب إليه [ وكأنها كمال زائد على الصلاة الواجبة.. ] يعني: كمال، أما المجزئة فهي الصلاة مطلقاً [ فكأنه قال صلى الله عليه وسلم: صلاة الجماعة أكمل من صلاة المنفرد، والكمال إنما هو شيء زائد على الإجزاء .. ]، أي: بأنه قد قال بالإجزاء، وهذا استدل به من يقول: بأن صلاة الجماعة سنة، وكذلك استدلوا بأحاديث منها: ( إذا صلى أحدكم في منزله وجاء إلى المسجد فيصل مع الناس )، ومنها كذلك حديث أكل الثوم والبصل، فقالوا: لو كانت صلاة الجماعة واجبة لنهى عنه في هذه الأوقات، ولكنه قال: لا أحرمه؛ فدل على أن صلاة الجماعة غير واجبة.

    واستدلوا كذلك بحديث عتاب الذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ( صل لي في بيتي حتى أصلي؛ لأني رجل أعمى ولا أجد قائداً وتكون الأرض مطيرة.. )، أو نحو ذلك، فصلى له في بيته، فقالوا: إن صلاة الجماعة سنة أو فرض كفاية.

    واستدلوا كذلك بحديث الأعمى، قالوا: إنه يخالف الإجماع؛ لأن الإجماع على أن لصلاة الجماعة أعذار ومنها أن الأعمى إذا لم يجد قائداً فهو معذور.

    فهذا الحديث الذي يستدل به من يوجب الجماعة يخالف الإجماع، فيجب تأويله، وهذا ما قاله من قال: إن صلاة الجماعة سنة أو فرض كفاية.

    [ وحديث الأعمى المشهور.. ] الذي أخرجه أبو داود بسند صحيح [ حين استأذنه في التخلف عن صلاة الجماعة; لأنه لا قائد له، فرخص له في ذلك، ثم قال له صلى الله عليه وسلم:( أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: لا أجد لك رخصة )، هو كالنص في وجوبها.. ]؛ لأنه إذا لم يجد للأعمى رخصة، ولا قائد له، فغيره ممن ليس بأعمى من باب أولى ويسمع النداء، [ مع عدم العذر، خرجه مسلم ].

    وهناك من يقول إن هذا الحديث يدل على أنها فرض عين؛ لأنها لو أنها لو كانت فرض كفاية لاكتفى الرسول صلى الله عليه وسلم بمن معه، ولما هم بإحراق بيوت من لم يصلوا؟ فهذا يدل على أنها فرض عين.

    [ ومما يقوي هذا حديث أبي هريرة المتفق على صحته، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء ).. ]، وهذا الحديث في الصحيحين، وهو يدل على أن صلاة الجماعة فرض عين عند من يستدل به.

    لكن أجاب عنه الجمهور ومنهم الشافعي .

    فقال: إن ذلك ليس في المسلمين، وإنه في منافقين كانوا يتركون الصلاة جماعة وفرادى.. هكذا أولوه.

    وكذلك مما يدل على أنها فرض عين: [ حديث ابن مسعود ، وقال فيه: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه )، وفي بعض رواياته: ( ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ) ]، يعني: طريقته، وليس سنته يعني: السنة؛ لأن فقهاء الأصول يقولون: السنة خلاف الواجب، لكن الصحابة لا يقصدون بالسنة خلاف الواجب إنما يقصدون به الطريق التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يفهم أنه: (لو تركتم سنة نبيكم..) يعني: الأمر المندوب المسنون.. لا، بل إن السنة هنا بمعنى: الطريقة.

    ثم بدأ يذكر كلام الفقهاء في معرفة هذه الأحاديث فقال: [ فسلك كل واحد من هذين الفريقين مسلك الجمع بتأويل حديث مخالفه، وصرفه إلى ظاهر الحديث الذي تمسك به.

    فأما أهل الظاهر.. ] وهم الذين قالوا: إنها فرض عين [ فإنهم قالوا: إن المفاضلة لا يمتنع أن تقع في الواجبات أنفسها.. ]، يعني: قد يكون هذا واجباً وهذا واجباً، ويفاضل بين الواجبين، [ أي إن صلاة الجماعة في حق من فرضه صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد في حق من سقط عنه وجوب صلاة الجماعة.. ] يعني: لعذر [ لمكان العذر بتلك الدرجات المذكورة ].

    فمثلاً إذا كان هناك رجل معذور عن صلاة الجماعة، فهي له بجزء واحد، وإذا كان هناك رجل صلى جماعة فهي له بسبعة وعشرين جزءاً، فالمفاضلة بين المعذور وبين من صلى في جماعة، وليست المفاضلة بين رجل يتعمد ترك صلاة الجماعة من غير عذر، هكذا يقول الظاهرية.

    ويكون معنى هذا أن له عذراً، ولكنه يستطيع أن يتكلف ويصلي جماعة، ولكنه أخذ بالعذر، ولو تكلف المشقة لقام بذلك الشيء، فهنا تحصل المفاضلة، وهناك حديث نص في هذا.

    [ قالوا: وعلى هذا فلا تعارض بين الحديثين.. ] فهذه الأحاديث التي بجزء واحد في حق المعذور [ واحتجوا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ) ]، وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم ، ويقول فيه شيخنا ناصر الدين الألباني في صفة الصلاة (ص67): (والمراد به المريض، فقد قال أنس : ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناس وهم يصلون قعوداً من مرض فقال: إن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم )، أخرجه أحمد و ابن ماجه بسند صحيح، قال الخطابي : المراد به المريض: المريض المفترض أي: الذي يصلي الفرض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة، فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم؛ ترغيباً في القيام مع جواز قعوده).

    قال الحافظ في الفتح، (2/468): (وهو حمل متجه)، فهذا الحمل يعني: وجيه جداً..

    وهذا يدل على أن التفاضل إنما كان بين معذور وغير معذور.

    [ وأما أولئك.. ] يعني: الجمهور [ فزعموا أنه يمكن أن يحمل حديث الأعمى على نداء يوم الجمعة.. ] يعني: الأعمى جاء يسأل عن الجمعة، لم يجئ يسأل عن الجماعة، [ إذ ذلك هو النداء الذي يجب على من سمعه الإتيان إليه بالاتفاق، وهذا فيه بعد.. ] لأن السياق لا يقتضي الجمعة [ والله أعلم; لأن نص الحديث هو أن أبا هريرة قال: ( أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله! إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله أن يرخص له، فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة. فقال: نعم، قال: فأجب ).. ]، فهذا النداء للصلاة عام، وليس في الجمعة، فقوله: ( هل تسمع النداء للصلاة؟ )، هذا عام للجمعة وغيرها.

    [ وظاهر هذا يبعد أن يفهم منه نداء الجمعة، مع أن الإتيان إلى صلاة الجمعة واجب على كل من كان في المصر وإن لم يسمع النداء، ولا أعرف في ذلك خلافاً. ]، قال الجمهور - وهذا جواب آخر - : إن الأعمى يريد أن يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أنا أريدك ترخص لي ويكون لي سبعة وعشرين درجة، فقال له: لا، هكذا لا يوجد! فهو يريد رخصة ومعها سبع وعشرون درجة، فالرسول صلى الله عليه وسلم فقال له: لا، لا بد أن تحضر الجماعة إذا أردت سبع وعشرين درجة.

    [ وعارض هذا الحديث أيضا حديث عتبان بن مالك المذكور في الموطأ.. ] وأخرجه كذلك البخاري و أحمد وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم عذره، لكن لــأحمد والجماعة جواب عنه.

    [ وفيه أن عتبان بن مالك كان يؤم وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنه تكون الظلمة والمطر، والسيل، وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله! في بيتي مكاناً أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين تحب أن أصلي؟ فأشار إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ]، قال الجمهور: إن الجمع بين الحديثين هو أن الأعمى الأول وهو ابن أم مكتوم أراد سبع وعشرين درجة، وهذا ما أراد سبع وعشرين درجة. ولكن أتى الإمام أحمد ومن تبعه فقال: الحديث ظاهر في أنه في ليلة ظلمة والمطر والسيل، وهذا مما نتفق معهم بأنه عذر في حق المبصرين، فكيف بالأعمى؟! وإلى هنا انتهى.

    الراجح في حكم صلاة الجماعة لمن سمع النداء

    لقد طالعت كتباً كثيرة في هذا الموضوع، ولكن لم أستطع أن أوجه قول وأجزم به، لكن الأقرب عندي أن أقول: إنها فرض كفاية، على مذهب الشافعية، وهذا أقرب من أن أقول: إنها فرض عين.

    فأنا جمعت أطرافاً من الأقوال، وأحلت إلى الكتب، والذي وصلت إليه وهو أني لم أجزم فيها بشيء.. وهذا ليس ببعيد. وكما يقول الشاعر:

    وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس

    فلو أن أحدهم درس خمسة أشهر، وجاء والشيخ العمراني في المسجد فجلس وقال كذا.. وقام يفتح حلقة بجانب العمراني ، هل يستطيع؟! ما يستطيع، لكن لو ذهب إلى العمراني وسأله في كثير من المسائل، فقال له: أنا لا أعلم في هذه المسائل ولا أستطيع أن أقول فيها شيئاً، فهذا العمراني تقول له: المسألة كذا.. يقول لك: نعم، هذه المسألة اختلف العلماء فيها ولكن أنا ما أستطيع أن أقول فيها بشيء.

    وهذا يعني أن العلماء كلهم لا يفتون بسرعة؛ ولهذا سألت الشيخ ناصر الدين الألباني وأنا طالب عن مسألة، فقال: ما أعرف فيها شيئاً، قلت له: قال فلان فيها كذا، وقال فلان كذا، وقال فلان كذا.. فكيف تقول؟! قال: نعم، أنا أعرف هذا، ولكن إلى الآن ما ترجح لي أي قول منها.

    فالشاهد منه أن العالم قد لا يهتدي.

    يقول الإمام ابن القيم : ( قد يكون العالم في بعض الأوقات مضطراً إلى التقليد )، تأتيه المسألة فلا يكون لديه الوقت الكافي لبحثها. ولا يصل إلى شيء فيها؛ فيضطر إلى أن يأخذ كلام بعض العلماء، وهكذا العلماء الذين يعرفون قيمة العلم، وأن العلم بحر لا قرار له.

    وهذا أحدهم يقول: أنا لا أعلم هذا، فقيل له: هل علمت العلم كله؟ قال: لا، قال: النصف؟ قال: أقل، قال: اجعله في الذي لا تعلمه! أي: قال: اجعل هذه من الأكثر الذي لا تعلمه.

    فأنا سأورد كلام العلماء وجواباتهم فلا تقولوا: إن هؤلاء العلماء أرادوا أن يتهجموا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا، والله! إنما أوصلهم إلى ما يقولون اجتهادهم. وسأنقل عن من لم يقلد، ليس عن المقلدين، مثل الشوكاني فهو غير مقلد، ومثل الحاكم لا يقلد، ومثل ابن خزيمة ، ومثل الإمام البيهقي الذي قال فيه العلماء: للشافعي منة على كل من اتبعه إلا الإمام البيهقي فإنه له منة على الإمام الشافعي ؛ لأنه جمع كتابه الكبير سنن البيهقي ، تحرى فيه الأحاديث التي تدعم مذهب الشافعي .

    أما معنى البيت الشعري الذي أوردته سابقاً وهو:

    لم يستطع صولة البزل القناعيس

    فهذا البيت أتى به الإمام الشاطبي كشرح وبيان لقوله: حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام. جاء به فيمن يجعل من نفسه عالماً وهو ليس بعالم.

    وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس

    يقول: إن الجحبور الصغير، لو وضعت عليه الشيء لا يستطيع حمله! فكيف تأتي وتربطه مع جمل كبير؟! فهل يستطيع؟!

    فهذا مثل ما يأتي طالب جعل له عمامة وهو بعمر سبع عشرة سنة، ويطلقون عليه شيخ الإسلام! فيأتي فيجلس عند الشيخ العمراني ، فهل يستطيع؟ وبعد ذلك لا يفهم ما يقول الشيخ العمراني !

    وقد كان الشيخ العمراني تعجبه الدعابة، قال مرة: إنه جلس للتدريس فجاء رجل من هؤلاء، فكان الشيخ العمراني يدرس والرجل يعارضه، فقال الشيخ العمراني : هناك شخص يبيع الخل ومعه حمار راكب عليه، فعندما يرفع صوته ويقول: الخل.. الخل، كان الحمار ينهق! فقال للحمار: أنا أبيع الخل أو أنت الذي تبيع الخل؟!!

    نقل كلام العلماء في حكم صلاة الجماعة

    قال الإمام النووي في المجموع، (4/9): (والجواب عن الأحاديث التي استدل بها من قال أن الجماعة فرض عين، أما حديث الأعمى فجوابه ما أجاب به ابن خزيمة و الحاكم و البيهقي ، قالوا: لا دلالة فيه لكونها فرض عين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رخص لـعتبان حين شكى بصره أن يصلي في بيته؛ وهو حديث في الصحيحين، وقالوا.. -يعني: يؤول حديث الأعمى- وإنما معناه: لا رخصة لك تلحقك بفضيلة من حضرها)، يعني: ليس هناك رخصة لك على أن تصلي في بيتك، وتحصل على سبع وعشرين درجة.

    وأجاب النووي بتضعيف حديثي أبي هريرة و جابر : ( لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد )، فالحديثان ضعيفان.

    وأجاب عن حديث الهم بالتحريق بأن الشافعي قال فيه: بأنه ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون فرادى، وعن حديث ابن مسعود: [ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق].

    فقال فيه: (ليس فيه التصريح بأنها فرض عين، وإنما فيه بيان فضلها وكثرة محافظتهم عليها)، ثم رجح أنها فرض كفاية؛ مستدلاً بما رواه أبو داود و النسائي من حديث أبي الدرداء : ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان ) فقال: إنه لو قام اثنين وبقي واحد، فلا يوجد هنا استحواذ، ولهذا قال: إنها فرض كفاية.

    وأما حديث: ( يؤذن أحدكما.. )، فقالوا: إن هذا يدل على أنها فرض عين. ولكنهم أجابوا عليه وقالوا: لا مانع أن يكون فرض الكفاية في بعض الأحيان فرض عين، يعني: أن يتعين، فإذا كانوا اثنين تعين، وإذا كانوا ثلاثة أو أكثر كان فرض كفاية.

    وقال الشوكاني في النيل (3/34): (وأجاب الجمهور عن حديث الأعمى بأنه سأل: هل له رخصة في أن يصلي في بيته وتحصل له فضيلة الجماعة؛ لسبب عذره؟ فقيل: لا، ويؤيد هذا التأويل أن حضور الجماعة تسقط بالعذر بإجماع المسلمين، ومن جملة الأعذار الأعمى إذا لم يجد قائداً)، وهذا كما قال: مجمع عليه أنه عذر.

    ثم قال الشوكاني بعد أن ساق الأدلة على عدم الوجوب: (وقد تقرر أن الجمع بين الأحاديث ما أمكن هو الواجب، وبقية الأحاديث المشعرة بالوجوب على ظاهرها من دون تأويل، والتمسك بمقتضى الظاهر فيه إهدار للأدلة القاضية بعدم الوجوب، وهذا لا يجوز)، يعني: أنه يرى أنه يجب تأويل الأدلة التي تقول بالوجوب، ولا يجوز تأويل الأدلة التي ترى فيها عدم الوجوب، قال: (فأعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب أن الجماعة من السنن المؤكدة التي لا يخل بملازمتها ما أمكن إلا محروم مشؤوم)، يعني: سنة، لكن الذي يخل بها محروم مشؤوم، ساقط العدالة، وبنحو هذا قال في السيل (1/226)، وفي وبل الغمام (1/304).

    إلا أن شيخنا قال في تمام المنة رداً على الشوكاني بأن كلام الشوكاني في السيل ضعيف متكلف، غير مستوفى، قال: أولاً: أنه عندما يؤول الأحاديث فيها تكلف كثير، ثانياً: وعندما يستدل في استدلاله ضعف، وبينه.

    ثالثاً: أنه لم يستوف الأحاديث بالجواب عنها كلها، ثم أورد بعضاً من الأدلة التي استدل بها من قال بأن الجماعة فرض عين، ومنها صلاة الخوف، قال: إنها تدل على أن الجماعة فرض عين، وإلا لقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: كل واحد يصلي فرادى ويحرس..

    ثم أورد بعضاً من الأدلة التي استدل بها من قال: إن الجماعة فرض عين، وأحال إلى الفتاوى - ليس مجموع الفتاوى - والمسائل الماردينية لـابن تيمية لمن طلب الزيادة.. انتهى الكلام في هذه المسألة.

    1.   

    الدخول على جماعة لمن كان قد صلى

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما المسألة الثانية: فإن الذي دخل المسجد وقد صلى لا يخلو من أحد وجهين:

    إما أن يكون صلى منفرداً، وإما أن يكون صلى في جماعة.

    إعادة الصلاة مع الجماعة لمن صلى منفرداً

    قال المصنف رحمه الله: [ فإن كان صلى منفرداً.. ]، فيه خلاف، [ فقال قوم: يعيد معهم كل الصلوات إلا المغرب فقط، وممن قال بهذا القول مالك وأصحابه، وقال أبو حنيفة : يعيد الصلوات كلها إلا المغرب والعصر.

    وقال الأوزاعي : إلا المغرب والصبح، وقال أبو ثور : إلا العصر والفجر، وقال الشافعي : يعيد الصلوات كلها.. ]، من غير استثناء.

    سبب اختلافهم في حكم الدخول على جماعة لمن كان قد صلى منفرداً

    قال المصنف رحمه الله: [ وإنما اتفقوا على إيجاب إعادة الصلاة عليه.. ]، يعني: اتفقوا على المشروعية وليس الإيجاب؛ لأنهم كلهم لم يقولوا: إنها واجبة، ففيهم من يقول: إن الإعادة سنة، ولكن اتفقوا على المشروعية، [ بالجملة لحديث بشر بن محمد عن أبيه.. ]، أخرجه مالك و الشافعي وهو حديث صحيح، [ ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين دخل المسجد ولم يصل معه: ما لك لم تصل مع الناس، ألست برجل مسلم؟ قال: بلى يا رسول الله! ولكني صليت في أهلي، فقال صلى الله عليه وسلم: إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت )، فاختلف الناس لاحتمال تخصيص هذا العموم بالقياس أو بالدليل ]، فهذا عام في كل الصلوات، وعام في من صلى جماعة أو فرادى، فهل هناك ما يخصصه من قياس أو دليل؟ [ فمن حمله على عمومه ]، يعني قال: الجماعة مشروعة؛ لأن الشافعي ما يوجب عليه [ أوجب عليه إعادة الصلوات كلها وهو مذهب الشافعي ]، وهو الراجح، أي أنه يعيد الصلاة كلها.

    [ وأما من استثنى من ذلك صلاة المغرب فإنه خصص العموم بقياس الشبه.. ]، فقال: العموم هنا مخصوص بقياس الشبه؛ لأنه إذا أعادها مرة ثانية خرجت من شبه المغرب إلى شبه العشاء والصبح؛ لأنها لم تعد وتراً وإنما صارت شفعاً، فقياس الشبه يعني: حتى لا تشبه صلاة الشفع، فيجعله لا يعيدها، فهذا الحديث مخصوص بقياس الشبه، لكن إذا تعارض القياس والعموم فالعمل يكون بالعموم، ويسمى القياس: فاسد الاعتبار.

    [ وهو مالك رحمه الله وذلك أنه زعم أن صلاة المغرب هي وتر، فلو أعيدت لأشبهت صلاة الشفع التي ليست بوتر; لأنها كانت تكون بمجموع ذلك ست ركعات، فكأنها كانت تنتقل من جنسها إلى جنس صلاة أخرى، وذلك مبطل لها، وهذا القياس فيه ضعف.. ] من ثلاثة وجوه:

    أولاً: أنه قياس شبه، وقياس الشبه من أضعف القياسات.

    ثانياً: أنه في مقابلة النص، وهو فاسد الاعتبار.

    ثالثاً: أن الضم بعد السلام لا يعتبر، يعني: ضم الأولى إلى الثانية؛ لأنه سلم من الأولى وبعد ذلك صلى، فلا نضمها بعد السلام. فمن هذه الثلاثة الأوجه يتبين ضعف هذا القياس.

    [ لأن السلام قد فصل بين الأوتار، والتمسك بالعموم أقوى من الاستثناء بهذا النوع من القياس، وأقوى من هذا.. ]، يعني: أن هناك توجيهاً أقوى من هذا.. ولكنه أيضاً ضعيف، [ ما قاله الكوفيون: من أنه إذا أعادها يكون قد أوتر مرتين، وقد جاء في الأثر: ( لا وتران في ليلة ) ]، قالوا: والحديث ينص أنه: ( لا وتران في ليلة )، فهو حين يعيدها كأنه أوتر مرتين، ولكن هذا ضعيف؛ لأن الحديث في الوتر لا في المغرب.

    [ وأما أبو حنيفة فإنه قال: إن الصلاة الثانية.. ] إذا أعاد في أوقات الكراهة [ تكون نفلاً، فإن أعاد العصر يكون قد تنفل بعد العصر، وقد جاء النهي عن ذلك، فخصص العصر بهذا القياس، والمغرب بأنها وتر، والوتر لا يعاد.

    [ وهذا قياس جيد إن سلم لهم الشافعية أن الصلاة الأخيرة له نفل ]، فإذا سلم الشافعي فلا بأس، ولكن إذا امتنع الشافعي فسيرد عليهم ويقول: إنها من النفل الذي له سبب مقارن وهو الإعادة مرة أخرى في جماعة، وما له سبب مقارن أو متقدم من النوافل يجوز صلاته في هذه الأوقات.

    [ وأما من فرق بين العصر والصبح في ذلك.. ] وقال: تجوز إعادة الصبح..

    [ فلأنه لم تختلف الآثار في النهي عن الصلاة بعد الصبح، واختلف في الصلاة بعد العصر كما تقدم، وهو قول الأوزاعي ]؛ لأنه لم يرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بعد الصبح، ولكنه ورد أنه أقر من صلى بعد الصبح إعادة، ولكنه لم يصل بعد الصبح.

    الدخول على جماعة لمن كان قد صلى في جماعة

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما إذا صلى في جماعة فهل يعيد في جماعة أخرى؟ فأكثر الفقهاء أنه لا يعيد، منهم مالك و أبو حنيفة . وقال بعضهم: بل يعيد، وممن قال بهذا القول: أحمد و داود وأهل الظاهر ]، و الشافعي ، وقالوا: إنه إن صلاها في جماعة يعيد.

    سبب اختلافهم في حكم الدخول على جماعة لمن كان قد صلى في جماعة

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: تعارض مفهوم الآثار في ذلك، وذلك أنه ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا تصل صلاة في يوم مرتين ) ]، فهذا الحديث ورد النهي فيه عن الصلاة في اليوم مرتين، فإذا كان صلاها جماعة أولاً، وصلاها جماعة مرة أخرى، فهو قد صلاها مرتين..

    [ وروي عنه: ( أنه أمر الذين صلوا في جماعة أن يعيدوا مع الجماعة الثانية ) ]، ولكنه لم يرد ذلك صريحاً إلا في حديث أبي سعيد الخدري قال: ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فدخل رجل فقام يصلي الظهر، فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه )، أخرجه الترمذي و الحاكم و البيهقي ، وهو حديث صحيح، فهذا دليل على أنه يعيد الصلاة بعد أن صلاها جماعة.

    [ وأيضا فإن ظاهر حديث بسر .. ]، هل هو بسر بن محجن أو بشر بن محمد ؟ الصحيح أنه: بسر بن محجن .

    [ يوجب الإعادة على كل مصل إذا جاء المسجد.. ]، يعني: من غير استثناء؛ لأنه لم يستفصله، فلم يقل له: هل صليت جماعة، أو صليت فرادى؟ بل قال له: صل، [ فإن قوته قوة العموم، والأكثر على أنه إذا ورد العام على سبب خاص لا يقتصر به على سببه.. ]، يعني: أن العام إذا ورد على سبب خاص، وهو أنه صلى في بيته فرادى، لا يقتصر على سببه، [ وصلاة معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم كان يؤم قومه في تلك الصلاة.. ]، هذا يدل على أنه يجوز إعادة الصلاة بعد أن تصلى جماعة، [ فيه دليل على جواز إعادة الصلاة في الجماعة، فذهب الناس في هذه الآثار مذهب الجمع ومذهب الترجيح.

    أما من ذهب مذهب الترجيح فإنه أخذ بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: ( لا تصل صلاة واحدة في يوم مرتين )، ولم يستثن من ذلك إلا صلاة المنفرد فقط؛ لوقوع الاتفاق عليها.

    وأما من ذهب مذهب الجمع فقالوا: إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تصل صلاة واحدة في يوم مرتين )، إنما ذلك ألا يصلي الرجل الصلاة الواحدة بعينها مرتين، يعتقد في كل واحدة منهما أنها فرض ] كأن يصلي ثم يقول: تلك الصلاة ليست صحيحة، وسوف أصليها مرة أخرى، فهذا منهي عنه [ بل يعتقد في الثانية أنها زائدة على الفرض، ولكنه مأمور بها ]، مأمور بإعادتها في الجماعة إذا جاء المسجد.

    [ وقال قوم: بل معنى هذا الحديث إنما هو للمنفرد ]، أي حديث: ( لا تصلى صلاة واحدة في يوم مرتين )، هذا للمنفرد، [ أعني: ألا يصلي الرجل المنفرد صلاة واحدة بعينها مرتين ].

    وهذا هو الأقرب في معنى الحديث، فلا معارضة بينه وبين حديث بسر وحديث معاذ ، وفي حديث معاذ رد على من خصص الإعادة في حق من صلى الأولى منفرداً.

    وأما حديث: ( لا وتران في ليلة )، فإن فيه دلالة على منع إعادة صلاة المغرب؛ لأنه خاص بصلاة الوتر وأنها لا تعاد مرة ثانية؛ ليختم بها نفلاً وقع بعد صلاة الوتر.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755826951