إسلام ويب

شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي [3]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لا يتقبل الله من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه، والنية تدخل في كافة الأعمال، ولذلك أمرنا بالإخلاص والمراقبة، وقعد الفقهاء قاعدة: الأمور بمقاصدها، حيث تحوي أكثر من سبعين باباً من الفقه، والنية لها: شروط، وفوائد، ووقت، وحقيقة، ومكان، وهناك من الأعمال ما ل

    1.   

    من فوائد التدرج في طلب العلم

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله تعالى في منظومته:

    [فترتقي في العلم خير مرتقى وتقتفي سبل الذي قد وفقا

    فهذه قواعد نظمتها من كتب أهل العلم قد حصلتها

    جزاهم المولى عظيم الأجر والعفو مع غفرانه والبر

    النية شرط لسائر العمل بها الصلاح والفساد للعمل].

    قال المؤلف رحمه الله: (فترتقي في العلم خير مرتقى وتقتفي سبل الذي قد وفقا).

    لا شك أن الإنسان إذا تدرج في طلب العلم وحرص على القواعد فإنه سيرتقي خير مرتقى ويستفيد فائدتين:

    الفائدة الأولى: أنه يوفق في طريقة الطلب.

    الفائدة الثانية: أنه يكون مقتفياً لطريق من سبقه من العلماء، ولا شك أن هذا هو طريق الوصول وطريق النجاح، فمن عني بهذه المتون وتدرج فيها يحصل له هاتان الفائدتان اللتان ذكرهما المؤلف رحمه الله، وكذلك أيضاً إذا حرص على قواعد العلم مثل قواعد الفقه، وقواعد الأصول، وقواعد التفسير، وقواعد المصطلح فلا شك أنه سيلم بكثير من الفروع التي تنتظمها هذه القواعد.

    1.   

    نسبة الفضل لأهله

    قال رحمه الله: (فهذه قواعد نظمتها من كتب أهل العلم قد حصلتها).

    هذا من تواضع المؤلف رحمه الله تعالى واعترافه لأهل الفضل بفضلهم، يقول: هذه القواعد أنا ما أتيت بها، وإنما حررها أهل العلم وسطروها، وأنا قمت فقط بهذا النظم.

    (جزاهم المولى عظيم الأجر).

    هذا دعاء، وهو أيضاً من حسن خلق المؤلف رحمه الله تعالى أنه دعا لأولئك العلماء السابقين الذين قاموا وسطروا هذه القواعد، قال: (جزاهم المولى عظيم الأجر والعفو مع غفرانه والبر)، يدعو الله سبحانه وتعالى أن يثيبهم أعظم الأجر وأعظم الثواب، وأن يعفو ويتجاوز عن سيئاتهم، وأن يغفرها لهم، يعني: أن يتجاوز وأن يستر معاً، والبر هو الإحسان، يعني: بهذا حصول المطلوب، والنجاة من المرهوب، فحصول المطلوب يكون بالبر والإحسان.

    1.   

    قاعدة: الأمور بمقاصدها

    قال المؤلف رحمه الله تعالى:

    (النية شرط لسائر العمل بها الصلاح والفساد للعمل).

    هذه القاعدة الأولى من القواعد الخمس الكلية، وهي قاعدة النية: الأمور بمقاصدها، وهي قاعدة كبيرة ذكر العلماء رحمهم الله أن ثلث الإسلام يدور عليها، والقواعد الخمس الكلية هي: قاعدة: الأمور بمقاصدها، وقاعدة: المشقة تجلب التيسير، وقاعدة: لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة: اليقين لا يزول بالشك، وقاعدة: العادة محكمة.

    وقاعدة النية تحتها مسائل نأخذها باختصار:

    تعريف النية ودليل قاعدتها

    المسألة الأولى: تعريف النية.

    النية في اللغة: القصد. وفي الاصطلاح هي: قصد العمل ابتغاء وجه الله عز وجل.

    المسألة الثانية: دليل هذه القاعدة قول الله عز وجل: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [النساء:114] هذه هي النية، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114] ، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5].

    وأما من السنة فحديث عمر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، والإجماع قائم على ذلك.

    شروط النية

    المسألة الثالثة: شروط النية.

    النية يشترط لها شروط:

    الشرط الأول: التمييز، فالتمييز شرط لصحة النية، والصبي الذي لم يميز لا تصح عباداته؛ لا يصح وضوءه، ولا صلاته، ولا صيامه؛ لأنه لا يعقل النية، ويستثنى من ذلك الحج والعمرة، فإنهما يصحان من الصبي الذي لم يميز وينوي عنهما وليه.

    الشرط الثاني: العقل، وعلى هذا فالمجنون لا تصح نيته.

    الشرط الثالث: العلم بالمنوي، فلا بد أن يعرف ويعلم المنوي.

    الشرط الرابع والأخير: الإسلام، فالكافر لا تصح نيته.

    فوائد النية

    المسألة الرابعة: فائدة النية.

    النية لها فوائد:

    الفائدة الأولى: التمييز بين العبادات بعضها من بعض، يدخل أحد المسجد ويصلي ركعتين، فقد ينوي بهما تحية المسجد، وقد ينوي بهما الفريضة، أو السنة الراتبة إذا دخل قبل صلاة الفجر، فلا بد من النية حتى تميز العبادات بعضها عن بعض.

    الفائدة الثانية: أنها تميز العبادات عن العادات، فقد يعمم بدنه بالماء ويقصد بذلك رفع الحدث الأكبر، وقد يقصد مجرد التنظف.

    الفائدة الثالثة: ما يتعلق بالإخلاص، هذا يصلي ركعتين يكون مخلصاً فأجره عظيم عند الله سبحانه وتعالى، وعمله صحيح، وهذا يرائي في عمله.. إلى آخره، ولهذا قال لك المؤلف: (بها الصلاح والفساد للعمل).

    الفائدة الرابعة: ما يتعلق بتداخل العبادات، هذا يصلي ركعتين عن ثلاث صلوات، وهذا يصلي ركعتين عن صلاة واحدة فقط، وكل هذا راجع إلى النية، وسيأتينا إن شاء الله ما يتعلق بتداخل العبادات.

    وقت النية

    المسألة الخامسة: وقت النية.

    وقت النية يختلف باختلاف العبادات، وفي الجملة العلماء يقولون: للنية وقتان:

    الوقت الأول: وقت استحباب، وذلك أن يكون مقارناً لبدء فعل العبادة، فمثلاً إذا أردت أن تصلي الفريضة فعند تكبيرة الإحرام تنوي.

    الوقت الثاني: وقت الجواز، ويكون قبل العبادة بزمن يسير.

    وهل يشترط دخول الوقت أو لا يشترط؟ الصحيح أنه لا يشترط دخول الوقت، فإذا كان قبل العبادة بزمن يسير فإن هذا لا يضر.

    ما لا تشترط فيه النية

    المسألة السادسة: ما لا تشترط له النية.

    الأصل أن النية تدور عليها الأعمال، ولهذا نجد أن النية في سائر أبواب الفقه، لكن هناك مسائل لا تشترط لها النية، قال العلماء:

    أولاً: ما يتعلق بالتروك لا تشترط له النية، فمثلاً إزالة الخبث لا تشترط له النية، فلو أن الإنسان أصاب ثوبه بول، ثم جاء المطر ونزل على هذا البول، فرغم أنه ما قصد أن يزيل البول إلا أن الثوب يطهر.

    ثانياً: ما لا يكون إلا عبادةً مثل: الخوف، والرجاء، والتوكل… إلى آخره، فهذا لا تشترط له النية.

    الثالث مما لا تشترط له النية: ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( ما من مسلم يزرع زرعاً، أو يغرس غرساً فيأكل منه إنسان، أو حيوان، أو طير إلا كتب له بذلك أجر )، هذا الرجل لما زرع أو غرس هل قصد أن يأكل منه الطير والإنسان والحيوان، أو لم يقصد ذلك؟

    هو ما قصد ذلك، بل تجده يضع الأشياء التي تمنع الطير من أن يأكل ومع ذلك يكتب له الأجر، وهذا من رحمة الله عز وجل.

    قلب النية

    المسألة الأخيرة: ما يتعلق بقلب النية.

    العلماء يقولون: قلب النية ينقسم إلى أقسام:

    القسم الأول: أن يقلب النية من معين إلى معين فهذا لا يصح، وحينئذ يبطل الأول ولا ينعقد الثاني، مثال ذلك: رجل يصلي راتبة الفجر، وهذه صلاة معينة، ثم قلبها للفريضة، هذا لا يصح، فتبطل الأولى؛ لأنه قطع نيتها الراتبة، ولم تنعقد الثانية؛ لأنه لا بد أن تكون النية من أول الصلاة، وهو ما نوى أول الصلاة بل نوى في أثنائها.

    القسم الثاني: أن يقلب عبادته من عبادة معينة إلى عبادة مطلقة، وهذا يصح؛ لأن العبادة المعينة اشتملت على نيتين: اشتملت على نية التعيين، ونية الإطلاق، وأبطل الآن نية التعيين، فبقيت نية الإطلاق، فمثلاً: لو كان يصلي سنةً راتبة أو فريضة، ثم قلبها إلى صلاة نفل مطلق فنقول: يصح ذلك؛ لأن هذه الصلاة اشتملت على نية التعيين ونية الإطلاق، فأبطل نية التعيين وبقيت نية الإطلاق.

    القسم الثالث: أن ينتقل من مطلق إلى معين، وهذا لا يصح، فلو أنه شرع في نافلة مطلقة ثم انتقل إلى نافلة معينة كسنة راتبة، نقول بأنه لا يصح.

    والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755960942