إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (902)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم دفاع المحامي عن الظالم وحكم احتراف المحاماة

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب. رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من جمهورية جيبوتي وباعثها أحد الإخوة المستمعين من هناك يقول: محمد علي يوسف ، أخونا له مقدمة في رسالته ننطلق منها إلى السؤال فيقول: هناك من المسلمين من يعمل في المحاماة، الشخص الذي يعمل محامياً أحياناً يدافع عن الظالم ويعرف أنه ظالم، وإذا سألته: لماذا تدافع عن الظالم؟ يقول: هذه مهنتي. والسؤال المطروح هو: هل في الإسلام محاماة؟ وما هو حكم الإسلام في المحاماة والمحامين؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

    فالمحاماة لها خطر عظيم، وهي وكالة في المخاصمة عن الشخص الموكل، فإن كان الوكيل وهو المحامي يتحرى الحق ويطلب الحق ويحرص على إيصال الحق إلى مستحقه، ولا يحمله كونه محامياً على نصر الظالم وعلى التلبيس على الحكام والقضاة ونحوهم فإنه لا حرج عليه؛ لأنه وكيل.

    أما إذا كانت المحاماة تجره إلى نصر الظالم وإعانته على المظلوم، أو على تدليس الدعوى أو على طلب شهود الزور أو ما أشبه ذلك من الباطل فهي محرمة وصاحبها داخل في عداد المعينين على الإثم والعدوان.

    وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. قالوا: يا رسول الله! نصرته مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال: تحجزه عن الظلم -يعني: تمنعه من الظلم- فذلك نصرك إياه)، فهذا هو نصر الظالم أن يمنع من الظلم وأن لا يعان على الظلم، فإذا كان المحامي يعينه على الظلم فهو شريك له في الإثم وعمله منكر وهو متعرض لغضب الله وعقابه نسأل الله العافية، وهكذا كل وكيل وإن لم يسم محامياً ولو سمي وكيلاً، إذا كان يعين موكله على الظلم والعدوان وعلى أخذ حق الناس بالباطل فهو شريك له في الإثم وهو ظالم مثل صاحبه، نسأل الله للجميع العافية والهداية والسلامة.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، كأني بسماحة الشيخ ينصح بعدم الاشتغال بهذه المهنة؟

    الشيخ: نعم. أنصح بعدم الاشتغال بها إلا لمن وثق من نفسه بأنه يتحرى الشرع ويعين على تحقيق الشرع وينصر المظلوم ولا يعين الظالم، أما إذا كانت نفسه تميل إلى أخذ المال يحق وبغير حق وإلى مناصرة من وكله ومن جعله محامياً عنه فهذا لا يجوز له بل يجب الحذر.

    1.   

    عالم الآخرة عالم مادي نصل إليه بعد البعث والنشور

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من العراق وباعثها أحد الإخوة من هناك يقول: (ط. ع. ب) أخونا بدأ رسالته بقوله: من المعروف أن معنى المادة هو كل شيء يشغل حيزاً من الفراغ وله كتلة، وتوجد بثلاث حالات وهي: الحالة الصلبة والحالة السائلة والحالة الغازية، ومن المعروف أيضاً وعلى ما أعتقد أن هناك صورتين للوجود فقط، وهي: الصورة المادية والصورة الروحانية أي: الروح، وهذا العالم عالم الدنيا الذي نعيش فيه هو عالم مادي ملموس؛ لأن كل شيء فيه يرى ويلمس أو تتحسس به كالهواء مثلاً، والسؤال هو: هل عالم الآخرة عالم مادي أم عالم روحاني أم غير ذلك؟ جزاكم الله خيراً.

    الجواب: العالم الأخروي عالم مادي لكننا لم نصل إليه الآن، وإنما نصل إليه بعد البعث والنشور، ولكنا علمناه بالأدلة القاطعة التي لا ريب فيها ولا شك فيها من طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن طريق الفطرة التي فطر الله عليها الناس، ومن طريق ما جاءت به الرسل من الكتب وأعظمها وأرفعها شأناً القرآن الكريم.

    وقد تواترت الأدلة النقلية والعقلية التي فطر الله عليها العباد على الإيمان بالآخرة والجنة والنار وأنها حق وأنها كائنة وأن أهل الجنة ينعمون بنعم محسوسة يأكلون ويشربون ويتمتعون بالزوجات من الحور العين وغيرهن ويتمتعون بما هناك من أنواع النعيم، كما أن أهل النار يتألمون بما أعد الله لهم من العذاب ويذوقون مسه وشره وبلاءه كل هذا أمر معلوم مقطوع بالأدلة القطعية التي لا ريب فيها ولاشك، ومن كذبها فهو كافر حلال الدم والمال، مأواه النار وبئس المصير نعوذ بالله من ذلك.

    1.   

    حكم استخدام المرأة لأدوية منع الحمل والتي تنفرها من زوجها

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من البحرين باعثتها إحدى الأخوات من هناك تقول: الحائرة (م. م. م) أختنا لها سؤال طويل، ملخص السؤال: أنه نتيجة لمتاعب الحمل والولادة والتربية تضطر للهروب عن زوجها نظراً لتأثرها بالأدوية التي تؤخذ لتنظيم النسل، وترجو من سماحتكم النصح والتوجيه؟

    الجواب: نصيحتي لها أن تدع هذه الأدوية التي تنفرها من زوجها، وأن تتحمل الحمل والولادة ولعل في هذا خيراً كثيراً ومصالح جمة، فإن الأولاد إذا أصلحهم الله صار في ذلك خير لهم وخير لوالديهم جميعاً وخير للأمة، فينبغي لها أن تتحمل وتصبر وتدع الأدوية التي قد تؤذيها وتضرها، إلا إذا كان هناك مرض أو تقرير من أطباء يدل على أن حملها هذا على هذا يضرها ويسبب أخطاراً كثيرة عليها فإنها تتقيد بالتوجيهات الطبية، ولو أخذت ما يمنع الحمل سنة أو سنتين أو أكثر على حسب توجيهات الطبيب المختص البصير الثقة في ذلك فلا مانع من تنظيم الحمل على هذا الوجه للمصلحة الشرعية ولدفع الضرر عنها وعن أولادها الصغار.

    أما لمجرد الترفه وطلب الراحة فهذا لا ينبغي ولا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حث الأمة على طلب النسل وتكثير الأمة، وقال عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) وفي بعض الروايات: (الأنبياء يوم القيامة) .

    فالرسول صلى الله عليه وسلم رغب في كثرة الأولاد وأخبر أنه يكاثر بأمته يوم القيامة الأمم، فكثرة الأولاد عن الطريق الشرعي مع الصبر والتحمل فيه خير كثير وقد ينفع الله بهم الأمة وينفع الله بهم والديهم إذا أصلحهم الله، فالمشروع للمرأة التحمل والتصبر حتى يكثر الأولاد من طريق الحلال ومن طريق الزوج الشرعي والحمد لله، إلا لعلة وضرر لابد منه فإن هذا لا بأس فيه، لا بأس أن تتعاطى ما يخفف عنها هذا الأثر وهذا الضرر من طريق الأطباء المختصين والطبيبات المختصات حتى يكون التنظيم على بينة وعلى بصيرة وعلى وجه شرعي.

    1.   

    حكم العزل لأجل تنظيم النسل

    السؤال: ألاحظ أيضاً سماحة الشيخ أنه من بين الرسائل التي أمامي الآن رسالة وصلت إلى البرنامج من القنفذة وباعثها أحد الإخوة هو (ع. ل) من القنفذة كما ذكرت، أخونا أيضاً يذكر أن زوجته على نفس المستوى يقول: إن أعطاها من هذه الأدوية التي تنظم الحمل فإنها تتأذى منها، وإن بقيت بدون فهي تحمل عاماً وترضع عاماً آخر وصحتها متدنية جداً، ويسألون: هل هناك طريقة شرعية تستخدمها المرأة ولا تهرب من زوجها وتبقى عنده والحالة هذه؟

    الجواب: نعم، إذا كانت تتضرر كما ذكر الزوج من الحمل ويحصل لها بذلك مضار شديدة أو على ولدها الصغير فإنه لا مانع من أن يعزل عنها، العزل لا بأس به، وكان السلف يعزلون عند الحاجة إلى ذلك، أو يسأل عن دائه الطبيبات المختصات لعلهن يجدن شيئاً ينفعها ولا يضرها عند الحاجة والضرورة إلى ذلك، والعزل أمر متيسر إذا استطاعه الزوج، وإذا كتب الله شيئاً تم ولو بشيء قليل من المني، لكن هذا من الأسباب والتوفيق بيد الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    حكم كشف المرأة وجهها بسبب ضعف بصرها وحاجتها إلى لبس النظارة

    السؤال: أختنا من البحرين تسأل أيضاً وتقول: سماحة الشيخ! ما قولكم في أن وجه المرأة صورة أي: أنني امرأة متحجبة ولكن لا أضع على وجهي غطاء؛ نظراً لأن بصري ضعيف وألبس نظارة وفي حاجة إلى عدم وضع الغطاء، هل تبيح لي تلك الأمور عدم الغطاء أو لا؟

    الجواب: المشروع للمرأة الحجاب وهو واجب كما قال الله سبحانه في كتابه الكريم: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] وقال سبحانه: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية.

    والوجه من الزينة لكن إذا كان البصر ضعيفاً وتحتاج المرأة إلى إبداء عينيها فلا بأس، تبدي عينيها من طريق وضع النقاب أو البرقع تلبسه على وجهها وتبدي عينيها، أو تضع النظارتين على عينيها للاستفادة من ذلك لا حرج في ذلك والحمد لله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وتستر بقية الوجه.

    1.   

    وجوب بر الوالدين والعناية بهما

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من الأعظمية في بغداد وباعثتها إحدى الأخوات من هناك، رسالتها مطولة في الواقع، أستأذن سماحة الشيخ في أن أقرأها كما وردت.

    الشيخ: نعم.

    المقدم: تقول: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين:

    رسالتي لكم رسالة أم مؤمنة مسلمة عاشت عمرها الذي تجاوز الخمسين عاماً على عبادة الله وعلى سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، أنشأت ابنتها الكبيرة على طريقتها حتى تزوجت قبل عشر سنوات وصارت تبتعد عني رغم أني أتقرب إليها حيث لم ينجب زوجها ذرية لسبب فيه، وتركنا ذلك إلى مشيئة الله سبحانه وتعالى، وفي الفترة الأخيرة افتقدتها نهائياً ولم أعلم عنها شيئاً وانقطعت أخبارها، وقد تركتني أنا الأم التي أنشأتها على طاعة الله والوالدين أفتش عنها في كل زاوية ودرب مشوشة الفكر قلقة مشدودة الأعصاب.

    علماً بأني تحت العلاج الطبي والعمليات الجراحية التي أجريت لي حتى الآن لم تشف، أكرر: هل ما أمر به الله تعالى بالعطف على الوالدين ورعايتهم وعدم الإساءة لهم بالقول البسيط (أف)، كيف بهذا العمل الذي أقلقني في صلاتي وحرمني طعم الخشوع، أدعو أبناءنا إلى الطاعة فيما يرضي الله ورسوله وليتركوا تعسفهم بالوالدين باسم الانقطاع الكلي لفكرهم وآرائهم التي ينقصها التجربة والعطف والواقع الذي يلف البشر.

    فالله الله بهذه الأم التي أرضعت وربت ودرست وعلمت وهذبت على شريعة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، إنه تعامل هكذا.

    أرجو منكم حفظكم الله إذاعة رسالتي أكثر من مرة فهي تستمع إلى ندوتكم المذاعة منذ سنوات كما نسمعها جميعاً، ودمتم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وتسأل أربعة أسئلة فيما يبدو على ضوء ما ذكرت فتقول: سماحة الشيخ! ما حكم الشرع في هذا العمل حيث خرجت بدون محرم معها وكذبت على والديها؟ ما حكم الشرع في هذا العقوق ومعاملة الوالدين وهما من أهل الإسلام والإيمان؟ ما درجة صحة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أمر أحد المجاهدين بالرجوع عن الجهاد والبقاء مع أمه رأفة بها من نبي الرحمة الكريم صلى الله عليه وسلم؟ هل غاب عن بال من يصرف النظر عن والديه أن النبي الكريم أوصى بالأم ثلاث مرات وبالأب مرة دون غيرهم؟ أرجو أن تتفضلوا بالتوجيه والإرشاد حول هذه القضية.

    والواقع رسالة مطابقة تماماً لهذا الموضوع لكن مرسلها أخونا عبد الله العبيدي من بغداد أيضاً، والموضوع واحد كما قلت سماحة الشيخ.

    الجواب: لا ريب أن بر الوالدين والإحسان إليهما والرفق بهما من أهم الواجبات ومن أفضل القربات، وقد أوجب الله سبحانه حق الوالدين وأمر بالإحسان إليهما في كتابه العظيم في آيات كثيرات؛ منها: قوله عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً [الإسراء:23-24].

    ومنها: قوله سبحانه في سورة لقمان: أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14].

    فبرهما من أهم الفرائض، وهذا العمل الذي عملته هذه البنت عمل سيئ ومنكر ولاشك أنه عقوق، والواجب عليها أن تضع يدها في يد والدتها وأن تطلب منها السماحة والإباحة والعفو؛ لأنها قد أساءت إلى والدتها مع ما فعلت الوالدة من الخير العظيم والتربية والإحسان والصبر على أذى الطفل.. إلى غير ذلك مما تقوم به الوالدة، فينبغي لهذه البنت أن تتوب إلى الله وأن ترجع إليه سبحانه وأن تستغفره جل وعلا من ذنبها وتقصيرها، وأن تضع يدها في يد والدتها وتستسمحها وتطلبها العفو.

    وإذا كان هناك شيء حصل من والدتها يضرها ففي إمكانها توسيط من ترى من أهل الخير والأقارب حتى يصلح بينها وبين والدتها إن كان هناك شيء أوجب هذه القطيعة وهذا البعد.

    وأما ما يتعلق بسفر المرأة بغير محرم فهذا لا يجوز، ليس لها أن تسافر إلا بمحرم كما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وكذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام لما قال له رجل: (يا رسول الله! من أبر؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب).

    وفي اللفظ الآخر يقول عليه الصلاة والسلام لما سئل قيل: (يا رسول الله! أي الناس أحق بحسن الصحبة؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك) فحق الوالدة أعظم وأكبر من حق الوالد ثلاث مرات، حتى الجهاد إذا كان ليس فرض عين لابد من استئذان الوالدين أو أحدهما إذا كان الموجود أحدهما وهو الجهاد الذي هو من أهم الفرائض وقد يجب على الأعيان في بعض الأحيان.

    فالحاصل أنه يجب على الولد أن يستأذن والديه في الجهاد إذا لم يكن فرض عين لعظم حقهما ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لما استأذنه رجل للجهاد قال: (أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد).

    فالمقصود: أن حق الوالدين عظيم، فالواجب على البنين والبنات أن يعنوا بهذا الأمر وأن يعطفوا على والديهم وأن يرحموا والديهم وأن يحسنوا إلى الوالدين وأن يتلطفوا بالوالدين ويعطفوا على الوالدين، فهذا من بعض حق الوالدين، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.

    1.   

    حكم الابتعاد عن الوالدين بحجة الانقطاع الكلي للفكر

    السؤال: الواقع أختنا سماحة الشيخ تذكر مأساة يشكو منها كثير من الآباء، تلكم هي ما يعرف بين كثير من الشباب بالانقطاع الكلي للفكر وتمحيص الآراء، حتى أن هذا أدى بالأبناء إلى الانقطاع عن آبائهم وببعض البنات أيضاً، لابد لسماحة الشيخ من كلمة وأعتقد أن هذا غزو دخل إلى شبيبة الإسلام.

    الجواب: لا حول ولا قوة إلا بالله! لاشك أن هذا أمر خطير، والواجب على الشباب أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يعرف قدر الوالدين وحق الوالدين فحقهما عظيم وواجبهما كبير، ولا ينبغي للشباب من الذكور والإناث أن ينقطعوا للوساوس والأفكار المخالفة المنحرفة بل يجب على المؤمن شاباً أو شيخاً وعلى المؤمنة فتاة أو كبيرة على الجميع أن يحاسبوا أنفسهم وأن يتقوا الله في أقاربهم وفي والديهم بوجه أخص وأن يحرصوا على الاستقامة وأن يحذروا وساوس الشيطان ونزغات الشيطان.

    والله جل وعلا قال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:1-4] فهو وسواس عند الغفلة خناس عند الذكر.

    فالواجب على الشباب جميعاً من الذكور والإناث أن يتقوا الله وأن يستقيموا على دينه وأن يعرفوا قدر الوالدين وقدر الأقارب، وأن يبروا والديهم وأن يصلوا أرحامهم، ولو فرضنا أن الوالدين كافران لوجب الإحسان إليهما قال الله جل وعلا في كتابه الكريم في حق الوالدين الكافرين: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]وهما كافران عليه أن يحسن إليهما وأن يصحبهما بالمعروف وأن ينصح لهما وأن يدعوهما إلى الخير وأن يحسن إليهما بما يستطيع من مال وجاه ودعوة إلى الله عز وجل لعل الله يهديهما بأسبابه.

    فكيف إذا كان الوالدان مسلمين فالأمر أعظم وأكبر، وهكذا الرحم وصل الرحم من أهم الواجبات وقطيعتها من أقبح الكبائر يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) ويقول عليه الصلاة والسلام: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله ثم قال: وعقوق الوالدين) فجعل العقوق من أكبر الكبائر.

    فالواجب على الجميع من ذكور وإناث أن يعرفوا قدر الوالدين وأن يعظموا قدر الوالدين وأن يحسنوا إليهما ولو جرى منهما بعض الشيء من التقصير في حق الولدين، أو من الكلام الشديد على الولدين أو من الإساءة إليهما فحقهما عظيم.

    فالواجب الإحسان إليهما والتلطف بهما واستسماحهما وطلب العفو منهما، وتوسيط الناس الطيبين في الإصلاح بين الإنسان وبين والديه إذا كان هناك شيء من الاختلاف بينهما لا ينفر من والديه ولا يبتعد عن والديه بل يجتهد في إيجاد الصلح وفي إيجاد التقارب بينه وبين الوالدين، حتى ولو أساءا إليه ليتحمل ولينظر إلى حقهما العظيم، وليوسط الأخيار من إخوة كبار أو أخوال أو أعمام أو غيرهم حتى يزول الإشكال وحتى يعود الوئام بين الولد ووالديه وبين البنت ووالديها.. هكذا ينبغي، أما الانقطاع والتباعد عن الوالدين والغفلة عنهما فهذا شره عظيم وعاقبته وخيمة وهو من أعظم العقوق نسأل الله للجميع الهداية والعافية.

    1.   

    التحذير من تجنب مصاحبة الآباء بحجة أنهم غير متعلمين ولا مثقفين

    السؤال: من الصور المحزنة سماحة الشيخ: أن يأنف الشباب من السير مع الآباء ولاسيما إذا كان الآباء من العوام، أي من أولئك الذين لم يكن لهم فرصة للتعلم والتعليم والثقافة، توجيهكم هذا جزاكم الله خيراً.

    الجواب: وهذا أيضاً غلط, والواجب على الولد أن يتواضع وأن يعرف قدر والديه وأن يحمد الله على ما أعطاه من العلم والبصيرة، وأن يستعين بذلك على توجيه والديه بالحكمة والكلام الطيب وينبههما على ما قد يخفى عليهما، ويكون في غاية العطف عليهما والذل لهما والاستكانة والتواضع كما أمر الله بذلك سبحانه وتعالى قال: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ [الإسراء:24].

    فالواجب أن يتواضع لوالديه وأن يعرف قدرهما ولو كانا عاميين يجب عليه أن يعرف قدرهما وأن يحسن إليهما وأن يعاملهما بالبشاشة والتواضع والكلام الطيب، هذا من أهم الواجبات وأن لا يؤثر عليهما زميلاً أو صديقاً أو غير ذلك بل يجب أن يعرف حقهما وأن يحسن إليهما في جميع الأوقات ولو قدر أنهما تكلما عليه في بعض الأشياء أو انتقداه في بعض الأشياء يبين لهما ما قد يخفى عليهما، ويبصرهما وليستعن بأهل الخير من أقاربه إذا لم ينفع كلامه هو معهما ليستعن بالأخيار الطيبين من أعمام وأخوال وجيران طيبين حتى يشرحوا للوالدين ما يجب شرحه من حال الولد وحق الولد على والديه من أن يعيناه على الخير وأن يوجهاه إلى الخير فالوالدان لهما حق والولد له حق أيضاً.

    فالوالدان عليهما أن يعيناه على الخير وأن لا يثبطاه عن الخير بل عليهما أن يعيناه على الصلاة في الجماعة وعلى صحبة الأخيار وعلى ترك صحبة الأشرار، ويعيناه على طلب العلم وعلى كسب الحلال، وهو عليه أن يعرف قدرهما ويحسن إليهما ويتواضع لهما ويبرهما ويؤدي حقهما. رزق الله الجميع التوفيق والهداية.

    المقدم: اللهم آمين. سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    الشيخ: آمين، نسأل الله ذلك.

    المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    شكراً لكم مستمعي الكرام! وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    الشيخ: عافاكم الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755832910