إسلام ويب

ولا تتداووا بحرامللشيخ : صالح بن حميد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بين المادية البحتة والشعوذة والدجل تتوسط الحقيقة التي يدركها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

    ويختلف الناس في تعاملهم مع الشيطان وشره ووسواسه، ولكن من تمسك بالسنة فقد نجا بإذن الله.

    وفي هذه المادة بيان لذلك ولما ينبغي أن يكون عليه الإنسان من إيمان بالمادة وإيمان بالغيب وبيان لأهمية الاعتصام بالله والتوكل عليه.

    1.   

    صلاح الأجساد وصلاح الاعتقاد

    الحمد لله أهل الحمد والثناء، يضل بعدله ويهدي بفضله، من اهتدى من عباده فلنفسه سعى، ومن عذاب الله نجا، ومن أعرض وأبى فعلى نفسه جنى، وإن الجحيم هي المأوى.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أنقذ به من الضلالة، وهدى به من العمى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وعلى طريقهم اقتفى.

    أما بعــد:

    فيا أيها الناس: اتقوا الله ربكم؛ فهو سبحانه أحق أن يُطاع فلا يُعصَى، ويذكر فلا يُنسَى، ويُشكَر فلا يُكفَر.

    أيها المسلمون: ربنا الذي في السماء تقدس اسمه لا إله غيره، من اعتصم به هُدِي إلى صراطٍ مستقيم، ومن استعان به واستعاذ أوى إلى ركنٍ شديد، نَزَّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين، أعظم ما تتعلق به القلوب رجاؤه، وأعذب ما تلهج به الألسن ذكره ودعاؤه، سبحانه وتقدس وتبارك، لا شفاء إلا شفاؤه، خلق الأجساد وعللها، والأرواح وأسقامها، والقلوب وأدواءها، والصدور ووسواسها.

    ضياع الحق بين طرفي نقيض

    أيها الإخوة: صلاح الجسد مرتبط بصحة المعتقد، بل متى يصلح الجسد إذا لم يصلح المعتقد؟!

    حين يضعف وازع الإيمان، ويختل ميزان الاعتقاد، تختلط الحقائق بالخرافة، وتنتشر الخزعبلات والأوهام، ويفشو الدجل والشعوذة، ويضيع الحق بين فريقَين:

    ضُلاَّلٌ ماديون: ينكرون الغيب وعالمه، ويكفرون بما جاء به رسل الله من الحق، وكل ما عدا المادة فهو عندهم أساطير الأولين؛ أوهام ومعتقدات من معتقدات المجتمعات البدائية؛ أساطير تخطاها الإنسان المتحضر، الإيمان بالغيب عندهم رِدَّةٌ حضارية إلى عصور الظلام.

    يقابلهم فريقٌ آخر: عشعشت الخرافات في رءوسهم، وامتلأت بالخزعبلات صدورُهم، تعلقت قلوبهم بالسحر والكهانة، وارتبطت بصائرهم بالتنجيم والعِرافة، والضرب بالكف والرمل، والنظر في الوَدَع والخرز، والاستسقاء بالأنواء.

    وكلا الفريقين قد سلك مسالك الجاهلية.

    أما الأولون: فجاهليتهم الإعراض عن العلم المتنزل على رسل الله، ورفض ما جاء به المرسلون، وقبول ما جاء عن الفلاسفة والملاحدة والزنادقة، قد قال الله عنهم وعن أمثالهم: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [غافر:83].

    وأما الآخَرون: فاعتمدوا التقاليد الفاسدة، وبنوا حياتهم على الظنون والتخرصات، وتعلقوا بأهل الكهانة والسحر والتنجيم، فهم في لون آخر من الجاهلية الجهلاء: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40] .

    وسوسة الشيطان

    أيها المسلمون: إن الإنسان جسدٌ وروح؛ فكما يتأثر بالمادة وأسبابها؛ من طعامٍ وشراب، وحَرٍّ وقَرٍّ، وغذاءٍ ودواء، فإنه يتأثر بالمؤثرات الروحية بإذن الله.

    فالشيطان وجنوده جعل الله لهم تسلطاً على بني آدم: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً [الإسراء:64] ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17].

    وأخبرنا نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم أنه: {ما من أحدٍ من بني آدم إلا قد وُكِّل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي؛ إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير } أخرجه مسلم .

    وفي خبر عند مسلم أيضاً: {إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه }.

    بل إن هذا التأثير -أيها الإخوة- منه ما هو وسوسة وإيحاء، ومنه ما هو محسوس وملموس.

    وتظهر الوسوسات والإيحاءات في صورٍ وأحوال من الدوافع والانفعالات؛ ففي هاجس الفقر، وحب المال، ومسالك الفحشاء: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268].

    وفي حب الأولاد والعواطف: وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ [الإسراء:64] { النظرة سهم من سهام إبليس }.

    وفي انفعالات الغضب يتغلغل الشيطان ليخرج المرء عن طوره المعتدل، فيسب ويشتم ويقطع الرحم ويطلِّق، وفي الحديث: {إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم } متفق عليه.

    حتى انفعالات الغيرة النسائية -أيتها الأخوات المسلمات- للشيطان فيها نصيب، فحينما افتقدت عائشة رضي الله عنها حبيبها محمداً صلى الله عليه وسلم ذات ليلة أدركتها الغيرة، فقال عليه الصلاة والسلام لها: {أوقد جاءك شيطانك؟! فقالت: أوَمعي شيطان؟! قال: نعم، قالت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم } رواه مسلم .بل إن الشيطان قد يبث المخاوف في النفس ويهز القلوب بالقلق والحزن: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] ، إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة:10] .

    ويترقى ذلك إلى بث النزعات العدوانية: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء:53].

    وفي الخبر عند الشيخين : {إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن لم ييئس من التحريش بينهم }.

    تأثير الشيطان المحسوس

    أما التأثير المحسوس والملموس فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن: {أن كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه بإصبعه حين يولد } رواه البخاري .

    وقال أيضاً: {إن عدو الله إبليس جاء بشهابٍ من نار ليجعله في وجهي } أخرجه مسلم .

    1.   

    الوقاية والعلاج من أمراض الأرواح والأجسام

    وهذه الآثار أيها الأحبة معنويُّها وحسيُّها لها وقايتها وعلاجها، إذا رزق العبد إرادة قوية مؤمنة متعلقة بربها واثقة به: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل:99-100].

    (جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصبيٍ به مَسٌ من الشيطان، فنفث عليه الصلاة والسلام في فيه ثلاثاً وقال: بسم الله، أنا عبد الله، اخسأ عدوا الله ) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي .

    واشتكى ابن أبي العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً يأتيه يصرفه عن صلاته، فقال صلى الله عليه وسلم: (ذاك شيطان، ثم ضرب على صدر ابن أبي العاص وقال: خذ عدو الله ثلاثا ) رواه ابن ماجة بسند صحيح.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا تثاءب أحدُكم فليمسك بيده على فيه؛ فإن الشيطان يدخل )، وقال: ( إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه ) .

    اختلاف الناس في ضعف النفوس وقوتها

    إذا كان الأمر كذلك أيها المسلمون، فلتعلموا أن الناس تختلف في ضعف نفوسها، وقوة إرادتها، وصدق يقينها، وتعلقها بربها، وقوة تأثير الوساوس عليها.

    فأهل الإيمان والتقوى: إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201] تذكروا ورجعوا إلى ربهم موقنين أنه النافع الضار، الحكيم المدبر، فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201] ، يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ [يونس:9] فيعتدل حالهم، ويستقيم مزاجهم، اتقوا ربهم فجعل لهم نوراً يمشون به، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً [الطلاق:2-3] إنهم مؤمنون غير متذبذبين، متزنون غير مترددين، إيمان راسخ، ومعتقد ثابت، لا تقعدهم الضغوط، ولا تستفزهم الأوهام، شيطانهم في وسواسه خناس، نفوس طيبة، بذكر الله مطمئنة، ترضى بربها، وتؤمن بما جاء من عنده، متطهرة من الغل، صادقة في التعامل.

    وثمة نفوس -أيها الإخوة- ذات تردد وتعجل، وقلة صبر وقلق، متسرعة في مواقفها، متقلبة في انفعالاتها، تتعرض للمزعجات النفسية، والمقلقات الداخلية، يتلبسها الخوف والاضطراب، والعدوان والغضب، ضعيفة الإبصار، مهتزة الجنان، وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202] سرعان ما ينساقون وراء الأوهام، بل ينجرون إلى ألوان من الانحرافات والمعاصي، فيكثر وسواسهم، ويعظم بغير الله تعلقهم، ويشتد بالخزعبلات اهتمامهم: فيما يسمعون، وفيما يرون، وفيما يعطون.

    بعض الحقائق في العلاج الشرعي

    أيها الأحبة: إن عقيدة المسلم في كتاب الله واضحة، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بينة، القرآن لهذه الأدواء هو الشفاء، ولكنه لأهل الإيمان خاصة: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82] ، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ [فصلت:44] .

    علاج أدوائكم في قرآنكم وفي سنة نبيكم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وطلب العلاج مشروع، والأخذ بالأسباب المباحة مطلوب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لكل داءٍ دواء، فإذا أصاب الدواء الداء برئ بإذن الله } وقال أيضاً: {ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاءً } هذا لفظ البخاري وزاد أحمد : {عَلِمَه مَن عَلِمَه، وجَهِلَه مَن جَهِلَه }.

    وهذا الدواء لا يكون ولن يكون فيما حرم الله ورسوله: { فتداووا -عباد الله- ولا تتداووا بحرام } و{ليس منا مَن تَطَيَّر أو تُطِيِّر له، أو تَكَهَّن أو تُكُهِّن له، أو سَحَر أو سُحِر له } و{ من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم }.

    وحصول البرء والشفاء بيد الله وإذنه، فلا يأْس من روح الله، ولا استبعاد لفرج الله: {عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيراً له، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن }.

    هذه هي العقيدة وهذا هو المنهج؛ ولكن أين العقيدة من أناس خفافيش القلوب، ضعاف النفوس، تعلقوا بالدجالين، ولحقوا بركاب المشعوذين وضلوا في متاهات الكذب والكهانة؟! فسادُ معتقد، وضياعُ مال، ودوامُ مرض.

    إنكم تعلمون -والمرضى يعلمون- أنهم قلما يجدون عند هؤلاء الدجالين شفاءً ونفعاً، قد يجدون عندهم راحة نفسية لفترة قصيرة، ثم لا يلبثون أن ينتكسوا إلى حالٍ أشد، فلا شُفِي لهم مريض، ولا ارتفعت عنهم حيرة، أضاع نفسه وخسر ماله، وهل سلم له دينه يا ترى؟!

    غرقوا في دجل، وشعوذات، وعُقَدٍ، وهمهمات، وعزائم، وطلاسم، وتلطخ بالنجاسات في المقابر والخَرِبات وبيوت الخلاء؛ يعقدون الخيوط، وينفثون العقد، ويوقدون المباخر، نعوذ بالله من شر النفاثات في العقد.

    وكثيرٌ من هؤلاء المعالجين ذوو قلة في الديانة، وخبثٍ في النفس، وشر في العمل، وفتنة للذين في قلوبهم مرض، ناهيك عما يظهر عليهم من مخالفات في الدين بينة؛ تكاسلٌ عن الصلاة، وخلل في السلوك، وجُرأة على المحرمات، وأكلٌ لأموال الناس بالباطل، وخلوات بالأجنبيات؛ بل قد يباشر ما لا يحل له من نظرٍ ومس وجس.

    إن ضررَ هؤلاء يتعاظم، وخطبَهم يشتد؛ فحق على أهل العلم والإيمان أن يشتد نكيرهم: [[إن الله لَيَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن ]] .

    فعلى ولاة أمور المسلمين أن يخلِّصوا هؤلاء الضعاف العامة من أشباه الرجال والنساء والصبيان، عليهم أن يخلصوهم من براثن الأفَّاكين الأكَّالين لأموال الناس بالباطل، عبدة الدرهم والدينار، الذين ينازعون الله رب العالمين ما اختص به من الربوبية وعلم الغيب؛ ويجب أن يُنْقَض ذلك ويُنَظَّم بضوابط الشرع وما ينفع الناس.

    ولقد حمد كل صاحب سنة ودين ما قام به ولاة أمور هذه البلاد -وفقهم الله- من متابعة لهؤلاء المشعوذين والدجالين وإنزال العقاب الرادع بهم بما يقضي به الشرع المطهر.

    سدد الله الخطا، وبارك في الجهود، وزادهم إحساناً وتوفيقاً، وحفظ الله على أمة الإسلام دينها وحسن معتقدها، وأصلح بالها؛ إنه سميع مجيب.

    أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    فضل التعلق بالله والاعتصام به

    الحمد لله؛ كفى وشفى.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أهل البر والوفا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على هديهم واقتفى.

    أما بعــد:

    فيا أيها الناس: (مَن تعلق شيئاً وُكِل إليه ) .

    مَن تعلق بربه ومولاه ربِّ كل شيء ومليكِه، كفاه ووقاه، وحفظه وتولاه؛ فهو نعم المولى ونعم النصير.

    ومَن تعلق بالكهنة والسحرة والشياطين والمشعوذين وغيرهم من أفَّاكي المخلوقين، وَكَلَه الله إلى مَن تعلق به؛ والتعلق يكون بالقلب وبالفعل، ويكون بهما جميعاً.

    فالمتعلقون بربهم، المنزلون به حوائجهم، المفوِّضون إليه أمورهم، يكفيهم ويحميهم؛ يقرِّب لهم البعيد، وييسر لهم العسير.

    ومَن تعلق بغير ربه وسَكَن إلى رأيه وعقله، واعتمد على دوائه وتمائمه، وَكَلَه ربه إلى ما تعلق به وخَذَلَه.

    يقول عطاء الخراساني : [[لقيت وهب بن منبه وهو يطوف بالبيت، فقلت: حدثني حديثاً أحفظه عنك في مقامي هذا وأوجز، قال: نعم، أوحى الله تبارك وتعالى إلى نبيه داوُد عليه السلام: يا داوُد! أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم بي عبدٌ من عبادي دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده السماوات السبع ومن فيهن، والأراضون السبع ومن فيهن، إلا جعلتُ له من بينهن مخرجاً، أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم عبدٌ من عبادي بمخلوقٍ دوني، أعرف ذلك من نيته، إلا قطعتُ أسباب السماء من يده، وأسخت الأرض من تحت قدمه، ثم لا أبالي بأي أوديتها هلك ]].

    ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وأحسنوا الظن بربكم، وأحسنوا العمل؛ فربكم سبحانه رب الأرباب، ومسبب الأسباب، و(تداووا ولا تتداووا بالحرام ) .

    هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمةً للعالمين، فقد أمركم بذلك ربكم، فقال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] .

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين.

    وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين، ودمر الطغاة والملحدين.

    اللهم وانصر عبادك المؤمنين.

    اللهم وانصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعبادك الصالحين.

    اللهم آمِنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!

    اللهم وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة.

    اللهم وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين!

    اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين!

    اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد؛ يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُذَلُّ فيه أهل معصيتك، ويُؤْمَر فيه بالمعروف، ويُنْهَى فيه عن المنكر؛ إنك على كل شيء قدير.

    اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك.

    اللهم انصرهم في فلسطين ، والشيشان ، وفي كشمير ، والبوسنة ، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين!

    اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

    رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ؛ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

    فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755987208