إسلام ويب

المؤتمر المشبوهللشيخ : عبد الرحمن صالح المحمود

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أعداء الفطرة والقيم والأخلاق يخططون الليل والنهار لإفساد المجتمعات والشعوب، وقد وجدوا أن المرأة خير وسيلة لذلك إن هم أفسدوها، ولذلك نراهم دائماً ينادون بتحرير المرأة، ويريدون بذلك تحريرها من الفطرة والقيم والأخلاق، فتكون معول هدم لمجتمعها وشعبها، ونراهم يكثرون من المؤتمرات العالمية للمرأة، وذلك من أجل تعميم ثقافتهم الهدامة، ونشرها بين الأمم والشعوب لاسيما الإسلامية، فعلى المسلمين الانتباه لهذا الخطر العظيم، والتصدي له على كافة المستويات، وبكل السبل.

    1.   

    بنود المؤتمر المشبوه مخالفة للفطر والأديان

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. أما بعد: فقد عقد في زمن مضى مؤتمر عالمي للمرأة، عقد في بلاد الشيوعية (بكين)، وقد حضره ما يقارب خمسين ألف امرأة من شتى أنحاء العالم، مختلفات المشارب والديانات، وطرحت آراء وجرت مناقشات، ولكن وثيقة المؤتمر التي أعدتها هيئة الأمم المتحدة بقيت هي الأساس الذي يدور حوله المؤتمر، وعلى بنودها يجري التوقيع، وفي الوثيقة بنود وقضايا كثيرة تتعلق بالمرأة، ولكن الذي يهم والذي أشغل بال المتابعين لهذا المؤتمر هو ما اشتملت عليه بنوده من عهود تعارض الأديان والأخلاق والآداب والفطر السليمة التي أجمع عليها كل من لم تصب فطرته بانتكاس. ومن هذه القضايا: إعطاء المرأة الحرية الكاملة. المطالبة بمساواتها للرجل في جميع الأمور. إباحة العلاقات غير الشرعية قبل الزواج، وتعليمها للجنسين منذ الصغر. إباحة الشذوذ. إباحة الإجهاض، ووأد وقتل الأولاد. كون الطلاق بيد المرأة لا بيد الرجل وغيرها من البنود التي اشتملت عليها وثيقة المؤتمر وجرى حولها النقاش. ونحن هنا لسنا بصدد بيان منزلة المرأة في الإسلام وما أعطاها من حقوق؛ فإن هذه بالنسبة لنا نحن -المسلمين- قضية عقدية كبرى، ولسنا أيضاً بصدد بيان حكم الإسلام الصارم في هذه القضايا المطروحة، ولا بصدد الحديث عن المرأة في الغرب، وهل فعلاً نالت ما تطمح إليه وقد أعطيت الحرية والمساواة على مدى عشرات السنين الماضية؟ لسنا بصدد الحديث عن هذا ولا هذا، إنما هي وقفات مع المؤتمر وخلفياته.

    1.   

    أسباب التركيز على قضية المرأة

    أولاً: لماذا التركيز على قضية المرأة وأوضاعها وأحوالها وحريتها؟ والجواب واضح، وهو أن المرأة مستهدفة بشكل خاص؛ لأمور: أولها: أن غزوها عقلياً وأخلاقياً له أثره البالغ في المجتمعات؛ لأنها- أي: المرأة- من أقوى الوسائل وأشدها أثراً في التدمير، وقد عرف هذا دعاة الفساد والانحلال، فاستخدموا المرأة في شتى الوسائل لتدمير الأمم وإنهائها، فكانت هي العمدة في المجلات، وفي الأفلام، وفي الدعاية، وركز عليها مخططوا التدمير للعالم في أبواب الأزياء وغيرها. ثانياً: أن الأسرة نواة المجتمع، ودور المرأة في الأسرة أماً وزوجةً وأختاً وبنتاً له أثر كبير فيها، ويكفي أن الجانب الأكبر في تنشئة الأجيال إنما تقوم به المرأة، فحين يتحقق الغزو والتدمير للمرأة ينتقل أثرها سريعاً إلى الأجيال. ثالثاً: أن المرأة بطبيعتها العاطفية وسرعة تأثرها تكون أسهل في الاستجابة للمطالب والانحراف، خاصة حين تخلو المرأة من العقيدة، أو يضعف إيمانها وما ينبثق منه تربية وخلق، فإن المرأة -والحالة هذه- سريعة جداً في تأثرها، كما أنها قوية في تأثيرها، إضافة إلى ما ركبه الله في المرأة من جمال ومن تعلق الرجال بهذا الجمال. لهذه الأسباب ولغيرها كان التركيز على قضية المرأة في مثل هذه المؤتمرات الكبرى.

    1.   

    القوى التي تقف وراء هذا المؤتمر وغايتها

    مؤتمر المرأة العالمي عقد تحت ظل الأمم المتحدة، وهذه المنظمة كما عرفناها من خلال أنظمتها ومواقفها -وآخرها موقفها في قضية المسلمين في البوسنة والهرسك- هذه المنظمة تقف وراءها قوى معروفة، على رأسها قوى الغرب الصليبي، والغرب ينظر من علو إلى بقية أمم الأرض، ومن ثم فهو يزعم التالي: أولاً: أنه صاحب رسالة موجهة إلى العالم، وينبغي للعالم كله أن يستمع إليه وأن يصغي إليه، هكذا يزعم الغرب. ثانياً: أنهم هم الأمة التي تفكر، وهم الذين يملكون أدوات البحث والتفكير، أما من عداهم من الأمم فلا شيء، ولا يستحق إلا أن يتكرم عليه الغرب بجعله تبعاً له ويدور في فلكه. ثالثاً: إنكار أي ثقافة أخرى غير ثقافة الغرب والتهوين منها، وبالأخص المنهج الإسلامي عقيدةً وشريعةً وأخلاقاً وآدابا، فإن الغرب ينظر إليه نظرة خاصة، ويري المرء الصليبي أنه مسيطر عسكرياً واقتصادياً وإعلامياً، وهو يسعى الآن إلى السيطرة والاختراق الثقافي والعقدي والأخلاقي لغيره من الأمم، وهذه المؤتمرات مع ما يصحبها من وسائل أخرى كالبث المباشر وغيره هي جزء من هذا البرنامج. والملاحظ أن الغرب أخيراً لم يعد يركز كثيراً على المؤتمرات التنصيرية التي كانت تعقد فيما مضى ويديرها ويقوم عليها منصرون من الساسة ومن القسس والرهبان، ولكنهم أصبحوا الآن يركزون على مؤتمرات الأمم المتحدة في ميادين متعددة، ومنها ميادين المرأة التي نتحدث عنها الآن. إذاً مؤتمر المرأة هو في جملته حرب عقدية أخلاقية، يشنها الغرب على العالم الثالث، وأبرز ما في العالم الثالث المسلمون، وهي محاولة لزرع وسائل الهيمنة على هذه الأمم، وأقوى وسائل الهيمنة حين تدمر أخلاقها.

    1.   

    أهداف مؤتمر المرأة العالمي

    ما هي أهم أهداف المؤتمر الذي عقد باسم المرأة؟ ينبغي أن نعلم أن وثيقة المؤتمر أعدت قبل عشرين سنة في مؤتمر سابق للأمم المتحدة عقد في المكسيك سنة خمس وسبعين وتسعمائة وألف ميلادية، لذا فما تحويه طيات المؤتمر بوثيقته ولجانه المتعددة وما يدعو إليه باسم حقوق المرأة من إباحية وانحلال وشذوذ، وفرض حقوق للمرأة في قتل الأولاد ووأدهم، وفي الطلاق وفي غير ذلك كل هذا قد أعد بعناية، وأشرفت عليه لجان وقوى، ونحن نقول: إن من الواضح أن هذا المؤتمر يهدف إلى أمور كثيرة، ونحن هنا إنما نقف مع بعضها فنقول: إن أهم أهداف المؤتمر: أولاً: أن الغرب لم ينجح في معالجة قضايا الإباحية والمخدرات ونحوها وما ينتج عنها، ومن ثم فهو يريد تصديرها إلى المجتمعات الأخرى، ومنها المجتمعات الإسلامية، فالمؤتمر محاولة لفرض الواقع الغربي الإباحي على دول العالم الثالث، سواء أكانت محافظة أم غير محافظة، ولكن التركيز أكثر وأكثر على الدول المحافظة، وخاصة مع بروز الصحوات الدينية، وعلى رأسها الصحوة الإسلامية. إذاً هي محاولة لهيمنة غربية لتفرض أخلاقها وآدابها وانحلالها وشذوذها على بقية أمم الأرض. ثانياً: إضفاء صفة الشرعية، وهنا آتي بلفظ (الشرعية) لأنهم يستخدمونها، وإلا فنحن لا نستخدمها إلا فيما يتعلق بالشرعية الحقيقية شرعية الإسلام. إذاً من أهداف المؤتمر إضفاء صفة الشرعية والقانون على الإباحية والرذيلة والانحلال، بحيث يصبح الانحراف هو الأصل في هذه المجتمعات، وقد يقول قائل: هناك معارضون، والدول غير ملزمة! فيقال: العبرة بالأكثرية، والأكثرية ستوقع عليها، ثم إن الغرب بهيمنته يعول على الضغط السياسي والاقتصادي على الدول التي لا تنفذ أنظمة الأمم المتحدة، كما أنه يعول على عامل الزمن، فتكرار هذه المؤتمرات قد يحولها إلى حقائق عند بعض الشعوب المغلوبة على أمرها. ثالثاً: الحط من الأديان، وعلى رأسها دين الإسلام. وإذا علمنا أن التحدي الحقيقي الذي يواجهه الغرب اليوم إنما هو الإسلام خاصة تبين لنا أن مثل هذه المؤتمرات تهدف أول ما تهدف إلى مقارعة الإسلام بتدمير شعوبه أخلاقياً، وقد يقول قائل: إن كلامكم هذا ناشئ من عقدة طالما سمعناها، ألا وهي عقدة المؤامرة على الإسلام في كل حادثة أو قضية! ونحن نقول: لا. ليست مؤامرة على الإسلام تحاك في الخفاء، وإنما هي حرب حقيقية مكشوفة ضد الإسلام، وما أحداث البوسنة والشيشان التي انكشفت فيها الحقائق لا للمسلمين خاصة وإنما للعالم كافة إلا مثالاً جلياً لهذه الحرب ولذلك الحقد الصليبي. أيها الأخ في الله! دعني أنقل لك ما يقوله أحد المنصرين -واسمه لورنس بروفن-، قال هذا الكلام قبل عشرات السنين، يقول: لقد كنا نخاف، أو نخوف بشعوب كثيرة، ولكننا بعد الاختبار لم نجد مبرراً لمثل هذا الخوف، لقد كنا نخوف من قبْلُ بالخطر اليهودي والخطر الأصفر والخطر الشيوعي -وهذا قبل سقوط الشيوعية بزمن- إلا أن هذا التخويف كله لم يكن له أساس كما تخيلنا، فقد وجدنا اليهود أصدقاء لنا، وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا الأول، عدونا الألد، ثم رأينا البلاشفة حلفاء لنا، أما الشعوب الصفراء فإن هنالك دولاً ديمقراطية كبرى تتكفل بمقاومتها، ولكن الخطر الحقيقي كان في نظام الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي. أهـ إن هذه المؤتمرات تهدف إلى تدمير شعوب وأمم، لكنها أيضاً تركز على الإسلام.

    1.   

    من المستفيد من طرح قضايا الإباحية والشذوذ؟!

    إن المؤتمر يطرح قضايا تتعلق بالإباحية والشذوذ، وهذه لا يقرها العقلاء، حتى في بلاد الغرب، فهم يرفضونها، ولذا فإننا نقول: إذا كان الأمر كذلك فمن المستفيد من الانحلال والإباحية والشذوذ وانتشارهما في جميع أنحاء العالم؟ ومن المستفيد من انحلال الأسرة؟ ومن المستفيد من تدمير الأمم؟ والجواب: فتش عن اليهود وعن الماسونية العالمية، وحتى تتضح الأمور فتأمل في مقولات بروتوكولات اليهود، يقولون في البروتوكول الأول: فشعوب القي وين -ويقصدون بهم غير اليهود- قد رنحتها الخمرة، وشبابهم قد استولت عليهم البلادة من نتيجة ذلك، وقد ازدادوا إغراءً بأوضاعهم هذه على يد المهيئين من جهتنا خاصة للدفع بهم في هذا الاتجاه، ففي الزمن الماضي كنا نحن أول من نادى في جماهير الشعب بكلمات الحرية والعدالة والمساواة، وهي كلمات لم تزل تردد إلى اليوم، ويرددها من هم بالببغاوات أشبه، ينقضون على طعم الشرك من كل جو وسماء، فأفسدوا على العالم رفاهيته، كما أفسدوا على الفرد حريته الحقيقية. ثم يقول: وفي جميع جنبات الدنيا كان من شأن كلمات (حرية، عدالة، مساواة) أن اجتذبت إلى صفوفنا على يد دعاتنا وعملائنا المسخرين من لا يحصيهم عد من الذين رفعوا راياتنا بالهتاف، وكانت هذه الكلمات دائماً هي السوس الذي ينخر في رفاهية القي وين، ويبتلع الأمن والراحة من ربوعهم، ويذهب بالهدوء ويسلبهم روح التضامن. ويقولون في البروتوكول العاشر: وإننا بإشرابنا الجمهور كله نزعة الاعتداد بالنفس، وتلقيحهم بهذا اللقاح نكون قد فككنا رابطة الأسرة وأذبنا ما لها من قيم ثقافية. ويقولون في البروتوكول السابع عشر: وقد سبق لنا فيما مضى من الوقت أن بذلنا جهوداً لإسقاط هيبة رجال الدين عند القي وين، وقصدنا بذلك أن نفسد عليهم رسالتهم في الأرض، وهي الرسالة التي يحتمل أنها لا تزال بنفوذها عقبة كئوداً في طريقنا، ولا نرى هذا النفوذ في الوقت الحاضر إلا في تناقص يوماً بعد يوم. ويعنون به نفوذ رجال الدين المسيحيين، وهو ينطبق أيضاً على أهل الشريعة من المسلمين. أيها الأخ في الله! أما وسائل اليهود العملية التي طبقوا فيها ما سبق في قضايا الإباحة والانحلال فارجع إلى نماذج منها، في كتاب (جذور البلاء) لـعبد الله التل فصل (طرق التدمير في المجتمعات غير اليهودية). وما نظريات ماركس وفرويد ودارون وغيرهم من اليهود إلا جزء من المسيرة اليهودية لتدمير الأمم والشعوب من غير اليهود. أيها الأخ في الله! هذه ملامح ووقفات حول مؤتمر المرأة العالمي، فكيف سيكون موقفنا وموقف المسلمين جميعا، إنها مسألة كبرى في حياة الأمم جميعاً ومنها حياة المسلمين، فما هو الطريق الذي يسلكونه للوقوف أمام هذا الغزو، أمام هذا الغزو اليهودي والصليبي المكشوف على أمة الإسلام بعقيدتها وأخلاقها وآدابها؟ الجواب معروف لدينا. اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك الموحدين في كل مكان، اللهم! انصر عبادك الموحدين المجاهدين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين، اللهم! انصر من نصر الدين، اللهم! انصر من نصر الدين، اللهم! أذل الشرك والمشركين والكفر والكافرين، اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه، اللهم!! أشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره يا رب العالمين. اللهم! إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم! إنا نسألك أن تصلح شباب المسلمين، اللهم! وفق أمة الإسلام إلى الوقوف في وجه مؤامرات أعدائها، اللهم! رد المسلمين إليك رداً جميلا، اللهم! إنا نسألك أن تصلح أولادنا ونساءنا وجميع المسلمين، ربنا! اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم. اللهم! صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755981590