إسلام ويب

وصايا للأمة في ظل الأزمةللشيخ : سعد البريك

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حرب الخليج الثانية، ودخول صدام الكويت، وتهديد السعودية من الأزمات العصيبة التي مرت بأمة الإسلام، وكشفت كثيراً من الأمور وتباين الآراء تجاهها شعوباً وأنظمة، وفي هذا الدرس وصايا عامة للأمة بخصوص الأزمة وكيفية التعامل معها.

    1.   

    دور الأمة عند الأزمات

    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي بأمره تنسف الجبال نسفاً، فتكون قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، الحمد لله الذي بأمره تنكدر النجوم، وتنفطر السماء وتنشق الأرض، وتسجر البحار وتتفجر نيراناً، الحمد لله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أيها الأحبة في الله! أذكركم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه، إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده) اللهم إنا نشهدك ونشهد ملائكتك والناس أجمعين، أنه ما جاء بنا إلى هذا المسجد وهذا المجلس إلا ابتغاء رحمتك، وابتغاء الذكر في الملأ الأعلى عندك.

    اللهم حرم وجوهنا على النار، اللهم آتِ هذه الوجوه الطيبة، اللهم آتها من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمنا، ومن كل فتنة عصمة، اللهم صل على محمد أولاً وآخراً.

    أحبتنا في الله: حديثنا اليوم عن هذه الأزمة التي قرأتم وسمعتم وتابعتم الكثير من أحداثها، ولكن من واجبنا ألا ننقطع عن مجالس الذكر والعبادة والدعوة، أياً كان حجم الأزمات، وأياً كان مستوى المصائب، والله إن من الأمور التي قد ينزعج الواحد منا أن يرى شيئاً من الفتور في مجالس الوعظ، والذكر، والندوات، والمحاضرات، بحلول هذه الأزمة، وكان من واجب الأمة ألا تزيدها هذه الأزمات إلا مزيداً من البذل والعطاء.

    كان مقرراً أن يكون عنوان المحاضرة "العلمانية وأثرها السيئ على الأمة" ولما جاءني أحد الإخوة بالإعلان المطبوع عن المحاضرة، قلت: هذا الموضوع لا يناسب الآن، ولا يصلح أبداً؛ لأننا في مواجهة عدوٍ من الخارج، قد أحاط بحدودنا، وجيَّش جيوشه على سواحلنا، فمن واجبنا ألا ننشغل بالقضايا الجزئية أو القضايا الفرعية، ونحن نواجه أخطر الأعداء وأكبر الفتن بالنسبة لتاريخٍ نشأنا وترعرعنا فيه، ألا وهي هذه الأزمة الشديدة، نسأل الله جل وعلا أن يفرجها بمنه ورحمته عن الأمة أجمع.

    أيها الإخوة! واختار الإخوة أن يكون موضوعنا: "وصايا للأمة في ظل هذه الأزمة".

    وحقيقة نحن بأمس الحاجة إلى الوصية والنصيحة؛ لأنها بإذن الله جل وعلا من باب التواصي على الحق، والتواصي على الصبر، ومعرفة ما ينبغي فعله، لا نشك أن جميع المسلمين وجميع هذه الوجوه الطيبة، كل واحد يقول: لو علمت أن لي دوراً في هذه الأزمة ما ترددت عن القيام به، والبعض يظن أنه ليس له دور على الإطلاق، أو أن فعله أو قوله لا يقدم ولا يؤخر في ظل هذه الأزمة.

    والله يا عباد الله! إن للبهيمة لدوراً في هذه الأزمة، فضلاً عنكم أنتم يا من أسجد الملائكة لأبيكم آدم، ويا من كرمكم وفضلكم على كثير ممن خلق تفضيلاً، وآتاكم الأسماع والأبصار والأفئدة، أتدرون ما دور البهائم في هذه الأمة؟ إن الله قد يرحم الأمة بها، إنما تنصرون وترحمون بضعفائكم، قد يرحم الله الأمة بالأطفال الرضع، والشيوخ والعجائز الركع، الذين لا يعرفون من السياسة قليلاً ولا كثيراً، وبهذه البهائم الرتع التي تجأر إلى الله جل وعلا.

    وإنا لما أخبرنا أحد الإخوة في أول ليلة سقط فيها عدد من الصواريخ، قال: سمعت مكاناً فيه عدد من القطط تموء مواءً لا يعلمه إلا الله جل وعلا، فقلت: والله لعلها تجأر إلى الله مما يحصل، وكما يقول أبو الدرداء: [إن الحبارى لتموت هزالاً في أوكارها من شؤم معصية بني آدم] ولعلها تدعو على بني آدم.

    الإيمان بالقدر والرضا به

    أيها الأحبة! أود أن أسألكم سؤالاً، هذه المصيبة التي ما تركت بهيمة ولا طفلاً ولا صغيراً ولا رضيعاً ولا كبيراً ولا فقيراً، ولا تاجراً ولا غنياً ولا ملكاً ولا وزيراً، ولا ذكراً ولا أنثى ولا مسافراً أو حالَّاً أو مرتحلاً، إلا أشغلته ونالت من همه وذهنه نصيباً، هذه المصيبة التي أشغلت الأمة، بل أشغلت العالم بأكمله، أتظنونها جاءت فلتة؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً؛ لأننا نعلم أن الأمور بقضاء وقدر.. إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49].. مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22].

    ونعلم أن القضا واقع     وأن الأمور بأسبابها

    والبلايا بقضاء وقدر     والدنا عبر أي عبر

    اقرأ التاريخ إذ فيه العبر     ضل قوم ليس يدرون الخبر

    أود أن أقول أيها الأحبة: إن هذه المصيبة إنما هي بقضاء وقدر، وهذا من تمام الإيمان، ومن شك في أن هذه المصيبة بقضاء وقدر، ففي إيمانه شك بقدر شكه في هذه القضية.

    الأمر الآخر: مادامت هذه بقضاء وقدر، فأسألكم سؤالاً: هل يقدر الله عبثاً؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، إذاً: فهذه المحنة والأزمة والرزية والمصيبة، ما قدرها الله عبثاً، وإنما قدرها لحكمة بالغة يراها الله جل وعلا، حتى نطمئن ونهدأ.. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:137] الأمور بيد الله جل وعلا، ونحن عبيده، بنو عبيده، بنو إمائه، نواصينا بيده، ماضٍ فينا حكمه، عدل فينا قضاؤه وقدره.

    ما الذي يزعجنا؟

    ما الذي يجعل كثيراً من الناس لا يعرفون بالليل نوماً، ولا بالنهار هدوءاً وطمأنينة؟ أيحدث أمر قدره غير ربكم؟

    كلا والله.

    فعلام الفزع الذي جاوز حده! والأولى أن يفزع الناس، وأن يشتغل الناس فيما يستعدون به لأمر الآخرة، لأمر الرحلة، لأمر النقلة إلى دار فيها أعظم من هذه الأهوال.

    إذاً: فهذه الأزمة بقضاء وقدر، وهذا القدر كما يقول ابن تيمية رحمه الله في معنى كلامه: إنه ما من قدرٍ لله جل وعلا إلا وهو مشتمل على تمام الحكمة؛ لأن الله لا يقدر عبثاً، ومشتمل على تمام العدل؛ لأن الله لا يقدر ظلماً، إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44].. إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء:40] وفي الحديث القدسي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

    إذاً: فهذا القدر، قدر هذه الأزمة تمام العدل؛ لأن الله لا يقدر ظلماً، وأيضاً تمام الرحمة؛ لأن رحمة الله سبقت غضبه، ولأن رحمة الله وسعت كل شيء.

    الصبر والاحتساب على المصائب

    أيها الأحبة: شأن المؤمنين الذين إذا أصابتهم مصيبة أن يقولوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، فينبغي أن نكثر من هذا الذكر وهذا الدعاء.

    شأن المؤمنين حينما يخوفون بأعدائهم؛ أن يتذكروا قول الله جل وعلا: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً [آل عمران:173] هربوا من مدنهم، ماذا فعلوا؟ قالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:173-175].

    من أين يأتي هذا الخوف؟ من أين يأتي الفزع؟ من أين يأتي هذا الارتباك وعدم الانضباط والتوازن في تصرفات عجيبة من كثير من الناس، تجده يخرج من بيته المطمئن الآمن المضاء المكيف المعد بكافة المرافق، لكي يضرب خيمة يأكله فيها الناموس، ويتأذى بالظلام، ويتأذى من البرد، ولا يجد ماءً ولا يجد كافة ما يحتاج إليه، هروباً من هذه الفتن.

    أهرب من قدر الله إلى قدر الله، نهرب من الموت: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78] أنا لا أقول: إن كل من سافر ففي إيمانه دخن، أو ليس عنده توكل على الله، حتى لا يقول أحد: هؤلاء المطاوعة من رأوا جمسه متوجهة على ديراب، قالوا: هذا ليس عنده توكل، لا. إنما أريد أن أقول: إن من خرج فراراً وظناً أن فراره هذا يدفع عنه قدر الله، فهذا مسكين جاهل.

    نعم قد يوجد إنسان بيته قرب المواقع الاستراتيجية، التي لاحظ مراراً أنها مواقع مستهدفة، نقول: هذا الشيء معقول، لكن الذي هو بعيد يهرب إلى أين؟ أحدهم يستأجر بيت طين كلما كنس أرضه تهلهل سقفه، لا يقف عن هذا التنظيف أبداً، وكلما ارتج فيه بابٌ جاوبه الباب الآخر في آخر الدار، ما الذي أحوجك إلى هذا؟ سبحان الله العلي العظيم!

    فنقول أيها الأحبة: إنما ذلكم الشيطان؛ لأن الشيطان يأتي ويدخل الرعب والخوف والفزع في قلب ابن آدم، فيصيبه ما تراه من هذه التصرفات المرتبكة أو الغير منضبطة، وتذكروا قول الله جل وعلا: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268] فحسن التوكل على الله، وحسن اللجوء إلى الله جل وعلا فيه خير عظيم.. إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175].

    إذاً أيها الأحبة: هذا شأن المؤمنين أن يكثروا من ذكر الله، وأن يكثروا من اللجوء والتضرع والانكسار بين يدي الله سبحانه وتعالى، وفي مسند الإمام أحمد: (كان صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالجماعة، والصبر والسكينة عند الفزع) الذي يحصل من بعض الناس يخرج من الجماعة إلى الوحدة والخلاء والخوف، إلى البرية لوحده، أو إلى مكان بعيد، يظن أنه بمأمن.

    والسنة في الفزع، إذا كان الذي أخرجه فزعه، أن يحرص على الجماعة، (كان صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالجماعة والصبر) احتساب ما يصيب الإنسان؛ لأنه ما من هم حتى الليلة التي تسمع فيها صوت صفارة الإنذار، فتضع يدك على خدك أو على رأسك وأنت مهموم أو مغموم، أو تنظر إلى هؤلاء الأطفال، ولا ألوم من كان له صبيه: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [النساء:9].

    قد تتألم ويتقطع قلبك وأنت ترى هؤلاء الأطفال، أحدهم يجر رداءه، والآخر يجر ثوبه خوفاً وفزعاً، يلحق أمه وأباه، لا يدري ما يفعل عند سماع هذه الصفارة مثلاً، ويتألم قلبك أن ترى هذا مهموماً أقول: أبشر بخير، فإن هذا الهم فيه خير لك، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! يقول ربنا جل وعلا: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123] هذا أبو بكر المبشر بالجنة يتلو هذه الآية، يقول: نخاف مادام كل سوء نعمله نجزى به ما بقي لنا عمل، وهو أبو بكر، المبشر بالجنة رضي الله عنه، فيقول له صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! ألست تهتم؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: فذلك مما تجزون به).

    أي: هذا الهم الذي يجعل أحدنا يبيت ساهراً أو متألماً، هذا يا إخوان كفارة للذنوب والمعاصي: (ما من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب، حتى الشوكة يشاكها المسلم إلا كفر الله بها من خطاياه) فلماذا نفقد ونبعد عامل وعنصر الاحتساب في هذه المسألة؟ إذا أصبحت أو أمسيت مهموماً أو مغموماً يدك على رأسك، فأكثر من ذكر الله، والاستغفار، واحتساب الصبر فيما ينالك، فذلك خير لك بإذن الله جل وعلا.

    1.   

    وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم

    أيها الأحبة: والله إن في هذا الأمر الذي يدور خيرٌ عظيم للإسلام والمسلمين، ولله الحكمة البالغة، ما ماتت نفس قبل يومها، وما أصيب أحد مصيبة إلا بقدر، من كسر هناك قدر له أن يكسر في حادث سيارة أو في الجبهة، من قتل هناك قدر له أن يقتل في طلقة رصاص وإلا على فراشه، لا أحد يتجاوز أجله بأي حال من الأحوال، إذاً فلنطمئن ولنهدأ، فلنعد البشر والابتسامة، ولين الجانب، وطلاقة المحيَّا فيما بيننا، بدلاً من أن يعين بعضنا بعضاً على الهم والغم، أنت تخرج من بيتك فتلقى مهموماً فتهتم معه، فتدخلون على العمل فيهتم بقية الزملاء، يأتي المراجع فيهتم معكم، ويعود إلى بيته مهموماً فيهتم البيت، ثم تجتمع الأمة على غم وهمّ.

    لكن حينما أخرج وأنا مبتسم، ذاكر شاكر صابر محتسب، بإذن الله جل وعلا هذا مما يعين النفوس على الطلاقة والبشر والحماس والعمل، كثير من الناس تركوا شيئاً من أعمالهم أو حرفهم أو مهنهم، لماذا هذا الخوف، ولماذا هذا الجزع؟ بالعكس الواجب على الأمة في حال الأزمة والفتن أن تبذل مزيداً من العمل والإنتاج، لكي تغطي ما تستهلكه الحرب من النفقات، هذا هو واجب الأمة، ليس واجب الأمة أن يخزن بعضهم ما استطاع من طعام، أو يهرب البعض إلى آخر مكان ينأى به أو يصل إليه.

    وتذكروا قول الله جل وعلا: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216] ويقول تعالى: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19].

    حال النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم

    النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر الصحابة عن عير قريش قبل موقعة بدر، تمنى الصحابة أن يظفروا بالعير وألا يقاتلوا قريشاً، قال تعالى: وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال:7].

    ولكن الله جل وعلا قدر برحمته وحكمته وعدله، أن تكون الشوكة والقتل والقتال وسل السيوف وصهيل الخيول، وكان في هذا خير عظيم بإذن الله جل وعلا، ليحيا من حيَّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، كان فيها خير عظيم بإذن الله جل وعلا، فلا تكرهوا الحرب، الحرب التي نواجهها الآن هي قدرنا، وعلى كل أمة أن تواجه قدرها، هل فر النبي عن قدر الحرب في أحد التي قال قبلها: (رأيت بقراً تنحر) أي: رأى في المنام أنه سيكون ذبح وقتل في صحابته، ومع ذلك خرج لملاقاة عدوه، وما جزع، وتقبل قدره، وواجه هذا القدر بقدر الله المشروع وهو الجهاد.

    دخلت حلقتين من حلق المغفر في رأسه صلى الله عليه وسلم، كسرت ثنيته، شج وجهه الكريم، كسرت رباعيته، ومع ذلك واجه النبي قدره، واجهوا قدرهم في الخندق والأحزاب، وبني قريظة، وبني المصطلق، وبني النضير، وتبوك، ومن بعدهم المسلمين في بلاط الشهداء والقادسية واليرموك والزلَّاقة، إلى آخر عصور المسلمين، والأمة تواجه أقدارها وهي سعيدة.

    لما كان عصر الفتوحات في الدولة الإسلامية في عهد أبي بكر وعمر، ماذا كان شأن الناس في المدينة؟ أكانوا يجتمعون في المساجد ويصيحون وينيحون ويبكون؟

    كان الناس يتبايعون ويشترون، ويتزوجون ويتناسلون، ويأتي البشير من قائد أمير المؤمنين، فتحت مدينة كذا فيكبر المؤمنون، استشهد زوج فلانة، فتحتسبه شهيداً عند الله، وترجو اللحاق به في الجنة، قتل فلان بن فلان فيحمدون الله جل وعلا.

    وضوح زيف السلام العالمي

    كانت الأمة تعيش قدرها الطبيعي للغاية، وليس كما أصاب كثيراً من المسلمين في هذا الزمان، وقد لا يلام بعضهم؛ لأنهم تعودوا حياة السلام، وأنغام السلام، وموسيقى السلام، وأخبار السلام، وعدم الانحياز، والعدالة في القضايا الدولية، وظنوا أن المجتمع لا يقتل فيه طير، ولا تغتال فيه بهيمة، ولا يراق فيه دم، ولا يقطع فيه شلو، لا. أغنية السلام التي نمنا على أنغامها زمناً طويلاً هي التي جعلتنا نفزع ونخاف.

    اسألوا إخوانكم الشباب الذين ذهبوا للجهاد في أفغانستان، كيف كانت أنفسهم أمام الوضع؟ قالوا: الأمر طبيعي، هل هناك من رغبة في الجهاد؟ مستعدون في أي لحظة؛ لأن من تعود قدر الأمة الطبيعي، وسنة الله في أمة الإسلام في الجهاد في سبيل الله، ركنها السادس وذروة سنامها، لا يعجب من هذا أبداً، لكن مر بنا زمن طويل وفيه استقرار السلام، استتباب الأمن في منطقة الشرق الأوسط، والسلام.. والسلام، وأي سلام هذا؟! سلام ومليون وستمائة ألف قتيل في أفغانستان نحسبهم من الشهداء، ما هو السلام الذي نمنا على أنغامه؟ سلام والمسلمون في سنقار في كشمير دماء تسيل، يأتون الأسرة المسلمة وهي متحلقة على طعام الإفطار في رمضان، فيهجمون عليها، ويجعلون دماءهم على إفطارهم، في بورما، في الفلبين، في مندناو، في أثيوبيا وإرتيريا، أي أغنية سلام نمنا عليها هذه، التي جعلتنا نفزع لما رأينا الحرب، والحرب ممن؟ من عدوٍ ما كانت عداوته غريبة أبداً، الذي يقول لك:

    سلام على كفر يوحد بيننا     وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم

    أي يقول: سأوحدكم، سأجعل دولتي ودولتك والكويت والعراق وقطر والإمارات، سأجعلها دولة واحدة ولو بالكفر، ومرحباً بجهنم بعد ذلك، أتظنون أن أمر الحرب وعداوة المسلمين تعتبر قدراً غريباً، أو شيئاً عجيباً حينما يبدو منه، أبداً والله، كنا في غفلة، وكان الأعداء يعملون، وكان عامَّة الناس فينا يجهلون ماذا يراد بالأمة، وماذا يخطط لها.

    الإعداد لمواجهة الأعداء

    وهذا الزمان يا إخوان! زمن العقائد التي تتقاتل وليست هذه أول المصائب، الآن العقائد تعيد تجنيد أحزابها، وتعيد تجنيد الخلايا والفروع والأفراد المنتمين إليها، وتعيد تدريبهم تدريباً عسكرياً لا يخطر لكم على بال، فإما أن نكون أمة ونستعد لمواجهة هذا الأمر، ونكون أمة قتال، أمة سلاح، ولا نعجب منذ الآن فصاعداً من أمر القتل والقتال والجهاد، بل نجعله أمراً طبيعياً، وإلا فإننا سنبقى ضعفاء أمام هؤلاء الأقوياء الذين أخذوا بأسباب العدة المادية، ونحن تركنا قول الله جل وعلا: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60].

    ما تدربنا وما أعددنا حتى نرهبهم، ينبغي أن ندرك أن الواجب الآن أن يعرف الناس، أنه يحمل السلاح ولن يوضع، لمعرفة ما يدور وماذا سيدور، وإلا فاعلموا كما قلت آنفاً: أيها الأحبة! جماعة حزب الله في لبنان يعيدون ترتيب شبابهم ترتيباً عسكرياً، والأفلام الوثائقية صورت، والتقارير نقلت، أمل يعيدون ترتيب شبابهم، حركات أخرى تعيد ترتيب شبابها ترتيباً عسكرياً مسلحاً، ابتداءً بحمل الرشاش، وانتهاءً بحرب المدن، مروراً بالراجمات والقنابل والصواريخ، والرشاشات الثقيلة والخفيفة.

    فأنتم يا شباب الأمة! يا شباب الجزيرة! ما هو مشروعكم؟ هل تقولون: بدأت الأزمة فتطوعنا، ثم ننام بعد نهايتها؟ لا. أن يبقى هاجس الجهاد والحرص على هذه الأمة والبلاد والحدود، ليست عصبية للمملكة، وإنما لأننا نرى إسلاماً يطبق فيها، وحينما تتجاوز حددوها تجد القوانين والأنظمة الوضعية، هذا على ما فينا من النقص والكمال لله جل وعلا.

    نقول: لا نكره هذه المصائب.

    ربما كان مكروه النفوس     إلى محبوبها سبباً ما بعده سبب

    والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا     فالحرب أجدى على الدنيا من السلم

    والشر إن تلقه بالخير ضقت به     ذرعاً وإن تلقه بالشر ينحسم

    لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى     حتى يراق على جوانبه الدم

    لا يمكن أن تسلم الأمة بعزتها وكرامتها، حتى نقدم قرابين العزة، قرابين الجهاد، قرابين الشهادة لله جل وعلا، ما لم ترتو هذه الحدود بالدماء فلا أمن لكم أيها الأحبة، أقول هذا الكلام لا تخويفاً، بل تشجيعاً وحثاً على الجهاد في سبيل الله جل وعلا.

    1.   

    صور من اللطف الإلهي

    واعلموا أيها الأحبة! مع هذه الأزمة وما فيها من المصائب، أن الله جل وعلا قد أظهر لطفه وهو اللطيف الخبير، دائماً حينما تصلون في تلاوة القرآن الكريم إلى نهاية مقطع الآية، ارعِ سمعك لها، وتأملها تأملاً جيداً، تجد حكمة عظيمة في مناسبة المقطع الأخير لموضوع الآية.

    قلة المتضررين

    لطف الله جل وعلا أيها الأحبة بكم شأنه عجيب جداً، وليس على الله بعزيز، فكما أن الله عظيم، فكذلك لطفه عظيم سبحانه وتعالى، يسقط صاروخ أسكود على بناية، من أين يدخل؟ من النافذة، وينفجر في وسط البناية، حتى تحتوي البناية الأنقاض في داخله، فلا تسقط البناية يميناً فتهلك العمائر المجاورة، ولا تسقط شمالاً فتهلك العمائر المجاورة، وإنما يدخل الصاروخ مع النافذة.

    وهذه الأنقاض يحتوي بعضها بعضاً، وكل يموت بأجله، وكل يجرح بقدره، أناس سمعوا الصفارة وقفوا في أتوبيس النقل الجماعي، عند البناية التي بنيت، وإذا بالصاروخ ينزل مع النافذة ويصيبهم ما يصيبهم من قدر الله عليهم، المسألة يا إخوان بمنتهى القضاء والقدر.

    أقول أيها الأحبة: هذه من صور اللطف الإلهي من عند الله جل وعلا بهذه الأمة، وأمة تخوض حرباً كهذه الضحايا فيها بالآلاف، القتلى فيها بعشرات الآلاف، وحتى الآن لا نزال على مستوى لا أقول المئات، بل بالعشرات حتى الآن فيما قدمنا في هذه المعركة، فالحمد لله حمداً كثيراً أولاً وأخرى.

    فشل صواريخ الباتريوت

    كذلك من صور اللطف الإلهي، صواريخ الباتريوت هذه أيها الأحبة، صنعت منذ مدة طويلة، أو بداية التصنيع لها، ثم جربت فلم تظهر فعالية أبداً، إلا شيئاً قليلاً جداً، حتى فكرت الشركة المصنعة لهذه الصواريخ، وهذه تقارير دقيقة بإلغاء هذا الأمر، قالوا: هذا إنتاج يكلف الكثير، والجدوى الاقتصادية والمردود الفعلي من هذا الإنتاج ليس على مستوى البذل الذي يبذل فيه، ثم قدمت دراسة لهدف تطوير هذه الصواريخ، فطورت، وجرب منها أحد عشر صاروخاً على أهداف مختلفة، فلم يصب منها واحداً أبداً.

    ثم تطورت وكان نسبة توقعات الذين أعدوها، ليست دقيقة أو عندهم التفاؤل الكبير فيها، وإذ بها تجرب هنا، فتعطي النتائج العجيبة الرهيبة، أليست هذه كرامة من كرامات الله لهؤلاء الموحدين؟ أليست كرامة مثل كرامات أفغانستان؟ والله إنها كرامة، وحري بالشباب أن يسجلوا كرامات الله لهم في هذه المعركة، هذه مسألة مهمة، وليست غريبة أو عجيبة، وفضل الله ورحمته ومنه وكرمه قد شمل هذه الأمة، لكن أقول: هي أمة ينالها الله برحمته، والله ليس في هذه البلاد أضرحة تعبد، ولا قبور يطاف عليها، ولا مزارات أو مشاهد يضحّى لها، أو يطوف الناس بها، يسألونها دفع الكربات وجلب الحاجات.

    إذاً: فلا غرابة، ولا أقول: إن هذا حق على الله، أو المسألة معادلة، نحن لا نطوف بالقبور، إذاً لا بد أن ينصرنا، لا. نقول: هذا برحمة الله، بمن الله، وبفضله وكرمه، وما يدعا لكم وأنتم نيام في هجيع الليل الأخير، من كبار السن من العجائز والشيوخ، الذين لا تعرفهم الكاميرات، ولا أجهزة الإعلام، وليس لهم اسم ذائع، ولا صيت بين، ولا شهرة معلومة، يرحمكم الله بهؤلاء، بعد منه وفضله ورحمته، وبما نقوم به من العناية بشريعة الله جل وعلا.

    كل هذه من الأمور التي نتوسل إلى الله بها، أن تكون سبباً في حفظنا، والتوسل إلى الله بالأعمال الصالحة من أنواع التوسل المشروع.

    أقول: طورت هذه الصواريخ حتى قاربت الإصابة فيها (90%)، وكانت فيما قبل فاشلة، وقبل استخدامها في المملكة العربية السعودية كانت أسهم الشركة المصنعة لصواريخ الباتريوت منخفضة في أسواق البورصة الدولية وأسعار الأسهم العالمية، وبعد بداية الحرب، ورؤية البراهين القوية الناجحة في فعالية هذه الصواريخ، ارتفعت أسهم هذه الصواريخ إلى نسبة ومعدلات عظيمة جداً جداً، فهذه من نعم الله جل وعلا.

    كذلك من لطف الله ينزل صاروخ في منطقة سكنية، فيسقط الصاروخ على الشارع، لا يسقط يمنياً على بيت، قد يكون فيه الآمنون، ولا يسقط شمالاً على بيت، قد يكون فيه الوادعون والمطمئنون، وإنما يسقط في الشارع، ملائكة تحمل جرم هذا الصاروخ الذي سقط رأسه، فتضعه في هذا الشارع، فلا يسقط يميناً ولا يساراً، أليس هذا من لطف الله بكم؟ العمارة التي سقطت، ما ظنكم لو أن الصاروخ سقط في عمارة، كارتفاع هذه العمارة سبعة أدوار أو ستة أدوار أو غيرها، مليئة بالسكان والنساء والأطفال والشباب والشيوخ، ما مستوى المصيبة؟ مئات القتلى والجرحى سيكون، لكن سقط على عمارة فيها أفراد لا يتجاوزن العشرات، بمختلف الإصابة الموجودة فيهم، وكانت خالية إلا من قليل من البشر، أليست هذه من كرامات الله؟ أليست من المبشرات التي تجعلنا نطمئن لما يدور في هذه الأيام، نسأل الله ألا يكلنا إلى أنفسنا بأي حال من الأحوال.

    1.   

    بما كسبت أيدي الناس

    أيضاً مسألة أخرى أيها الأحبة: إن لله جل وعلا حكمة في أن يشمل هذا الانزعاج كافة الناس؛ لأن الغالبية من الأمة اليوم في غفلة، فمستقل ومستكثر، ولما بدأ ذلك المجرم الطاغية صدام حسين في ضخ البترول على مياه الخليج، والكتلة النفطية تضررت منها الحياة المائية، وسقطت الطيور أمواتاً هلكى على شطئان وخلجان وصخور الشواطئ، وظهرت الحيتان أيضاً مريضة وميتة، وتسممت الأسماك وتضررت؛ ذكرت قول الله جل وعلا: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41].

    أيدي تكسب يومياً الذنوب والمعاصي، وتجترح السيئات، والله إن من لطف الله بها أن يكون هذا نوع من أنواع الابتلاء والامتحان والتذكير والبأس الذي يدعوها إلى التضرع: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [الأنعام:43] هذه من نعم الله جل وعلا بالأمة، أن يكون إلى هذا الحد هو مستوى البلاء الذي يصيبها، وإلا يا أخوان مر بالناس زمان فيه غفلة عظيمة، تدخل على صاحب الفيديو، يا أخي الكريم! يا أخي الحبيب! لا تكن سبباً في هلاك الأمة، لا تبع للناس الفجور والفساد والدعارة، يا أخانا! يمكن أن ترى لنفسك، بدلاً من أن تجعل المصيبة والمعصية قاصرة على نفسك، تجعلها معصية متعدية فتنشرها على الناس جميعاً! مثل الذي معه سلاح، ليس ينتحر لنفسه، وإنما يقتل الناس معه ويقتل نفسه أيضاً.

    تأتي إلى الآخر: يا فلان اتق الله، عد إلى الله، صلْ رحمك، بر والديك، صلاة الجماعة في المسجد، اترك الأمور المحرمة، دع الربا، دع المعاصي، وغفلة عظيمة لا يعلمها إلا الله جل وعلا.. بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ... [الروم:41] ليذيقهم كل الذي عملوا؟ لا: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا [الروم:41] فأسأل الله جل وعلا أن يلطف بنا.

    تقول عائشة: (يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟) الصالحون فينا يصومون ويصلون ويتهجدون ويزكون ويتصدقون، قال: (نعم، إذا كثر الخبث) إذا كثرت وانتشرت وظهرت الذنوب والمعاصي وفشت، والخبث هو الزنا، فنسأل الله جل وعلا أن يلطف بنا، وأن يتداركنا بمنه ولطفه.

    أيها الأحبة! ومن العجائب والعجائب جمة، أن رجلاً أهله في لبنان يتصلون له، يقولون: تعال نحن في لبنان خائفين عليك.

    كفا بك داءً أن ترى الموت شافيا     وأن المنايا قد غدون أمانيا

    كنا نظن أن الذي في لبنان، هو في أشقى الجحيم، فأصبح أهل لبنان يتصلون على أولادهم، يقولون لهم: تعالوا، رجل أهله يعيشون في لبنان يرسلون إليه رسالة، يقولون: تعال عندنا؛ خوفاً عليه، فزعاً عليه، فهذه من العجائب ونوادر هذا الأمر.

    وعلى كل حال:

    فالليالي من الزمان حبالى     مثقلات يلدن كل عجيبه

    يا نائم الليل مسروراً بأوله     إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

    1.   

    أزمة الخليج ليست أول الأزمات والمصائب

    أحبتي في الله: هل هذه أول مصيبة تقع على الأمة الإسلامية؟ لا، قبلها مصائب عظيمة، وهل هذه آخر مصيبة ستنالها الأمة؟ الله أعلم، إذاً لماذا ينزعج الناس هذا الانزعاج، وكأنها المصيبة التي ليس بعدها إلا قيام الساعة، ما الذي أصاب الناس؟ ألم يصب المؤمنين شدة بأس، دخل التتر والمغول بغداد حتى قال بعض المؤرخين: قتل من المسلمين ثمانمائة ألف، وفي بعض الروايات ألف ألف، أي: مليون من أهل السنة .

    وفي الحروب الصليبية نزل النصارى على المسلمين في بيت المقدس، وخاضوا في دماء المسلمين، حتى خاضت الخيل إلى الركب في الدماء، أين أنتم من تاريخكم؟ وأين أنتم من ماضيكم؟ وأين أنتم من أسلافكم؟ هل هذه أعظم المصائب؟ وا خجلاه على أمة أفزعها الصاروخ يمر بسمائها.

    إذاً ماذا يفعل الأفغان يا إخوان؟ يسقط صاروخ أسكود طوله ثلاثة عشر متراً بجوار خيامهم، ليس بجوار الفلل المسلحة (ثمانية عشر ملي حديد) (واثنين وعشرين ملي حديد) والسقف المزدوج وغيره، يسقط الصاروخ بجوار الخيام، وتطلق الغازات الكيماوية على المجاهدين، ويقول: خدا خدا، أي: يا ألله يا ألله بالفارسية أو بالبشتونية، وما عنده إلا أن يجأر ويتضرع إلى الله جل وعلا، وإذا رأى الغاز ينتشر ذهب إلى مواقع الطين، ويبلل ما يسمى بالبت، ثم يجعل اللثام على وجه، ثم يأخذ يدعو واللثام على وجهه.

    هذا غاية ما يملكون، هل ضيعهم الله؟ هل نسيهم الله؟ إذاً أنتم لن ينساكم، فلماذا الفزع والهلع والخوف؟ الحمد لله رب العالمين على كل حال، الأمر الذي نريده يا إخوان، ألا نظن أن هذه آخر الفتن، أو أن نظن أن هذه أول الفتن، فقد سبق في تاريخ الأمة فتن أعظم من هذه، واحتوتها الأمة، ومرت بها، وجعلتها خيراً، واستفادت من الدروس والعبر فيها.

    1.   

    أخذ الدروس والعبر من الأزمات

    كذلك أيها الأحبة! من الأمور التي ينبغي أن ننتبه لها، أن نأخذ الدرس والفائدة مما يدور، الآن كثير من الناس يقول: أنا أفزع من صوت الصافرة، وفعلاً صوت الصافرة مزعج؛ لأنه أمر غريب على الأسماع، تجد الصوت لا يزعج أذنك من شدة صوته، ولا يشوش ذهنك، ولكن يجعل في قلبك شيئاً من الانزعاج تقريباً، وهذا أمر ملحوظ، تقول امرأة من النساء: والله إني إذا سمعت الصافرة أهتم وأحزن، قلت لها: لماذا؟ قالت: لأني أتذكر النفخ في الصور.

    الأولى أن نجعل من القضايا التي تحصل الآن عبراً ودروساً، وفعلاً: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً [النبأ:18].. وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ ...الآية [النمل:87] ليس بالفزع الذي الواحد يقوم من نومه، والذي يسحب رداءه، والذي يسحب بطانيته، النفخ الحقيقي في الصور هو أحرى وأولى أن يهتم وأن ينشغل الناس بالإعداد والاستعداد له، أن نجعل في هذه الأمور عبراً وأي عبر، ولو أننا اعتبرنا فيما نرى وفيما يحدث من الحوادث، لكان لنا معها شأن عظيم.

    والشيء بالشيء يذكر في باب العبر، في حج العام الماضي لما تدافع الناس في نفق المعيصم، وحصل ما حصل فيه من الجرائم، وحدث أن خرج الناس عراة، لا إزار ولا رداء، يخرج المرء وعورته (قبله دبره) مكشوف للناس أجمع، فيأتيه الحاج الآخر، يقول: يا فلان استر عورتك! وهو يمشي كالمجنون لا يدري أن عورته بادية، فأتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا، قالت عائشة: يا رسول الله! النساء والرجال؟ قال: يا عائشة الأمر أكبر من ذلك).

    إذا كان نفق اسمه نفق المعيصم، تدافع الناس فيه فخرج الناس عراة، شغلوا وذهلوا عن أنفسهم، تدافع بسيط في شأن من شئون الدنيا، يخرج الواحد يذهل عن نفسه فيخرج عريان فلا يدري، فما بالك إذا كنت في يوم القيامة، الأمر أعظم من ذلك، فينبغي أن ننتبه، وأن نستفيد من هذه الأمور التي تحصل.

    كذلك أيها الإخوة! حينما نرى لهب هذه الصواريخ، حينما نرى صوت هذه الرجفة أو الوجفة في سقوط الصاروخ أن نعتبر بها؛ لأن هناك من أحداث الآخرة ما هو أشد وأدهى وأعظم من ذلك، فهي أولى بالتدبر وأولى بالتفكر والاعتبار.

    1.   

    قتال العراقيين جهاد

    هنا مسألة أيها الأحبة! حصلت فتنة في نفوس بعض الناس، قال بعضهم: هذه مصالح أمريكية بحتة، وقال بعضهم: هذا جهاد في سبيل الله بحت، واختلف الناس، وأحجم بعض الصالحين، وأصاب الناس نوع من الفتنة، يسألك الجندي: لو قتلت على حدودنا، هل أقتل مجاهداً؟ هل أموت شهيداً في سبيل الله؟ الناس في شك وريبة، وحينما تحصل الفتنة ينقذ الله جل وعلا أمة الإسلام بالقول السديد من صالح العلماء.

    لقد مرت الأمة بفتنة عظيمة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، كما يقول أحد السلف: فأنقذها الله بقول أبي بكر في الفتنة، في قتال المرتدين ومانعي الزكاة، وكانت نصرة للإسلام والمسلمين، وأيضاً أنقذ الله الأمة في عهد المأمون بالإمام أحمد بن حنبل، في الفتنة بخلق القرآن، فتن الناس فتنة عظيمة وثبت الإمام أحمد، حتى انجلت هذه الغمة، ومرت بعدها فتن، وأنقذ الله الأمة بصالح العلماء.

    ومرت الآن بنا هذا الفتنة، فأنقذنا الله جل وعلا بقول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، شرح الله صدره للحق في هذه المسألة، وتبعه عدد كبير غفير من العلماء ووافقوه، قالوا: قتال هذا الطاغية في العراق جهاد في سبيل الله جل علا، ومن قتل في هذا نسأل الله أن يكون من الشهداء إذا أحسن نيته، وراجعوا هذا الكلام في مجلة الدعوة في العدد الماضي في هذه المسألة.

    فيا إخوان! لماذا تختلف الآراء؟ لماذا نختلف وبعضنا يصيبه نوع لا أدري ماذا أسميه في الحقيقة، الأجلاء من علماء الأمة أفتوا في هذه المسألة، وإن قتال هذا الطاغية في العراق جهاد واجب، يقول الشيخ عبد العزيز بن باز في قول الله جل وعلا: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9].

    قال: إذا كان القتال مشروعاً في حق الفئة المؤمنة التي بغت، فمن باب أولى أن يشرع القتال في حق الأمة الكافرة، وهل يشك أحد في كفر طغيان البعث والحرس الجمهوري وطواغيت العراق؟ لا أحد يشك في هذا، إذاً فلماذا التردد!

    نحن الآن نعيش مرحلة جهاد في سبيل الله، كما يعيش المجاهدون في أفغانستان جهاداً في سبيل الله، واعلم أنك إن تكفل أسرة جندي من جنودنا على الحدود، فأنت تعمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا، ومن جهز غازياً فقد غزا)

    أم لا يصلح الجهاد إلا هناك وعندنا لا يوجد جهاد؟ لا. ينبغي أن ندرك هذه المسألة إدراكاً دقيقاً، والمصيبة أن البعض يقول: لا. لعل بعض العلماء لا يدركون حقيقة الوضع، أصبحنا نتعلل بهذه المسألة إلى درجة أننا جعلنا علماءنا أغبياء، هل تفوت على كبار العلماء، وعلى رأسهم سماحة الشيخ والأجلاء من علماء الأمة أن هذه المسألة فيها تضليل أو شيء من هذا؟ هم يدركون حجم المصيبة.

    لماذا جاءت القوات الأمريكية؟ لماذا اشتركت؟ هل جاءت حباً فينا؟ هل جاءت جهاداً في سبيل الله؟ ماذا وراءها؟ ما موقفنا؟ ما هي واجباتنا؟ أعطوا كل أمر قدره، وأخرجوا هذه القضية قضية قتالنا نحن جيشنا، السعوديون ومن قاتل معهم، ممن يحتسب قتال هذا الطاغية لكفره ولبعثه ولردته، ولدفع عدوانه عن بلاد المسلمين، من يحتسب هذا لوجه الله فهو جهاد في سبيل الله، وأفتى بهذا العلماء.

    ثم بعد ذلك يأتينا من يقول: لا. ربما بعض المشايخ لا يعرفون، سابقاً كنا إذا قلنا: يقول الشيخ الفلاني هذه المسألة، يقول: خالفكم الشيخ ابن باز في هذه المسألة، والقول ما قاله الشيخ، أي: على العين والرأس أن نجعل قول سماحة الشيخ هو المعتمد، والآن لما جاءت الفتنة والشوكة، وجاء الحرب والقتل والقتال، جئنا نقول: الشيخ مضلل عليه، هذه مسألة خطيرة، وتدل على عدم الأدب والثقة حسب المطلوب الكامل مع العلماء.

    ينبغي أن نعطي علماءنا قدرهم، وأن نعرف لهم وزنهم، وأن نعرف أن الذين كنا نرجع لهم في مسائل الطلاق، والبيع والشراء، والحوالة والضمان، والصلاة والصيام والزكاة، أيضاً نعود لهم في الجهاد، لا أن نجعل السؤال عن الطهارة، وعن الصلاة والزكاة والصوم، ولما جاء القتال؛ أتينا نبحث يميناً ويساراً، هذا التسلل هذا إما أن يكون جبناً وخوفاً، والجبان الخائف يتتبع الرخص من أقوال المخالفين، وإما أن يكون عدم ثقة بالعلماء، وهذه أدهى وأعظم من الأولى ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    هناك من تناقشهم في هذه المسائل، يقول لك: كلام ابن باز على العين والرأس، لكن يبقى هناك مشايخ آخرون خالفوه في هذه المسألة، الآن علماء ابن باز، ومن وافق من أجلاء علماء المملكة، والعلماء الآخرون، كلهم قالوا: إن هذا جهاد في سبيل الله جل وعلا، أو هذه القضية على وجه الدقة والتحديد مربع أو مثلث، الضلع الذي يخصنا نحن، يخص جيشنا وقواتنا، هو الجهاد في سبيل الله، حتى لا نتردد في هذه المسألة.

    وإني أسأل إخواني يوم أن خرجت ثلاث عشرة سيارة تقودها البنات والنساء، ولا ألومكم وأنا معكم، كلنا وقفنا وقفة رجل واحد ضد هذه القضية التي عرفنا ما وراءها ومن دبر لها، ومن يبعثها ومن يخطط لها، اتفقت آراؤنا وأقوالنا في قضية قيادة المرأة للسيارة، وخطورتها وأبعادها؛ ولما جاءت قضية الجيوش البعثية المحتشدة على حدودنا أخذنا نقلب الأقوال والآراء، اتفقنا على قضية قيادة المرأة، وعجزنا أن نتفق على قضية أمة يوشك أن تداس وتدنس وتغتصب وتنتهك، كما حصل لإخواننا الكويتيين، أي ورع إن كان هذا ورعاً؟! ينبغي أن ننتبه لهذه القضية الخطيرة يا إخوان، ثم مع هذا كله، وفوق هذا كله، كلٌ يبعث على نيته، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل دون ماله فهو شهيد، من قتل دون عرضه فهو شهيد) جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن جاء رجلٌ يريد مالي؟ قال: خوفه، قال: فإن لم يخف؟ قال: قاتله، قال: فإن قتلني؟ قال: أنت في الجنة، قال: فإن قتلته؟ قال: هو في النار).

    هل بعد هذه النصوص ما يجعل أحدنا يتردد في الحكم على هذه القضية الدائرة الآن؟ هذا فيما يتعلق بنا نحن، أما فيما يتعلق بالقوات الأمريكية، فلا شك أنها جاءت حفاظاً على النفط، حفاظاً على المصالح الاستراتيجية التي تتعلق بهم، النفط شريان الحياة بالنسبة للعالم الغربي، هذه مسألة مهمة، وينبغي أن ندركها جيداً، وإلا لو جاءت هذه الدول وجاء الحلفاء لإنصاف المظلوم، فلماذا لم ينصفوا المجاهدين في أفغانستان؟ لماذا لم ينصفوا الناس في الحبشة وفي أثيوبيا؟

    لكن الحمد لله الذي جعل مصالحهم عندنا، حتى يسخرهم الله لنا في الوقوف أمام هذا الطاغية، وإلا والله يا إخوان لا أقول هذا إرجافاً ولا تثبيطاً: هذا الطاغية بقول المحللين والعسكريين الكبار الذين يرصدون ويرقبون هذا الأمر، عنده مخزون من الأسلحة طوال الحرب العراقية الإيرانية لا يخطر لكم على بال، وحسبكم أن الطلعات بلغت الآلاف وهي لا تزال تدك في قوته العسكرية، والله لو ملك أن يغرقكم في حمام من الدماء لما ترك إلى ذلك سبيلاً.

    حتى لا يقول أحد: إنه دخلتنا العواطف، أو دخلتنا هذه المسائل، كيف وقد رأينا ما فعل بالإخوة الكويتيين، البنات يغتصبن، الأعراض تنتهك، الأموال تسرق، الصبايا يقتلن، الأطفال يموتون جوعاً وعطشاً، الثكالى والشيوخ والعجائز يشردون، ماتوا على الطرق حراً وعطشاً وجوعاً، أتظنون أن هذا سوف يعامل أهل الكويت بمكيال، ويعاملكم أنتم بمكيال؟

    لكن يا عباد الله! احمدوا الله جل وعلا أن جعل مصالح هذه الدول في أرضكم، فسخرهم الله للحفاظ على هذه المصالح، وأيضاً لهم هدف آخر، حتى لا تكون هذه القوة يوماً ما ضربة في إسرائيل، وهذا أمراً ندركه جيداً، ولكن يا إخوان:

    البعث بعث في العراق وغيره          تتواصل الأسباب بالأسباب

    هل تظنون أن البديل في العراق، حتى لا تضرب القوة العسكرية بديل إسلامي يمكن أن يسخر لخدمة القضية الفلسطينية، أو لإنصاف المظلومين في فلسطين؟ حتى نقول: لا. ادفعوا هذا الطاغية، واتركوا قوته العسكرية، ليستفيد العرب في المواجهة القادمة، لا والله، البديل الآن، إما بديل اشتراكي شيوعي أو شيعي، يتنافس على المنطقة الآن، وكل يعد أوراقه، ونسأل الله جل وعلا أن يأتي بأمر من عنده فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ [المائدة:52] أن يأتي بديل لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، على الأقل أن يأمن الأبرياء على أعراضهم ودمائهم وحدود حرياتهم التعبدية في شعائرهم.

    ينبغي أن ندرك هذه المسألة جيداً يا إخوان.

    لما حصلت هذه الفتنة، شاب آخر يقول: للأسف أن هناك مشايخ يسمون الآن قتال الجيش السعودي جهاد في سبيل الله، إذاً ما هو الجهاد؟ ماذا تسمي الجهاد إن لم يكن صد هذا العدوان؟ أسألكم بالله لو أن القوات العراقية استولت على الحفجي استيلاءً كاملاً وبقيت فيه، هل سيأتي الشيخ عائض القرني أو سلمان العودة ليلقي محاضراته كالمعتاد في الخفجي؟ على أبسط مثال يفقه الصغير والكبير.

    إذا سرق سارق في الخفجي هل ستقطع يده، أو يحال للقانون العراقي؟ إذا قتل قاتل هل يقتل؟ إذا أقيم ضريح ومزار يعبد من دون الله، وينذر، ويتوسل به وإليه في دفع الكربات وجلب الحاجات، هل سيجد المنكرون سبيلاً إلى إزالته وهدمه؟ لا والله، إذاً ما هو الجهاد إن لم يكن هذا الجهاد؟ ما هو الجهاد أيها الإخوة؟

    ثم أيضاً إن المجاهد في سبيل الله قد يكون فاسقاً، المجاهد قد يكون عاصياً، يسألني أحد الرجال في الحرس الوطني من الجنود، كأنه يذكر على نفسه بعض الذنوب والمعاصي، إذا قتل في هذه المعركة هل يعتبر شهيداً؟ فقلت له: الجواب من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (يغفر للشهيد كل شيء، إلا الدين) أي: من قتل في سبيل الله، وإن كان حليقاً، وإن كان يسمع الأغاني، وإن كان مدخناً، وإن كان عنده بعض الذنوب والمعاصي، لكن في المعركة تمحضت نيته أنه يقاتل للذود عن دين الله، وفي سبيل الله، وعن هذه البلاد ومقدساتها، والأبرياء الذين فيها، فهو شهيد في سبيل الله.

    ويسأل الشباب الذين جاءوا من أفغانستان، أحدهم يقول لي من أبطال قندهار: معنا بعض الأفغان يدخنون ويستنشقون النشوار، يقول: والله بعضهم يقتل، ويفوح المسك من دمه، أي: عاصي، لكن مات شهيداً في سبيل الله، أو نسأل الله أن يكون شهيداً في سبيل الله، وظهرت بعض العلامات والدلائل التي تدعو إلى التفاؤل والفرح بميتته، وإن كان فاسقاً أو عاصياً.

    إذاً أيها الأحبة: لا نتردد في هذه القضية الخطيرة، التي تحتاج منا أن نقف وقفة الشجعان، بالكلمة، بأن نخلف المجاهدين في أهلهم وفي أوطانهم وفي ذرياتهم، بكل خير وبكل ما نستطيعه، هذه من أهم المسائل.

    1.   

    مسألة المظاهرات في الشارع الإسلامي

    وأما ما يسمى بالشارع الإسلامي، مظاهرة في الجزائر تندد بالقوات الأجنبية، وتدعو إلى التضامن مع المجاهد الأكبر صدام حسين عبد الله المؤمن.

    أنا لا أدري من أين دخل الجهاد في هذا الرجل؟ دخل الجهاد من أربعة وستين ألف حانة من حانات الخمور في أنحاء العراق!

    دخل الجهاد من قتل الشيخ عبد العزيز البدري بعد أن أفتى بقوله في الاشتراكية، وقطع إرباً، ووضع في كيس، وسلم لأهله، فقام أخوه أمام الناس وأخرج أشلاء أخيه يقول: انظروا ماذا فعل؟

    خرج الجهاد من قتل الشباب عندما جمعوا تبرعات لـأفغانستان في العراق!

    خرج الجهاد من الأضرحة التي تعبد من دون الله جل وعلا، ومن تحكيم القوانين الوضعية.

    خرج الجهاد من الجهل بالدين والبدع المنتشرة، من أين يخرج الجهاد؟ يخرج الجهاد من عقول السذج والغوغاء والبسطاء، الذين تنطلي عليهم هذه الحيل، ولذلك يقول الله جل وعلا: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ [سبأ:46].

    لأن الجماهير والجموع تردد، الآن أربعة منكم لو أخذناهم يمشون في مسيرة، وأخذت المسيرة تردد شعار، ستجد نفسك بعد لحظات تسخن ثم تصبح مثل أسكود، تنطلق معهم وتردد ما لا تشعر، وكما يقول خبراء علم النفس، قالوا: المظاهرات تبدأ أولاً بمطالبة، أي: مظاهرات العمال مثلاً في أي دولة من الدول الغربية تبدأ بزيادة الأجور، نريد زياد أجور عمال المناجم ومحطات البنزين، مارك أو دولار أو جنيه كل شهر، ثم تسخن المظاهرة بعد قليل، نريد رفع الظلم والاستبداد ضد الطبقة الكادحة، يبدأ الشعار يسخن، نريد إسقاط الحكومة، ويبدءون يرددون، نريد أن نتوجه إلى مقر الرئاسة، ثم يقتحمون هذا المقر ويحصل الشغب.

    يا إخوان! حينما يعود بعضهم إلى بيته، يقول: عجيب نحن خرجنا بتنظيم من نقابة العمال، على أننا نطالب بزيادة مارك شهرياً، ما هو الذي جعلنا نطالب بإسقاط الحكومة؟ دل ذلك على أن أسلوب الغوغاء والتجمعات والبسطاء هؤلاء، يجعل الإنسان يدخل في نظام دون أن يشعر، ويردد ما لا يفقه ولا يدري، وهذا أمر ملاحظ ومجرب، وعلى حد قول ابن الجوزي: مر أحدهم برجل واقف مع أناس يضربون رجلاً، فقال له: لماذا تضربونه؟ قال: والله لا أدري وجدتهم يضربون، فخلعت نعلي أضربه حسبة لله، فالعمل مع الجماهير بهذه الطريقة الغوغائية يجعل الإنسان يفعل ما لا يفقه، ويردد ما لا يدري.

    فنقول أيها الأحبة: إن ما يسمى بمظاهرات الشارع الإسلامي في هذه القضية، ليست عبرة أو حجة، ومن المؤسف أن بعض الدول حتى من فيها ممن ينتسبون إلى العمل الإسلامي والجماعات الإسلامية، ولا نقول هذا الكلام عداوة للجماعات الإسلامية، ولكن لبيان خطورة ما تمر به الأمة من الأزمة المعاصرة، أنهم دعوا إلى المناظرة العلنية على الملأ ورفضوا.

    بعض قيادات الجماعات الإسلامية قيل لهم: تعالوا، أنتم تؤيدون صدام حسين، أم تقولون: لماذا يضرب العراق؟

    وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم     وما هو عنها بالحديث المرجم

    لا شك سيكون فيها ضحايا، ولكن من أجل ألا يجرح من في العراق، ترضى الأمة بتشريد الكويتيين ونرضى نحن بحشد الحدود علينا والدخول إلى أراضينا، لا والله.

    والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا     فالحرب أجدى على الدنيا من السلام

    هذه مسألة، إذاً الذين يطنطنون وراء هذه المسألة، قد دعوا إلى المناظرة الشرعية أمام الجماهير في وسائل الإعلام، وعدد ممن يتبنون القول بالوقوف مع طاغية العراق صدام حسين رفضوا المناظرة الشرعية، إذاً ماذا تريدون؟ عدد من العلماء ذهبوا إلى بغداد، ولما وصلوا إذا بالمهيب الركن يخرج على التلفاز، ويؤكد أن الكويت الولاية رقم تسع عشرة من ولايات العراق، ولما جاء العلماء لمقابلته، قال: أهلاً وسهلاً بكم في كل ما تريدون إلا الكويت، فهي ولاية من ولايات العراق لا يمكن التفاوض عليها.

    وهل بعد هذا بلاء؟ وهل بعد هذه مصيبة؟ هذه أيضاً من أخطر المسائل التي فتنت بها الأمة في هذه الأزمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كذلك الذين يقولون ويطنطنون خاصة في إذاعة عمَّان.

    1.   

    الأنظمة لا تعني عداوة الشعوب

    وبالمناسبة فحينما نتكلم عن دولة معينة، فإننا لا نعادي الشعوب، أخوك المسلم العراقي، وأخوك المسلم اليمني، وأخوك المسلم الأردني، وأخوك المسلم المصري، وأخوك المسلم السوداني: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].

    لا مجال للإقليمية في العمل الإسلامي، والدعوة إلى الله جميعاً، نبيكم لكم جميعاً، للأبيض والأحمر والأسود، للعرب والعجم، لا نكون عصبية إقليمية سعودية فحسب، لكن نقول: بالنسبة للأنظمة، بالنسبة للأبواق المأجورة، بالنسبة للأيدي والأقلام المستأجرة، هذه لا محل ولا مكان لها عندنا.

    الذين يطنطنون بقضية فلسطين، ويقولون: جعلوا القضية الكبرى قضية الوجود الأمريكي وما يتعلق به، وهذه أيضاً من المصائب، نحن أولاً أيها الإخوة، لا نقول: إن وجود القوات عندنا خير محض، بل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، هذه مسألة اعرفوها جيداً، هذا الوجود ليس خيراً محضاً، وإنما ظهر الآن أن خيره أكثر من شره، وإلا فيه شر، هذه مسألة.

    المسألة الثانية: النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب الناس يقول: ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، أي: النفس فيها شر، وفي السنة أن الرجل إذا بنى بزوجة أن يضع يده على ناصيتها ويقول: وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه، أي: الزوجة قد يكون فيها شر، فلا يمكن أن تكون قوات الحلفاء كلها خير، بل فيها شر، لكن فيما يظهر ويحصل الآن نرى خيراً يغلب على الشر، ونسأل الله أن يكون نهاية هذا الشر، بزوالهم ورحيلهم بعد نهاية هذه الأزمة، ودحر هذا الطاغية الباغي في عدوانه.

    ينبغي أن يكون -يا إخوان- عندنا موازين نعقل بها الأمور، وألا نأخذ كل فكرة بتسليم بحت، أو أن نعتبر أن هناك خيراً لا شر فيه، أو شراً لا خير فيه، لا. ينبغي أن نعطي الأمور مقاييسها وموازينها: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].

    فواجبنا أن ننظر بعدل، والنبي صلى الله عليه وسلم، جاءه عتاب من الله جل وعلا؛ لما سرق أحد المسلمين، واتهم بها أحد اليهود، نزلت الآيات تعاتب النبي صلى الله عليه وسلم: وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً [النساء:105] فهذه أمة عدل وعدالة، لا بد أن نعطي الأمور مقاييسها الدقيقة بكل حال من الأحوال.

    ثم بعد ذلك أيها الإخوة! الذين -كما قلت- يبكون على دماء فلسطين، والله لن يكونوا أصدق منا في حبنا لـفلسطين، ولن يكونوا أتقى منا في الرأفة والرحمة بالفلسطينيين، إذاعة عمان: الفلسطينيون، فلسطين .. فلسطين، يا حكام الأردن! ماذا فعلتم بالفلسطينيين في مذبحة أيلول الأسود، أكثر من خمسين ألف فلسطيني ما بين طفل وامرأة وبنت وفتى وفتاة، ذبحوا لما حسوا أن هناك ريحة خطر على الحكم الأردني، قتل خمسين ألفاً أو أكثر من ذلك، والله إن ما قتل في مذبحة أيلول الأسود يفوق ويزداد عن عدد القتلى في مذبحة تل الزعتر وصبرا وشاتيلا ودير ياسين.

    إذاً: من الذي يبكي على دماء الفلسطينيين؟ يبكي عليها الذي يذبحهم في أيلول الأسود، أم تبكي عليهم المنظمات التي ترتب للاغتيال ترتيباً دقيقاً، من الذين يبكي على الفلسطينيين؟ نسأل الله جل وعلا أن يأتي بذلك اليوم الذي يكبر فيه المسلمون من جميع أنحاء العالم في فلسطين، فاتحين مكبرين مهللين مقاتلين لليهود، الصدق في القضية الفلسطينية ليس الدعاوى الكاذبة الرنانة.

    ما قتل من الفلسطينيين في مذبحة أيلول الأسود أكثر مما قتله اليهود، وهذه كلمة حق، ولا نبرِّئ فيها اليهود، بل أن قطرة دم طفل فلسطيني أعظم عند جميع المسلمين من أي شيء آخر، وقطرة دم بريء عراقي أيضاً ليست هينة علينا، لكن هناك أمور تحتاج إلى الحزم والحسم والبتر، وتحتاج إلى النهاية، وألا تبقى المصيبة تمثيليات ومسرحيات، ويعيش الناس في فزع لا يعلم حدوده ومنتهاه إلا الله جل وعلا.

    إذاً: أيها الأحبة! ينبغي أن ندرك جيداً، أن عداوة الأنظمة لا تعني عداوة الشعوب، فإن كان هناك نظام وقف موقفاً سيئاً وسلبياً ضد المسلمين في المملكة، وضد علماء وحكام المملكة، فإن ذلك لا يعني أن نعادي الشعوب أبداً، كنت في بداية الأزمة في محل (بوفية) ووقفت أشتري حاجة لأحد الصغار، فقلت لرجل يمني في البوفية: لماذا موقف حكام اليمن هكذا؟ قال: يا أخي! أنا ليس لي دخل وكاد أن يبكي، قلت: يا أخي! أنت أخي وحبيبي، وأنت ليس بيني وبينك أي شيء، عداوات الأنظمة لا تعني أني أعاديك، ما ذنبك أنت حتى أعاديك وأتسلط عليك؟ فانبلج وجهه بالأسارير والبشر، وانطلق مرة أخرى.

    فينبغي أن ندرك أننا كوننا نحارب العراق لا يعني أن نكره كل عراقي، لا والله، أو نكره كل أردني، وكل فلسطيني، لا. لكن أن نعطي الأمور مقاييسها وموازينها، وإلا لو نفذنا ما أرادته السياسة اليهودية العالمية، في أن تحدث العداوات، الشعب السعودي كله يكره الشعب الأردني كله، يكره الشعب العراقي كله، يكره الشعب اليمني كله، عند ذلك يصبح الإنسان عدواً لجميع من حوله من المسلمين، وحينما تأتي حرب فاصلة بين الإسلام والكفر، يأتي اليمني يستنجد: يا سعودي، أقول له: لا. أنت يمني، سبق أن تعادينا، يأتي السعودي يا عراقي، أقول له: لا. أنت عراقي.

    ويأتي كل منا يعير الآخر بجنسيته وإقليميته، فنقف هكذا أحزاباً وجماعات، فيقتلنا أعداء الإسلام بهذه الطريقة، لكن ينبغي أن ندرك أن الوضع القائم وضع مشروع، خاصة وقد رأينا كيف دخل هؤلاء في الخفجي، واستماتوا استماتة عجيبة وغريبة، قدم جند حزب البعث دماءهم على أرض الخفجي لله؟! في سبيل الله؟! لينصفوا مظلوماً؟! ينقذوا امرأة؟! وهذا الحماس للباطل، فأين حماسكم أنتم في الحق؟ وأين بسالتكم وتضحياتكم وجهادكم؟ ينبغي أن ندرك هذه المسائل حتى لا يحدث الشرخ في ولاء المسلمين بعضهم لبعض.

    1.   

    العداء للإسلام من ثوابت السياسات اليهودية والنصرانية

    أخيراً أيها الأحبة! ينبغي أن ندرك أن العداء للإسلام من ثوابت السياسات اليهودية والنصرانية، حتى وإن وقفوا معنا موقفاً يساعدنا ويساندنا، والحمد لله الذي سخرهم لنا فيه، لا يعني ذلك أن تبقى أمريكا حبيبة القلب والروح، أو تبقى دول الحلفاء حبيبة القلب، لا والله. نحن نشكر الله أن سخرهم لنا في هذا المضمار.. وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83].

    كلمات الشكر يمكن أن نزجيها لهم في صد هذا العدوان بمشاركتنا فيه، لكن أن نحبهم، أن نشعر في القلب بطمأنينة وارتياح وولاء وخضوع لهم، لا. هذه مسألة من أخطر المسائل التي نحتاج إلى فهمها، والتفريق فيها في كل حال.

    مسألة فاتت عليّ بالمناسبة فيما يتعلق بالشارع الإسلامي، في إحدى الدول قامت مظاهرات تريد المشاركة مع المجاهد الأكبر صدام حسين، لطرد القوات ومقاتلة الحلفاء، أحد المسئولين السياسيين في تلك البلد، أحضر سيارات وقال للذي سيذهب يقاتل مع صدام هذه سيارة يركبها، لم يقف إلا أربعة، فوجدوا أن السفارة العراقية قد أعطت هؤلاء المتظاهرين أجوراً على هذه المظاهرة، خذ استلم واذهب ظاهر مع الناس لا أقل ولا أكثر، فينبغي ألا ننزعج من هذه المسألة أبداً.

    1.   

    إيجابيات أزمة الخليج

    اقتناء السلاح والتدرب عليه

    وينبغي ألا نكره هذه المصيبة، فلعل أقل ما فيها أن الناس أصبحوا يحبون أن يقتنوا السلاح، أن يتدربوا على السلاح، أن يحدثوا النفس على الجهاد: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو؛ مات على شعبة من النفاق) أصبح الإنسان يشعر أن الدولة ليست هي كل شيء، نعم الدول من واجبها إعداد الجيش، القوة العسكرية اللازمة لصد العدوان، لكن لا يعني ذلك أن يبقى الإنسان امرأة.

    كتب القتل والقتال علينا     وعلى الغانيات جر الذيول

    أن يبقى الإنسان امرأة لا يعرف كيف يقاتل أو يدافع، أو يتدرب ويتطوع، أو يتمرن، لا. (ارموا واركبوا، ولأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا) (ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميا) (من تعلم الرمي ثم تركه، فتلك نعمة جحدها أو كفرها).

    أمة جهاد: الرمي وصية أحد الصحابة: [علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل] أن تتعلم الرجولة، لعل هذه من الأمور التي بينت لنا حاجتنا إلى أن نتعلم حمل السلاح، وأن نتعامل معه جيداً.

    كشف الصداقات العربية الزائفة

    كذلك من الإيجابيات في هذه المحنة، كشف الصداقات العربية الزائفة، كنا نظن دول المواجهة والصمود والتصدي، وجبهة كذا وجبهة كذا، والقوة العربية والوحدة العربية، ومؤتمر القمة، والذي عنده تسجيل وثائقي بالفيديو لآخر مؤتمر قمة عربي عقد في بغداد، يقارن به الوضع الحالي في واقع الدول العربية، تضحك وتملأ فاك بالضحك، من الشعارات والكلام والعبارات الجوفاء، وفي نفس الوقت تجد الواقع الذين نعيشه:

    وإخواناً جعلتهم سهاماً     فكانوها ولكن في فؤادي

    وإخواناً حسبتهم دروعاً     فصاروها ولكن للأعادي

    فمن نعمة الله أن الأمة عرفت أعداءها، وعرفت كيف تواجه وكيف تقف، وكيف تعطي وكيف تمنع وكيف تمول، كل هذه لعلها من الدروس التي نفيدها ونستفيدها من هذه القضية الخطيرة.

    1.   

    زيف الشعارات الجوفاء

    كذلك من الدروس أيها الإخوة! لا حياة لنا، ولا عزة لنا، لا بقاء لنا بالشعارات الجوفاء، التراب العربي، والأرض العربية، والدم العربي، والكلام الفارغ كله أثبت فشله للمرة الخامسة والستين، ليس للمرة الثانية، العروبة في حرب سبعة وستين أتت بالمصائب في حرب الأيام الستة، في حرب ثلاثة وسبعين، لم تأتِ هذه العروبة على الأمة بخير أبداً؟ لأن التجمع على أساس العصبية والإقليمية تجمع فاشل أبداً.

    لكن التجمع على الكفر يختلف، ألمانيا الشرقية لما هدم سور برلين ودخل الألمان الشرقيون إلى ألماني الغربية، فتح الألمان الغربيون لهم صدورهم، وفتحوا الكنائس لهم، وأخذوا يمدونهم ويعطونهم، وتذكروا قول الله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73] ولاية حقيقة بين الكفار فيما يعتقدونه، أو على الأقل في عداوتهم للإسلام وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73] إن لم نكن نحن على مستوى الولاء الكامل للعقيدة والدين؛ تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.

    فلا بد أن ندرك أن دعاوى العروبة دعاوى فاشلة، وأنه لا يمكن أن نتحد إلا بالإسلام، لا يمكن أن نجتمع إلا على الإسلام، دعوى العروبة ودماء العروبة والكلام الفارغ، وجميع الشعراء الذين شاركوا في مهرجانات المربد الثقافية في العراق، وما يتعلق بها، وطالما تغنوا بأغصان الشجر العربي، والطير العربي، والعروبة وما أدراك ما العروبة، وكما يقول الشيخ عبد الرحمن الدوسري أسكنه الله فسيح جناته، وجمعنا به في مستقر رحمته وإياكم، يقول: كانوا يدرسون الطلاب أنا عربي عربي أحب كل عربي، العروبة جروبة، رحمه الله رحمة واسعة، كان يفقه هذه القضايا السياسية من سنين طويلة مضت، والآن يرى العرب هذه الشعارات التي كانوا يتغنون بها.

    هذا ما جرته العروبة ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلا بد إذا كان هناك ولاء وتجمع وتكتل، فليكن على سبيل الحق، وفي سبيل الدين وشعار الإسلام والعقيدة: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63].. يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12] أن نجتمع على دين، وأن نحمله بقوة عظيمة بإذن الله جل وعلا.

    1.   

    واجباتنا في ظل الأزمة

    الدعاء والعمل الصالح

    كذلك أيها الإخوة! من واجبنا في هذه المحنة أن نكثر من الدعاء.. قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ [الفرقان:77] من الذي صرف هذه الصواريخ؟ شيء سقط في البر، وشيء يسقط رأسه التقليدي، وشيء يسقط في مكان ليس فيه أحد، أو في عمارة ليس فيها سكان، هذا الدعاء والقنوت، لعل الله جل وعلا أن يرحم الأمة به، ويا أخي لا تستقل شيئاً، يأتي يوم تصوم فيه، ما يدريك أن الله جل وعلا ببركة صيامك ذلك اليوم يرحم الله هذا الحي فيبعد الصاروخ عن هذا الحي قليلاً، سجودك وركعوك وصدقتك: (إن الصدقة لتطفئ غضب الرب) لتدفع سبعين باباً من أبواب البلاء، لا تستقل عملاً أياً كان، بل عليك أن تجتهد بقدر ما تستطيع في بذل جميع الأعمال الصالحة، واجعلها أمامك لعل الله أن يتقبلها منك، وأن يدفع ذلك البلاء عنك: [ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بعمل صالح وتوبة].

    التوبة والاستغفار

    كذلك اكثروا من التوبة والاستغفار: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33] دعاء الكرب: (لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين) دعاء ذي النون ودعاء الكرب: (لا إله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم) ينبغي أن نردده دائماً في صلواتنا، وفي قنوتنا، وفي دعائنا وفي سجودنا، بإذن الله جل وعلا.

    كذلك من التوبة رد المظالم، حقوق الناس، أموال المساكين، الظلم، من كان ظالماً في مال أو في عرض، أو ظالماً لزوجه، أو لقريب، أو لضعيف، أو لفقير، فليتق الله وليقلع عن الظلم، كما في الحديث: (أن شاباً دفع امرأة عجوزاً على وجهها، فسقطت وانكسر إناؤها، فالتفتت إليه، وقالت: ستعلم يا غدر إذا وقفت بين يدي الله جل وعلا، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم قولها، وقال: هلكت أمة؛ لا يقتص لضعيفها من قويها، أو لا ينصف المظلوم فيها) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

    العدالة في تطبيق الحدود.. (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم القوي تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت؛ لقطعت يدها)

    ترك الربا.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279] التوبة إلى الله من هذه الأمور جميعاً هي من أسباب دفع البلاء ورفع الكربة والغمة عن الأمة أجمع.

    الوقوف مع العلماء وولاة الأمر

    وأقول أيها الأحبة: هذا أوان الوقوف مع العلماء ومع ولاة الأمر، ومع جميع المخلصين الغيورين على هذه البلاد، لا أن تقف غيرتنا عند قيادة امرأة، أو عند تمريض النساء، وعندما تأتي القضايا الكلية الكبرى، نجد من يهرب إلى مكة أو إلى المدينة، أو يعتزل يميناً ويساراً، لا. هذا وقت العمل والجد والجندية والتطوع، اعرفوا هذا جيداً، ولندرك أن في هذا جهاداً في سبيل الله جل وعلا.

    عدم التقليل من شأن العلماء المخالفين

    ختاماً أيها الأحبة! قد يكون من أحبابنا أو من دعاتنا أو من علمائنا، من أخطأ تحليل الأحداث قبل الحرب، وقال مثلاً: لن تقوم حرب أبداً، فقامت حرب، أو قال: هذه القوات لن تقاتل، فقاتلت، وصدت شراً عظيماً أنتم رأيتموه بأعينكم، أو قلنا سيحدث كذا وكذا، فوجدنا خلاف ذلك، هل هذا الخطأ في التحليل، أو عدم الدقة في التحليل، هل هذا يقلل من شأن دعاتنا؟ أو يقلل من شأن علمائنا؟ كم هدى الله على أيديهم من الضلال، كم سهروا الليالي، كم تعبوا في الطلب والعمل والجد والتحصيل، لإفادة شبابنا وأبنائنا، كم تحملوا في سبيل الله، كم لاقوا لوجه الله جل وعلا، هل عند هذا، أو عند أتفه تحليل معين أو قضية معينة، نقول: لا. فلان قال لا يوجد حرب في الشريط الفلاني، وقامت حرب.

    وإذا الحبيب أتى بذنب واحد     جاءت محاسنه بألف شفيع

    هب أنه أخطأ، هل أخطأ متعمداً أم مجتهداً؟ أخطأ مجتهداً، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر، ومن اجتهد فأصاب فله أجران، فالخطأ في تحليل الأحداث قبل بداية الحرب ينبغي ألا يكون سبباً في الاستهزاء أو في التقليل من شأن بعض الدعاة أو العلماء حينما حللوا تحليلاً قد يكون فيه عدم دقة في تحليل الحدث، وما الذي حصل؟ إنسان رأى رأياً وتبين الأمر بخلافه، لا نسمع له شريطاً، ولا محاضرة، ولا نستفيد من دروسه ومواعظه، ولا من كتبه ومؤلفاته لا. انتبهوا يا شباب الصحوة؛ حتى لا تضربوا، فتنشقوا فيما بينكم، وتختلفوا على أنفسكم، هذا اجتهاد مضى، فإن كان صواباً فلصاحبه أجران، وإن كان خطأ فلصاحبه أجر؛ لأنه معاذ الله أن يضلل أو يجتهد في التضليل أو الكذب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    ختاماً: أسأل الله جل وعلا أن يجعل هذا الاجتماع مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده معصوماً، وما سمعتموه إن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له، وإن كان خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، أستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755960712