إن للمسجد مكانة عظمى، فهو المركز الأول الذي انطلقت منه الدعوة الإسلامية، والناس يجهلون كثيراً من أحكام المسجد، والشيخ قد ذكر في هذا الدرس كيف كان المسجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان دوره؟ وما هي حقوقه، ومميزاته؟ |
|
|
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، هدى الله به الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، صلى الله عليه وعلى آله وصبحه وسلم تسليماً كثيراً. عنوان هذه المحاضرة: مكانة المسجد في الإسلام، وهي تحمل الرقم التاسع بعد الثلاثمائة، وأسأل الله أن ينفع بها، وقبل أن أبدأ أزف الشكر لأهله ولذويه وعلى رأسهم رئيس هذا النادي: الأستاذ النبيل الأديب محمد بن عبد الله الحميد أثابه الله وحفظه، وحفظ أعضاء النادي والحضور وكل مسلم، ومعذرة إن ندَّ بيان أو تلعثم لفظ: قبل أن أبدأ في عناصر الدرس عندي وثيقة عن المسجد، أقرأها قراءة ثم أبدأ أتحدث معكم عن أسرار المسجد في الإسلام. لنا نحن المسلمين مع المسجد أسرار وأخبار، لنا معه تضحيات وأمنيات، سلوا المسجد من الذين زينوا جنباته بالتسبيحات، وأضاءوا جوفه بالعبادات، وسجدوا على جنباته خمس مرات؟ سيقول: المسلمون. سلوه من الذي فجر من جنابه الكلمة الحية، والموعظة الحسنة، والخطبة المؤججة؟ من الذي صاغ من على منبره منهج الأجيال، وأذكى من محاربه الإيمان في قلوب الرجال، وغرس من روضته دوحة الإفضال؟ سيقول: المسلمون. سلوه من الذي أباد من على منارته الإلحاد، ونشر من على قبته العدل بين العباد، ونادى العقل للحياة والطموح والجهاد؟ سيقول: المسلمون. عاش رسولنا صلى الله عليه وسلم في المسجد خطيباً، يبعث من الصحراء أمة، ومن الأمة جيلاً، ومن الجيل قادة، ومن القادة شهداء لله في الأرض، يقول القاضي الزبيري شاعر اليمن: عاش صلى الله عليه وسلم يصنع في المسجد من العبارات درراً، ومن الكلمات ثمرة، يقول أحمد شوقي: وعاش صلى الله عليه وسلم في المسجد معلماً يفتح البصائر على العبر، ويحرر العقول من الأوضار، ويسكن القلوب بمعين الحكمة والهداية. وعاش صلى الله عليه وسلم في المسجد قائداً، يرسل كتائب الإيمان، وينظم جيوش الحق، لتنسف ركام الباطل، ويربي الفاتحين لينقذوا الدنيا من أتباع الشيطان، وإنها لتعجبني أبيات للبردوني ولو أنه لا يعجبني، وأبرأ إلى الله منه ومن منهجه، وأسأل الله أن يعامله بعدله، ولكنه تفوق أيما تفوق في قصيدته، وهو يروي عطرة الرسول عليه الصلاة والسلام في المسجد، وانطلاقه من المسجد، وسيرته صلى الله عليه وسلم في المسجد، يقول في أبياته: إنه رسول الهدى، ثم يقول له البردوني بعاطفة القومية التي لا تكفي لتكون صلة بينه وبين صاحب المسجد، إذ لا بد لنا مع صاحب المسجد من عقيدة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] والقومية وحدها ليست صلة، فيقول البردوني: على كلٍ أبدأ في العناصر، وقبل أن أبدأ أحب أن أبين أن هناك فصولاً تحدث فيها القرآن عن المسجد، وعن مهمته، ورسولنا صلى الله عليه وسلم روى بسيرته وحكمته وموعظته مهمة المسجد في الناس، ثم أتعرض لكلام أهل العلم والأدباء. |
|
|
|
|
|
إن حضارته عليه الصلاة والسلام التي أقامها لا تقوم إلا على المسجد، ولا تصلح إلا به، ولا يكون لها نور إلا به، وكان للمسجد دور كبير في حياة النبي كما سيأتي. |
|
أولاً: من معالم المسجد في حياته عليه الصلاة والسلام، أن منه الانطلاقة الكبرى للرسالة الخالدة، إذ انطلقت من المسجد. أول ما وصل عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، وضع حجر الأساس إيذاناً بافتتاح المسجد، فجعله عليه الصلاة والسلام جامعة كبرى للعقائد، والأخلاق والسلوك والآداب والشعر والخطابة والطموح. يقول الأستاذ علي الطنطاوي، وأنا أحب أدب هذا الرجل، وهو إذا كتب أحسن منه ألف مرة إذا تكلم، وما سحره إلا في كتابته، يقول: مبادئنا تعلن كل يوم خمس مرات من على مآذن المسجد، ليس عندنا ألغاز ولا أحاجي ولا ألغام، وإنما عندنا مبادئ واضحة ربانية، نحن معنا جامعة في المسجد، نرسل الشعاع للعالم، أو كما قال. ويقول بعد المسجد: سلوا كل سماء في السماء عنا، وسلوا كل أرض في الأرض عنا، من الذي حرر العقل من رهق الخرافة؟ سيقول: المسلمون، إلى مقالة طويلة قالها -لا شلت يده- في فضائل المساجد وفي مكانتها في الإسلام. والمقصود هنا: أمهمة المسجد منحصرة في خمس صلوات ثم يغلق؟ أمهمة المسجد أن يبقى لصلاة الجمعة مرة في الأسبوع؟ أمهمة المسجد أن يجتمع الناس دقائق معدودة ثم ينتهون؟ لا. إنه أكبر من ذلك إنه تفجير طاقة، ولذلك تجدون المستشرق المجري المجرم جولد زيهر، ويسمونه زهير، لأنه عرب اسم أبيه، صاحب الهجوم على السنة، والذي رد عليه أبو رية برد أقبح من فعل ذاك. يقول: ما زال المسلمون في قوة مادام معهم القرآن والمسجد. |
|
|
الرسول عليه الصلاة والسلام يخبرنا بفعله ما هي مهمة المسجد في الإسلام.. أولاً: إنه جامعة علمية، بعث عليه الصلاة والسلام معلماً، يقول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث.. الحديث} ويقول له سبحانه: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114] إذاً هو المعلم، والله يقول له: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ [محمد:19] في السنن: {يدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فيجد حلقتين، حلقة يدعون الله ويسألونه ويتضرعون إليه، وحلقة أخرى يطلبون العلم ويسألون، قال عليه الصلاة والسلام: هؤلاء العباد، يدعون الله إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وهؤلاء يتعلمون العلم وإنما بعثت معلماً، ثم جلس معهم عليه الصلاة والسلام}. إذاً: دعوته هي العلم، ورسالته تنبني عليه، لكن بالإيمان كما قال الله: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ [الروم:56] فعلم بلا إيمان، يسمى علمنة لا دينية، وهي مذهب ضال رعديد، وأنتم تعرفون دور العلمنة في فصل الناس عن الدين وعن المسجد، والمصحف، والتسبيح، والكعبة وزمزم، وذلك يوم تصورت أن الدين يحارب العلم كما وجدته في الكنيسة، وهذا خطأ. العلم بلا إيمان كفر بالله، وأول من أدخله في المشرق مصطفى كمال أتاتورك عليه غضب الله، وتبعه صنف من الناس كثير ساروا على منهجه في فصل المسجد عن الأمة وقالوا: ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، وليس للمسجد دخل في شئون الناس، ولا تتحدث عن شئون الناس في المسجد، وتحدث عن التيمم والحيض، والغسل من الجنابة، والسواك، لكن لا تتحدث عن الاقتصاد، ولا عن الشباب، ولا عن مشاكل العالم، ولا عن المال، ولا عن الاجتماع في المسجد، وهذا خطأ كبير، وسوف يكون لنا تعريج على ذلك. والرسول صلى الله عليه وسلم، أكثر حلقاته وتعليمه في المسجد: {جلس -كما في صحيح البخاري - وكان أبيض أمهق مرتفق} الأبيض الأمهق: الموسوم بحمرة، والمرتفق: المتكئ -فدخل ضمام بن ثعلبة - أخو بني سعد بن بكر من الطائف -على ناقة فعقلها في باب المسجد، وتخطى الصفوف، قال: أين ابن عبد المطلب؟ -يقصد رسول الهدى عليه الصلاة والسلام- فقال له الناس: ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: يابن عبد المطلب! هو ابن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وجده عبد المطلب، لكن جده كان عند العرب أشهر من أبيه، حتى يقول في المعارك: قال: قد أجبتك، قال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، قال: سل ما بدا لك -وظن أن السؤال فرعي أو جزئي، لكنه سؤال مطلق وعام- قال: يا رسول الله! قال: نعم. قال: من خلق السماء؟ قال: الله، قال: من بسط الأرض؟ قال: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أرسلك؟ فتربع وقال: اللهم نعم. قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم. فأكمل أركان الإسلام، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، أنا ضمام بن ثعلبة: أخو بني سعد بن بكر، ثم تولى وركب ناقته، فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا. إسلام بسيط سهل، وقد تعرض سيد قطب لهذا الحديث وشرحه شرحاً وافياً، وقال: إن هذا الإسلام هو الذي ناسب العالم، ولذلك فهذا الدين يكتسح العالم، وهو الفجر الجديد، ولكنه لا ينطلق إلا من المسجد كما انطلق في أول يوم. |
|
|
جعل الرسول عليه الصلاة والسلام المسجد هو المنتدى الرحب لاستقبال الوفود، ورسل الملوك، وممثلي القبائل، كل وفد يستقبله صلى الله عليه وسلم في المسجد لأنه المكان المناسب لتبادل الرأي والشورى والحكمة، وللأخذ والعطاء. بل أكثر الوفود، ما وفدت عليه صلى الله عليه وسلم إلا وهو في مسجده، وفد عبد القيس، وفدوا عليه وهو جالس بعد صلاة العصر، قال: من الوفد؟ والرواية عند مسلم من حديث ابن عباس، قال: من القوم؟ -وقيل: من الوفد؟- قالوا: ربيعة، قال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى- خزايا: جمع خزيان، وندامى: جمع نادم أو ندمان- قال: إني آمركم ثم سرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمور الإسلام، ثم ودعهم من المسجد، وجلس عليه الصلاة والسلام طيلة عمره، وغالب أوقاته في المسجد يعلم، ويخطب ويفتي، ويتكلم ويرشد ويعقد الرايات -كما سوف يأتي- ويدير شئون الأمة الإسلامية من مسجده صلى الله عليه وسلم. كريسي موريسون أمريكي مطلع كاد أن يسلم لكن لا أدري ماذا حدث له؟ يقول: في كتاب الإنسان لا يقوم وحده: ليس العجب من محمد أن يبعث نبياً فقد بعث الله أنبياء قبله، ولكن العجب أن يبقى أربعين سنة لا يتعلم ثم يخرج إلى الناس فإذا هو أخطب خطيب، وأفتى مفتي. إنها حكمة الله: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1-4]. يقول أيضاً: ما للنحلة تغادر خليتها وتذهب ثم تعود برحيق الزهر؛ من الذي علمها أن تعود إلى خليتها؟ أعندها آريال؟ قال سيد قطب: ليس عندها آريال، ولكن عندها: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [النحل:68]. وهذا إنما هو استطراد، والمقصود: أن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج للناس هكذا، ثم أصبح في المسجد فإذا هو أعلم الناس والله يقول: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48] ولو كنت تكتب لقالوا: كتبت القرآن ولو كنت تقرأ لقالوا: قرأت صحف الأولين، ولو كنت تقول الشعر، لقالوا: نظمت كتاب الله: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69] إنك أتيت أمياً للأمة الأمية فأخرجتها من صحراء الوثنية والتخلف؛ صحراء الإبل والبقر والغنم إلى ضفاف دجلة والفرات، وإلى قرطبة وسمرقند، وطاشقند والسند، يهللون ويكبرون ويسبحون بحمد الله، أليست هذه معجزة؟ بل هي أكبر معجزة في تاريخ الإنسان، يقول محمود غنيم: ليس المعجزة فقط في أن تحول الطعام القليل إلى كثير، أو تفجر من الصخر ماء، لكن المعجزة الكبرى أن تخرج أمة هي تتقاتل على موارد الشاة، إلى أمة تتكلم بألسنة الدهر وتخطب على منابر التاريخ، هذه أعظم معجزة له عليه الصلاة والسلام. يقول شوقي: والمقصود: أن عيسى عليه السلام أحيا ميتاً بإذن الله، فأنت أحييت -بإذن الله- ملايين مملينة، وانطلقوا من المسجد، فما من منارة في الدنيا يذكر عليها الله ويؤذن إلا واسم الرسول صلى الله عليه وسلم معه، يقول مجاهد بن جبر رحمه الله مفسر مكة قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4] قال: ما ذكرت إلا ذكرت معي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. فذكره دائماً يدوي عليه الصلاة والسلام من على المنائر. |
|
|
|
ومن مهمة المسجد أن يكون تربية للقادة العسكريين، وللأبطال المنازلين، ولشباب الإسلام الفاتحين، كان عليه الصلاة والسلام يعقد الرايات من المنبر، وكان يعلن الحرب من ذلك المكان، ولبس الخوذة يوم الجمعة على المنبر، وأخبر أن أبا سفيان قد هدد المدينة، وأعلن الحرب عليه من هناك. هذه الأساليب العصرية يقولها صاحب كتاب الرحيق المختوم في سيرة النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام، للمباركفوري وهو كتاب جيد، وأخذ الجائزة العالمية في السيرة، وأحسن كل الإحسان، الأسلوب الطريف الذي لا يتطور حتى يصير البياض برصاً كما فعل بعض الناس، لكنه معتدل في أسلوب العصر، يقول مثلاً من هذا: الرسول عليه الصلاة والسلام يعلن الحرب على أبي سفيان من على المنبر، الرسول عليه الصلاة والسلام يعلن حالة الاستنفار في المدينة، الرسول يجتمع بكبار أصحابه في مجلس شورى مغلق، أبو بكر يعلن سياسة حكومته الجديدة، عمر بن الخطاب يصدر مرسوماً أولياً بعزل خالد، هذا أسلوب عصري. أما الأسلوب الذي أشير إليه في بعض المحاضرات وأرجو أن يكف عنه بعض الناس وهو امتهان العبارة الشرعية، مثل أحد الخطباء في شريط يقول: الرسول عليه الصلاة والسلام اتصل بلاسلكي من بدر، وقال: عاوزين ألف مقاتل من الملائكة. فأصبح هذا أسلوباً مستخذلاً عند أهل العلم، قال: فنزلت فرقة الكمندوز، يقودها جبريل، وهو قائد الفرقة الثامنة والثلاثين، ومتخصصة في النسف والإبادة والتدمير، فأهل العلم اعترضوا على هذا وقالوا: لا. البياض إذا كثر أصبح برصاً، رويداً رويداً. |
|
|
|
|
الرسول عليه الصلاة والسلام جعل للمساجد على المسلم حقوقاً نذكر منها ما يأتي: |
|
أولاً: تنظيفه وتطيببه.الأمة المنظمة والنظيفة، والأمة المهتدية هي الأمة الإسلامية، والصور التي توجد في هذا العصر ليس مسئولاً عنها الإسلام، المسئول عنها الذين لا يعرفون الإسلام، ما تعلموا في مدرسة الإسلام، وما عرفوا روحه. أما أن نخطئ ونسبب الخطأ إلى الإسلام فليس بصحيح، عند أحمد وأبي داود، والترمذي بسند حسن: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بالمساجد أن تبنى في الدور وتنظف وتطيب} الدور: الحارات، يقول: دار بني عبد الأشهل، ودار بني عبد النجار، ودار بني حارثة، يعني: قراهم، فأمر صلى الله عليه وسلم أن تنظف وتطيب، وكان لمسجده صلى الله عليه وسلم رجل اسمه نعيم بن مجمر وقيل: المجمر، يجمر المسجد كل جمعة بالأطياب والروائح الزكية، فتفوح فتنتشي النفوس وترتاح ببيت الله عز وجل. كان بمسجده صلى الله عليه وسلم مؤذن، مهمته أن يصدح بصوته كل يوم خمس مرات، ليسمع الناس فيأتون إلى بيت الله عز وجل، بل كان له خمسة مؤذنين عند كثير من أهل العلم. كان صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى تنظيف المساجد، ويخبر أنها من أفضل الأعمال عند الله عز وجل؛ رأى بصاقاً في جدار مسجده مرة، فغضب غضباً شديداً، وحك البصاق وقال: {البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها} رواه البخاري، {ودعا رسول الله بخلوق -بطيب- وطيب بيده الشريفة مسجده}. |
|
|
الثاني: أمر صلى الله عليه وسلم بتجنيب الحائض والجنب ومن في حكمهم المسجد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب} ولذلك حتى مصلى العيد لا تدخله الحائض ولا الجنب، إلا عابر سبيل إذا عبر من باب إلى باب لغرض كما قال سبحانه: إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43] أما الحائض فلا تقترب، لأن هذا مكان قداسة وسمو وخلود وطهارة. |
|
|
ومنع عليه الصلاة والسلام من رفع الصوت وإزعاج المصلين، ومنع صلى الله عليه وسلم التشويش على القراء -داخل المساجد- أو بعض المصلين أو المسبحين أو المتهجدين، انضباط وخشوع وخضوع. كان عمر رضي الله عنه وأرضاه، جالساً في المسجد، فأتى رجلان من أهل الطائف فترافع الصوت في المسجد قال: عليّ بهما، فأتي بهما قال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف قال: والذي نفسي بيده لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً، وعمر إذا حلف حلف. والسبب في ذلك: أنهم أبعد عن معرفة الأحكام أو عن جزئيات الأحكام، فعذرهم بهذا الجهل. الرابع: تحريم البيع والشراء في المسجد، فإنما وضع للتسبيح والالتقاء والصلاة وذكر الله، يكفي بقية الأربع والعشرين ساعة نمضيها في الأسواق، وفي البيع والشراء والمكاتب والفصول والدنيا، والحديث والتراب، ثم تبقى هذه الدقائق لنلتقي فيها بالله رب العالمين، فتبقى خالصة لله، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه النسائي والترمذي: {من سمعتموه يبيع ويشتري في المسجد فقولوا له: لا أربح الله تجارتك} وهذا سنة، وحملها أهل العلم على التحريم، فإن من باع واشترى في المسجد ارتكب أمراً محرماً؛ لأنه خدش قداسة الشريعة، وانتهك حرمتها وصيانتها. |
|
|
الأمر الخامس: تحريم إنشاد الضالة فيه، فعند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من سمعتموه ينشد ضالة في المسجد فقولوا: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا} ويلحق بهذا من استوصف الناس أوصافاً، أو يتكلم في أمور خارجية، وألحق بعض العلماء الفضلاء من يدعو الناس للولائم داخل المسجد، بل ينتظرهم حتى يخرجوا؛ لأنه يحول المسجد إلى فوضى، وبعضهم يقوم ويخبرهم بمشروع زواجه، ومن هي القبيلة التي سوف يستقبلونها، وكم يريد من العدد، محاضرة كاملة حتى يشوش على المصلين، وهذه الفوضى بعينها، وبعض الناس حوّل المسجد إلى روضة أطفال كلما تأذى من أطفاله في بيته؛ أتى بهم إلى المسجد، وهذا لا يسمح به الإسلام أبداً. المسجد احترام وانضباط وتعليم، والمسجد خضوع وخشوع لله رب العالمين. نهى صلى الله عليه وسلم عن إقامة الحدود في المسجد لما روى أحمد وأبو داود بسند فيه نظر: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن تقام الحدود في المسجد، ويستقاد فيها} ولا يجلد الزاني في المسجد ولا يرجم، ولا يجلد شارب الخمر في المسجد، إلى غير ذلك، بل خارج المسجد، لأنها تأديب وتعزير وتطهير للعصاة، والتطهير إنما يكون خارج المسجد، كما قال بعض الفضلاء الأجلة. |
|
|
السابع: عدم المباهاة بالزخرفة في بنائها، إن عمارة المساجد ليست بالبهرجان، وليست بهذه المظاهر الخلابة، ولا النقوش المبهرجة، إنما عمارتها بأن تحيا بالعلم والصلاة والخشوع والخضوع {وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من علامات الساعة أن يتباهى الناس بعمارة المساجد} ثم لا يعمرونها إلا قليلاً، وهذا أمر تم وحصل وظهر للناس: وأصبح -أحياناً- موسماً لبعض الناس أن يتباهى بإخراج ثرائه في ركوشات وزخرفة ما أنزل الله بها من سلطان. |
|
|
|
|
|
|
|
من اللطائف عن المسجد: أن الرسول عليه الصلاة والسلام ربط أسيراً في المسجد، وهذا يدل على جواز ربط الأسير -ولو كان كافراً- في المسجد، وجواز إدخال الكافر للتعليم، لأن يسمع كلام الله في المسجد، استدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة في الصحيحين: أن ثمامة بن أثال، وهو سيد بني حنيفة، أراد أن يهاجم الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة، وكان قائد بني حنيفة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أعدو عليه إن شاء الله، فأرسل عليه أبا سليمان خالداً سيف الله المسلول. وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها |
فصاده خالد كما يصاد الثعلب، وأتى به إلى المدينة وربطه في المسجد، وخرج عليه الصلاة والسلام على هذا السيد، وكان من رجالات العرب، قال: يا محمد! إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم يقول -انتبه: إن عفوت عني سوف أحفظ جميلك، وإن قتلتني فلا تظن أن دمي سوف يذهب هدراً، ورائي ألوف- فتركه عليه الصلاة والسلام وصدف عنه، وكان يسمعه آيات الله البينات في الصلوات: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] منطق العقل والحجة والبرهان لا تضربه ولا تقتله حتى تحاوره وتناقشه وتفهمه: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا [الأنعام:148] قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:111] فلما سمع كلام الله ثلاثة أيام، قال: أطلقني يا محمد، فأطلقه، فذهب إلى النخل واغتسل وأتى وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. إن من الحكمة أن يؤتى برجل ولو كان كافراً، يسمع كلام الله، يسمع الخطبة، يسمع قراءة الإمام، فإن هذا جائز عند أهل العلم، نصوا على ذلك لحديث في الصحيحين. والمقصود الأعلى في هذا: أن نسمع الناس الحجة، أن نسمعهم كلام الله، أن نبلغ دوعتنا للناس، وهاهو قد مر علينا قرنان من الزمان لم نقدم للبشرية شيئاً ونحن عالة عليهم في عالم المادة، فالواجب أن نقدم لهم الإيمان كما يقول كريسي موريسون: قدمنا لكم الثلاجة والبرادة والطائرة والصاروخ وما قدمتم لنا الإيمان. هم يريدون الإيمان، فأين من يقدم الإيمان؟ حتى الإبرة والطباشير مستوردة منهم والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، فيا ليت أننا ارتفعنا في عالم الإيمان، يوم نكصنا في عالم المادة، ولا يعني ذلك أن عالم المادة هو العلم المقصود، فالله يقول: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7]. |
|
|
تمريض المريض في المسجد للحاجة، -وأنا أبين أحكام ولطائف وقعت، وقد تقع أو لاتقع لكن ليكون المسلم على بصيرة، يمرض المريض في المسجد، وقد يداوى في المسجد، فاستدل أهل العلم في الحديث الصحيح أن سعد بن معاذ رضي الله عنه جرح في الخندق فوضعه صلى الله عليه وسلم في المسجد ليزوره من قرب، يقول سعد بن معاذ: اللهم إن كنت أبقيت حرباً لرسولك مع يهود فأبقني، وإن كنت أنهيت الحرب فاقبضني إليك، فثار جرحه ومات، تقول عائشة: كما ذكر الذهبي في ترجمة سعد -تقول: والذي نفسي بيده، إني كنت أعرف بكاء الرسول عليه الصلاة والسلام من بكاء أبي بكر وعمر من وراء الباب، وكان أبو بكر يقول: وا كسر ظهراه عليك يا سعد، واكسر ظهراه عليك يا سعد. هذا سعد اهتز له عرش الرحمن لما مات والحديث صحيح، وقال حسان: تغالب الأوس والخزرج في مجلس، قال الخزرج: منا أربعة يحفظون القرآن، قال الأوس: منا من اهتز له عرش الرحمن فأسكتوهم. |
|
|
الحبشة يلعبون بالحراب في مسجده صلى الله عليه وسلم، هذا ليس حكماً مطرداً، وينص عليه أبو حامد الغزالي صاحب الإحياء وقد أجاد كل الإجادة، وقال: مثل من يرى سنة من السنن فعلها صلى الله عليه وسلم أو أجازها لحكمة في الدعوة أو في العلم كمثل من رأى الحشبة أو سمع بهم أنهم لعبوا بالحراب في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مرة من الدهر، فكلما أتى إلى المسجد أخذ حربة ورقص قبل الصلاة قليلاً ثم صلى فإذا قلت له: مالك؟ قال: الحشبة رقصوا بالحراب، وهذه لا تسمى سنة مطردة، بل هي مفاجأة وطارئة لحدث وهو أنه أراد صلى الله عليه وسلم أن يتألفهم، أناس دخلوا في الإسلام لأول وهلة وأرادوا أن يتحفوا الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء فاجتمعوا صفين وأخذوا الحراب، وأخذوا يرقصون ويقولون: محمد عبد صالح، محمد عبد صالح. هذا تحصيل الحاصل، وإلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من ذلك، هذا من شعر بعض الناس في المخيمات يقول: أبرد من الثلج، فهذا شعرهم، هكذا يقولون: محمد عبد صالح، محمد عبد صالح، فأشرف عليه الصلاة والسلام عليهم وإذا عمر لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذ يحصبهم بالحصى، وكان عمر قوياً في دين الله، قال صلى الله عليه وسلم: {دعهم يا عمر ليعلم يهود أن في ديننا فسحة} والمقصد من ذلك: تأليف قلوبهم للإيمان. القضية أكبر من قضية اللعب، تأتي إلى إنسان يغني وهو لا يصلي، قال أهل العلم: لا تتكلم له في الغناء؛ لأن القضية أكبر من ذلك، أتى صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة وهم يعبدون الأصنام، ويسجدون للأوثان ويشربون الخمر، أينهون عن الخمر في الحرم؟ لا. يقول ابن تيمية: إن الطبيب إذا شكا من جسمه مرضين مختلفين داوى الأخطر، فالحكمة أن يبدأ بالأهم، والمقصود هنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركهم فسحة في المسجد، فأخذوا راحتهم فلما رأوا أريحيته؛ أسلموا عن بكرة أبيهم. |
|
|
من المحذور في المساجد: أن تتحول إلى مقابر، كما فعلت بعض الأمم والجاليات والشعوب حولها، رأيناها جهاراً نهاراً، حولوا مقابرهم إلى مساجد وتوسلوا بالقبور، وأشركوا في دين الله، وقطعوا علائق التوحيد، يقول عليه الصلاة والسلام: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} وذلك لأنهم جعلوا القبر مكاناً يصلى فيه، والإسلام بريء من هذا العمل، المسجد شيء والقبر شيء آخر، والأموات لا يملكون ضراً ولا نفعاً ولاموتاً ولا حياة ولا نشوراًً. وإنما أتينا إلى المسجد لندعو حياً قديراً قوياً عالماً، يضر وينفع ويحيي ويميت سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هذا ابن عربي صوفي دخل مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ولما أصبح عند الروضة سلَّم وقال: قال: فانشق القبر وصافحني، وهذا كذب وافتراء على الله، لم يصافحه رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وإنما هذه من الخزعبلات، والبرعي شاعر اليمن خزعبل كذلك يقول: فيقول الألوسي راداً عليهم: تركوا الحي الذي يسمع النداء وهو أقرب من نداء القريب إلى القريب، ونادوا الميت الذي لا يسمع، فالمقصود من هذا: تجريد التوحيد في المسجد، وسر الرسالة في المسجد أن تفرد العبودية لله. |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
السؤال: هل لفضيلة الشيخ أن يذكر لنا بعض المناظرات الأدبية التي حدثت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد؟ الجواب: الحمد الله، حدث في عهده صلى الله عليه وسلم مناظرات عدة في المسجد، وأشهرها عند أهل السير والتاريخ ما وقع بينه وبين بني تميم عندما وفدوا بسبعة أو ثمانية، منهم قيس بن عاصم المنقري حليم العرب، الذي يقول فيه الشاعر: فـقيس وفد مع الوفد، ووفدوا بـالزبرقان بن بدر وكان عنده قصيدة أعد لها من زمن، وعطارد بن حاجب بن زرارة معه خطبة، فلما وفدوا عند الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم أسلموا، قالوا: لا نسلم حتى يغالب شاعرنا شاعرك، أي: نفاخرك، فقال صلى الله عليه وسلم: عليّ بـحسان، فأتوا بـحسان واجتمع الناس، وقام الزبرقان قال: أو كما قال، فرد عليه حسان في الموقف نفسه وقال: فغلبه، ثم قام عمرو بن الأهتم فألقى خطبة فغلبه ثابت بن قيس بن شماس فقال بنو تميم: غلب شاعرك شاعرنا، وخطيبك خطيبنا، ثم أسلموا. |
|
|
السؤال: ما هي أقوال أهل العلم في إنشاد الشعر في المسجد؟ الجواب: في هذه المسألة حديثان صحيحان، حديث مجيز وحديث يمنع، والجمع بينما سهل، أما الحديث الأول في الصحيحين: {أن عمر لحظ إلى حسان وهو ينشد في المسجد، فقال: كنت أنشد وفيه من هو خير منك} أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق، وأحاديث أخرى، ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم استمع الشعر في المسجد. والحديث الثاني حسن رواه أبو داود في السنن وذكره ابن حجر في الإصابة، يقول عليه الصلاة والسلام: {من رأيتموه ينشد في المسجد شعراً فقولوا: فض الله فاك} الجمع بينهما يقال: أما الشعر المأذون به فهو الشعر الإسلامي المنضبط المباح، وأما الشعر الممنوع فهو شعر الغزل المقيت والفحش والبذاء والهجاء. |
|
|
السؤال: فضيلة الشيخ، ماهو رأي الدين في إضفاء النقوش والكتابات والنحت في المساجد لقصد الزينة؟ الجواب: الكتابة من داخل المسجد ليس لها أصل في الشريعة، وقد بحثت هذه المسألة عند كثير من هيئة كبار العلماء، ولم يجدوا لها أصلاً عن رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وإنما أدخلها في المسجد النبوي فيما أعلم السلاجقة، وقيل: العثمانيون وليس لها أصل في الإسلام من قبل، وليست من السنة في شيء، والرسول صلى الله عليه وسلم منع المباهاة بالزينة والزخرفة في مسجده صلى الله عليه وسلم وفي المساجد عامة، ومن عنده في ذلك دليل فليأتنا به. |
|
|
السؤال: هل بيع السواك حرام علماً أنه خارج المسجد؟ الجواب: إذا بيع خارج المسجد فلابد من ضابط، أن يكون قبل النداء الثاني، أمَّا بَعْد النداء الثاني فيحرم بالإجماع عند أهل العلم، وأما بيعه خارج المسجد في أي وقت غير هذا الوقت فجائز. |
|
|
السؤال: ما مدى صحة الرواية التي تقول أن كعب بن زهير أنشد أمام الرسول قصيدته بانت سعاد؟ الجواب: الرواية يقول بوضعها ابن القيم وكثير من المحدثين كـالذهبي وابن كثير وغيرهما، ولكنها تنجبر بمجموع الطرق وتعتضد، نعم صحيح أن القصيدة لـكعب، ولكن الضعف عندهم، هل قالها كعب أمام الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد، وإلا فهي له وقالها في الرسول عليه الصلاة والسلام وقال أهل السير: إنه أتى في الليل وبات عند أبي بكر، وشكى إليه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أهدر دمه وقال: {من وجد كعباً فليقتله} فأتى ببانت سعاد فقلبي اليوم متبول..، إلى آخر ما قال. |
|
|
|
السؤال: ما رأي الدين في إنسان دخلت عليه الصلاة وهو جنب ولم يجد ماء وتوضأ وصلى وهو على جنابة؟ الجواب: لا. ليس هنا وضوء، ومن دخل عليه الوقت وعليه جنابة وخاف أن يخرج الوقت فيتيمم ويصلي؛ لأن التيمم يكون إما لمرض أو لفقدان الماء، وهذا فقد الماء وخاف أن يخرج عليه الوقت، وهذا نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: لأن مداركة الوقت أولى من طلب الماء حتى يفوت الوقت، والصلاة بالتيمم هي ما أوجبه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليه، لأنه لم يجد ماء وفي قراءة (فإن لم تجدوا ماء) والقراءة المشهورة فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43]. |
|
|
السؤال: ما هو ثاني مسجد في الإسلام؟ الجواب: ثاني مسجد هو مسجد جواثى في البحرين، والبحرين هي الأحساء الآن، وهو إلى الآن معمور بعمارة قديمة بأطرافه الأربعة، وأسسه في عهده عليه الصلاة والسلام وفد عبد القيس بعدما وفدوا إليه عليه الصلاة والسلام. |
|
|
السؤال: كيف يكون المسجد الآن مدرسة لبعض العلوم المعاصرة؟ الجواب: ليس الأمر فرضاً أن يكون هناك تخصصات في المسجد، بل على الميسور، وما دام وقد وحدت جامعات تقوم بهذا الدور فلها ذلك القدر، لأن بعض الإمكانيات والملابسات والمقارنات وحاجة بعض العلوم كوجود بعض المعامل وكثير من الأقسام، وغيرها من التخصصات قد لا يتسنى وجودها في المسجد، لكن في حالة أن يكون هناك علم نظري يقرأ في حلقات فلا بأس، وذكر عن سعيد الحلبي أنه كان يدرس علم المثلثات في المسجد، ودرس كثير منهم المنطق في المسجد، والمأمون أدخل كثيراً من العلوم على المسلمين، يقول ابن تيمية: المأمون سوف يسأله الله عن العلوم التي أدخلها على المسلمين، أي: التي ما كان فيها خير. |
|
|
السؤال: هل يقال لمصلى العيد مسجد؟ الجواب: مصلى العيد يسمى مصلى ولا يسمى مسجداً؛ لأن المسجد هو ما تعود فيه الصلاة، إما صلاة في كل يوم مرة، أو الصلوات الخمس، ولذلك لا يصلي التحية من أتى يوم العيد أو الاستسقاء، بل يجلس في المصلى بخلاف المسجد؛ لأن المسجد اسم مكان لما يسجد عليه. |
|
|
السؤال: إذا اتخذت حجرة أو مكاناً معيناً في إدارة أو في بيت بحيث تكون كمسجد فهل ينطبق عليها ما ينطبق بحق المسجد؟ الجواب: لا عبرة بالتسمية، العبرة بالمعاني، قد يسمونها صالة، وهم يصلون فيها دائماً الصلوات الخمس، وعرف ذلك عنهم فتأخذ حكم المسجد؛ لأن المعنى أنها أصبحت كالمسجد، أما أن يسميها صالة أو غرفة أو كذا، فليس العبرة إلا بالمعنى. |
|
|
|
السؤال: بعض الجيران يصحبون أولادهم للمذاكرة بين المغرب والعشاء في المسجد ما رأيكم في ذلك؟ الجواب: إذا انضبطوا وتأدبوا في المسجد فلا بأس، فإن المقصود من منعهم: منع التشويش على المصلين والإزعاج، فإن انتفت العلة انتفى المعلول. |
|
|
السؤال: ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} وكما تعرف أن قبر النبي عليه الصلاة والسلام داخل المسجد النبوي، ما هو تعليقك على ذلك؟ الجواب: أولاً في هذا الحديث ثلاث مسائل، يقول أهل العلم: يقول صلى الله عليه وسلم: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} والنصارى ليس لهم نبي إلا واحد هو عيسى عليه السلام، فكيف يجعل صلى الله عليه وسلم لهم أنبياء؟ قالوا: هذا من التغليب وهو باب معروف في النحو. الأمر الثاني: كيف اتخذوها مساجد؟ قالوا: للعبادة والتوسل والقربات. الأمر الثالث: أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد عصمه الله من ذلك، ولما حضرته الوفاة قال: {اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد} وبعض الناس كما نشرت بعض الصحف يتكلم في هذه القضية بمثل هذه الأوقات يريد أن يثير الناس بحجية أن القبر داخل المسجد، وهذا الكلام ليس له أساس من الصحة، أولاً: أن الله عصم رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعبد من دونه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قضاء وقدراً من الله. الأمر الثاني: أن غرفته صلى الله عليه وسلم ليست في المسجد، وإنما هي كما يقول ابن القيم مثلثة الجدران في منظومته، وليس من يصلي يتجه للغرفة بل إنما هو يتجه إلى الروضة، وإلى القبلة ولا يتجه إلى غرفته عليه الصلاة والسلام. الأمر الثالث: أن أهل العلم من التابعين كـسعيد بن المسيب وغيرهم سكتوا عن ذلك، وسكوتهم شبه إجماع والأمة لا تجتمع على ضلالة أبداً، وسكت عنها أهل القرون المفضلة إلى هذا القرن، ولا يمكن أن يجمع الله أمة رسوله عليه الصلاة والسلام على سنة باطلة أبداً. |
|
|
السؤال: ماحكم التصافح في المسجد بين الأذان والإقامة والكلام أيضاً؟ الجواب: بين الأذان والإقامة لا بأس به، وفي فتاوى ابن تيمية أنه قال: التصافح بعد الصلاة بدعة، ومقصود ابن تيمية ما يفعله بعض الناس من الجاليات كما تعرف في بعض البلدان، إذا سلم سلم عن يمينه ويساره دائماً باستمرار، فجعلوها كأنها من السنة؛ حتى ما يسلم التسليمة الثانية إلا ويبدأ يسلم عليك وقد رآك في اليوم عشرين مرة، فهذه يقول ابن تيمية: ما كان يفعلها الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه، والسر في منع ذلك؛ لأنها تشوش على الذاكر بعد الصلاة، إذ من السنة أن تستغفر وتسبح ثلاثاً وثلاثين وبقية الأذكار، فإذا جعلت هذه سنة عطلت الفوائد والذكر والعبادة، فمنعها ابن تيمية وأهل السنة، وأما بين الأذان والإقامة فالأمر فيه سعة، صافح الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه والقادمين من الأعراب، وعانق بعض الناس وتكلم معهم فالأمر فيه سعة بإذن الله. |
|
|
السؤال: هل يجوز النوم في المسجد؟ الجواب: النوم في المسجد للحاجة جائز، وعند البخاري حديث أنس أنه قال: تغاضب علي وفاطمة بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، فخرج علي فنام في المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم: أين هو؟ يعني: علياً؟ -قالت: في المسجد؛ غاضبني فخرج المسجد -بشر مهما بلغوا من الرقي ومهما بلغوا من الإيمان لكن يتعاملون تعامل البشر، رجل يغاضب زوجته -فخرج صلى الله عليه وسلم فوجده نائماً في المسجد، فأخذ يضربه برجله ضرباً خفيفاً ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب، قم أبا تراب، كان بنو أمية يعيرون علياً ويقولون قم أبا تراب، قال: والله إنها من أحب الكنى إلى نفسي، ثم يقول: ونام رسول الله في المسجد لحديث سهل بن سعد أنه اضطجع صلى الله عليه وسلم ووضع رِجلاً على رِجل، وقال ابن عمر في الصحيح: [[كنت رجلاً عزباً فأنام في المسجد]] وهذا الأمر وارد للحاجة، أما لغير الحاجة فلا. هناك فنادق وأماكن وبيوت، لكن الإنسان إذا اضطر وما وجد مكاناً إلا المسجد؛ فله أن ينام كما فعل أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام. |
|
|