إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. إبراهيم الفارس
  5. أصول التلقي في الاعتقاد بين أهل السنة ومخالفيهم

أصول التلقي في الاعتقاد بين أهل السنة ومخالفيهمللشيخ : إبراهيم الفارس

  •  التفريغ النصي الكامل
  • افترقت الأمة المحمدية كافتراق اليهود والنصارى، ولا تزال الأمة الإسلامية تواجه تيار العقائد الباطلة، التي تأخذ أصول تلقيها في الاعتقاد من الرجال بعيدة عن الكتاب والسنة، ولكل مذهب أو فرقة مصدر تلق في العقيدة، ومصدر التلقي في الاعتقاد لأهل السنة والجماعة هو الكتاب والسنة.

    1.   

    معرفة دين الإسلام ونشره في الآفاق

    الحمد لله رب العالمين، وصل الله وسلم على نبينا محمد الأمين وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن العنوان عنوان علمي يتعلق بمنهج ندين به جميعاً ونحبه ونجعله في قلوبنا، يتعلق بمنهج ندافع عنه بأرواحنا ونفتديه بأبنائنا وأزواجنا وأموالنا، ذلكم المنهج هو معتقدنا وديننا وبالتالي فمعرفة هذا المعتقد مما يتعين بالضرورة على كل طالب علم.

    ويتحقق من معرفته والالتزام به: الدعوة إليه ونشره في الآفاق.

    ولا يغيب عن أذهانكم إن كنتم ممن يسعون إلى هذا المنهج ويدعون له، ويرفعون من شأنه ويحبون نشره في الآفاق، أن هناك أناساً يسيرون على نفس المنوال ولكنهم يدعون إلى مناهج باطلة، فكما أنكم تدعون إلى منهجكم بقوة مستخدمين في ذلك كل الوسائل المشروعة في نشر هذا المنهج، فكذلك هناك أناس يرفعون مناهجهم، ويحاولون بثها في الآفاق مستخدمين في ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.

    إن الحديث عن أصول التلقي في الاعتقاد بين أهل السنة ومخالفيهم يتطلب منا أولاً الحديث بشكل مجمل عن أصول التلقي في الاعتقاد عند بعض الديانات؛ لأننا قارنا بين فئات على رأسها أهل السنة والجماعة، وفئات أخرى تمثل مشارب عقائدية مختلفة.

    الحياة هي العقيدة

    أن الحياة هي العقيدة، فلا حياة بدون عقيدة معنى هذا: أنه لا يوجد على وجه الأرض في مشارقها ومغاربها منذ أن نزل آدم على وجهها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إنسان لا يحمل بين جوانحه عقيدة أبداً، لأن هذه القضية متلازمة مع الجسد، فلا يمكن أن يوجد جسد إلا وفيه عقيدة، فخذ جولة على جميع أرجاء الأرض في هذه اللحظات بفكرك وخيالك، ستجد أن الجميع يؤمنون بعقائد متفاوتة.

    فالنصراني له عقيدة واليهودي له عقيدة، والهندوسي له عقيدة، والبوذي له عقيدة، والوثني المشرك له عقيدة، حتى في المذاهب التي تدخل مجتمع المسلمين: الصوفي له عقيدة، والباطني له عقيدة، والزيدي له عقيدة، وهكذا.

    بل حتى الملحد الذي يعلن الإلحاد له عقيدة؛ لأن الإلحاد بحد ذاته عقيدة لها أصول ولها مناهج، ولها طرق وأساليب لا يخرج عنها من يدين بها، إذاً: العقيدة هي الحياة والحياة هي العقيدة، ولا يمكن أن يوجد إنسان إلا وله معتقد.

    إذاً: عندما تتحدث عن العقيدة فأنت تتحدث عن شيء لا غنى للناس عنه، وبالتالي تبرز أهمية الحديث عن العقيدة في كل مجال، ويتأكد هذا الحديث إذا كان حديثاً عن عقيدة أهل الحق الصحيحة.

    العقيدة المنزلة من عند الله

    الوقفة الثانية: هل العقائد المنتشرة في جميع أرجاء الأرض عقائد توفيقية من الناس جاءوا بها من عندهم، واخترعوها من بنات أفكارهم، أم أنها توقيفية من الله سبحانه وتعالى؟ هذه مسألة تتضح بشكل سهل وميسور، في أن العقائد تنقسم إلى قسمين:

    عقيدة صحيحة واحدة ثابتة، هي التي من الله سبحانه وتعالى، وبقية العقائد إما أن تكون عقيدة صحيحة حرفت وغيرت وبدلت فصارت تأخذ الطابع البشري، أو أنها عقيدة بشرية في أصلها وأساسها.

    1.   

    أصول التلقي في الاعتقاد لبعض الديانات المختلفة

    الوقفة الثالثة: تتحدث هذه الوقفة عن أصول التلقي في الاعتقاد عند بعض الديانات المختلفة، سواء كانت هذه الديانات سماوية أو أرضية، كأصول التلقي عند اليهود وأصول التلقي عند النصارى، وأصول التلقي عند الهندوس، وأصول التلقي عند المذاهب الوضعية، كالوجودية مثلاً والماركسية إلى غير ذلك.

    فاليهود مثلاً: ما هي أصول التلقي في عقيدتهم؟ عندما تناقش يهودياً وتسائله، فإنك ترى أن لديه عقائد ومعتقدات قد أدخلها في كيانه وفؤاده وقلبه، يؤمن بها ويدافع عنها، ويقاتل ويقتل دونها.

    وتأتي للنصراني والهندوسي وكذا، وتسألهم في ذاك السؤال فإن الإجابة ستكون على الصورة التالية:

    اليهودي سيقول لك: إن معتقدي آخذه من ثلاثة مصادر:

    المصدر الأول: التوراة

    والمصدر الثاني: التلمود.

    المصدر الثالث: ما يقوله لي علماء الدين الذين أنتمي إليهم أو الذين أرتبط بهم.

    1.   

    مصادر تلقي العقيدة عند اليهود

    مصدر عقيدة اليهود الأول التوراة

    التوراة: هي كتاب الله سبحانه وتعالى المنزل على موسى عليه السلام، ولكن عندما تتدبر في التوراة وتفحصها، وتدرسها دراسة دقيقة متأنية تجد أنها محرفة تحريفاً ليس باليسير، وهذا التحريف لم يطل القصص التاريخية أو المناهج الفقهية فقط، بل طال حتى المسائل العقدية، فمثلاً تقرأ في كتاب الله سبحانه وتعالى عن اليهود أنهم قالوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181].

    وقالوا عن الله سبحانه وتعالى: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64].

    وقالوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30].

    وقالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18].

    فتجد أن هذه الآيات قد سطرت في التوراة بمعان مختلفة وألفاظ مختلفة، ولكن المعنى واحد.

    إذاً: معنى هذا أنهم عندما يتحدثون عن الله سبحانه وتعالى، يتحدثون معه على أن له أوصافاً سبحانه، أقل من بعض الناس.

    فلو وصفت أحداً بأنه بخيل، لنقد عليك وانتقدك، ولو وصفته بأنه فقير، لربما غضب عليك، ولو ولو، لكنك تجد أن اليهود يصفون ربهم بأوصاف هم أقل من أوصاف بقية البشر، أو من علية القوم على الأقل.

    وهذه النصوص موجودة في التوراة، فيصفون الله بالعجز وبالتعب؛ ولذلك قالوا في التوراة: إن الله سبحانه وتعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استراح باليوم السابع، فرد الله عليهم ذلك بقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38].

    ويصفون الله بالعجز والحزن والبكاء ويصفون الله بأوصاف ربما تعد أوصافاً كلها نقص، وهذا مسطر في التوراة.

    وإذا كان أساس العقيدة هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ووصفه بما يستحق من الوصف، وعبادته بما يستحق من العبادة، فمعنى هذا أن أساس العقيدة في التوراة الذي هو الإيمان بالله قد انهار، أو انهارت أركانه جملة.

    فما بالك بقضية الأنبياء الذين يتهمونهم بكثير من الفواحش كاللواط والزنا وغيرها في التوراة؟

    وكذلك ما يتعلق بالملائكة وما يتعلق باليوم الآخر لا تكاد تجد له ذكراً في التوراة.

    المصدر الثاني لعقيدة اليهود التلمود

    يقولون فيه -أي: التلمود- إنه كتاب جمعت فيه أقوال الحاخامات -أي: علماء اليهود وأحبارهم- وسطرت وبوبت وفصلت وشرحت، والتلمود يعد كتاباً سرياً مطبوعاً في أكثر من اثنى عشر مجلداً ضخماً، ولا يظهر للناس أبداً، ولا يوجد منه إلا نسخ قليلة جداً في بعض مكتبات العالم المشهورة، هذا الكتاب يذكر قصة عيسى أنه ابن زنا وقصة زنا مريم بشكل مفصل، ويستغرق عدة صفحات، وعندما يتحدث عن بقية الأنبياء بنفس الوضع، وعندما يتحدث عن الله سبحانه وتعالى يتحدث بشكل يثير الاشمئزاز.

    من أمثلة ذلك يقولون: إن نصوص التلمود لا يمكن أن تغير أو تعدل، حتى ولو بأمر من الله سبحانه وتعالى.

    وهذا يوضح لك نصوص الحاخامات ولو دققت النظر في مصدرهم للتلقي العقدي فإنهم لا يأخذون من التوراة؛ لأن التوراة الأساسية حرفت من قبل رجال، لا يأخذون إلا من التلمود الذي هو كلام رجال حاخاماتهم فمصدر اليهود العقدي يرجع إلى رجالاتهم، ودل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ [التوبة:31]، أي: علماء اليهود: وَرُهْبَانَهُمْ [التوبة:31] أي: علماء النصارى: أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31].

    فهذا يدل على أن مصدرهم في التلقي هو الرجال، وهو مصدر اليهود الوحيد في فهم العقيدة واستيعابها وتلقيها.

    فالرجال يسطرون لهم ما شاءوا، ويحذفون عنهم ما شاءوا.

    1.   

    مصادر تلقي العقيدة عند النصارى

    إن النصارى يسيرون على منوال اليهود تماماً، فمصادرهم في التلقي هم القساوسة والرهبان، ولذلك عاشت النصرانية فترة طويلة من الزمن يحرم على أتباعها قراءة الإنجيل، ومن وجد عنده الإنجيل صودر الإنجيل وعذب الشخص وربما قتل، ومن وجد عنده الإنجيل فإنه يعد متهماً بالهرطقة، أي: الخروج عن الدين النصراني، إذاً: الإنجيل حكر على الرجال، يأتون إلى الناس ويشرحون لهم ما شاءوا، ويخفون عنهم ما شاءوا.

    فالناس لا يتلقون عقيدتهم من الإنجيل، بل يتلقونها من الرجال الذين هم القساوسة والرهبان، ولذلك بدءوا يخرجون لهم نماذج من ألاعيبهم كصكوك الغفران كما حصل ذلك في القرن السادس عشر للميلاد، يبيعون صكوكاً لأراض في الجنة بمبالغ معينة من المال، والناس ينهالون عليها فتتخم جيوب هؤلاء الرهبان بالأموال في سبيل أن يدخل هؤلاء الجنة.

    1.   

    مصادر تلقي العقيدة عند الهندوس والديانات الأخرى

    لو خرجت عن الديانات السماوية المحرفة، وانتقلت إلى الهندوسية مثلاً كديانة وضعية، لوجدت أن الهندوس: عبارة عن مشركين يعبدون الأصنام والأوثان والأحجار والبقر وغيرها.

    والهندوس كما هو معروف عنهم يعدون من أغبى عباد الله سبحانه وتعالى والسبب في ذلك يرجع إلى أنهم يعبدون كل ما يعجبهم، ولذلك لا تكاد تجد بيت هندوسي في الهند إلا وفيه عدد كبير جداً من الأصنام الصغيرة، فهذا صنم للحب، وهذا صنم للزواج، وهذا صنم للمطر، وهذا صنم للقحط، وهذا صنم للنماء والخصب... إلى آخره.

    فمثلاً لو أصاب أحدهم قحط أخرج صنماً من الدولاب ووضعه أمامه على الطاولة، وبدأ يدعوه ويقول: ارفع عني القحط الذي نحن فيه يا صنم القحط، وإذا انتهى القحط أعاده مكانه.

    وإذا رزق بمولود فتح الدولاب وأخرج صنم الأولاد وقال: شكراً لك يا صنم الأولاد! وصلى له ثم أعاده وهكذا.

    ولذلك يذكر بعض الإخوة من الهند أن العائلات الكبيرة جداً في الهند لديها غرف كاملة تحتوي على عدد هائل جداً من الأصنام يتجاوز المئات، وكل صنم له تخصص معين.

    هذا بالإضافة إلى عبادتهم للبقر، فقد وصل بهم إلى أنهم يعبدون ما يخرج من البقر من روث وغيره.

    ويترتب على ذلك ما هو مسطر في كل كتبهم المقدسة، ويترتب على ذلك أن مصادر التلقي من هذه الكتب عند هؤلاء الهندوس، والبراهمة هم الذين أصلوا لهم هذه العبادات، فكتبوا لهم مجموعة من القوانين، في كتاب يسمى قانون منو، وفي كتاب آخر يسمى الفيدا، وجعلوا فيه قواعد عبادة الأصنام وكيفيتها، ثم نشروها بينهم.

    وتجد في النهاية أن العملية كلها شرك وكفر.

    فهذه الديانات لو نظرت إليها لوجدت أن أصول التلقي متفق عليها وهم الرجال، فلو رجعت إلى الماركسية لوجدت أن أصول تلقي عقائد الإلحاد عند الماركسية ترجع إلى كارل ماركس وإنجلز ولينين واستالين وغيرهم الذين أصلوا لهم العقائد الماركسية.

    إذا: يجمع بين هذه العقائد التي هي خارج نطاق الإسلام: أن مصادرها في بناء العقيدة هم الرجال.

    وبما أن الرجال يتغيرون بتغير الزمن، فإن الأجيال تتغير بتغير الزمن، كذلك العقائد تتغير بتغير الزمن.

    ولذلك عقيدة اليهود اليوم ليست عقيدتهم قبل مائتين سنة، وليست عقيدتهم قبل ألف سنة، وعقيدة النصارى اليوم ليست عقيدتهم قبل خمسين أو مائة سنة؛ لأن العقيدة لديهم تتغير بتغير رجالاتها ومن يعتنقها، والرجل هو الذي يؤصل، فإذا انتهى الرجل جاء رجل آخر، فعدل وغير كما تغير الدساتير وكما تغير القرارات.

    إن المناهج المطروقة في هذا المقام: المنهج العقلي، والمنهج الذوقي، والمنهج العاطفي، والمنهج الوقتي، والمنهج السري، والمنهج النقلي.

    أما المنهج العقلي، فيتمثل في اسمه منهاج العقلانية التي يدين بها مجموعة من الناس قديماً وحديثاً، كالمعتزلة في القديم، والتنويريون أو المستنيرون، أو العقلانيون، أو العصريون في الزمن الحاضر.

    والمنهج الذوقي: تدين به مجموعة كبيرة من الطوائف الصوفية.

    والمنهج العاطفي: وهي المناهج التي تدين بها طوائف الرافضة.

    والمنهج السري: وهي المناهج التي تدين بها الطوائف الباطنية، كالدروز والنصيرية والإسماعيلية، والآغاخانية، والبهرة، وغيرها من الطوائف.

    والمنهج النقلي: هو المنهج الذي يدين به أهل السنة والجماعة.

    1.   

    المنهج العقلي

    المنهج العقلي: هو المنهج الذي ينسب نفسه إلى العقل، أي: أخذ من العقل، ومعنى ذلك أنهم يرون في العقل رؤيا معينة، بحيث إنهم سموا منهجهم بالمنهج العقلاني.

    والمنهج العقلي منهج تأثر في جل أفكاره ومناهجه وأرائه بالفلسفة اليونانية والحضارة اليونانية.

    أولاً: المنهج من ناحية نشأته

    نشأ المنهج العقلاني في أوائل القرن الأول الهجري، ويقول العلماء: إن السبب الأساس لنشأته: أن الخليفة العباسي المأمون هو الذي أعطى دفعة قوية للمنهج العقلاني ليبرز؛ لأن العقلانيين المتمثلين باسم المعتزلة، أحاطوا بـالمأمون إحاطة السوار بالمعصم، واستطاعوا أن يؤثروا عليه تأثيراً قوياً حتى دان بمنهجهم.

    وبالتالي استغلوا فيه القوة والملك، وبدءوا في نشر مذهبهم بطرق متفاوتة.

    هو أن المأمون بإيحاء من زعماء المعتزلة أرسل مجموعة من الرسائل إلى جملة من زعماء العالم الغير مسلم، فأرسل رسلاً إلى زعماء الهند والصين، ومنها رسالة إلى الملك جورج الأول ملك صقلية، وكانت صقلية في ذلك الوقت دولة جزء منها مسلم والجزء الآخر غير مسلم، فأرسل رسالة طلب فيها من ملك صقلية إعطاءه مجموعة من الكتب التي في خزانة كنيسة كذا وكذا.

    فجمع ملك صقلية الوزراء ورجالات الدين، وقرأ عليهم رسالة الخليفة المأمون ، فقال: ما رأيكم؟ فأصر الجميع على عدم التجاوب؛ لأنه عدو محارب، وكلهم كان على نفس الرأي، ما عدا بابا الكنيسة، قال له: أيها الملك، لقد اطلعت على هذه الكتب، وقرأتها وعرفت ما فيها، فوالله ما دخلت هذه الكتب على قوم إلا أفسدت عقائدهم، فانسخ لهم منها نسخة وأرسلها إليهم.

    فارتاح الملك لهذا الرأي، ونسخ نسخة من هذه الكتب السرية التي أغلق عليها في أماكن خاصة، ثم أرسلها إلى المأمون .

    بدأ المأمون ينظر إليها فإذا هي مكتوبة باللغة اللاتينية، لغة لا يعرفها لا هو ولا أتباعه فبدأ يبحث عمن يترجم هذه الكتب، فوجد اليهود مستعدين لذلك؛ لأن اليهود في ذلك الوقت يقرءون التوراة باللغة اللاتينية، ويجيدون العربية بحكم الاحتكاك مع المسلمين والعرب.

    وعندما قرءوا اليهود هذه الكتب، وجدوا فيها سلاحاً نزل عليهم فجأة ما كانوا يحلمون به، فهي كتب فاسدة عقائدياً إلى أقصى حد: كتب أفلاطون : كتب أرسطو ، كتب فيثاغورث من زعماء اليونان.

    فبدءوا يكتبون ويكتبون، ثم أعطوا نسخة منها إلى المأمون واحتفظوا بنسخة عندهم ثم بدءوا ينسخون هذه النسخ، ويجعلونها في أماكن الوراقين، والنسخة التي تعد خمسمائة صفحة بدينار، وكتاب موطأ الإمام مالك مثلاً مائة صفحة بعشرين ديناراً، فهذا يشتري وذاك يشتري، حتى انتشرت الفكر التي جاءت عن طريق هذا المنهج.

    وبدأ الفكر ينتشر ويقوم على قضية تقديس العقل، وأن العقل هو الحكم في كل شيء، فما أحبه العقل يحب، وما كرهه العقل يكره، وما حكم به العقل يؤخذ به، وما رده العقل يرد.

    هذا هو المنهج الذي دان به هؤلاء الحكماء وعلماء اليونان ثم نشروه بين الأتباع.

    إذاً: هذه بداية النشأة، ثم بدأ يظهر ويتبلور، ويدعو إليه أصحابه بطرق معينة، يكتبون فيه كتابات، ويؤلفون فيه التأليف، وتظهر المناظرات والمحاضرات والدروس في المساجد لبث هذا الفكر العقلاني.

    ثانياً: أهداف المنهج العقلاني

    المنهج العقلاني منهج لم يمت، بقي حياً قبل عهد المأمون إلى زماننا هذا، لكنه يتعرض للمد والجزر بحسب حالات معينة، ويظهر أحياناً ويبرز بقوة، ويتدلس أو ربما يتوقف أو يصاب بالبيات فترةً من الزمن، ولعلنا في هذا الزمن نعيش فترة بروز وانتشار له كما سنعرف بعد قليل.

    من أهداف هذا المنهج في القديم والحديث:

    الهدف الأول: رفض الفقه وتمييع الإجماع، يقولون هؤلاء الذين أجمعوا وأفتوا في المسألة الفلانية، هل هم أنبياء؟ لا، هل هم ملائكة؟ لا، هل المسألة جاءت من الله سبحانه وتعالى؟ لا، إذاً: جاءت عمن؟ عن الإمام أحمد ؟ عن الإمام أبي حنيفة ؟ عن الشافعي عن الثوري عن الأوزاعي ؟ إذاً: هم رجال، ونحن رجال، فلماذا يفرضون علينا آراءهم ومسائلهم الفقهية، فنحن نأتي بالأحكام، كما أتى هؤلاء بالأحكام.

    فهم لا ينظرون إلى قضية الخلفية العلمية، والدراسة العميقة للقضايا الفقهية، إنما ينظرون إلى قضية أن هؤلاء علماء لهم عقول، ونحن لنا عقول فقط، أما القضايا الأخرى فلا ينظر إليها.

    فترتب على ذلك مدارس الرأي، فكل واحد يأتي برأي من عنده ويعتبره حكماً يدين به، وقالوا: إن الفتاوى غير محكورة على أحد، فمن أراد أن يفتي أفتى.

    ولذلك في هذا الزمن، تجد أناساً ليسوا بالعلماء بل أشكالهم وسلوكهم وتصرفاتهم بعيدة كل البعد عن سلوك العلماء ومناهجهم، ولعلكم تقرءون في بعض المجلات أو الجرائد أنهم يصدرون فتاوىً في قضايا مصيرية للأمة، لا أقول: قضايا جزئية، بل قضايا مصيرية للأمة، ولا داعي لذكر النماذج في هذه المسألة.

    الهدف الثاني: الانفتاح الفكري عن طريق الأخذ من المصادر المختلفة، كما أخذ أسلافهم المعتزلة من الفكر اليوناني ومن الهنادكة، ومن الفرس ومناهجهم، كذلك العقلانيون المعاصرون يريدون الانفتاح على الغرب، ويأخذون منه كل شيء.

    ولذلك تجد أن الفكر العقلاني المعاصر -كما سنعرف من النماذج- يأخذ من الغرب كل شيء، حتى القوانين الوضعية والأفكار الفلسفية والفتاوى المتعلقة في الشئون الحية الخاصة والعامة والأحوال الشخصية، فتجد بعضاً ممن يدعو إلى الإسلام ويحمل رايته يدعو إلى الاحتفال بالقانون السويس أو إلى الأخذ بالقضايا الفلانية، في القانون الفرنسي، وهكذا.

    الهدف الثالث: الهجوم على الخلافة، وهم لا يريدون الخلافة التي تتم عن طريق الانتخاب أو البيعة أو بطريقة معروفة، إنما يريدون نشر ما يسمى بالديمقراطية، وحكم الشعب للشعب، والناس ينتخبون من شاءوا، فيأتي الفاسد والصالح والطالح، ويتساوون في الحكم على الشخص، كأن تأتي برجل ساقط ليس له قيمة في المجتمع، بل إنه ضار جداً على المجتمع بفساده وضياعه وضلاله ومخدراته وفسقه، وتقارنه تماماً بنفس المنزلة برجل يملك أعلى المؤهلات العلمية، فصوت هذا هو صوت هذا في انتخاب ذلك الرجل، وهذه هي الديمقراطية المزيفة المرفوضة التي لا يقرها الإسلام.

    لكن العقلانيين يدعون إليها ويحاولون إحياءها على أنها منهج إسلامي، ويؤصلون بذلك كتباً ومؤلفات.

    الهدف الرابع: تمييع الجهاد فمسألة الجهاد العسكري عند أهل العقل مرفوضة، فليس هناك شيء اسمه جهاد العدو، بل العالم كله قرية واحدة ودولة واحدة، ولا بد أن يعيش باطمئنان، وليس هناك شيء اسمه عقائد مختلفة، إنما هناك اختلاف في وجهات النظر، من الممكن أن تقترب هذه الوجهات أو تبتعد بحسب الحوار.

    ولذلك تجدهم يدعون إلى الحوار بين الأديان، وإلى عقد المناظرات بين الأديان، حتى يتفق على دين مستقل، وآخر صيحات العقلانيين في هذا الزمن ما دعوا إليه عن طريق إيجاد دين مشترك يسمى الدين الإبراهيمي بين الإسلام واليهودية والنصرانية، وهذا ناتج عن لقاءات متتابعة، عقدت في عدة دول عربية وأوربية.

    إذاً: هم يريدون تمييع الجهاد؛ لأن الجهاد في هذه الحالة يترتب عليه أن يتكتل المسلمون على منهج واحد، ويتكتل النصارى على منهج، واليهود على منهج، ثم تقوم المعارك، مع العلم أن هؤلاء لا يعلمون أن هذا تمييع، لكن بالنسبة لليهود والنصارى انتصار، لأنهم عندما يرون المسلمين بهذا الوضع في تمييع الجهاد، فإنهم سيبدءون في غزوهم والدخول عليهم من جميع الأبواب المتاحة.

    وهذا ما هو مشاهد في هذا الزمن.

    الهدف الخامس: مسائل الاختلاط والحجاب، فلا يوجد عند العقلاني مسائل مرتبطة بالحفاظ على الستر والحجاب وما يتعلق بالاختلاط وغيرها، بل هي مسألة عادية، تعد من الأحوال الشخصية التي تخضع للمتغيرات الزمنية، وليست مربوطة بالمنهج الشرعي، بل هي مربوطة بالمنهج الذوقي، فإذا كان الأمر يتطلب أن تغطي المرأة وجهها غطت المرأة وجهها.

    وإذا كانت المسألة لا تتطلب وليس هناك مجال للفتنة فلا داعي لذلك، وإذا كان الاختلاط فيه فتنة وستؤذى المرأة فلا تختلط، وإن لم يكن هناك فتنة فلا بأس أن تختلط، فالمسألة مسالة ذوقية، راجعة إلى التصرف الشخصي فقط لا غير.

    وهذا -كما ذكر بعض من رد عليهم- ترتيب تدريجي للوصول إلى أهداف إلغاء ما يسمى بالحجاب والستر، ونشر السفور والاختلاط داخل المجتمع المسلم مسايرةً للمنهج الغربي.

    لأن الغرب كانوا يقولون لهم: إنكم أنتم مقلدون ولا تحكمون عقولكم، فكأن هؤلاء يقولون: لا نحكم عقولنا لكن التقاليد تضغط علينا، فنريد أن نتدرج في مسألة رد هذه التقاليد خطوة خطوة.

    الهدف السادس: إباحة الربا، وإباحة الربا مأخوذ من مسألة النظام الاقتصادي العالمي؛ لأن هذا أمر يتطلبه الوضع الاقتصادي، والحياة قديماً حياة ساذجة وبسيطة، ومنزوية داخل مجتمع صغير، أما الآن فلا.

    فالعالم كله متشابه، والاقتصاد كله متداخل، وبالتالي لا تستطيع إلا أن تعايش هذا المجتمع ومن سبل المعايشة إباحة الربا.

    إذاً: ستجد في نهاية المطاف من خلال هذه الأهداف أن المجتمع العقلاني وعلماء العقلانية يدعون إلى السير في ركاب الغرب تماماً.

    ويدعون إلى الأخذ بالمنهج الغربي، ويضفون عليه طابع أنه منهج عقلي.

    سير المنهج العقلاني وأسلوبه في الحكم على الأشياء

    العقل عند العقلانيين مقدس؛ ولذلك يقول الإيجي : لو وجد المعارض العقلي لقدم على الدليل النقلي قطعاً، أي: بصورة كلية قطعية لا مجال للأخذ فيها، وهذا قول موجود في كتاب القائد إلى خارجة العقائد للإيجي صفحة 163.

    كيفية الحكم على الأمور من خلال العقل

    لدينا عقل شخص معتزل أو عقلاني آمن بقضية أو بفكرة وأقرها بعقله، فجئت أنت بدليل شرعي من القرآن أو السنة، فإنه يأخذ هذا الدليل ويعرضه على العقل، فلا يكون أمامه إلا خياران اثنان:

    إما أن يكون هذا الدليل موافقاً للفكرة العقلية الموجودة لديه.

    وإما أن تكون معارضة، فإن كانت موافقة فالقضية انتهت وليس هناك إشكال.

    وإن كان هناك تعارض بين الدليل النقلي والعقلي فإنه ينظر إلى هذا الدليل النقلي: هل هو قرآن أو سنة، فإن كان قرآناً فإنه هو المقدم، لكن العقل مقدس عنده، والفكرة العقلية هي الأساس، والقرآن يعارضه فالحل هو أن يحرف القرآن، ويغير أو يعدل شيئاً في القرآن تعديلاً يوافق الفكرة العقلية.

    وإن كان الدليل العقلي معارضاً للسنة فإنه ينظر إليها: هل هي سنة متواترة أو آحاد؟ فإن كانت سنة متواترة عاملها معاملة القرآن من ناحية التحريف والتعديل والتبديل.

    وإن كانت آحاداً ردها رداً كلياً.

    مثال ذلك: المعتزلة يقولون: إن الإنسان هو الذي خلق الشخص ولم يخلقه الله سبحانه وتعالى، مع العلم أن الله سبحانه وتعالى يقول: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96].

    فالإنسان هو الذي خلق الشر فقط، أما الله فلم يخلقه، فهم آمنوا بهذه العقدية فجئنا لهم بقول الله سبحانه وتعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:1-3].

    فالله يأمرنا أن نتعوذ من الشر الذي خلقه، إذاً: الله سبحانه وتعالى كما في الآية هو الذي خلق الشر، فجئنا بالآية وعرضناها على العقل فكانت مخالفة، إذا: معنى هذا أنهم يتجهون معها اتجاهاً آخر، وهو التحريف والتعديل والتغيير، فقالوا: لا، الآية هي: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1].

    مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق:2]، فما: نافية عند المعتزلة وليست موصولة، أي: ما خلق الله الشر، فباعتبار أنه قرآن ثابت قطعي الدلالة قطعي الثبوت ما ردوه، لكن أثبتوا هذا المعنى.

    وخذوا مثالاً آخر على هذه المسالة:

    المعتزلة قرروا أن الإنسان هو الذي يخلق فعل نفسه، فهو الذي يقرر أنه سيفعل المعصية، أو سيفعل الخير أو غير ذلك، والله لا يعلم شيئاً عن ذلك -تعالى الله عما يقولون- وهذا إنكار لعلم الله، ويترتب عليه أن الله لا يعلم ماذا ستعمل، ولا يعلم متى ستموت، ولا يعلم من سيدخل الجنة ومن سيدخل النار إلى غير ذلك.

    وهذه القاعدة عقلية تعارض سورة المسد: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ [المسد:1-3].

    فالسورة لما نزلت كان أبو لهب على ظهر الأرض حياً، فمن الممكن أن يقول: أنا من أهل النار، إذاً: سأؤمن وأكون من أهل الجنة، لكن الله قد كتب في علمه أن هذا الإنسان سيعاند ويموت معانداً ويكون من أهل النار.

    فوجدوا أن هذه السورة تعارض الفكرة فحاولوا أن يحرفوا السورة ما استطاعوا فقد روي عن عمرو بن عبيد أنه قال: والله لوددت أن أحك سورة تبت من المصحف.

    فالعقل عند هؤلاء مقدم على كل شيء، حتى لو ترتب على ذلك أن يلغي السورة كاملة من القرآن لكي يؤصل فكره العقلاني.

    نماذج معاصرة في المنهج العقلاني

    لو قرأت في كتب محمد عمران وكتب محمد الغزالي ، وكلاهما من المعاصرين، وفي كتب أحمد أمين وقد مات وفي كتب كثيرة لهؤلاء العقلانيين؛ لوجدت أن فيها أموراً تحكم العقل.

    مثال ذلك: في النصوص الشرعية الثابتة (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وهو حديث ثابت في الصحيحين فالعقلانيون أصلوا في أذهانهم أن المرأة مثل الرجل، وتحكم كما يحكم الرجل، والدليل على ذلك عندهم: أنديرا غاندي ومارجريت تاتشر وتنسوتشيلر وغيرهن من النساء اللاتي يحكمن، فما الفرق بين المرأة والرجل في هذه الحال؟

    فلما جاءهم الدليل: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فوجئوا أن هذا الدليل معارض، لكنهم وجدوا أن هذا الحديث آحاد فردوه.

    فهم ردوه لأنه عارض المنهج العقلي، فجعلوا العقل هو المحكم للنقل، والنقل مجرد محاك للعقل، فما قبله العقل أخذ، وما رده العقل رد، ولا يهم كيف يكون شأن هذا المردود: هل هو قرآن أو سنة ثابتة أو غير ثابتة؟ فأهم شيء عندهم الرد لأنه عارض العقل.

    مثال آخر حديث الذبابة: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء) فالعقلانيون يقولون: مرفوض عقلاً وبالتالي فهو مردود، بالرغم من أنه حديث ثابت وشبه متواتر.

    كذلك حديث: (من اصطبح بسبع تمرات لم يضره سحر في ذلك اليوم) يقولون: هذا مرفوض عقلاً؛ لأن السحر داء نفسي والتمر علاج عضوي، ولا يمكن أن يؤثر هذا في هذا، فهو مرفوض، في نصوص كثيرة طبقوا عليها هذا المنهج.

    وختام القول في هذا المنهج: أن العقلانيين المعاصرين يدعون دعوة مؤصلة إلى إخضاع كل النصوص الشرعية للجوانب العقلية, وخاصة مسائل العقيدة، وهذا هو لب الموضوع، أي: إذا تحدثت عن صفات الله أخضعها للعقل، وإذا تحدثت عن يوم القيامة أخضعها للعقل، فعذاب القبر مثلاً قضية عقدية، فالعقلانيون لا يتصورون أن في القبر عذاباً؛ لأنهم يحفرون القبر فلا يجدون فيه إلا عظاماً، فأين عذاب القبر؟ إذاً: ليس هناك عذاب قبر.

    لكن الآيات القرآنية تبين عذاب القبر كما في قول الله سبحانه وتعالى حاكياً عن فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:46].

    ويوم القيامة ليس فيه غدو ولا عشي، فهم يعرضون على النار غدواً وعشياً قبل يوم القيامة، أما يوم القيامة فيدخلون أشد العذاب، فهذه الآية أثبتت عذاب القبر.

    ومما يثبت عذاب القبر حديث ثابت صحيح: (مر الرسول صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يتنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة).

    فقال العقلانيون: إن العذاب المقصود به: هو عذاب قبل دخول النار، والحديث هذا مردود، وهكذا قاسوا العقائد بهذا المنطلق، فضلوا حتى وصل الأمر بهم إلى أن كثيراً من معتزلة اليوم، قد خرجوا عن الإسلام تماماً، للاختلال الواضح في عقائدهم وفيما يتعلق بعقائدهم في الإيمان بالله أو في الملائكة، حتى وصل بهم الأمر إلى أن أنكروا الملائكة والجن بحكم أنها أمور غيبية، والقرآن تحدث عن الجن، وبين الله سبحانه وتعالى ذلك في قوله: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27].

    فإذا أنكرت الجن أنكرت هذه الآية، وإذا أنكرت آية فكأنك أنكرت القرآن كله، ومن أنكر شيئاً من القرآن فقد كفر وخرج عن ملة الإسلام، وهكذا يسير معتزلة اليوم على منهج يبتعد شيئاً فشيئاً عن دين الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    المنهج الذوقي

    المنهج الذوقي: منهج ينتسب إلى الصوفية الغلاة، الذين يتذوقون الأشياء، فما أعجبهم ذوقاً أخذوه ليس عقلاً، بل كأنهم يتذوقون الأشياء فما كان حلواً أخذوه وما كان مراً رفضوه.

    والمصدر الأول عندهم في تلقي العقائد هو القرآن الكريم، لكنهم يؤمنون به لفظاً ويخالفونه معنىً فالقرآن عندهم له ظاهر وباطن، فالظاهر هو لنا إذ يسموننا نحن أصحاب الظواهر، ويسمون أنفسهم أصحاب البواطن، ويسموننا أصحاب الشريعة، ويسمون أنفسهم أصحاب الحقيقة؛ ولذلك روي عن أحد زعمائهم الكبار -وهو الحلاج - يقول لأحد أتباعه: ستر الله عنك ظاهر الشريعة، وكشف لك حقيقة الكفر، فإن ظاهر الشريعة كفر خفي، وحقيقة الكفر معرفة جلية، ولذلك فإن الصوفية يصلون في نهاية المطاف إلى إعلان الكفر المحض عن طريق إسقاط التكاليف جميعاً.

    مصدر الصوفية في التلقي

    الصوفية يأخذون كتاب الله للزينة، وعلى أنه كتاب أنزل من عند الله سبحانه وتعالى لعصر من العصور ثم انتهى، أما في هذا الزمن فلا.

    ولذلك لا تكاد تجد صوفياً يقبل على كتاب الله، بل ربما جميعهم يعكفون على الأذكار، فلو راقبتهم في الحرمين، وفي دول أخرى لوجدت معهم كتب أذكار فقط، أما القرآن لا يقرءونه؛ لأن هذه الأذكار قد وردت عن مشائخهم الأكابر.

    إذاً: مصدرهم في التلقي ليس القرآن وإن ادعوا ذلك، بل مصدرهم في التلقي المشائخ الأكابر: حزب الإمام الشاذلي ، حزب عبد القادر الجيلاني ، حزب فلان بن فلان، من قال: كذا وكذا في اليوم أربعة آلاف وأربعمائة وأربعة وأربعين مرة دخل الجنة على ما كان من العمل، ومن قال: كذا وكذا ألف مرة دخل الجنة، ويأتون بأساليب مختلفة تأخذ على الإنسان جل وقته، فمنهجهم الأول في التلقي ليس القرآن الكريم وإن ادعوا ذلك، إنما منهجهم في التلقي هي الأذكار التي حلت محل القرآن الكريم، فلا يخلو لسان أحدهم ولا بيت أحدهم من كتاب أذكار يقرؤه ليل نهار.

    المصدر الثاني للصوفية -لأصحاب المنهج الذوقي- السنة النبوية، لكن ليست من صحيح البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرها، بل السنة النبوية التي تؤيد فكرهم ومذهبهم، فهم يريدون تأييد مذهبهم عن طريق مشائخهم، فيأتي الشيخ مثلاً يحدث أتباعه ويأمره ألا يأخذ إلا منه، وألا يرجع إلى أي كتاب أو مخطوط أو قول أو شخص آخر، كما قيل: كن بين يدي شيخك، كالميت بين يدي غاسله.

    ومن قال لشيخه: لم؟ فقد ضل عن الطريق، وهكذا يؤصلون العبودية المطلقة للشيخ.

    فالشيخ يريد أن يقربهم من أن الأحاديث مصدر من مصادر التلقي، ولكنه يأتي بالأحاديث التي تناسب، مثلاً الحديث الموضوع: (من أحسن ظنه بحجر نفعه هذا الحجر)، إذاً: هذا دليل على اتخاذ الأضرحة، وهو دليل شرعي تستطيع أن تناقش به، كذلك: (من حج ولم يزرني فقد جفاني)، إذاً: هذا يوافق الضريح والحج، وللضريح أساس شرعي، وهكذا يأتون بالأحاديث الموضوعة المتتابعة لتأصيل هذا المنهج الذي يدنون به.

    إذاً: الأذكار المطبوعة أو المكتوبة هي المصدر الأول، والسنة المنتقاة التي تؤيد مناهجهم وأفكارهم هي المصدر الثاني، والثالث: حكايات وكرامات الأولياء والمقبورين.

    فتجدهم يطوفون على القبر ويتجمعون عنده، ويدعونه ويستشفون به، ثم يؤصلون في ذلك الكرامات المتتابعة.

    وهكذا ألف الشعراني طبقات الأولياء، وألف النبهاني كرامات الأولياء في مجلدين ضخمين جداً، يذكر فيهما مجموعة ضخمة من الكرامات.

    يقول أحدهم: أعطاني شيخي من قبره -لاحظ أعطاه وهو في قبره- كحلاً، إذا اكتحلت به فتح لي ما بين العرش إلى الفرش.

    فيحاولون أن يؤصلوا هذه الكرامات حتى يرتبط الناس بأصحاب القبور، ويقدسونهم تقديساً كاملاً، ويأخذون دينهم من أصحاب هؤلاء القبور.

    المصدر الرابع في التلقي: نشر مسائل المنامات، ينشرون الرؤيا بين أتباعهم على أنها معتقد يدينون به.

    1.   

    أهداف الصوفية في تأصيل هذا المنهج

    من أهدافهم ربط أصحابهم بهم بشكل قطعي كلي، وربط هؤلاء الأصحاب أو الأتباع بالأذكار التي ألفوها، وربطهم بالأضرحة والأولياء الذين يطوفون بهم ويدعونهم من دون الله.

    والهدف من ذلك كله: هو الغنى والثروة التي يريدها هؤلاء المتبوعون.

    فزعمائهم زنادقة ملاحدة كفرة، يريدون المال والزعامة والشهوة، فكلما وجدوا لذلك طريقاً تلبسوا باللباس الشرعي لهذا الطريق.

    ولذلك عندما تذهب إلى قبر من القبور الضخمة جداً في دولة من الدول، تجد القبر بجانب المسجد، وبجانب القبر، أو خارج المسجد مستودعات ضخمة جداً لتلقي النذور، فهذا يأتي بخروف، وهذا يأتي بعجل، وهذا يأتي بنقود، وهكذا كل واحد على حسب قدراته وطاقته.

    وتقسم الأموال إلى أقسام:

    فالدولة تأخذ الثلث، والثلث الآخر يؤخذ ليصرف على المكان: ترميم وتحسين وتجميل حتى يعطي رهبةً أكثر وأكثر، والثلث الآخر يعطى للسدنة والمشرفين على هذه القبور.

    ولذلك فإن الذين يشرفون على هذه القبور من الأغنياء، حتى إن أحدهم قد فضح جملة من هؤلاء بعد أن كان معهم، قال: إن أحد هؤلاء السدنة يملك عشرات العمائر والقصور، ويملك ملايين كثيرة نتيجةً لعمله في هذا المكان.

    مثلاً ضريح البدوي في طنطا، يقدم إليه كل سنة أكثر من 1.5 مليون نسمة كالحج، هؤلاء كلهم يحتفلون بمولد البدوي وكل واحد منهم يأتي بنذر، فلو أن كل واحد مثلاً جاء بعشرين ريالاً، فإن المبلغ سيكون ضخماً، إذاً: هؤلاء الصوفية جميعاً يهدفون إلى مسألة الكسب المادي.

    أما الشهرة فإن زعماء الصوفية عندما يتحرك أحدهم تتحرك وراءه آلاف مؤلفة، فهم لهم صولة وجولة وتأثير في الحكومات.

    أما الشهوات فإن الأتباع أذلة صاغرون بين أيدي شيوخهم، يقولون: لو رأيت شيخك على امرأتك فظن الحق ولا تظن الباطل، ويقولون من كرامات الأولياء أن شيخاً من مشائخهم أراد أن يختبر تلميذاً له، فذهب مع تلميذه إلى بيته -أي: بيت التلميذ- ودخل إلى غرفة نومه، ودعا امرأته وقال لها: تزيني للشيخ فتزينت، ثم قال للتلميذ: قف أمام الجدار ووجهك إلى الجدار ولا تلتفت، فقضى الشيخ حاجته وانتهى، وأخذ بيد تلميذه وقال: لقد نجحت في الاختبار.

    إذاً: يبحثون عن الشهوة، فهذا هو المنهج الذوقي الذي يدعون إليه، ولذلك تجد أن عقائد هؤلاء جميعاً منصبةً على مسألة واحدة، ألا وهي عبادة الأضرحة، ودعوة أصحابها والركون إليهم ودعاؤهم والتمسح بها، وجعلها الآلهة المعبودة من دون الله سبحانه وتعالى.

    فعقيدتهم تدور من أولها إلى آخرها على أصحاب القبور، وعلى من في هذه القبور.

    1.   

    المنهج العاطفي

    هو المنهج الذي تدين به طائفة الرافضة في جميع أرجاء الأرض، وهو مبني على مسألة العاطفة، أي: أنهم لا يحكمون العقل، بخلاف العقلانيين الذين أعطوا العقل دوراً مهماً، أما هؤلاء فقد عطلوا العقل تماماً، وجعلوا العاطفة هي المتحكمة، ولذلك لو دخلت أي مكان من أماكن تجمعاتهم، فإنك تجد منهم من يقرأ كتاباً أو ينصح بنصيحة أو غير ذلك، قد أثر في الحضور تأثيراً عجيباً، حتى إنهم ليبكون بكاء الأطفال الصغار، وقد استمعت أنا إلى كلمات من هذا القبيل، ليس فيها تلك المواعظ المحزنة التي تؤثر في القلوب أبداً، بل هي أشياء تتحدث عن مقتل الحسين أو غير ذلك، ولكنهم يبكون بدموع غزيرة؛ لأنهم نشئوا على المنهج العاطفي، وعلى هذا الفكر.

    1.   

    مصادر الرافضة في التلقي

    المنهج العاطفي مصدره في التلقي أربعة مصادر:

    المصدر الأول: القرآن الكريم.

    والثاني: السنة.

    الثالث: الرقاع.

    الرابع: أقوال الأئمة.

    المصدر الأول القرآن الكريم

    أما القرآن الكريم فإن أصحاب هذا المنهج هم نسل اليهود ونتاجهم وبالتالي فإن اليهود يريدون من أتباعهم ألا يرتبطوا بالقرآن الكريم، فوجدوا أن إدعاء تحريف القرآن منهج يجعل أتباع هذا المنهج يبتعدون عنه، فبدأوا أولاً في القدح في حملة القرآن من الصحابة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعائشة ومعاوية وفلان وفلان، فبدءوا في المرحلة الأولى في ذم كل من ينتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحبة، إلا عدداً يسيراً من هؤلاء الصحابة.

    فإذا كان أبو بكر كافراً، وعمر كافراً، وعثمان كافراً، وعائشة كافرة، ومعاوية كافراً، فكيف نثق بقرآن نقله لنا هؤلاء الكفرة.

    إذاً: تجد أن الشك سيتوارد إلينا؛ لأن هذا القرآن نقل إلينا من قبل أناس كفرة، ولذلك أصلوا هذا الفكر منذ أول ظهور المنهج، ولا زال يسير عليه أتباعه إلى زمننا هذا.

    ثم وجدوا أن هناك أناس يقبلون على الدعاء بالرغم من أن هذا الكلام قد نشر بينهم، فأصدروا أمراً آخر، قالوا: إن من حفظ شيئاً من القرآن الكريم، فإنه سيفقد ما يعادله من مصحف فاطمة في قبره.

    فهم يدعون أن هناك مصحفاً لـفاطمة ، وذلك عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل جبريل عليه السلام يسليها ويحدثها كل يوم، وكان علي بن أبي طالب مختفياً وراء الجدار، ويكتب ما يقول جبريل لمدة ستة أشهر، وبعد أن ماتت فاطمة رضي الله تعالى عنها جمع علي هذا المصحف ونسقه ورتبه، وخرج بسبعة عشر ألف آية، ثم ذهب إلى أبي بكر وقال: هذا هو المصحف الحق، فنظر إليه أبو بكر وفتحه فوجد فيه: تبت يدا أبي بكر وتب، تبت يدا عمر وتب، فقال: لا حاجة لنا به فأعاده.

    ثم جاء به إلى عمر فأعاده كذلك، بل الغريب لماذا لم يمزقه أبو بكر وعمر ؟ وهذا فيه دلالة على كذب هؤلاء القوم، وفي النهاية قالوا: إن مصحف فاطمة أخذه المهدي المنتظر وأخفاه معه، وسيخرج في آخر الزمان.

    وإذا سألت أتباع الشيعة: إن مصحف فاطمة هو المصحف الحقيقي، فلماذا لا نحفظه الآن؟ قالوا: ليس موجوداً.

    يعني: يعيشون هكذا بدون مصحف، قالوا: لا، فإن الله سبحانه وتعالى رحمنا فأوكل للملائكة أن يحفظوا مصحف فاطمة في قبورنا، واقتنع الناس بهذه الفكرة.

    بقيت القضية الثانية ألا وهي أن هؤلاء الأشخاص الذي اقتنعوا بهذا الأمر يريدون أن يبعدوا الناس عن مسألة حفظ القرآن، فقالوا: من مات جاءه الملك ليحفظه مصحف فاطمة ، وإن من حفظ من القرآن شيئاً لا يوازي ما حفظه من مصحف فاطمة .

    أي: أن الإنسان عندما يموت يأتيه الملك في قبره، فيقول له مثلاً: افتح سورة البقرة، وعدد صفحاتها خمسون صفحة، فيقول الملك: إذاً: نخصم عليك مائة وخمسين صفحة من مصحف فاطمة .

    ولذلك لا تكاد تجد رافضياً يحفظ القرآن، أو يحفظ إلا أجزاء بسيطة جداً من القرآن الكريم.

    فالرافضة أصلوا عند أتباعهم مسألة عدم حفظ القرآن، حتى لا يفقد ما يوازيه من مصحف فاطمة .

    ولو أن إنساناً أراد أن يقرأ القرآن فإنهم قد أتوا بعقبات أخرى فقالوا: إن القرآن لا يمكن أن يحتج به إلا بقيم.

    والقيم عندهم هو الإمام، والإمام المهدي المنتظر مختف لم يظهر، إذاً: القرآن ليس بحجة، لأن القيم غير موجود.

    ثم جاءوا بقول آخر قالوا: إن الأئمة اختصوا بمعرفة القرآن فلا يسبقهم فيه أحد، فلا يمكن أن يعرف القرآن إلا بوجود الإمام، والإمام مختف، وبالتالي فالقرآن غير مفهوم بالنسبة لهم.

    وقالوا: إن القرآن له معان ظاهرة وباطنة، فالمعاني الظاهرة تفهمها أنت، أما الباطنة فلا.

    وبما أنك تفهم المعاني الظاهرة فقط فإنه يلتبس عليك الأمر، ولذلك تجدهم لا يقرءون القرآن.

    فإن قيل: نراهم في الحرم يقرءون القرآن كثيراً؟

    الجواب: خذ واحداً من هؤلاء الذين يقرءون القرآن، واعمل دراسة عليه، راقبه في الحرم وفي مكانه الذي يعيش فيه، فتجد أنه لا يقرأ القرآن أبداً إلا في الحرم، والسبب في قراءتهم للقرآن ليس تقديساً له، وإنما لأنهم يمارسون مبدأ التقية، التي هي في حد ذاتها عبادة، فهي دين آبائهم وأجدادهم، يقولون: من لا تقية له لا دين له، والتقية عندهم تسعة أعشار الدين، فيمارسون التقية عن طريق قراءة القرآن، وليس لذات القراءة، بل لممارسة هذا المنهج.

    المصدر الثاني السنة

    إن الرافضة لا يعترفون بالسنة التي جاءت عن الصحابة، لأن الصحابة كلهم كفار عندهم، وبالتالي فلا يأخذون إلا من الصحابة الذين يعترفون بهم، فـأبو بكر وعمر وعثمان كل هؤلاء مرفوضين، ويقولون: ارتد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة: سلمان وعمار وأبو ذر ، وفي رواية: إلا أربعة ومعهم المقداد .

    أما بقية الصحابة فكلهم مرتدون، إذاً: أي كلام منقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم عن غير هؤلاء الأربعة مرفوض.

    فلا ينقلون إلا عن هؤلاء الأربعة مع العلم أن أبا ذر والمقداد وغيرهم رواياتهم ضعيفة وقليلة جداً.

    فجاءوا لأحاديث البخاري ومسلم والترمذي ووضعوها أمامهم، فما أعجبهم منها أخذوه، ثم ركبوا عليه سنداً في آخره أبو ذر أو المقداد أو عمار أو سلمان الفارسي ، وركبوا عليه سنداً معيناً ثم جعلوه في الكتب، فكان من الصعوبة أن يجعلوا آلاف الأحاديث منسوبة إلى سلمان ، أو أبي ذر ؛ لأن معنى هذا أن أبا ذر كان يجلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم أربعةً وعشرين ساعةً يستمع إليه، وهذا لا يمكن أن يتصور، فبتروا النصوص وجعلوها عن فلان عن فلان عن جعفر الصادق ، فقيل لهم: إن هذا الحديث موجود في البخاري الذي وجد قبل جعفر الصادق فوجدوا في ذلك إشكالية، فقالوا: إن جعفراً الصادق جاء به بوحي من الله، إذاً: الأئمة يوحى إليهم.

    المصدر الثالث الأئمة

    إن الرافضة جعلوا الأئمة يوحى إليهم، وتنقل إليهم النصوص من الله سبحانه وتعالى عن طريق الملائكة.

    فصار الأئمة أناساً تنتقل إليهم النصوص الشرعية وحياً من الله، فجعلوهم بمثابة الأنبياء.

    المصدر الرابع الرقاع

    والرقاع: عبارة عن لعبة حصلت لكنها صارت ديناً، ومعتقداً بنيت عليه كثير من معتقدات الرافضة.

    والرقاع: عبارة عن فتاوى صدرت من المهدي المنتظر، يقولون: إن هناك رجلاً يدعى ابن عثمان بن سعيد العمري ، هذا الرجل أراد أن يكسب المال فلم يجد وسيلة، فذهب إلى قرية كل أهلها من هذا الصنف وسكن معهم، وبدأ ينسق مع صاحب له بطريقة معينة على خدمته، فصار يعبد الله في المسجد طوال الوقت، لا يأكل ولا يشرب وإذا أراد أن يقضي الحاجة، أخذ قليلاً من الماء لا يكفي للوضوء وهم ينظرون إليه، يأخذه ويذهب إلى منطقة بعيدة عند صخرة ويقضي حاجته ثم يتوضأ ويرجع، فيرونه يجلس أياماً طوالاً لا يأكل ولا يشرب، فقالوا: هذا ولي من أولياء الله.

    وحقيقة الأمر أنه إذا ذهب يقضي حاجته، يقضيها ولا يتوضأ، بل يشرب الماء الذي معه، فيأتي صاحبه ويضع له قرصاً على الحجر، يشبه براز الإنسان فيأكلها، والذي يراه يعتقد أنه برازاً أو غير ذلك.

    فاعتقدوا فيه الولاية، وفي يوم من الأيام قرر السفر زاعماً أنه على موعد مع المهدي المنتظر، فقالوا: بلغه سلامنا، فذهب وجاء بعد أيام وبشرهم أنه راض عنهم وعن سلوكهم، وبعد شهر أراد أن يذهب، فأرسلوا له أن لديهم أمور دينية فيها اختلافات ومشاكل، فأخذ الفتاوى وذهب، فجلس على جانب الطريق يجيب عليها وجاء بها، وقال: إنها فتاوى من المهدي المنتظر وفي يوم من الأيام قال لهم: يقول لكم المهدي المنتظر: إن القرية الفلانية تعيش أزمة ماليةً لكوارث معينة، ويريدون جمع تبراعات، فجمع عدداً هائلاً من الأموال، وذهب بها وأخفاها، وهكذا، فصار يأخذ الفتاوى ويجمع الأموال إلى أن انقطعت أخباره، فجمعوا هذه الفتاوى في رقاع.

    وهناك شخص آخر فعل مثله ونجح في ذلك، فجمع الرقاع وهي عبارة عن فتاوى.

    طبعاً فهؤلاء أناس دجالون ومحتالون، إذ طبعت هذه الفتاوى وكتبت فوجدوها متفاوتة، هذا يقول: حلال، وهذا يقول: حرام وهذا يقول: يجوز، وهذا يقول: لا يجوز، فطرحوها وزينوها وعدلوها، ثم أ خرجوها وطبعت في كتب على أنها مصدر من مصادر التلقي في العقيدة.

    فيسألونه مثلاً عن الإيمان بالملائكة فيجيب، ويسألونه عن الإيمان بالرسل فيجيب وهكذا، فالرقاع هي مصدر من مصادرهم التي يدينون بها.

    وخلاصة الكلام حول هذه المسألة: أن المنهج العاطفي أو منهج معتمد على تعطيل العقل، تدين به طائفة كبيرة جداً في المجتمع المسلم، وتحكم العاطفية في مسألة التلقي، فما قبلته العاطفة قبلوه، وما ردته ردوه، ولذلك يشعرون بعاطفتهم أن الحسين قتل ظلماً، وأنه عذب قبل أن يقتل.

    واستغلت هذه العاطفة وبالغوا فيها إلى أن جعلوا هؤلاء الرافضة يعبدون الحسين ويطوفون بقبره ويتمسحون بتربته، ويرون أن الحج لقبره يعادل أكثر من مليون حجة، كما صرح بذلك محمد بن الحسن العاملي في كتابه وسائل الشيعة، وفي كتاب الكافي وغيرهما، يقولون: الحجة إلى قبر الحسين تعادل أكثر من ألف ألف حجة، وهكذا أصلوا عند أتباعهم مسألة الاعتقاد بأئمة أهل البيت، وأنهم هم الذين بأيديهم كل شيء، ونتج عن ذلك التأصيل أن جعلوا الأئمة هم الآلهة تماماً.

    ففي كتاب مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب الفرسي -من أتباعهم- كتب مجموعة كبيرة من الخطب لـعلي بن أبي طالب ، يقول في خطبه مثلاً: أنا محيي الأرض بعد موتها، أنا خالق السموات والأرضين، أنا محيي الموتى من قبورهم، أنا الذي خلق الجنة وخلق النار، أنا الذي يدخل أهل الجنة الجنة، وأدخل أهل النار النار، أنا الذي أنفخ في الصور، أنا الذي أخرج من في القبور، أنا وأنا وأنا، فلم يبقوا لله سبحانه وتعالى شيئاً من ملكه أبداً.

    ويقولون عن جعفر الصادق : إنه يقول: نحن أسماء الله الحسنى الذي إذا دعي بها أجاب، إذا دعينا بها أجبنا، فجعلوا الأئمة هم الآلهة الذين يعبدون من دون الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك تجد الرافضة لا يعبدون الله حقيقة، بل يعبدون الأئمة تماماً، فمعتقدهم منصب على هؤلاء الأئمة.

    1.   

    المنهج السري

    النقطة الأخرى: المنهج السري، وهو منهج الباطنية الذين احتكروا المنهج على مجموعة من الناس فقط.

    فالدروز والنصيرية من فرق الباطنية المختلفة، وليس لهم معتقد، لو سألت أحداً منهم: ما هي عقيدتك؟ لا يعلم؛ لأن العقيدة حكر وحصر على الفئة العليا عندهم، فلا يعلمون كل الناس، ولا يعلمون إلا فئات معينة من الأشخاص، وذلك إذا وصلوا إلى حد معين من الاختبار أو النجاحات المتتابعة التي يعقدونها لهم، فيعلمونهم عند ذلك حتى لا يندثر المنهج، لكن ليس كل واحد منهم يعرف.

    فلو افترضنا أن واحداً من هؤلاء علم عقيدتهم بطريقة أو بأخرى، فإن هذا الإنسان يعد تابعاً لهم تؤخذ منه العهود والمواثيق، والتهديد بالقتل والإعدام إذا أفشى هذه المعلومات، حتى لأتباعهم، فتعد عقيدتهم عقيدة سرية.

    ومع ذلك ظهر أناس فضحوا هذه العقائد، وعلى رأسهم رجل اسمه سليمان الأذلي من اللاذقية، وهو من النصيرية قبل أن يتركها، ثم استدرجه النصيريون تدريجياً حتى جاء إليهم، فأعدموه وأحرقوه؛ لأنه فضحهم في كتاب الباكورة السليمانية.

    قال: إن عقائد الباطنية حكر، وهي عقائد تتوجه إلى أن مصدر التلقي في العقيدة هم هؤلاء الزعماء، والعقيدة تتأصل في أن علي بن أبي طالب للنصيرية هو الإله، والحاكم بأمر الله الفاطمي للدروز هو الإله، والآغاخان للآغاخانية هو الإله، وهؤلاء الزعماء الدينيون هم الذي يتلقون من هؤلاء الآلهة ويضعون العقائد بأتباعهم، بناءً على معرفتهم بهؤلاء الآلهة.

    إذاً: المناهج المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة:

    أولاً: المنهج العقلي، وأصل التلقي عند أهل العقل هو العقل.

    فالعقل هو الذي يحكم، فما أحبه العقل أحبوه، وما كرهه العقل كرهوه، وما حكم به العقل حكموا به، وما رفضه العقل رفضوه، فالعقل هو مصدرهم الأول في التلقي.

    يعني: القرآن والسنة وأقوال الأئمة وغيرها هي مصادقة، لكنها ليست مصادر أصلية، إنما هي مصادر فرعية تابعة للعقل.

    فالعقل هو الحاكم عليها، فما حكم به العقل على هذه المناهج أخذ، وما رده رد، وبالتالي فمصدرهم هو العقل لا غير.

    ثانياً: المنهج الذوقي: المنهج الذوقي وهو منهج المتصوفة ومصدرهم في التلقي ليس القرآن ولا السنة ولا الكتب والأذكار، بل مصدرهم في التلقي هم الأقطاب أو الرجال الذين يعدون زعماءً لهؤلاء المتصوفة.

    فما قاله القطب فقوله لا يرد، ولا يمكن أن يناقش، ولا يمكن أن يجادل فيه بحال من الأحوال.

    إذاً: كلام هذا القطب كلام مقدس يعد بمنزلة القرآن الكريم بالنسبة لهم.

    فمصدر التلقي عند أصحاب المنهج الذوقي هم هؤلاء الأقطاب أو هؤلاء الأوتاد، ولذلك أصلوا لذلك نوعاً من التقديس، فقالوا: إن الكون يحكمه أربعة أقطاب: الجيلاني ، والرفاعي ، والشاذلي وغيرهم، فالكون مقسم إلى أربعة أقسام، كل واحد يحكم قسماً، وكل واحد من هؤلاء الأقطاب له كذا وكذا من التدرجات المعروفة.

    وكل واحد يحكم شيئاً، فهذا يحكم السماء، وهذا يحكم القمر، وهذا يحكم الشمس، وهذا يحكم المشتري، ومن يحكم عليه ويأمره يخرج من الصورة ومع ذلك هناك أناس يصدقونهم ويؤمنون بأقوالهم.

    إذاً: مصدر المنهج الذوقي الذين يتذوقون الأحكام فقط، يعني: يأخذونها على أنها أمر مسلم لا يمكن أن ترد.

    ثالثاً: المنهج العاطفي، فإن أصحاب هذا المنهج منهجهم في التلقي هم الأئمة، فما قاله الأئمة فإنه لا يرد، ولا يمكن أن يناقش، ومن أقوالهم: إن الرد على الإمام كالرد على الله سبحانه وتعالى.

    وبالتالي فما قاله الإمام يعد أمراً مقدساً لا يمكن أن يناقش بحال من الأحوال.

    رابعاً: المنهج السري المرتبط بالباطنية، والأشخاص الذين يدينون بهذا المنهج يأخذون عقائدهم من أناس متخفين لا يظهرون للناس أمرهم، وهؤلاء هم زعماء هذه المناهج الباطنية، وهم الذين يصدرون لهم الأحكام في مجال العقائد وغير العقائد، وهذا هو مصدرهم في التلقي.

    1.   

    مصادر أهل السنة والجماعة في التلقي

    هل نقول: إن مصادرنا في التلقي هم فلان وفلان وفلان من الناس، فما قاله فلان أخذناه، وما رده رددناه؟ لا.

    إن مصدرنا الأول في التلقي: هو القرآن، فإذا قرأت آية في كتاب الله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، علمت أن الله سبحانه وتعالى لا يشابه أحداً من خلقه، وإذا عرفت أنه: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، أقررت وآمنت أن الله سبحانه وتعالى يسمع ويبصر، لكن ليس كسمع البشر وليس كأبصارهم.

    وإذا قرأت قول الله تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [المائدة:119]، عرفت أن الله يرضى ويغضب.

    وإذا قرأت قول الله تعالى: بِيَدَيَّ [ص:75]، أثبت لله اليد.

    وإذا قرأت: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، أي: ليس له شبيه.

    إذاً: مصدرنا في التلقي هو القرآن الكريم، فهذا هو المصدر الذي نتلقى منه عقائدنا في الله وفي الملائكة وفي النبيين والكتب وفي اليوم الآخر وفي القدر، كل ذلك نتلقاه من كتاب الله سبحانه وتعالى ونؤمن به، ونقر أمام الآخرين أجمعين أن كتاب الله لا ولن يتعرض إلى تحريف أو تغيير أو تبديل؛ لأن الله أوكل حفظ القرآن الكريم لنفسه.

    قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

    بخلاف مناهج الكتب الأخر التي أوكل الله سبحانه وتعالى حفظها لأصحابها، كالتوراة والإنجيل، فخانوا الأمانة وما رعوها فحرفوها وغيروها.

    المصدر الثاني من مصدر التلقي عند أهل السنة: السنة النبوية الصحيحة، فإذا ثبت أمر في السنة ثبت، وليس حديثاً موضوعاً أو ضعيفاً أو منكراً أو باطلاً، أو فيه كذا وكذا من الأمور القادحة، فإن هذا يعد أمراً واجب التسليم، وواجب الأخذ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لك أموراً في العقيدة كثيرةً جداً لم ترد في القرآن، فأنت تأخذ بها وتؤمن بها وتقر على أنها منهج شرعي، وإذا خالفته أو عارضته فإن ذلك يعد معارضة لدين الله.

    إذاً: نحن لم نرتبط بأشخاص مثلنا مثلهم، إنما ارتبطنا بكتاب الله سبحانه وتعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

    وارتبطنا بالسنة بما ثبت لدينا ثبوتاً قطعياً من السنة على أنه صحيح، وجعلناه هو المصدر لنا نأخذ منه العقيدة ونستقي منه المنهج.

    إذاً: من خلال هذه المقارنة ينقسم الناس إلى قسمين:

    القسم الأول: أهل السنة والجماعة، ويرجعون في تلقيهم العقيدة إلى القرآن، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

    والقسم الآخر: بشتى أصنافه وفرقه ودياناته، يأخذون من غير القرآن والسنة، بل ويأخذون من رجال، وهؤلاء الرجال هم الذين يقررون لهم أحكامهم.

    حتى العقلانيين الذين يحكمون العقل يحكمون أنفسهم، أي: أنهم يحكمون الرجال في مناهجهم، ولذلك فإن العقلانيين لا يمكن أن يتفقوا على رأي.

    ذكر أن المعتزلة اجتمع من زعمائهم أكثر من تسعة عشر زعيماً للاتفاق على توحيد المنهج المعتزلي، ومراجعة الأخطار التي يتعرض لها هذا المنهج، فخرج هؤلاء التسعة عشر بعشرين رأياً يعني: دخلوا بتسعة عشرة رأياً كي يخرجوا برأي واحد، فخرجوا بعشرين رأياً أي: زاد رأي إضافي.

    وفي رواية أخرى للشرساني : أنهم دخلوا تسعة عشر، للاتفاق والاتحاد، وخرج كل منهم يكفر الآخر، وهذا يدلك على أن كلاً منهم يحكم عقله، والعقل يختلف من شخص لآخر، وبالتالي فكل منهم يعد رجلاً بحد ذاته يحكم كيفما يشاء، ويقرر كيفما يشاء.

    هذا والله سبحانه وتعالى الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والله سبحانه وتعالى أعلم.

    وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

    1.   

    الأسئلة

    طرائق النجاة من العقائد الباطلة

    السؤال: لقد أرسلت في شرح العقائد وتنوعها وتشعب مدلولاتها خاصة ونحن قليلو المعرفة بهذه العقائد كيف نعرف العلاج من حيث السبيل والنجاة من هذه العقائد المتشعبة؟

    الجواب: أنتم تلاحظون الآن أننا نعيش في مجتمع لم ترد إليه هذه العقائد بشكل واضح، بالرغم من تكاثرها، لكنها دخلت على دول أخرى بالتدرج، وقليلاً قليلاً حتى وصل الأمر إلى انتشارها انتشار النار في الهشيم.

    فنحن نخشى أن يصل الأمر بنا إلى أن نشابه بقية الدول.

    فلابد أن يحصن الإنسان نفسه، ويحصن أولاده عن طرق بث المعتقد الصحيح الواضح المفصل في ذاته أولاً، ثم في ذوات أبنائه ومن يعول ويعرف ثانياً.

    وعن طريق القراءة المتأنية والهادفة لكتب العقيدة المبسطة، وحضور دروس العقائد السهلة الميسورة، التي تناسب كل الأعمار، والتأصيل بذلك في النفس وفقهه وفهمه.

    عند ذلك لو وردت إليك أي عقيدة أخرى، ستجد أنها من العقائد المردودة فعلاً.

    ويكون من الممكن أن ترد أي عقيدة، حتى ولو كان فهمك ضحلاً جداً، ولكن هذه الضحالة مقابل العقيدة الباطلة القادمة من الشرق أو الغرب كالجبل.

    فقد ذكر شيخ الإسلام أن العامي من أهل السنة يستطيع أن يرد على العالم من أصحاب البدع والأهواء الأخرى؛ لأن العقيدة الصافية البسيطة في قلبه وفي كيانه تستطيع في قوتها أن تجابه فكر العالم الضال الذي فيه تداخلات كثرة.

    فإذا حصن الإنسان نفسه فإن هذا يعد علاجاً أولياً، ثم لا يحاول أن يدخل في مناقشات ومجادلات، فإنه قد يتأثر بالفكر الآخر إن لم يكن محصناً، فليس لك أن تقرأ التوراة إن لم يكن لك في ذلك حاجة.

    لأنك قد تتأثر ببعض الفكر الموجود في التوراة.

    وقد تقرأ في كتاب من كتب الصوفية وكاتب هذا الكتاب قوي الحجة واسع الاطلاع قوي البيان، فيؤثر في فكرك، وأنت لا تحتاج لهذا الشيء وليس من الضرورة في شيء، وبالتالي فعليك أن تبتعد عن هذه المناهج إلا إذا اضطررت لها اضطراراً.

    وبذلك تجد أنك قد حصنت نفسك من الوقوع في مزالق هذه الاتجاهات.

    التحذير من اتباع المناهج الشيعية

    السؤال: هناك كتاب انتشر في بعض المكتبات يسمى بـ( يا شيعة العالم استيقظوا) للدكتور موسى ، فما رأيك في هذا الكتاب.

    الجواب: إن الصحوة منتشرة في جميع أرجاء الأرض، ليس عند المسلمين فقط، بل الصحوة بالإطلاق العام.

    فاليهود لديهم صحوة، والهندوس لديهم صحوة والرافضة لديهم صحوة، والصوفية لديهم صحوة، فالجميع لديهم صحوة، وبالتالي كل منهم يريد أن يظهر، ويريد أن يدعو أكبر قدر ممكن من الأتباع حتى ينضموا إلى صفه، ويريد كل منهم أن يرتب صفوفه ويعد عدته.

    ومن ضمن المناهج التي تعد من باب الصحوة ما يدعو إليه موسى .

    هذا الرجل رأى أن المنهج الشيعي في دول الغرب منهج منبوذ ومرفوض، لأن هؤلاء الناس كانوا يقرءون عن الشيعة فيما يتعلق بضرب الصدور بالسلاسل، حزناً على رجل قتل قبل (1300سنة)، فتراهم يضربون أنفسهم بالسكاكين، ويموتون أحياناً من شدة النزيف، فكانت تصور هذه المشاهد وتنشر في التلفزيونات العالمية، فيضحك الناس على هذا الدين الذي يدعو إلى مثل هذه المنهج، فهذا الرجل أراد أن يلمع المنهج الرافضي، ويبعد عنه كل ما يقدح فيه.

    فتجده يدعو إلى التشيع بثوب جديد، وهو ليس على منهج الحق إنما هو شيعي؛ لكنه يريد أن يظهر التشيع بمظهر آخر.

    فلذلك لا تفخر بهذا المنهج؛ لأنه شيعي معاد لأهل السنة، وهو على غير الطريق المستقيم، فمهما لمع في المنهج فهو بعيد عنك كل البعد، وبالتالي فهذه خطة لإبراز هذا المنهج بثوب جديد.

    الطرائق الجيدة في دراسة كتب العقيدة

    السؤال: أريد أن أبدأ في طلب العلم، خاصة في علم العقيدة، فما هي الطريقة الجيدة في ذلك؟

    الجواب: إن مسألة دارسة العقيدة وفهمها في هذا الوقت يعد أمراً متعيناً أكثر من غيره لانتشار العقائد الباطلة، وظهورها بمظهر جميل وتلميعها بطرق متعددة.

    فعلى كل من يرغب في دراسة العقيدة أن ينظر أولاً إلى مستواه العلمي، فهناك من لا يعرف القراءة فكيف يدرس العقيدة؟ وهناك من يحمل شهادة عالية ويريد أن يدرس العقيدة.

    فكل منهم له منهجه الذي يختلف به عن الآخر، فإن كان هذا الإنسان لديه بعض المعلوم فعليه أن يبدأ بالمبسطات من كتب العقيدة.

    والذي يريد دراسة العقيدة لا يستطيع أن يقرءها بنفسه، فقد تكون هذه المبسطة صعبة على المبتدئ، وقد تكون سهلة، لكن بحسب حكمك على نفسك تستطيع أن تحدد لك المنهج؛ فتبدأ في أخذ الكتب التي تناسبك ثم تقرءها على أحد المشايخ وطلبة العلم وتكتب وتعلق، ومدار ذلك كله على رجل يعرف مستواك العلمي.

    فمن الممكن أن تأتي إلى شخص ليعلمك، وتعرف أن لديه علماً، فتقول: أريد أن أدرس كتب العقائد.

    فإنه من الممكن أن يسألك مجموعة من الأسئلة، وبناءً على إجابتك يقرر الكتاب الذي يناسبك.

    وإذا كنت إنساناً مبتدئاً لا تعرف أنواع التوحيد، فليس من الممكن أن أقول لك: اقرأ كتاب التدمرية لـابن تيمية . لأنك لو قرأت كتاب التدمرية لـابن تيمية سنة كاملة لن تفهمه.

    لأنك لا تفهم مبادئ العقيدة، وبالتالي لا يتم الحكم في هذه القضية إلا من خلال مجالستك لأحد طلبة العلم، حتى يستطيع أن يحدد مستواك الفهمي تجاه مسائل العقيدة، وبناء عليها يستطيع أن يحدد لك كتاباً يناسب مستواك العلمي الذي تحمله.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

    وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756236149