إسلام ويب

سلسلة محاسن التأويل تفسير سورة الأنعام [10-11]للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يذكر الله تعالى في سورة الأنعام بعض مقترحات الكافرين على نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن تلك المقترحات نزول ملك ليكون رسولاً أو عاضداً للرسول البشري، ولما كان منشأ هذا الاقتراح هو العناد والمكابرة، وهو الأمر الذي يحزن النبي صلى الله عليه وسلم سلّى الله تعالى نبيه وتوعد المكذبين ببيان عاقبة المستهزئين، أمراً لهم بالسير والنظر في ما بقي من آثار أولئك الظالمين.

    1.   

    بيان أسباب ضلال المشركين عن اتباع الحق

    الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فقد انتهى بنا المطاف في الدرس السابق إلى قول الله جل وعلا: وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ [الأنعام:8-9]، والآيات من سورة الأنعام.

    وكنا قد قلنا في فواتح تفسيرها: إن هذه السورة المباركة أثبتت الأصول الثلاثة: الإلهية لله جل وعلا، والرسالة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والإخبار عن البعث والجزاء، وأنها تضمنت أسلوبين هما أسلوب التقرير وأسلوب التلقين.

    وإن استصحاب السيرة مهم في دراسة القرآن، فالمجتمع القرشي في مكة كان قد طبع على العناد وطبع على الأنفة، إضافة إلى حسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وثمة عوامل مجتمعة كلها تدور حول فلك واحد، وهو أن الله جل وعلا لم يكتب لهم الهداية، ولكن أسباب عدم كتابة الهداية لهم كان لها عوامل كثيرة، ومن ذلك اعتراضات كانوا يعترضون بها على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الاعتراضات أنهم اقترحوا أن يضم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ملك، أو قالوا: كان من المفترض أن الله إذا أراد أن يبعث رسولاً أن يبعث ملكاً يصدق ويقبل عند الناس، ولا يبعث رسولاً من الناس.

    فما جعله الله رحمة طالبوا بنقضه؛ لأن الله جل وعلا من رحمته بعباده أن جعل الرسل منهم، ولهذا قال الله جل وعلا ممتناً على أهل الإيمان: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [آل عمران:164].

    فالنبي صلى الله عليه وسلم من أنفسنا، وهذا من رحمة الله جل وعلا بنا، ولكن أهل الإشراك بما طبعوا عليه من العناد اقترحوا أن يكون مع الرسول ملك، أو أن يكون الرسول ملكاً، فحكى الله تعالى قولهم فقال: وَقَالُوا [الأنعام:8] أي: أهل الإشراك لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ [الأنعام:8]، أي: على محمد، مَلَكٌ [الأنعام:8]، أي: يعضده ويكون معه حتى نصدقه بزعمهم، قال الله جل وعلا: وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ [الأنعام:8]، أي: ثم لا يمهلون.

    وقول الله جل وعلا: لَقُضِيَ الأَمْرُ [الأنعام:8]، معناه من حيث الحرفية: انتهى الأمر، ومنه قول الله جل وعلا عن يوسف: قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ [يوسف:41]، أي: انتهى الأمر.

    ولكن ما معنى (قضي الأمر) إذا ارتبط بالملك؟ وما معنى (قضي الأمر) في الرسالة؟

    إن لأهل العلم رحمهم الله في تحرير قوله تعالى: (لقضي الأمر) ثلاثة أوجه:

    الوجه الأول: أن يقال: إن سنة الله جل وعلا في خلقه أن الأمم إذا اقترحت آية ثم لم تؤمن بها جاءهم عذاب استئصال، وقد مضى قدر الله أن هذه الأمة باقية؛ لأنها آخر الأمم، فلو جاء هذا الملك كما اقترحوا ولم يؤمنوا به وقد سبق في علم الله أنهم لن يؤمنوا به فستكون العاقبة تبعاً للسنن التي لا تتبدل ولا تتغير أنهم سيستأصلون.

    وهذا يتنافى مع ما قدره الله جل وعلا لهذه الأمة، وهو أن تبقى، قال الله جل وعلا: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وهذه الأمة هي آخر الأمم، فلا يعقل أن تستأصل؛ لأن هذا يعني فناء الناس.

    وهذا وجه قاله العلماء في معنى قول الله جل وعلا: لَقُضِيَ الأَمْرُ [الأنعام:8].

    والوجه الآخر: أن يقال: إن هؤلاء الناس لا تقدر قواهم على رؤية الملائكة، فيصبح قوله: (لقضي الأمر) يعني: بمجرد أنهم يرون الملائكة سيفنون. وهذا القول فيه شيء من الضعف، ولكن ثمة قرائن عند من قال به تؤيده، ومن قرائن ذلك قولهم: إن أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم -وهم الصفوة من الخلق الذين هم في كنف الله جل وعلا وحفظه ورحمته بهم- لما رأوا الملائكة على هيئتهم خافوا وفزعوا.

    واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أصابته رعدة عندما رأى جبريل على صورته قد سد الأفق، وقال الله عن داود: وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ [ص:21-22]، قالوا: لأنهم كانوا ملائكة، فقالوا: إذا كان بعض أنبياء الله لم يقدر على أن يلقى الملك إلا بما آتاه الله فكيف لو مشى الملك بين الناس؟!

    فتوجيه قول الله جل وعلا: لَقُضِيَ الأَمْرُ [الأنعام:8]، عندهم: أن هؤلاء الناس لا تطيق قواهم رؤية الملائكة، وهذا عندي أضعف التوجيهات.

    والتوجيه الثالث: التكليف مبني على الاختيار، فرؤية الملائكة آية ملجئة ينتفي معها الاختيار، وإذا انتفى الاختيار انتفى التكليف، وإذا انتفى الاختيار انتفى التكليف.

    فالملائكة غير مكلفين؛ لأنهم ليس أمامهم إلا الطاعة، كما قال تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، والتكليف: أن تعرض على المكلف أمرين ويختار أحدهما بعد أن تخبره بعاقبة هذا وعاقبة هذا.

    فالعلماء يقولون: إن رؤية الملائكة آية ملجئة، فالإنسان إذا رأى الملائكة وقالت له: نحن من عند الله فإنه سيؤمن، ولن يكون أمامه خيار آخر ألا يؤمن، فإذا انتفى الخيار انتفى أس التكليف، والأصل أن الجن والأنس مكلفون.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً...)

    بيان معنى قوله تعالى (وللبسنا عليهم ما يلبسون)

    ثم قال الله: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ [الأنعام:9].

    المعنى: أن الرب جل وعلا يقولون: إن حكمتي تقتضي أنني لو أرسلت ملكاً أجعله في هيئة رجل، فيعود هؤلاء الأشرار بدءوا؛ لأن الملك إذا جاءهم في صورة رجل يبقى اللبس والاختلاط عليهم كما هم عليه الآن لماذا؛ لأنهم أرادوا الوصول من غير طريق الحق، فهم الآن يرون نبيهم، ومع نبيهم آيات ظاهرة ومعجزات باهرة أعظمها القرآن فلم يقبلوها ولم يقتنعوا بها ولم يلتمسوا التدبر فيها، فحادوا عن الطريق الذي يصلون به إلى معرفة الله إلى شخص الرسول فطلبوا أن يكون ملكاً.

    فلو أن الرب أجاب اقتراحهم وجعل الملك في هيئة رجل لعادوا من حيث بدءوا، فلا يدرون هل هو ملك أو هو رجل، فإذا أتاهم بالبينات وقعوا في نفس اللبس الذي وقعوا فيه مع محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا أقوى توجيه للآية.

    وذكر توجيهان آخران:

    الأول: أن رؤساء أهل الإشراك يلبسون على الضعفاء دين محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون معنى قول الله جل وعلا: وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ [الأنعام:9]، أي: نعاملهم بالمثل، فنلبس عليهم الدين كما يلبسون الدين على من يتبعهم، وهذا ظاهر.

    والثاني ذكره بعض العلماء أخذاً بظاهر اللفظ، فقال: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ [الأنعام:9] أي: هؤلاء الملائكة لو قدر أننا بعثناهم فإننا سنبعثهم في هيئة رجال،فسيلبسون ما يلبسه الرجال عادة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد استهزئ برسل من قبلك...)

    ثم قال الله جل وعلا: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الأنعام:10-11].

    هذا من تسلية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ومن تثبيت قلبه ومن تعليمه سنة الله في الرسل من قبله، فليست -أيها النبي- أول من استهزئ به، والإنسان إذا عرف مصيبة غيره هانت عليه مصيبته، تقول الخنساء في رثاء أخيها صخر :

    يذكرني طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل مغيب شمس

    ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي

    وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي

    ولهذا جاء في الزخرف أن الله جل وعلا يعاقب أهل الكفر في النار بمنعهم من التأسي بمصائب بعضهم، فقال تعالى: وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [الزخرف:39].

    فالمقصود من قول الله جل وعلا: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ [الأنعام:10] تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت جنانه، وهذا من أغراض القرآن ومقاصده الكبرى، وهو إخباره صلى الله عليه وسلم بسنة الله جل وعلا في الأمم قبله.

    ومن يتتبع مناهج المفسرين يجد أن لهم طرائق في تفسير القرآن، فمن كان منهجه تفسير القرآن بالقرآن يجد في قول الله جل وعلا: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ [الأنعام:10]، طريقاً رحباً؛ لأنه سيعرج على الآيات والسور التي ذكر الله جل وعلا فيها استهزاء الأقوام برسولهم، وهذه طريقة الشنقيطي رحمه الله تعالى في أضواء البيان، ولذلك تجده في آيات لا يبحر، وتجده يترك آيات ويعرض عن تفسيرها؛ لأن كتابه أسماه: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن.

    ومن الطرائق العلمية في التأليف أن الإنسان إذا وضع قاعدة يسير عليها لا يستطيع أحد أن يلومه.

    ولذا فإنك إذا أردت أن تقرأ كتاباً فلا تبدأ بشيء قبل مقدمته، فمن مقدمة الكتاب يتضح لك قدرة المؤلف أو طريقته، وسيكون بينك وبين القراءة فصل خطاب، فإما أن تستمر وإما أن تترك؛ لأنك تعرف من المقدمة الذي أراد صاحب الكتاب أن يبلغك إياه.

    فـالسيوطي رحمه الله تعالى من أئمة العربية الكبار، ومن أئمة العلم الشرعي، فألف كتباً عديدة لا حصر لها من باب المبالغة في نفع الناس، وألف كتاباً أسماه: (همع الهوامع)، وفي هذا الكتاب يعتمد السيوطي على ثقافة من يقرأ الكتاب، فإذا جاء ببعض الأبيات فقد يأتي بها مجزوءة، أو يأتي بأول المثل ويكتفي به، وهو لا يجهله، ولكنه اعتمد على كونه ألف هذا الكتاب لكبار الطلبة، وكبار الطلبة مظنة حفظ هذا.

    ولما ضعف العلم بعده أخذ من يطلبون العلم يقرءون همع الهوامع فيجدون فيه إشكالاً من طريقين: أولهما أنه قل في الناس من يحفظ ما كان السيوطي يحفظه، وثانيهما أن بعضهم كان يقرؤه وهو لا يعرف منهج السيوطي في التأليف، حتى جاء علامة شنقيطي رحمه الله تعالى اسمه الشيخ محمد الشنقيطي توفي قبل اثنتين وتسعين سنة، فألف كتاباً أسماه: (الضوء اللامع على همع الهوامع) فما جزأه السيوطي رحمه الله تعالى ولم يفصل فيه فصله الشنقيطي رحمه الله في كتابه هذا، وأبان في المقدمة أن السيوطي رحمه الله ألف كتابه لكبار الطلبة.

    وبعد ذلك الاستطراد أعود فأقول: إن الله جل وعلا أراد أن يعلم نبيه سنته جل وعلا في خلقه وأنبيائه الذين سبقوا، فقال تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الأنعام:10].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض...)

    ثم قال الله جل وعلا: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الأنعام:11].

    والسير في الأرض إما بالأبدان، وإما بالقلوب والأبدان.

    فإذا سار الإنسان في الأرض ببدنه لا بقلبه فقد تقر عينه بما ترى، ولكنه لا ينتفع، وأما إذا سار ببدنه وقلبه انتفع فذوو الأبصار والألباب المحمودون والممدوحون شرعاً يسيرون في الأرض بقلوبهم وأبدانهم، وهذا السير هو المقصود في الخطاب الشرعي هنا، حيث قال تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ [الأنعام:11]، أي: بقلوبكم وأبدانكم ثُمَّ انظُرُوا [الأنعام:11] بأبصاركم كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الأنعام:11].

    فإذا نظرتم بأبصاركم وقلوبكم اعتبرتم بما رأيتم، والله تعالى قد قال: وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ [الحجر:76]، فذكر قوم لوط وأنهم أهلكوا، وقوم صالح وأنهم أهلكوا، ثم بين أن آثارهم ما زالت بطريق مقيم، أي: ما زالت باقية، مع أنه تعالى أذهب آثار بعض الأمم بالكلية ليظهر من ذلك عظيم قدرته، فكم من أمم ذكرها الله في القرآن لا نعلم أين كانت ولا نرى لها أثراً، وكم من أمة في القرآن ذكرها الله جل وعلا ما زالت آثارها باقية، ولهذا قال الله: مِنْهَا قَائِمٌ [هود:100]، يعني: منها ما زال قائماً، كآثار ثمود والبحر الميت الذي كان موضع قرى قوم لوط وَحَصِيدٌ [هود:100] أي: لم يدل عليه أثر.

    والمقصود من الآيتين: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الأنعام:10-11]، تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العظة والاعتبار وتسليته، وهذه مقاصد شرعية تناولها القرآن واعتنى بها، ومن ذلك تعليم هؤلاء المخاطبين الأولين بالقرآن وهم كفار قريش بنحو قوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الأنعام:11].

    1.   

    بيان ما يجب على المرء فعله

    والعاقل من اتعظ بغيره ممن غلب عليهم الكبر وطغى عليهم العناد وبقي فيهم الشك والريب لأمور تختلف عواملها من شخص إلى آخر يجمعها كلها ما كتبه الله في الأزل وما خطه الله في القدر وما أراده الله من قبل وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [الأنعام:34]؛ لأن الله جل وعلا كتبهم من أهل الشقاوة، ومصيرهم إلى النار، ومن هنا يعلم العبد أن الهداية بيد الله كما أن الضلالة بيده.

    فيجب على الإنسان أن يكون في قلبه سريرة حسنة يجدد فيها رغبته فيما عند الله تبارك وتعالى، ولا يغره علمه ولا ثناء الناس عليه، ولا أنه يستطيع أن يصل إلى مقصوده أو أن يمنع من يريد أن يؤذيه، فالمرء في باب الهداية على وجه الخصوص يبقى معلقاً قلبه بالله يتقلب ليل نهار يخشى أن يصرفه عن صراط الله المستقيم، وأحداث الزمان المعاصر والتاريخ الذي شهدناه كان برهاناً على كثير ممن مضوا في هذا الطريق ثم رجعوا، وأقوام بدءوا بداية الله أعلم بها ثم ختم لهم بخير، وقد قال ابن تيمية رحمه الله: ليست العبرة بعثرة البدايات، إنما العبرة بكمال النهايات، وحفظ عن المعصوم صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، هذا ما تحرر إيراده وأعان الله على قوله حول الآيات الأربع من سورة الأنعام.

    وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756484157