إسلام ويب

علو الهمة [14]للشيخ : محمد إسماعيل المقدم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد جعل الله سبحانه وتعالى هداية الدلالة بيد الأنبياء والعلماء والدعاة، وأما هداية الإلهام والتوفيق فهي بيده سبحانه، فيضل الله من يشاء بعدله، ويهدي من يشاء بفضله، وهناك نماذج من أولئك الرجال الذين هداهم الله حين قطعوا حياتهم في البحث عن الحق والنور، فمن أراد شيئاً واجتهد وأخلص في طلبه بلغه الله إياه، ومن أولئك الرجال بعض القساوسة النصارى الذين كانوا يوماً ما رءوساً في أقوامهم، فتركوا هذه الحياة الدنيا، وأقبلوا على الله وآثروا ما عنده.

    1.   

    علو همة الشيخ أبي محمد الترجمان في البحث عن الحق

    إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    فقد انتهينا في مدارسة بحث علو الهمة إلى الكلام على علو الهمة في البحث عن الحق وعن دين الإسلام، وذكرنا أنموذجاً مثالياً للباحث عن الحقيقة في قصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، والقصص في عصر الصحابة أو من بعدهم كثيرة جداً، ونحن ما نقصد الاستقصاء، وإنما نريد ذكر نماذج من كل عصر من العصور، فنقصد إلى أواخر القرن الثامن الهجري وأوائل القرن التاسع، ونذكر علو همة الشيخ: أبي محمد الترجمان وهو قد توفي سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة من الهجرة، وهذا الرجل كان يدعى القسيس إنسلم ترميدا وكان من أكبر علماء النصارى في القرن الثامن الهجري.

    في الوقت الذي كان الصليبيون يكرسون جهودهم -بعد طرد المسلمين من ربوع الأندلس- في نشر النصرانية المحرفة في ربوع بلاد الأندلس، بعدما نفي المسلمون من هذا الفردوس المفقود، وفي نفس هذا الوقت شرح الله سبحانه وتعالى صدر رجل من أكبر علماء النصرانية في ذلك الزمان إلى الإسلام، فأسلم وجهه لله، واستقام على طاعة الله عز وجل، وجاهد بيده ولسانه وقلمه في سبيل الله عز وجل، ذلكم هو الشيخ: أبو محمد عبد الله بن عبد الله الترجمان كان قسيساً كما ذكرنا يدعى إنسلم ترميدا اشتهر بـ: الترجمان ؛ لأنه لما مضى خمسة أشهر على إسلامه قدمه السلطان في الديوان لقيادة البحر، وكان يقصد من ذلك أن يتعلم اللغة العربية بالتكرر على علم الترجمة هناك، يعني: في البحر والمناوشات العسكرية الحربية أو التجارية، حتى العلاقات التجارية بين الأسبان وبين العرب كانت تحتاج إلى الترجمة من إحدى اللغتين إلى الأخرى، وكانت تكثر الاحتكاكات بين النصارى والمسلمين.

    أبو محمد الترجمان في بداية طلبه لعلم النصرانية

    قال رحمه الله تعالى: اعلموا رحمكم الله أن أصلي من مدينة ميورقا، وهي جزيرة في البحر الأبيض المتوسط جنوب شرق أسبانيا اليوم، فتحها المسلمون سنة تسعين ومائتين هجرية إلى أن تغلب عليها العدو البرشلوني، وخربها سنة (508).

    يقول: اعلموا رحمكم الله أن أصلي من مدينة ميورقا أعادها الله للإسلام، وهي مدينة كبيرة تقع على البحر بين جبلين يشقها واد صغير وهي مدينة لها مرساتان عجيبتان ترسو بهما السفن الكبيرة، للمتاجر الجليلة، والمدينة في جزيرة تسمى باسم المدينة ميورقا، وأكثر غاباتها زيتون وتين، وكان والدي محسوباً من أهل حاضرة (ميورقا)، ولم يكن له ولد غيري، ولما بلغت ست سنين من عمري أسلمني إلى معلم من القسيسين قرأت عليه الإنجيل حتى حفظت أكثر من شطره في مدة سنتين، ثم أخذت في تعلم لغة الإنجيل وعلم المنطق في ست سنين، ثم ارتحلت من بلدي (ميورقا) إلى مدينة لاردا من أرض القصطلان.

    حتى الآن هذه المدينة تسمى كستلون، وقصطلة مدينة بالأندلس، فهذه المدينة مدينة القصطلان مدينة العلم عند النصارى في ذلك القطر، وفي هذه المدينة يجتمع طلبة العلم من النصارى، وينتهون إلى ألف وخمسمائة ولا يحكم فيهم إلا القسيس الذي يقرءون عليه، فقرأت فيها علم الطبيعيات والفلك مدة تسع سنين، ثم تصدرت فيها أقرأ الإنجيل ولغته ملازماً لذلك مدة أربع سنين، ثم ارتحلت إلى مدينة جلونيا من أرض الأندلس وهي مدينة كبيرة جداً وهي مدينة علم عند جميع أهل ذلك القطر، ويجتمع بها كل عام من الآفاق أزيد من ألفي رجل يطلبون العلوم ولا يلبسون إلا الملف، وهو لحاف يلتحف به، ويسمي هذا الملف كما يقول: الذي هو صباغ الله يعني: لعلهم يقصدون بذلك أنهم يلبسون لباساً معيناً يصبغ بصبغة في زعمهم مقدسة كما يفعلون في التعميد ولو كان طالب العلم منهم سلطاناً أو ابن سلطان فلا يلبس إلا ذلك؛ ليمتاز الطلبة عن غيرهم، ولا يحكم فيهم إلا القسيس الذي يقرءون عليه.

    أبو محمد الترجمان في بداية بحثه عن الدين الحق

    قال: فسكنت في كنيسة لقسيس كبير السن عندهم، وكبير القدر اسمه نقلاو مرتيل، وكانت منزلته فيهم بالعلم والدين والزهد رفيعة جداً.

    انفرد بها في زمنه عن جميع أهل دين النصرانية، فكانت الأسئلة في دينهم ترد عليه من الآفاق من جهة الملوك وغيرهم، ويصحب الأسئلة من الهدايا الضخمة ما هو الغاية -يعني النهاية- في دارة، ويرغبون في التبرك به وفي قبوله لهداياهم، ويتشرفون بذلك، فقرأت على هذا القسيس علم أصول النصرانية وأحكامه.

    ولم أزل أتقرب إليه بخدمته والقيام بكثير من وظائفه، حتى صيرني من أخص خواصه، وانتهيت في خدمتي له وتقربي إليه إلى أن دفع إلي مفاتيح مسكنه وخزائن ملكه ومأكله ومشربه، وصير جميع ذلك كله على يدي، ولم يستثني من ذلك سوى مفتاح بيت صغير بداخل مسكنه كان يخلو فيه بنفسه، الظاهر أنه بيت خزانة أمواله التي كانت تهدى إليه والله أعلم.

    فلازمته على ما ذكرت من القراءة عليه، والخدمة له عشر سنين، ثم أصابه مرض يوماً من الدهر، فتخلف عن حضور مجلس طلابه، وانتظره أهل المجلس وهم يتذاكرون مسائل من العلوم إلى أن أفضى بهم الكلام إلى قول الله عز وجل على لسان نبيه عيسى عليه السلام في الإنجيل: إنه يأتي من بعده نبي اسمه (الفارقليط)، وهو هنا ليس مخطئاً عندما قال: قول الله عز وجل على لسان نبيه عيسى في الإنجيل؛ لأن هذا قد علمنا قطعاً ما يؤيد صحته، وأنه مما لم تتناوله أيدي التحريف يعني: كلمة (الفارقليط) بالضبط الترجمة الحرفية لها (أحمد) صيغة أفعل التفضيل من (حمد) ونحن نعلم أن المسيح عليه السلام بشر بالرسول عليه الصلاة والسلام قال تعالى: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6]، فلذلك هو ما جاوز الصواب في قوله: قول الله عز وجل على لسان نبيه عيسى عليه السلام في الإنجيل: إنه يأتي من بعده نبي اسمه: الفارقليط وفي الحقيقة هذه الكلمة تستحق بحثاً مفرداً، لكن باختصار شديد لأنه ليس موضوعنا الآن نقول: إن هذه الكلمة أزعجت النصارى جداً حتى إنهم انتهى الأمر بهم في التراجم المتأخرة في العصور الأخيرة أن يحرفوها تماماً إلى معاني أخرى مثل المعزي أو المخلص أو غير ذلك من هذه العبارات المعروفة عندهم الآن؛ لأنهم يعرفون تماماً أن كلمة الفارقليط يستدل بها المسلمون على أنها تساوي في اللغة اليونانية القديمة معنى كلمة (أحمد) بنفس الحرف الذي في اسمه؛ فأرهقتهم الكلمة كثيراً، وكما هي عادتهم في التحريف في الطبعات الجديدة أن نزعوا كلمة (الفارقليط) ووضعوا مكانها لفظاً آخر يزعمون أن معناه المعزي أو المخلص إلى غير ذلك، ومعروف بأن كلمة (الفارقليط) قالها المسيح عليه السلام في اللحظات الأخيرة قبل أن يرفع إلى السماء؛ لأنه قال: (لابد أن أمضي؛ لأني إذا لم أمض لم يأتكم الفارقليط). ووصف الرسول عليه الصلاة والسلام بصفات دقيقة لا تنطبق إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فحرفت هذه الكلمة إلى لفظ (فيركليتوس) وقد حصل نقاش بين الأستاذ عبد الوهاب النجار والدكتور: كلرون بينو حول هذه الكلمة يحكي الدكتور: عبد الوهاب النجار في كتابه قصص الأنبياء يقول: ثم قلت له وأنا أعلم أنه حاصل على شهادة الدكتوراة في آداب اللغة اليونانية القديمة ما معنى (فير كليتوس)؟ فأجابني بقوله: إن القسس يقولون: إن هذه الكلمة معناها المعزى.

    فقلت: إني أسأل الدكتور: كلرون بينو الحاصل على الدكتوراة في الآداب اليونانية القديمة ولست أسأل قسيساً يعني: أنا أسألك بصفتك خبيراً في اللغة اليونانية القديمة، ولست أسأل عن رأي القساوسة في ترجمة هذه الكلمة فقال: إن معناها: الذي له حمد كثير فقلت: هل ذلك يوافق أفعل التفضيل من حمد فقال: نعم، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسمائه أحمد فقال: يا أخي! أنت تحفظ كثيراً، يعني: هو اكتسب هذا التعليم.

    أبو محمد الترجمان يسأل سيده عن معنى الفارقليط فكانت هدايته للحق

    المهم: أنه لما تخلف القسيس بسبب مرضه في ذلك اليوم عن حضور مجلس أقرانه وانتظره الناس، فلما لم يحضر أقرانه من القساوسة اضطرو إلى أن يتناقشوا في مسائل من العلوم .. إلى أن أفضى بهم الكلام في مناقشة قول الله عز وجل على لسان المسيح عليه السلام: إنه يأتي من بعدي نبي اسمه الفارقليط هما ترجموا هذه الكلمة والمعلوم أن الأعلام لا تترجم، فلو أن شخصاً اسمه سعيد في أي لغة المفروض أنه يبقى سعيد كما هو بالعربي بالإنجليزي بالفرنسي، فهم ترجموا كلمة الفارقليط إلى معنى آخر غير ما دلت عليه، وفي بداية الأمر ترجموا معناها إلى اللغة اليونانية وجعلوها كلمة (فارقليط) التي تساوي بالضبط أحمد، فهي أفعل تفضيل من صيغة حمد، فناقشوا هذه المسألة فيما ناقشوه لما تخلف كبيرهم القسيس، فبحثوا في تعيين هذا النبي من هو من الأنبياء؟ وقال كل واحد منهم بحسب علمه وفهمه، فعظم بينهم في ذلك مقالهم، وكثر جدالهم، ثم انصرفوا من غير تحصيل يعني: من غير الاتفاق على معنى معين لهذه الكلمة، ثم لما رجع إلى القسيس الكبير الذي كان مريضاً قال له: ما الذي كان عندكم اليوم من البحث في غيبتي عنكم، فأخبرته باختلاف القوم في اسم الفارقليط وأن فلاناً قد أجاب بكذا .. وأجاب فلان بكذا .. وسردت له أجوبتهم فقال لي: وبماذا أجبت أنت؟! فقلت: بجواب القاضي فلان في تفسيره للإنجيل فقال: لما قصرت وقربت! لما قصرت وقربت! وفلان أخطأ، وكاد فلان أن يقارب، ولكن الحق خلاف هذا كله؛ لأن تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلا العلماء الراسخون في العلم، وأنتم لم يحصل لكم من العلم إلا القليل، فبادرت إلى قدميه أقبلهما وقلت له: يا سيدي! قد علمت أني ارتحلت إليك من بلد بعيد، ولي في خدمتك عشر سنين، حصلت عنك فيها من العلوم جملة لا أحصيها، فلعل من جميل إحسانكم أن تمنو علي بمعرفة هذا الاسم، فبكى الشيخ وقال لي: يا ولدي! والله لأنت تعز علي كثيراً من أجل خدمتك لي وانقطاعك إلي، وفي معرفة هذا الاسم الشريف فائدة عظيمة، لكني أخاف أن يظهر ذلك عليك، فتقتلك عامة النصارى في الحين -فوراً سوف يقتلونك- فقلت له: يا سيدي! والله العظيم وحق الإنجيل ومن جاء به لا أتكلم بشيء مما تسره إلي إلا عن أمرك، فقال لي: يا ولدي! إني سألتك في أول قدومك علي عن بلدك، وهل هو قريب من المسلمين، وهل يغزونكم أو تغزونهم، لأختبر ما عندك من المنافرة للإسلام، يعني: حتى أكتشف حساسيتك وعداءك ونفورك من دين الإسلام.

    فاعلم يا ولدي أن (الفارقليط) هو اسم من أسماء نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وعليه نزل الكتاب الرابع المذكور على لسان دانيال عليه السلام، وأخبر أنه سينزل هذا الكتاب عليه، وأن دينه هو دين الحق، وملته هي الملة البيضاء المذكورة في الإنجيل، فطبعاً واضح جداً من هذا الكلام أن هذا القسيس يؤمن برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرف أوصافه الموجودة في التوراة والإنجيل.

    وهذه من الحقائق المعروفة أن علماء أهل الكتاب يعرفون جيداً الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، ولذلك قال تبارك وتعالى: فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ [يونس:94]، وأشار الإمام الجويني رحمه الله تعالى حينما تكلم على هذه الآية الكريمة إلى قول صاحب الكشاف الذي قال: والمعنى أن الله تعالى قدم ذكر بني إسرائيل وهم قراء الكتاب، ووصفهم بأن العلم قد جاءهم؛ لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم .. إلى آخر القول.

    فالغرض: وصف الأحباب بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، المهم قال هذا الرجل: اعلم يا ولدي أن (الفار قليط) هو اسم من أسماء نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وعليه نزل الكتاب الرابع، المذكور على لسان دانيال عليه السلام.

    ورؤية دانيال هذه من الرؤى المشهورة جداً، ولها شأن عظيم، الكلام فيها يطول لكن باختصار شديد فيها أوصاف تنطبق في منتهى الدقة على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وأخبر أنه سينزل هذا الكتاب عليه، وأن دينه هو دين الحق، وملته هي الملة البيضاء المذكورة في الإنجيل، قلت له: يا سيدي! وما تقول في دين هؤلاء النصارى؟! فقال لي: يا ولدي! لو أن النصارى أقاموا على دين عيسى الأول لكانوا على دين الله؛ لأن عيسى وجميع الأنبياء دينهم دين الله عز وجل، ولكنهم بدلوا وكفروا، فقلت له: يا سيدي! وكيف الخلاص من هذا الأمر؟! فقال: يا ولدي! بالدخول في دين الإسلام، فقلت له: وهل ينجو الداخل فيه؟ قال لي: نعم ينجو في الدنيا والآخرة، فقلت: يا سيدي! إن العاقل لا يختار لنفسه إلا أفضل ما يعلم، فإذا علمت فضل دين الإسلام فما يمنعك منه؟! فقال لي: يا ولدي! إن الله تعالى لم يطلعني على حقيقة ما أخبرتك به من فضل الإسلام وشرف نبي أهل الإسلام إلا بعد كبر سني، ووهن جسمي، ولا عذر لنا فيه بل هو حجة الله علينا قائمة، ولو هداني الله لذلك وأنا في سنك لتركت كل شيء ودخلت في دين الحق، وحب الدنيا رأس كل خطيئة، وأنت ترى ما أنا فيه عند النصارى من رفعة الجاه والعز، والترف، وكثرة عرض الدنيا، ولو أني ظهر علي شيء من الميل إلى دين الإسلام لقتلتني العامة في أسرع وقت، وهب أني نجوت منهم وخلصت إلى المسلمين فأقول لهم: إني جئتكم مسلماً فيقولون: قد نفعت نفسك بنفسك بالدخول في دين الحق فلا تمن علينا بدخولك في دين خلصت به نفسك من عذاب الله، فأبقى بينهم شيخاً كبيراً فقيراً ابن تسعين سنة لا أفقه لسانهم، ولا يعرفون حقي، فأموت بينهم جوعاً، انظر كيف ثقلت همته بسبب هذا التلبيس من الشيطان الرجيم؟!

    لاشك أن ما قاله وما فكر فيه هو خيال فاسد وسوء ظن بخير أمة أخرجت للناس، وجهل أيضاً بسماحة الإسلام ونظامه الاجتماعي الرائع المبني على التكافل والرحمة والإحسان إلى الخلق.

    ولو كان كان هؤلاء الخلق باقون على دينهم فيكونون أهل ذمة فلهم من الحقوق ما هو معلوم، فكيف إذا تحول الكافر عن دينه إلى دين الإسلام، هل يظن أن المسلمين يظلمونه أو يحقرونه أو لا يوفونه حقه؟! تأمل ما حكاه أبو عبيد عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى حينما كتب إلى عدي بن أرطأة بالبصرة قال له: وانظر من عندك من أهل الذمة من قد كبر سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب -يعني: لا يستطيع التكسب- فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه، فلو أن رجلاً من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب كان من الحق عليه أن يقوده حتى يفرق بينهما موت أو عتق، وذلك أنه بلغني أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس يتسول فقال: ما أنصفناك إن كنا أخذنا منك الجزية في شيبتك ثم ضيعناك يعني: وهو شاب ثم ضيعناك في كبرك، ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه.

    وأقوى رد على هذا الظن الفاسد الذين ظنه هذا القسيس هو ما لقيه الترجمان نفسه حينما أسلم من حفاوة ومن تقدير، ومن تكريم من المسلمين، فهذا من تلبيس إبليس على هذا الرجل حينما قال: إذا خلصت من النصارى من محاولتهم قتلي واستطعت أن أصل إلى المسلمين سيقول لي المسلمون: قد نفعت نفسك بنفسك بالدخول في دين الحق، فلا تمن علينا بدخولك في دين خلصت به نفسك من عذاب الله، فأبقى بينهم شيخاً كبيراً فقيراً ابن تسعين سنة، لا أفقه لسانهم، ولا يعرفون حقي فأموت بينهم جوعاً، وأنا والحمد لله على دين عيسى، وعلى ما جاء به يعلم الله ذلك مني. يعني: أن عيسى رسول وليس هو الله.

    فقلت له: يا سيدي! أفتدلني على أن أمشي إلى بلاد المسلمين وأدخل في دينهم؟ فقال لي: إن كنت عاقلاً طالباً للنجاة فبادر إلى ذلك تحصل لك الدنيا والآخرة، ولكن يا ولدي هذا أمر لم يحضره أحد معنا الآن، فاكتمه بغاية جهدك، وإن ظهر عليك شيء منه قتلتك العامة لحينك، ولا أقدر على نفعك إذا قتلوك أو حاولوا أن يؤذوك، أنا لا أستطيع أن أدفع عنك، ولا ينفعك أن تنقل ذلك عني.

    يعني: إذا قلت لهم حينئذ إن الذي دلني على هذا هو القسيس فلان فإنك لن ينفعك أن تنقل ذلك عني، فإني أجحده إذا ذكرت ذلك عني وقولي مصدق عليك، وقولك غير مصدق علي، طبعاً سيقبل الناس قولي أنا ويرفضون قولك، وأنا بريء من ذلك إن فهت بشيء من هذا.

    بداية رحلة محمد الترجمان إلى بلاد المسلمين

    فقلت: يا سيدي! أعوذ بالله من سريان الوهم لهذا، وعاهدته بما يرضيه.

    ثم أخذت في أسباب الرحلة وودعته، فدعا لي عند الوداع بخير وزودني خمسين ديناراً ذهباً، وركبت البحر منصرفاً إلى بلدي مدينة ميورقا، فأقمت بها مع والدي ستة أشهر، ثم سافرت منها إلى جزيرة صقلية وأقمت بها خمسة أشهر وأنا أنتظر مركباً يتوجه لأرض المسلمين، فحضر مركب يسافر إلى تونس فسافرت فيه من صقلية، وأقلعنا عنها قرب مغيب الشفق، فوردنا مرسى تونس قرب الزوال، فلما نزلت بجوار تونس وسمع بي الذين بها من أحبار النصارى في تونس -يعني: سمعوا بمقدمه- وأنه حاضر عندهم، وطبعاً كان هو أكبر علماء النصارى في ذلك الوقت.

    قال: فأتوا بمركب وحملوني عليه معهم إلى ديارهم، وصحبت بعض التجار الساكنين أيضاً بتونس فأقمت عندهم في ضيافتهم على أرغد عيش مدة أربعة أشهر.

    إعلان أبي محمد الترجمان إسلامه أمام سلطان تونس

    ثم بعد ذلك سألتهم هل بدار السلطان أحد يحفظ لسان النصارى؟ وكان السلطان آنذاك مولانا أبو العباس أحمد رحمه الله، فذكر لي النصارى أن بدار السلطان المذكور رجلاً فاضلاً من أكبر خدامه اسمه يوسف ، وكان طبيبه ومن خواصه، ففرحت بذلك فرحاً شديداً وسألت عن مسكن هذا الرجل الطبيب فدخلت عليه واجتمعت به، وذكرت له شرح حالي وسبب قدومي للدخول في الإسلام، فسر الرجل بذلك سروراً عظيماً، بأن يكون تمام هذا الخير على يديه.

    ثم ركب فرسه وحملني معه إلى دار السلطان ودخل عليه فأخبره بحديثي واستأذنه لي، فأذن له، فمثلت بين يديه فأول ما سألني السلطان عن عمري فقلت له: خمسة وثلاثون عاماً، ثم سألني عما قرأت من العلوم فأخبرته، فقال لي: قدمت قدوم خير فأسلم على بركة الله، فقلت للترجمان وهو الطبيب المذكور: قل لمولانا السلطان: إنه لا يخرج أحد من دينه إلا ويكثر أهله القول فيه، يعني: أهل الدين الذي كان عليه سيطعنون به ويشنعون عليه.

    قل لمولانا السلطان: إنه لا يخرج أحد من دين إلا ويكثر أهله القول فيه والطعن فيه، فأرغب من إحسانكم أن تبعثوا إلى الذين بحضرتكم من تجار النصارى وأحبارهم وتسألوهم عني، وتسمعوا ما يقولون في جنابي، وحينئذ أسلم إن شاء الله تعالى.

    فقال لي بواسطة الترجمان: أنت طلبت ما طلب عبد الله بن سلام رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم حين أسلم، كما تعرفون تتشابه قصة إسلام الترجمان مع إسلام الصحابي الجليل عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه، كون أنه يهودي يسلم شيء نادر يعني: قليل من اليهود الذين أسلموا في عصور كثيرة، فاليهود من أقسى خلق الله قلباً والعياذ بالله! فكون يهودي يسلم تكون هذه علامة اصطفاء من الله سبحانه وتعالى .. فـعبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه من بني إسرائيل ومن ولد يوسف بن يعقوب نبي الله عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، وقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولما جاء قالوا: جاء نبي الله، فاستشرفوا ينظرون إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يختلس منها بعض البلح، فعجل أن يضع التي يختلس لهم فيها، يعني: لمجرد ما سمع أن الرسول عليه السلام أقبل إلى المدينة وهو يجمع البلح لأهله في طبق حتى يأكلوا منه ما شعر بنفسه، انصرف إلى الرسول عليه السلام فوراً وهو يحمل هذا الطبق من شدة اهتمامه برؤية الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يجد هو وقتاً أن يوصل الطبق إلى أهله أو يضعه في مكان معين، لكن انصرف بسرعة وهو يحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله قال: فلما خلا نبي الله جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله حقاً، وأنك جئت بحق، ولقد علمت اليهود أني سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فأسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في، فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم إليهم فدخلوا عليه، فقال لهم نبي الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر اليهود! ويلكم اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقاً، وأني جئتكم بحق أسلموا، قالوا: ما نعلمه).. هذا الكلام الذي تقوله ما نعلمه (فأعادها عليهم ثلاثاً وهم يجيبونه كذلك قال: فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام قالوا: ذاك سيدنا! وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا! قال: أفرأيتم إن أسلم؟! قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، فقال: يا ابن سلام ! اخرج عليهم، فخرج إليهم فقال: يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله والله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقاً، وأنه جاء بالحق، فقالوا: كذبت! فأخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم).

    الشاهد من القصة: أنه لأجل هذا قال له السلطان: أنت طلبت ما طلب عبد الله بن سلام من النبي صلى الله عليه وسلم حين أسلم، ثم أرسل إلى أحبار النصارى وبعض تجارهم، وأدخلني في بيت قريب من مجلسه، فلما دخل النصارى عليه، قال لهم: ما تقولون في هذا القسيس الجديد الذي قدم في هذا المركب؟ قالوا له: يا مولانا! هذا عالم كبير في ديننا، وقالت شيوخنا: إنهم ما رأوا أعلى من درجته في العلم والدين في ديننا، فقال لهم: وما تقولون فيه إذا أسلم؟! قالوا: نعوذ بالله من ذلك! هو ما يفعل ذلك أبداً، فلما سمع ما عند النصارى بعث إلي فحضرت بين يديه وشهدت شهادة الحق بمحضر النصارى فصلبوا على وجوههم! وهذا معروف والعياذ بالله عند النصارى إذا أرادوا التعوذ من شيء رفعوا أصابعهم مضمومة على جبهتهم ثم أشاروا بعلامة في الصليب مروراً بالكتف الأيمن فالأيسر فالوسط.

    وقد تتعدى هذه الإشارة من التعوذ إلى التبرك؛ حيث إن ما يسمى (البابا) يطلب ويطنون أنه بذلك يلقي عليهم البركات بإشارة التصليب والعياذ بالله!

    المهم أنهم لما سمعوا ذلك صلبوا على وجوههم وقالوا: ما حمله على هذا إلا حب التزويج، فإن القسيس عندنا لا يتزوج، وخرجوا مكروبين محزونين!

    وتحريم الزواج هو في الكنيسة الكاثوليكية؛ لأن الكاثوليكية حرمت على القسس والرهبان والراهبات الزواج، وهذا أدى إلى الفساد الشديد في أوساط هؤلاء القوم، حتى إنهم كانوا يأتون الفواحش ويقولون: هذا نوع من المساكنة الروحية وكان هذا أحد أسباب قيام مرتن لوثر بثورته على الكنيسة في القرن السادس عشر، وكان ضمن آرائه فيما يسمى بالإصلاح الكنسي أن جزءاً من فساد الدين يرجع إلى عدم الزواج، ورأى أن المنع منه لم يكن في النصرانية في عصورها الأولى، فقرر حقهم في الزواج، وتزوج هو فعلاً من راهبة مع أنه من رجال الدين.

    المهم أنهم قالوا: ما حمله على أن يدخل في الإسلام إلا أنه يريد أن يتزوج، والقسس عندنا لا يتزوجون، وخرجوا مكروبين محزونين؛ فرتب لي السلطان رحمه الله ربع دينار في كل يوم في دار مختص، وزوجني ابنة الحاج محمد الصفار ، فلما عزمت على البناء بها أعطاني مائة دينار ذهباً، وكسوة جيدة كاملة، فبنيت بها وولد لي منها ولد سميته محمداً على وجه التبرك باسم نبينا صلى الله عليه وسلم.

    خدمة أبي محمد الترجمان للإسلام في بيان بطلان دين النصرانية

    ثم شرع الشيخ الترجمان في ذكر طرف من أخبار الدولة الحفصية التي خدم في ديوانها، ثم أردفها بأبواب تسعة في الكتاب تكلم فيها عن كتب الأناجيل الأربعة متى ، ومرقس ، ولوقا ، ويوحنا ، وأكد فيها أنهم ليسوا من حواري المسيح عليه السلام بأدلة علمية دقيقة، ثم ناقش قضايا التعميد الذي هو التغطيس، والأقانيم، والخطيئة الأولى، والعشاء الرباني، وصك الغفران، وقانون الإيمان، وفندها كلها بنصوص الأناجيل وبأدلة العقل والمنطق.

    ثم أثبت بشرية المسيح عليه السلام، ونفى ألوهيته المزعومة، ثم عرض التناقضات في نصوص الأناجيل المحرفة، ثم تعرض لما يعيبه النصارى على المسلمين كزواج العلماء والصالحين والختان، والنعيم الحسي في الجنة، ثم ختم كتابه بإثبات نبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان فضله ومنزلته بنصوص من التوراة والإنجيل.

    فهذا باختصار مرور عابر على سيرة هذا الشيخ، وجهاده بقلمه ولسانه في سبيل الله عز وجل، أما جهاده بيده فقد اشترك رحمه الله تعالى في جهاد بني جلدته من الكافرين في حملة الصور الحفصي على جزيرة صقلية سنة ست وتسعين وسبعمائة هجرية، كان يتولى منصب القائد البحري، حتى إنه روي أنه استشهد أثناء الغارة الصليبية على تونس، فإن صحت هذه الرواية فهذا شرف عظيم يضاف إلى سجله الناصع في خدمة دين الحق والجهاد في سبيله، ولا شك أن سيرة الشيخ الترجمان منار ينير الدرب للتائهين في لجج الظلام ودياجير الجهل، ويحرر عقولهم من أسر التقليد الأعمى لمن لا يملكون لهم رزقاً ولا أجلاً.

    فرحم الله الشيخ الترجمان وأعلى درجته في المهديين.

    قصة تلقيب أبي محمد الترجمان بسيدي تحفة

    فأرسله السلطان ليكون مسئولاً في قيادة البحر لأجل أن يتعلم اللغة العربية هناك من خلال هذه الترجمة، فأتقن اللغة العربية في سنة واحدة، وعينه الأمير رئيساً لشئون الترجمة، وكان من ألقابه عند عوام الناس في بلاد المغرب: سيدي تحفة ، وذلك نسبة إلى كتابه الشهير الذي ألفه بعد إسلامه وهو الآن مطبوع وموجود، ويسمى: تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب فالعوام اختصروا هذا الموضوع ونسبوه إلى هذا الكتاب، فقالوا: سيدي تحفة نسبة إلى كتابه تحفة الأريب، وأعتقد أن هذه التسمية عند العوام فيها إصابة يعني: أصابوا فيها الحق، بخلاف ما يحصل أحياناً من العوام من انفعالات غريبة جداً، أو أنها تعكس أكثر الألقاب التي يلقونها، يعني: أنا أذكر كما سمعت في أثناء الحرب العالمية لما كان هتلر هنا يعد أهل مصر خيراً لو تعاونوا معه ضد الإنجليز، فبمجرد أن بدأ هتلر يغازل الشعب المصري ببعض العبارات اللطيفة صار له لقب عند العوام هنا في مصر يسمونه: الحج محمد هتلر ؛ تعبيراً عن أنهم تفاعلوا مع هذه العاطفة التي أبداها تجاههم، ففوراً سموه الحج محمد هتلر ، يعني: سبحان الله الناس تتحول بين يوم وليلة، السفاح الذي كان بالأمس يقتل ويده ملوثة بالدماء، وتاريخه أسود، وإلى آخر لحظات من عمره وهو في محاربة لله ورسوله وللمؤمنين، ومع ذلك نجد بعض من انحطت هممهم وسفلت نفسيتهم ينقادون ويقادون إلى مثل هذه المهازل التاريخية في الحقيقة، والله المستعان!

    فالشاهد أن العوام في بلاد المغرب الإسلامي قد أصابوا فعلاً حينما سموه سيدي تحفة ؛ لأنه كان أعظم ما أنجزه هذا الرجل الجليل هو هذا الكتاب الرائع: تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب، وكان ذلك الكتاب يمثل ضربة قوية على بنيان النصرانية، كتبه عالم من أكبر علماء النصرانية في عصره باعتراف أهلها وشهادتهم، افتتح هذا الكتاب بذكر قصة إسلامه، وسوف نتلو عليكم هذه القصة كما حكاها هو بنفسه رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه.

    1.   

    علو همة القسيس رحمة برلومو في البحث عن الحق

    ونقصد الآن إلى العصور المتأخرة من هذا الزمان ولنتعرض أيضاً لنموذج من نماذج علو الهمة في البحث عن الدين الحق، وصاحب هذه القصة هو الأخ: رحمة برلومو ، وهو رجل ينتسب إلى أب هولندي وأم إندونيسية من مدينة أنبول الواقعة في جزيرة صغيرة في أقصى الشرق من جزر إندونيسيا، والنصرانية هي الدين الموروث لأسرته أباً عن جد، كان جده قسيساً ينتمي إلى مذهب البروتستانت، وكان أبوه أيضاً قسيساً، وكانت والدته معلمة الإنجيل للنساء، أما هو نفسه فقد كان قساً ورئيساً للتبشير في كنيسة بيجن إنجلتلوا.

    شدة عداوة النصارى لمحمد ودينه

    قال وهو يحكي سبب إسلامه:

    لم يخطر ببالي ولو للحظة واحدة أن أكون من المسلمين، إذ إنني منذ نعومة أظفاري تلقيت التعليم من والدي الذي كان يقول لي دائماً: إن محمداً رجل بدوي صحراوي، ليس له علم ولا دراية، ولا يقرأ، وإنه أمي، وهذا من جهلهم الفاحش وعدوانهم؛ لأن الكتابة لا تتعين سبيلاً لتحصيل العلم يعني: هناك سبل أخرى خاصة كالوحي من الله سبحانه وتعالى، فهذا أعظم منبع يستقى منه العلم، يقول: هكذا علمني أبي، بل أكثر من ذلك فقد قرأت للبروفيسور الدكتور: ريكونجي النصراني الفرنسي قوله في كتاب له -يعني: عبارة شنيعة جداً والعياذ بالله من كذب وافتراء هؤلاء المجرمين، وعدوانهم على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- يزعم فيه أن محمداً رجل كذاب والعياذ بالله! يعني: ينسبونه إلى الكذب حاشاه عليه الصلاة والسلام، ويزعم هذا الكافر أنه يسكن في الدرك السابع من النار. لعنة الله على قائل ذلك!

    هكذا كانت تساق المفتريات الكثيرة لتشويه شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن التضليل الإعلامي اليهودي بالذات على مستوى العالم يعتبر سبباً كبيراً جداً في صد الناس عن دين الإسلام وإلا فهناك ملايين من البشر والله تعالى أعلم لو أزيلت الحجب والحواجز والتشويه والتشنيع على الإسلام، ووصلت إليهم الصورة الحقيقية لأسلم عدد هائل جداً من هؤلاء الناس، لكن الحقائق مغيبة ومزيفة في نظرهم بفعل اليهود لعنهم الله، وإخوانهم من النصارى، وهذا ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث قال: (إن الكافر إذا وضع في قبره فإنه يسأل عن ثلاثة أمور: من ربك؟ وما دينك؟ وما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟).

    أما المؤمن فيشهد شهادة الحق، وأما الكافر فعندما يقال له: وما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه، ولا يدري من هو هذا الرجل، فيقال له: محمد، يذكرونه باسمه محمد عليه الصلاة والسلام فيقول: لا أدري! سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فهذا غاية ما عند هؤلاء الكفار يعني: أنهم يرددون ما يقوله الآخرون دون تمحيص، ودون تحرٍ أو تحقق وتثبت من صدق هذا الكلام، وهو متعلق بأخطر قضية في الوجود، وهي علاقته بربه سبحانه وتعالى، ودينه الإسلام، ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

    فنحن بلا شك نقطع ونجزم بأن كل إنسان بلغته دعوة الإسلام، وسمع عن الإسلام أو عن القرآن أو عن محمد عليه الصلاة والسلام، فمن بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام سدت كل الطرق المؤدية إلى الجنة، وبقي طريق واحد فقط يدخل الناس منه الجنة، هو طريق محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يتصور أبداً أن أي كافر من أي دين سمع عن الإسلام أو عن الرسول والقرآن ثم لم يسلم ويمكن أن تكون له نجاة، فما يفعله السفهاء والزنادقة من قولهم: إسحاق رابين رحمه الله وإسحاق رابين صانع السلام، سبحان الله! ماذا حصل في عقول الناس؟!

    حتى لما قتل كان الملك حسين يتمنى موتة مثل موتته، قال: أتمنى أن أموت بنفس الميتة وربنا كريم!

    والله إن الإنسان ليعجب من هذه الرقة والعذوبة واللين والحب والبكاء! زوجة الملك حسين بقيت حوالي أربع ساعات تبكي بكاء متصلاً وقيل: بل شهرين أو ثلاثة تكون العلاقات الودية وصلت إلى هذا الحد!

    إذاً: هذا عمر طويل وهذا الخبيث الهالك لما عقد معاهدة السلام مع الأردن قال الملك حسين : أما آن اليوم لعلاقاتنا أن تصبح علانية؟!

    فالشاهد: أن هؤلاء رضوا بأن ينحازوا إلى معسكر أعداء الله وأعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحن نجزم ونقطع قطعاً كما أننا نقطع بأن الشمس إن شاء الله ستشرق من المشرق غداً أن هذا الرجل مات على الكفر فهو هالك، ونسأل الله إن كان كذلك أن يملأ قبره عليه ناراً، وأن يلحق به كل من يحبونه ويعتبرونه صانعاً للسلام، فهذه في الحقيقة كانت جنازاتهم وليست جنازته هو، فالإنسان يعجب مما يحصل في هذه العقول من الافتتان بهذه الصورة! الرجل من شهور قليلة كان يقول: إن إسرائيل عليها أن تستعد لحرب ضد مصر أو ضد العرب، وأيامها حصلت أظن أزمة كبيرة جداً معروفة.

    فما زالوا حتى الآن يسنون لنا السكين، ونحن نقول: صانع السلام، ويده كانت ملوثة من قتل الشقاقي في جزيرة مالطا من أيام قليلة، فأخذه الله سبحانه وتعالى أخذ عزيز مقتدر، وبيد خبيث من خبثائهم أيضاً، والشخص الذي قتله تجد الكلام عليه فيه منتهى الاحترام، يعني: إذا دقق الشخص ما يجد أبداً وصفه بأنه إرهابي، لم يوصف هذا اليهودي على زعمهم بأنه إرهابي متطرف ما هو السر؟

    لأنه متدين وقال: أنا فعلت ذلك عن عقيدة، وأن هذا رجل خان إسرائيل، وأنه فرط في أرض إسرائيل.

    ومع ذلك ما جرؤ أحد أبداً أن يقول عليه إنه إرهابي، ولا يشتمونه الشتائم التي تقال لو أن مسلماً خدش خدشة فقط رموه بالإرهاب والتطرف.. إلى آخره والحقيقة: كل يهودي متطرف! وكل نصراني متطرف! وكل من حاد عن الإسلام وعن منهج أهل السنة هو المتطرف في الحقيقة، لكن المسألة عبارة عن أدوار تتوزع بينهم، فهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى أنه يسلط بعض الظالمين على بعض، ويخرج المؤمنون الموحدون من بينهم سالمين، فلاشك أن هذه من آيات الله سبحانه وتعالى.

    ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يلحق بـإسحاق رابين كل من يترحم عليه، وكل من يحبه، والمرء يحشر مع من أحب.

    و كلنتون يمدحه بالزهد في الدنيا، أنه كان رجلاً زاهداً مكث طول عمره لا يعرف ربطة العنق (الكرفته).

    من ضمن الحاجات العجيبة جداً أن هذا الخبيث الهالك قبل موته بفترة قليلة أصدر أمراً بمنع ياسر عرفات من دخول القدس فلذلك منع من حضور الجنازة، وإلا فكان أول الناس الذين سيقومون بما يرونه واجباً بالنسبة لهم، لكن هذا الخبيث الهالك كان قد أصدر أمراً بمنع عرفات من دخول مدينة القدس، كما نرى أنه كان في بيئة شديدة التعصب لهذه الملة المحرفة.

    المهم: هذا الرجل هو نفسه أيضاً كان قسيساً بل رئيساً للتبشير في كنيسة بيجن إنجلتلوا، قال وهو يحكي سبب إسلامه: لم يخطر ببالي ولو للحظة واحدة أن أكون من المسلمين إلى آخر ما قال.

    ويقول: وهكذا كانت تساق المفتريات الكثيرة لتشويه شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنذ ذلك الحين تولدت لدي فكرة مغلوطة راسخة تدفعني إلى رفض الإسلام، وعدم اتخاذه ديناً لي، ثم يقول: الواقع أنه لم يكن من أهدافي لحال من الأحوال أن أبحث عن دين الإسلام، ولكني كما قررت بأن أهتدي إلى الحق، ولكن لما كنت أبحث عن الحق المجهول كنت أتساءل: لماذا كنت أبحث عن الحق المجهول؟ ولماذا تركت ديني رغم أنني كنت أتمتع فيه بمكانة مرموقة بين قومي حيث كنت رئيس التبشير المسيحي في الكنيسة، وكنت أحيا حياة كلها رفاهية ويسر، إذاً: لماذا اخترت الإسلام؟

    مدرس تحفيظ يشكك القسيس رحمة برلومو في عقيدته

    بدأت القصة على النحو التالي: في يوم من الأيام أرسلتني قيادة الكنيسة للقيام بأعمال تبشيرية لمدة ثلاثة أيام ولياليها في منطقة دايدي التي تبعد عن العاصمة الواقعة في شمال جزيرة سومطرة بضع مئات من الكيلومترات، يقول: ولما انتهيت من أعمال التبشير والدعوة، وآويت إلى دار مسئول الكنسية في تلك المنطقة، وكنت في انتظار وصول سيارة تقلني إلى موقع عملي وإذا برجل يطلع علينا فجأة، لقد كان معلماً للقرآن، وهو ما يسمى في إندونيسيا مطوع في الكتاب، وهو بهذه الهيئة البسيطة، لقد كان الرجل ملفتاً للأنظار، كان نحيف الجسم، دقيق العود، يرتدي كوفية بيضاء بالية خلقة، ولباساً قد تبدل لونه من كثرة الاستعمال، حتى أن نعله كان مربوطاً بأسلاك ليصد قدمه، اقترب الرجل مني، وبعد أن بدأني بالتحية بادرني بالسؤال التالي، وكان سؤالاً غريباً من نوعه قال: لقد ذكرت في حديثك أن عيسى المسيح إله فأين دليلك على ألوهيته؟ فقلت له: سواء أكان هناك دليل أم لا فالأمر لا يهمك، إن شئت فلتؤمن وإن شئت فلتكفر، وهنا أدار الرجل ظهره لي وانصرف يقول: ولم ينته الأمر عند هذا الحد فقد أخذت أفكر في قرارة نفسي وأقول: هيهات هيهات أن يدخل هذا الرجل الجنة؛ لأنها مخصصة فقط لمن يؤمن بألوهية المسيح فحسب، هكذا كنت أعتقد جازماً آنذاك!

    ولكن عندما عدت إلى بيتي وجدت أن سؤال الرجل يزلزل فروعي، ويدق بقوة في أسماعي، مما دفعني إلى الرجوع إلى كتب الإنجيل بحثاً عن الجواب الصحيح على سؤاله، ومعلوم أن هناك أربعة أناجيل مختلفة أحدها: متى ، والثاني: مرقس ، والثالث: لوقا ، والرابع: إنجيل يوحنا ، وهذه أسماء من ألف كل إنجيل منها: أي: أن الأناجيل الأربعة المشهورة هي من صنع البشر، وهذا غريب جداً! ثم سألت نفسي: هل هناك قرآن بنسخ مختلفة من صنع البشر؟ وجاءني الجواب الذي لا مفر منه، وهو بالطبع: لا يوجد، فهذه الكتب وبعض الرسائل الأخرى هي فقط مصدر تعليم الديانة المسيحية المعتمدة.

    وأخذت أدرس الأناجيل الأربعة فماذا وجدت؟ هذا إنجيل متى ماذا يقول عن المسيح عليه السلام؟ إننا نقرأ فيه ما يلي: إن عيسى المسيح ينتسب إلى إبراهيم وإلى داود .. إلى آخره، إذاً: من هو عيسى؟ أليس من بني البشر؟ نعم، إذاً فهو إنسان، وهذا إنجيل لوقا : ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية، وهذا إنجيل مرقس يقول: هذه سلسلة من نسب عيسى المسيح .. إلى آخر الكلام البشع الذي يزعمون فيه أنه ابن الله.

    وأخيراً: ماذا يقول إنجيل يوحنا عن عيسى المسيح عليه السلام؟! إنه يقول: في البدء كان الكلمة عند الله، وكانت كلمة الله، ومعنى هذا النص: هو في البدء كان المسيح عند الله، والمسيح هو الله، قلت لنفسي: إذاً هناك خلاف بين هذه الكتب الأربعة حول ذات المسيح عليه السلام أهو إنسان أم ابن الله أم ملك أم هو الله؟

    لقد أشكل علي ذلك ولم أعثر له على جواب، وهنا أحب أن أسأل إخواني النصارى: هل يوجد في القرآن الكريم تناقض بين آية وأخرى؟ لا، لماذا؟

    لأن القرآن من عند الله سبحانه وتعالى، أما هذه الأناجيل فهي من تأليف البشر، إنكم تعرفون ولاشك أن عيسى عليه السلام كان طيلة حياته يقوم بأعمال الدعوة إلى الله هنا وهناك، ولنا أن نتساءل: ترى ما هو المبدأ الأساسي الذي كان يدعو إليه المسيح عليه السلام؟ هذا إنجيل مرقس يقول: فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون، فلما رأى أنه -يعني: المسيح- أجابهم حسناً سأله أية وصية هي الأولى؟ -هذا الرجل سأل المسيح ما هي أهم وصية؟- فأجابه اليسوع قائلاً: إن أولى الوصايا هي اسمع يا إسرائيل: الرب إلاهنا رب واحد، هذا اعتراف صريح من عيسى عليه السلام.

    إذاً: لو كان عيسى قد اعترف أن الله هو الإله الواحد الأحد فمن هو عيسى إذاً؟ لو كان عيسى هو الله أيضاً فلن تكون هناك وحدانية لله أليس كذلك؟

    ثم واصلت البحث فوجدت في إنجيل يوحنا نصوصاً تشير إلى دعاء المسيح عليه السلام، وتضرعه إلى الله سبحانه وتعالى، فقلت لنفسي: لو كان عيسى هو الله فهل يحتاج إلى هذا التضرع والدعاء؟ طبعاً لا.

    إذاً: عيسى ليس إلهاً، بل هو مخلوق، استمع معي إلى الدعاء الذي ورد في إنجيل يوحنا ، وهذا هو نص الدعاء يقول المسيح في نهايته: أيها الرب البار! إن العالم لم يعرفك، أما أنا فعرفتك، وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني وعرفتهم اسمك، وسأعرفهم ليكون فيه الحب الذي أحببتني به.

    هذا الدعاء يمثل اعترافاً من عيسى عليه السلام بأن الله هو الواحد الأحد، وأن عيسى هو رسول الله المبعوث إلى قوم معينين، وليس إلى جميع الناس، وأن هذه الحقيقة ظاهرة مثل الشمس أن المسيح نفسه لم يدع غير بني إسرائيل حتى منع الحواريين من أن يبلغوا غير بني إسرائيل رسالته، فموضوع من زعم بأن النصرانية دين عالمي هذا كذب تكذبه التوراة، ويكذبه الإنجيل نفسه؛ لأن عيسى نفسه قال: لم أبعث إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة.

    وكما قال تعالى: وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل [آل عمران:49]، فالمسيح ما دعا إلى عالمية دعوته؛ لأنه لا توجد رسالة عالمية إلا الإسلام، فهذه من خصائص رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعث إلى الناس عامة.

    فإذاً: موضوع التبشير أصله الخروج عن حقيقة النصرانية؛ لأنها دين لقوم معينين وهم بنو إسرائيل، وهذا موضوع فيه تفصيل في وقت آخر إن شاء الله.

    يقول: إن عيسى هو رسول الله المبعوث إلى قوم معينين، وليس إلى جميع الناس، فأي قوم هم هؤلاء يا ترى؟ نقرأ جواب ذلك في إنجيل متى حيث يقول: لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، إذاً: لو ضممنا هذه الاعترافات إلى بعضها لأمكننا أن نقول: إن الله هو الواحد الأحد، وأن عيسى عليه السلام هو رسول الله إلى بني إسرائيل.

    ثم واصلت البحث، يعني: انظر كل هذا الحوار بينه وبين نفسه نتيجة سؤال واحد سأله رجل هو احتقره وازدراه، وقال: هذا لا يمكن أن يدخل الجنة.. لماذا؟

    لهيئته وشكله، ولأنه مسلم، لكن لما عاد إلى البيت، وتفكر في الكلمة، أحس أن الإنسان حينما يدعو الناس إلى الهداية لا يملك شيئاً يعني: استحضر تماماً أنك أنت لا تملك شيئاً، القلب هذا لا يملكه إلا الله سبحانه وتعالى، فأنت فقط عليك أن تضع البذرة في التربة بكلمة .. بنصيحة .. بموقف .. بمجرد أن تصلي أمام الكافر.

    فلا تجهل أبداً في أن تضع البذرة في أماكن النماء قال تعالى أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [الواقعة:64]، الله هو الذي يزرع شجرة الإيمان في القلب، لكن في البداية لابد أن يكون هناك بذرة توضع في القلب، ثم إذا كانت أرض هذا القلب تربة صالحة وطويلة فإنها تثمر وتنمو وتترعرع .. إلى أن تنبت فيها شجرة الإيمان.

    أما إذا كانت أرض مالحة فقد قامت حجة الله على هذا الكافر، أرض مالحة لا تنبت ولا تمسك الماء ولا تنتفع.. ولا فيها هذه البذرة فهذا أمره إلى الله سبحانه وتعالى.

    يقول: ثم واصلت البحث فتذكرت أنني حين أكون في صلاتي أقرأ دائماً العبارات الآتية التالية:

    الله الأب! الله الابن! الله روح القدس! ثلاثة في شخص واحد، قلت لنفسي: أمر غريب حقاً، فلو سألنا طالباً في الصف الأول الابتدائي: واحد زائد واحد زائد واحد يساوي ثلاثة؟ لقال: نعم، ثم إذا قلنا له: ولكن أيضاً ثلاثة تساوي واحداً لما وافق على ذلك، إذ إن هناك تناقضاً صريحاً فيما نقول؛ لأن عيسى عليه السلام يقول في الإنجيل كما رأينا: بأن الله واحد لا شريك له، ولذلك النصارى دائماً يحاولون أن يلبسوا على الناس، ويتكلمون باعتبار أنهم من أهل الديانات التوحيدية ويقولون: نحن وسائر الديانات التوحيدية، فهم يعرفون أن هذه عورة، بل أقبح عورة في ديانتهم تدل أنهم في الحقيقة مدلسون مشركون، ثم يتظاهر أحدهم بأنه موحد، وإذا حاولت أن تناقش أحدهم وتسأله: كيف يتم الجمع بين هذا التناقض؟! فإنه يهرب من هذه الحقيقة دائماً كما حصل مع هذا الرجل أيضاً، وهذا فيه إشارة إلى أن الديانات الإبراهيمية بريئة من هؤلاء وهؤلاء، وإبراهيم كان حنيفاً مسلماً ولم يك من المشركين، كذلك المسيح بريء منهم، كذلك موسى بريء منهم، فلا اليهودية ديانة توحيدية، ولا النصرانية ديانة توحيدية، صحيح اليهود يدعون إلى عبادة رب واحد لكنهم يصفون هذا الإله بأوصاف تجعلهم كافرين به وغير موحدين، كذلك هم كفروا برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، وكفروا بعيسى، فهم لذلك أيضاً كفار، وكذلك الأمر بالنسبة للنصارى.

    فيحاولون أن يستروا عورة ملتهم بكلمة (ديانة توحيدية) من قال إنها ديانة توحيدية؟

    يقول: لقد حدث تناقض صريح بين العقيدة التي كانت راسخة في نفسي منذ أن كنت طفلاً صغيراً، وهي ثلاثة في واحد وبين ما يعترف به المسيح عيسى بنفسه في كتب الإنجيل الموجودة أن الله واحد أحد لا شريك له، فأيهم هو الحق؟! لم يكن بوسعي أن أقرر آنذاك، والحق يقال بأن الله واحد أحد، فأخذت أبحث في الإنجيل من جديد لعلي أقع على ما أريد، وجدت فيه النص التالي: اذكروا الأوليات منذ القديم؛ لأني أنا الله الإله وليس آخر وليس مثلي.

    ولقد كانت دهشتي عظيمة حين اعتنقت الإسلام فوجدت في سورة الإخلاص قول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:2] * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3] * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4].

    نعم، ما دام أن الكلام كلام الله فهو لا يختلف حيثما وجد، فهذا هو التعليم الأول أو البديهية الأولى في ديانة المسيحية السابقة، إذاً: ثلاثة في واحد لم يعد لها وجود في نفسي.

    القضية الهامة التي حولت القسيس من النصرانية إلى الإسلام

    ثم ينتقل الأخ رحمة برلومو الإندونيسي إلى نقطة جوهرية أخرى جعلته يختار الإسلام ديناً، فهو يقول: أما البدهية الثانية في الديانة المسيحية فتقول: بأن هناك ما يسمى بالخطيئة الأولى التي هي الخطيئة الأصلية، وهذه من أعمدة الديانة النصرانية، ويقصد بهذا أن الذنب الذي اقترفه آدم عليه السلام عندما أكل الثمرة المحرمة عليه من الشجرة في الجنة، فهذا الذنب سوف يرثه جميع بني البشر حتى الجنين في رحم أمه، فيتحمل هذا الإثم ويولد آثماً، فهذه هي الخطيئة الأصلية، وهي من أساسيات العقيدة النصرانية الاعتقاد في الخطيئة الأصلية.

    فالخطيئة الأصلية هي التي ارتكبها آدم حينما عصى الله سبحانه وتعالى في الجنة، يقولون: إن الله سبحانه وتعالى طرده من الجنة، وأن هذه الشجرة كانت شجرة المعرفة فيقولون: إن الله كان يخشى أن آدم لو أكل منها ستصبح عنده بصيرة، فلما أكل منها وأصبحت عنده بصيرة غضب الله عليه؛ لأن هذا المفهوم الذي عندهم من التناقض بين العلم والدين انعكس في هذا الافتراء الذي افتروه أن الله كان حريصاً على أن لا يكن عند آدم علم أو معرفة، ولذلك حرم عليه هذه الشجرة والعياذ بالله، هذا كله من كذبهم!

    ومن ثم حصلت المعاداة بينهم وبين العلم والدين، أما نحن فإن أول كلمة نزلت في القرآن الكريم قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]، ورفع شأن العلم والدليل والحجة والبرهان في الإسلام أمر غني عن التعريف.

    فهم يعتقدون أن كل بني آدم صاروا ملوثين بهذه الخطيئة، فكل من يولد يولد ملوثاً بالخطيئة الأصلية!

    أما نحن فنؤمن قطعاً بأن الله سبحانه وتعالى قد تاب على آدم عليه السلام لما تاب وأناب إلى الله قال تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:37]، وانتهى ثم تم اهباطه إلى الأرض وهذه المصيبة كتبت على بني البشر، فهي قدر قدره الله سبحانه وتعالى، أن يهبط إلى الأرض لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى، فأما آدم فحينما أهبط إلى الأرض كان قد تاب الله عليه بالفعل.

    فهكذا كانت كل الأجيال السابقة للمسيح بزعمهم أنها كلها ملوثة بخطيئة آدم يعني: الحقد والأيام السوداء يوم خرج من بطن أمه؛ لأنه خرج ملوثاً، ونحن ولله الحمد في الإسلام حينما يراد ضرب المثل بالنقاء والطهارة من الآثام نقول كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، فكلمة: (كيوم ولدته أمه)، يعني: إنه صفحة بيضاء لا خطيئة ولا ذنب، ولا أي شيء على الفطرة التي هي فطرة الإسلام.

    وهم عندهم إن من أشد الأيام سواداً أول حياة المولود؛ لأنه ولد من أول يوم وهو ملوث بخطيئة لم يرتكبها ولا عنده خبر بها.

    فالشاهد: أنهم يزعمون أنه لا توجد طريقة أبداً لمحو هذا الأمر عن البشرية إلا بأن ينزل ابن الله في زعمهم ويتجسد ويصلب كي يفدي البشرية!

    وقبل هذا الأمر أين كانت البشرية؟! كان يوجد أنبياء كآدم عليه السلام ونوح وصالح وهود، وكل هؤلاء الأنبياء حتى موسى عليه السلام وأنبياء بني إسرائيل قبل المسيح عليه السلام، كل هؤلاء من الأنبياء والمؤمنين وعامة البشر قبل المسيح والعياذ بالله كانوا محبوسين في سجن جهنم بسبب خطيئة آدم، وما خرجوا إلا بعملية الفداء هذه!!

    أما بالنسبة لموضوع التعميد والتغطيس وهذا أيضاً من دينهم، الأصول، وهذا التناقض يعني: إذا كنتم تزعمون أن المسيح والعياذ بالله بصلبه المزعوم طهر البشرية من الخطيئة الأصلية فلماذا يقولون إذاً: إن كل مولود يولد ملوثاً بالخطيئة الأصلية؛ فلذلك يحتاج إلى التعميد والتغطيس، من أجل أن يزول عنه أثر هذه الخطيئة؟! لأن المسيح كان ما زال لم يصلب في زعمهم، والمفروض أن البشرية كلها تطهرت، فما زال هذا من التناقض أيضاً، إذاً: ما زال كل طفل محتاجاً إلى أن يغسل من الخطيئة بهذا التعميد وهذا التغطيس، وهذا الذنب سوف يرثه جميع بني البشر حتى الجنين في رحم أمه يتحمل هذا الإثم، ويولد آثماً، فهل هذا صحيح أم لا؟

    لقد أخذت أبحث عن حقيقة ذلك فلجأت إلى العهد القديم الذي هو التوراة والعهد القديم لا توجد فيه أدنى أدنى أدنى إشارة إلى التثليث فكيف حقيقة الإله في زعمكم يخلو منها كتابكم المقدس أو الجزء الأول من الكتاب المقدس الذي هو العهد القديم أو التوراة؟ كيف هذه الأمور كانت مخفية والرسل تأتي لتضل الناس وتكتم عليهم الحقائق؟!

    فهذا يدل على أن هذه عقيدة مخترعة وعقيدة طارئة من تحريفاتهم كما هو معلوم يقول فلجأت إلى العهد القديم فوجدت في حزقيل ما يلي:

    الابن -هذا في التوراة- لا يحمل من اسم الأب، والأب لا يحمل من اسم الابن، بر البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون، فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحصل كل فرائضي، وفعل حقاً وعدلاً فحياة يحيا لا يموت، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه.

    وهذا موجود في القرآن بصورة واضحة قال تعالى: أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:38] * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39] * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى [النجم:40] * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى [النجم:41].

    لعل من المناسب هنا أن نذكر ما يقوله القرآن الكريم في هذا المقام: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [فاطر:18].

    ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يولد ابن آدم على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، فهذه هي القاعدة في الإسلام، ويوافقها ما جاء في الإنجيل فكيف يقال: إن خطيئة آدم تنتقل من جيل إلى جيل وأن الإنسان يولد آثماً؟!

    يقول الأخ رحمة برلومو الإندونيسي: إذاً هذه التعاليم المسيحية قد اتضح بطلانها وافتراؤها بنص صحيح من الكتاب الموصوف بالمقدس نفسه.

    وهناك البدهية الثالثة في التعاليم النصرانية التي تقول: إن ذنوب بني البشر لا تغفر حتى يصلب عيسى عليه السلام، ولقد أخذت أفكر في هذه البدهية وأتساءل هل هذا صحيح؟ وكان الجواب الذي لا مفر منه بالطبع: لا؛ لأن النص الآنف الذكر من العهد القديم ينفي مثل هذا الاعتقاد بقوله: فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحصل كل فرائضه، وفعل حقاً وعدلاً فحياة يحيا لا يموت، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه.

    أي: أن الله يغفر ذنوبه دون حاجة إلى أية وساطة من أحد، ويمضي الأخ الإندونيسي الذي كان قساً في يوم من الأيام عما فعل بعد ذلك ضمن رحلته الطويلة من الكفر إلى الإسلام فيقول: لقد واصلت البحث في عدد من القضايا الاعتقادية الأخرى، لقد وضعت يوماً من الأيام كلاً من الإنجيل والقرآن أمامي على المنضدة، ووجهت السؤال التالي إلى الإنجيل قلت له: يا إنجيل! ماذا تعرف عن محمد عليه الصلاة والسلام؟ فقال: لا شيء؛ لأن اسم محمد غير مذكور في الإنجيل، ثم وجهت السؤال التالي إلى عيسى كما تحدث عنه القرآن فقلت: يا عيسى بن مريم! ماذا تعرف عن محمد عليه الصلاة والسلام؟ فقال: لقد ذكر القرآن بما لا يدع مجالاً للشك أن رسولاً لا بد أن يأتي من بعدي اسمه أحمد، يقول تعالى على لسان عيسى عليه السلام: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف:6]، فأي ذلك حق يا ترى؟! ثم يقول: هناك إنجيل واحد هو إنجيل برنابا ، وهو غير الأناجيل الأربعة التي ذكرناها من قبل، وهذا الإنجيل للأسف حرم رجال الدين النصارى على أتباعهم الاطلاع عليه، أتدرون لماذا؟!

    الأرجح؛ لأن هذا الإنجيل هو الوحيد الذي يتضمن البشرى بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتحل فيه الإضافات والتحريفات إلى حد أدنى، كما أن فيه حقائق تطابق ما جاء في القرآن الكريم، جاء إنجيل برنابا وقتئذٍ يسأل فيه التلاميذ المسيح: يا معلم! من يأتي بعدك؟ فقال المسيح بكل سرور وفرح: محمد رسول الله سوف يأتي من بعدي كالسحاب يظل المؤمنين جميعاً، ويقول الأخ رحمة برلومو قائلاً: ثم قرأت آية أخرى في إنجيل برنابا وهي قوله: وقتئذٍ يسأل التلميذ المسيح: يا معلم! حين يأتي محمد ما هي علامته حتى نعرفه؟ فقال المسيح: محمد لا يأتي في عقدنا هذا، وإنما يأتي بعد مئات السنين حين يحرف الإنجيل، والمؤمنون حينئذ لا يبلغ عددهم ثلاثين نفراً، فحينئذٍ يرسل الله سبحانه وتعالى خاتم الأنبياء والمرسلين محمداً صلى الله عليه وسلم.

    لقد تردد ذكر ذلك في إنجيل برنابا عدة مرات، أحصيتها، فوجدت أن فيه خمسة وأربعين آية تذكر محمداً صلى الله عليه وسلم، وقد اكتفيت بالآيتين السابقتين على سبيل الاستشهاد، ثم قال الأخ رحمة برلومو : ومن التعاليم البدهية في الديانة المسيحية أن عيسى عليه السلام هو المنقذ المخلص للعالم، أي: أنك إذا آمنت بألوهية عيسى سوف تنجو وهذا يعني أنك يمكنك أن تفعل ما تشاء غير العمل بالذنوب والمعاصي، ما دمت تؤمن بعيسى كمنقذ لك شريطة أن تكون على يقين بأنك من التابعين، قلت لنفسي: لا بد أن أبحث في الإنجيل وأعرف الحق من الباطل في ذلك، في أعمال الرسل رسالة بولس الأولى إلى أهل بولنتس يقول:

    الله قد أقام الرب، وسيقيمنا نحن أيضاً بقوته، ثم يقول: إنه جاء في القصة أيضاً في كتبهم أنهم لما قبضوا على المسيح عرضوه أمام العدالة، فحكم عليه بالصلب، ثم دفن، فهنا تأتي الآية المناسبة لتلك القصة فيقول: لقد تأملت هذا طويلاً ثم قلت: إذا لم يتدخل الله في إقامة المسيح من القبر لبقي مدفوناً تحت التراب إلى يوم القيامة، إذاً: ما دام المسيح لم يستطع إنقاذ نفسه فكيف يكون بوسعه إنقاذ الآخرين؟ هل يليق بإله -كما يزعمون- أن يكون عاجزاً عن ذلك؟ لا أشك لحظة أن كل ذي عقل سيوافقني فيما ذهبت إليه أليس كذلك؟

    تنقل القسيس رحمة برلومو بين الكنائس النصرانية

    ثم يقول عند ذلك: عزمت على الخروج من الكنيسة وعدم الذهاب إليها، وكان ذلك سنة ألف وتسعمائة وتسعة وستين، حيث خرجت فعلاً ولم أعد أتردد على الكنيسة، وليس معنى ذلك أنني خرجت ذلك الحين من الديانة النصرانية نفسها؛ لأنه كما هو معلوم هناك كنائس ومذاهب شتى في الديانة النصرانية، فهناك الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكس وغيرها كثير حتى أنني أستطيع أن أقول: بل هناك أكثر من ستين وثلاثمائة مذهباً في الديانة النصرانية، فصدق الله العظيم حيث يقول: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153].

    ثم قال: وقد يقول قائل: إن في الإسلام أيضاً توجد مذاهب وطوائف عدة، فهناك المذاهب الأربعة المعروفة: الحنفية والشافعية والحنبلية والمالكية وغيرها؟!

    والجواب: إن أتباع هذه المذاهب لا يختلفون في أصول الدين، بل يتفقون جميعاً أن الله واحد لا شريك له، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يتفقون في أركان الإسلام الخمسة، وجوانب الخلاف بينهم في الفروع فقط لا في الأصول، وخلافهم رحمة كما ورد في الأثر.

    أما في الديانة المسيحية فالأمر مختلف تماماً بالخلاف في صلب العقيدة، وهذا هو الفارق بين الإسلام والنصرانية، ومهما اختلفت المذاهب في الإسلام فإنك لا تجد مسجداً يخص مذهباً معيناً دون سائر المساجد، بل على العكس من ذلك، فإذا نادى المنادي للصلاة تجد كل مسلم يدخل أقرب مسجد ليصلي فيه، ولكن الأمر مختلف تماماً في الديانة النصرانية فكل كنيسة تتبع مذهباً معيناً، ولا يدخلها إلا أتباع ذلك المذهب فحسب.

    فالكاثوليكي لا يصلي في كنيسة الأرثوذكس، والبروتستانتي لا يصلي هو الآخر في كنيسة كاثوليكية وهكذا.

    ثم قال: وذات يوم لقيت صديقاً لي، فدعاني إلى الكاثوليكية، وأخذ يعدد مميزات هذا المذهب ولم أجد مثلها في المذهب الفلاني فقال صديقي: عندنا في الكاثوليكية توجد حجرة الغفران، وهي عبارة عن غرفة في الكنيسة يجلس فيها قس ذو لحية كثيفة يرتدي لباساً أسود، ويقعد على كرسي عالٍ، ومن طلب العفو والغفران ذهب إليه وردد بعض الألفاظ غير المفهومة، وما إن يكاد يفرغ من قراءتها حتى يقال له بأنه بريء من ذنوبه ويرجع كيوم ولدته أمه، وهكذا قال لي صديقي: ويرجع كيوم ولدته أمه، وأضاف قائلاً: كل ما تقترف يداك من الذنوب خلال أيام الأسبوع كفيلة بأن يغفر لك عند ذهابك إلى الكنيسة يوم الأحد، وحصولك على الغفران.

    فأنت لا تحتاج لا إلى الصلاة ولا إلى العبادة، ولكن إذا تركت ذلك كله وذهبت إلى القس واعترفت أمامه غفرت ذنوبك.

    يقول الأخ رحمة برلومو : لقد تذكرت ما يفترضه الإسلام في ذلك، وهو أن البشر مهما علت رتبة أحدهم لا يمكن أن يوكل إليه غفران ذنوب العباد، كما أن التوبة والمغفرة لا تسقط التكاليف والفرائض، بل لا بد للتائب من أن يؤدي الصلوات الخمس اليومية في أوقاتها، فإذا تركها فلا قيمة لتوبته وعليه إثم كبير، ولا يمكن أن يتحمله عنه غيره من الناس قال تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [فاطر:18].

    ثم يقول: لقد رأيت الداخلين إلى حجرة الغفران في الكنيسة عليهم أمارات الحزن والكآبة لثقل الذنوب، بينما رأيت من يخرج منها وقد علت وجهه ابتسامة الفرح؛ لاعتقاده بأن ذنوبه قد غفرت له، أما أنا فحين جربت تلك الغرفة دخلتها حزيناً وخرجت منها حزيناً، لماذا يا ترى؟

    لأنني كنت أفكر وأتساءل هذه ذنوبنا يتحملها القس ولكن من يتحمل ذنوبه هو؟! وهكذا لم أقتنع بالكاثوليكية فتركتها، وبحثت عن دين آخر ثم يقول: بعد ذلك تعرفت على طائفة نصرانية أخرى تسمى شهود ياهوه، وهي مذهب آخر من مذاهب النصرانية رأيت أحد رجالها، وسألته عن تعاليم مذهبه فقلت له: من تعبدون؟ قال: الله، قلت: ومن هو المسيح؟ فقال: عيسى هو رسول الله، فصادف ذلك موافقة لما كنت أؤمن به وأميل إليه، ودخلت كنيستهم فلم أجد فيها صليباً واحداً، فسألته عن سر ذلك، فقال: الصليب علامة الكفر، لذلك لا نعلقه في كنائسنا، إذاً: اقتنع بأن يبحث عن المزيد في ملة هؤلاء المسمين شهود ياهوه.

    وهناك في هذه الفترة من حياته يقول: لقد أمضيت ثلاثة أشهر كاملة أتلقى تعاليم ذلك المذهب، وفي نهايتها كان لي الحوار التالي مع رئيس الكنيسة، وكان هولندياً قلت له: يا سيدي! إذا توفيت على هذا المذهب فإلى أين مصيري؟

    قال: كالدخان الذي يزول في الهواء، فقلت متعجباً: ولكني لست سيجارة، بل أنا إنسان ذو عقل وضمير، ثم سألته وأين أتجه بعد الممات؟ فقال: توضع في ميدان واسع، قلت: وأين ذلك الميدان؟ قال: لا أعلم قلت: سيدي! إذا كنت عبداً مطيعاً ملتزماً بهذا المذهب فهل أدخل الجنة؟ قال: لا، قلت: فإلى أين إذاً؟!

    قال: الذين يدخلون الجنة عددهم مائة وأربعة وأربعون ألف شخص فقط، أما أنت فسوف تدخل الأرض مرة أخرى، وهنا قاطعته قائلاً: ولكن يا سيدي! قد وقعت الواقعة، فالدنيا خربت يعني: القيامة قامت والدنيا خربت قال: أنت لا تفهم حقيقة القيامة، لو كان لديك كرسي، وفوقه حشرات مؤذية، هل ستحرق الكرسي لتتخلص من الحشرات؟ قلت: لا، قال: بل تقتل الحشرات ويبقى الكرسي سليماً، وهكذا فتبقى الأرض سليمة بعد تطهيرها من الدنس والخطايا، وعندها ينتقل إليها الناس من ذلك الميدان، فليس هناك ما يسمى بالنار، وهنا أعملت فكري جيداً، ودرست الأمر وقلبته، حتى اتخذت القرار الأخير لترك النصرانية بجميع مذاهبها رسمياً، وكان ذلك في عام ألف وتسعمائة وسبعين.

    قصة إسلام القسيس رحمة برلومو

    وفي أحد الأيام بينما كنت أسير في طريقي بحثاً عن الحق رأيت معبداً بوذياً جميلاً ضخماً، فاقتربت منه فوجدت فيه عدة تماثيل وصور في السقف تمثل التنين، وعلى الجدران مثل ذلك، كما شاهدت أمام البوابة تمثالين على شكل أسد صامت، وما إن دخلت من البوابة حتى جاءني رجل فأوقفني وسأل: إلى أين؟ قلت: أريد أن أدخل، قال: اخلع نعليك قبل أن تدخل، هذا معبد لنا، فاحترم مكان عبادتنا، قلت في نفسي: حتى البوذية تعرف النظافة أما الديانات السابقة فلا نظافة فيها! أذكر أنني عندما كنت أدخل الكنيسة لم أكن أخلع نعلي عن الدخول.

    طبعاً هذا الكلام خطأ، وإلا إذا كان يقصد بالقذارة النجاسة فإن الإنسان لا يجوز أن يصلي بنعل فيه نجاسة، لكن إن كان طاهراً فإنه يجوز أن يصلي في النعل ويدخل المسجد، بشرط ما يكون المسجد مفروشاً يعني: إذا كان من رمل أو حصى ممكن يدخل بالنعل ما في مشكلة، فهو قرأ المعلومات المحدودة فلذلك قال هذه العبارة.

    ثم يقول: لقد جربت الديانة البوذية فترة من الزمن، ولكن سرعان ما تركتها لإحساسي بأني لم أجد الحق الذي أنشده، ثم اتصلت بالديانة الهندوسية التي بدأت ونشأت في الهند، والتي انتشرت تعاليمها حتى وصلت إلى بعض الجزر الإندونيسية، فأخذت أتنقل بين تلك الجزر التي يوجد فيها نشاط لاتباع هذا الدين، ومكثت معه فترة من الزمن تعلمت فيها الكثير، وقد نجحت في المرحلة الأولى إلى درجة أنني أخذت الخوارق كالعبور في النار، والمشي على المسامير الحادة يعني: دين معهم فيه الجن والشياطين تساعدهم في هذه الأشياء.

    والخوارق ليست دليلاً على أن هذا دين حق، فوصل إلى مرحلة من المهارة في هذه الديانة الهندوسية إلى حد العبور في النار، والمشي على المسامير الحادة، وإدخال المسامير إلى أعضاء الجسم .. إلى غير ذلك.

    ولكن ليس هذا هو ما كنت أبحث عنه.

    ثم يضيف الأخ رحمة برلومو : وذات يوم سألت رئيس المعهد الهندوسي: ماذا تعبدون؟ قال: نعبد برهما، ويسلو، وشيوا، برهما إله الخلق، ويسلو إله الخير، وشيوا إله الشر، ثلاثة آلهات تجلت في جسد إنسان واحد اسمه كرسنان الذي هو المنقذ للعالم عند الهندوس، قلت لنفسي: إذاً فلا فرق في أمر الألوهية بين الهندوسية والنصرانية، ولو اختلفت الأسماء فهما يناديان ثلاثة في واحد، قلت للكاهن الهندوسي: اشرح لي نشأة هذا الدين فقال: كان في الهند سنة ألفين قبل الميلاد ملك جبار ظالم لا يرحم حتى أبناءه، فيقتل مولوده الذكر خوفاً من أن يحتل عرشه غصباً، وفي إحدى الليالي الظلماء كان الملك جالساً أمام قصره، وإذا بكوكب مضيء يطلع في السماء فوق رأسه وكان يطير بسرعة مذهلة، ثم توقف في الفضاء وأرسل نوره الباهر على حظيرة الأبقار، فلما سأل الملك رجال العلم والدين راجعوا كتبه المقدسة فقالوا: إن ذلك دليل على تجلي الآلهة في جسم إنسان اسمه كرسنان فقلت في نفسي: والذي يعرف قصة النصرانية يجد نفس القصة موجودة يزعمونها في قصة ميلاد المسيح، فهذه القصة مع تغيير الأشخاص موجودة في الديانة النصرانية، وكنت أحدث الناس بها وأناقش والفرق أن القرية المشار إليها هي بيت لحم والإنسان عندنا هو المسيح، فلا فرق إذاً بين القصتين، ولا بين العقيدتين في قضية أساسية هي قضية الألوهية، وقضية هوية المنقد للعالم.

    لقد واصلت حواري مع الكاهن الهندوسي فقلت له: يا سيدي! إذا توفيت وأنا على دينكم فإلى أين مصيري؟ قال: لا أعلم! لا أعلم! لكن عليك أن تمتنع عن قتل الحشرات من أمثال النمل والبعوض وغيرهما فقال: قد تكون هذه الحشرات آباؤك وأجدادك الموتى، وفي بعض المسلمين يعتقدون هذا، يوجد بعض الناس عندما تدخل فراشة مثلاً ذهبية يقول لك: انتبه تقتلها! هذه روح أبوك أتت البيت أو كذا، فهذا طبعاً نفس العقيدة.. فأيضاً الروح التي يقول الله تعالى فيها: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ [الزمر:42]، وما يمسك الله فلا منقذ له، (( فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ))، فإذا كان الله يمسكها فكيف تهرب وتأتي إلى الدنيا في صورة فراشة؟! هذه عقائد لا تليق بأي إنسان مسلم، ولا ينبغي أن يصدقها، فهذه خرافات ما لها من أصل في دين الإسلام.

    الشاهد أن هذا الكاهن الهندوسي قال له: لا أعلم يعني: لا أعرف مصيرك إذا مت إلى أين تذهب، لكن احذر أن تقتل الحشرات كالنمل والبعوض وغيرها، وقال: قد تكون هذه الحشرات أباءك وأجدادك الموتى، ثم يقول في النهاية: قررت أن أترك كل تلك الديانات، ولم يكن أمامي إلا الإسلام الذي لم أكن أريد اعتناقه لما أعرف في نفسي منذ طفولتي من نفور وكراهية لهذا الدين الذي لم أكن أعرف عنه إلا الشبهات، كنت أريد البحث عن الحق المجهول وهذا البحث يلزم الجهد والصبر، وذات يوم قلت لزوجتي: اعتباراً من هذه الليلة لا أريد أن يزعجني أحد؛ أريد أن أصلي وأتضرع إلى الله.

    وهكذا أقفلت باب حجرتي ورفعت يدي إلى الله خاشعاً متضرعاً قائلاً: يا رب! إذا كنت موجوداً حقاً فخذ بناصيتي إلى الهدى والنور، واهدني إلى دينك الحق الذي ارتضيته للناس، ثم يقول: والدعاء إلى الله ليس كأي طلب من الطلبات، كما أن دعائي إلى الله سبحانه وتعالى لم يكن خلال فترة وجيزة فحسب، بل استمر ذلك زمناً طويلاً حوالى ثمانية أشهر يخلو بنفسه ولا يختلط بأحد، ولا يكلم أحداً يسأل الله سبحانه وتعالى أن يهديه إلى الحق.

    وفي ليلة الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر عام واحد وسبعين في اليوم العاشر من رمضان من نفس العام، وبعد أن فرغت من دعائي المعتاد ذهبت في نوم عميق، وعندها جاءني نور الهدى من الله عز وجل، وإذا بجسم شخص يظهر أمامي، فأمعنت النظر فيه فإذا هو بنور حديث يشع منه، يبدد الظلمة من حولي، لقد تقدم الرجل المبارك نحوي فرأيته يلبس ثوباً أبيض، وعمامة بيضاء، له لحية جعدة الشعر، ووجه باك لم أر قط مثله من قبل جمالاً وإشراقاً، لقد خاطبني الرجل بصوت مفهوم قائلاً: ردد الشهادتين.. ردد الشهادتين، وما كنت حينئذ أعلم شيئاً اسمه الشهادتان، فقلت مستفسراً: وما الشهادتان؟ فقال: قل أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فكررتهما وراءه ثلاث مرات ثم ذهب الرجل عني، ولما استيقظت من نومي وجدت جسمي مبللاً بالعرق، وسألت أول مسلم قابلته: ما هي الشهادتان؟! وما قيمتهما في الإسلام؟!

    فقال: الشهادتان هما الركن الأول في الإسلام، ما إن ينطقهما الرجل حتى يصبح مسلماً، فاستفسرت منه عن معناهما، فشرح لي المعنى، وفكرت ملياً وتساءلت من يكون الرجل الذي رأيته في منامي؟! وكانت ملامحه واضحة المعالم بالنسبة لي، فلما وصفته لصديقي المسلم هتف على الفور قائلاً: لقد رأيت الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم!

    ثم يختم قصته بقوله: وبعد عشرين يوماً من ذلك الحادث وكانت ليلة عيد الفطر سمعت صيحات التكبير يرددها المسلمون من المساجد القريبة من دارنا، فاقشعر بدني، واهتز قلبي، ودمعت عيناي، لا حزناً على شيء، بل شكراً لله على هذه النعمة، الحمد لله الذي هداني أخيراً إلى ما كنت أبحث عنه منذ سنين، لقد تم ذلك في عام واحد وسبعين وتسعمائة وألف.

    وقد خيرت زوجتي بين الإسلام والمسيحية فاختارت الإسلام، وكانت في طفولتها مسلمة ومن عائلة مسلمة، تنصرت بسبب إغراءات المبشرين، ولجهلها بأمور دينها الحنيف، كما تبعنا أبناؤنا فاعتنقوا الإسلام، ومنذ الثاني من فبراير سنة اثنين وسبعين ونحن مسلمون والحمد لله! فهذا أنموذج من نماذج البحث عن الحقيقة، وكما ترون أن الإنسان إذا أخلص في البحث عن الحق فإن الله سبحانه وتعالى يهديه ويأخذ بناصيته.

    فقضية أن الإسلام هو دين الحق الوحيد أمر لا يرتاب فيه أي إنسان عاقل، ومن ثم لا يعذر الشخص إذا قال: بحثت عن الحق فوجدته في غير الإسلام.. يقال: لقد قصرت في الجهد، وهو قطعاً قصر؛ لأن الأدلة والبراهين قاطعة على أحقية دين الإسلام، ومما لا يمكن أن يرتاب فيه أي إنسان عاقل، ولهذا لم يعذر الله سبحانه وتعالى من سمع عن دين الإسلام، أو سمع بالرسول، أو سمع عن القرآن، ثم لم يبذل كل وسعه في التحري عن هذا الدين، وكما ترون أيضاً أنه يمكن أن تكون بذرة توضع في قلب إنسان، ثم إن هذه البذرة تنمو وتترعرع إلى أن تصبح شجرة الإيمان القوية الراسخة في قلبه.

    وهناك نماذج كثيرة أيضاً تأتي فيها الهداية منة واصطفاء واختياراً من الله سبحانه وتعالى، وقد سمعت عن رجل إندونيسي أتى إلى الإخوة الباكستانيين في المسجد فقال لهم: أريد أن أكون مسلماً، فلما سألوه عن السبب في ذلك، قال: لقد جاءني المسيح عليه السلام في المنام وقال لي: كن مسلماً، فما كان من الرجل إلا أن شهد الشهادتين وعلمه الناس الصلاة، ثم بعد حوالى ثلاثة أيام قبض ومات ودفن مع إخوانه المسلمين، وأنا زرت قبره في المقابر هناك في لندن.

    وهناك قصص كثيرة جداً حقيقة لا نستطيع استيعابها، وقد ألفت فيها كتب كثيرة تتكلم عن قصص الهداية، وبداية التحاق كثير من الناس بها، والمقصود: الإشارة إلى أن الإنسان إذا بحث عن الحق بإخلاص وبصدق فإن الله يأخذ بناصيته إليه، وهذه سنة الله سبحانه وتعالى الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

    وبذلك نكون قد مررنا على كل الأبواب المتعلقة بمجالات علو الهمة، فتكلمنا على علو الهمة في طلب العلم عموماً، وعلو الهمة في العبادة، وعلو الهمة في الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، وعلو الهمة في الدعوة إلى الله عز وجل، ثم علو الهمة في البحث عن الحق وعن دين الحق، وبذلك تبقى خواتيم هذا البحث إن شاء الله الذي نختمه في الدرس القادم، وفيه خلاصة الكلام في هذا الموضوع كأسباب انحطاط الهمة، وأسباب الارتقاء بالهمة، وعلاج ضعف الهمة، والمنهج الصحيح إلى ذلك، وأثر ذلك في إصلاح حال الأفراد وحال الأمة أجمعين.

    أكتفي بهذا القدر، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    سبحانك اللهم! ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755973064