إسلام ويب

الزواج عقبات وحلول [1]للشيخ : عبد الله الجلالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أعظم مصارف الزكاة في أيامنا الحاضرة مساعدة العزاب الذين يرغبون في الزواج، ليحفظوا دينهم وكرامتهم، لاسيما وكثير منهم لا يستطيع الزواج بسبب التكاليف الشاقة، فينبغي لأهل الثراء ألا ينسوا مساعدة هؤلاء العزاب، وحبذا أن يقام صندوق خيري لتزويج الشباب الصالح.

    1.   

    فضل الزواج

    بسم الله الرحمن الرحيم

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا * وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا * وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [النساء:1-6].

    الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1]، والحمد لله الذي خلقنا من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، والشكر لله المتفضل بالحلال عن الحرام.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق هؤلاء الناس ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    إخواني في الله! إن أعظم ما من الله به على المسلم هو الخلق الفاضل، وطهارة العرض، ونزاهة النفس، وإن أخطر ما منيت به البشرية في تاريخها الطويل هو الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولذلك فإن الله عز وجل أغير من يغار، وإنه ليغار أن يزني عبده أو تزني أمته، وقد شرع سبحانه وتعالى الزواج؛ ليكون منفذاً للمسلم إلى الحلال بدل الحرام، وسيكون حديثنا في هذه الليلة إن شاء الله عن الزواج وما أحدثه الناس فيه، وما فرطوا تجاه هذا الزواج فكان سبباً في ضلال كثير من الناس، وانحراف كثير من الأخلاق، والغفلة عن كثير من الأحكام التي تتعلق بهذا الأمر، وعن الهدف النبيل من شرعية الزواج.

    الزواج في اللغة العربية: ضد الإفراد، والزوج: ما يشكل رقمين.

    والزوج له ثلاثة إطلاقات في اللغة العربية: يطلق على الذكر، ويطلق على الأنثى، ويطلق على الاثنين مجتمعين، تقول: هذا زوج فلانة، وتقول: هذه زوج فلان، وتقول للاثنين مجتمعين: هذان زوج، كما يطلق الزوج على الشبيه والنظير، قال الله تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ [الصافات:22]، والمراد بإزواجهم هنا: أشكالهم.

    والزواج في معناه الاصطلاحي: هو قران الذكر بالأنثى، والزِّواج بكسر الزاي معناه: الفعل، أما بفتحها فمعناه المصدر.

    والزواج سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حث الله عز وجل عليه في قوله: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32]، وسماه نكاحاً فقال: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33]، ولم ترد كلمة نكاح إلا بمعنى العقد إلا على رأي بعض المفسرين في قول الله تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [النور:3]، فقد قالت طائفة: إن المراد به هنا الوطء، وجمهور المفسرين على أن المراد به العقد، ويترتب على ذلك أحكام كثيرة.

    وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزواج وأمر بالمبادرة إليه فقال عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة -أي: تكاليف الزواج- فليتزوج، ومن لم يستطع -أي: التكاليف- فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) أي: يحفظه من أن يقع في الحرام، ومعروف أن الصوم له هذه الفائدة.

    وقال عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة).

    وقال: (إذا تزوج العبد فقد أكمل نصف دينه، فليتق الله في النصف الآخر).

    والزواج من سنن المرسلين قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه وتعالى جعله أمراً لا تقوم الحياة إلا به، وكان المرسلون -وهم أسبق الناس إلى الفضائل- أكثر الناس أزواجاً، وأسرعهم إلى المبادرة بالزواج.

    1.   

    أهمية الزواج

    هذا الموضوع يجب أن يلقى أهمية لدى كل الناس الذين يريدون العفة والطهارة، ولذلك نقول: إن من وراء الزواج حكماً عظيمة، ومن أهم هذه الحكم:

    صيانة المسلم وحفظ مائه الطاهر حتى لا يقع في حرام، فإن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الإنسان، وجعل فيه الشهوة البشرية القهرية التي لا يمكن للإنسان أن يتخلص منها ذكراً كان أو امرأة، وهذه الشهوة هي سبب تكاثر بني آدم على الأرض، وهذه الشهوة لابد أن تنصرف إما في حلال أو حرام، فإذا انصرفت في حرام فذلك الزنا وما شابهه، وإذا انصرفت في حلال فذلك الزواج.

    الزواج المشروع يبنى به العش الطاهر، وتقوم به الأسرة الكريمة، وتتكون فيه المجتمعات الإسلامية الطاهرة، لذلك حينما نقرأ سورة النور في نصفها الأول إلى قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [النور:35] نجدها تهتم بهذا الجانب من جوانب الحياة.

    بل إن مما يلفت النظر في سورة النور سواء في مطلعها: سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور:1] أو في منتصفها حينما انتهى الحديث عن الفاحشة والجريمة والزواج: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [النور:34]، ثم قال بعد ذلك: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [النور:35]، وما بين هاتين الآيتين: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا)، وقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ) كله يتحدث عن العفة والطهارة وأسبابها، ونجد أنه بدأ بالحد الذي يوقف المجرم عند حده حتى لا يقع في الفاحشة، ثم عرج على حكم الحديث عن الفاحشة حتى لا تصبح مألوفة أمام الناس فقال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا [النور:4]... إلى آخر الآيات، ولم يستثن من هذا الحكم إلا الزوج مع زوجته حينما يتهمها بالفاحشة فقال: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ [النور:6]، ثم انتقلت الآيات بعد ذلك إلى الحديث عن الاختلاط بين الذكر والأنثى، ودخول البيوت دون استئذان وسلام، بحيث لا يتورع أحد عن أن يدخل بيت غيره فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27] أي: تستأذنوا.

    ثم انتقلت بنا الآيات إلى النظر الحرام الذي هو سبب من أسباب الفاحشة، سواء في ذلك الرجل ينظر إلى المرأة أو المرأة تنظر بشهوة إلى الرجل، فإن النظر بحسب الفطرة البشرية يثير الشهوة؛ ولذلك ذكر الله تعالى النظر بجوار الفعل الحرام فقال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] ثم قال: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31]، ثم أمر المرأة بأن تتحفظ من أن ينظر إلى زينتها أحد من غير محارمها فيكون ذلك سبباً في الفاحشة، فقال سبحانه وتعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ [النور:31] ... إلخ الآية. وكل هذا يعتبر سداً منيعاً لمنافذ الجريمة حتى لا تنتشر في مجتمع من المجتمعات.

    الشهوة فطر الله الناس عليها كما قال سبحانه: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ [آل عمران:14]، ولابد أن يكون لها مصرف مباح، وإلا فسوف تتفرق في المجتمع فتحدث الفوضى والاضطراب، وتنشر الأمراض من الإيدز والسيلان والزهري وغيرها من الأمراض، وكذلك تنشر الأمراض الاجتماعية، وتوجد في المجتمع أولاداً غير شرعيين، وتسبب مشاكل وعقداً نفسية... إلى غير ذلك.

    إن الإسلام دين واقعي لا يحرم الإنسان من شهوته، لكنه ينظم هذه الشهوة، ولا يحول بين الإنسان وبين الشهوة الحلال لكنه يوجهها الوجهة الطيبة الصالحة السليمة، فشرع الزواج، وكان الأمر بالزواج سداً لآخر منفذ من منافذ الفاحشة والجريمة، ولذلك نجد آخر مرحلة من مراحل العلاج: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32-33]، ثم قال الله بعد ذلك: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [النور:34]؛ قال بعد ذلك: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ [النور:35]، وما طبق تلك الأوامر فإنه يقذف الله عز وجل في قلبه هذا النور، فيصبح في خير وسعادة.

    1.   

    أهداف الزواج

    صرف الشهوة في الحلال

    من أهم أهداف الزواج: صرف الشهوة من الحرام إلى الحلال، وتنظيم هذه الشهوة، وصرف هذا الماء الطاهر إلى رحم طاهر، بدل أن يكون مبعثراً يهلك الحرث والنسل، فالزواج يعتبر أول وأهم طريق من طرق العفة والطهارة.

    عمارة الكون

    من أهداف الزواج: عمارة هذا الكون، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء:1]، وهذا هدف من أهداف الزواج، فإن عمارة الكون وتكثير النسل وبث الخلق في هذه الأرض يتطلب هذا التزاوج بين الذكر والأنثى، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا عن طريق الزواج، ولو لم يكن الزواج لانقطع نسل بني آدم على الأرض، ولذلك نوح عليه السلام لما أمره الله عز وجل أن يصنع السفينة ليهلك من في الأرض عقوبة ونكالاً أوحى إليه وقال: احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ [هود:40]؛ ليبقى هذا الوجود على وجه الأرض، فمن أهم وأعظم أهداف الزواج أن يكثر النسل، وأن تنتشر البشرية، حتى يعبد الله عز وجل في هذه الأرض، وتكون هناك نطف طاهرة صالحة تقيم شرع الله في هذه الأرض.

    السكن

    السكن، والمراد بالسكن: الراحة والطمأنينة، فالزوج يسكن إلى زوجته، والزوجة تسكن إلى زوجها كما قال الله تعالى: لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189]، وكما قال الله عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189]، والسكن معناه: الراحة والطمأنينة، ولذلك فإن الإنسان يرتاح كل الارتياح ويطمئن كل الطمأنينة حينما يأوى إلى زوجة صالحة يفضي إليها بأسراره، وتفضي إليه بأسرارها، يشكو إليها ما يجده من تعب ومشقة في هذه الحياة فتستقبل مشاكله كما تستقبل مشاكلها، ويتعاونا على حل هذه المشاكل، ويطمئن إليها وتطمئن إليه، وهذا هو معنى السكن الذي أشار الله عز وجل إليه في قوله: (لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا).

    التكافل الاجتماعي

    التكافل الاجتماعي، فإن الله سبحانه وتعالى قد ركب كل واحد من الجنسين على فطرة وعلى طبيعة وعلى جبلة، فأعطى الرجل قوة في عضلاته وفي عقله، وجعله ينطلق في هذه الأرض ليبحث عن الرزق الحلال، ثم أعطى المرأة نعومة ورقة في جسدها ليتمتع بها هذا الرجل؛ ولذلك قد أخطأ ملاحدة هذا العصر الذين يريدون أن يتخذوا من المرأة وسيلة للكسب كالرجل سواءً بسواء، ونحن ندرك أن فطرة الرجل تختلف عن فطرة المرأة، وأن فطرة المرأة تختلف عن فطرة الرجل، والله تعالى أسكن آدم وحواء الجنة، وحذرهما من الهبوط للأرض؛ لأن الهبوط للأرض يعني: الكدح في طلب العيش، ولكن الهبوط سيكون للاثنين، وسيكون الشقاء في طلب العيش لأحدهما فقط وهو الزوج، اسمعوا إلى بلاغة القرآن، يقول الله تعالى: فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [طه:117]، ولم يقل: فتشقيا، وهذا يعطينا حكماً شرعياً عظيماً وهو أن الذي سوف يشقى في طلب العيش هو الرجل؛ فالهبوط للاثنين جميعاً، والشقاء في طلب العيش إنما يكون للرجل وحده، فالمرأة سكن، وهي تقوم بدور عظيم في تربية الأطفال، وتنظيم وتدبير البيت، وذلك لا يعني أن سعي المرأة لطلب العيش حرام عليها، وإنما يعني أن المطالب من أول وهلة بالبحث عن العيش الحلال والرزق الحلال هو الرجل، ولذلك أجمع علماء المسلمين على أن الرجل مطالب بالنفقة على الزوجة، وأنه هو الذي يجب عليه أن يسعى لطلب الرزق، والله عز وجل يقول: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34].

    أما حينما تضطر المرأة لطلب العيش فهذا أمر لا شك في جوازه، لكنه في حدود، والرجل هو الذي يسعى في طلب العيش، والزوج بصفة خاصة مطالب بالنفقة على الزوجة طوعاً أو كرهاً؛ ولذلك يقول علماء الإسلام: إن الزوج لو عجز عن النفقة على الزوجة ولو كانت هي غنية تستطيع أن تنفق على نفسها فلها أن تطالبه بالطلاق، ولو طالبته بالطلاق لألزمه الشرع أن يطلقها أو ينفق عليها، ولو كان لديها مال كثير؛ لأنها لا تطالب بالنفقة من مالها، ولذلك فإن الزواج يوجد تكافلاً اجتماعياً بين الرجل والمرأة، ويلزم الزوج بالنفقة، ويحثه على السعي لطلب الرزق الحلال، وأول من يبدأ بالنفقة عليه هي الزوجة، حتى أنها تقدم على سائر الأقارب من الأهل والذرية، مما يدل على أهمية وقوة الصلات بين الرجل وبين المرأة في هذه الحياة.

    ربط الأسر وتوثيق العلاقات الاجتماعية

    من فوائد الزواج: ربط الأسر وتوثيق العلاقات الاجتماعية بين الناس، فلان يتزوج وهو من أسرة بعيدة بنت فلان، فتقوم هناك صلات وعلاقات وروابط بين فلان المتزوج وعشيرة فلانة المتزوج بها، ومن هنا تتقوى الرابطة بين المسلمين؛ ولذلك حرم الإسلام أن يتزوج كافر بمسلمة، وكره أن يتزوج مسلم بكتابية، وإن كان ذلك مباحاً إلا أن المسلمة أفضل، ولذلك جعل في الدرجة الثانية حتى تقوى الصلات بين المسلم والمسلم، وحتى تقوم هناك روابط وثيقة بين فئات الأمة وقبائلها؛ لتتحقق فيهم الأخوة والمساواة، ولتقوى الروابط الاجتماعية بين المسلمين، والله يقول: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13]، وحينئذ ينصهر بعضهم ببعض؛ فيزول التفاخر، ويقضى على المحن والضغائن.

    1.   

    من أحكام الزواج

    أهمية اختيار الزوج الصالح والزوجة الصالحة

    الزواج له أحكام، وله آداب، وله أخلاق، وله سلوك، وله واجبات، وله محرمات، وله مستحبات، وأهم أحكامه: اختيار الزوجين الصالحين، الزوج إذا أراد أن يتزوج عليه أن يبحث عن الزوجة الصالحة، والله تعالى يقول: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32]، والله عز وجل يقول أيضاً: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة:221]، (وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ) أي: لا تزوجوهم، ومعنى ذلك أن يختار الرجل الصالح.

    والزواج بالمشركة لا يجوز بأي حال من الأحوال، وقد يقول قائل: الله تعالى أباح الزواج باليهودية والنصرانية مع أن اليهود والنصارى مشركون، فاليهود يقولون: عزير ابن الله، والنصارى يقولون: المسيح ابن الله، وهذا شرك، فكيف أباح الإسلام الزواج باليهودية والنصرانية مع أن ذلك ممنوع بين الموحد والمشركة؟!

    نقول: اليهود والنصارى أصحاب كتب سماوية، والشرك طارئ عليهم، بخلاف الوثنيين والبوذيين وأصحاب الشرك والوثنيات، فإن الشرك فيهم صار عادة وطبيعة؛ لأنهم ليسوا أصحاب كتب سماوية، وعلى هذا فإنه يجوز للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية، لكن الأولى ألا يتزوج إلا بمسلمة، أما العكس بأن يتزوج يهودي أو نصراني أو مشرك مسلمة فلا يجوز بحال من الأحوال.

    أثيرت قضية ذات يوم فقال بعض أعداء الإسلام من اليهود أو النصارى: لماذا الإسلام يترفع فيبيح للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية، ولا يبيح لليهودي والنصراني أن يتزوجا مسلمة؟

    والجواب واضح: المسلم يؤمن بدين اليهودية والنصرانية قبل التحريف، ويؤمن بنبي اليهود والنصارى عليهم الصلاة والسلام كموسى وعيسى وغيرهم من أنبياء بني إسرائيل، لذلك ليس غريباً أن يبيح للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية؛ لأنه لن يسب دينها؛ لأنه يعتبر الإيمان بدينها جزءاً من الإيمان بدينه، أما ذلك اليهودي البعيد أو النصراني البعيد فإنه لا يؤمن برسالة المرأة المسلمة التي هي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك فإنه معرض في كل حين أن يتناول دينها ونبيها وكتابها بالسب والطعن.

    المهم أن أهم ذلك هو اختيار الزوجة الصالحة، لا يكفي أن تكون مسلمة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إذا خطب منكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)، تفكروا -أيها الإخوان- في حكمة التشريع العظيم حين قال: (دينه وخلقه)، نحن نعرف أناساً متدينين، لكنهم ليسوا على مستوى من الخلق، فلا يجوز أن نندفع لنزوج ذلك المتدين الذي لا يتمتع بالخلق الرفيع لنضحي بهذه الفتاة المسكينة البريئة، بل لابد من الدين والخلق.

    كذلك المرأة لا تنكح إلا الصالح من الرجال، فكما يطالب الرجل بأن يختار الصالحة هي أيضاً مطالبة بأن تختار الصالح، فالفاسق العاصي المجرم المدمن صاحب الكبائر نخطئ حينما نزوجه، ونعرض هذه الفتاة المسكينة البريئة الطيبة الطاهرة إلى فتنة عظيمة، فلربما يؤدي ذلك إلى أن تتفسخ عن دينها بسبب معاشرة هذا الرجل الفاسق، وأخطر من ذلك أناس يندفعون وراء المادة أو وراء النسب إذا كانوا من طلاب النسب الرفيع أو وراء المركز إذا كانوا من عباد المراكز أو إلى أي هدف من الأهداف المادية، ويتناسون أموراً عظيمة لا يسألون عنها في مثل هذه المناسبات العظيمة، على سبيل المثال: الصلاة، توجه إلي أسئلة كثيرة في التلفون، وأفاجأ كثيراً أن امرأة تقول: زوجني أبي فلاناً وهو لا يصلي! إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا مرتد عن الإسلام، اليهودي والنصراني خير منه؛ لأن اليهودي والنصراني يعتمد على دين سابق، وإن كان منسوخاً، لكن هذا مرتد عن الإسلام، هذا يجب أن يقتل فوراً إذا لم يتب ويعود إلى الله عز وجل؛ لأن ترك الصلاة يعتبر ردة عن الإسلام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، ويقول: (من بدل دينه فاقتلوه)، وقال: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث -وذكر منهم-: التارك لدينه، المفارق للجماعة).

    إذاً: أيها الإخوان! يجب أن ننتبه لهذا الخطر، الذي لا يصلي لا يزوج أبداً من النساء المسلمات، وإذا زوج فيعتبر العقد لاغياً وخطأً؛ لأنه تزويج لامرأة مسلمة برجل مرتد دون مستوى اليهود والنصارى والملاحدة والوثنيين.

    كذلك إذا ثبت لنا أنه لا يصلي بعد الزواج، فيجب أن نحول بينه وبين هذه المرأة المسلمة، ونطالبه بالطلاق فوراً أو يصلي ويعود إلى دينه، فإن أبى فإن على القاضي أو المسئول أن يطلقها منه قهراً؛ لأن الله تعالى يقول: لا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10]، هذا أمر خطير أنبهكم عليه، فعند الخطبة حينما يتقدم إنسان عليك اسأله يا أخي عن دينه وصلاته وصلاحه واستقامته، أما أن تندفع وراء أمور تافهة كالمهر أو المال أو النسب أو المركز أو الكرسي أو الشهادة أو السمعة الظاهرة التي لا حقيقة لها فذلك أمر خطير.

    أمر آخر: الشباب الذين يتناولون المخدرات والمسكرات احذرهم أشد الحذر؛ لأن علماء النفس والتربية يقولون: إن إدمان الخمر أو المخدرات ينتقل بواسطة النطفة إلى الجنين، فيخرج هذا الجنين فيكون إما مدمناً للخمر أو مجنوناً أو معتوهاً أو يصرع أو مجرماً يفسد الحرث والنسل.

    أيها الإخوان! تأكدوا وتأنوا حينما يتقدم إليكم الناس، وتريدون أن تقدموا لهم فلذات أكبادكم، واختاروا الصالحين، فإن الرجل الصالح هو الكفء لهذه المرأة، وسيقوم بحقوقها خوفاً من الله عز وجل، ويراقب الله عز وجل في سره وعلانيته، وتنجب منه بإذن الله أولاداً صالحين يكونون قرة عين لك كما يكونون قرة عين لأبويهم، وأقل ما تستفيد من هذا الرجل الصالح أنه لن يؤذيها ولن يظلمها ولن يهضمها حقاً من حقوقها، إن رضيها أمسكها وإن كرهها طلقها بسلام دون مشاكل ودون خصام، هذا هو الغالب والكثير، أما الذين لا يحسنون اختيار الزوج أو اختيار الزوجة فإنهم يضعون بذوراً سيئة لهم، ولربما يعضون أصابع الندم ولات ساعة مندم.

    التراضي

    من أحكام الزواج: التراضي، فلا يجوز أن نكره رجلاً أو امرأة على الزواج دون رغبة، ونحن نعرف قصة المرأة التي خيرها الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قالت: إن أباها أكرهها على زوج لا تريده، فخيرها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولعلنا نأخذ من كلمة أكرهها أنه ألزمها برجل مكروه، وليس معنى ذلك أنه مكروه لديه، بل هو مكروه طبعاً لديها، والسر في هذا التأويل أن المرأة لا تحسن اختيار الزوج؛ لأن المرأة بعقليتها المحدودة وبتفكيرها البسيط لا تدرك مصلحتها كاملة، ولذلك فإني أقول: إن علينا أن نبذل الجهد في اختيار الرجل الصالح ثم نعرض الأمر على المرأة نفسها؛ لأنها هي صاحبة الحق، ثم نوجهها إلى الرجل الصالح، وإذا تقدم لها أكثر من واحد نعرض لها هذا العدد ثم نبين لها الذي نختاره لها انطلاقاً من الخير والفضيلة، لا من المحسوبيات الأخرى والأشياء التي لا تدوم ولا تثبت.

    لا يصلح أن تختار المرأة الرجل الفاسق، وتقول: لا أريد إلا هذا من الناس. فإن اختارته فإنه يسقط اختيارها؛ لأنها أصبحت لا تحسن الاختيار، وأصبحت لا تحسن أن تتصرف في أمرها، وأصبحت لا تحيط بمصلحتها، والرجل بحكم احتكاكه بالرجال، ومعرفته لأنواع الرجال هو الذي يختار لها، المهم أن يكون لها شيء من الاختيار، وأن يكون لها اختيار لكن بحدود، أما الإكراه بحيث تدس المرأة دساً على رجل لا تعرف عنه أي شيء من الأشياء فإن ذلك يعتبر إهانة للمرأة، ويعتبر إحياءً لمشاكل قد تتولد بعد مدة وجيزة من الزمن.

    النظر إلى المخطوبة

    من هذه الأحكام: النظر إلى المخطوبة، الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الرجل الذي يريد أن يتزوج أن ينظر إلى مخطوبته، وهذا النظر يقع اليوم بين طرفي نقيض، هناك أمم أسرفت في هذا الأمر، وتعدت حدود الله تعالى، وجعلت للرجل أن يعيش مدة من الزمن مع المرأة في غيبة من أعين الناس، وهذا يوجد في البلاد التي تسير وفق نظام جاهلي، يمكن أن يعيش معها مدة من الزمن، وبعد ذلك يتم عقد القران! ولعل ذلك شبيه بما يحدث في بلاد الغرب الكافرة التي يحصل فيها اللقاء والمتعة وغير ذلك قبل أن يتم العقد، وهذا أمر خطير، وهذا من أكبر المحرمات.

    وهناك أناس لا يسمحون بأي نظر إلى المخطوبة، فتترتب عليه مفسدة غالباً؛ لأن الإنسان حينما يقدم على امرأة لا يعرف شيئاً من أخلاقها ولا من جمالها ولا من شكلها ثم بعد ذلك يفاجأ بها وقد اختلفت كثيراً عما في ذهنه وعما يتصوره بالنسبة لهذه المرأة؛ يؤدي ذلك إلى فساد الزواج، وهذا أيضاً يكثر، إلا أنه أقل خطورة من الأول.

    الكفاءة في الدين

    من هذه الأحكام: الكفاءة في الدين، فلا يتزوج المسلمة إلا مسلماً، ولا يتزوج المسلم إلا مسلمة أو كتابية، ويشترط أن تكون عفيفة طاهرة نقية، يطمئن إلى دينها وأخلاقها وسلوكها وفضائلها، ولربما فهم الناس عن هذه الكفاءة غير حقيقتها، فأصبح كثير من الناس لا يقيم وزناً للكفاءة الدينية، ويقيم وزناً للكفاءة الاجتماعية والنسبية، فوجد في المجتمع طبقتان في أيامنا الحاضرة، وظن بعض الناس أن هذه الطبقية جاء بها الدين، ومعاذ الله أن يأتي بها الدين! هذا خضيري وهذا قبيلي، هذا نسيب وهذا ليس بنسيب، ولربما توجد قبيلتان ويظن بعض الناس أن هذه أفضل من الأخرى، فيرى بعضهم أن هذه لا يمكن أن تزوج ذاك، وذاك لا يتزوج من هذه، وهذا خطأ، فمعيار الناس في دين الله واحد، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]، وقوله: (عَلِيمٌ خَبِيرٌ) يعني: أن هذا الحكم جاء عن علم وخبرة، فالمسلمون طبقة واحدة، والكفاءة واحدة، ويكفي أن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى)، ولو استعرضنا كل هذا العالم وأردنا أن نرجعه إلى نسب واحد فلابد أن نرجعه إلى آدم وحواء ، فليس هناك جنس ولد من أب وأم غير آدم وحواء .

    ولقد اهتم الناس بهذه الطبقية، وقسموا الناس إلى قسمين، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم غير ذلك، الرسول صلى الله عليه وسلم أدنى الأباعد منه وأبعد الأقارب من خلال هذا الدين، ولذلك فإن المسلمين كلهم أمة واحدة وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [المؤمنون:52]، وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يثبت خلاف ما يصنعه هؤلاء الناس، الرسول صلى الله عليه وسلم زوج زينب بنت جحش وهي من صميم قريش بـزيد بن حارثة ، قد يقول قائل: إن زيد بن حارثة رجل عربي أصيل، نقول: نعم هو عربي أصيل، لكن طرأ عليه الرق مدة من الزمن، فأخذ أحكام الأرقاء، ومع ذلك تزوج زينب بنت جحش وهي من صميم قريش، وأيضاً هي بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، زد على ذلك أنه لما طلقها زيد بن حارثة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا [الأحزاب:37]، وتوجد كثير من هذه القصص التي حصلت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة، فـبلال تزوج أخت عبد الرحمن بن عوف وهي من صميم العرب، وبلال رضي الله عنه رجل من الحبشة، ولم يضره نسبه لما كان من الصالحين ومن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    أظن أن أكثركم لا يوافقني على هذا الرأي، والحق أن هذا هو الأصل، لكن لو سألني سائل: هل أزوج أختي أو ابنتي التي ترجع إلى أصل أصيل برجل لا يعرف أصله؟

    أقول: لا، إلا أن يتفق المجتمع كله على إلغاء هذه التفرقة فحينئذ أنا أوافق، وأتمنى أن يتفق المجتمع كله على إلغاء هذه التفرقة العنصرية؛ لأنها من بقايا الجاهلية، أما وهي الآن على أشدها فأنا أقول لأي إنسان يفكر أن يخرج على هذه القوانين وعلى هذه الأنظمة السائدة القبلية الموجودة الآن: لا تزوج إلا من كان من قبيلة معروفة؛ لأنه قد يقع من خلال هذه الأمور فساد في العلاقات الزوجية، فقد يترفع الرجل على زوجته بنسبه أو هي تترفع عليه بنسبها كما فعلت زينب بنت جحش رضي الله عنها مع زيد بن حارثة رضي الله عنه، لكن لو كان ذلك نظاماً متأصلاً في المجتمع، وجعلناه نظاماً اجتماعياً، واتفق الناس عليه؛ فإن هذا هو المصلحة، وهذا هو الخير، وهذا هو الذي يتناسب مع منهج الإسلام الصحيح إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى).

    إذاً: الكفاءة الأصل فيها الكفاءة في الدين، أما الكفاءة في النسب فقد فرضتها علينا الظروف الاجتماعية التي نعيشها، ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن يوفق المسلمين حتى يعرفوا إلى أي أصل يرجعون، ويعرفوا من هو الكفء ومن هو غير الكفء.

    الولي والشهود

    أيضاً من أحكام الزواج: الولي والشهود، والولي شرط من شروط النكاح، وكذلك الشهود، ويجب كذلك إعلان الزواج، وهذا يعتبر من مكملات الزواج، والولي لابد أن يراعى فيه المنهج الصحيح، فلا يزوج المرأة إلا أقرب أوليائها منها وهو الأب، وإن لم يكن الأب فالولد، وإن لم يكن الولد فالأخ الشقيق... إلى غير ذلك حسب ترتيب العلماء لهذا الأمر، والشهود أيضاً لابد أن يكونوا عدولاً في هذا الأمر.

    المهر

    ومن أحكامه: المهر، وهو: المال الذي يقدمه الزوج لهذه المرأة، وليس ثمناً، فإن المرأة إنسان حر لا تباع ولا تشترى، وإنما هي نفقة مقابل الاستمتاع بها، هذا هو معنى المهر في نظر الإسلام، لكن المهر أصبح في نظر كثير من الناس اليوم هو الثمن الباهض الذي يتحمله الزوج ليشتري به هذه المرأة من أبيها، وليتخذه ذلك الأب الشره وسادة يتوسد به ويتمتع به وكأنه مقابل النفقة التي قدمها لابنته مدى حياتها الأولى!

    هذا هو الفرق بين المهر في نظر الإسلام والمهر في نظر كثير من الناس، والحمد لله يوجد الصالحون الذين لا يقيمون وزناً لهذا المال، وهذا المهر في الحقيقة ليس للأب بل هو للمرأة، ولا يجوز للأب أن يأخذ منه درهماً واحداً إلا بإذنها، يقول الله: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] والخطاب للأزواج، وأيضاً الآباء يدخلون فيه حتى لا يتعرضوا لهذا المهر، والصدقات: جمع صداق، وهو المهر، ومعنى (نِحْلَةً) أي: هبة وعطية، ولا يجوز لأحد أن يأخذ له شيئاً من المهر إلا إذا طابت نفسها بشيء من ذلك فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4].

    وهؤلاء الذين يشترطون لأنفسهم من مهر المرأة آثمون، فيقول أحدهم: أنا أريد بيت، ابني يريد سيارة، أخوها الأصغر يريد كذا وكذا. حتى أصبح المهر ليس مهراً، وإنما هو ثمن باهض، وأصبح اليوم يبلغ مئات الآلاف، وأدبر الشباب عن الزواج بسبب هذا المهر الباهض، وهذه مصيبة أيها الإخوان، وهذا يعتبر نوعاً من السرقة واللصوصية، وأخذه

    من المرأة يعتبر سبباً لفشل الزواج، ومن خلال اطلاعي على كثير من المشاكل الزوجية أستطيع أقول لكم: إن (80 أو 90%) من المشاكل الزوجية تبدأ من هذا المهر الباهض، كيف؟

    قد يقام الزواج في الفنادق الراقية، وينفق عليه عشرات الآلاف من أجل الموائد والخراف التي ترمى بعد ذلك للكلاب، وتدفع مئات الآلاف مقابل هذه المرأة المسكينة التي قد لا يصل إليها من هذا المهر إلا جزء بسيط من الحلي، ثم إذا بهذا الزوج يفكر بأي ثمن جاءت هذه المرأة، والله لقد كلفتهم مئات الآلاف، فتصير امرأة ثقيلة على نفسه، وربما الديون أصبحت ثقيلة عليه، وكلما رآها تذكر تلك الديون وتلك القروض وتلك الأموال التي بذلها، فتصبح عبئاً ثقيلاً في نفسه، ويتوقع كثيراً أن يطلقها حينما تضيق به الأرض ذرعاً، لاسيما حينما يطالبه أصحاب القروض وأصحاب الديون، وهذا يحدث كثيراً، وهب أنه قدم هذا المال الكثير من ماله، فإنه يتصور أنه بذل فيها مالاً كثيراً فيريد أن يستغل هذا المال ولو على سبيل إهانتها وإهانة أبيها وأمها.

    هذه نتيجة من نتائج المهر الذي يغالي فيه الناس، والمهر اليسير يزيد في البركة، فأي امرأة دخلت على زوجها بدون تعب ولا مشقة تكون محبوبة إلى نفسه، محببة إلى قلبه، ويجد أن بينه وبينها علاقات أخوية؛ لأنها لم تكلفه ذلك الثمن الباهض، ولم ير ذلك الأب قد صار يتمتع بذلك المال، ويشتري به قصراً أو يبني به بيتاً أو يحدث به مزرعة أو يلعب به، والمرأة هي التي تقاسي مشاكل ذلك المهر الذي تجاوز به الزوج الحدود، وأكثر ظني أنه لا يقدم المهر الكثير إلا الأناس الذين لا يرغبون في المجتمع، والذين يريدون أن يقيموا لهم قيمة من خلال هذا المال لا من خلال قيمتهم الاجتماعية، والرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى تخفيف المهر فقال: (أكثرهن بركة أيسرهن مئونة)، قلل المئونة وستجد البركة في ذلك، لا تطلب أيها الولي المال الكثير، ولا تطلبي أيها الأخت الراغبة في الزواج المال الكثير، وأنا أضمن البركة لكل هؤلاء الناس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بذلك، وهو لا ينطق عن الهوى.

    من خلال هذا الشره ومن خلال هذا البذخ الذي أصيب به المسلمون في حين غفلة منهم عن دينهم، كثرت المشاكل الزوجية، وهذه ناحية خطيرة، وأخطر منها أن البنات عنسن في البيوت، وماذا فعل الشباب؟

    الشباب على قسمين: شباب صالح يتحمل ويتصبر ويقاسي آلام العزوبة وينتظر الفرج من الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله قال لهم: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33]، هذا طالب لا يتقاضى إلا ثلاثمائة ريال، وذاك موظف لا يتقاضى إلا ألف ريال، أو هب أنه يتقاضى أموالاً كثيرة فهو بحاجة إلى أن يبني بيتاً، وأن يعد نفسه، فمتى يستطيع أن يجمع هذه الأموال الطائلة، الذي حدث أن هذا النوع الأول الصالح يعيش صابراً على أعصابه، لاسيما في عصر الفتنة التي نعيشها اليوم، من الإعلام الذي يعرض الفتن والنساء والصور والمجلات، وكلها تتعاون في هذه المهمة، ومع ذلك هو يتحمل ويعيش على أعصابه.

    وهناك شباب كثير وأظنهم السواد الأعظم بدءوا يتفلتون عن القيد، وصاروا يسافرون بالآلاف وعشرات الآلاف ومئات الآلاف يبحثون عن الفاحشة، وهم غير معذورين، ولكني متأكد أن الذين كانوا سبباً في غلاء المهور ورفعها وإيجاد هذه النظم الجائرة في المجتمع سوف يتحملون بمقدار ما يتحمله هذا الشقي الذي صار يبحث عن الجريمة، ويسافر للجريمة، ويطارد النساء في الأسواق ويغازلهن، سيتحمل هؤلاء الذين أوجدوا هذا الخلل الاجتماعي في هذا المجتمع كما يتحمله ذلكم الشقي الذي يبحث عن الجريمة، وكل واحد من هؤلاء الناس سيتحمل المسئولية أمام الله عز وجل.

    إخواني في الله! الرسول صلى الله عليه وسلم يروي عن الله عز وجل أنه يقول: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل باع حراً فأكل ثمنه)... إلخ، وأظن أن الذي يطلب هذه المبالغ الطائلة إنما يجعل هذه المبالغ ثمناً لهذه البنت، فكأنه باع حراً فأكل ثمنه، ويكون خصمه الله عز وجل يوم القيامة.

    1.   

    إقامة مشروع خيري لمساعدة الشباب على الزواج

    إخواني في الله! لابد من تخفيف المهور، ومن خلال حياتي القصيرة في هذه المنطقة الطيبة المباركة أفاجأ بأسئلة أكثر ما تتحدث عن العادة السرية، هذه العادة السرية التي هي معصية وتعذيب للجسد وإرهاق له ومخاطرة بالعقل لا تحدث إلا في مجتمع قل فيه الزواج ولا شك، والله تعالى يقول: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:5-6]، وأنت -أيها المتسبب- في غلاء هذه المهور أو المغالاة بهذه المهور مسئول بين يدي الله عز وجل يوم القيامة، جاء في الأثر: أن الرجل إذا منع موليته -بنته أو أخته أو من له ولاية عليها- من الزواج، فوقعت في شيء فعليه إثمها. حينما تخرج إلى أي مكان فتقع في حرام أو تنظر نظرة حرام إلى شاب؛ لأن لديها من الغريزة كما لدى الرجال؛ فأنت مسئول بين يدي الله عز وجل عن هذا الأمر، إضافة إلى أن هذه الأمانة أنت مسئول أن تبحث عن كفئها وعن مكانها المناسب؛ ولذلك فإنك ستتحمل بين يدي الله عز وجل مسئوليتها يوم القيامة.

    هذا أمر لابد أن ننتبه له، أنا أسمع بأن هناك أموراً في هذه البلدة الطيبة المباركة، وفي هذا الجزء الكريم من بلدنا الطاهر، فلماذا يوجد هذا الأمر؟

    أتريدون أن يذهب أبناؤنا إلى الفساد؟! اليوم يسافر من البلاد الطيبة الطاهرة يومياً آلاف الشباب بحثاً عن الفاحشة، وهب أنه ليس بحثاً عن الفاحشة، فسيقع كثير منهم في هذه الفاحشة، وهذا أمر خطير أيها الإخوان! وأنتم مسئولون عنه.

    أنا لا أدعو إلى تحديد المهور، وإن كان تحديد المهور أصبح أمراً مطلوباً في أيامنا الحاضرة، ولربما تكون الدولة والسلطة مسئولة عن تحديد المهور، وأشكر لإمارة هذه المنطقة جزاهم الله خيراً وعلى رأسها سمو الأمير؛ لأني أسمع أنه مهتم بهذه الناحية، لكني لن أتدخل في هذا الأمر، ولكن أقترح على إمارة المنطقة.

    أيها الإخوان! لابد أن يتعاون الآباء في تخفيف المهور، وأقترح أن يكون هناك صندوق للزواج يبذل فيه الأغنياء شيئاً من أموالهم؛ لأن ذلك من أفضل أبواب الزكاة، وفيه عفة وفيه إغناء عن الحرام، يكون هناك صندوق في هذه المدينة يشرف على العزاب ويدرس أحوالهم، ويقدم لكل واحد منهم مساعدة مالية إذا أراد أن يتزوج، وثبت أنه كفؤ، وأنه يحافظ على الصلوات الخمس في المساجد، وأنه رجل صالح، وأنه لا يستطيع تكاليف الزواج، وأنا مستعد أن أساهم في هذا الصندوق في كل سنة بعشرين ألف ريال، وأقترح أن يكون الشيخ محمد البشري جزاه الله خيراً أميناًً لهذا الصندوق؛ لأني أعرف أن هذا الرجل فيه خير، ويبذل في سبيل الله أموالاً كثيرة، وأرجو ألا يعتذر، كما أرجو أن يضاف إلى هذا الرجل الصالح محمد البشري أيضاً إخوان من الإخوة الذين يتعاونون معه ثم يقدمون خطابات ورسائل إلى إخوانهم أصحاب الأموال، وهذا الصندوق يشرف عليه إخوة من إخوانكم الصالحين من طلبة العلم، وأنا واثق بأن إمارة هذه المنطقة وعلى رأسها سمو الأمير خالد جزاه الله خيراً سوف يتبنى هذا الصندوق، وأنه سوف يدعمه وسوف يقويه؛ لأني أسمع من أخباره أنه مهتم في أمور الزواج وتحديد المهور.

    يبدأ التنظيم في الصندوق من هذه الليلة، ويعرض على إمارة المنطقة التي تهتم بهذا الجانب.

    أهمية التعاون على تزويج الشباب

    نعود إلى موضوعنا أيها الإخوة! نقول: لابد أن تتضافر الجهود كلها في تزويج العزاب، وأعرف أن هناك مشاكل، ومن هذه المشاكل أن كثيراً من الرجال حينما يتقدم إليهم كفء يخطب ابنته قد لا يخبرها، وعدم إخباره إياها يعتبر خيانة لها إذا كان هذا الرجل كفئاً، أما إذا كان غير كفء فله الحق في ذلك، ولربما يقول بعضهم: لا أريد أن تخطب الصغرى وتبقى الكبرى، وهذا أيضاً ظلم للصغرى؛ لأن الله تعالى قد أعطى كل واحدة وكل واحد من هؤلاء الناس نصيباً في هذه الحياة، فحينما يتقدم فلان من الناس يريد فلانة وهو كفء لها وهي كفء له، فزوجها إياه، والذين أرادوا أن يبدءوا بالكبرى دائماً قبل الصغرى هم الذين بقيت بناتهم عوانس في بيوتهم؛ لأن الصغرى لحقت بالكبرى، ولحق بها من هو أصغر منها، حتى أصبح البيت مستودعاً لفتيات مظلومات يشتكين من العزوبة، ويردن عشاً صالحاً طاهراً، ويردن أن يتمتعن بالأطفال الذين هم ألذ وأشهى شيء في هذه الحياة خصوصاً بالنسبة للمرأة.

    كما ألفت الأنظار أيضاً إلى عدم الإسراف في الموائد، أنا من خلال دخولي القليل لقصور الأفراح أرى إسرافاً في الموائد وبذخاً، وهذا لا شك أنه على حساب الزوج والزوجة، وليس على حساب الأب، ولذلك الأب لا يبالي أن يذبح مائة من الخراف أو عشرين أو أقل أو أكثر ما دام أن ذلك ليس من ماله، وقد أشرت لكم إلى أن المال ليس له، وإنما المال للبنت، حتى وليمة الزواج لا يجوز له أن يزيد فيها عن المعقول إلا بإذنها هي؛ لأن المال مالها وليس مال الولي.

    أيها الإخوان! أبواب الزكاة ومصارف الزكاة ثمانية، وأظن أن أولاها في أيامنا الحاضرة هو مساعدة العزاب الذين يرغبون في الزواج؛ لأن أكثر الأبواب والحمد لله قد استغني عن كثير منها، فمثلاً الفقراء -والحمد لله- قلوا في بلادنا، والله! إن كثيراً من الفقراء في بلادنا لاسيما في المدن وفي مناطق معينة يملك قصراً أضخم من قصر رئيس دولة في بعض البلاد الإسلامية، وعنده من الأطعمة والخير الشيء الكثير، ولا أقول: إنه لا يوجد فقراء، وإن كنت أطالب إخواننا الأغنياء أن ينزلوا إلى أسافل الجبال ليجدوا هناك الفقراء، لكني أقول: إن الفقر نسبياً قد قل في بلادنا والحمد لله، وعدم في كثير من الأحيان، وأصبحت أكبر مشكلة أمام الناس هي موضوع تزويج هؤلاء العزاب.

    ومن تسبب في زواج شاب صالح بامرأة صالحة له أجر عند الله عز وجل بمقدار ما يتمتع أحدهما بالآخر مدى الحياة وبمقدار ما ينجبون من الأولاد الصالحين الذين يكونون سبباً في عمارة هذه الحياة عمارة صالحة.

    أدعو أصحاب الخير والثراء والجمعيات الخيرية التي تصل إليها أموالاً كثيرة والحمد لله من المحسنين أن يضعوا بنداً لمساعدة هؤلاء العزاب الذين هم بحاجة إلى الزواج؛ حتى يحفظوا أنفسهم وكرامتهم وطهارتهم، وقد نفذته كثير من الجمعيات الخيرية في بعض مناطق المملكة فرأينا خيراً كثيراً بسبب تبني هذا المشروع العظيم.

    1.   

    وجوب المعاشرة بالمعروف بين الزوجين

    بعد الزواج يجب على الزوج أن يحافظ على العشرة الزوجية بالمعروف، والله تعالى يقول عن العشرة الزوجية: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، فالعشرة الزوجية أمر مطلوب، والذين يتعاملون مع زوجاتهم بشراسة أو بظلم أو بتعدي يهضمون المرأة حقها، ويظلمونها، وسيحاسبهم الله يوم القيامة على ذلك، إضافة إلى أنهم يشوهون سمعة المسلمين لأنهم يحسبون من المسلمين، والعشرة الطيبة تعني القيام بالنفقة، وطلاقة الوجه، ودماثة الخلق، وبذل كل ما في الوسع من أجل أن تكون الحياة سعيدة بين الزوج والزوجة، إضافة إلى تقديم السكن والنفقة والكسوة، والله تعالى يقول: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7]، ثم يعد الله عز وجل بالفرج: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7]، ويقول عن السكن: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ [الطلاق:6]، وكذلك الكسوة وكل ما تحتاجه هذه المرأة من أشيائها الضرورية والكمالية حسب نظام المجتمع، وحسب استطاعة هذا الإنسان، وحسب مستوى هذه المرأة في المجتمع، فلابد أن يقوم بهذا وإلا فإنه يعتبر مقصراً في حقها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755908661