إسلام ويب

سلوك المسلم في البيع والشراءللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يجب على التجار ومرتادي الأسواق تعلم أحكام البيع والشراء، فكثير من المخالفات إنما تقع عن الجهل بأحكام الشرع فيها، وقد كان الخلفاء يلزمون الناس بتعلم الأحكام المتعلقة بالبيع والشراء كشرط لدخولهم الأسواق، وقد جاء الإسلام بجملة من الآداب والمنهيات في هذا الباب، والتي تحفظ المصلحة العامة، وتبعد الإنسان عن الوقوع في الغرر أو الغبن أو الربا من حيث لا يشعر.

    1.   

    أهمية تعلم فقه البيع والشراء

    إن الحمد لله تعالى؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.

    حياة المسلم كلها ينبغي أن تكون مليئة بمظاهر العبودية لله عز وجل، فالعبد لا يكون عبداً إلا إذا سلم لله عز وجل في أمره ونهيه، في حضره وسفره، في حله وترحاله، لا بد أن يكون عمل العبد وقوله ومسلكه ومخبره ومظهره عنواناً للعبودية التامة لله عز وجل، وقد ظن بعض الناس -وإن شئت فقل: أكثر الناس- أن دين الله عز وجل إنما هو صلاة وصيام وزكاة وحج وكفى، ولذلك إذا لمت أحدهم على خطيئة وقع فيها أو معصية ارتكبها قال: أنا والحمد لله أزكي وأصوم وأحج كل عام، ظناً منه أن هذا هو دين الله عز وجل وحسب، وليس الأمر كذلك، بل كل ما يمكن أن يمر به المسلم في يومه وليله وفي عمره كله ينبغي أن يكون محكوماً ومضبوطاً بضوابط الشرع أمراً ونهياً، إتياناً وتركاً، قال الله عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقال الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، وهذه آيات عامة مطلقة تحكم حياة المسلم. أقواله وأفعاله، سلوكياته وأخلاقه في كل وقت وحين.

    هناك باب عظيم من أبواب العلم هجره الناس، وبالتالي وقعوا في المأثم والمغرم؛ لأنهم تصوروا أن الأصل في البيع والشراء الحِل على كل حال، وليس الأمر كذلك، فقد أتانا الشرع ببيوع كثيرة محرمة يقع فيها الناس، ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدخل السوق، فإذا وجد بائعاً لا يفقه كيف يبيع ويشتري علاه بالدرة، وقال له: تعلم. من لم يتعلم ذلك الفقه وقع في الربا شاء أما أبى.

    وهكذا كان يفعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وغير واحد من مسئولي الأمة في صدرها الأول كانوا يفعلون ذلك مع الباعة والمشترين في الأسواق، كانوا يحملونهم على أن يتعلموا كيف يبيعون وكيف يشترون، وهذا باب من أبواب العلم الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) صحيح من حديث أنس.

    وقال عليه الصلاة والسلام من حديث النعمان بن بشير في الصحيحين.. وغيرهما: (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات).

    وكثيراً ما تقع الشبه في البيع والشراء، فلا يدري البائع كيف يبيع، ولا كيف يشتري المشتري، وبالتالي يدخل المرء السوق فيقع في المأثم ويخرج بالمغرم، وهو يظن أنه قد باع واشترى، وهو في حقيقة الأمر ليس عند الله كذلك، بل دخل ليتحمل من الآثام والأوزار ما الله تعالى به عليم، ولذلك جعل الله تبارك وتعالى للبيع والشراء آداباً، وأحكاماً، وأخلاقاً.

    1.   

    دلالة الكتاب والسنة والإجماع على حل البيع وتحريم الربا

    البيع حلال بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب: فقول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]رداً على اليهود الذين قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [البقرة:275] نفس الصورة التي يتم بها عقد البيع يتم بها عقد الربا، ولكن الله تعالى أحل هذا وحرم ذاك، بل ومحق الربا، وربّى ونمّى البيع، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276] يربيها وينميها كما ينمي أحدكم فلوه -المهر الصغير-، يربيه حتى يكون حصاناً كبيراً يصلح لنقل البضائع والأمتعة.

    البيع والربا وإن كانا متحدين في الصورة إلا أنهما مختلفان في الحقيقة والجوهر، كما أنهما يختلفان في الحكم الشرعي: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] والرضا شرط في صحة البيع بين البائع والمشتري، كما يشترط ألا يكون هناك غبن ولا تدليس ولا تمويه في البيع والشراء.

    أما السنة: فقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث حكيم بن حزام : (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا فقد وجب البيع).

    فأثبت النبي عليه الصلاة والسلام خياراً للبائع والمشتري في مجلس العقد، أي: مجلس البيع والشراء، فإذا انصرف البائع أو المشتري من المجلس فقد تم ونفذ البيع حينئذ، فلا يحل للمشتري ولا للبائع أن يرجع في بيعه وشرائه؛ لأن بعض الناس يذهب إلى البائع فيشتري سلعة، ويدفع الثمن ويقبض السلعة بين يديه، ثم تمكث عنده اليوم واليومان ثم يرجع إلى البائع مرة أخرى ويقول: أنا لا أريدها. خذها وأعطني ما دفعت، فلو أن البائع رفض لكان محقاً في الشرع؛ لأن المشتري أخذ السلعة وانصرف عن مجلس البيع فانقطع خيار الرد، إلا أن يكون في السلعة عيب خفي فللمشتري أن يرجع إن لم يكن من أهل الخبرة بهذا العيب، أما إذا كان العيب ظاهراً فلا، كأن يشتري شيئاً من الثمر أو الطعام به عيب ظاهر في الرائحة أو المنظر ورأى هذا العيب أو لم يره فلا يحق له أن يرجع على البائع إذا انصرف؛ لأنه قصر في معرفة السلعة التي أراد أن يشتريها، ولذلك لما دخل النبي عليه الصلاة والسلام السوق ووجد رجلاً يبيع سلعة من السلع فقلبها فوجدها مبتلة! قال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابها المطر يا رسول الله، قال: هلا أظهرت عيبها، ثم قال له: من غشنا فليس منا).

    قوله: (من غشنا)، خطاب عام لجميع الأمة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (التجار هم الفجار إلا من بر واتقى)، وقال: (ليس للتجار الصدوق جزاءً إلا الجنة) إذا كان صادقاً، أما إذا كان غاشاً ومدلساً فالنار مثواه أو يعفو الجبار تبارك وتعالى.

    كذلك إجماع الأمة منعقد على حل البيع والشراء، وأنه خاضع للضرورات وحاجات الناس، فلا يمكن لإنسان أن يحقق الاستغناء والكفاية التامة لنفسه أو لغيره، والإنسان اجتماعي بطبعه يحتاج إلى أخيه كما أن إخوانه يحتاجون إليه، وليس للمرء أن يعيش وحده أبداً، فلما دعت حاجة الناس إلى التبادل والبيع والشراء أحل الله عز وجل ذلك للناس تيسيراً لهم، ورفع الحرج والمشقة عنهم، وأمرهم بأوامر وأحكام منها:

    وجوب الكيل بالقسط والميزان، والوفاء في الكيل والميزان، كما قال الله تعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ [الأنعام:152]، وقال الله تعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [الإسراء:35]، وهدد الله عز وجل من خالف ذلك فقال: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1]، ثم وصفهم الله عز وجل فقال: الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ [المطففين:2]، إذا أخذوا من الناس أخذوا أنصبتهم كاملة وافية، وإذا أعطوا الناس بخسوهم في الكيل والميزان وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [المطففين:1-4] بين يدي الله عز وجل، وموقوفون، ومحاسبون على النقير والقطمير، لا بد أن يعلموا ذلك، فإذا علموا فليعلم من طفف الكيل والميزان أن الله تعالى قد أعد له في الآخرة الويل والثبور؛ لأجل حبات من القمح، أو الشعير، أو الأرز، أو الثمار، الأمر لا يستحق، بل الدنيا بحذافيرها لا تساوي أن يتعرض المرء للفح النار فضلاً عن أن يدخلها ويمكث فيها ما شاء الله له أن يمكث.

    1.   

    من آداب البيع والشراء وأحكامهما

    السماحة

    من آداب البيع والشراء وأحكامهما: غض الطرف في البيع والشراء، والقضاء والاقتضاء، كما روى البخاري من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى).

    مسامحة في البيع والشراء، لين الجانب، خفض الجناح، المسامحة في الشيء الحقير التافه، البائع يرفض البيع لأجل خمسة قروش أو عشرة، وهذا بلاء عظيم، ونتن وعفن قلبي، وكذلك يتحرج المشتري أن يقدم على شراء حاجته من عنده لأن ماله غير مكتمل؛ لأنه لم يتأكد من أخلاق البائع، ويعلم أن البائع سيوقعه في الحرج والعنت والمشقة.

    البائع يعرض سلعته بأغلى الأثمان، يريد بذلك عند المساومة إنزال بعض هذا السعر، لكنه يتعنت أشد التعنت في أول الأمر، فإذا غلب على ظنه أن المشتري سوف يفلت منه نزل بالسعر نزولاً يوحي بأنه كاذب وغاش وليس صادقاً في بيعه وشرائه، وهذا يتنافى مع السماحة التي دعا النبي عليه الصلاة والسلام لأهلها.

    النهي عن الحلف في البيع والشراء

    نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الحلف، كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة).

    نعم ستنفق السلعة، لكن لا بد أن تعلم علمَ يقين أن المال الذي أخذته بهذا الحلف صادقاً يدل على قلة تعظيم الله عز وجل وأسمائه وصفاته في قلبك، واستهانة منك بأن جعلت يمين الله تعالى عرضة له في البيع والشراء، وإن كنت حلفت كاذباً فقد اقتطعت به حق امرئ مسلم بغير حق، وهذا هو اليمين الغموس، وسمي غموساً؛ لأن الله تعالى يغمس صاحبه في نار جهنم!

    لأجل أن تباع سلعة -لعل الله تعالى لا يقدر لها البيع قط- يخرج الإنسان من هذا الموقف بغضب الله وسخطه، الأمر لا يستحق كل هذا، فلا بد لكل مشتر وبائع من وقفة في البيع والشراء.

    عاقب الله تعالى الحالف بعقوبة عظيمة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (ثلاثة لا ينظر الله تبارك وتعالى إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب).

    المسبل: الذي أطال ثوبه تحت الكعبين، والمنان: الذي يفعل الشيء ويَمنُّ به، والذي ينفق سلعته بالحلف الكاذب، هؤلاء لا ينظر الله تعالى إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب يتألمون منه في نار جهنم.

    تحريم المماطلة والنهبة

    قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله عز وجل).

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف وهو مؤمن).

    (ولا ينتهب نهبة): يأخذ أموال الناس نهبة. نفى النبي عليه الصلاة والسلام عنه الإيمان!

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (مطل الغني ظلم، وإذا أحيل أحدكم أو أتبع أحدكم على مليء فليتبع، أو قال: فليحتل).

    (مطل الغني ظلم) المطل من المماطلة، والتسويف في دفع حقوق الناس، وهذا ظلم لمن كان يملك المبلغ الذي للناس في ذمته، وأما إذا كان لا يملك فهو معسر، وعليه قال جماهير العلماء: فلا يحل حبسه، ولا ملازمته، وتكره مطالبته، ولذلك قال الله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، فأمر الله عز وجل الدائن أن ينظر المعسر، أما إذا كان غنياً يملك مبلغ الدين فيجب عليه أن يعطي أصحاب الحقوق حقوقهم، ولو مات على ذلك فهو على خطر عظيم، ففي الحديث: (أن رجلاً مات وعليه من الدين ديناران، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أعلى صاحبكم دين؟ قالوا: نعم يا رسول الله! عليه ديناران، فقال: أترك ما يوفى به؟ قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم، وامتنع النبي عليه الصلاة والسلام أن يصلي عليه، فقام أحد أصحابه فقال: يا رسول الله صل عليه وعلي دينه، فصلى عليه النبي عليه الصلاة والسلام، وفي المساء سأل الذي تحمل الدينارين، فقال: أقضيت عن صاحبك؟ قال: لا يا رسول الله، قال: اذهب فاقض عنه، فذهب الرجل فقضى الدين عن صاحبه، فلما جاء في صلاة الفجر، قال: أين الذي تحمل الحمالة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: هل قضيت عن صاحبك؟ قال: نعم، قال: متى؟ قال: الآن، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: الآن بردت عليه جلده من نار جهنم).

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين) الشهيد الذي حباه الله تعالى بمكارم الهدايا والعطايا والمنح، ورفعة المنزلة فوق كل الخلق ما عدا الأنبياء والمرسلين؛ فإن الشهيد بعدهم في الفضل والمنزلة، النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله تعالى خلق في الجنة مائة درجة للشهداء في سبيل الله).

    وقال: (يغفر للشهيد مع أول دفقة من دمه، ويؤتى به يوم القيامة يثغب جرحه دماً، اللون لون الدم والريح ريح المسك، ويزوج من الحور العين باثنتين وسبعين، ويشفع في سبعين من أهل بيته)، ومع هذا لا يغفر له الدين!

    وقوله: (وإذا أحيل أحدكم على مليء) أي: إذا قلت لك: اذهب إلى فلان الغني الذي يملك أن يقضي عني ديني فخذ منه دينك، فلا يحل لك أن ترفض هذا وتأباه.

    فقوله: (وإذا أحيل أحدكم إلى مليء فليحتل) أي: فيقبل عقد الحوالة، لا خيار له في ذلك.

    ضرورة الصدق في البيع والشراء وتحريم الكذب فيهما

    قال عقبة بن عامر : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (لا يحل لمسلم باع من أخيه شيئاً فيه عيب إلا بينه له)، وهذا يعني بمفهوم المخالفة: أنه يحرم على أحدكم أن يبيع أخاه شيئاً وهو يعلم عيبه ولا يبينه له، كثير منا يجمل ويحسن العيب ويخفيه ويستره ويداريه عن نظر المشتري حتى يبيع السلعة، فإذا سأله المشتري: هل بها من عيب؟

    وهنا مأزق عظيم، فإذا أراد البائع أن يهرب من الإثم بزعمه قال: نعم، لقد وقعت هذه السيارة أو تعرضت لحادث حتى كانت كعلبة السردين، ثم أصلحتها، وهو يريد بذلك المبالغة في ذكر العيب الذي ليس فيها، حتى إذا نظر إليها المشتري، قال: لا أجد أصدق منك؛ لأنها ليست كذلك.

    ولذلك إذا باع رجل بيتاً بأعمدة، المعلوم يقيناً أن هذه الأعمدة والسواري لا بد أن يكون لها قواعد في الأرض، فإذا سأل المشتري البائع، قال: هل قواعدها متينة قوية؟

    قال: أنا لم أبن هذا البيت على قواعد ألبتة، هذا البيت أمامك، إن شئت أن تأتي بخبير، وإن شئت أن تشتريه على هذه الحال، أما أنا فلم أضع قواعد في الأرض، فيعلم المشتري صدق هذا البائع، وأنه لا يريد أن يقسم أيماناً، وهو يريد أن يبيع هذا البيت على حالته، فيغتر بذلك ويشتري البيت، وفي حقيقة الأمر أن قواعده ضعيفة لا تقوى على مزيد من البناء، أو على تحمل البناء لسنوات طويلة قدرت في العمر الافتراضي لهذا البناء، فيكون هذا من باب الغش لا من باب الصدق في البيع والشراء.

    وقال الله عز وجل: (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر).

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما).

    الناس ينظرون إلى الأموال بكثرتها، والشرع ينظر إلى الأموال ببركتها، فكم من إنسان ليس له مال، لكن الله تبارك وتعالى يبارك في القليل بين يديه لتقواه، وصدقه، وحرصه على مرضاة ربه، وكم من الناس معهم الأموال الطائلة أنفقوها في الملذات والشهوات والخمور والنساء والمخدارت.. وغير ذلك؛ لأن الله تعالى نزع البركة منها؛ ولذلك روى مسلم والبخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رجلاً كان يخدع في البيع والشراء، فأتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله إني أخدع إذا بايعت، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إذا بايعت أحداً فقل: لا خلابة) والخلابة بمعنى الخداع أو التدليس والتمويه.

    1.   

    بيوع محرمة

    بيع الملامسة والمنابذة والعصا

    هناك من يبيع القماش أو الأثواب للناس إذا قلت له: أعطني هذا الثوب أو هذا القماش، قال لك: إذا لمسته بيدك فلا بد أن تشتريه، لا تخرج من هنا إلا مشترياً، هذا بيع الملامسة وهو حرام، وكذلك المنابذة أن أقول لك: أنبذ إليك ثوبي، وتنبذ إلي ثوبك، فتجعل مجرد النبذ أو الدفع والإلقاء بيعاً، بمجرد أن أنبذ إليك الثوب فقد تم البيع، فالنبذ يقوم مقام الرضا حتى مع وجود العيب، وهذا كذلك بيع محرم في الشرع.

    وهناك بيع آخر يسمى بيع العصا، ولا يزال موجوداً في الأرياف، أن يأتي الرجل بعصا طويلة ثم يجعل فيها كرة من الطين أو يأخذ حصاً من الأرض ثم يقول للمشتري: أبيعك من هذه الأرض ما بلغت إليه الحصى بثمن كذا، ثم يرمي المشتري هذا الطين أو هذه الحصى بأقصى جهد له إذا كان صادقاً في بيعه وشرائه، فحيث ما استقرت الحصى وجب البيع واستحق البائع الثمن، وأخذ المشتري قطعة الأرض بغير زيادة ولا نقصان، هذا البيع كذلك محرم، ولكننا نراه إلى يومنا هذا في أرياف مصر على جهة الخصوص.

    وحرم الشرع ذلك للغرر، وهو غلط يقع فيه المرء، لا يدري ماذا يبيع؟ وماذا يشتري؟ هل هو مغبون مظلوم في البيع أو ظالم للبائع؟

    بيع العبد الآبق والدين والطير في الهواء والسمك في الماء وبيع ما لا يملك

    كذلك الذي يبيع العبد الآبق (الهارب) من سيده، أقول لك: أبيعك عبدي الذي هرب بمائة دينار، إذا وجدته وجب البيع، وإن لم تجده وجب البيع، لا علاقة لي بك.

    وكذلك بيع الدين، رجل معه شيك بعشرة آلاف يبيعه لآخر بسبعة آلاف على أن يتصرف المشتري في هذا الشيك كيف شاء، ولا يحق له الرجوع على البائع الأول، حتى وإن كان هذا الشيك مزوراً.

    كل ذلك من البيوع المحرمة؛ لأنها من بيوع الغرر، كالذي يبيع الطير في الهواء، أقول لك: بعتك هذا الحمام الذي على هذه الشجرة.

    أو أبيعك السمك الذي في قناة السويس، أو في البحر الأحمر، أو المتوسط، أو في الترعة الفلانية، كما يفعل الفلاحون إلى يومنا هذا عندما يبيعون السمك في الترع التي في مقابل أراضيهم، فيأتي المشتري فيجعل في أول الأرض وفي آخرها سداً من هنا ومن هناك، فربما وجد سمكاً كثيراً أو ربما لا يجد، فضلاً عن أن هذا الذي باع السمك في الماء أو الطير في الهواء باع ما لا يملك، وهذا حرام، وباع ما لا يقدر على تسليمه وهذا حرام، وباع ما لم يتمكن من نقله إلى رحله، والنبي عليه الصلاة والسلام: (نهى أن يبيع الرجل ما لا يملك، وأن يبيع ما لا يقدر على تسليمه، وأن يبيع الشيء حتى يستوفيه وينقله إلى رحله).

    لا تذهب إلى التاجر وتقول: بعني هذه المروحة بمائتين من الجنيهات، خذ الثمن وسأرسل إليك فلاناً فأعطه إياها، وتذهب إلى آخر، وتقول له: إني أملك مروحة في المكان الفلاني فهل تشتريها مني؟ قال: نعم، بكم؟ تقول: بمائتين وخمسين، ثم تقبض الثمن، وتقول: اذهب إلى فلان التاجر فخذها منه، لا يحل هنا البيع إلا بشرط أن تنقل هذه المروحة إلى مكانك، وأن تبتعد بها عن مكان البيع والشراء الأول، (نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يبيع الرجل السلعة حتى ينقلها إلى رحله)، كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر .

    وكذلك بيع اللبن في الضرع، لا يعلم الإنسان كمية اللبن، فكيف يبيع اللبن في الضرع؟ أو يبيع الطير في الهواء؟ أو السمك في الماء؟ أو الحمل في البطن؟ كيف يبيع شيئاً مجهولاً أو معدوماً، كل هذه من البيوع المحرمة.

    بيع المستثنى غير المعلوم

    أقول لك: بعتك الأثواب إلا ثوباً واحداً، أو البستان إلا شجرة، أو النخيل إلا نخلة، هذه كلها بيوع محرمة، لا بد من تعيين الثوب، والشجرة، والنخلة، أقول: بعتك البستان إلا هذه الشجرة بعينها، أو هذه النخلة بعينها، أو بعتك الأثواب إلا هذا الثوب بعينه، أما قولك: بعتك الأثواب إلا ثوباً، إلا شجرة، إلا نخلة، إلا عبداً، كل ذلك من البيوع المحرمة؛ لأنها من بيوع الغرر، إلا أن يكون الغرر حقيراً قد تعارف الناس عليه، كأن يبيع الرجل الوسادة محشوة وهو لم ينظر إلى الحشو، أو أن يبيع الدار المؤسسة لكنه لا ينظر إلى أساسها؛ لأن هذا أمر يحتاج إلى عنت ومشقة وهذا يصعب، فالغرر فيه يسير، أو أن يبيع الرجل شيئاً يسيراً لا يمكن تتدارك الحقيقة لبلوغ العنت والمشقة، فحينئذ لا بأس أن يبيع الرجل، ويتسامح في الغرر.

    بيع حبل الحبلة

    (نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع حبل الحبلة) ومعنى حبل الحبلة: أن تبيع أنت ولد ولد الناقة الذي لم يولد بعد، تقول: هذه ناقتي وهي حامل، فإذا ولدت الأولى بعتك ولد ولدها بكذا الآن، وهذا بيع من بيوع الغرر؛ لأنك لا تدري أتنتج هذه الناقة التي بين يديك، وإذا نتجت أتحمل أم لا؟ أتعيش أم لا ؟ وإذا نتجت أتلد أم لا ؟ وغير ذلك من الأحكام الشرعية التي حرمها النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر في الصحيحين.

    بيع النجش

    كذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش، والنجش: هو الخداع برفع سعر سلعة للتغرير بآخر، وهذه الصورة موجودة في الأسواق، ستجدون رجلاً يبيع ثياباً أو ثماراً أو خضرة، ويقول البائع: هي بجنيهين، فيقول رجل ممن حوله: أنا أشتريها بثلاثة، ويقول الرابع: بخمسة، وهكذا فيغتر من لم يعرف ذلك، ويعتقد غلاء هذه السلعة، فيشتريها بأعلى الأثمان، هذا الذي زاد في ثمن السلعة لا يريد شراءها أصلاً، وإنما فعل ذلك ليغر الجاهل الذي دخل السوق ليشتري، وهذا قد أسماه الشرع: نجشاً، أو يأتي هذا الناجش فيمدح السلعة ويطريها حتى يستقر في قلب المشتري أن هذه السلعة تستحق الثمن الفلاني، فإذا اشتراها فوجئ أنها لا تستحق شيئاً، وأنها مليئة بالعيوب الظاهرة والباطنة.

    بيع الحاضر للبادي

    نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع الحاضر للبادي، مثاله: رجل أتى من البدو أو القرية ودخل المدينة، فنزل على قريب له، فهل يحل لهذا القريب أو الغريب الحاضر أن يبيع لهذا البادي؟

    الجواب: لا، وقال ابن عباس: معنى النهي عن بيع الحاضر للبادي أن يعمل له سمساراً، وليس معنى ذلك تحريم السمسرة، لكن على أن تكون بين غير الحاضر والبادي.

    مثال ذلك: أن رجلاً أتى بسلعة أو بضاعة من الريف ودخل القاهرة، فقال له قريبه: السعر في هذه الأيام نازل، فدع السلعة عندي أمانة لأبيعكها إذا ارتفع السعر، فهذا هو نهي النبي عليه الصلاة والسلام أن يبيع الحاضر للبادي، وهذا البيع راعى فيه الشرع مصلحة الجماعة؛ لأن البائع لو أنه نزل السوق فباع برخص السعر لانتفع مجموع الناس، وهكذا يحرص الشرع على المنفعة الجماعية ويقدمها على المنفعة الشخصية.

    بيع التصرية

    يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من باع شاة مصراة -وفي رواية: من ابتاع إبلاً أو غنماً مصراة- فهو بخير النظرين بعد ثلاث، إما أن يمسكها، وإما أن يردها ومعها صاعاً من تمر).

    وبيع التصرية معناه: أن يترك الرجل ناقته أو شاته أو بقرته يوماً أو يومين أو ثلاثة دون أن يحلبها، يعظم لبنها ثم ينزل بها إلى الأسواق، فيظن المشتري أن هذه عادة تلك البهيمة، فيشتريها طلباً لكثرة اللبن، فإذا حلبها في اليوم الأول أتت بلبن أكثر من اليوم الثاني، وفي الثاني أكثر من الثالث، ثم بعد ذلك يكون اللبن أقل من الأول والثاني والثالث؛ لأنها رجعت إلى عادتها الأولى، فاكتشف المشتري الخدعة التي وقع فيها، وأن البائع قد صر هذه الناقة، ومعنى التصرية: الحبس، أي قد حبس اللبن في ضرعها ولم يحلبها، يغر المشتري، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (فمن وجد ذلك فهو بالخيار بعد ثلاث)، وهذه هي المدة التي تسمح لك بمعرفة العيب، وجعل للمشتري الخيار في رد البيع وأخذ الثمن، أو الاستمرار في قبض السلعة بين يديه.

    فقال: (فمن وجد ذلك فهو بالخيار بعد ثلاث، إن شاء أمسك -أي: احتفظ بالشاة أو الدابة- وإن شاء ردها ورد معها صاعاً من تمر)، والصاع من التمر مقابل اللبن الذي نتج عنده.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد.

    البيع والخطبة على بيع الأخ وخطبته

    الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الرجل على بيع أخيه، وعن خطبة الرجل على خطبة أخيه) كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر .

    وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة : (وأن يستام على سوم أخيه)، وفي رواية: (على سيمة أخيه) وهذا هو النجش.

    أما حديثه عليه الصلاة والسلام: (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه إلا أن يدع أو يأذن له، ولا يبيع أحدكم على بيع أخيه إلا أن يأذن له) وهذا إذا حدد الثمن ولم يتم العقد، ولذلك ربما ظن بعض الحاضرين أن ما يسمى بالمزاد حرام؟

    لا! المزاد حلال؛ لأنه مجلس لإتمام البيع لشخص واحد قد أعد لزيادة السعر في سلعة واحدة، فإذا أتى صاحب السلعة وقال: أنا أبيع هذه السلعة بمائة أو أبيعها بأعلى سعر فالناس في زيادة مستمرة في هذا المجلس، فلا حرج حينئذ من زيادة في المجلس، فقد ساوم النبي صلى الله عليه وسلم في زيادة بيع قصعة رجل، حتى يقبض الثمن ويذهب فيحتطب، أو يجمع لنفسه معاشاً كريماً نزيهاً، فالمزايدة حلال لا بأس بها، أما إذا كنت تعلم أني قد ذهبت إلى هذا الرجل واشتريت منه سلعة ما بمائة، ثم قلتُ له: أنظرني حتى أذهب إلى البيت وآتي لك بالثمن الذي اتفقنا عليه، وتذهب أنت من ورائي وتقول للبائع: بكم بعت السلعة؟ فيقول: بعتها بمائة، فتقول له: أنا اشتريها منك بمائة وعشرة، هذا لا يحل لك.

    أو أن تذهب إلى ولي امرأة فتقول له: هل خطبت ابنتك؟ فيقول لك: نعم، فتقول: لمن؟ فيقول: لفلان، تقول: أنا أفضل منه وأشرف، وعائلتي أفضل من عائلته، وأنا متقدم لخطبة موليتك فانظر ماذا ترى؟ أو تقول لوليها: كم دفع؟ وعلى كم اتفقتم؟ فيقول: خمسة آلاف، تقول: أنا أدفع مائة ألف، فتغري الولي بفسخ الخطبة الأولى، وإتمام الخطبة الثانية، كل ذلك نهى عنه الشرع وحرمه.

    تلقي الجلب والركبان

    نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن تلقي الجلب والركبان والسلع حتى تبلغ الأسواق:

    والجلب، هو ما يجلب من خارج المدينة من الأرياف، يخرج رجل بعد الفجر على الطريق، فإذا وجد سيارة قد ملئت ثمراً أو متاعاً، أو شيئاً مما يلزم الناس في حياتهم، يذهب به الجالب إلى السوق كي يبيعه، وقد علم هذا المتلقي بغلاء الثمن والسعر في الأسواق، فقابل أصحاب السلع على الطريق، فقال: بكم تبيعون هذا الثوم، أو البصل، أو الجزر، أو اللحم، أو التمر؟ فقالوا: بكذا وكذا، فقال: أنا أشتريه منكم بكذا، وهو يعلم أن السعر أعلى من ذلك في السوق، ولكنه أخفى ذلك عنهم، فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن تلقي الركبان وتلقي الجلب، وتلقي السلع حتى يدخل صاحبها الأسواق، فيبيع ويشتري حيث شاء، وكل هذا من عقود الغرر.

    بيع العينة

    نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع العينة.

    قال عليه الصلاة والسلام: (إذا تبايعتم بالعينة، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله، ضرب الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم).

    بيع العينة: هو أن تذهب إلى رجل وتقول له: أقرضني مائة جنيه، فيقول لك: ليس عندي مالاً لأقرضك، ولكن خذ هذا الحب بمائة جنيه بالتقسيط في كل شهر تدفع عشرة، فتأخذ هذه السلعة، ثم يقول لك البائع نفسه: ادفع لي هذه السلعة أو بعني إياها بثمانين حالاً؟ فتقول: نعم، خذ السلعة وأعطني ثمانين جنيهاً، فتكون قد اشتريت بالثمن العالي مؤجلاً ودفعت عين السلعة لعين البائع بثمن أقل حاضراً، هذا البيع حرام وهو حيلة للربا، والله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وقد حرم هذا البيع.

    وسميت عينة؛ لأن عين السلعة يشتريها عين البائع، بثمن أقل حاضراً، وقد باعها لنفس المشتري بثمن أكثر مؤجلاً، يعني بالتقسيط.

    بيع الثمار حتى يبدو صلاحها

    نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها.

    قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر في الصحيحين.. وغيرهما : (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، فقيل لـابن عمر: وما بدو صلاحها؟ قال: حتى تحمر وتصفر وتذهب عنها الآفة).

    أما أن تذهب أنت إلى نخلة فتقول لهذا الرجل: أنا أشتري هذا البلح، أو هذا الثمر بكذا الآن، فلا! وألف لا، حتى يبدأ البلح في الحمرة أو الصفرة، وهذه الحمرة أو الصفرة دليل على أمن العاهة والآفة أن تلحق به، أو أن يبيض السنبل ويقوى، إذا أردت أن تبيع أرزاً أو شعيراً أو قمحاً.. أو غير ذلك فلا تبعه رطيباً؛ لأنه معرض للآفة، ولكن إذا عظم حبه وكان صلباً قوياً فهذه علامة على سلامته من الآفة، فحينئذ يجوز لك أن تبيعه على هذا النحو، وإلا فلا.

    اقتناء الكلاب ومهر البغي وحلوان الكاهن وكسب الحجام

    نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، وعن مهر البغي، وعن حلوان الكاهن، وعن كسب الحجام.

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام : (ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وحلوان الكاهن خبيث، وكسب الحجام خبيث).

    فهذه بيوع كلها محرمة، كما أنها مخلة بالمروءة، يقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو حراسة أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان).

    (من اقتنى) أي: من ربى كلباً في بيته بغير حاجة ولا ضرورة، والحاجة هي الحراسة للزرع.. ونحوه، وإلا فيحرم اقتناء الكلاب بلدية أو غير بلدية، وبعض الناس الآن يتباهى ويتشبه بفعل الغرب ويقتني الكلاب، وربما دفع فيها المئات، بل الألوف، ويفاخر القاصي والداني ببياض كلبه، أو حمرته، أو بلون عينيه، أو بطول لسانه، ويعد له مقعداً خاصاً في سيارته، ونزهه بما لا ينزه أولاده، ثم إذا أراد إلحاق الأذى بالناس وقف عند محطة سيارات أو باصات عليها العشرات والمئات من الفقراء والمساكين ينتظرون دابة بغير نول، أو باصاً بأبخس الأثمان، ثم يخرج الكلب لسانه ربع متر، فما موقف الفقراء وما شعورهم حينئذ، هو أحق، وأجدر، وأليق، وأخلق، بأن كان له أجر عند الله أن يمحو الله تبارك وتعالى أجره، ويعطيه لهؤلاء الفقراء والمساكين. (من اقتنى كلباً إلا كلب حراسة أو صيد أو ماشية، نقص من أجره كل يوم قيراطان، القيراط الواحد مثل جبل أحد) .

    كم لدينا من القراريط؟ هل نحن في غنى عن فضل الله عز وجل؟

    إذاً: لم نعرض أنفسنا ونحن الفقراء إلى الله عز وجل لضياع ثوابنا وحسناتنا في مثل تربيته الكلاب.

    وكذلك مهر البغي، وهي المرأة الزانية، مال خبيث، سواء المال الذي تأكله، أو المال الذي تدفعه، فكله مال خبيث لا يحل الإنفاق منه بحال، حتى ولو على الأولاد والأحفاد، فإنه لا يجوز لهم، وهم في غنى عن هذا المال أن يتكسبوا منه، أو أن ينفقوا منه على أنفسهم في الطعام والشراب.. أو غير ذلك.

    وكذلك حلوان الكاهن، المبلغ الذي تدفعه أنت إلى العراف والساحر والكاهن كل ذلك حرام، وهو مال خبيث، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (حد الساحر ضربة بالسيف) .

    وقال عليه الصلاة والسلام: (من ذهب إلى ساحر أو عراف أو كاهن فلم يصدقه، لم يقبل الله تعالى منه صلاة أربعين يوماً، وإن صدقه فقد برئت منه الذمة) .

    ونهى النبي عليه الصلاة والسلام عن كسب الحجام، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم، وأعطى الحجام أجره، وكان أحمد بن حنبل رحمه الله إذا احتجم ناول الحجام ديناراً، فإن أبى الحجام قال: إن أخذت وإلا فلا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم وأعطى الحجام أجره.

    والجمع والتوفيق بين الروايتين: أن أجر الحجام خبيث إذا طلبه، أو اشترطه، أو غالى فيه، أما إذا أعطي بغير إشراف نفس منه فلا بأس بذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756237857