ثم ذكر المسند وهو نسبة القول إلى قائله سواء كان مرفوعاً أو موقوفاً. و أبو عبد الله الحاكم يقول: المسند: هو ما اتصل إسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن العلماء اختلفوا في كلمة المسنَد، فالمسنَد: هو ما اتصل إسناده مرفوعاً، فهل هناك فرق بين المرفوع وبين المسند من وجهة نظر الحاكم ؟
الفرق: أن المسند لابد وأن يكون فيه شرط الاتصال إلى النبي عليه الصلاة والسلام، أما المرفوع فممكن أن يكون مرفوعاً ويكون فيه انقطاع، فهو يريد أن يقول: كل مسند مرفوع وليس كل مرفوع مسنداً.
مداخلة: هل يمكن أن يكون مرفوعاً وفي إسناده الانقطاع؟
الشيخ: نعم طبعاً.
مداخلة: كيف يكون مرفوعاً؟
الشيخ: فكيف يكون مرفوعاً؟ فما هو المرفوع أولاً، نعرف المرفوع لأجل أن نعرف إذا كان مرفوعاً أم لا.
المرفوع: هو ما كان من قول النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا أتاني قول عن النبي عليه الصلاة والسلام بإسناد فيه انقطاع؛ فهذا الكلام نسميه مرفوعاً مع أنه ضعيف للانقطاع.
لكنه في نظر الحاكم ليس مسنداً؛ لأن المسند عند الحاكم يعني الاتصال مع الرفع.
و الخطيب البغدادي يقول: المسند: هو ما اتصل إلى منتهاه، ومنتهاه يمكن أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام، فيكون المرفوع عند الخطيب يساوي المرسل، ويمكن أن يكون منتهاه هو الصحابي؛ فيكون الموقوف يساوي المرسل عند الخطيب البغدادي، ويمكن أن يكون إلى التابعي؛ فيكون المسند عند الخطيب يساوي المقطوع على التابعي، ويمكن أن يكون التابعي ومن دونه.
فالإمام الخطيب يقول: المسند هو ما روي بالسند المتصل إلى قائله، وقائله يمكن أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام، ويمكن أن يكون الصحابي رضي الله عنه، ويمكن أن يكون التابعي ومن دونه.
فهو يريد أن يقول: إن كل ما روي بإسناد متصل إلى قائله أياً كان هذا القائل فهذا الكلام يعد مسنداً.
ثم لـابن عبد البر كلام يقول فيه: إنه المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء كان متصلاً أو منقطعاً.
وهذا الكلام يمكن أن يخالف كلام الحاكم ويمكن أن يخالف كلام الخطيب .
يخالف كلام الحاكم لأن الحاكم يشترط الاتصال، وابن عبد البر لم يشترط الاتصال، إذاً: ابن عبد البر التقى مع الحاكم في أنه لابد أن يكون الحديث مرفوعاً، وافترقا في أن الحاكم اشترط الاتصال وابن عبد البر لم يشترط الاتصال.
وأطمئنكم بأن هذه الاختلافات بين أهل العلم معارك تدور بينهم لا تضر في وقت العمل؛ لأن في وقت العمل كل هذه الخلافات تزول، فنحن إذا تركنا التعريفات والحدود التي وضعها أهل العلم لكل مصطلح على حدة وجئنا إلى واقع العمل نجد أن كل واحد من العلماء يستخدم مصطلح صاحبه.
خذ على ذلك مثالاً: أبو داود عن سريج عن قتيبة عن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال..
في هذا الإسناد كل راوٍ من هؤلاء أدرك شيخه وأخذ عنه، ففي هذه الحالة سنقول: على مذهب الحاكم هذا هو ما يطلق عليه المسند؛ لأنه متصل لا يوجد فيه انقطاع، بمعنى أن كل تلميذ وكل راوٍ أخذ عن شيخه، وهذا الكلام من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، والحاكم يشترط في المسند شرطين:
الشرط الأول: عدم الانقطاع.
والشرط الثاني: أن يكون القائل هو النبي عليه الصلاة والسلام.
أما الخطيب فيقول: أنا أتفق مع الحاكم في جزئية، وأختلف معه في جزئية، أوافقه في شرط وأخالفه في الشرط الآخر، أوافقه في الاتصال، فالاتصال شرط في المسند، وأخالفه في القائل، فليس بلازم أن يكون القائل هو النبي صلى الله عليه وسلم، بل يمكن أن يكون أبو هريرة أو أبو سلمة ، أليس عندنا في السند السابق: أبو سلمة عن أبي هريرة ؟ ولذلك قال فيه: هو ما اتصل سنده إلى منتهاه، ومنتهاه يمكن أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام، ويمكن أن يكون أبا هريرة ، ويمكن أن يكون أبا سلمة ، في حين أن التعريفات السابقة لأهل العلم تقول: إن ما كان من قول النبي عليه الصلاة والسلام فهو المرفوع، وما كان من قول الصحابي فهو الموقوف، وما كان من قول التابعي فيكون هو المقطوع.
فـالخطيب قال: كل هذا يطلق عليه المسند إذا روي بإسناد متصل.
إذاً: هو يوافق الحاكم في شرط، ويخالفه في الشرط الثاني.
و ابن عبد البر أتى برأي جديد، وافق الحاكم في شرط وخالفه في شرط، الشرط الذي وافق فيه الحاكم خالف فيه الخطيب ، والذي خالف فيه الحاكم وافق فيه الخطيب .
قال: المسند هو المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا وافق الحاكم وخالف الخطيب ؛ لأن الخطيب لم يشترط الرفع، وهذا قال: لابد أن يكون مرفوعاً، فبهذا وافق الحاكم وخالف الخطيب .
ثم قال بعد ذلك: سواء كان متصلاً أو منقطعاً، فهو لم يشترط الاتصال، وإنما جعله متصلاً أو منقطعاً على حد سواء، فهذه أقوال ثلاثة.
ويقال له: الموصول أيضاً، وقد قلت لكم: إن الموصول بخلاف الواصل، فالواصل شيء آخر ومذهب آخر، فنحن إنما نتكلم عن علم مصطلح الحديث، وليس عن علم التصوف.
فالمتصل والموصول كلاهما مصطلح حديثي.
يقول: الموصول هو المتصل، وهو ينفي الإرسال والانقطاع، ويشمل المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم والموقوف على الصحابي، أو من دونه.
وهذا يوافق كلام الخطيب ؛ لأن الخطيب قال: هو ما اتصل سنده إلى منتهاه، سواء كان منتهاه هو النبي عليه الصلاة والسلام أو من دونه من الصحابي أو التابعي.
عندما أقول لك: الشيخ فلان قال عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا، فتقول: هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فسيقول لك: لا، إن الذي بلغنا عنه فلان، فتقول: وفلان هذا أرأى النبي؟ فيقال: نعم رآه.
إذاً: في الحالة الأولى الكلام غير متصل، وأنا عندما أقول لك: روي الشيخ فلان، تقول له: أسمعت؟ فسيقول لك: لا، فتقول: إذاً فمن الذي سمع؟ فيقول: فلان، ففي الحالة الأولى غير متصل، وفي الحالة الثانية متصل، فما معنى متصل وغير متصل؟
الكلام المتصل: هو الذي ليس فيه انقطاع ولا إرسال، أنا أروي كلاماً عمن سمعته مباشرة، فلا يوجد انقطاع، أما حين أروي كلاماً عمن لم أسمع عنه فهذا فيه إرسال وانقطاع؛ لأني أسقطت راوياً بيني وبين القائل.